Translate

الأحد، 11 نوفمبر 2018

توران شاه بن الملك الصالح أيوب

بالرغم من الإنتصار العظيم الذي حققه المماليك على الصليبين إلا أن توران شاه بن الملك الصالح لم يكن يتناسب مع الوقت العصيب الذي تمر به الدولة الإسلامية فـتوران شاه كان شخصية عابسة متصفاً بسوء الخلق والجهل بشئون السياسة والحكم، وقد ركبه الغرور بعد النصر على لويس التاسع ملك فرنسا عن رؤية أفضال ومزايا من حوله فبدأ يتنكر لزوجة أبيه شجرة الدر واتهمها بإخفاء أموال أبيه وطالبها بهذا المال بل وهددها بشدة حتى دخلها خوف كبير منه ولم يحفظ لها جميل حفظ الملك له بعد موت أبيه فقد بعثت له من أجل أن يأتي ويستلم مقاليد الحكم في مصر مع أن الوضع كان في اضطراب شديد جداً، فجاء إلى مصر ووجد الجيش منتصراً بالفعل ومع ذلك بدأ يتنكر لها ولكبار أمراء المماليك أمراء الجيش وعلى رأسهم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، فلم يحفظ للمماليك جميل الانتصار الرائع الذي حققوه بالمنصورة ثم في فارسكور فبدأ يقلل من شأنهم ويقلص من مسئولياتهم وبدأ على الجانب الآخر يعظم من شأن الرجال الذين جاءوا معه من حصن كيفا التركي.
فخافت شجرة الدر على نفسها وأسرت بذلك إلى المماليك البحرية وبالذات فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وقد كان المماليك البحرية يكنون لـشجرة الدر كل الاحترام والولاء لأنها زوجة الأستاذ الملك الصالح رحمه الله، وعلاقة الأستاذية هذه كانت أقوى من علاقة الأب بابنه أحياناً وكانت تبقى آثار هذه العلاقة حتى بعد موت السيد الذي اشتراهم أو الملك الذي رباهم ولما ذكرت شجرة الدر هذه الوساوس إلى المماليك البحرية وجدت عندهم نفس الوساوس فقد خافوا من توران شاه وتوقعوا أن يقصيهم توران شاه عن الحكم والسلطة بل وقد يتعرض لهم بالقتل فأجمعوا على سرعة التخلص من توران شاه وقتله (المماليك بصفة عامة، كان عندهم تساهل كبير جداً في الدماء كانوا يقتلون بالشك فإذا شكوا في أحد أنه ينوي أن يغدر فإن ذلك يعتبر عندهم مبرراً كافياً للقتل وكانوا يحبون حسم كل الأمور بالسيف الذي يحملونه منذ نعومة أظفارهم).

اتفقت شجرة الدر مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وغيرهما من المماليك الصالحية البحرية على قتل توران شاه وتمت الجريمة في 27 محرم سنة 648 هـــ  بعد سبعين يوماً فقط من قدومه من حصن كيفا في تركيا واعتلائه عرش مصر وكأنه لم يقطع كل هذه المسافات لكي يحكم بل لكي يدفن
تم تنفيذ المؤامرة بأيدي أربعة من كبار الأمراء على رأسهم الأمير بيبرس البندقداري الذي سيصبح لاحقا السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس.
وفي صباح يوم الاثنين، 2 مايو 1250، كان تورانشاه يتناول طعام الإفطار، وبعد أن فرغ من طعامه في الخيمة السلطانية بفارسكور تقدم نحوه ركن الدين بيبرس وضربه بسيفه ضربة تلقاها بيده فقطعت أصابعه.
حاول توران شاه الهرب، فجرى ليحتمي ببرج خشبي في معسكره على شاطئ النيل، فأضرم المماليك النار في البرج فنزل يجري صوب النيل والسهام تنهال عليه من كل جانب، فرمى نفسه في الماء، ولحقه أقطاي وقتله، ويقول المقريزي إنه بذلك مات “جريحا غريقا محترقا”.
وكانت نهاية توران شاه، هي السطر الآخير في حكم الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين في مصر والتي لم يكتب لها أن تستمر سوى قرابة 76 عاما.
وبمقتل توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين الأيوبي رحمه الله انتهى حكم الأيوبيين تماماً من مصر وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي.

توافقت رغبة المماليك مع رغبة شجرة الدر وقرروا جميعا إعلان شجرة الدر حاكمة لمصر بعد مقتل توران شاه  وتم التتويج في أوائل صفر عام 648 هــــ فانقلبت العاصمة المصرية رأسا على عقب كيف لمملوكة أن تعتلي عرش مصر بل وتعين نفسها الحاكمة وتفجرت الثورات في كل مكان في مصر إعتراضا على تولي إمرأة مملوكة شئون البلاد وكان الرفض ليس من ولاية مصر فقط بل من كل العالم الإسلامي فنسبت شجرة الدر نفسها إلى الملك الصالح وإلى ابنها خليل بن الملك الصالح وكان صغيرا انذاك وكأنها تقول أن هذه الفترة ما هي إلا فترة إنتقالية حتى يبلغ الأمير خليل سن الرشد ويمسك بزمام الأمور ولكن هيهات فكان الرفض هو الإجابة الوحيدة التي قدمها المصريون واستمرت المظاهرات العارمة على المستوى الشعبي في مصر في كل أنحائها وشرع المتظاهرون في الخروج بالمظاهرات في شوارع مصر إلى أن جاء رد الخليفة العباسي المستعصم بالله قاسيا جدا بل ومستهزأ من الشعب المصري كله فقد قال في خطابه إن كانت الرجال قد عدمت من عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلا.

لم تتوقف الاعتراضات على الملكة الجديدة ولم تنعم بيوم واحد فيه راحة وخافت الملكة الطموحة على نفسها وبالذات في هذه الأيام وكان التغيير في هذه الأيام بالسيف بالذبح لا بالخلع أبداً ففكرت في لعبة سياسية خطيرة وهي أن تتزوج أحد الرجال ثم تتنازل له عن الحكم؛ ليكون هو في الصورة ثم تحكم هي البلاد بعد ذلك من خلاله أو من خلف الستار فوضعت شجرة الدر كل هذه الحسابات في ذهنها ثم اختارت رجلاً من المماليك اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع والبعد عن الخلافات والهدوء النسبي وكانت هذه الصفات حميدة في نظر شجرة الدر فوجدت في هذا الرجل ضالتها وهذا الرجل هو عز الدين أيبك التركماني الصالحي . ولم تختر رجلاً من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس أو غيرهما وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع وبالفعل تزوجت شجرة الدر من عز الدين أيبك ثم تنازلت له عن الحكم رسمياً وذلك بعد أن حكمت البلاد 80 يوماً فقط وتم هذا التنازل في أواخر جمادى الآخرة من سنة 648 هــ .

وفي غضون سنة واحدة جلس على كرسي الحكم في مصر أربعة ملوك، الملك الصالح أيوب رحمه الله، ثم مات فتولى توران شاه ابنه ثم قتل، فتولت شجرة الدر ثم تنازلت فتولى عز الدين أيبك التركماني الصالحي  فقد كانت سنة فتن وانقلابات ومؤامرات ومكائد وتلقب عز الدين أيبك بـالملك المعز وأخذت له البيعة في مصر.

ليست هناك تعليقات: