سويسرا العرب
سحر شرقي بنكهة غربية "إفران"، المدينة المغربية الساحرة
شامخة فوق جبال الأطلسي بالمغرب، مدينة أبت واشترطت على الثلوج
أن ترحل، تأخذك الرحلة إلى ما بين فاس وإفران، وغابت ألوان الأشجار،
وتساقطت أوراقها عند مدخل المدينة بالكيلومترات، وشكلت أوراق
الأشجار سجادة صفراء غطت أرض المتنزهات. نساء ورجال وشباب
ارتكنوا أمام فاكهة التفاح تحت ظلال صفصاف غادر ظله في أعالي
الهجيرة، يتأملون بضاعتهم، التي تكسوها حبيبات الندى المتلألئة
"أكماس" تضم بين ربوعها أقدم شجرة أرز في العالم.
هنا "إفران"
السادسة مساء، وما تبقى شيء سوى الصمت وأسد يتلمس المدينة بين
يديه، ويترك للأحباب متسعاً من الوقت ليأخذوا صوراً تذكارية بجانبه،
إن هم حافظوا على نظافة المدينة التي يحرسها.
أنشئت مدينة إفران الحديثة من قبل الإدارة الفرنسية في عام 1929
على أراض صودرت من سكان الزاوية وكان الغرض أن تكون المدينة
"محطة على التل" ومكانا باردا تقضي فيه الأسر المستعمرة
فصل الصيف.
وقد صممت أصلا وفق النموذج الحضري لـ "الجاردن سيتي" (مدينة الحدائق)
السائد حينذاك، ودعت الخطة لإنشاء شاليهات صيفية على طراز منازل
جبال الألب المحاطة بالحدائق والشوارع المنحنية المحفوفة بالأشجار.
كما بني قصر ملكي للسلطان محمد الخامس بن يوسف وكانت أول المباني
العامة للمدينة هي مكتب للبريد وكنيسة. وعلاوة على ذلك، تم بناء سجن
أصبح بعدها معسكرا لأسرى الحرب خلال الحرب العالمية الثانية.
عليك الآن أن تلتحق بركب التليفريك أو السيارة أو الخيل وفي هذه الحالة
عليك أن تتزود بالحطب الكافي للتدفئة، وقبل أن تضع رأسك على
الوسادة، ارسم لك خارطة طريق، واختر مداراتك السياحية والجغرافية
لهذه المنطقة الجميلة، وتأهب لمغامرات جنونية، ورحلات لا تنسى؛
لكن قبل ذلك حدد موقعك.
أنت الآن في موقع جغرافي متميز يقع وسط الأطلسي المتوسط على
ارتفاع 1600م، وبالقرب من أهم المدن التاريخية التي تشكل ذاكرة
المغرب العتيق، التي يعود تاريخها إلى قرون مضت. فاس ومكناس
تبتعدان عن هذا المكان مسافة تبلغ نحو 60 كيلومتراً بالنسبة لكل منهما،
وبالإضافة إلى هذا يمكنك التوجه من الغرب نحو "نافيلالت" لتستمتع
بمشاهدة الغروب في الصحراء، وبالحمامات الرملية.
لكن قبل أن تقرر هذه الوجهة أو تلك، يجب أن تستمتع بما يوفره لك إقليم
إفران من معطيات طبيعية متنوعة، فثلث مساحة الإقليم من الغابة،
خصوصاً غابة الأرز، إضافة إلى التنوع في التشكيلات النباتية والحيوانية
والتنوع في المناظر الطبيعية من شلالات وأودية ازدانت فرسمت مدينة
اسمها "إفران".
فماذا تعني إفران؟
هي كلمة أمازيغية تعني الكهوف، إشارة إلى المغارات والكهوف المنتشرة
حول محيطها الطبيعي، وتسمى أيضاً "أورتي" باللغة الأمازيغية، أي:
الحديقة أو البستان، وهي الأرض الخصبة الغنية بمياه البحيرات.
ويعود الاستقرار الإنساني بهذه المنطقة إلى العصر النيولينبكي. وكما يدل
على ذلك بقايا المواقع الأركيولوجية التي يعود تاريخها إلى العصور
السحيقة، وقد استوطن المنطقة بعض عشائر الرحل المنتمية إلى قبيلتي
صنهاجة وبني مكبل.
ولم يوجد من حركة هذه العشائر إلا سلسلة القصبات التاريخية التي بناها
السلطان مولاي إسماعيل في القرن السابع عشر، فكان هذا عاملاً مباشراً
في استقرار هؤلاء القبائل بالمنطقة، لتشكل قرى سياحية مثل قصبة "أزرو".
وعين اللوح لتضاف لها "أبت صغروشن" القادمة من شرق المغرب،
بعد تعرض المنطقة الجنوبية لاحتلال بني مطير، الموقع الحالي لمدينة
إفران تم اكتشافه من طرف الوكيل العام للحماية الفرنسية "إيريك لابون"
في سنة 1928، وتم اعتبار المنطقة منذ ذلك الحين وبموجب مرسوم 16
سبتمبر 1929م موقع اصطياف بامتياز.
لم تكن المنطقة في حاجة إلى مرسوم يضيء وجهها القديم المتجدد
دوماً، ولاكتشافها يكفيك بنية صحية قوية إن أردت أن تترجل، أو تدور
في أرجائها وأنت على صهوة بغل أو حمار، أو على متن سيارة آخر
موديل، وحتى تسهل عليك المأمورية تضع أمامك خارطة الطريق.
شلالات "زاوية ودا إفران" تقع على بعد 70 كيلومتراً من "إفران"،
و53 كيلومتراً من مدينة "آزرو" تمنحك رؤية رومانسية خاصة
لحظة اندفاق المياه بغزارة.
تقع "ضاية عوا" على بعد 17 كيلومتراً من إفران وتشكل فضاء نموذجياً
للنزهة، إضافة إلى ضابة إفران المشهورة بفرشتها المائية وبتساقطاتها
الثلجية و "وادي تيزريت".
"شلالات العذراء" أو "عين فيئال" على بعد ثلاثة كيلومترات من
"إفران". وتشكل هذه الشلالات المتنزه المناسب للراحة والاستجمام
لسكان المدينة، وعلى بعد 11 كيلومتراً من إفران توجد قرية "أكماس"،
حيث تتربع أقدم شجرة أرز في العالم المسماة "كورو"، نسبة إلى
مكتشفها، ويزيد عمرها حالياً على 820 سنة، وتقع وسط غابة
من الأرز، وتعد الأكبر من نوعها بالمغرب، إذ تمتد على أكثر
من 48687 هكتاراً.
ويتميز هذا الفضاء بثروة حيوانية متنوعة، وإن انقرض بعضها مثل
حيوانات الأسود والنمور، فيما مازالت أصناف أخرى تعيش فيه
وتستقطب هواة الصيد، ومن أهم هذه الحيوانات: القردة التي استأنست
بالإنسان، وأضحت تميز بين السكان الأصليين والسياح الوافدين على
المنطقة، إضافة إلى العناق والقضاعة، ومؤخراً حددت مديرية المياه
والغابات 37 صنفاً من وحوش الغابات التي مازالت تعيش بالمحمية،
إضافة إلى 142 صنفاً من الطيور، و33 صنفاً من الطيور، و33 صنفاً
من الزواحف والضفادع. وإلى جانب هذه الثروة الحيوانية هناك ثروة
سمكية هائلة من السمك الأبيض وأسماك السالمون والسالمون المرقط
الذي يستقطب بدوره هواة الصيد بالقصبة. وتوفر الجهات المعنية لهذا
النوع من الأسماك مجموعة من المحميات.
وما بين السفوح المفتوحة تارة، والفسيحة تارة، هناك مرتفعات مكسوة
بغابات كثيفة وثلوج سميكة، أولها محطة "مشليفن" التي تبعد نحو 17
كيلومتراً عن "إفران"، ويصل ارتفاعها إلى 2000 متر، وتعد القبلة
الرئيسة لعشاق التزلج من داخل المغرب وخارجه، خصوصاً السياح
القادمين من فرنسا وإسبانيا بالدرجة الأولى. أما المحطة الثانية التي
لا تقل أهمية عن "مشليفن" فتسمى محطة "جبل هبري"، وتبعد عن
إفران نحو 27 كيلومتراً، ويصل علوها إلى 2100 متر، وتوفر ممراً
للتزلج يتراوح عرضه بين 50 و200 متر، وتمنح المحطتان إمكانية
تقنية وفنية لهواة التزلج على الجليد، كما توفران خدمة استئجار
مستلزمات الرياضات الشتوية، إلى جانب مدربين متخصصين في تلقين
الدروس على فن التزلج على الجليد بأثمان مناسبة.
وإلى جانب الجذب السياحي للمنطقة تعد "إفران" مكاناً مغرياً لرياضيين
يأتونها من مختلف القارات لإنجاز تدريباتهم، بعيداً عن أعين المتتبعين
والراغبين في التقاط صور تذكارية مع النجوم، أو الحصول على تواقيعهم
في دفاترهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق