التقدمية والرجعية صارت اليوم موضة العصر وعلامة من علامات التمدن والفهم وتكاد أن تدخل في قواميس لغتنا العربية بل أصبح كل من يستعمل هذين اللفظين مصنف من بين المفكرين والمبحرين في أعماق الكتب, واستعملوها كقناع لخدع بسطاء الناس ومحاربة اعدائهم بهاته الألفاظ الغريبة الفضفاضة التي لا تملك في طياتها دلالات منطقية محددة ولكن من يعرف حقيقة هؤلاء القوم فلن يجدهم إلا قشورا رجعية فارغة من جوهر الكلام والعلم تضع نفسها في موقف الدفاع عن شيء لا يمسها من قريب ولا من بعيد. ففي نظرهم التقدمي هو من يملك أحدث هاتف جوال أو سيارة فخمة آخر موديل أو من يسكن قصرا عاليا والرجعي هو ذاك المسلم الذي مازال متمسك بدينه يدعو إليه يوالي ويعادي عليه وحجتهم هي أن الدين قديم لا يواكب التطور العلمي المادي. ماهذا المنطق الأعوج.. إن أقدم شئ في الدنيا هو العقل، فإذا تركنا الدين وصرنا ملحدين، لأن الدين قديم، فيجب أن نترك العقل ونصير مجانين، لأن العقل أقدم من الدين.
..أليس هذا منطقكم ؟

فما هو إذا التعريف السليم لمفهوم التقدمية والرجعية ؟
التقدمية تعني التقدم إلى الأمام والرجعية تعني الرجوع إلى الوراء...هذا هو التعريف الذي صدروه إلينا ولكن لم يحددوا لنا ما الأمام وما الوراء فمثلا لو كنت أسير إلى الامام موجها ظهري إلى هذا الأمام فهناك من سيراه رجوع إلى الوراء لا تقدما إلى الأمام . إذا فالمسألة نسبية هنا فقد تم استغال لفظ التقدم إلى الأمام الذي هو مزيّةٌ وفضيلة في بعض الأحوال ، لتُطلق إطلاقاً تعميمياً باطلاً وفاسداً ، موهماً بأن كل تقدم هو أمرٌ خيرٌ وحسنٌ ولو إلى الحضيض والشقاء والهلاك والعذاب الأليم ونفس الشيء بالنسبة للفظ "الرجعية". فالذي يرجع إلى الحق هو تقدمي لا رجعي ومن يتقدم إلى الباطل هو رجعي لا تقدمي هذا هو الأصل وهكذا يقول العقل. فالتقدمية أو الرجعية ليست صفة مطلقة تصلح أن نطلقها على فرد دون آخر أومجموعة دون أخرى فهي صفة مرتبطة بموقف معين تجاة مشكلة معينة في ظروف معينة فنفس الشخص او نفس الجماعة يمكن ان تصبح تقدمية تجاه قرار أو رأي ما وتصبح رجعية تجاه رأي او قرار أخر في ظروف أخري فالتقدمية مجرد موقف إيجابي معين لصالح قضية أو مشكلة معينة في مجتمع معين في ظروف موضوعية معينة في زمن معين.
التقدمية هي مجرد موقف لا صفة مطلقة وبالتالي لا يمكن أن ترتبط بالعدد أو ما يسمى بالأكثرية والأقلية بمعني أنة ليس من الضرورة أن يكون أصحاب هذا الموقف التقدمي كثرة فكل من يتبنون او يعلنون موقف إيجابي تجاه قضية معينة هم تقدميون بصرف النظر عن عددهم ومن هنا نفهم كيف كان دائماً علي مر العصور الأنبياء والمصلحين قلة.
إذا فالتقدمي هو الانسان الذي يساير حركة التطور الاجتماعي بقسميها النظري والعملي ويدفع حركة التاريخ الى الأمام لخير الناس ومن اجل سعادتهم .ان أي حركة لا تخدم الجماهير العريضة من الجنس البشري لا يمكن ان تكون الا حركة رجعية صرفة.