التقدميّة والرجعيّة بين الإسلام والعلمانية
بعد ان عرفنا المفهوم السليم لكمتي تقدمي ورجعي لن يجد العقل البشري صعوبة في التمييز بينهما بعيدا عن المفهوم المزيف الذي صدره إلينا الغرب عن قصد أوعن غير قصد لأن تعميم تلك مفاهيم لا يمكن أن نسميه إلا محاولة لتزييف الوقائع والركوب على الأحداث مستغلين العقول البسيطة لعامة الناس لمحاربة أعدائهم ومساندتهم لهم في نشر أفكارهم عن جهل.
عندما ظهرت العلمانية كان من أهم أفكارهم "التقدمية" إخراج الإنسان من عبودية الخالق إلى عبودية المادة موهمين الناس بأن فيه من التقدم والتطور الشيء الكثير وضانين أنهم أتو بما لم يأتي به الأقدمون ولا أدري كيف غاب عن عقولهم النيّرة أن في عصر الجاهلية كان الناس يعبدون المادة والشهوة ونسوا الخالق فلماذا سمي إذا بعصر الجاهلية ولم يسمى بعصر التطور والتقدم؟.. فكان قدوم الإسلام دعوة للخروج من ظلمات الجاهلية وتحريرا للإنسان من عبودية المادة الرجعية وارتقي به إلى عبودية الخالق(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا (عمر بن الخطاب)).. ساوى بين الشعوب تحت شعار( اكرمكم عند الله اتقاكم) ( لا فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى) (الناس سواسية كاسنان المشط) فكان من الأصلح ومن العقل أن يكون الإسلام هو التقدمي لا الرجعي كما يتوهمون. ومن يقول بعكس هذا الكلام فهو يدفع بعجلة التاريخ إلى الوراء لا إلى الأمام..
يطالبون أيضا بما يسمى تحرير المرأة أو بمعنى أصح تعرية المرأة (لأغراض تجارية وجنسية) وأوهموا المفتونين بزخرف القول بأن كشف العورات تعني التقدمية وسترها رجعية وإعلان الزنا تقدمية والنهي عنه رجعية فانتشر الفساد في الأرض وكثرت الجريمة والإغتصاب والستار دائما التقدمية والرجعية... ولكنهم تناسو كالعادة بأنهم لم يأتوا بالجديد فقد سبقتهم الجاهلية الأولى في فعلهم هذا فقد كانوا يعيشون في ظلمات الشهوة والفجور والفسوق كالحيوانات تماما. بل الحيوان أرقى بكثير إذا اعتبرنا انها تلك طبيعته.. إلى أن جاء الإسلام فارتقى بهم من تلك الأفكار الحيوانية إلى أفكار الإسلام السامية فحرص على احترام المرأة, وإيفائها حقوقها وصونها كالدرة , بدل أن يتركها في المكان الغير مناسب..فكان مجيء الإسلام تقدما نحو التحضر لا تقدما نحو الهلاك والفساد.
هذا الإنحدار الأخلاقي اليوم لدى الإنسان المجرّد من انسانيته الذي أصبح إنسانا ميكانيكيا ماديا قابله تطورا علميا كبيرا متسارع بشكل رهيب...فبدلا أن يستغل هذا العلم فيما ينفع البشر استغله في إبادة الخلق نبات كان أو حيوان أو إنسان وعم الفساد برا وبحرا إلا من رحم ربي..قال تعالى:. ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(الروم 41) ..فطورت الآلات الحربية والقنابل الذرية والنووية والجرثومية وكلها تحت غطاء التقدم والتطور...فالعلم إذا لم يقرن بالرحمة فسد وصار مهلك...غابت الرحمة عن العلم فعم الفساد وكثرت الحروب والأزمات وساهم في الوصول إلى هذا الوضع التشجيع المعلن والخفي من جانب المجمع الصناعي والعسكري القوي والمؤثر لاستمرار الأزمات والحروب ، وذلك حتى يتمكن من تسويق الأسلحة التي ينتجها ، ويجني مزيداً من الثروة ، حتى أنَّ ما ينفق على الأسلحة في العالم الثالث أكثر مما ينفق على شراء القمح ...فأبيدت من جرّاء ذلك شعوب بأكملها من هيروشيما وناكازاكي إلى غزة والعراق والتاريخ مليء بتلك الإبادات الجماعية...والناجي من تلك الحروب ليس أسعد حظا ممن مات فالإشعاعات النووية والأسلحة الجرثومية المستخدمة أحدثت تشوهات جينيّة للناجين وللأجيال القادمة من بعدهم...بالإضافة إلى تقسيم العالم تقسيما عنصريا تحت غطاء التقدم والتخلف مما أعطى الحق للدول القوية بالسيطرة على الدول الأقل قوة فنهبوا الثروات من بيترول آسيا إلى ذهب وألماس إفريقيا ثم كافئوهم بإشعال الحروب الأهلية والطائفية وجعلوا أراضيها مقابر لنفاياتهم النووية... هذا هو التقدم العلمي الموعود ... فعلا إنه تقدمٌ حقاً.. ولكن إلى الجحيم.
لأجل ذلك كان الإسلام وسيظل حاجزا أمام كل القوى الرجعية التي باسم التحرر الرجعي المزيف يبغوا الرجوع بنا إلى عهد الجاهلية الأولى... نقول لهم هذا لا يكون لأن التاريخ لا يرجع إلى الوراء ابدا.موقف الإسلام من العلم:
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: لا مجال في الاسلام لدعوى التعارض أو العداوة بين الدين والعلم، فالدين في الاسلام علم، والعلم فيه دين. كما تشهد بذلك أصول الاسلام وتاريخه جميعاً. فالدين في الاسلام علم، لأنه لا يعتمد على الوجدان وحده، بل يقوم على النظر والتفكير ورفض التقليد الأعمى والاعتماد على البرهان اليقيني لا على الظن واتباع الهوى.
والعلم في الاسلام دين، لأن طلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهو فريضة عينية أو كفائية، تبعاً لحاجة الفرد أو حاجة المجتمع. والاشتغال بالعلم النافع ـ دينياً كان أم دنيوياً ـ عبادة وجهاد في سبيل الله... وهذه الحقيقة شهدها وشهد بها كثير من الباحثين والمؤرخين الغربيين... يقول العلامة هورتن:
"في الاسلام وحده تجد اتحاد الدين والعلم. فهو الدين الوحيد الذي يوحد بينهما. فتجد فيه الدين ماثلاً متمكناً في دائرة العلم. وترى وجهة الفلسفة ووجهة العلم متعانقتين، فهما واحدة لا اثنتان".
ويقول اتيان دينيه: "إن العقيدة الاسلامية لا تقف عقبة في سبيل الفكر، فقد يكون المرء صحيح الاسلام، وفي الوقت نفسه حر الفكر، ولا تقتضي حرية الفكر أن يكون المرء منكراً لله. لقد رفع (محمد) قدر العلم إلى أعظم الدرجات، وجعله من أول واجبات المسلم"...وعند احتكاك الغرب بالمسلمين في بلاد الأندلس كانوا يقولون انه لا مجال للإحاطة بجميع أنواع العلوم إلا بتعلم اللغة العربية ودراسة كتب المسلمين.
لقد حث القرآن الكريم المسلمين على السعي في طلب العلم والمعرفة نظرا لأهمية العلم في اصلاح حال الإنسان..إذ ليس من الغريب ان تكون أول كلمة من القرآن هي "اقرأ" والمعنى واضح وجلي في الحث على طلب العلم بل إن اول آيات القرآن نزلت في العلم..يقول تعالى: (اقرأ باسم ربك الذى خلق(1) خلق الإنسان من علق(2) إقرأ وربك الأكرم(3) الذى علم بالقلم(4) علم الإنسان ما لم يعلم(5)(
وقد فضّل الله العلماء ورفع منزلتهم وجعلهم ورثة الأنبياء فقال سبحانه (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات)وقال عزوجل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )...والآيات كثيرة في الدعوة إلى التعلم وإعمال العقل
كما أن السنّة النبوية الشريفة كانت دافعة لعجلة العلم إلى الأمام وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة.. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر -رواه أبو داود والترمذي-
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا -متفق عليه-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها -رواه أبو داود بإسناد صحيح-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له -رواه مسلم-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة -رواه مسلم-
ماذا يرفض الإسلام من العلم:
الإسلام يشجع كل ألوان العلوم والمعرفة المتاحة والممكنة، مثل: الفلسفة، الفلك، الطب، اللغات، علم الكلام، السياسة، الإدارة، الجغرافية، تنظيم مؤسسات الدولة وإدارتها، الكيمياء، الفيزياء، الرياضيات، علم الاجتماع، التاريخ، التصنيع وغيرها من العلوم الإنسانية عدا العلوم المحرمة كالشعوذة والسحر وفنون الاحتيال التي تضر بالإنسان والإنسانية، استعمال التكنولوجيا الحديثة في التدمير والتقتيل بغير وجه حق إذ أن تعلّمها ونشرها يراد بها الإضرار، أو ما تحتمله من إضرار بالإنسانية وإشاعة الخرافات والأكاذيب.
فالإسلام يشترط أن يقترن العلم بالرحمة حتى يعم الخير والتقدم للإنسانية..وهذا ما نلمسه في آيات الله عندما حدثنا عن العلم.. يقول سبحانه في سورة الأعراف "وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
ويقول أيضا في سورة الكهف" فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا"
وفي سورة غافر "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم"
واضح وجلي من الآيات الكريمة أن العلم دائما ما يقرنه الله بالرحمة ولهذا الإقتران سببا فالعلم إذا لم يقرن بالرحمة صار سببا في الفساد....ويتجلى هذا المعنى أكثر في سورة سبأ ..قال تعالى " يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ"
في عادة القرآن الكريم غالبا ما تنتهي الآيات بالغفور الرحيم ولكن هذه الآية الوحيدة التي تقدم فيها الرحيم على الغفور..فما سر هذا التقديم ؟
لأن تقديم الغفور على الرحيم تكون في المواضع المقترنة بمنطق درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة (إذ أن الله يدرأ عن عبادة النار التي تعتبر مفسدة فيغفر لهم ثم يجلب لهم المصلحة ألا وهي دخول الجنة التي تعتبر المصلحة)
ولكن في هذه الآية الكريمة لا وجود لدرء مفسدة أو جلب مصلحة إذ لا يوجد ما يستدعي تقديم الغفور على الرحيم فالآية تتحدث عن العلم لذا وجب تقديم الرحيم على الغفور ليقترن العلم بالرحمة مباشرة.
عندما ظهرت العلمانية كان من أهم أفكارهم "التقدمية" إخراج الإنسان من عبودية الخالق إلى عبودية المادة موهمين الناس بأن فيه من التقدم والتطور الشيء الكثير وضانين أنهم أتو بما لم يأتي به الأقدمون ولا أدري كيف غاب عن عقولهم النيّرة أن في عصر الجاهلية كان الناس يعبدون المادة والشهوة ونسوا الخالق فلماذا سمي إذا بعصر الجاهلية ولم يسمى بعصر التطور والتقدم؟.. فكان قدوم الإسلام دعوة للخروج من ظلمات الجاهلية وتحريرا للإنسان من عبودية المادة الرجعية وارتقي به إلى عبودية الخالق(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا (عمر بن الخطاب)).. ساوى بين الشعوب تحت شعار( اكرمكم عند الله اتقاكم) ( لا فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى) (الناس سواسية كاسنان المشط) فكان من الأصلح ومن العقل أن يكون الإسلام هو التقدمي لا الرجعي كما يتوهمون. ومن يقول بعكس هذا الكلام فهو يدفع بعجلة التاريخ إلى الوراء لا إلى الأمام..
يطالبون أيضا بما يسمى تحرير المرأة أو بمعنى أصح تعرية المرأة (لأغراض تجارية وجنسية) وأوهموا المفتونين بزخرف القول بأن كشف العورات تعني التقدمية وسترها رجعية وإعلان الزنا تقدمية والنهي عنه رجعية فانتشر الفساد في الأرض وكثرت الجريمة والإغتصاب والستار دائما التقدمية والرجعية... ولكنهم تناسو كالعادة بأنهم لم يأتوا بالجديد فقد سبقتهم الجاهلية الأولى في فعلهم هذا فقد كانوا يعيشون في ظلمات الشهوة والفجور والفسوق كالحيوانات تماما. بل الحيوان أرقى بكثير إذا اعتبرنا انها تلك طبيعته.. إلى أن جاء الإسلام فارتقى بهم من تلك الأفكار الحيوانية إلى أفكار الإسلام السامية فحرص على احترام المرأة, وإيفائها حقوقها وصونها كالدرة , بدل أن يتركها في المكان الغير مناسب..فكان مجيء الإسلام تقدما نحو التحضر لا تقدما نحو الهلاك والفساد.
هذا الإنحدار الأخلاقي اليوم لدى الإنسان المجرّد من انسانيته الذي أصبح إنسانا ميكانيكيا ماديا قابله تطورا علميا كبيرا متسارع بشكل رهيب...فبدلا أن يستغل هذا العلم فيما ينفع البشر استغله في إبادة الخلق نبات كان أو حيوان أو إنسان وعم الفساد برا وبحرا إلا من رحم ربي..قال تعالى:. ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(الروم 41) ..فطورت الآلات الحربية والقنابل الذرية والنووية والجرثومية وكلها تحت غطاء التقدم والتطور...فالعلم إذا لم يقرن بالرحمة فسد وصار مهلك...غابت الرحمة عن العلم فعم الفساد وكثرت الحروب والأزمات وساهم في الوصول إلى هذا الوضع التشجيع المعلن والخفي من جانب المجمع الصناعي والعسكري القوي والمؤثر لاستمرار الأزمات والحروب ، وذلك حتى يتمكن من تسويق الأسلحة التي ينتجها ، ويجني مزيداً من الثروة ، حتى أنَّ ما ينفق على الأسلحة في العالم الثالث أكثر مما ينفق على شراء القمح ...فأبيدت من جرّاء ذلك شعوب بأكملها من هيروشيما وناكازاكي إلى غزة والعراق والتاريخ مليء بتلك الإبادات الجماعية...والناجي من تلك الحروب ليس أسعد حظا ممن مات فالإشعاعات النووية والأسلحة الجرثومية المستخدمة أحدثت تشوهات جينيّة للناجين وللأجيال القادمة من بعدهم...بالإضافة إلى تقسيم العالم تقسيما عنصريا تحت غطاء التقدم والتخلف مما أعطى الحق للدول القوية بالسيطرة على الدول الأقل قوة فنهبوا الثروات من بيترول آسيا إلى ذهب وألماس إفريقيا ثم كافئوهم بإشعال الحروب الأهلية والطائفية وجعلوا أراضيها مقابر لنفاياتهم النووية... هذا هو التقدم العلمي الموعود ... فعلا إنه تقدمٌ حقاً.. ولكن إلى الجحيم.
لأجل ذلك كان الإسلام وسيظل حاجزا أمام كل القوى الرجعية التي باسم التحرر الرجعي المزيف يبغوا الرجوع بنا إلى عهد الجاهلية الأولى... نقول لهم هذا لا يكون لأن التاريخ لا يرجع إلى الوراء ابدا.موقف الإسلام من العلم:
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: لا مجال في الاسلام لدعوى التعارض أو العداوة بين الدين والعلم، فالدين في الاسلام علم، والعلم فيه دين. كما تشهد بذلك أصول الاسلام وتاريخه جميعاً. فالدين في الاسلام علم، لأنه لا يعتمد على الوجدان وحده، بل يقوم على النظر والتفكير ورفض التقليد الأعمى والاعتماد على البرهان اليقيني لا على الظن واتباع الهوى.
والعلم في الاسلام دين، لأن طلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهو فريضة عينية أو كفائية، تبعاً لحاجة الفرد أو حاجة المجتمع. والاشتغال بالعلم النافع ـ دينياً كان أم دنيوياً ـ عبادة وجهاد في سبيل الله... وهذه الحقيقة شهدها وشهد بها كثير من الباحثين والمؤرخين الغربيين... يقول العلامة هورتن:
"في الاسلام وحده تجد اتحاد الدين والعلم. فهو الدين الوحيد الذي يوحد بينهما. فتجد فيه الدين ماثلاً متمكناً في دائرة العلم. وترى وجهة الفلسفة ووجهة العلم متعانقتين، فهما واحدة لا اثنتان".
ويقول اتيان دينيه: "إن العقيدة الاسلامية لا تقف عقبة في سبيل الفكر، فقد يكون المرء صحيح الاسلام، وفي الوقت نفسه حر الفكر، ولا تقتضي حرية الفكر أن يكون المرء منكراً لله. لقد رفع (محمد) قدر العلم إلى أعظم الدرجات، وجعله من أول واجبات المسلم"...وعند احتكاك الغرب بالمسلمين في بلاد الأندلس كانوا يقولون انه لا مجال للإحاطة بجميع أنواع العلوم إلا بتعلم اللغة العربية ودراسة كتب المسلمين.
لقد حث القرآن الكريم المسلمين على السعي في طلب العلم والمعرفة نظرا لأهمية العلم في اصلاح حال الإنسان..إذ ليس من الغريب ان تكون أول كلمة من القرآن هي "اقرأ" والمعنى واضح وجلي في الحث على طلب العلم بل إن اول آيات القرآن نزلت في العلم..يقول تعالى: (اقرأ باسم ربك الذى خلق(1) خلق الإنسان من علق(2) إقرأ وربك الأكرم(3) الذى علم بالقلم(4) علم الإنسان ما لم يعلم(5)(
وقد فضّل الله العلماء ورفع منزلتهم وجعلهم ورثة الأنبياء فقال سبحانه (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات)وقال عزوجل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )...والآيات كثيرة في الدعوة إلى التعلم وإعمال العقل
كما أن السنّة النبوية الشريفة كانت دافعة لعجلة العلم إلى الأمام وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة.. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر -رواه أبو داود والترمذي-
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا -متفق عليه-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها -رواه أبو داود بإسناد صحيح-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له -رواه مسلم-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة -رواه مسلم-
ماذا يرفض الإسلام من العلم:
الإسلام يشجع كل ألوان العلوم والمعرفة المتاحة والممكنة، مثل: الفلسفة، الفلك، الطب، اللغات، علم الكلام، السياسة، الإدارة، الجغرافية، تنظيم مؤسسات الدولة وإدارتها، الكيمياء، الفيزياء، الرياضيات، علم الاجتماع، التاريخ، التصنيع وغيرها من العلوم الإنسانية عدا العلوم المحرمة كالشعوذة والسحر وفنون الاحتيال التي تضر بالإنسان والإنسانية، استعمال التكنولوجيا الحديثة في التدمير والتقتيل بغير وجه حق إذ أن تعلّمها ونشرها يراد بها الإضرار، أو ما تحتمله من إضرار بالإنسانية وإشاعة الخرافات والأكاذيب.
فالإسلام يشترط أن يقترن العلم بالرحمة حتى يعم الخير والتقدم للإنسانية..وهذا ما نلمسه في آيات الله عندما حدثنا عن العلم.. يقول سبحانه في سورة الأعراف "وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
ويقول أيضا في سورة الكهف" فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا"
وفي سورة غافر "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم"
واضح وجلي من الآيات الكريمة أن العلم دائما ما يقرنه الله بالرحمة ولهذا الإقتران سببا فالعلم إذا لم يقرن بالرحمة صار سببا في الفساد....ويتجلى هذا المعنى أكثر في سورة سبأ ..قال تعالى " يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ"
في عادة القرآن الكريم غالبا ما تنتهي الآيات بالغفور الرحيم ولكن هذه الآية الوحيدة التي تقدم فيها الرحيم على الغفور..فما سر هذا التقديم ؟
لأن تقديم الغفور على الرحيم تكون في المواضع المقترنة بمنطق درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة (إذ أن الله يدرأ عن عبادة النار التي تعتبر مفسدة فيغفر لهم ثم يجلب لهم المصلحة ألا وهي دخول الجنة التي تعتبر المصلحة)
ولكن في هذه الآية الكريمة لا وجود لدرء مفسدة أو جلب مصلحة إذ لا يوجد ما يستدعي تقديم الغفور على الرحيم فالآية تتحدث عن العلم لذا وجب تقديم الرحيم على الغفور ليقترن العلم بالرحمة مباشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق