Translate

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

بالصور ،الحدود اليمنية العمانية




تمثل نزاعات الحدود اليمنية وترسيمها مع كل من السعودية وعمان حالة متميزة فى سياق المقارنة مع باقى حالات نزاعات الحدود العربية العربية، إذ أنها تقدم نموذجا ـ فى سياق تطوراتها الأخيرة ـ يختلف إلى حد بعيد مع التطورات العاصفة التى لحقت بحالات حدودية عربية أخرى ونشير هنا على وجه التحديد إلى توقيع اتفاق الحدود بين اليمن وعمان، والمفاوضات الفنية الإجرائية بين اليمن والسعودية التى تطورت عبر ثلاثة اجتماعات للخبراء من كلا البلدين فى الرياض وجدة وصنعاء وتبدو المفارقة المثيرة للاهتمام أن هذه التطورات ذات الطابع الإيجابى تمت بعد قيام دولة الوحدة اليمنية فى مايو 1992، والتى جمعت بين شطرى اليمن السابقين وفى حين كان الشطر الجنوبى من اليمن مسئولا عن الحدود مع عمان، كان الشطر الشمالى ـ المعروف باسم الجمهورية العربية اليمنية ـ مسئولا عن الحدود مع السعودية وفى زمن التشطير، حالت أسباب عدة من بينها التشطير ذاته دون خوض أى من الطرفين اليمنيين فى حوار جاد حول مسالة الحدود مع أى من عمان أو السعودية وحتى فى الأحوال التى شهدت قدرا من الخوض فى ملف الحدود، كانت النتائج محدودة للغاية ونشير هنا على وجه التحديد إلى حالة التفاوض الأولى بين عمان والشطر الجنوبى سابقا من اليمن فى مطلع الثمانينات، والذى توقف لمدة أربع سنوات ليعود مرة أخرى فى 1987 دون أن يحقق أى نتائج ملموسة اللهم سابقة التفاوض ذاتها وكمعظم حالات الحدود العربية ـ العربية، فإن حالة اليمن الموحد مع جارتيها عمان شرقا والسعودية شمالا، يتداخل فيها مزيج من الاعتبارات التاريخية والعرقية والاقتصادية والسياسية والإنسانية أيضا ولكل من هذه الاعتبارات دوره فى إثارة أو فى احتواء القضية على نحو معين تبعا للظرف التاريخى العام وفى هذا التقرير سنحاول إلقاء الضوء على قضية تطور مسألة الحدود العمانية اليمنية من المفاوضات حتى توقيع الاتفاقية الخاصة بترسيمها فى الأول من أكتوبر 1992، وتطور حالة الحدود اليمنية السعودية ومشكلاتها المختلفة.
أولا: الحدود اليمنية العمانية:
يعود خط الحدود القديم بين عمان وسلطنة المهرة ـ التى تمثل حاليا إحدى محافظات الجنوب فى اليمن الموحد مثلما كان شانها فى ظل التشطير ـ إلى عام 1965، حين وقعت سلطات الحماية البريطانية التى كانت تسيطر على ما كان يعرف بالمحميات الشرقية لعدن مع سلطان مسقط وعمان اتفاقية للحدود ولم يكن الخط المتضمن فى اتفاقية 1965 سوى تطويرا وتعديلا لخط سابق كان يعرف بخط ـ هيكم بوثم ـ حاكم عدن فى نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، وهو الخط الذى تضمنته الاتفاقيات الموقعة بين سلطنة المهرة وسلطنة مسقط وعمان فى عامى 1954 و 1960 وكان طبيعيا أن يكون الهدف من رسم تلك الحدود وفرضها على الأطراف المحلية سواء اليمنية أو العمانية هو حماية المصالح البريطانية فى المحميات الشرقية ومع استقلال الجنوب فى 30 نوفمبر 1967، اعترفت سلطات الجبهة القومية التى تسلمت الحكم فى الجنوب فى أول بيان لها بحدودها الموروثة مع جيرانها وبالعمل على احترام هذه الحدود إلا أن التطورات السياسية التى لحقت بالمنطقة أدت إلى محاولة تجاوز اتفاقية 1965، ونشير هنا إلى ثلاثة أسباب رئيسية.
1 ـ التطورات التى لحقت ببنية وطبيعة السلطة السياسية فى الشطر الجنوبى من اليمن، وتحوله إلى نظام يعتنق الفكر الماركسى الشمولى وارتباطه بالاتحاد السوفيتى السابق، وسعيه إلى مواجهة ما اعتبره أنظمة عربية تقليدية تدور فى الفلك الاستعمارى البريطانى والأمريكى.
2 ـ اندلاع حركة المقاومة المسلحة فى إقليم ـ ظفار ـ العمانى المتاخم للأقاليم اليمنية الجنوبية، وحصولها على دعم سياسى وعسكرى من النظام الحاكم فى الجنوب اليمنى سابقا.
3 ـ قدرة النظام فى عمان بمساعدة خارجية ـ إيرانية على وجه التحديد بداية من مطلع السبعينات ـ فى إنهاء كل أشكال المقاومة المسلحة فى إقليم ـ ظفار ـ ترتب على العمليات العسكرية العمانية نشوء واقع حدودى بين الجنوب اليمنى وعمان اتسم بعدم الاتفاق كلية مع خط الحدود المرسوم فى اتفاقية 1965 وقد أدى ذلك إلى نشوء ما يسمى بحدود الأمر الواقع وساهم مناخ التوتر آنذاك بين البلدين فى تكريس هذا الوضع لفترة من الزمن فى بداية الثمانينات بدت هناك مؤشرات لتحسين العلاقات بين البلدين على أثر التغير الذى لحق بالسلطة السياسية فى الشطر الجنوبى لليمن، حيث دانت السلطة السياسية والحزبية لعلى ناصر الذى أخذ فى انتهاج سياسة قوامها الانفتاح على الدول العربية المجاورة وكان من نتائج هذه السياسية أن تحسنت العلاقات العمانية مع اليمن الديمقراطى سابقا، وأخذ البلدان فى فتح ملف الحدود بغرض تسويته وعقدت عدت جولات للمفاوضات بين عامى 1982، 1984 تميزت مفاوضات 1982 ـ 1984 الأولى بتبادل الآراء حول كيفية رسم الحدود بين البلدين، وظهر فيها أمران:
الأول منهما رغبة مشتركة فى إعادة النظر فى اتفاقية الحدود الموروثة عن سلطات الاحتلال البريطانى، ومن هنا كان التشكيك فى اتفاقية 1965 على وجه التحديد من قبل اليمن الجنوبى أما الأمر الثانى فهو التعويل على الادعاءات بالحقوق التاريخية كسند لكلا الطرفين فى ادعاء السيادة على أكبر مساحة ممكنة من الحدود المشتركة وواقع الأمر أن الحقائق التاريخية كانت مختلطة إلى حد كبير، خاصة وان الرجوع إلى الماضى البعيد نسبيا ـ 300 سنة أو أكثر قليلا ـ كان يدفع إلى ادعاء بالسيادة اليمنية على غالبية عمان وليس فقط منطقة الحدود المشتركة، وبصفة خاصة منطقة ـ ظفار ـ ونفس الأمر ينطبق على الادعاء بالحقوق التاريخية العمانية، والتى تستند إلى وحدة الأصول العرقية لقبائل ـ الازد ـ الذين يكونون غالبية سكان عمان، والذين ينحدرون إلى أصول من منطقة مأرب اليمنية فى وسط اليمن الموحد حاليا وفى تلك المرحلة من التفاوض، ونظرا إلى الاستناد إلى حيثيات تاريخية قديمة إلى حد بعيد نسبيا ومختلطة فى نفس الوقت،لم تسفر المفاوضات عن أية نتائج ملموسة فيما يتعلق بترسيم نهائى للحدود ولكن ظلت سابقة التفاوض فى حد ذاتها كآلية مقبولة لاحتواء أية نزاعات أو ادعاءات على الحدود وقد تكرر الشىء نفسه فى عام 1987، بعد أن تم احتواء نتائج الصراع على السلطة فى الجنوب اليمنى فى يناير 1986، ولكنه تعثر نسبيا نظرا لاتفاق شطرى اليمن ـ بعد أن شرعا فى إقامة دولة وحدة اندماجية بينهما منذ 30 نوفمبر1989 ـ على تأجيل البت فى المسائل الحدودية إلى ما بعد إعلان وقيام دولة الوحدة اليمنية، وحتى لا يتم توقيع اتفاقات شطرية فى مسائل تخص اليمن كله بعد قيام الوحدة دخلت المفاوضات اليمنية العمانية حول الحدود مرحلة اتسمت بالجدية وبالإصرار على إنهاء هذا الملف وتمثلت الأمور المحفزة على سرعة الإنجاز فى اعتماد جملة من المبادئ العامة التى يتم من خلالها تجاوز منطوق اتفاقية 1965 من جانب ومن تجاوز الادعاءات التاريخية القديمة من جانب آخر وتمثلت هذه المبادئ فى التراضى والتوازن وعدم الإفراط أو التفريط فى الحقوق والسيادة الوطنية لكل منهما، وعدم سعى أى من الطرفين لتحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، وأن يكون خط الحدود مستقيما إلى أقصى حد، وأن يتم تجاوز مبدأ الحقوق التاريخية ما أمكن ذلك، وأن يراعى تسهيل الانتقالات بالنسبة للقبائل التى تعيش على جانبى الحدود وقد أدى إصرار وجدية الجانبين إلى التوصل إلى اتفاقية حدودية مطبقة فيها كل تلك المبادئ وكان مبدأ جعل خط الحدود مستقيما إلى أقصى درجة ممكنة مثيرا لبعض المعوقات خاصة فى المنطقة المسماة بمثلث حبروت التى تتداخل فيها مصالح القبائل العمانية واليمنية على نحو خبير نظرا للتعرج الكبير فى الخط الحدودى القديم للحدود ومع اعتماد مبدأ الخط الحدودى المستقيم ينطلق الخط الحدودى من منطقة ـ خربة على ـ على المحيط الهندى وبصورة مستقيمة حتى منطقة ـ حبروت ـ لتعرج قليلا، ثم ينطلق بعدها بصورة مستقيمة فى اتجاه صحراء الربع الخالية إلى النقطة التى تلتقى فيها الحدود بين كل من عمان واليمن والسعودية وتقول المصادر اليمنية أن استقامة الخط الحدودى أعادت لليمن منطقة مساحتها تزيد قليلا عن 4 كم مربع فى حدود محافظة المهرة، وهو على عكس بعض الانتقادات الحزبية اليمنية التى قالت بأن الاتفاق أدى إلى تنازل اليمن عن حوالى 18 كم مربع وهكذا بعد جولات عدة من المفاوضات تم التوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين، تم التوقيع عليها فى العاصمة اليمنية صنعاء فى الأول من أكتوبر 1992 وللاتفاقية ملحقان أولهما ينظم حقوق الرعى المشتركة بين البلدين، ويتيح باستمرار ممارسة التقاليد السائدة فى المناطق الحدودية منذ مئات السنين، والتى تسمح للقبائل والرعاة المقيمين فيها بالتنقل داخل الحدود وفقا لمواسم هطول الأمطار ويشمل الملحق الثانى تنظيم سلطات الحدود بين البلدين، والتى تركت لها مهمة تحديد منافذ العبور البرية على امتداد الحدود وطولها 300 كم، ومهمة تحديد إجراءات التأشيرة والجمارك والمساعدة على تحويل هذه المنطقة إلى منطقة اقتصادية مشتركة ينمو فيها التبادل التجارى والاستثمار المشترك ويسمح الملحق الثانى بالانتقال المباشر والميسر للأفراد على الجانبين بسياراتهم عن طريق البر، خاصة وأن قاطنى تلك المناطق الحدودية من عائلات وعشائر، واحدة تعيش على الجانبين وفى هذا الصدد تبرز عدة دلالات هامة وهى:
1 ـ أن الاتفاق على ترسيم الحدود اليمنية العمانية على النحو السابق خرج بها من عباءة الحدود الموروثة من حقبة الاستعمار البريطانى لمنطقة الجنوب اليمنى، والتى كانت مقننة فى اتفاقيات 1954، و 1961 و1965 كما خرج بها من حالة حدود الأمر الواقع إلى مرحلة الحدود المتفق عليها بالتراضى والتوازن والمصالح المشتركة وهى بهذا الصدد تعد حدودا عربية صرفة ليس لأى جهة خارجية يد فى تحديدها، وذلك عل عكس الكثير من خطوط الحدود العربية العربية الأخرى.
2 ـ أن البلدين لم يعتمدا فى ترسيم الحدود بينهما على الاتفاقيات القديمة أو المطالبات التاريخية، وإنما تجاوزا ذلك من خلال الاعتماد على جملة مبادئ هادية لهما من صنعهما وبرضائهما.
3 ـ أن الاتفاق الجديد أسقط عمليا أية مطالبات متبادلة خاصة ما شاع فى مطلع السبعينات من ادعاءات لليمن الجنوبى سابقا بحقوق تاريخية بإقليم ظفار التابع لعمان.
4 ـ أن الاتفاق يقدم نموذجا للتوصل إلى ترسيم حدود، يجعل منها معابر للتواصل الحضارى والإنسانى بين الشعوب الواقعة على جانبيها، وهو ما يبدو من المبادئ والأسس التى تضمنها ملحقا الاتفاقية على النحو المشار إليه فى هذا الصدد يشار إلى أن مجلس النواب اليمنى فى جلسة إقراره على الاتفاقية فى 92/10/13 أوصى الحكومة بأن تعمل جاهدة على التوصل مع الحكومة العمانية لتحقيق إنشاء طريق يربط بين البلدين لتسهيل انتقال وتبادل السلع والمنتجات ذات المنشأ اليمنى والعمانى، وأن يتم التوصل بسرعة إلى الإجراءات التنفيذية لتسهيل انتقال المواطنين وضمان تواصلهم وتضمنت توصيات مجلس النواب أيضا دعوة إلى رؤوس الأموال العمانية إلى إقامة مشاريع استثمارية مشتركة وإنشاء خطوط مواصلات برية وبحرية وجوية بين البلدين وتبادل الخبرات الفنية والتعليمية.
5 ـ أن الاتفاق أبرز أهمية الحوار والتفاوض كآلية هامة للتوصل إلى ترسيم الحدود بصورة واضحة ودون لبس كمقدمة لإضفاء طابع الاستمرارية والاستقرار على ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات تفصيلية.
ثانيا: الحدود اليمنية السعودية.
1 ـ اتفاقية الطائف لعام 1934 بالرغم من أن اتفاقية الطائف لعام 1934 الموقعة بين الملك عبد العزيز بن سعود والإمام يحيى إمام المملكة المتوكلية اليمنية تمثل حجر الزاوية فى مسألة ترسيم الجزء الأكبر من الحدود اليمنية السعودية، فإن الملابسات الخاصة بتوقيع تلك الاتفاقية فضلا عن عدم وضوح عملية تجديدها فى عام 1974، وكثرة التفسيرات الرسمية وغير الرسمية حول قانونية المعاهدة ذاتها فيما يتعلق بالحدود، إضافة إلى بعض أطروحات حول الحقوق التاريخية، تجعل من مسألة الحدود بين البلدين قضية شائكة إلى حد بعيد، وكغيرها من قضايا الحدود العربية العربية تلعب الاعتبارات السياسية دورا فى احتواء أو إثارة القضية على نحو معين فى لحظة تاريخية معينة ونظرا لما احتوته اتفاقية الطائف من مبادئ ومعان ليس فقط إزاء ترسيم الحدود، ولكن إزاء تنظيم العلاقات اليمنية السعودية، فإنه يحسن بنا الإشارة إلى الظرف التاريخى الذى وقعت فيه وقعت اتفاقية الطائف فى أعقاب المواجهة العسكرية ـ التى جرت وقائعها عام 1934 فى أجزاء من إمارة الادراسة فى غرب وجنوب منطقة عسير الطبيعية ـ بين قوات الإمام يحيى والملك عبد العزيز بن سعود وكان جزء من دوافع تلك المواجهة نابعا من ادعاءات بالسيادة من قبل الإمام يحيى على تلك الإمارة باعتبارها تابعة للمخلاف السليمانى التابع تاريخيا لحكام صنعاء، فى الوقت الذى كان فيه أميرها الحسن بن الإدريسى قد وقع اتفاقية حماية مع الملك السعودى عام 1926، والتى عرفت باسم اتفاقية مكة، وتضمنت تعهدا من الملك عبد العزيز بدفع كل ما سمى بتعد خارجى أو داخلى يقع على أراضى عسير الواقعة تحت سيطرة الادراسة وفى اتفاقية ـ 1930 الموقعة بين نفس الطرفين تنازل الادراسة عن إدارة شئون الإمارة للملك عبد العزيز إلا أن تطور الأمور دفع الادراسة إلى محاولة التراجع عن هاتين الاتفاقيتين واللجوء إلى الإمام يحيى طلبا للمساعدة، مما سبب بعض التوتر فى تلك المنطقة وإزاء ذلك وبعد حوالى عام من إعلان قيام المملكة العربية السعودية، أعلن الملك عبد العزيز رسميا ضم إمارة عسير بشقيها الشرقى الذى كان يحكمه آل عائض بتفويض مباشر من الملك عبد العزيز، والجنوبى الغربى الذى كانت ولايته جزئيا راجعة إلى آل الادراسة وقد أثار هذا الضم حفيظة اليمنيين الذين رأوا فيه تعديا على أرض تدين بالولاء للإمام يحيى وتعد جزءا أساسيا من أرض اليمن الطبيعية الكبرى وفى محاولة لترسيخ مختلف جوانب قرار الضم السعودى لتلك الإمارة، جاءت المطالبة بترسيم الحدود بين المملكتين لتحفز المواجهة العسكرية وفى تلك المواجهة ونظرا لفارق العتاد والخبرة العسكرية والحصول على معونات فنية من بريطانيا انتصرت القوات السعودية ودخلت إلى بعض أراضى يمنية ومن أشهرها نجران وإزاء ذلك الموقف وخوفا من سيطرة القوات السعودية على مزيد من الأراضى اليمنية، قبل الإمام يحيى وقف القتال والدخول فى مفاوضات مع الجانب السعودى نتج عن تلك المفاوضات توقيع اتفاقية الطائف (انظر الملحق)، والتى تضمنت ثلاثا وعشرين مادة تناولت إلى جانب ترسيم الحدود فى جزء من الحدود المشتركة بين البلدين، إنهاء حالة الحرب بينهما وتنظيم العلاقات بينهما فى كافة المناحى وفيما يتعلق بالحدود فقد تضمنت المادة الرابعة من الاتفاقية تحديدها على نحو مفصل بين نقطة ميدى والموسم على البحر الأحمر وحتى أطراف الحدود بين ـ من عدا يام من همدان بن زيد وائلى وغيره وبين يام ـ وتبعا لهذه المادة فكل ما هو يسار هذا الخط فهو من المملكة السعودية وكل ما على يمينه فهو من المملكة اليمنية وتضمنت المادة الثانية اعترافا متبادلا باستقلال كل طرف على نحو واضح دون لبس، وأن يسقط كل منهما أى حق يدعيه فى قسم أو أقسام من بلاد الأخر خارج الحدود القطعية المبينة فى صلب هذه المعاهدة وفى المادة الخامسة تعهد الطرفان بعدم إيجاد أى بناء محصن فى مسافة خمسة كيلومترات من كل باب من جانبى الحدود تضمنت المادة الثامنة التزام الطرفين بالامتناع عن الرجوع للقوة لحل المشكلات بينهما سواء كان سببها ومنشؤها هذه المعاهدة أو تفسير بعض موادها وفى حالة عدم التوفيق يلجأ الطرفان إلى التحكيم الموضحة شروطه فى ملحق المعاهدة (انظر الملحق).
وفى المادة 22 تحددت مدة الاتفاقية بعشرين عاما قمرية تامة قابلة للتجديد أو للتعديل خلال الستة أشهر الأولى التى تسبق تاريخ انتهاء مفعولها، فإذا لم تجدد أو تعدل فى ذلك التاريخ تظل سارية المفعول إلى ما بعد ستة أشهر من إعلان أحد الفريقين المتعاقدين الفريق الآخر رغبته فى التعديل وبعد التوقيع على الاتفاقية تم تشكيل لجنة خاصة لتعيين مواقع الحدود ووضع علاماتها، وقد انتهى عمل اللجنة فى خلال عام 1935، وبلغ عدد الأعمدة التى تم تثبيتها 240 عمودا على طول الخط الممتد من شمال ميدى على البحر الأحمر إلى حافة الربع الخالى وفى واقع الحال أن أحدا من الطرفين لم يثر مسألة تجديد الاتفاقية أو تعديلها جزئيا أو كليا بصفة رسمية فى عامى 1954 و 1974 بل أن بيانا مشتركا (انظر الملحق).
صدر فى أعقاب زيارة رئيس الوزراء اليمنى القاضى عبدالله أحمد الحجرى للملكة السعودية جاء فيه ـ اتفاق الجانبين التام مجددا على اعتبار الحدود بين بلديهما حدودا فاصلة بصفة نهائية ودائمة، وذلك كما نصت عليه المادتان الثانية والرابعة من معاهدة الطائف ـ وتقوم وجهة نظر المملكة السعودية على اعتبار أن هذا البيان تضمن اعترافا نهائيا بديمومة الحدود كما هى، مبينة فى اتفاقية الطائف لعام 1934، فى حين أن وجهة نظر يمنية ترى أن البيان فى حد ذاته لا يصل إلى مرتبة الاعتراف بديمومة الحدود، فهو مجرد بيان صحفى، وليس إعلانا أو بيانا يمنيا بالتصديق على تلك الحدود بصفة أبدية وتضيف وجهة النظر تلك أن البيان نفسه لا يلغى حق الطرف اليمنى فى المطالبة بتعديل الاتفاقية وما حوته من أحكام خاصة بالحدود أو بأى شىء آخر خاصة فى فترة التجديد كل 20 عاما ويمكن القول أن وجهتى نظر البلدين حول الحدود بينهما تتضمن فى داخلها بعضا من مفاهيم الحقوق التاريخية فمن وجهة نظر السعودية أن إمارة الأدراسة بشقيها الشرقى والغربى/ الجنوبى كانت تدين بالولاء لأمراء الدرعية منذ قيام الدولة السعودية الأولى فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر (1745 ـ 1818)، وأن ما حدث بعد ذلك سواء لجهة توقيع الاتفاقيات مع آل عائض ـ حكام الجهة الشرقية ـ أو الأدراسة ـ حكام الجهة الغربية والجنوبية ـ أو إعلان الضم الرسمى لإمارة عسير كجزء من المملكة كان أمرا طبيعيا وينسجم مع الحقائق التاريخية ذاتها أما الاتفاقية ـ أو بالأحرى المعاهدة ـ من وجهة النظر السعودية فهى ملزمة للطرفين وأنها شاملة تنظيم مسائل عدة فى العلاقات بين البلدين، وأنها كانت مدخلا لتحقيق الاستقرار فى المنطقة والقول بالمطالب التاريخية يدفع إلى تصور خط الحدود على نحو مختلف جذريا عن ذلك الخط الذى رسمته سلطات الاحتلال البريطانى لعام 1955 بين المحميات والإمارات والبلدان الخليجية فى شبه الجزيرة، وتضمن خطا للحدود بين كل من السعودية واليمن وعمان على النحو الظاهر فى الخريطة المرفقة وفى كلا الخطين القائمين على دعاوى تاريخية قديمة ـ ليس هناك ما يثبتها فى صورة وثائق أو اتفاقيات معترف بها ـ سواء لعام 1935 و 1949، فهما يضمان أجزاء من الداخل اليمنى ولا سيما الجوف ومأرب، وهما من المناطق التى ثبت فيهما توافر احتياطى كبير من النفط، وتعمل فيهما شركات أجنبية من أجل استخراج وتسويق هذا النفط، وبالطبع فإن اليمن ترفض مثل هذه التصورات رفضا قاطعا أما البعد الخاص بالحقوق التاريخية من وجهة النظر اليمنية فترى أن عسير من الناحية الطبيعية هى جزء من أرض اليمن المعرفة فى كتابات الجغرافيين الذين تواردوا على المنطقة فى أزمان سابقة مختلفة مثل الحسن بن يعقوب الهمدانى فى كتابة ـ صفة بلاد العرب ـ، وابن المجاور فى كتابة ـ مروج الذهب ـ، والبكرى وياقوت الحموى وغيرهم من الجغرافيين العرب وإلى جانب السند الجغرافى الطبيعى ترى وجهة نظر يمنية أن الأدارسة قد اغتصبوا الحكم فى الإمارة، وأن الذين قبلهم من الذين حكموا الجزء الأكبر من إمارة عسير كانوا على صلة بحكام اليمن، وكانوا يأخذون منهم الوعد والأمان وفى بعض الأحيان كانوا يحكمون تلك المناطق باسم حكام صنعاء أنفسهم وبصفة عامة يعتقد اليمنيون أن الجزء الأكبر من عسير ـ المتضمن نجران ومرتفعات عسير ـ هى جزء من المخلاف السليمانى التابع تاريخيا لحكام صنعاء وأن نجران على وجه التعديد أرض يمنية لا شبهة فى ذلك ومن ثم فإن ما ورد فى اتفاقية الطائف هو تنازل من الإمام يحيى عن أراضى يمنية خالصة، أو على أقل تقدير أنها أرض يمنية أعطيت رعايتها للجانب السعودى لمدة من الزمن المقدر بعشرين عاما قابلة للتجديد وفى سياق نفس الرؤية اليمنية فإن هناك من يرى مآخذ على الاتفاقية الموقعة عام 1934 منها أنها كانت نتاج حرب، وأنها عبرت فى أحسن الأحوال عن إرادة الملكين الحاكمين أن اتفاقية الطائف كغيرها من الاتفاقيات الموقعة بين الدول صارت لها حجيتها القانونية قبل أية أسانيد أخرى، ومن هذه الزاوية يبدو صعبا الغوص مرة أخرى فى جدل تاريخى حول أحقية أى طرف بأى جزء مما تناولته الاتفاقية على نحو مفصل ومحدد ولذلك يبدو الأمر المرجح قانونا أن مسالة الحدود اليمنية السعودية ذات شقين، الأول منهما وهو ما تناولته الاتفاقية بالفعل، والثانى وهو ما لم تتناوله الاتفاقية ويمثل الخط الممتد فيما بين آخر نقطة تضمنتها اتفاقية الطائف (انظر ما ورد فى الملحق حول تقرير الحدود بين المملكة السعودية والمملكة اليمانية) والنقطة التى تلتقى فيها حدود اليمن وكل من عمان والسعودية وفى هذا الإطار فإن معالجة المشكلات المختلفة سواء لجهة الجزء المحدد بالفعل فى الاتفاقية أو الجزء الذى لم يتحدد بعد لا يعنى قط تجاوزا لمنطوق الاتفاقية.
ب ـ ترسيم الحدود بعد الوحدة اليمنية بعيد قيام دول الوحدة اليمنية برز اهتمام أولى بإنهاء ملف الحدود اليمنية السعودية، وهو ما نحى عليه برنامج الإصلاح السياسى والاقتصادى والإدارى الذى قدمته حكومة حيدر أبو بكر العطاس إلا أن اندلاع أزمة الخليج الثانية وما صحبها من توتر شديد فى العلاقات بين البلدين جعل من العسير فتح هذا الملف أو الخوض فى تفصيلاته وحين هدأت نسبيا الأزمة، وأمكن احتواء بعض تداعياته ظهرت فرصة لإعادة التفاوض حول هذا الأمر، ودعم من ذلك الاحتمالات الكبيرة لوجود النفط فى منطقة الحدود التى لم ترسم بعد بين البلدين، وما قد يثيره هذا الأمر من مشكلات سياسية وغير سياسية أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة وعبر مذكرة رسمية أرسلتها إلى دول المنطقة فى إبريل 1992، عبرت عن اهتمامها بتسوية مشكلات الحدود بصورة سلمية وعبر آليات التفاوض أو التحكيم أو الوساطة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفى ذكرى مرور عامين على قيام الوحدة اليمنية ـ ألمح الرئيس على عبد الله صالح إلى رغبة بلاده بالتوصل على تسوية نهائية لمسألة الحدود مع السعودية، وقد ردت السعودية ببيان رسمى على تلك التصريحات فى 30 مايو 92 جاء فيه ـ إن السعودية عمدت بمبادرات منها إلى التفاوض مع الجانب اليمنى لتخطيط الجزء المتبقى من الحدود وفقا لمعاهدة الطائف، وأن الجانب اليمنى لم يكن لديه الرغبة الجادة فى التوصل إلى اتفاق، وأن طلب المملكة مجرد إعادة بناء ما اندثر من معالم لترسيم الحدود المتفق عليها طبقا لمعاهدة الطائف لم يلق أى تجاوب من الطرف الآخر، وأنه من أجل أن يظهر الجانب اليمنى شيئا من الجدية وحسن النيات لابد من البدء فورا فى إعادة بناء ما اندثر من تلك المعالم والبدء بتخطيط الجزء المتبقى من الحدود وبالرغم مما تضمنه البيان السعودية من تحميل الجانب اليمنى مسئولية تعطيل الوصول إلى اتفاق، وكذلك الإصرار على تخطيط ما تبقى من الحدود فيما يخالف جذريا وجهة نظر اليمن التقليدية، فقد رحب اليمن فى بيان رسمى أذيع فى 31 مايو بالبيان السعودى وما تضمنه من دعوة لبدء فى معالجة قضية الحدود وقد مهد ذلك لأول اجتماع بين البلدين بعد اندلاع أزمة الخليج فى جنيف 20 يوليه 93 بين وزير المعارف السعودى ووزير الدول للشئون الخارجية اليمنى حيث اتفقا على عقد اجتماعات للخبراء لبحث الموضوع تفصيليا وحتى مطلع ديسمبر 92 عقدت ثلاث جولات للخبراء، اثنتان منها فى السعودية بالرياض وجدة والثالثة فى العاصمة اليمنية صنعاء وقبل عقد الجولة الأولى فى 28 سبتمبر أرسلت السعودية فى 10/9 مذكرة إلى الطرف اليمنى أوضحت فيها وجهة نظرها فيما يتعلق بمهمة لجنة الخبراء، وتحددت كما يلى:
1 ـ تشكيل لجنة لتجديد العلامات المقامة على خط الحدود وفقا لتقارير الحدود المعدة بموجب معاهدة الطائف بالاتفاق مع شركة عالية لتنفيذ ذلك.
2 ـ ترسيم ما بقى من الحدود ابتداء من جبل الثار وفقا لمعاهدة الطائف، وذلك بأن يقدم كل طرف فى وقت واحد تصوره لخط الحدود الذى تتناوله معاهدة الطائف.
3 ـ تعيين الحدود وترسيمها فى المنطقة التى لا تتناولها معاهدة الطائف حتى حدود سلطنة عمان ذلك بأن يقدم كل جانب تصوره لخط الحدود فى هذه المنطقة.
4 ـ تعيين الحدود البحرية وفى الجولة الأولى للخبراء لم يقدم الجانب اليمنى ردا محددا على المذكرة السعودية، فى حين قدم مذكرة تضمنت نصوصا قانونية حول ما أسماه حفظ حق البلدين ومصالحهما أثناء عملية التفاوض، نظرا لأنها ستأخذ وقتا طويلا وطالب الجانب اليمنى بتوقيع اتفاقية تضمن تلك الحقوق تحت مسمى ـ اتفاق لا ضرر ولا ضرار ـ، إلا أن الجانب السعودى رأى أن المصالح القانونية للطرفين محفوظة بالفعل وفق الأعراف الدولية فى مثل هذه المفاوضات، وأنه لا حاجة لتوقيع مثل هذا الاتفاق الذى يفتقد إلى المبررات الشرعة والقانونية تجاه دفع سير المفاوضات وقد انصب اهتمام الجانب اليمنى فى الاجتماعين الثانى والثالث على المطالبة بالاتفاق على آلية التفاوض وحفظ الحقوق القانونية، فى حين انصب اهتمام الجانب السعودى على التأكيد على وجهة نظره المصاغة فى مذكرة 10 سبتمبر وبصفة عامة وبناء على خبرة اجتماعات لجان الخبراء، يمكن الاستنتاج بأن المفاوضات اليمنية السعودية سوف تأخذ وقتا طويلا وأن الطرفين لم يناقشا بعد المسائل الجوهرية ومع ذلك فمن المهم التأكد على ثلاث دلالات هامة وهى:
الأولى وهى أن مجرد اعتماد أسلوب التفاوض المباشر يثبت رغبة الطرفين فى التوصل إلى تسوية نهائية للحدود بينهما بكل ما تعنيه من ترسيم للخطوط وتنظيم الانتقال على جانبيها وغير ذلك من المسائل المرتبطة بها الثانية أن المحدد السياسى ـ ونقصد به المستوى الواقعى للعلاقات بين البلدين والمتسم بقدر من البرود نظرا لعدم التخلص بعد من كل آثار المواقف المتبادلة أثناء أزمة الخليج الثانية ـ يؤثر على بطء الإنجاز وعدم الاتفاق على المسائل الجوهرية رغم تواصل اجتماعات الخبراء الثالثة أن الطرف اليمنى فى تلك الاجتماعات لم يطلب رسميا إلغاء اتفاق الطائف، وإنما طلب ضرورة معالجة المشاكل التى أثيرت ومازالت تثار فى العلاقات بين البلدين منذ 58 عاما وحتى الآن، وكذلك المشكلات التى لم تتضمنها الاتفاقية وفى هذا يتضح بعض الانسجام فى مواقف الطرفين.
 


تمثل نزاعات الحدود اليمنية وترسيمها مع كل من السعودية وعمان حالة متميزة فى سياق المقارنة مع باقى حالات نزاعات الحدود العربية العربية، إذ أنها تقدم نموذجا ـ فى سياق تطوراتها الأخيرة ـ يختلف إلى حد بعيد مع التطورات العاصفة التى لحقت بحالات حدودية عربية أخرى ونشير هنا على وجه التحديد إلى توقيع اتفاق الحدود بين اليمن وعمان، والمفاوضات الفنية الإجرائية بين اليمن والسعودية التى تطورت عبر ثلاثة اجتماعات للخبراء من كلا البلدين فى الرياض وجدة وصنعاء وتبدو المفارقة المثيرة للاهتمام أن هذه التطورات ذات الطابع الإيجابى تمت بعد قيام دولة الوحدة اليمنية فى مايو 1992، والتى جمعت بين شطرى اليمن السابقين وفى حين كان الشطر الجنوبى من اليمن مسئولا عن الحدود مع عمان، كان الشطر الشمالى ـ المعروف باسم الجمهورية العربية اليمنية ـ مسئولا عن الحدود مع السعودية وفى زمن التشطير، حالت أسباب عدة من بينها التشطير ذاته دون خوض أى من الطرفين اليمنيين فى حوار جاد حول مسالة الحدود مع أى من عمان أو السعودية وحتى فى الأحوال التى شهدت قدرا من الخوض فى ملف الحدود، كانت النتائج محدودة للغاية ونشير هنا على وجه التحديد إلى حالة التفاوض الأولى بين عمان والشطر الجنوبى سابقا من اليمن فى مطلع الثمانينات، والذى توقف لمدة أربع سنوات ليعود مرة أخرى فى 1987 دون أن يحقق أى نتائج ملموسة اللهم سابقة التفاوض ذاتها وكمعظم حالات الحدود العربية ـ العربية، فإن حالة اليمن الموحد مع جارتيها عمان شرقا والسعودية شمالا، يتداخل فيها مزيج من الاعتبارات التاريخية والعرقية والاقتصادية والسياسية والإنسانية أيضا ولكل من هذه الاعتبارات دوره فى إثارة أو فى احتواء القضية على نحو معين تبعا للظرف التاريخى العام وفى هذا التقرير سنحاول إلقاء الضوء على قضية تطور مسألة الحدود العمانية اليمنية من المفاوضات حتى توقيع الاتفاقية الخاصة بترسيمها فى الأول من أكتوبر 1992، وتطور حالة الحدود اليمنية السعودية ومشكلاتها المختلفة.
أولا: الحدود اليمنية العمانية:
يعود خط الحدود القديم بين عمان وسلطنة المهرة ـ التى تمثل حاليا إحدى محافظات الجنوب فى اليمن الموحد مثلما كان شانها فى ظل التشطير ـ إلى عام 1965، حين وقعت سلطات الحماية البريطانية التى كانت تسيطر على ما كان يعرف بالمحميات الشرقية لعدن مع سلطان مسقط وعمان اتفاقية للحدود ولم يكن الخط المتضمن فى اتفاقية 1965 سوى تطويرا وتعديلا لخط سابق كان يعرف بخط ـ هيكم بوثم ـ حاكم عدن فى نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، وهو الخط الذى تضمنته الاتفاقيات الموقعة بين سلطنة المهرة وسلطنة مسقط وعمان فى عامى 1954 و 1960 وكان طبيعيا أن يكون الهدف من رسم تلك الحدود وفرضها على الأطراف المحلية سواء اليمنية أو العمانية هو حماية المصالح البريطانية فى المحميات الشرقية ومع استقلال الجنوب فى 30 نوفمبر 1967، اعترفت سلطات الجبهة القومية التى تسلمت الحكم فى الجنوب فى أول بيان لها بحدودها الموروثة مع جيرانها وبالعمل على احترام هذه الحدود إلا أن التطورات السياسية التى لحقت بالمنطقة أدت إلى محاولة تجاوز اتفاقية 1965، ونشير هنا إلى ثلاثة أسباب رئيسية.
1 ـ التطورات التى لحقت ببنية وطبيعة السلطة السياسية فى الشطر الجنوبى من اليمن، وتحوله إلى نظام يعتنق الفكر الماركسى الشمولى وارتباطه بالاتحاد السوفيتى السابق، وسعيه إلى مواجهة ما اعتبره أنظمة عربية تقليدية تدور فى الفلك الاستعمارى البريطانى والأمريكى.
2 ـ اندلاع حركة المقاومة المسلحة فى إقليم ـ ظفار ـ العمانى المتاخم للأقاليم اليمنية الجنوبية، وحصولها على دعم سياسى وعسكرى من النظام الحاكم فى الجنوب اليمنى سابقا.
3 ـ قدرة النظام فى عمان بمساعدة خارجية ـ إيرانية على وجه التحديد بداية من مطلع السبعينات ـ فى إنهاء كل أشكال المقاومة المسلحة فى إقليم ـ ظفار ـ ترتب على العمليات العسكرية العمانية نشوء واقع حدودى بين الجنوب اليمنى وعمان اتسم بعدم الاتفاق كلية مع خط الحدود المرسوم فى اتفاقية 1965 وقد أدى ذلك إلى نشوء ما يسمى بحدود الأمر الواقع وساهم مناخ التوتر آنذاك بين البلدين فى تكريس هذا الوضع لفترة من الزمن فى بداية الثمانينات بدت هناك مؤشرات لتحسين العلاقات بين البلدين على أثر التغير الذى لحق بالسلطة السياسية فى الشطر الجنوبى لليمن، حيث دانت السلطة السياسية والحزبية لعلى ناصر الذى أخذ فى انتهاج سياسة قوامها الانفتاح على الدول العربية المجاورة وكان من نتائج هذه السياسية أن تحسنت العلاقات العمانية مع اليمن الديمقراطى سابقا، وأخذ البلدان فى فتح ملف الحدود بغرض تسويته وعقدت عدت جولات للمفاوضات بين عامى 1982، 1984 تميزت مفاوضات 1982 ـ 1984 الأولى بتبادل الآراء حول كيفية رسم الحدود بين البلدين، وظهر فيها أمران:
الأول منهما رغبة مشتركة فى إعادة النظر فى اتفاقية الحدود الموروثة عن سلطات الاحتلال البريطانى، ومن هنا كان التشكيك فى اتفاقية 1965 على وجه التحديد من قبل اليمن الجنوبى أما الأمر الثانى فهو التعويل على الادعاءات بالحقوق التاريخية كسند لكلا الطرفين فى ادعاء السيادة على أكبر مساحة ممكنة من الحدود المشتركة وواقع الأمر أن الحقائق التاريخية كانت مختلطة إلى حد كبير، خاصة وان الرجوع إلى الماضى البعيد نسبيا ـ 300 سنة أو أكثر قليلا ـ كان يدفع إلى ادعاء بالسيادة اليمنية على غالبية عمان وليس فقط منطقة الحدود المشتركة، وبصفة خاصة منطقة ـ ظفار ـ ونفس الأمر ينطبق على الادعاء بالحقوق التاريخية العمانية، والتى تستند إلى وحدة الأصول العرقية لقبائل ـ الازد ـ الذين يكونون غالبية سكان عمان، والذين ينحدرون إلى أصول من منطقة مأرب اليمنية فى وسط اليمن الموحد حاليا وفى تلك المرحلة من التفاوض، ونظرا إلى الاستناد إلى حيثيات تاريخية قديمة إلى حد بعيد نسبيا ومختلطة فى نفس الوقت،لم تسفر المفاوضات عن أية نتائج ملموسة فيما يتعلق بترسيم نهائى للحدود ولكن ظلت سابقة التفاوض فى حد ذاتها كآلية مقبولة لاحتواء أية نزاعات أو ادعاءات على الحدود وقد تكرر الشىء نفسه فى عام 1987، بعد أن تم احتواء نتائج الصراع على السلطة فى الجنوب اليمنى فى يناير 1986، ولكنه تعثر نسبيا نظرا لاتفاق شطرى اليمن ـ بعد أن شرعا فى إقامة دولة وحدة اندماجية بينهما منذ 30 نوفمبر1989 ـ على تأجيل البت فى المسائل الحدودية إلى ما بعد إعلان وقيام دولة الوحدة اليمنية، وحتى لا يتم توقيع اتفاقات شطرية فى مسائل تخص اليمن كله بعد قيام الوحدة دخلت المفاوضات اليمنية العمانية حول الحدود مرحلة اتسمت بالجدية وبالإصرار على إنهاء هذا الملف وتمثلت الأمور المحفزة على سرعة الإنجاز فى اعتماد جملة من المبادئ العامة التى يتم من خلالها تجاوز منطوق اتفاقية 1965 من جانب ومن تجاوز الادعاءات التاريخية القديمة من جانب آخر وتمثلت هذه المبادئ فى التراضى والتوازن وعدم الإفراط أو التفريط فى الحقوق والسيادة الوطنية لكل منهما، وعدم سعى أى من الطرفين لتحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، وأن يكون خط الحدود مستقيما إلى أقصى حد، وأن يتم تجاوز مبدأ الحقوق التاريخية ما أمكن ذلك، وأن يراعى تسهيل الانتقالات بالنسبة للقبائل التى تعيش على جانبى الحدود وقد أدى إصرار وجدية الجانبين إلى التوصل إلى اتفاقية حدودية مطبقة فيها كل تلك المبادئ وكان مبدأ جعل خط الحدود مستقيما إلى أقصى درجة ممكنة مثيرا لبعض المعوقات خاصة فى المنطقة المسماة بمثلث حبروت التى تتداخل فيها مصالح القبائل العمانية واليمنية على نحو خبير نظرا للتعرج الكبير فى الخط الحدودى القديم للحدود ومع اعتماد مبدأ الخط الحدودى المستقيم ينطلق الخط الحدودى من منطقة ـ خربة على ـ على المحيط الهندى وبصورة مستقيمة حتى منطقة ـ حبروت ـ لتعرج قليلا، ثم ينطلق بعدها بصورة مستقيمة فى اتجاه صحراء الربع الخالية إلى النقطة التى تلتقى فيها الحدود بين كل من عمان واليمن والسعودية وتقول المصادر اليمنية أن استقامة الخط الحدودى أعادت لليمن منطقة مساحتها تزيد قليلا عن 4 كم مربع فى حدود محافظة المهرة، وهو على عكس بعض الانتقادات الحزبية اليمنية التى قالت بأن الاتفاق أدى إلى تنازل اليمن عن حوالى 18 كم مربع وهكذا بعد جولات عدة من المفاوضات تم التوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين، تم التوقيع عليها فى العاصمة اليمنية صنعاء فى الأول من أكتوبر 1992 وللاتفاقية ملحقان أولهما ينظم حقوق الرعى المشتركة بين البلدين، ويتيح باستمرار ممارسة التقاليد السائدة فى المناطق الحدودية منذ مئات السنين، والتى تسمح للقبائل والرعاة المقيمين فيها بالتنقل داخل الحدود وفقا لمواسم هطول الأمطار ويشمل الملحق الثانى تنظيم سلطات الحدود بين البلدين، والتى تركت لها مهمة تحديد منافذ العبور البرية على امتداد الحدود وطولها 300 كم، ومهمة تحديد إجراءات التأشيرة والجمارك والمساعدة على تحويل هذه المنطقة إلى منطقة اقتصادية مشتركة ينمو فيها التبادل التجارى والاستثمار المشترك ويسمح الملحق الثانى بالانتقال المباشر والميسر للأفراد على الجانبين بسياراتهم عن طريق البر، خاصة وأن قاطنى تلك المناطق الحدودية من عائلات وعشائر، واحدة تعيش على الجانبين وفى هذا الصدد تبرز عدة دلالات هامة وهى:
1 ـ أن الاتفاق على ترسيم الحدود اليمنية العمانية على النحو السابق خرج بها من عباءة الحدود الموروثة من حقبة الاستعمار البريطانى لمنطقة الجنوب اليمنى، والتى كانت مقننة فى اتفاقيات 1954، و 1961 و1965 كما خرج بها من حالة حدود الأمر الواقع إلى مرحلة الحدود المتفق عليها بالتراضى والتوازن والمصالح المشتركة وهى بهذا الصدد تعد حدودا عربية صرفة ليس لأى جهة خارجية يد فى تحديدها، وذلك عل عكس الكثير من خطوط الحدود العربية العربية الأخرى.
2 ـ أن البلدين لم يعتمدا فى ترسيم الحدود بينهما على الاتفاقيات القديمة أو المطالبات التاريخية، وإنما تجاوزا ذلك من خلال الاعتماد على جملة مبادئ هادية لهما من صنعهما وبرضائهما.
3 ـ أن الاتفاق الجديد أسقط عمليا أية مطالبات متبادلة خاصة ما شاع فى مطلع السبعينات من ادعاءات لليمن الجنوبى سابقا بحقوق تاريخية بإقليم ظفار التابع لعمان.
4 ـ أن الاتفاق يقدم نموذجا للتوصل إلى ترسيم حدود، يجعل منها معابر للتواصل الحضارى والإنسانى بين الشعوب الواقعة على جانبيها، وهو ما يبدو من المبادئ والأسس التى تضمنها ملحقا الاتفاقية على النحو المشار إليه فى هذا الصدد يشار إلى أن مجلس النواب اليمنى فى جلسة إقراره على الاتفاقية فى 92/10/13 أوصى الحكومة بأن تعمل جاهدة على التوصل مع الحكومة العمانية لتحقيق إنشاء طريق يربط بين البلدين لتسهيل انتقال وتبادل السلع والمنتجات ذات المنشأ اليمنى والعمانى، وأن يتم التوصل بسرعة إلى الإجراءات التنفيذية لتسهيل انتقال المواطنين وضمان تواصلهم وتضمنت توصيات مجلس النواب أيضا دعوة إلى رؤوس الأموال العمانية إلى إقامة مشاريع استثمارية مشتركة وإنشاء خطوط مواصلات برية وبحرية وجوية بين البلدين وتبادل الخبرات الفنية والتعليمية.
5 ـ أن الاتفاق أبرز أهمية الحوار والتفاوض كآلية هامة للتوصل إلى ترسيم الحدود بصورة واضحة ودون لبس كمقدمة لإضفاء طابع الاستمرارية والاستقرار على ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات تفصيلية.
ثانيا: الحدود اليمنية السعودية.
1 ـ اتفاقية الطائف لعام 1934 بالرغم من أن اتفاقية الطائف لعام 1934 الموقعة بين الملك عبد العزيز بن سعود والإمام يحيى إمام المملكة المتوكلية اليمنية تمثل حجر الزاوية فى مسألة ترسيم الجزء الأكبر من الحدود اليمنية السعودية، فإن الملابسات الخاصة بتوقيع تلك الاتفاقية فضلا عن عدم وضوح عملية تجديدها فى عام 1974، وكثرة التفسيرات الرسمية وغير الرسمية حول قانونية المعاهدة ذاتها فيما يتعلق بالحدود، إضافة إلى بعض أطروحات حول الحقوق التاريخية، تجعل من مسألة الحدود بين البلدين قضية شائكة إلى حد بعيد، وكغيرها من قضايا الحدود العربية العربية تلعب الاعتبارات السياسية دورا فى احتواء أو إثارة القضية على نحو معين فى لحظة تاريخية معينة ونظرا لما احتوته اتفاقية الطائف من مبادئ ومعان ليس فقط إزاء ترسيم الحدود، ولكن إزاء تنظيم العلاقات اليمنية السعودية، فإنه يحسن بنا الإشارة إلى الظرف التاريخى الذى وقعت فيه وقعت اتفاقية الطائف فى أعقاب المواجهة العسكرية ـ التى جرت وقائعها عام 1934 فى أجزاء من إمارة الادراسة فى غرب وجنوب منطقة عسير الطبيعية ـ بين قوات الإمام يحيى والملك عبد العزيز بن سعود وكان جزء من دوافع تلك المواجهة نابعا من ادعاءات بالسيادة من قبل الإمام يحيى على تلك الإمارة باعتبارها تابعة للمخلاف السليمانى التابع تاريخيا لحكام صنعاء، فى الوقت الذى كان فيه أميرها الحسن بن الإدريسى قد وقع اتفاقية حماية مع الملك السعودى عام 1926، والتى عرفت باسم اتفاقية مكة، وتضمنت تعهدا من الملك عبد العزيز بدفع كل ما سمى بتعد خارجى أو داخلى يقع على أراضى عسير الواقعة تحت سيطرة الادراسة وفى اتفاقية ـ 1930 الموقعة بين نفس الطرفين تنازل الادراسة عن إدارة شئون الإمارة للملك عبد العزيز إلا أن تطور الأمور دفع الادراسة إلى محاولة التراجع عن هاتين الاتفاقيتين واللجوء إلى الإمام يحيى طلبا للمساعدة، مما سبب بعض التوتر فى تلك المنطقة وإزاء ذلك وبعد حوالى عام من إعلان قيام المملكة العربية السعودية، أعلن الملك عبد العزيز رسميا ضم إمارة عسير بشقيها الشرقى الذى كان يحكمه آل عائض بتفويض مباشر من الملك عبد العزيز، والجنوبى الغربى الذى كانت ولايته جزئيا راجعة إلى آل الادراسة وقد أثار هذا الضم حفيظة اليمنيين الذين رأوا فيه تعديا على أرض تدين بالولاء للإمام يحيى وتعد جزءا أساسيا من أرض اليمن الطبيعية الكبرى وفى محاولة لترسيخ مختلف جوانب قرار الضم السعودى لتلك الإمارة، جاءت المطالبة بترسيم الحدود بين المملكتين لتحفز المواجهة العسكرية وفى تلك المواجهة ونظرا لفارق العتاد والخبرة العسكرية والحصول على معونات فنية من بريطانيا انتصرت القوات السعودية ودخلت إلى بعض أراضى يمنية ومن أشهرها نجران وإزاء ذلك الموقف وخوفا من سيطرة القوات السعودية على مزيد من الأراضى اليمنية، قبل الإمام يحيى وقف القتال والدخول فى مفاوضات مع الجانب السعودى نتج عن تلك المفاوضات توقيع اتفاقية الطائف (انظر الملحق)، والتى تضمنت ثلاثا وعشرين مادة تناولت إلى جانب ترسيم الحدود فى جزء من الحدود المشتركة بين البلدين، إنهاء حالة الحرب بينهما وتنظيم العلاقات بينهما فى كافة المناحى وفيما يتعلق بالحدود فقد تضمنت المادة الرابعة من الاتفاقية تحديدها على نحو مفصل بين نقطة ميدى والموسم على البحر الأحمر وحتى أطراف الحدود بين ـ من عدا يام من همدان بن زيد وائلى وغيره وبين يام ـ وتبعا لهذه المادة فكل ما هو يسار هذا الخط فهو من المملكة السعودية وكل ما على يمينه فهو من المملكة اليمنية وتضمنت المادة الثانية اعترافا متبادلا باستقلال كل طرف على نحو واضح دون لبس، وأن يسقط كل منهما أى حق يدعيه فى قسم أو أقسام من بلاد الأخر خارج الحدود القطعية المبينة فى صلب هذه المعاهدة وفى المادة الخامسة تعهد الطرفان بعدم إيجاد أى بناء محصن فى مسافة خمسة كيلومترات من كل باب من جانبى الحدود تضمنت المادة الثامنة التزام الطرفين بالامتناع عن الرجوع للقوة لحل المشكلات بينهما سواء كان سببها ومنشؤها هذه المعاهدة أو تفسير بعض موادها وفى حالة عدم التوفيق يلجأ الطرفان إلى التحكيم الموضحة شروطه فى ملحق المعاهدة (انظر الملحق).
وفى المادة 22 تحددت مدة الاتفاقية بعشرين عاما قمرية تامة قابلة للتجديد أو للتعديل خلال الستة أشهر الأولى التى تسبق تاريخ انتهاء مفعولها، فإذا لم تجدد أو تعدل فى ذلك التاريخ تظل سارية المفعول إلى ما بعد ستة أشهر من إعلان أحد الفريقين المتعاقدين الفريق الآخر رغبته فى التعديل وبعد التوقيع على الاتفاقية تم تشكيل لجنة خاصة لتعيين مواقع الحدود ووضع علاماتها، وقد انتهى عمل اللجنة فى خلال عام 1935، وبلغ عدد الأعمدة التى تم تثبيتها 240 عمودا على طول الخط الممتد من شمال ميدى على البحر الأحمر إلى حافة الربع الخالى وفى واقع الحال أن أحدا من الطرفين لم يثر مسألة تجديد الاتفاقية أو تعديلها جزئيا أو كليا بصفة رسمية فى عامى 1954 و 1974 بل أن بيانا مشتركا (انظر الملحق).
صدر فى أعقاب زيارة رئيس الوزراء اليمنى القاضى عبدالله أحمد الحجرى للملكة السعودية جاء فيه ـ اتفاق الجانبين التام مجددا على اعتبار الحدود بين بلديهما حدودا فاصلة بصفة نهائية ودائمة، وذلك كما نصت عليه المادتان الثانية والرابعة من معاهدة الطائف ـ وتقوم وجهة نظر المملكة السعودية على اعتبار أن هذا البيان تضمن اعترافا نهائيا بديمومة الحدود كما هى، مبينة فى اتفاقية الطائف لعام 1934، فى حين أن وجهة نظر يمنية ترى أن البيان فى حد ذاته لا يصل إلى مرتبة الاعتراف بديمومة الحدود، فهو مجرد بيان صحفى، وليس إعلانا أو بيانا يمنيا بالتصديق على تلك الحدود بصفة أبدية وتضيف وجهة النظر تلك أن البيان نفسه لا يلغى حق الطرف اليمنى فى المطالبة بتعديل الاتفاقية وما حوته من أحكام خاصة بالحدود أو بأى شىء آخر خاصة فى فترة التجديد كل 20 عاما ويمكن القول أن وجهتى نظر البلدين حول الحدود بينهما تتضمن فى داخلها بعضا من مفاهيم الحقوق التاريخية فمن وجهة نظر السعودية أن إمارة الأدراسة بشقيها الشرقى والغربى/ الجنوبى كانت تدين بالولاء لأمراء الدرعية منذ قيام الدولة السعودية الأولى فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر (1745 ـ 1818)، وأن ما حدث بعد ذلك سواء لجهة توقيع الاتفاقيات مع آل عائض ـ حكام الجهة الشرقية ـ أو الأدراسة ـ حكام الجهة الغربية والجنوبية ـ أو إعلان الضم الرسمى لإمارة عسير كجزء من المملكة كان أمرا طبيعيا وينسجم مع الحقائق التاريخية ذاتها أما الاتفاقية ـ أو بالأحرى المعاهدة ـ من وجهة النظر السعودية فهى ملزمة للطرفين وأنها شاملة تنظيم مسائل عدة فى العلاقات بين البلدين، وأنها كانت مدخلا لتحقيق الاستقرار فى المنطقة والقول بالمطالب التاريخية يدفع إلى تصور خط الحدود على نحو مختلف جذريا عن ذلك الخط الذى رسمته سلطات الاحتلال البريطانى لعام 1955 بين المحميات والإمارات والبلدان الخليجية فى شبه الجزيرة، وتضمن خطا للحدود بين كل من السعودية واليمن وعمان على النحو الظاهر فى الخريطة المرفقة وفى كلا الخطين القائمين على دعاوى تاريخية قديمة ـ ليس هناك ما يثبتها فى صورة وثائق أو اتفاقيات معترف بها ـ سواء لعام 1935 و 1949، فهما يضمان أجزاء من الداخل اليمنى ولا سيما الجوف ومأرب، وهما من المناطق التى ثبت فيهما توافر احتياطى كبير من النفط، وتعمل فيهما شركات أجنبية من أجل استخراج وتسويق هذا النفط، وبالطبع فإن اليمن ترفض مثل هذه التصورات رفضا قاطعا أما البعد الخاص بالحقوق التاريخية من وجهة النظر اليمنية فترى أن عسير من الناحية الطبيعية هى جزء من أرض اليمن المعرفة فى كتابات الجغرافيين الذين تواردوا على المنطقة فى أزمان سابقة مختلفة مثل الحسن بن يعقوب الهمدانى فى كتابة ـ صفة بلاد العرب ـ، وابن المجاور فى كتابة ـ مروج الذهب ـ، والبكرى وياقوت الحموى وغيرهم من الجغرافيين العرب وإلى جانب السند الجغرافى الطبيعى ترى وجهة نظر يمنية أن الأدارسة قد اغتصبوا الحكم فى الإمارة، وأن الذين قبلهم من الذين حكموا الجزء الأكبر من إمارة عسير كانوا على صلة بحكام اليمن، وكانوا يأخذون منهم الوعد والأمان وفى بعض الأحيان كانوا يحكمون تلك المناطق باسم حكام صنعاء أنفسهم وبصفة عامة يعتقد اليمنيون أن الجزء الأكبر من عسير ـ المتضمن نجران ومرتفعات عسير ـ هى جزء من المخلاف السليمانى التابع تاريخيا لحكام صنعاء وأن نجران على وجه التعديد أرض يمنية لا شبهة فى ذلك ومن ثم فإن ما ورد فى اتفاقية الطائف هو تنازل من الإمام يحيى عن أراضى يمنية خالصة، أو على أقل تقدير أنها أرض يمنية أعطيت رعايتها للجانب السعودى لمدة من الزمن المقدر بعشرين عاما قابلة للتجديد وفى سياق نفس الرؤية اليمنية فإن هناك من يرى مآخذ على الاتفاقية الموقعة عام 1934 منها أنها كانت نتاج حرب، وأنها عبرت فى أحسن الأحوال عن إرادة الملكين الحاكمين أن اتفاقية الطائف كغيرها من الاتفاقيات الموقعة بين الدول صارت لها حجيتها القانونية قبل أية أسانيد أخرى، ومن هذه الزاوية يبدو صعبا الغوص مرة أخرى فى جدل تاريخى حول أحقية أى طرف بأى جزء مما تناولته الاتفاقية على نحو مفصل ومحدد ولذلك يبدو الأمر المرجح قانونا أن مسالة الحدود اليمنية السعودية ذات شقين، الأول منهما وهو ما تناولته الاتفاقية بالفعل، والثانى وهو ما لم تتناوله الاتفاقية ويمثل الخط الممتد فيما بين آخر نقطة تضمنتها اتفاقية الطائف (انظر ما ورد فى الملحق حول تقرير الحدود بين المملكة السعودية والمملكة اليمانية) والنقطة التى تلتقى فيها حدود اليمن وكل من عمان والسعودية وفى هذا الإطار فإن معالجة المشكلات المختلفة سواء لجهة الجزء المحدد بالفعل فى الاتفاقية أو الجزء الذى لم يتحدد بعد لا يعنى قط تجاوزا لمنطوق الاتفاقية.
ب ـ ترسيم الحدود بعد الوحدة اليمنية بعيد قيام دول الوحدة اليمنية برز اهتمام أولى بإنهاء ملف الحدود اليمنية السعودية، وهو ما نحى عليه برنامج الإصلاح السياسى والاقتصادى والإدارى الذى قدمته حكومة حيدر أبو بكر العطاس إلا أن اندلاع أزمة الخليج الثانية وما صحبها من توتر شديد فى العلاقات بين البلدين جعل من العسير فتح هذا الملف أو الخوض فى تفصيلاته وحين هدأت نسبيا الأزمة، وأمكن احتواء بعض تداعياته ظهرت فرصة لإعادة التفاوض حول هذا الأمر، ودعم من ذلك الاحتمالات الكبيرة لوجود النفط فى منطقة الحدود التى لم ترسم بعد بين البلدين، وما قد يثيره هذا الأمر من مشكلات سياسية وغير سياسية أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة وعبر مذكرة رسمية أرسلتها إلى دول المنطقة فى إبريل 1992، عبرت عن اهتمامها بتسوية مشكلات الحدود بصورة سلمية وعبر آليات التفاوض أو التحكيم أو الوساطة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفى ذكرى مرور عامين على قيام الوحدة اليمنية ـ ألمح الرئيس على عبد الله صالح إلى رغبة بلاده بالتوصل على تسوية نهائية لمسألة الحدود مع السعودية، وقد ردت السعودية ببيان رسمى على تلك التصريحات فى 30 مايو 92 جاء فيه ـ إن السعودية عمدت بمبادرات منها إلى التفاوض مع الجانب اليمنى لتخطيط الجزء المتبقى من الحدود وفقا لمعاهدة الطائف، وأن الجانب اليمنى لم يكن لديه الرغبة الجادة فى التوصل إلى اتفاق، وأن طلب المملكة مجرد إعادة بناء ما اندثر من معالم لترسيم الحدود المتفق عليها طبقا لمعاهدة الطائف لم يلق أى تجاوب من الطرف الآخر، وأنه من أجل أن يظهر الجانب اليمنى شيئا من الجدية وحسن النيات لابد من البدء فورا فى إعادة بناء ما اندثر من تلك المعالم والبدء بتخطيط الجزء المتبقى من الحدود وبالرغم مما تضمنه البيان السعودية من تحميل الجانب اليمنى مسئولية تعطيل الوصول إلى اتفاق، وكذلك الإصرار على تخطيط ما تبقى من الحدود فيما يخالف جذريا وجهة نظر اليمن التقليدية، فقد رحب اليمن فى بيان رسمى أذيع فى 31 مايو بالبيان السعودى وما تضمنه من دعوة لبدء فى معالجة قضية الحدود وقد مهد ذلك لأول اجتماع بين البلدين بعد اندلاع أزمة الخليج فى جنيف 20 يوليه 93 بين وزير المعارف السعودى ووزير الدول للشئون الخارجية اليمنى حيث اتفقا على عقد اجتماعات للخبراء لبحث الموضوع تفصيليا وحتى مطلع ديسمبر 92 عقدت ثلاث جولات للخبراء، اثنتان منها فى السعودية بالرياض وجدة والثالثة فى العاصمة اليمنية صنعاء وقبل عقد الجولة الأولى فى 28 سبتمبر أرسلت السعودية فى 10/9 مذكرة إلى الطرف اليمنى أوضحت فيها وجهة نظرها فيما يتعلق بمهمة لجنة الخبراء، وتحددت كما يلى:
1 ـ تشكيل لجنة لتجديد العلامات المقامة على خط الحدود وفقا لتقارير الحدود المعدة بموجب معاهدة الطائف بالاتفاق مع شركة عالية لتنفيذ ذلك.
2 ـ ترسيم ما بقى من الحدود ابتداء من جبل الثار وفقا لمعاهدة الطائف، وذلك بأن يقدم كل طرف فى وقت واحد تصوره لخط الحدود الذى تتناوله معاهدة الطائف.
3 ـ تعيين الحدود وترسيمها فى المنطقة التى لا تتناولها معاهدة الطائف حتى حدود سلطنة عمان ذلك بأن يقدم كل جانب تصوره لخط الحدود فى هذه المنطقة.
4 ـ تعيين الحدود البحرية وفى الجولة الأولى للخبراء لم يقدم الجانب اليمنى ردا محددا على المذكرة السعودية، فى حين قدم مذكرة تضمنت نصوصا قانونية حول ما أسماه حفظ حق البلدين ومصالحهما أثناء عملية التفاوض، نظرا لأنها ستأخذ وقتا طويلا وطالب الجانب اليمنى بتوقيع اتفاقية تضمن تلك الحقوق تحت مسمى ـ اتفاق لا ضرر ولا ضرار ـ، إلا أن الجانب السعودى رأى أن المصالح القانونية للطرفين محفوظة بالفعل وفق الأعراف الدولية فى مثل هذه المفاوضات، وأنه لا حاجة لتوقيع مثل هذا الاتفاق الذى يفتقد إلى المبررات الشرعة والقانونية تجاه دفع سير المفاوضات وقد انصب اهتمام الجانب اليمنى فى الاجتماعين الثانى والثالث على المطالبة بالاتفاق على آلية التفاوض وحفظ الحقوق القانونية، فى حين انصب اهتمام الجانب السعودى على التأكيد على وجهة نظره المصاغة فى مذكرة 10 سبتمبر وبصفة عامة وبناء على خبرة اجتماعات لجان الخبراء، يمكن الاستنتاج بأن المفاوضات اليمنية السعودية سوف تأخذ وقتا طويلا وأن الطرفين لم يناقشا بعد المسائل الجوهرية ومع ذلك فمن المهم التأكد على ثلاث دلالات هامة وهى:
الأولى وهى أن مجرد اعتماد أسلوب التفاوض المباشر يثبت رغبة الطرفين فى التوصل إلى تسوية نهائية للحدود بينهما بكل ما تعنيه من ترسيم للخطوط وتنظيم الانتقال على جانبيها وغير ذلك من المسائل المرتبطة بها الثانية أن المحدد السياسى ـ ونقصد به المستوى الواقعى للعلاقات بين البلدين والمتسم بقدر من البرود نظرا لعدم التخلص بعد من كل آثار المواقف المتبادلة أثناء أزمة الخليج الثانية ـ يؤثر على بطء الإنجاز وعدم الاتفاق على المسائل الجوهرية رغم تواصل اجتماعات الخبراء الثالثة أن الطرف اليمنى فى تلك الاجتماعات لم يطلب رسميا إلغاء اتفاق الطائف، وإنما طلب ضرورة معالجة المشاكل التى أثيرت ومازالت تثار فى العلاقات بين البلدين منذ 58 عاما وحتى الآن، وكذلك المشكلات التى لم تتضمنها الاتفاقية وفى هذا يتضح بعض الانسجام فى مواقف الطرفين.
 
تمثل نزاعات الحدود اليمنية وترسيمها مع كل من السعودية وعمان حالة متميزة فى سياق المقارنة مع باقى حالات نزاعات الحدود العربية العربية، إذ أنها تقدم نموذجا ـ فى سياق تطوراتها الأخيرة ـ يختلف إلى حد بعيد مع التطورات العاصفة التى لحقت بحالات حدودية عربية أخرى ونشير هنا على وجه التحديد إلى توقيع اتفاق الحدود بين اليمن وعمان، والمفاوضات الفنية الإجرائية بين اليمن والسعودية التى تطورت عبر ثلاثة اجتماعات للخبراء من كلا البلدين فى الرياض وجدة وصنعاء وتبدو المفارقة المثيرة للاهتمام أن هذه التطورات ذات الطابع الإيجابى تمت بعد قيام دولة الوحدة اليمنية فى مايو 1992، والتى جمعت بين شطرى اليمن السابقين وفى حين كان الشطر الجنوبى من اليمن مسئولا عن الحدود مع عمان، كان الشطر الشمالى ـ المعروف باسم الجمهورية العربية اليمنية ـ مسئولا عن الحدود مع السعودية وفى زمن التشطير، حالت أسباب عدة من بينها التشطير ذاته دون خوض أى من الطرفين اليمنيين فى حوار جاد حول مسالة الحدود مع أى من عمان أو السعودية وحتى فى الأحوال التى شهدت قدرا من الخوض فى ملف الحدود، كانت النتائج محدودة للغاية ونشير هنا على وجه التحديد إلى حالة التفاوض الأولى بين عمان والشطر الجنوبى سابقا من اليمن فى مطلع الثمانينات، والذى توقف لمدة أربع سنوات ليعود مرة أخرى فى 1987 دون أن يحقق أى نتائج ملموسة اللهم سابقة التفاوض ذاتها وكمعظم حالات الحدود العربية ـ العربية، فإن حالة اليمن الموحد مع جارتيها عمان شرقا والسعودية شمالا، يتداخل فيها مزيج من الاعتبارات التاريخية والعرقية والاقتصادية والسياسية والإنسانية أيضا ولكل من هذه الاعتبارات دوره فى إثارة أو فى احتواء القضية على نحو معين تبعا للظرف التاريخى العام وفى هذا التقرير سنحاول إلقاء الضوء على قضية تطور مسألة الحدود العمانية اليمنية من المفاوضات حتى توقيع الاتفاقية الخاصة بترسيمها فى الأول من أكتوبر 1992، وتطور حالة الحدود اليمنية السعودية ومشكلاتها المختلفة.
أولا: الحدود اليمنية العمانية:
يعود خط الحدود القديم بين عمان وسلطنة المهرة ـ التى تمثل حاليا إحدى محافظات الجنوب فى اليمن الموحد مثلما كان شانها فى ظل التشطير ـ إلى عام 1965، حين وقعت سلطات الحماية البريطانية التى كانت تسيطر على ما كان يعرف بالمحميات الشرقية لعدن مع سلطان مسقط وعمان اتفاقية للحدود ولم يكن الخط المتضمن فى اتفاقية 1965 سوى تطويرا وتعديلا لخط سابق كان يعرف بخط ـ هيكم بوثم ـ حاكم عدن فى نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، وهو الخط الذى تضمنته الاتفاقيات الموقعة بين سلطنة المهرة وسلطنة مسقط وعمان فى عامى 1954 و 1960 وكان طبيعيا أن يكون الهدف من رسم تلك الحدود وفرضها على الأطراف المحلية سواء اليمنية أو العمانية هو حماية المصالح البريطانية فى المحميات الشرقية ومع استقلال الجنوب فى 30 نوفمبر 1967، اعترفت سلطات الجبهة القومية التى تسلمت الحكم فى الجنوب فى أول بيان لها بحدودها الموروثة مع جيرانها وبالعمل على احترام هذه الحدود إلا أن التطورات السياسية التى لحقت بالمنطقة أدت إلى محاولة تجاوز اتفاقية 1965، ونشير هنا إلى ثلاثة أسباب رئيسية.
1 ـ التطورات التى لحقت ببنية وطبيعة السلطة السياسية فى الشطر الجنوبى من اليمن، وتحوله إلى نظام يعتنق الفكر الماركسى الشمولى وارتباطه بالاتحاد السوفيتى السابق، وسعيه إلى مواجهة ما اعتبره أنظمة عربية تقليدية تدور فى الفلك الاستعمارى البريطانى والأمريكى.
2 ـ اندلاع حركة المقاومة المسلحة فى إقليم ـ ظفار ـ العمانى المتاخم للأقاليم اليمنية الجنوبية، وحصولها على دعم سياسى وعسكرى من النظام الحاكم فى الجنوب اليمنى سابقا.
3 ـ قدرة النظام فى عمان بمساعدة خارجية ـ إيرانية على وجه التحديد بداية من مطلع السبعينات ـ فى إنهاء كل أشكال المقاومة المسلحة فى إقليم ـ ظفار ـ ترتب على العمليات العسكرية العمانية نشوء واقع حدودى بين الجنوب اليمنى وعمان اتسم بعدم الاتفاق كلية مع خط الحدود المرسوم فى اتفاقية 1965 وقد أدى ذلك إلى نشوء ما يسمى بحدود الأمر الواقع وساهم مناخ التوتر آنذاك بين البلدين فى تكريس هذا الوضع لفترة من الزمن فى بداية الثمانينات بدت هناك مؤشرات لتحسين العلاقات بين البلدين على أثر التغير الذى لحق بالسلطة السياسية فى الشطر الجنوبى لليمن، حيث دانت السلطة السياسية والحزبية لعلى ناصر الذى أخذ فى انتهاج سياسة قوامها الانفتاح على الدول العربية المجاورة وكان من نتائج هذه السياسية أن تحسنت العلاقات العمانية مع اليمن الديمقراطى سابقا، وأخذ البلدان فى فتح ملف الحدود بغرض تسويته وعقدت عدت جولات للمفاوضات بين عامى 1982، 1984 تميزت مفاوضات 1982 ـ 1984 الأولى بتبادل الآراء حول كيفية رسم الحدود بين البلدين، وظهر فيها أمران:
الأول منهما رغبة مشتركة فى إعادة النظر فى اتفاقية الحدود الموروثة عن سلطات الاحتلال البريطانى، ومن هنا كان التشكيك فى اتفاقية 1965 على وجه التحديد من قبل اليمن الجنوبى أما الأمر الثانى فهو التعويل على الادعاءات بالحقوق التاريخية كسند لكلا الطرفين فى ادعاء السيادة على أكبر مساحة ممكنة من الحدود المشتركة وواقع الأمر أن الحقائق التاريخية كانت مختلطة إلى حد كبير، خاصة وان الرجوع إلى الماضى البعيد نسبيا ـ 300 سنة أو أكثر قليلا ـ كان يدفع إلى ادعاء بالسيادة اليمنية على غالبية عمان وليس فقط منطقة الحدود المشتركة، وبصفة خاصة منطقة ـ ظفار ـ ونفس الأمر ينطبق على الادعاء بالحقوق التاريخية العمانية، والتى تستند إلى وحدة الأصول العرقية لقبائل ـ الازد ـ الذين يكونون غالبية سكان عمان، والذين ينحدرون إلى أصول من منطقة مأرب اليمنية فى وسط اليمن الموحد حاليا وفى تلك المرحلة من التفاوض، ونظرا إلى الاستناد إلى حيثيات تاريخية قديمة إلى حد بعيد نسبيا ومختلطة فى نفس الوقت،لم تسفر المفاوضات عن أية نتائج ملموسة فيما يتعلق بترسيم نهائى للحدود ولكن ظلت سابقة التفاوض فى حد ذاتها كآلية مقبولة لاحتواء أية نزاعات أو ادعاءات على الحدود وقد تكرر الشىء نفسه فى عام 1987، بعد أن تم احتواء نتائج الصراع على السلطة فى الجنوب اليمنى فى يناير 1986، ولكنه تعثر نسبيا نظرا لاتفاق شطرى اليمن ـ بعد أن شرعا فى إقامة دولة وحدة اندماجية بينهما منذ 30 نوفمبر1989 ـ على تأجيل البت فى المسائل الحدودية إلى ما بعد إعلان وقيام دولة الوحدة اليمنية، وحتى لا يتم توقيع اتفاقات شطرية فى مسائل تخص اليمن كله بعد قيام الوحدة دخلت المفاوضات اليمنية العمانية حول الحدود مرحلة اتسمت بالجدية وبالإصرار على إنهاء هذا الملف وتمثلت الأمور المحفزة على سرعة الإنجاز فى اعتماد جملة من المبادئ العامة التى يتم من خلالها تجاوز منطوق اتفاقية 1965 من جانب ومن تجاوز الادعاءات التاريخية القديمة من جانب آخر وتمثلت هذه المبادئ فى التراضى والتوازن وعدم الإفراط أو التفريط فى الحقوق والسيادة الوطنية لكل منهما، وعدم سعى أى من الطرفين لتحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، وأن يكون خط الحدود مستقيما إلى أقصى حد، وأن يتم تجاوز مبدأ الحقوق التاريخية ما أمكن ذلك، وأن يراعى تسهيل الانتقالات بالنسبة للقبائل التى تعيش على جانبى الحدود وقد أدى إصرار وجدية الجانبين إلى التوصل إلى اتفاقية حدودية مطبقة فيها كل تلك المبادئ وكان مبدأ جعل خط الحدود مستقيما إلى أقصى درجة ممكنة مثيرا لبعض المعوقات خاصة فى المنطقة المسماة بمثلث حبروت التى تتداخل فيها مصالح القبائل العمانية واليمنية على نحو خبير نظرا للتعرج الكبير فى الخط الحدودى القديم للحدود ومع اعتماد مبدأ الخط الحدودى المستقيم ينطلق الخط الحدودى من منطقة ـ خربة على ـ على المحيط الهندى وبصورة مستقيمة حتى منطقة ـ حبروت ـ لتعرج قليلا، ثم ينطلق بعدها بصورة مستقيمة فى اتجاه صحراء الربع الخالية إلى النقطة التى تلتقى فيها الحدود بين كل من عمان واليمن والسعودية وتقول المصادر اليمنية أن استقامة الخط الحدودى أعادت لليمن منطقة مساحتها تزيد قليلا عن 4 كم مربع فى حدود محافظة المهرة، وهو على عكس بعض الانتقادات الحزبية اليمنية التى قالت بأن الاتفاق أدى إلى تنازل اليمن عن حوالى 18 كم مربع وهكذا بعد جولات عدة من المفاوضات تم التوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين، تم التوقيع عليها فى العاصمة اليمنية صنعاء فى الأول من أكتوبر 1992 وللاتفاقية ملحقان أولهما ينظم حقوق الرعى المشتركة بين البلدين، ويتيح باستمرار ممارسة التقاليد السائدة فى المناطق الحدودية منذ مئات السنين، والتى تسمح للقبائل والرعاة المقيمين فيها بالتنقل داخل الحدود وفقا لمواسم هطول الأمطار ويشمل الملحق الثانى تنظيم سلطات الحدود بين البلدين، والتى تركت لها مهمة تحديد منافذ العبور البرية على امتداد الحدود وطولها 300 كم، ومهمة تحديد إجراءات التأشيرة والجمارك والمساعدة على تحويل هذه المنطقة إلى منطقة اقتصادية مشتركة ينمو فيها التبادل التجارى والاستثمار المشترك ويسمح الملحق الثانى بالانتقال المباشر والميسر للأفراد على الجانبين بسياراتهم عن طريق البر، خاصة وأن قاطنى تلك المناطق الحدودية من عائلات وعشائر، واحدة تعيش على الجانبين وفى هذا الصدد تبرز عدة دلالات هامة وهى:
1 ـ أن الاتفاق على ترسيم الحدود اليمنية العمانية على النحو السابق خرج بها من عباءة الحدود الموروثة من حقبة الاستعمار البريطانى لمنطقة الجنوب اليمنى، والتى كانت مقننة فى اتفاقيات 1954، و 1961 و1965 كما خرج بها من حالة حدود الأمر الواقع إلى مرحلة الحدود المتفق عليها بالتراضى والتوازن والمصالح المشتركة وهى بهذا الصدد تعد حدودا عربية صرفة ليس لأى جهة خارجية يد فى تحديدها، وذلك عل عكس الكثير من خطوط الحدود العربية العربية الأخرى.
2 ـ أن البلدين لم يعتمدا فى ترسيم الحدود بينهما على الاتفاقيات القديمة أو المطالبات التاريخية، وإنما تجاوزا ذلك من خلال الاعتماد على جملة مبادئ هادية لهما من صنعهما وبرضائهما.
3 ـ أن الاتفاق الجديد أسقط عمليا أية مطالبات متبادلة خاصة ما شاع فى مطلع السبعينات من ادعاءات لليمن الجنوبى سابقا بحقوق تاريخية بإقليم ظفار التابع لعمان.
4 ـ أن الاتفاق يقدم نموذجا للتوصل إلى ترسيم حدود، يجعل منها معابر للتواصل الحضارى والإنسانى بين الشعوب الواقعة على جانبيها، وهو ما يبدو من المبادئ والأسس التى تضمنها ملحقا الاتفاقية على النحو المشار إليه فى هذا الصدد يشار إلى أن مجلس النواب اليمنى فى جلسة إقراره على الاتفاقية فى 92/10/13 أوصى الحكومة بأن تعمل جاهدة على التوصل مع الحكومة العمانية لتحقيق إنشاء طريق يربط بين البلدين لتسهيل انتقال وتبادل السلع والمنتجات ذات المنشأ اليمنى والعمانى، وأن يتم التوصل بسرعة إلى الإجراءات التنفيذية لتسهيل انتقال المواطنين وضمان تواصلهم وتضمنت توصيات مجلس النواب أيضا دعوة إلى رؤوس الأموال العمانية إلى إقامة مشاريع استثمارية مشتركة وإنشاء خطوط مواصلات برية وبحرية وجوية بين البلدين وتبادل الخبرات الفنية والتعليمية.
5 ـ أن الاتفاق أبرز أهمية الحوار والتفاوض كآلية هامة للتوصل إلى ترسيم الحدود بصورة واضحة ودون لبس كمقدمة لإضفاء طابع الاستمرارية والاستقرار على ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات تفصيلية.
ثانيا: الحدود اليمنية السعودية.
1 ـ اتفاقية الطائف لعام 1934 بالرغم من أن اتفاقية الطائف لعام 1934 الموقعة بين الملك عبد العزيز بن سعود والإمام يحيى إمام المملكة المتوكلية اليمنية تمثل حجر الزاوية فى مسألة ترسيم الجزء الأكبر من الحدود اليمنية السعودية، فإن الملابسات الخاصة بتوقيع تلك الاتفاقية فضلا عن عدم وضوح عملية تجديدها فى عام 1974، وكثرة التفسيرات الرسمية وغير الرسمية حول قانونية المعاهدة ذاتها فيما يتعلق بالحدود، إضافة إلى بعض أطروحات حول الحقوق التاريخية، تجعل من مسألة الحدود بين البلدين قضية شائكة إلى حد بعيد، وكغيرها من قضايا الحدود العربية العربية تلعب الاعتبارات السياسية دورا فى احتواء أو إثارة القضية على نحو معين فى لحظة تاريخية معينة ونظرا لما احتوته اتفاقية الطائف من مبادئ ومعان ليس فقط إزاء ترسيم الحدود، ولكن إزاء تنظيم العلاقات اليمنية السعودية، فإنه يحسن بنا الإشارة إلى الظرف التاريخى الذى وقعت فيه وقعت اتفاقية الطائف فى أعقاب المواجهة العسكرية ـ التى جرت وقائعها عام 1934 فى أجزاء من إمارة الادراسة فى غرب وجنوب منطقة عسير الطبيعية ـ بين قوات الإمام يحيى والملك عبد العزيز بن سعود وكان جزء من دوافع تلك المواجهة نابعا من ادعاءات بالسيادة من قبل الإمام يحيى على تلك الإمارة باعتبارها تابعة للمخلاف السليمانى التابع تاريخيا لحكام صنعاء، فى الوقت الذى كان فيه أميرها الحسن بن الإدريسى قد وقع اتفاقية حماية مع الملك السعودى عام 1926، والتى عرفت باسم اتفاقية مكة، وتضمنت تعهدا من الملك عبد العزيز بدفع كل ما سمى بتعد خارجى أو داخلى يقع على أراضى عسير الواقعة تحت سيطرة الادراسة وفى اتفاقية ـ 1930 الموقعة بين نفس الطرفين تنازل الادراسة عن إدارة شئون الإمارة للملك عبد العزيز إلا أن تطور الأمور دفع الادراسة إلى محاولة التراجع عن هاتين الاتفاقيتين واللجوء إلى الإمام يحيى طلبا للمساعدة، مما سبب بعض التوتر فى تلك المنطقة وإزاء ذلك وبعد حوالى عام من إعلان قيام المملكة العربية السعودية، أعلن الملك عبد العزيز رسميا ضم إمارة عسير بشقيها الشرقى الذى كان يحكمه آل عائض بتفويض مباشر من الملك عبد العزيز، والجنوبى الغربى الذى كانت ولايته جزئيا راجعة إلى آل الادراسة وقد أثار هذا الضم حفيظة اليمنيين الذين رأوا فيه تعديا على أرض تدين بالولاء للإمام يحيى وتعد جزءا أساسيا من أرض اليمن الطبيعية الكبرى وفى محاولة لترسيخ مختلف جوانب قرار الضم السعودى لتلك الإمارة، جاءت المطالبة بترسيم الحدود بين المملكتين لتحفز المواجهة العسكرية وفى تلك المواجهة ونظرا لفارق العتاد والخبرة العسكرية والحصول على معونات فنية من بريطانيا انتصرت القوات السعودية ودخلت إلى بعض أراضى يمنية ومن أشهرها نجران وإزاء ذلك الموقف وخوفا من سيطرة القوات السعودية على مزيد من الأراضى اليمنية، قبل الإمام يحيى وقف القتال والدخول فى مفاوضات مع الجانب السعودى نتج عن تلك المفاوضات توقيع اتفاقية الطائف (انظر الملحق)، والتى تضمنت ثلاثا وعشرين مادة تناولت إلى جانب ترسيم الحدود فى جزء من الحدود المشتركة بين البلدين، إنهاء حالة الحرب بينهما وتنظيم العلاقات بينهما فى كافة المناحى وفيما يتعلق بالحدود فقد تضمنت المادة الرابعة من الاتفاقية تحديدها على نحو مفصل بين نقطة ميدى والموسم على البحر الأحمر وحتى أطراف الحدود بين ـ من عدا يام من همدان بن زيد وائلى وغيره وبين يام ـ وتبعا لهذه المادة فكل ما هو يسار هذا الخط فهو من المملكة السعودية وكل ما على يمينه فهو من المملكة اليمنية وتضمنت المادة الثانية اعترافا متبادلا باستقلال كل طرف على نحو واضح دون لبس، وأن يسقط كل منهما أى حق يدعيه فى قسم أو أقسام من بلاد الأخر خارج الحدود القطعية المبينة فى صلب هذه المعاهدة وفى المادة الخامسة تعهد الطرفان بعدم إيجاد أى بناء محصن فى مسافة خمسة كيلومترات من كل باب من جانبى الحدود تضمنت المادة الثامنة التزام الطرفين بالامتناع عن الرجوع للقوة لحل المشكلات بينهما سواء كان سببها ومنشؤها هذه المعاهدة أو تفسير بعض موادها وفى حالة عدم التوفيق يلجأ الطرفان إلى التحكيم الموضحة شروطه فى ملحق المعاهدة (انظر الملحق).
وفى المادة 22 تحددت مدة الاتفاقية بعشرين عاما قمرية تامة قابلة للتجديد أو للتعديل خلال الستة أشهر الأولى التى تسبق تاريخ انتهاء مفعولها، فإذا لم تجدد أو تعدل فى ذلك التاريخ تظل سارية المفعول إلى ما بعد ستة أشهر من إعلان أحد الفريقين المتعاقدين الفريق الآخر رغبته فى التعديل وبعد التوقيع على الاتفاقية تم تشكيل لجنة خاصة لتعيين مواقع الحدود ووضع علاماتها، وقد انتهى عمل اللجنة فى خلال عام 1935، وبلغ عدد الأعمدة التى تم تثبيتها 240 عمودا على طول الخط الممتد من شمال ميدى على البحر الأحمر إلى حافة الربع الخالى وفى واقع الحال أن أحدا من الطرفين لم يثر مسألة تجديد الاتفاقية أو تعديلها جزئيا أو كليا بصفة رسمية فى عامى 1954 و 1974 بل أن بيانا مشتركا (انظر الملحق).
صدر فى أعقاب زيارة رئيس الوزراء اليمنى القاضى عبدالله أحمد الحجرى للملكة السعودية جاء فيه ـ اتفاق الجانبين التام مجددا على اعتبار الحدود بين بلديهما حدودا فاصلة بصفة نهائية ودائمة، وذلك كما نصت عليه المادتان الثانية والرابعة من معاهدة الطائف ـ وتقوم وجهة نظر المملكة السعودية على اعتبار أن هذا البيان تضمن اعترافا نهائيا بديمومة الحدود كما هى، مبينة فى اتفاقية الطائف لعام 1934، فى حين أن وجهة نظر يمنية ترى أن البيان فى حد ذاته لا يصل إلى مرتبة الاعتراف بديمومة الحدود، فهو مجرد بيان صحفى، وليس إعلانا أو بيانا يمنيا بالتصديق على تلك الحدود بصفة أبدية وتضيف وجهة النظر تلك أن البيان نفسه لا يلغى حق الطرف اليمنى فى المطالبة بتعديل الاتفاقية وما حوته من أحكام خاصة بالحدود أو بأى شىء آخر خاصة فى فترة التجديد كل 20 عاما ويمكن القول أن وجهتى نظر البلدين حول الحدود بينهما تتضمن فى داخلها بعضا من مفاهيم الحقوق التاريخية فمن وجهة نظر السعودية أن إمارة الأدراسة بشقيها الشرقى والغربى/ الجنوبى كانت تدين بالولاء لأمراء الدرعية منذ قيام الدولة السعودية الأولى فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر (1745 ـ 1818)، وأن ما حدث بعد ذلك سواء لجهة توقيع الاتفاقيات مع آل عائض ـ حكام الجهة الشرقية ـ أو الأدراسة ـ حكام الجهة الغربية والجنوبية ـ أو إعلان الضم الرسمى لإمارة عسير كجزء من المملكة كان أمرا طبيعيا وينسجم مع الحقائق التاريخية ذاتها أما الاتفاقية ـ أو بالأحرى المعاهدة ـ من وجهة النظر السعودية فهى ملزمة للطرفين وأنها شاملة تنظيم مسائل عدة فى العلاقات بين البلدين، وأنها كانت مدخلا لتحقيق الاستقرار فى المنطقة والقول بالمطالب التاريخية يدفع إلى تصور خط الحدود على نحو مختلف جذريا عن ذلك الخط الذى رسمته سلطات الاحتلال البريطانى لعام 1955 بين المحميات والإمارات والبلدان الخليجية فى شبه الجزيرة، وتضمن خطا للحدود بين كل من السعودية واليمن وعمان على النحو الظاهر فى الخريطة المرفقة وفى كلا الخطين القائمين على دعاوى تاريخية قديمة ـ ليس هناك ما يثبتها فى صورة وثائق أو اتفاقيات معترف بها ـ سواء لعام 1935 و 1949، فهما يضمان أجزاء من الداخل اليمنى ولا سيما الجوف ومأرب، وهما من المناطق التى ثبت فيهما توافر احتياطى كبير من النفط، وتعمل فيهما شركات أجنبية من أجل استخراج وتسويق هذا النفط، وبالطبع فإن اليمن ترفض مثل هذه التصورات رفضا قاطعا أما البعد الخاص بالحقوق التاريخية من وجهة النظر اليمنية فترى أن عسير من الناحية الطبيعية هى جزء من أرض اليمن المعرفة فى كتابات الجغرافيين الذين تواردوا على المنطقة فى أزمان سابقة مختلفة مثل الحسن بن يعقوب الهمدانى فى كتابة ـ صفة بلاد العرب ـ، وابن المجاور فى كتابة ـ مروج الذهب ـ، والبكرى وياقوت الحموى وغيرهم من الجغرافيين العرب وإلى جانب السند الجغرافى الطبيعى ترى وجهة نظر يمنية أن الأدارسة قد اغتصبوا الحكم فى الإمارة، وأن الذين قبلهم من الذين حكموا الجزء الأكبر من إمارة عسير كانوا على صلة بحكام اليمن، وكانوا يأخذون منهم الوعد والأمان وفى بعض الأحيان كانوا يحكمون تلك المناطق باسم حكام صنعاء أنفسهم وبصفة عامة يعتقد اليمنيون أن الجزء الأكبر من عسير ـ المتضمن نجران ومرتفعات عسير ـ هى جزء من المخلاف السليمانى التابع تاريخيا لحكام صنعاء وأن نجران على وجه التعديد أرض يمنية لا شبهة فى ذلك ومن ثم فإن ما ورد فى اتفاقية الطائف هو تنازل من الإمام يحيى عن أراضى يمنية خالصة، أو على أقل تقدير أنها أرض يمنية أعطيت رعايتها للجانب السعودى لمدة من الزمن المقدر بعشرين عاما قابلة للتجديد وفى سياق نفس الرؤية اليمنية فإن هناك من يرى مآخذ على الاتفاقية الموقعة عام 1934 منها أنها كانت نتاج حرب، وأنها عبرت فى أحسن الأحوال عن إرادة الملكين الحاكمين أن اتفاقية الطائف كغيرها من الاتفاقيات الموقعة بين الدول صارت لها حجيتها القانونية قبل أية أسانيد أخرى، ومن هذه الزاوية يبدو صعبا الغوص مرة أخرى فى جدل تاريخى حول أحقية أى طرف بأى جزء مما تناولته الاتفاقية على نحو مفصل ومحدد ولذلك يبدو الأمر المرجح قانونا أن مسالة الحدود اليمنية السعودية ذات شقين، الأول منهما وهو ما تناولته الاتفاقية بالفعل، والثانى وهو ما لم تتناوله الاتفاقية ويمثل الخط الممتد فيما بين آخر نقطة تضمنتها اتفاقية الطائف (انظر ما ورد فى الملحق حول تقرير الحدود بين المملكة السعودية والمملكة اليمانية) والنقطة التى تلتقى فيها حدود اليمن وكل من عمان والسعودية وفى هذا الإطار فإن معالجة المشكلات المختلفة سواء لجهة الجزء المحدد بالفعل فى الاتفاقية أو الجزء الذى لم يتحدد بعد لا يعنى قط تجاوزا لمنطوق الاتفاقية.
ب ـ ترسيم الحدود بعد الوحدة اليمنية بعيد قيام دول الوحدة اليمنية برز اهتمام أولى بإنهاء ملف الحدود اليمنية السعودية، وهو ما نحى عليه برنامج الإصلاح السياسى والاقتصادى والإدارى الذى قدمته حكومة حيدر أبو بكر العطاس إلا أن اندلاع أزمة الخليج الثانية وما صحبها من توتر شديد فى العلاقات بين البلدين جعل من العسير فتح هذا الملف أو الخوض فى تفصيلاته وحين هدأت نسبيا الأزمة، وأمكن احتواء بعض تداعياته ظهرت فرصة لإعادة التفاوض حول هذا الأمر، ودعم من ذلك الاحتمالات الكبيرة لوجود النفط فى منطقة الحدود التى لم ترسم بعد بين البلدين، وما قد يثيره هذا الأمر من مشكلات سياسية وغير سياسية أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة وعبر مذكرة رسمية أرسلتها إلى دول المنطقة فى إبريل 1992، عبرت عن اهتمامها بتسوية مشكلات الحدود بصورة سلمية وعبر آليات التفاوض أو التحكيم أو الوساطة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفى ذكرى مرور عامين على قيام الوحدة اليمنية ـ ألمح الرئيس على عبد الله صالح إلى رغبة بلاده بالتوصل على تسوية نهائية لمسألة الحدود مع السعودية، وقد ردت السعودية ببيان رسمى على تلك التصريحات فى 30 مايو 92 جاء فيه ـ إن السعودية عمدت بمبادرات منها إلى التفاوض مع الجانب اليمنى لتخطيط الجزء المتبقى من الحدود وفقا لمعاهدة الطائف، وأن الجانب اليمنى لم يكن لديه الرغبة الجادة فى التوصل إلى اتفاق، وأن طلب المملكة مجرد إعادة بناء ما اندثر من معالم لترسيم الحدود المتفق عليها طبقا لمعاهدة الطائف لم يلق أى تجاوب من الطرف الآخر، وأنه من أجل أن يظهر الجانب اليمنى شيئا من الجدية وحسن النيات لابد من البدء فورا فى إعادة بناء ما اندثر من تلك المعالم والبدء بتخطيط الجزء المتبقى من الحدود وبالرغم مما تضمنه البيان السعودية من تحميل الجانب اليمنى مسئولية تعطيل الوصول إلى اتفاق، وكذلك الإصرار على تخطيط ما تبقى من الحدود فيما يخالف جذريا وجهة نظر اليمن التقليدية، فقد رحب اليمن فى بيان رسمى أذيع فى 31 مايو بالبيان السعودى وما تضمنه من دعوة لبدء فى معالجة قضية الحدود وقد مهد ذلك لأول اجتماع بين البلدين بعد اندلاع أزمة الخليج فى جنيف 20 يوليه 93 بين وزير المعارف السعودى ووزير الدول للشئون الخارجية اليمنى حيث اتفقا على عقد اجتماعات للخبراء لبحث الموضوع تفصيليا وحتى مطلع ديسمبر 92 عقدت ثلاث جولات للخبراء، اثنتان منها فى السعودية بالرياض وجدة والثالثة فى العاصمة اليمنية صنعاء وقبل عقد الجولة الأولى فى 28 سبتمبر أرسلت السعودية فى 10/9 مذكرة إلى الطرف اليمنى أوضحت فيها وجهة نظرها فيما يتعلق بمهمة لجنة الخبراء، وتحددت كما يلى:
1 ـ تشكيل لجنة لتجديد العلامات المقامة على خط الحدود وفقا لتقارير الحدود المعدة بموجب معاهدة الطائف بالاتفاق مع شركة عالية لتنفيذ ذلك.
2 ـ ترسيم ما بقى من الحدود ابتداء من جبل الثار وفقا لمعاهدة الطائف، وذلك بأن يقدم كل طرف فى وقت واحد تصوره لخط الحدود الذى تتناوله معاهدة الطائف.
3 ـ تعيين الحدود وترسيمها فى المنطقة التى لا تتناولها معاهدة الطائف حتى حدود سلطنة عمان ذلك بأن يقدم كل جانب تصوره لخط الحدود فى هذه المنطقة.
4 ـ تعيين الحدود البحرية وفى الجولة الأولى للخبراء لم يقدم الجانب اليمنى ردا محددا على المذكرة السعودية، فى حين قدم مذكرة تضمنت نصوصا قانونية حول ما أسماه حفظ حق البلدين ومصالحهما أثناء عملية التفاوض، نظرا لأنها ستأخذ وقتا طويلا وطالب الجانب اليمنى بتوقيع اتفاقية تضمن تلك الحقوق تحت مسمى ـ اتفاق لا ضرر ولا ضرار ـ، إلا أن الجانب السعودى رأى أن المصالح القانونية للطرفين محفوظة بالفعل وفق الأعراف الدولية فى مثل هذه المفاوضات، وأنه لا حاجة لتوقيع مثل هذا الاتفاق الذى يفتقد إلى المبررات الشرعة والقانونية تجاه دفع سير المفاوضات وقد انصب اهتمام الجانب اليمنى فى الاجتماعين الثانى والثالث على المطالبة بالاتفاق على آلية التفاوض وحفظ الحقوق القانونية، فى حين انصب اهتمام الجانب السعودى على التأكيد على وجهة نظره المصاغة فى مذكرة 10 سبتمبر وبصفة عامة وبناء على خبرة اجتماعات لجان الخبراء، يمكن الاستنتاج بأن المفاوضات اليمنية السعودية سوف تأخذ وقتا طويلا وأن الطرفين لم يناقشا بعد المسائل الجوهرية ومع ذلك فمن المهم التأكد على ثلاث دلالات هامة وهى:
الأولى وهى أن مجرد اعتماد أسلوب التفاوض المباشر يثبت رغبة الطرفين فى التوصل إلى تسوية نهائية للحدود بينهما بكل ما تعنيه من ترسيم للخطوط وتنظيم الانتقال على جانبيها وغير ذلك من المسائل المرتبطة بها الثانية أن المحدد السياسى ـ ونقصد به المستوى الواقعى للعلاقات بين البلدين والمتسم بقدر من البرود نظرا لعدم التخلص بعد من كل آثار المواقف المتبادلة أثناء أزمة الخليج الثانية ـ يؤثر على بطء الإنجاز وعدم الاتفاق على المسائل الجوهرية رغم تواصل اجتماعات الخبراء الثالثة أن الطرف اليمنى فى تلك الاجتماعات لم يطلب رسميا إلغاء اتفاق الطائف، وإنما طلب ضرورة معالجة المشاكل التى أثيرت ومازالت تثار فى العلاقات بين البلدين منذ 58 عاما وحتى الآن، وكذلك المشكلات التى لم تتضمنها الاتفاقية وفى هذا يتضح بعض الانسجام فى مواقف الطرفين.
 

قرية ضالكوت من الأعلى





المرسى البحري لقرية ضالكوت

منظر خلاب










صور لقرية ضالكوت الساحلية والتي تطل على البحر




جمل بالقرب من مركبة المصور


مفرق طرق اليمن ضلكوت






الطريق المؤدي الى الحدود اليمنية العمانية


منظر خلاب بالقرب من البحر









بعض البقر والجاموس في المراعي الواسعة



بدأ وصول الضباب من بعيد

منظر جميل غير موجود حتى في الدول الأوروبية



سفينة الصحراء في الروابي الخضراء




نبات يخرج من بين الصخر سبحان الله

مراعي شاسعة وجميلة




ليست هناك تعليقات: