إدارة عموم الزير!
*
ـ الناس في الولاية لا يخاطبون الوالي الا بـ (سيدنا) وكان يحب هذا الخطاب
منهم لأنه كان يحب الناس، والناس تحبه لأنه يعتقد ان سيد القوم هو خادم
البلد، واهلها .
وفي احدى جولاته، في مختلف مناطق الولاية، وكان الحر شديداً، وتصب الشمس اشعة من نار تلسع وتزهق الأنفاس، وقف الوالي وحاشيته يستظلون من اشعة الشمس تحت شجرة وارفة الظلال، فاسترعى نظره ان الناس تنحدر في سيل الى النهر فيشربون الماء، ولاحظ المشقة التي يعانونها من اجل ان يشربوا الماء، فنظر الى احد وزرائه وقال ارى الناس يقاسون من العطش .. الم تفكر في شيء يخفف عنهم مشقة النزول الى النهر من اجل شربة ماء .
فقال الوزير، سيدنا صاحب الافكار النيرة، والموهبة الخارقة، يجب ان ننشىء صهريجا او حوض ماء .. لكن سيدنا قال ان خير الامور ابسطها، اذا قررنا انشاء حوض ماء او صهريجا مات الناس من العطش قبل ان يتم البناء، الافضل وضع زير ماء تحت الشجرة، وزير الماء يجب ان يكون بحمالة وغطاء .
ونظر الوالي العاقل الى الحرس وقال يا صابر هذه عشرة دنانير اشتر بها زيراً واغسله واملأه ماء وضعه تحت الشجرة واختر احد اصحابك ليساعدك في ملء الزير مرة بعد مرة وانت ايها الوزير عليك الاشراف على هذا الموضع لأني اريد الزير ان يكون نظيفا دائما والناس يشربون منه ماء صافيا زلالا .
اخذ صابر الدنانير وذهب لشأنه، وصار الوزير يكيل المديح لسيدنا، والله ما اعطاك الملك الا لأنك اذكى الناس واطيبهم، واكرمهم، تم حل ازمة الماء ببساطة وسهولة بواسطة زير بحمالة وغطاء .. واسترسل الوزير في كلامه المزوق وسيدنا يعرف ان كله ملق ومداهنة .
ومرت الايام والشهور والاعوام .. وكان سيدنا الوالي يتحدث مع الوزير في شئون البلاد، فرأى زيراً صغيراً تحت الشجرة فالتفت الى الوزير وقال، هل تذكر الزير الذي وضعناه تحت الشجرة ليشرب منه الناس، اما كانت فكرة لطيفة وقال الوزير لطيفة انها فكرة عبقرية يا سيدنا .. لقد طورناها وعدلناها .
ماذا ؟ قال الوالي ماذا تعني بتطويركم إياها ؟! زير وغطاء وماء وكوز .. ماذا وكيف يمكن ان تتطور هذه ؟!
قال الوزير : سيدي تعرفون اننا دائما في تطور وتحسن نحن في مقدمة البلاد النامية، وكل شيء لا بد ان يساير الزمن .
فقال الوالي وكيف ساير الزير الزمن ؟
فاجاب الوزير بعد مدة وجدنا الاقبال على الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء من الزير، ذات مرة كسر الزير، وطلب صابر نقودا لشراء واحد اخر .. ولكن رأيت ان الاقبال على شرب الماء من الزير يزداد والناس تتزاحم حوله فقررت تحويله الى مرفق عام شعبي، فأنشأنا غرفتين لصابر وزميله ووضعنا اثاثا بسيطاً من اجل راحتهما، ووفقا للقواعد المالية تقرر انشاء جهاز اداري للزير، لان الدولة صار لها مبنى واثاث، وعينا رئيس قلم وكاتبين واحد للعهدة، وواحد للشؤون المالية .
فتعجب سيدنا وقال شؤون مالية، ماذا تقول يا رجل ؟! زير ماء وغطاء وكوز تصبح شؤونا مالية ؟!
فقال الوزير حلمك يا سيدنا، للادارة اصول وللضبط والربط قواعد والدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة، ما دام للدولة مبنى لا بد من موظفين وادارة مالية، فاقتضى الامر ان نفتح، اعتمادا ماليا لمأمورية الزير، ووضعنا خزانة للنقود، اودعناها سلفة، لان الزير قد ينكسر، والغطاء يتلف والكوز يضيع .
فقال الوالي : ما شاء الله .. ما شاء الله .. ثم ماذا ؟
فقال الوالي اننا خدمك نسير في عملنا على احدث الطرق في الادارة والضبط المالي، لاننا سننتقل من عالم الدول النامية، الى عالم الدول التي تم نموها قال الوالي كنت تتكلم عن الادارة المالية والخزانة والسلفة، نعم يا سيدنا لقد انشأنا اربع ادارات فرعية، ادارة للفخار، وادارة للحديد، وادارة للخشب وادارة للصفيح ..
فقال الوالي والماء ليس له ادارة ؟
فقال الوزير نعم يا سيدنا انك صاحب الافكار الذهبية غداً باذن الله ننشىء للماء ادارة، ثم ذكر الوزير انه امر بانشاء مبنى بكلفة مائة الف دينار من اجل ادارة عموم الزير .
وقال الوالي وما هو المبلغ المخصص لادارة عموم الزير ؟
قال الوزير بالضبط لا اذكر ولكن حوالي اربعين الف دينار، لان ادارة عموم الزير مرفق خدمات، الاعتبار الاول لما يؤديه للامة من نفع، وفي سبيل النفع يهون اي مبلغ يتكلفه .
فقال الوالي ماذا عن الماء .. الماء ..
قال الوزير من اجل الماء ركبنا طلمبة حديثة لرفع الماء وتنقيته وفق احدث الاساليب، وان ادارة عموم الزير، على اتصال مع مختلف دوائر الدولة، ومع وزارة الاشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية .
فتعجب الوالي وقال مع وزارة الخارجية، ما علاقة ادارة عموم الزير مع وزارة الخارجية ؟!
من اجل المشاركة في المؤتمرات لان ادارة عموم الزير اصبح لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك .
قال الوالي : هل يوجد في الدول الاخرى ادارات لعموم الزير ؟!
قال الوزير لا يا سيدنا نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة وراح يشرح كيف سنخرج من عنق الزجاجة وننتقل الى طابور الامم التي تم نموها .
وفي اليوم التالي قرر الوالي ان يقوم بزيارة الى ادارة عموم الزير وطلب من الوزير يلحق به هناك، وعندما وصل الوالي شاهد مبنى شاهقا فخما مكتوبا عليه بخط انيق على مدخله ، ادارة عموم الزير ، وناس داخلين وناس خارجين وسيارات تتحرك وحركة كبيرة متصلة و عرضحلات واوراق دمغة .
فقال الوالي : احيطوا بالمبنى فلا يدخل ولا يخرج منه احد .
وعندما دخل المبنى طلب ان يأخذوه الى مكتب المدير العام، ولم يجده في مكتبه ولكن وكيل الادارة استقبله وراح يتدحرج امامه فصادف رجلا طويل القامة عرف بنفسه انه مدير ادارة الخشب، فشاهد غرفة المدير، وسكرتير الادارة، والمكتب الفني، وغرفة خبير الاخشاب الى اخره، الى اخره .
فدخل الوالي احد المكاتب فشاهد خلية نحل مكاتب .. ومكاتب .. ومكاتب .. مكاتب موظفين يقرأون الجرائد وانسات يقرأن المجلات الملونة ويثرثرن وفراشين ذاهبين بالقهوة والشاي والساندويشات واخرين عائدين بالصواني الفارغات، فشاهد الوالي اكواماً من الاوراق عليها اوراق ودفاتر وسجلات فتناول ورقة وقرأ عليها : كتاب من ادارة الحديد الى ادارة الخشب، واخر من ادارة الخشب الى ادارة الحديد فوجد ان مضمون الكتاب بشأن طلب الافادة بتخانة خشب غطاء الزير للاسترشاد به في تحديد تخانة حديد حمالة الزير .
وهنا وصل الوزير .. فقال له الوالي اين المدير العام؟ فقال انه في .. (بودابيست) .
قال الوالي كيف عرفت بهذه السرعة؟!
فسارع احد الواقفين وقال ان المدير العام ابن شقيقة اخت الوزير وصهره .
فقال الوزير والله يا سيدنا ما عينته الا لأنه المتخصص الوحيد في هذا المجال (يعني من اصحاب الكفاءات العالية) .
واخذ الوالي ينتقل من مكتب لمكتب ومن غرفة لغرفة ومن طابق لآخر يتفرج ويتعجب وقال للوزير - الزير ؟ أين الزير ؟
فقال الوزير انه في قاعته الخاصة يا سيدنا في الدور الارضي، وحاول احد ازلام الوزير ان يسبق الوالي الذي لاحظ ذلك، فناداه لا تسبقنا لا داعي لذلك .
وفي الدور السفلي دخلوا قاعة واسعة متربة يغطي الغبار كل ما فيها لها باب يفتح على الطريق من الناحية الخلفية من المبنى، وعلى الباب جلس موظف ينطق مظهره بالتعاسة امامه اربع مجموعات من الاستمارات بيضاء وحمراء وصفراء وزرقاء، والى جانبه سجل ضخم مفتوح والموظف يتحدث مع صاحبه .
قال الوالي، هذه قاعة الزير ؟
فقال مدير الشؤون العامة نعم إننا ننشىء الآن قاعة اخرى ..
قال الوالي : والزير .. أين الزير ؟
فنظر مدير الشؤون العامة ووكيل الادارة احدهما للآخر ثم الى الوزير، ثم قالا لا ندري كان ينبغي ان يكون هنا .
فقال الموظف الجالس الى جانب الباب ارسل الزير الى الورشة الاميرية يا سيدنا .
قال الوالي منذ متى ؟
منذ اربعة اشهر او خمسة كان الماء يتسرب منه وجاءت لجنة من الخبراء فقررت نقله الى الورش الاميرية لاصلاحه .
فضرب الوالي كفا بكف، اذن هذا كله ولا زير ؟!
فقال مدير الشؤون العامة الزير موجود فقط في الاصلاح .
فنظر الوالي فوجد رجلا مسكينا هزيلا ينهض على كرسي غير بعيد من موضع الزير، فقال الوالي صابرا ً؟!
نعم يا سيدنا انا صابر .. لقد كذبوا عليك يا سيدنا، الزير ليس هنا منذ سنتين .
فقال الوالي وانت مالك شاحب الوجه ضعيفا كما ارى ..
قال صابر اني لا اتقاضى مرتباً منذ سنتين ونصف يا سيدنا انني اموت جوعا .
فقال الوالي سبحان الله سبحان الله الوحيد الذي له عمل لا يتقاضى راتبا، وكل هذه الزنابير تتقاضى مرتبات .
فالتفت الوالي الى وكيل الادارة العامة فقال لماذا هذا لا يتقاضى راتبا ؟
فقال ان له اشكالا اداريا ماليا، انه ليس معه مؤهل علمي لذلك لا نستطيع اعطاءه راتبا .
فسار الوالي خطوات حتى جلس مهدود الجسم من هول الواقع الذي صدمه .. قال يا صابر تعود الى قصرنا كما كنت لتتولى امر الزير وهذه عشرة دنانير لشراء الزير ووضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس منه الماء .
ثم اصدر الوالي حكمه على الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص، واذا نفذ ماله فمن مال زوجته واولاده واقاربه الذين اكلوا المال العام سحتا في بطونهم .
وفي احدى جولاته، في مختلف مناطق الولاية، وكان الحر شديداً، وتصب الشمس اشعة من نار تلسع وتزهق الأنفاس، وقف الوالي وحاشيته يستظلون من اشعة الشمس تحت شجرة وارفة الظلال، فاسترعى نظره ان الناس تنحدر في سيل الى النهر فيشربون الماء، ولاحظ المشقة التي يعانونها من اجل ان يشربوا الماء، فنظر الى احد وزرائه وقال ارى الناس يقاسون من العطش .. الم تفكر في شيء يخفف عنهم مشقة النزول الى النهر من اجل شربة ماء .
فقال الوزير، سيدنا صاحب الافكار النيرة، والموهبة الخارقة، يجب ان ننشىء صهريجا او حوض ماء .. لكن سيدنا قال ان خير الامور ابسطها، اذا قررنا انشاء حوض ماء او صهريجا مات الناس من العطش قبل ان يتم البناء، الافضل وضع زير ماء تحت الشجرة، وزير الماء يجب ان يكون بحمالة وغطاء .
ونظر الوالي العاقل الى الحرس وقال يا صابر هذه عشرة دنانير اشتر بها زيراً واغسله واملأه ماء وضعه تحت الشجرة واختر احد اصحابك ليساعدك في ملء الزير مرة بعد مرة وانت ايها الوزير عليك الاشراف على هذا الموضع لأني اريد الزير ان يكون نظيفا دائما والناس يشربون منه ماء صافيا زلالا .
اخذ صابر الدنانير وذهب لشأنه، وصار الوزير يكيل المديح لسيدنا، والله ما اعطاك الملك الا لأنك اذكى الناس واطيبهم، واكرمهم، تم حل ازمة الماء ببساطة وسهولة بواسطة زير بحمالة وغطاء .. واسترسل الوزير في كلامه المزوق وسيدنا يعرف ان كله ملق ومداهنة .
ومرت الايام والشهور والاعوام .. وكان سيدنا الوالي يتحدث مع الوزير في شئون البلاد، فرأى زيراً صغيراً تحت الشجرة فالتفت الى الوزير وقال، هل تذكر الزير الذي وضعناه تحت الشجرة ليشرب منه الناس، اما كانت فكرة لطيفة وقال الوزير لطيفة انها فكرة عبقرية يا سيدنا .. لقد طورناها وعدلناها .
ماذا ؟ قال الوالي ماذا تعني بتطويركم إياها ؟! زير وغطاء وماء وكوز .. ماذا وكيف يمكن ان تتطور هذه ؟!
قال الوزير : سيدي تعرفون اننا دائما في تطور وتحسن نحن في مقدمة البلاد النامية، وكل شيء لا بد ان يساير الزمن .
فقال الوالي وكيف ساير الزير الزمن ؟
فاجاب الوزير بعد مدة وجدنا الاقبال على الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء من الزير، ذات مرة كسر الزير، وطلب صابر نقودا لشراء واحد اخر .. ولكن رأيت ان الاقبال على شرب الماء من الزير يزداد والناس تتزاحم حوله فقررت تحويله الى مرفق عام شعبي، فأنشأنا غرفتين لصابر وزميله ووضعنا اثاثا بسيطاً من اجل راحتهما، ووفقا للقواعد المالية تقرر انشاء جهاز اداري للزير، لان الدولة صار لها مبنى واثاث، وعينا رئيس قلم وكاتبين واحد للعهدة، وواحد للشؤون المالية .
فتعجب سيدنا وقال شؤون مالية، ماذا تقول يا رجل ؟! زير ماء وغطاء وكوز تصبح شؤونا مالية ؟!
فقال الوزير حلمك يا سيدنا، للادارة اصول وللضبط والربط قواعد والدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة، ما دام للدولة مبنى لا بد من موظفين وادارة مالية، فاقتضى الامر ان نفتح، اعتمادا ماليا لمأمورية الزير، ووضعنا خزانة للنقود، اودعناها سلفة، لان الزير قد ينكسر، والغطاء يتلف والكوز يضيع .
فقال الوالي : ما شاء الله .. ما شاء الله .. ثم ماذا ؟
فقال الوالي اننا خدمك نسير في عملنا على احدث الطرق في الادارة والضبط المالي، لاننا سننتقل من عالم الدول النامية، الى عالم الدول التي تم نموها قال الوالي كنت تتكلم عن الادارة المالية والخزانة والسلفة، نعم يا سيدنا لقد انشأنا اربع ادارات فرعية، ادارة للفخار، وادارة للحديد، وادارة للخشب وادارة للصفيح ..
فقال الوالي والماء ليس له ادارة ؟
فقال الوزير نعم يا سيدنا انك صاحب الافكار الذهبية غداً باذن الله ننشىء للماء ادارة، ثم ذكر الوزير انه امر بانشاء مبنى بكلفة مائة الف دينار من اجل ادارة عموم الزير .
وقال الوالي وما هو المبلغ المخصص لادارة عموم الزير ؟
قال الوزير بالضبط لا اذكر ولكن حوالي اربعين الف دينار، لان ادارة عموم الزير مرفق خدمات، الاعتبار الاول لما يؤديه للامة من نفع، وفي سبيل النفع يهون اي مبلغ يتكلفه .
فقال الوالي ماذا عن الماء .. الماء ..
قال الوزير من اجل الماء ركبنا طلمبة حديثة لرفع الماء وتنقيته وفق احدث الاساليب، وان ادارة عموم الزير، على اتصال مع مختلف دوائر الدولة، ومع وزارة الاشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية .
فتعجب الوالي وقال مع وزارة الخارجية، ما علاقة ادارة عموم الزير مع وزارة الخارجية ؟!
من اجل المشاركة في المؤتمرات لان ادارة عموم الزير اصبح لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك .
قال الوالي : هل يوجد في الدول الاخرى ادارات لعموم الزير ؟!
قال الوزير لا يا سيدنا نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة وراح يشرح كيف سنخرج من عنق الزجاجة وننتقل الى طابور الامم التي تم نموها .
وفي اليوم التالي قرر الوالي ان يقوم بزيارة الى ادارة عموم الزير وطلب من الوزير يلحق به هناك، وعندما وصل الوالي شاهد مبنى شاهقا فخما مكتوبا عليه بخط انيق على مدخله ، ادارة عموم الزير ، وناس داخلين وناس خارجين وسيارات تتحرك وحركة كبيرة متصلة و عرضحلات واوراق دمغة .
فقال الوالي : احيطوا بالمبنى فلا يدخل ولا يخرج منه احد .
وعندما دخل المبنى طلب ان يأخذوه الى مكتب المدير العام، ولم يجده في مكتبه ولكن وكيل الادارة استقبله وراح يتدحرج امامه فصادف رجلا طويل القامة عرف بنفسه انه مدير ادارة الخشب، فشاهد غرفة المدير، وسكرتير الادارة، والمكتب الفني، وغرفة خبير الاخشاب الى اخره، الى اخره .
فدخل الوالي احد المكاتب فشاهد خلية نحل مكاتب .. ومكاتب .. ومكاتب .. مكاتب موظفين يقرأون الجرائد وانسات يقرأن المجلات الملونة ويثرثرن وفراشين ذاهبين بالقهوة والشاي والساندويشات واخرين عائدين بالصواني الفارغات، فشاهد الوالي اكواماً من الاوراق عليها اوراق ودفاتر وسجلات فتناول ورقة وقرأ عليها : كتاب من ادارة الحديد الى ادارة الخشب، واخر من ادارة الخشب الى ادارة الحديد فوجد ان مضمون الكتاب بشأن طلب الافادة بتخانة خشب غطاء الزير للاسترشاد به في تحديد تخانة حديد حمالة الزير .
وهنا وصل الوزير .. فقال له الوالي اين المدير العام؟ فقال انه في .. (بودابيست) .
قال الوالي كيف عرفت بهذه السرعة؟!
فسارع احد الواقفين وقال ان المدير العام ابن شقيقة اخت الوزير وصهره .
فقال الوزير والله يا سيدنا ما عينته الا لأنه المتخصص الوحيد في هذا المجال (يعني من اصحاب الكفاءات العالية) .
واخذ الوالي ينتقل من مكتب لمكتب ومن غرفة لغرفة ومن طابق لآخر يتفرج ويتعجب وقال للوزير - الزير ؟ أين الزير ؟
فقال الوزير انه في قاعته الخاصة يا سيدنا في الدور الارضي، وحاول احد ازلام الوزير ان يسبق الوالي الذي لاحظ ذلك، فناداه لا تسبقنا لا داعي لذلك .
وفي الدور السفلي دخلوا قاعة واسعة متربة يغطي الغبار كل ما فيها لها باب يفتح على الطريق من الناحية الخلفية من المبنى، وعلى الباب جلس موظف ينطق مظهره بالتعاسة امامه اربع مجموعات من الاستمارات بيضاء وحمراء وصفراء وزرقاء، والى جانبه سجل ضخم مفتوح والموظف يتحدث مع صاحبه .
قال الوالي، هذه قاعة الزير ؟
فقال مدير الشؤون العامة نعم إننا ننشىء الآن قاعة اخرى ..
قال الوالي : والزير .. أين الزير ؟
فنظر مدير الشؤون العامة ووكيل الادارة احدهما للآخر ثم الى الوزير، ثم قالا لا ندري كان ينبغي ان يكون هنا .
فقال الموظف الجالس الى جانب الباب ارسل الزير الى الورشة الاميرية يا سيدنا .
قال الوالي منذ متى ؟
منذ اربعة اشهر او خمسة كان الماء يتسرب منه وجاءت لجنة من الخبراء فقررت نقله الى الورش الاميرية لاصلاحه .
فضرب الوالي كفا بكف، اذن هذا كله ولا زير ؟!
فقال مدير الشؤون العامة الزير موجود فقط في الاصلاح .
فنظر الوالي فوجد رجلا مسكينا هزيلا ينهض على كرسي غير بعيد من موضع الزير، فقال الوالي صابرا ً؟!
نعم يا سيدنا انا صابر .. لقد كذبوا عليك يا سيدنا، الزير ليس هنا منذ سنتين .
فقال الوالي وانت مالك شاحب الوجه ضعيفا كما ارى ..
قال صابر اني لا اتقاضى مرتباً منذ سنتين ونصف يا سيدنا انني اموت جوعا .
فقال الوالي سبحان الله سبحان الله الوحيد الذي له عمل لا يتقاضى راتبا، وكل هذه الزنابير تتقاضى مرتبات .
فالتفت الوالي الى وكيل الادارة العامة فقال لماذا هذا لا يتقاضى راتبا ؟
فقال ان له اشكالا اداريا ماليا، انه ليس معه مؤهل علمي لذلك لا نستطيع اعطاءه راتبا .
فسار الوالي خطوات حتى جلس مهدود الجسم من هول الواقع الذي صدمه .. قال يا صابر تعود الى قصرنا كما كنت لتتولى امر الزير وهذه عشرة دنانير لشراء الزير ووضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس منه الماء .
ثم اصدر الوالي حكمه على الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص، واذا نفذ ماله فمن مال زوجته واولاده واقاربه الذين اكلوا المال العام سحتا في بطونهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق