( ممَا جَاءَ فِي : تَرْكِ الشُّبُهَاتِ )
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُجَالِدٍ
عَنْ الشَّعْبِيِّ رضى الله تعالى عنهم
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضى الله تعالى عنه قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ
( الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَ الْحَرَامُ بَيِّنٌ وَ بَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ
لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَمِنْ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ
فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَ عِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ
وَ مَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ
كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ
أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ )
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ .
الشــــــــــروح
قَوْلُهُ : ( عَنِ الشَّعْبِيِّ )
بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِمُوَحَّدَةٍ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ
الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ ،
قَالَ مَكْحُولٌ : مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ تُوفِّيَ سَنَةَ 103 ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ .
قَوْلُهُ : ( الْحَلَالُ بَيِّنٌ )
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ : وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ بِأَنْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى حِلِّهِ ،
أَوْ مُهِّدَ أَصْلٌ يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ الْجُزْئِيَّاتِ مِنْهُ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأ رْضِ جَمِيعًا }
فَإِنَّ اللَّامَ لِلنَّفْعِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَضَرَّةٌ
( وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ) أَيْ : ظَاهِرٌ لَا تَخْفَى حُرْمَتُهُ بِأَنْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى حُرْمَتِهِ
كَالْفَوَاحِشِ وَالْمَحَارِمِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهَا ،
أَوْ مُهِّدَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ نَحْوُ كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ
( وَبَيْنَ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَبَيْنَهُمَا
( مُشْتَبِهَاتٌ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ :
أُمُورٌ مُلْتَبِسَةٌ غَيْرُ مُبَيَّنَةٍ لِكَوْنِهَا ذَاتَ جِهَةٍ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ
( لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) قَالَ الْحَافِظُ : مَفْهُومُ قَوْلِهِ كَثِيرٌ
أَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِهَا مُمْكِنٌ ، لَكِنْ لِلْقَلِيلِ مِنَ النَّاسِ ، وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ ،
فَالشُّبُهَاتُ عَلَى هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ،
وقَدْ تَقَعُ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ
( فَمَنْ تَرَكَهَا ) أَيْ : الْمُشْتَبِهَاتِ
( اسْتِبْرَاءً ) اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْبَرَاءَةِ أَيْ : طَلَبًا لِلْبَرَاءَةِ
( لِدِينِهِ ) مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ
( وَعِرْضِهِ ) مِنْ كَلَامِ الطَّاعِنِ
( فَقَدْ سَلِمَ ) مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَالطَّعْنِ
( وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا ) أَيْ : مَنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُشْتَبِهَاتِ
( يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ ) أَيْ : أَنْ يَقَعَ فِيهِ
( كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ مِيمٍ مُخَفَّفَةٍ ،
وَهُوَ الْمَرْعَى الَّذِي يَحْمِيهِ السُّلْطَانُ مِنْ أَنْ يَرْتَعَ مِنْهُ غَيْرُ رُعَاةِ دَوَابِّهِ ،
وهَذَا الْمَنْعُ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
( لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ )
( يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ) أَيْ : يَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحِمَى
قَالَ الْحَافِظُ : فِي اخْتِصَاصِ التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ نُكْتَةٌ ،
وَهِيَ أَنَّ مُلُوكَ الْعَرَبِ كَانُوا يَحْمُونَ لِمَرَاعِي مَوَاشِيهِمْ أَمَاكِنَ مُخْتَصَّةً
يَتَوَعَّدُونَ مَنْ يَرْعَى فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ
فَمَثَّلَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ ،
فَالْخَائِفُ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمُرَاقِبُ لِرِضَا الْمَلِكِ يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ الْحِمَى
خَشْيَةَ أَنْ تَقَعَ مَوَاشِيهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَبُعْدُهُ أَسْلَمُ لَهُ ، وَلَوْ اشْتَدَّ حَذَرُهُ ،
وغَيْرُ الْخَائِفِ الْمُرَاقِبُ يَقْرَبُ مِنْهُ وَيَرْعَى مِنْ جَوَانِبِهِ
فَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَنْفَرِدَ الْفَاذَّةُ فَتَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ،
أَوْ يَمْحَلُ الْمَكَانُ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيَقَعُ الْخِصْبُ فِي الْحِمَى فَلَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ
أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمَلِكُ حَقًّا وَحِمَاهُ مَحَارِمُهُ
( أَلَا ) مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَحَرْفِ النَّفْيِ
لِإِعْطَاءِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى تَحَقُّقِ مَا بَعْدَهَا
( وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ) أَيْ : عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ أَوِ إِخْبَارٌ
عَمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ ظُلْمَةُ الْإِسْلَامِيَّةِ ،
قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ : الْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاوَ هِيَ الِابْتِدَائِيَّةُ الَّتِي تُسَمِّي
النُّحَاةُ الِاسْتِئْنَافِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى انْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا فِي الْجُمَلِ
كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي
( أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ) وَهِيَ أَنْوَاعُ الْمَعَاصِي
فَمَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ ،
زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ
أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ،
وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق