أعتقد أن هذا الرد من أروع الردود في موضوع طاعة الحاكم أو الأمير أو ولي الأمر
تفنيد ورد مقنع جدا من الشيخ عصام تليمه
يواكب الفطره السليمه وما يريده أسلامنا منا أن نكون
تفنيد ورد مقنع جدا من الشيخ عصام تليمه
يواكب الفطره السليمه وما يريده أسلامنا منا أن نكون
الشيخ عصام تليمة يرد على د. راغب السرجاني
سألني عدد من الشباب والمعنيين بما يدور في مصر من حراك، عن رأيي في مقال كتبه الدكتور راغب السرجاني، ونشره على موقعه بعنوان: (والله أعلم بالظالمين 13). وبداية مع كامل تقديري للدكتور راغب وكل صاحب طرح في هذه الآونة، إلا أن كثيرا منهم يقع في خطأ علمي كبير، حين يخرج من إطار الدعوة إلى إطار البحث العلمي، فالدكتور راغب رجل معني بدراسة التاريخ، وهذه الدراسة لا تؤهله إلى تناول أحكام فقهية، ولا الغوص في نصوص من القرآن والسنة، خارجا منها برأي علمي في الفقه السياسي، فأدوات الداعية والمؤرخ غير أدوات الفقيه والباحث العلمي تماما، وشتان بينهما في الأدوات، والعمق، والتناول، مع أهمية دور كل منهم، لكن كفة الفقيه والباحث أثقل وزنا، وأعمق، لأنه يزن بميزان علمي ليس سهلا، وهو ما لا يدركه عامة الناس للأسف، فربما تلقفوا رأيا واهتموا به، بينما صاحبه لا يعول عليه في باب الفقه والبحث العلمي الشرعي.
فمن الأمور التي نأخذها على الدكتور راغب هنا هو دخوله في حلبة الأحكام الفقهية وهو يقينا ليس فارسا فيها، ولا أظنه يوما ادعاها، فمن ذلك خلطه في مقاله بأن هناك فرقا في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الظالم الكافر ومن الظالم المسلم، ففي الأول جاهد ضده جهادا بالسيف، وفي الآخر، اكتفى بالأمر بالصبر عليه، والسمع والطاعة له، وهو كلام ينطوي على مغالطات كبيرة، وجهل صارخ بنصوص القرآن الكريم والسنة، فلو أن الدكتور راغب كلف نفسه عناء البحث ـ لا أقول في كتب الفقه والتفسير، لكن يكفيه أن يعود لكتاب واحد هو (زاد المعاد) للإمام ابن القيم، والذي قسم الجهاد إلى ثلاثة عشر مرتبة، منها ثلاثة في جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات، باليد، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه. (انظر: زاد المعاد (3/9-11).
فالدكتور راغب يخلط بين القتال بالسلاح، والجهاد، القتال يا عزيزي لون من ألوان الجهاد، الجهاد هو بذل كل جهدك في مقاومة الظلم، سواء كان ظلما من كافر أم من مسلم،
العجيب أن من يطالب الناس بالسمع والطاعة لهذا الظالم مثلا، ينسى أن الحديث بين أنهم شرار الخلق، وأنهم شياطين في ثوب إنس، فهل اعترفتم بداية بظلمهم، وأنهم شياطين، عملا بنص الحديث الذي وصفهم بذلك؟!!
وبنظرة علمية للنصوص التي يستند إليها دعاة السمع والطاعة للحاكم وإن كان ظالما، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: عن أبي سلام، قال: قال حذيفة بن اليمان: قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشر، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: «نعم»، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: «نعم»، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: «نعم»، قلت: كيف؟ قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع". وهو الحديث الذي ساقه الدكتور راغب ويسوقه غيره، فالزيادة التي في الحديث: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع" فقد حكم عليها الإمام الدارقطني بالإرسال.
وأما استشهادهم بحديث: من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية" وغيرها من النصوص في هذا السياق، التي يتم الاستشهاد بها من المانعين لمعارضة الحاكم، والخروج الشرعي عليه عند ظلمه، وتركه العدل بين الرعية، من أحاديث الصبر على الأمراء، وطاعة الأمراء، ناسين أن مصطلح (الأمير) في عهد النبوة مقصود به أمير الجيش، وقائد القتال، وليس الوالي والعامل، ورئيس الدولة، ولطاعة أمراء الحرب في القتال مقتضيات ومقاصد وآليات مختلفة تماما عن شورى ومراقبة ومعارضة الحاكم في شؤون السلم والعمران. فلميدان الحرب أحكام تختلف تماما عن أحكام السلم ، وهذه الأحاديث تتكلم هنا عن حالة الحرب التي تحتاج فقها آخر، يكون فيه الناس أكثر صبرا على مخالفات أمرائهم، لأنهم في مواجهة عدو، وفي صفوف قتال. ولذلك نص الفقهاء على أن الحدود لا تقام في الحرب، أما أمراء السلم، فيجب أن يكونوا باختيار الأمة، ويجب على الأمة أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر عند وقوع ما يخاف الشرع، بل حتى أمير الحرب التي وردت النصوص في طاعته، تكون طاعته في المعروف، أما في المعصية فلا، ومن ذلك: أن أميرا في الحرب أمر من معه بأمر فلم يطعه أحد منهم، فأوقد نارا، فقال لهم: أدخلوها، ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لي؟! فقالوا: والله ما آمنا به إلا لنخرج منها. فلما عادوا إلى المدينة وحكوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث، قال: "أما إنهم لو دخلوها ما خرجوا منها" وقال في حديث آخر: إنما الطاعة في المعروف.
ومع ذلك فإن نصوصا نبوية أخرى تحدثت عن حدود هذه الطاعة، ومتى يجوز الخروج عليها، فقالت: (إلا أن تروا منهم كفرا بواحا) قال الإمام النووي: المراد بالكفر هنا المعصية. (انظر: نيل الأوطار للشوكاني (7/361).
إن النصوص التي يستشهد بها الدكتور راغب وغيره من هذه المدرسة، تعرض إسلاما، يقف بكل قوته بجانب الظالم، ويحميه بكل ما يستطيع، سواء أراد ذلك الدكتور راغب أم لم يرد، فإن دينا يحمي الظالم، فيقوم هذا الحاكم بقتل الناس، واغتصاب النساء، وسفك الدماء بدم بارد، وسجن المواطنين وتشريدهم، ثم المطلوب من المظلومين هو الصبر، وهو ما سماه بعض الفقهاء: صبر الحمير!! بل يغالي بعضهم فيزيد ألا تدعو على الظالم، بالله عليكم أليس هذا بابا للدعوة للإلحاد والكفر بالإسلام، هذا الدين الذي يحمي الظالم من كل اتجاه، ولا يقف إلا مع من يمتلك أدوات القوة المستخدمة في الظلم، وليس للمظلومين المساكين إلا أن يقولوا: لك السمع والطاعة علينا، وكل ما يملكه هؤلاء: أن يختاروا طريقة قتلهم، والمغتصبة تختار الطريقة الأرحم لها في الاغتصاب، والمعذب يتحلى بالصبر، وحبذا لو صرف له الظالم حبوب (صراصير) أو (هلوسة) حتى يتقوى على التعذيب، ويا ليت لو صلى يدعو للظالم بالهداية وأن يعينه الله على هذا الشعب الصابر المظلوم كي يستطيع أن ينكل أكثر وأكثر بهم. هل هذا هو الإسلام، الذي جعل الله الدفاع عن المستضعفين والمظلومين في درجة الجهاد في سبيل الله، يقول تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) النساء: 75. فعطف الله هنا الدفاع عن المستضعفين مع الجهاد في سبيل الله في درجة واحدة.
والعجيب أن الدكتور راغب ومن يرى رأيه، يستشهد بحديث صحيح مسلم الذي ذكره، من الطاعة للظالم وإن جلد ظهره، وأكل ماله، ولا يستشهدون بحديث آخر في صحيح مسلم، يتحدث عن التعامل مع الظالم، وأن الرضا به وبيعته لا يرضاها الشرع، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي في صحيح مسلم: "سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره بريء، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وبايع". أي أن الوزر مرفوع عمن كره وأنكر، ولكنه ليس مرفوعا عن من رضي بهم وبايعهم.
وبالطبع كل هذه النصوص وردت فيمن جاء ببيعة وانتخاب صحيح، وليس بانقلاب عسكري، اغتصب فيه الحكم وألغى إرادة الأمة، وقهر الناس، واغتصب النساء، وقتل الشعب، هذا له حكم آخر معروف، وهو مجاهدته بكل ما تستطيع الأمة، وحكمه معروف أنه شرعا مهدر الدم، بإجماع العلماء، فمن جهة اغتصابه للسلطة فهو مهدر الدم، ومن جهة قتله للناس فهو القصاص، ومن جهة اغتصاب النساء فحده القتل، فعلى أي وجه قلبت الرأي يا سيدي أنت تتحدث عن حالة غير ما تكلم عنه الفقهاء، الفقهاء تحدثوا عن حالة الحاكم المنتخب المبايع من الشعب، عند ورود الظلم عليه، ما الموقف منه؟ الموقف هو القيام بواجب النضال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب استطاعة الناس، ووفق قدرتهم، ووفق المعطيات التي تتاح لهم شرعا. نضالا سلميا، بكل ما أمكن الأمة، وهو ما نصر عليه، ونتمسك به، وفق ما يأمر به الشرع الإسلامي الحنيف.
هذا نقاش سريع لما ورد في مقال الدكتور راغب السرجاني، وهو كلام ورد في مقالات لآخرين، فهو رد على كل هذه الآراء مع تقديري لنوايا كل صاحب نية حسنة، ولكن النية الحسنة لا تغني عن بيان الموقف العلمي فيما ذهبوا إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق