Translate

الأربعاء، 9 أبريل 2014

أشعار في الصداقة

 
فقلت إذا جزيت الغدر غدرا ... فما فضل الكريم على اللئيم
وأين الألف يعطفني عليه ... وأين رعاية الحق القديم
ويقال إذا انبسطت المكاتبة انقبضت المصاحبة وقال أبو بكر الخوارزمي لا خير في حب لا تحتمل أقذاؤه ولا يشرب على الكدر ماؤه وإنما العشرة مجاملة والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف لا يحتمل الحساب والصرف محمود الوراق
إن التجني قاطع الرفد ... والغيظ يخرج كامن الحقد
فاقبل أخاك على تغيره ... وارع الذي قد كان من عهد
آخر
ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتبع جاهدا كل عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
بشار بن برد
إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فصن واحدا أو صن أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلا إن تعد معايبه
آخر
أرض من المرء في مودته ... بما يودي إليك ظاهره
من يكشف الناس لم يجد أحدا ... تصح منهم له سرائره
يوشك أن لا يتم وصل أخ ... في كل زلاته تنافره
ابن الرومي
هم الناس في الدنيا فلا بد من قذى ... يلم بعين أو يكدر مشربا
ومن قلة الانصاف أنك تبتغي ال ... مهذب في الدنيا ولست المهذبا
العباس بن الأحنف
إن بعض العتاب يدعو إلى الهج ... ر ويؤذي به المحب الحبيبا
وإذا ما القلوب لم تضمر الود ... فلن يعطف العتاب القلوبا
وقالوا الاستقصاء أول الزهد وآخر الود ومن أمثالهم رب خطرة صغيرة عادت همة كبيرة وقال الشاعر
هذي مخايل برق خلفها مطر ... جود وورى زناد خلفه لهب
وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
نصر بن سيار
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكو ... وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
عبد الله بن طاهر
إذا ما صديقي ضرني سوء فعله ... ولم يك عما ساءني بمفيق
صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق
ومنه قول الآخر
وكنت إذا الصديق أراد غيظي ... وأشرفني على حنق بريقي
غفرت ذنوبه وعفوت عنه ... مخافة أن أعيش بلا صديق
ومنهم من استحسن عتاب الأصحاب ... فربما كان حضا على اكتساب المحاب
*********************************************************************************قالوا معاتبة الأخ الصديق خير من فقده فلعلها تكون سببا إلى صلاحه ورشده وقالوا ترك المعاتبة من علامات الاهمال والتواطئ على منهيات الأعمال وقالوا شر الأصحاب من لم ينجع فيه العتاب وقال علي رضي الله عنه عاتب أخاك بالاحسان إليه واردد شره بالافضال عليه وقال علي بن عبيدة الزنجاني العتاب حدائق الأحباب وثمار الود ودليل الظفر وحركات الشوق وراحة الواجد ولسان المشفق وقالوا العتاب يداوي القلوب ويترجم عن خفيات العيوب وما أحسن قول من قال
تواقف عاشقان على ارتعاب ... أرادا الوصل من بعد اجتناب
فلا هذا يمل عتاب هذا ... ولا هذا يمل من الجواب
فلا عيش كوصل بعد هجر ... ولا شيء ألذ من العتاب
آخر
أعاتب من أهواه في كل حالة ... ليجتنب الأمر الذي معه الذنب
فإني أرى التأنيب عند حدوثه ... بمنزلة الغيث الذي قبله الجدب
ومن مستحسنات المعاتبات قول القائل
لا غرو إن كان من دوني يسركم ... وأنثنى عنكمو بالويل والحرب
يدنو الاراك فيمسي وهو ملتثم ... ثغر الفتاة ويلقى العود في اللهب
ولبعضهم


سأنسيك نفسي إن نسيت مودتي ... كأنك لم تخطر ببالي ولا وهمي
وأكفيك إذ لم تبغ حمد مذمتي ... فتبرأ من حمدي وتبرأ من ذمي
وأنساك نسيان القرون التي مضت ... عليها الليالي من جديس ومن طسم
فإن قيل لي أين الذي كان بينكم ... رددت عليه أنه كان في الحلم
جرير
فإن تك قد مللت الآن مني ... فسوف ترى مجانبتي وبعدي
وسوف تلوم نفسك إن بقينا ... وتبلو الناس والاخوان بعدي
فلا والله لا أنساك حتى ... أوسد مضجعي وأزور لحدي
ابن الرومي
تخذتكمو حصنا منيعا لتدافعوا ... نبال العدا عني فكنتم نصالها
إذا كنتم لا تدفعون ملمة ... عن النفس كونوا لا عليها ولا لها
إبراهيم بن العباس رحمه الله تعالى
وكنت أخي يا أخي الزمان ... فلما نبا صرت حربا عوانا
وكنت أعدك للنائبات ... فها أنا أطلب منك الأمانا
وكنت أذم إليك الزمان ... فها أنا أطلب فيك الزمانا
وقال بعض الأمويين يعاتب عيسى بن موسى
إن تكلمت لم يكن لكلامي ... موقع والسكوت ليس بمجدي
وأراني إذا تأملت أمري ... ناقص الحظ في دنوي وبعدي
فابن لي أكل هذا التواني ... في جميع الاخوان أم لي وحدي
أم ترى ما اصطنعته عند غيري ... واجبا أن أعده لك عندي
قد لعمري أيست منك حياتي ... ومحال أني أرجيك بعدي
وينبغي للفطن اللبيب أن لا يوغل في عتاب الحبيب فإنهم قالوا في كلام بعض الحكماء بعض المعاتبة حزم وكلها عزم كالخشبة المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها وتفرط في الامالة فتنقصه وقالوا الجواد إذا ضرب في غير وقته كبا والحسام إذا استكره نبا ولهذا قال بعض الأعراب أقل الناس عقلا من أفرط في اكتساب الاخوان وأقل عقلا منه من ضيع من ظفر به منهم ويقال قارب الاخوان فإن المقاربة أقرب الأنساب ولا تتقص عليهم فإن التقصي أقطع الأشياء للأسباب ويقال بدقيق العتب على الأحباب تنفر وحشيات الخواطر والألباب وليعمل الصاحب في مصاحبة أخيه يقول القائل
صاف الصديق وأصفه صفو الصفا ... واخصص صديقك بالصداقة تخصص
أو بقول الآخر وهو أليق بمن حسنت أخلاقه وكرمت أعراقه
خذ من صديقك مرأى غير مستمع ... لا تعدون عيان المرء للخبر
إن كنت لا تصطفى ممن ترى أحدا ... فاخلق لنفسك اخوانا على قدر
وقالوا كثرة العتاب تحيي مودات الضغائن وتثير كوامن الدفائن شاعر
كثر العتاب فقلت إن عاتبتها ... كان العتاب لوصلها استهلاكا
ورجوت أن تبقى المودة بيننا ... موقوفة فتركت ذاك لذاكا
وما أظرف من قال
وأخ كأيام الحياة اخاؤه ... تلون ألوانا علي خطوبها
إذا عبت منه خلة فكرهتها ... دعتني إليه خلة لا أعيبها
وكتب يزيد بن معاوية لسالم بن زياد قليل العتاب يؤكد أواخي الأسباب وكثيره يقطع وصائل الأنساب
لا تكثرن في كل حادثة ... عتب الصديق فإنه يهفو
هب مشربا يصفو فتحمده ... أترى المشارب كلها تصفو
آخر
لا يؤيسنك من صديقك نبوة ... ينبو الفتى وهو الجواد الخضرم
فإذا نبا فاستبقه وتأنه ... حتى يفئ به الطباع الأكرم
آخر
وأرى الصديق إذا استشاط تغيظا ... فالغيظ يخرج كامن الأحقاد
ولربما كان التغيظ باعثا ... لتناول الآباء والأجداد
آخر
كاف الخليل على الجميل بمثله ... فإذا أساء فكافه بعتابه
وإذا عتبت على امرئ آخيته ... فتوق طائر عتبه وسبابه
وألن جناحك ما استلان مودة ... وأجب دعاه إذا دعا بجوابه
ومن ذوي الأنفة من أطاع أمر عقله فكافأ المتكلف للهوى على فعله بمثله كقول الشاعر
إذا تاه الصديق عليك كبرا ... فته كبرا على ذاك الصديق


وإن سلك الغرام به طريقا ... فخذ عرضا سوى ذاك الطريق
فليجاب الحقوق بغير راع ... حقوقك رأس تضييع الحقوق
آخر
وإذا الصديق نأى بجانب نفعه ... وحماك صوب غمامه المتدفق
وازور عنك بجاهه وبماله ... وببشره وجنى ولم يتخلق
فاعدده في الموتى فلا معنى له ... وأرمي به الغرض البعيد وحلق
إن ظنني للنار منه شفاعة ... يوم القيامة ساء ظن الأحمق
الكميت
ولست إذا ولي الصديق بوده ... بمكتئب أبكى عليه وأندب
ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهب عني فلي عنه مذهب
إلا أن خير الود ود تطوعت ... به النفس لا ود أتى وهو متعب
أبو العتاهية
ما أنا إلا كمن عناني ... أرى خليلي كما يراني
لست أرى ما ملكت طرا ... مكان من لا يرى مكاني
من ذا الذي يرتضي الأقاصي ... إن لم ينل خيره إلا داني
آخر
ومن شيمتي أني إذا المرء ملني ... وأظهر إعراضا ومال إلى الغدر
أطلت له قيما يحب عنانه ... وتاركته في جس مس وفي سر
فإن عاد في ودي رجعت لوده ... وإن لم يعد ألغيت ذاك إلى الحشر
محمد بن حازم
تمادى به الهجران واستحسن الغدرا ... وإلى يمينا لا يكلمني الدهرا
فوالله ما استسننت بعد مودة ... صديقا ولا أرهقت ذا زلة عسرا
فإن عاد في ودي رجعت لوده ... وإلا فإني لا أحمله اصرا
وإن مال عني خائبا نحو عذره ... تسليت عنه واستعرت له صبرا
اعد لمن أبدى العداوة مثلها ... وأجزى على الاحسان واحدة عشرا
سعيد
أشكو إلى الله حياء امرئ ... ما كان بالجافي ولا بالملول
كان وصولا دائما عهده ... خير الاخلاء الودود الوصول
ثم ثناه الدهر عن رأيه ... فحال والدهر لقوم يحول
فإن يعد أشكو له وده ... وإن يطل هجرا فإني حمول
آخر
في سعة الأرض وفي أهلها ... مستبدل بالخل والجار
فمن دنا منك فأهلا به ... ومن تولى فإلى النار
ملح من مدح الأخلاء الأصفياء وصفات مودات الأصدقاء الأولياء مدح الصاحب بن عباد صديقا له فقال تصفحت أوطار القلوب فلم أجد أحسن من قربه وتأملت أشخاص الخطوب فلم أرع بأفظع من بعده محاسنه أنوار لم تحجب بسجوف ومباسمه شموس لم تتصل بكسوف وألفاظه تذكرني بالشباب وريعانه بل بأفنان الصبا وفتيانه ومدح أعرابي صديقا له فقال مجالسته غنيمة وصحبته سليمة ومواخاته كريمة هو كالمسك إن بعته نفق وإن تركته عبق شاعر يصف أخا له
أخ وأب وابن وأم شفيقة ... تفرق في الأحباب ما هو جامعه
سلوت به عن كل من كان قبله ... وأذهلني عن كل ما هو تابعه
آخر
ولي صاحب أصفيه ودي وإنه ... لينصفني في وده ويزيد
أمنت صروف الدهر بيني وبينه ... إذا دب بين الصاحبين حسود
وصف المأمون ثمامة بن أشرس فقال إنه كان يتصرف في القلوب تصرف السحاب مع الجنوب شاعر ولقد أحسن في وصفه لصديقه
خل بلغت برأيه شرف العلا ... وأخ غنيت به عن الاخوان
ومتى طلبت عليه طالب حاجة ... كفلت يداه بذمتي وضماني
آخر
موفق لسبيل الرشد متبع ... يزينه كل ما يأتي ويجتنب
له خلائق بيض لا يغيرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب
ومن كلام الثعالبي يصف صديقا له فلان كريم ملء لباسه موفق مدد أنفاسه ذو جد كعلو الجد وهدى كحديقة الورد عشرته ألطف من نسيم الشمال على صفحات الماء الزلال وألصق بالقلب من علائق الحب
فتى قد قد السيف ما ناء عوده ... ولا وهنت أعضاؤه ومفاصله
إذا جد عند الجد ألهاك جده ... وذو باطل إن شئت ألهاك باطله
آخر


أخ لي لم يلده أبي وأمي ... تراه الدهر مغموما لغمي
يشاطرني سروري في ابتهاجي ... ويأخذ عند همي شطر همي
يبصرني عيوبي حين تبدو ... مخافة كاشح لهج بذمي
ويصفي الود منه أهل ودي ... ويمنع من معاداتي وظلمي
وينفذ حكمه في كل مالي ... كما في ماله يرضى بحكمي
فلو أحد من المحذور يفدي ... إذا لفديته بدمي ولحمي
آخر
لي صديق إذا نبا بي صديقي ... نبوة الدهر كان خير صديق
حقه واجب علي مقيم ... لا يؤدي وقد قضى لي حقوقي
صادق الود والأخاء وما كل ... صديق في وده بصدوق
فهو كالأم في اللطافة واللي ... ن وكالوالد الشفيق الرفيق
والشقيق الوصول والبر إن كا ... ن بعيدا مني وفوق الشفيق
قد جرى في مفاصل الحب منه ... حيث لا يهتدي مجاري العروق
خف ثقلي على صديقي مذ أص ... بح دون الاخوان وهو صديقي
هو جاري إن جار دهر وإن عق ... زمان فماله من عقوق

===================================================

فيما يدين به أهل المحبة
من شرائع العوائد المستحبة
اعلم إن أول ما ينبغي أن نبدأ به ما يجب من الأدب على الجليس في مصاحبة الرئيس فمن واجب أدبه أن الداخل على الرئيس أحد رجلين أما خصيص به أو أجنبي عنه فإن كان أجنبيا فينبغي له إذا أذن له في الدخول إليه أن يقف حيث يراه وأن يبدأ بالسلام إذا دخل عليه وينظر بعين الاكبار إليه فإن استدناه دنا وإن أذن له في الجلوس فليجلس حيث انتهى به المجلس حتى يدنيه إن أراد اكرامه فإن في ذلك تبجيلا لقدره وتأثيلا لتحسين ذكره قال الأحنف بن قيس لأن أدعى من بعد أحب إلي من أن أبعد من قرب وإن كان خصيصا به ممن يجلس إلى جانبه ويفشي إليه من سره ما يكتمه عن غيره فينبغي له وقت جلوسه أن يكون بينه وبين الرئيس فرجة لاحتمال أن يجئ من يجب عليه اكرامه ويرفع منزلته فيجلس في تلك الفرجة ومن أدب الرئيس قلة الخلاف والمعاملة بالانصاف وترك الجواب على فاحش الخطاب وستر العيب وحفظ الغيب وأن يحسن الحديث إذا حدث ويحسن الاستماع إذا حدث وليكن حرمة مجلسه إذا غاب كحرمته إذا حضر وقالوا إذا كلمك رئيسك فاصغ إليه بسمعك وأقبل عليه بوجهك ووكل بشفتيه ناظريك وأشغل بحديثه خاطرك واسمعه سماع مستبشريه مستظرف له وإن أحكمته علما وأتقنته فهما وأن لا تفرط في الدلالة عليه فربما ساقت الانقباض إليه وفي كلام بعض الحكماء الاستماع بالعين فإذا رأيت عين من تحدثه مقبلة على غيرك فاصرف حديثك إلى غيره شاعر في بني العباس
إذا حدثوا لم بخش سوء استماعهم ... وإن حدثوا أبدوا بحسن بيان
وما أحسن قول من قال
إذا ما سيد أدناك فاعلم ... بأن عليك عين الانتقاد
فكن عف الجوارح ذا حفاظ ... فعين الانتقاد بلا رقاد


وقال العباس لولده عبد الله إن هذا الرجل يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستخليك ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من الصحابة وإني أوصيك بخمس خلال لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تجرين عليه كذبا ولا تعصين له أمرا ولا تطلعنه منك على خيانة وقالوا من دخل على السلطان فعليه بتخفيف السلام وتقليل الكلام وتعجيل القيام ومن أدبه أن يكون مع رئيسه كما كان حارثة بن بدر مع زياد حكى أن زياد اليم على استئثاره حارثة ابن بدر فقال كيف أطرح رجلا هو يسايرني منذ دخلت العراق لم يصكك ركابه ركابي ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه ولا تأخر عني فلويت عنقي إليه ولا أخذ علي الشمس في شتاء ولا الروح في صيف ولا سألته عن شيء من العلوم إلا حسبت أنه لا يحسن غيره وقالوا لا يقدر على صحبة الملوك إلا من لا يستقل ما جملوه به ولا يغر بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يطغي إذا سلطوه ولا يبطر إذا أكرموه ولا يلحف إذا سألهم وقالوا اصحب الملوك بالحرمة والصديق بالتواضع والعدو بالحجة والعامة بحسن الخلق وقالوا من استخف بالاخوان أفسد مروأته ومن استخف بالعلماء أفسد دينه ومن استخف بالملوك أفسد دنياه وقال عبد الملك بن صالح لعبد الرحمن بن وهب الحمصي مؤدب ولده بعد أن استخلصه وأنزله فوق منزلته يا عبد الرحمن إني قد جعلتك جليسا مقربا بعد أن كنت تابعا مبعدا ومن لم يعرف نقصان ما خرج منه لم يعرف رجحان ما دخل فيه لا تطريني في وجهي فأنا أعلم بنفسي منك ولا تساعدني على شيء يقبح وإن لج بي الغضب فإن مرآة الرضا ترغبني عنه فينقص عندي دينك بالمساعدة عليه وكن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فقد قيل إذا أعجبك الصمت فتكلم ولا تردن علي في محفل وكلمني بقدر ما استطعمك واعلم أن الاستماع أحسن من القول وإذا حدثتك حديثا فلا يفوتك منه شيء فإن قلة التفهم من القائل وضع له وأرني فهمك في طرفك فرب طرف أنطق من لسان ويجب على الرئيس في معاشرة الجليس الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أدبه قال أنس بن مالك ما بسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه بين يدي جليس قط ولا جلس إليه أحد فقام من عنده حتى يكون الرجل هو الذي يقوم ولا صافحه أحد قط فأخذ يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يأخذ يده ولا رأيته قام مع أحد فانصرف عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف وكان يكرم من يدخل إليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه بالجلوس عليها ويكنى أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم إليهم ولا يقطع على أحد حديثه وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف من صلاته وسأله عن حاجته وقال سعيد بن العاص رضي الله عنه لجليسي علي ثلاث إذا دنا رحبت به وإذا جلس وسعت له وإذا حدث أقبلت عليه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاث تثبت لك المحبة في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه وقال يحيى ابن خالد لولده جعفر يا بني إذا حدثك جليسك فأقبل عليه واصغ إليه ولا تقل قد سمعناه وإن كنت أحفظ له منه حتى كأنك لم تسمعه إلا منه فإن ذلك مما يكسبه المحبة والميل إليك ولا تستخدمه إذا جلس إلى مؤانستك فقد حكى أن هشام بن عبد الملك كان يعتم فقام إليه سعيد بن الوليد المعروف بالأبرش ليسوي عمامته فقال له مه إنا لا نتخذ الاخوان خولا وقام عمر بن عبد العزيز وأصلح السراج لجلسائه فقال أحدهم ألا أمرتني يا أمير المؤمنين فكنت أكفيك اصلاحه فقال ليس من المروأة أن يستخدم المرء جليسه قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر
ومما يثني عطف الصديق إلى التألف
زيارته صديقه من غير انقطاع ولا تكلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا أو زار أخا نادى مناد أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلا وأحسن ما يقال امش ميلا وعد أخا وامش ميلين وأصلح بين اثنين وامش ثلاثا وزر أخا في الله وقالوا المودة جسم روحها الزيارة وقالوا المحبة شجرة ثمرتها المقة وأصلها الزيارة شاعر
رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفر يسعى به وهو لا يدري
تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وزورة ذي ود أشد به أزري


وعلى الزائر في الزيارة الأغباب فإنه به يؤمن من تجافي الأحباب قال عليه الصلاة والسلام زر غبا تزدد حبا وقالوا ربما كان التقالي في كثرة التلاقي وما أحسن قول عبد المنعم بن غلبون المقري
عليك بأغباب الزيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى العي مسلكا
ألم تر أن الغيث يسألم دائما ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وقالوا قلة الزيارة أمان من الملالة وقالوا كثرة التعاهد سبب التباعد شاعر
زر قليلا لمن يودك غبا ... فدوام الوصال داعي الملال
اعتذار من لم يزر أظرف ما كتب في ذلك قول علي بن الجهم
أبلغ أخانا تولى الله صحته ... إني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وإن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه
الله يعلم أني لست أذكره ... وكيف يذكره من ليس ينساه
مكاتبات في استدعاء الزيارة كتب بعضهم إلى صديق له طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي وقد جعلك الله للسرور نظاما وللأنس تماما فاطلع في فلك عيني شمسا وفي سماء قلبي بدرا فامضاء العزم بالحر أحرى وكتب سعيد بن حميد لبعض أصدقائه قد طلعت الكواكب تنتظر بدرها فرأينك في الطلوع قبل غروبها شاعر
ولما نزلنا منزلا جله الندى ... أنيقا وبستانا من النور جاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا
آخر
لو تفضلت بالمجئ إلينا ... لقررنا بقرة العين عينا
وكتب آخر يومنا أعزك الله رقيق الحواشي لين النواحي ذو سماء قد رعدت وبرقت وأنت موضع السرور ونظام العيش والحبور فأقبل إلينا تنعم ولا تتأخر عنا تندم وإنك بطاعتنا تسعد وبمخالفتنا لا ترشد كتب بعضهم إلى صديق له يستزيره بأبيات منها
والألف لا يصبر عن ألفه ... أكثر من يوم ويومين
وقد صبرنا عنكم جمعة ... ما هكذا فعل المحبين
وكتب حميد بن مهران إلى أبي أيوب الهاشمي يستدعيه
أقيك الردى يا بديع الورى ... ومن حل من هاشم في الذرى
ويفديك من وده في المغيب ... إذا امتحن الود واهي العرى
وصالك يعدل صدق الرجا ... وصفو المدام وطيب الكرى
وقد تاقت النفس من وامق ... إلى أن تراك فماذا ترى
آخر
جعلت فداك في رأسي خمار ... وليس دواؤه إلا العثار
وعندي من تحب فدتك نفسي ... وأقداح وأكواب تدار
فبادر غير مأمور سريعا ... فإن بنا لموردك انتظار
ومن أظرف الاستدعاوات ما كتب به الرشيد هرون إلى جعفر بن يحيى
سل عن الصارم ابن يحيى تجده ... راحلا نحونا من النهروان
ليصون المدام سهدا ويغشى ال ... هجر بين الأصوات والعيدان
فأتنا نصطبح ونلتذ جمعا ... لثلاث بقين من شعبان
فقام إليه وقدم بين يديه رقعة مكتوبا فيها
إن يوما كتبت فيه إلى عب ... دك يوم يسود كل زمان
يوم لهو كأنه طلعة الكأ ... س إذا قابلت خدود القيان
فاصطبح واغتبق فداؤك نفسي ... من جميع الآلام والحدثان
آخر
عندنا جدي رضيع ... ودنين غير فارغ
وطفيلي مليح ... واغل في الكأس والغ
وغزال من بني الدي ... لم يحكي البدر بازغ
ماله عندك عيب ... غير أن ليس ببالغ
والزلال العذب مع بع ... دك ملح غير سائغ
فتحشم واركب الهم ... لاج واحضر لا تراوغ
وكتب بعض المجان
عندنا قدر فريك ... ليس للقدر شريك
ونبيذ في رطيل ... وغلام مستنيك
فتعالوا نتغدى ... ثم نشرب وننيك
وما أحسن قول المعتمد بن عباد يستدعي ندماءه من الزهراء إلى قصره بقرطبة
حسد القصر فيكم الزهراء ... ولعمري وعمركم ما أساؤا
قد طلعتم بها شموسا صباحا ... فاطلعوا عندنا بدورا مساء
ولآخر
(1/245)

وماذا عليكم لو مننتم بزورة ... فأوجبتم فيها علينا التفضلا
فإن لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا ... فكونوا أناسا تحسنون التجملا
اعتذار من لم يزر أبو إسحق الصابي
عراني عنك يا مولا ... ي عذر أيما عذر
عصوف الريح مع مد ... عظيم زاخر يجري
فلم أقدم على الماء ... ولم أجسر على الجسر
ولم أسمع إلى الآن ... على ما مد من عمري
بريح حجبت روحا ... وبحر صد عن بحر
وهو مأخوذ من قول الحسن بن وهب وقد اعتذر عن تأخره عن زيارة محمد بن عبد الملك الزيات لمطر عاقه عن زيارته
أوجب العذر في تراخي اللقاء ... ما توالى من هذه الأنواء
لست أدري ماذا أذم وأشكو ... من سماء تعوقني عن سماء
غير أني أدعو على تلك بالصح ... و وأدعو لهذه بالبقاء
فسلام الإله أهديه مني ... كل يوم لسيد الوزراء
كتب بعض ظرفاء المحبين إلى محبوبه يستدعيه لزيارته فلم يجبه بما أحب
كتبت إليك من شوقي بدمعي ... وحرمة وجهك الحسن الجميل
لقد أسهرتني وأطلت ليلي ... وأضحكت العواذل من عويلي
فكان جوابه لما قرأه
لقد أثقلت في عتب طويل ... وقد أكثرت من قال وقيل
فأما ما ذكرت فقد فهمنا ... وليس إلى الزيارة من سبيل
ومن أحسن ما أوجبه الوداد وافترض عيادة الأخ أخاه في حال المرض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في حديقة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما حديقة الجنة قال جناتها حكى أن المسور بن مخرمة اعتل فجاءه ابن عباس نصف النهار فقال له المسور يا ابن عباس إن أحب الساعات إلي ساعة أودي فيها حق الصديق دخل بعضهم على محمود الوراق يعوده فأنشده
فإنك تك حمى الغب شفك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر
وقيناك لو يعطي الهوى فيك والمنى ... لكانت بنا الشكوى وكان لك الأجر
وكتب أبو تمام حبيب بن أوس الطائي إلى الحسن بن وهب يتوجع له من حمى أصابته
يا حليف الندى ويا توأم الجو ... د ويا خير من حبوت القريضا
ليت حماك لي وكان لك الأج ... ر فلا تشتكي وكنت المريضا
وكتب أبو الفتح خاقان يتوجع للمتوكل من رمد اعتراه
عيناي أجمل من عينيك للرمد ... فاسلم وقيت الردى في آخر الأبد
من ضن عنك بعينيه ومهجته ... فلا رأى الخير في مال ولا ولد
ويجب على اللطيف الظريف في عيادة المريض الضعيف تخفيف السلام وتقليل الكلام وتعجيل القيام ويقال جلسة العيادة خلسة وقالوا التخفيف خير عادة في العيادة فإن حاله كما قال عمرو بن العلاء وقد عاده صديق في مرض ألم به فابطأ عنده فقال له ما يبطئك قال أريد أن أسامرك قال أنت معافى وأنا مبتلي والعافية لا تدعك تسهر والبلاء لا يدعني أنام والله أسأل أن يسوق لأهل العافية الشكر وإلى أهل البلاء الصبر ومن آدابه الأغباب فإنه جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أغبوا في زيارة المريض واربعوا إلا أن يكون مغلوبا وحكى سلمة قال دخلت على الفراء أعوده فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي ادن فدنوت فأنشدني
حق العيادة يوم بعد يومين ... ولحظة مثل لحظ العين بالعين
لا تبرمن مريضا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسأل بحرفين
آخر
أدب العيادة أن تكون مسلما ... وتكون في أثر السلام مودعا
فإذا نظرت إلى العليل فلا تكن ... متخشعا في اللمح أو متوجعا
بل كن إذا أبدى الحراك مسكتا ... منه وعند الخوف منه مشجعا
واحذر بأن تنعي إليه ميتا ... أو أن تذكره لميت مصرعا
وإذا وجدت عليه اشفاقا فقم ... من غير أن ترأى بذلك مسرعا
وتوق شر العائدين فشرهم ... من كان منهم موهما ومروعا
دخل علي بن إبراهيم العلوي المعروف بالأعرج على علي بن عيسى عائدا فأنشده
(1/246)

كم لوعة للندى عليك وكم ... من قلق للمجود من قلقك
ألبسك الله ثوب عافية ... في نومك المعتري وفي أرقك
ينزع من جسمك السقام كما ... نزعت حبل الملام من عنقك
آخر
تلقيت السلامة من مريض ... توقى كل نائبة تنوب
فإنك ما اعتللت بل المعالي ... وإنك ما مرضت بل القلوب
آخر
ولما اشتكيت اشتكى كل ما ... على الأرض واعتل شرق وغرب
لأنك قلب لهذا الزمان ... وما صح جسم إذا اعتل قلب
البسامي
إذا ما صديق لي تأوه واشتكى ... عدمت سروي ما اشتكى ورقادي
وحرمت شرب الراح ما دام شاكيا ... ولم أخله من طارفي وتلادي
اعتذار من لم يعد
إن كنت في ترك العيادة تاركا ... حظي فإني في الدعاء لجاهد
فلربما ترك العيادة مشفق ... وأتى على غل الضمير الحاسد
ولآخر
كحلت مقلتي بشوك القتاد ... لم أذق مذ حممت طعم الرقاد
يا أخي الحافظ الاخوة والنا ... زل من مقلتي مكان السواد
منعتني عليك رقة قلبي ... من دخولي عليك في العواد
لو بأذني سمعت منك أنينا ... لتفتت من الأنين فؤادي
ولآخر يعتذر بكونه لم يعلم
دفع الله عنك نائبة السو ... ء وحاشاك أن تكون عليلا
أشهد الله ما علمت وما ذا ... ك من العذر جائزا مقبولا
ولعمري أن لو علمت لقاسم ... تك نصفا وكان ذاك قليلا
فاجعلن لي إلى التعلق بالعذ ... ر سبيلا ألم أجد لي سبيلا
فقديما ما جاد ذو الود بالود ... وما سامح الخليل الخليلا
الشريف أبو يعلى بن الهبارية
العذر في تركي عيادة سيدي ... إني له فيما اعتراه مقاسم
لا بل نصيبي منه فوق نصيبه ... وعليه فيما أدعيه مياسم
فلئن تألم جسمه أفديه من ... داء يخامره وقلبي يألم
وأنا أحق بأن أعاد وإنما ... يدعي لخدمته الصحيح السالم
حكى محمد بن داود الظاهري في كتاب الزهرة أن الرشيد لما بلغه أن الفضل ابن الربيع عليل كتب إليه معتذرا عن تأخره عن العيادة
أعزز علي بأن تكون عليلا ... أو أن يكون بك السقام نزيلا
ولئن سئلت أجيب عنك بلوعة ... إذ قيل أوعك أو أحس غليلا
فوددت أني مالك لسلامتي ... فأعيرها لك بكرة وأصيلا
هذا أخ لك يشتكي ما تشتكي ... وكذا المحب إذا أحب خليلا
أنشدني الشيخ الامام الفقيه المفيد أمين الدين محمد بن علي المحلي النحوي لنفسه يعتذر من تركه لعيادة بعض الرؤساء
إن جئت نلت ببابك التشريفا ... وإن انقطعت فأوثر التخفيفا
فوحق حبي فيك قدما إنني ... عوفيت أكره أن أراك ضعيفا
ومما يورد من المحبة أعذب الموارد هدية يستطف بها القلب الشادر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وقال عليه الصلاة والسلام تهادوا فإن الهدية تذهب وغر الصدور وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقال لو أهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت وقالت عائشة رضي الله عنها اللطفة عطفة تزرع في القلوب المحبة والألفة وفي الأثر الهدية تجلب إلى المودة القلب والسمع والبصر شاعر
إن الهدية حلوة ... كالسحر نجتلب القلوبا
تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيره حبيبا
وتعيد مضطغن العدا ... وة في تباعده قريبا
(1/247)

ومن أمثالهم إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجر وقال الجاحظ ما استعطف السلطان ولا استرضى الغضبان ولا أزيت السخائم ولا استدفعت المغارم بمثل الهدايا وقالوا في نشر المهاداة طي المعاداة وقال ضياء الدين بن الأثير في رسالة يذكر فيها الهدية الهدية رسول يخاطب عن مرسله بغير لسان ويدخل على القلوب من غير استئذان وبهدية المرء يستدل على عقله كما ذكر أن رجلا أهدى إلى قتادة نعلا رقيقة فجعل النعمان يرزنها بيده ويقول يعرف قدر الرجل في سخف هديته اللهم إلا أن يهدي شيأ مخيفا حقيرا فيصيره بالاعتذار عنه شريفا خطيرا كما فعل أبو العتاهية فإنه أهدى إلى الفضل بن الربيع نعلا وكتب له معها
نعلا بعثت بها لتلبسها ... قدم تسير بها إلى المجد
لو كان يحسن ان أشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي
وأهدى الأخيطل الأهوازي إلى ابن حجر في يوم نوروز طبقا فيه وردة وسهم ودينار ودرهم وكتب معه
قل لابن حجر ذي السماح الخضرم ... لا زلت كالورد نضير المبسم
ونافذا مثل نفاذ الأسهم ... في عز دينار ونجح درهم
وقال بعضهم من امتنع من اهداء القليل لجلالة قدر المهدي إليه انقطعت سبل المودة بينه وبين اخوانه ولزمه الجفاء من حيث التمس الاخاء أبو العتاهية
هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في القلوب هوى وودا ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا
آخر
ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق
إذا تلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش نبوة بواب ولا غلق
لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبة يكرمون الناس أو فرق
وبالجملة إذا كانت من الصغير إلى الكبير فلطفت ودقت كان أبهى وأحسن وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فعظمت وجلت كان أوقع لها وأنجع أهدى يعقوب الكندي إلى بعض اخوانه سيفا وكتب معه الحمد لله الذي خصك بمنافع ما أهدى إليك فجعلك تهتز للمكارم اهتزاز الصارم وتمضي في الأمور مضاء المأثور وتصون عرضك بالارفاد كما تصان السيوف في الأغماد ويظهر دم الحياء في صفحة خدك المشروف كما يشف الرونق في صفحات السيوف وتصقل شرفك بالعطيات كما تصقل متون المشرفيات وأهدى الصابي دواة ومرفعا وكتب معهما قد خدمت مجلس مولانا بدواة يداوي بها مرض عفاته ويروي بها قلوب عداته على مرفع يؤذن بدوام رفعته وارتفاع النوائب عن ساحته وأهدى أيضا إلى بعض الأصحاب فرسا وكتب معه قد قدمت إليك فرسا والله تعالى يبارك لك فيه ويجعل الخير معقودا بنواصيه والاقبال غرة وجهه ونيل الأماني طلق شده وفتح الفتوح غاية شاوه وادراك المطالب تحجيل قوائمه وسلامة العواقب منتهى عنانه والسلام
من أهدى هدية حقيرة واعتذر عنها ... كتب بعضهم مع هدية حقيرة
قبول الهداية اكرومة ... وحاشاك من أن ترد الكرم
فإن الملوك على قدرها ... لتقبل نشابه أو قلم
ابن التعاويذي
هدية المرء تنبي عن مروأته ... وعن حقارة مهديها وخسته
وما يحط من المهدي إليه إذا ... كانت محقرة عن قدر رتبته
فاغفر جريمة من خست هديته ... وتلك منه على مقدار قدرته
وكتب آخر مع هداية أهداها ليلا
بعثت عشيا إلى سيد ... بما هو من خلقه مقتبس
هدية خل صحيح الأخاء ... جرى منه ذكرك مجرى النفس
فجدبا القبول وأيقن بأن ... لفرط الحياء أتت في الغلس
آخر
يا أيها المولى الذي ... عمت أياديه الجميلة
أقبل هدية من يرى ... في حقك الدنيا قليلة
آخر
قد بعثنا إليك أيدك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول
لا تقسه إلى ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجليل
فاغتفر قلة الهدية مني ... إن جهد المقل غير قليل
(1/248)

ومن ظرائف الهدايا التي هي من أحسن ما يسطر في الصحف ويذكر ما يروى أن يحيى بن خالد بن برمك عزم على ختان ولده فأهدى إليه وجوه الدولة كل منهم بحسب حاله وقدرته فصنع بعض المتجملين العاجزين خريطتين وملأ إحداهما ملحا مطيبا وملا أخرى سعدا معطرا وكتب معهما رقعة فيها لو تمت الارادة لأسعفت العادة ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة لتقدمت السابقين إلى خدمتك وأتعبت المجتهدين في كرامتك لكن قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة وخشيت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح والمختتم بطيبه ونظافته وهو السعد باسطا يد المعذرة وصابرا على ألم التقصير متجرعا غصص الاقتصار على اليسير والقائم بعذري في ذلك ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج والخادم ضارع في الامتنان عليه بقبول خدمته ومعذرته والاحسان إليه بالاعراض عن جراءته والرأس اسمي ثم دخل دار يحيى ووضع الخريطتين والرقعة بين يديه فلما قرأ الرقعة أمر أن تفرغا وتملا احداهما دنانير والاخرى دراهم ومن الحكايات المستظرفة ما يحكى أن بعض القيان افتصدت فأهدى لها محبوها هدايا فكان من جملتهم من أهدى ثلاث سلال مخيطة ففتحت سلة منها فوجدتها مملوأة ماشا وفيها رقعة مكتوب فيها ماش خير من لاش وفتحت الاخرى فإذا هي مملوأة عصافير فطاروا وفيها رقعة مكتوب فيها هذه أعتقتها لوجه الله تعالى شكرا له على سلامتك من فصدك وفتحت الاخرى فإذا هي فارغة لا شيء فيها إلا رقعة مكتوب فيها لو كان لهديناه فضحك من كان حاضرا ولم تدع القينة شيأ مما أهدى إليها إلا أعطته منه
اعتذار من لم يهد شيأ
تأنق في الهدية كل قوم ... إليك غداة شربك للدواء
فلما أن هممت بها مدلا ... لموضع حرمتي بك والاخاء
رأيت كثير ما أهدى قليلا ... لديكم فاقتصرت على الدواء
آخر
إن أهد نفسي فهو مالكها ... ولها أصون كرائم الذحر
أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد شكرا فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر
آخر
وافق المهرجان حاشاك مني ... رفعة الحال وهي داء الكرام
فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الزمام
آخر
هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي تفضل عن مالي
فخالص الود ومحض الولا ... أحق ما يهديه أمثالي
ومن واجبات شيم الأحرار ... حفظ ما أودعوه من الأسرار
وكان السر مما يجب على الاخوان أن يأخذوا أنفسهم ويروضوا به طباعهم لما فيه من الفضل وتمام الطبيعة والعقل يحكى أن رجلا أراد صحبة انسان فسأل بعض أصدقائه عنه فأنشده
كريم يميت السر حتى كأنه ... إذا استنطقته عن حديثك جاهله
ويبدي لكم حبا شديدا وهيبة ... وللناس أشغال وحبك شاغله
فقال مثل هذا ينبغي أن يناط بمحبته القلوب ويطلع على خفايا السرائر والغيوب وهذان البيتان لكثير عزة من أبيات وأسر رجل إلى صديقه حديثا فلما فرغ منه قال حفظته قال بل نسيته وقيل لعمرو بن ربيعة كيف كتمانك للسر فقال اجعله عوضا من قلبي وشعبة من نفسي فيكون بخروجه خروجها وقيل لأعرابي ما بلغ من حفظك للسر قال أفرقه تحت شغاف قلبي ثم لا أجمعه وأنساه كأنني لم أسمعه وقالوا قلوب العقلاء حصون الأسرار وقالوا صدور الأحرار قبور الأسرار شاعر
ولي سرائر في الضمير طويتها ... ينسى الضمير بانها في طيه
وقيل لبعضهم كيف كتمانك للسر قال أكتم المخبر وأحلف للمستخبر وما أحسن قول المرتضى وقد سأله الصابي كيف كتمانك للسر في محاورة جرت بينهما
لسر صديقي بين جنبي معقل ... مداه على المستبطنين طويل
إذا لحقت أذني به من لسانه ... فليس عليها للمخاض سبيل
وكتب إليه أيضا
وللسر من بين جنبي ممكن ... خفي قصي عن مدارج أنفاسي
أضن به ضني بموضع حفظه ... فاحميه عن احساس غيري واحساسي
(1/249)

كأني من فرط احتفاظي أضعته ... فبعضي له واع وبعضي له ناسي
آخر
لا يكتم السر إلا من له حسب ... فالسر عند كرام الناس مكتوم
والسر عندي في بيت له غلق ... قد ضاع مفتاحه والبيت مختوم
مجنون ليلى
ومستخبر عن سر ليلى رددته ... بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبرتهم بأمين
يروى أن عليا رضي الله عنه قال لأبي الأسود الدؤلي أريد رجلا مخدانا قال يا أمير المؤمنين ألست كذلك قال بلى ولكن أريد رجلا أستريح منك إليه ومنه إليك وليكن كتوما للسر فإن الرجل إذا أنس بالرجل ألقى إليه عجزه وبجره وقال الشاعر
نصل الصديق إذا أراد وصالنا ... ونعيد بعد صدودنا أحيانا
لا مظهر عند القطيعة سره ... بل حافظ من ذاك ما استرعانا
آخر
إن الكريم الذي تبقى مودته ... ويحفظ السر إن صافي وإن صرما
ليس الكريم الذي إن غاب صاحبه ... بث الذي كان من أسراره علما
سالم اليشكري
إذا ما غفرت الذنب يوما لصاحب ... فلست معيدا ما حييت له ذكرا
ولست إذا ما حال عن حفظ وده ... وعندي له سر مذيعا له سرا
ناقضه آخر فقال
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ... ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي
فإن سخين العين من بات ليلة ... تقلبه الأسرار جنبا إلى جنب
ومما يفصم بين المنجابين عرا المحاورة ... التزام ما يجب من حقوق المجاورة
قال الله تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب فذو القربى الجار الملاصق والجار الجنب البعيد عن الملاصقة والصاحب بالجنب الرفيق في السفر وكان يقال ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وأدنى حقوق الجار أن لا تؤذيه بقتار قدرك وأن تؤمنه من حسدك وشرك وقال جابر بن عبد الله الجيران ثلاثة فجار له حق واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له فله حق الجوار وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له له حق الاسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الاسلام وحق الرحم وحق الجوار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذريا أبا ذر إذا طبخت اللحم فأكثر المرق وتعاهد جيرانك وكان يقال من نال من جاره حرم بركة داره وقد ورد عنه عليه الصلاة واسلام أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ولا يؤذي جاره ولا يخيب من قصده وكان عبد الله بن أبي بكرة ينفق على أربعين دارا من جيرانه من سائر جهات داره الأربع في كل سنة أربعين ألف دينار وكان يبعث إليهم الأضاحي والكسوة في الأعياد والمواسم وأعطى أبو الجهم العدوى في داره بالبصرة مائة ألف درهم فقال لهم وبكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص قالوا وهل رأيت جوارا يشتري قط قال والله لا بعت دارا تجاور رجلا إن غبت عنه سأل عني وحفظني في أهلي وإن رآني رحب بي وقربني وإن سألته قضى حاجتي وحياني وإن لم أسأل عنه عطف علي وبداني والله لو أعطيت فيها ملأها ذهبا ما اخترته عليه ولا نظرت إليه فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال جعفر بن أبي طالب لأبيه يا أبة إني لا أستحيي أن أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على مثله فقال له أبوه إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وقالوا الاحسان إلى الجار يعمر الديار ويزيد في الأعمار شاعر
إني لأحسد جاركم بجواركم ... طوبى لمن أضحى لدارك جابرا
يا ليت جارك بأعنى من داره ... شبرا فأعطيه بشبر دارا
وقال بعض حكماء العجم حسن الجوار خير قرين وعلى استخلاص المودة خير معين مسكين الدارمي
ناري ونار الجار واحدة ... فإليه قبلي ينزل القدر
ما ضر جار إلى أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جسمها الستر
آخر
أجود وأرعى حرمة الجار إنني ... كريم بمالي كل عرق مهذب
(1/250)

وأمنع جيراني من الضيم والأذى ... واركب من اكرامهم كل مركب
ومن النوادر المحكية في اكرام الجار ما حكى أن يهوديا عطارا نزل ببعض أحياء العرب يبيع لهم من بضاعته العطرية فمات عندهم فأتوا شيخا لهم لم يكن يقطع في الحي أمر دونه فاعلموه بخبر اليهودي فجاء وغسله وكفنه وتقدم وأقام الناس خلفه وقال اللهم إن هذا لنا جار وله علينا ذمام فإذا قضينا ذمامه وصار إليك فلك الخيار أن تفعل به ما هو له أهل أو تفعل به ما أنت له أهل فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة شاعر
راع حقوق الجار في كل ما ... حدده الله وأوصى به
وزره في الصحة مستبشرا ... وعده في السقم وأوصابه
ولا تغيرك له حالة ... تبدو كشهد القول أوصابه
وهذه ظرف تكون لما ذكرناه ختاما ... ولنفس المتأمل وقلبه شركا وزماما
فيما يلزم الأصدقاء من تمازج الأرواح ... امتزاج الصهباء بالماء القراح
قيل لبعضهم صف لنا الصديق قال أنت هو وهو أنت إلا إنكما جسمان بينكما روح وقبل لاسباط الشيباني صف لنا الاخوة وأوجز فقال أغصان تغرس في القلوب فتثمر على قدر العقول وقيل لافلاطون ما معنى الصديق قال هو أنت إلا أنه غيرك وقيل لبعضهم ما الأصدقاء قال نفس واحدة وأجساد متفرقة وقال ابن المقفع الأخ نسيب الجسم والصديق نسيب الروح وقيل لأرسطو طاليس وقد سئل عن الصديق ما معناه فقال قلب تضمنه جسمان نظمه بعض الشعراء فقال
بنفسي أخ لي في الأمور مساعد ... فلي وله جسمان والقلب واحد
إذا غاب عني لم أجد طعم لذة ... لأن فؤادي شطره متباعد
لآخر
بابي من هو منى في الحشا ... ليته يوما على عيني مشى
روحه روحي وروحي روحه ... إن يشأ شئت وإن شئت يشا
ولقد تتبعت ما قاله الناس في الاتحاد فما رأيت ولا سمعت أحسن من قول أبي الحسين الحلاج في ذلك
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا
نحن مذ كنا على عهد الهوى ... تضرب الأمثال في الناس بنا
فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته قلت أنا
وله
جبلت روحك من روحي كما ... يجبل العنبر بالمسك العبق
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا لا نفترق
وله
مزجت روحك من روحي كما ... تمزج القهوة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا في كل حال
وهذا غاية ما بلغه علمي وأدركه فهمي وتصرف الناس في حسن الاختيار معدود من المواهب وللناس فيما يعشقون مذاهب وقد أحسن الشريف الرضي في قوله يخاطب أبا إسحق الصابي
أنت الكرى مؤنس طرفي وبعضهم ... مثل القذى مانع طرفي من الوسن
لقد تمازج قلبانا كأنهما ... تراضعا بدم الأحشاء لا اللبن
ويقال كاتب صديقك كما تكاتب حبيبك فإن عذل الصداقة أرق من عذل العلاقة والنفس بالصديق آنس منها بالعشيق ويقال إذا كاتبت أخاك فليكن المداد من سواد الفؤاد والقرطاس من بياض الوداد فإن من كرمت خصاله وجب وصاله
الفصل الثالث من الباب الخامس عشر
في ذم الثقيل والبغيض
بما استحسن من النثر والقريض
قال الله تعالى وإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث قالت عائشة رضي الله عنها هذه الآية نزلت في الثقلاء وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا استثقل رجلا يقول اللهم اغفر له وأرحنا منه وكان الأعمش واسمه سليمان ابن مهران إذا رأى ثقيلا قال ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون وروى عنه أنه قال من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثقلاء وقيل له لم عمشت عينك قال من نظري إلى الثقلاء فإني ما رأيت ثقيلا قط إلا وأعمشت عيني وكان يقول إذا كان عن يسارك ثقيل في الصلاة فتسليمة واحدة تكفيك وكان بعضهم إذا رأى ثقيلا قال استراح العميان من النظر وقيل لأرسطو طاليس لم صار الثقيل أثقل من الحمل الثيل قال لأن الحمل تشترك الجوارح في حمله والثقيل ينفرد القلب بثقله شاعر
(1/251)

إن الثقيل وإن تخفف جهده ... كان الثقيل على الفؤاد ثقيلا
وقال بعض الملوك الطبيب جس نبضي فجسه وقال مزاج معتدل إلا أني أرى فيه تكديرا فهل جالسك اليوم ثقيل قال نعم فقال هذا من ذاك وقال بختيشوع للمأمون لا تجالس الثقلاء فإن الفلاسفة قالوا مجالسة الثقلاء حمى الروح وقيل لمحمد بن زكريا الرازي أيما أمر الثقيل المبرم أو شرب الدواء الكريه الرائحة المر الطعم فقال ليس ما أكسب الداء كما أعقب الشفاءان مجالسة الثقيل تجلب الأسقام وتنحل الأجسام وتورث الأحزان وتؤلم الأبدان وتهد الأركان وشرب الدواء يجلو الأجسام ويحلل الأسقام ويشحذ الأفهام ويدفع الأحزان وينشط الكسلان ويقوي الامكان وقال أرسطاليس للاسكندر إياك ومجالسة الثقيل فإن منها ذبول الروح وذهول العقل وموت الفزع وقال الأصمعي ستة بضنين وربما قتلن انتظار المائدة ودمدمة الخادم والسراج المظلم وبكاء الأطفال وخلاف من تحب ورؤية الثقيل
ومما أثار بطلعته كوامن البغضاء ... فكشفت عن مساويه ستور الأعضاء
عاد الأعمش أبو حنيفة فقال له بعدما أبرم في جلوسه يا أبا محمد ما أشد شيء مر بك في علتك قال جلوسك عندي قال ما تشتهي قال أشتهي أن لا أراك ويحكى أنه قال له يا أبا محمد لولا ما أخاف من التثقيل عليك لأتيتك في كل وقت فقال إنك لتثقل علي وأنت في بيتك فكيف إذا جئتني وقال رجل لأبي العيناء إن الله لم يأخذ من عبد كريمتيه إلا عوضه الله خيرا منهما فما الذي عوضك قال أن لا أرى ثقيلا مثلك واعتذر رجل إلى آخر في تقليل زيارته فقال ما رأيت احسانا يعتذر منه إلا هذا صلى امام بقوم فأطال فلما سلم لأمه بعض من صلى خلفه من الظرفاء فقال وإنها الكبيرة إلا على الخاشعين فقال أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل فإنهم لا يطيقون الصبر على احتمال بردك وقد نظم أبو الحسن علي بن أبي الطيب الباخرزي أبياتا يهجو بها اماما ثقيلا ويذكر ما وجد من جوره في تطويله مقيلا ذكرها في هذا الموضع لائق لما جمعت من المعنى البديع واللفظ الرائق
وأثقل روحا من عقاب عقنقل ... أخف دماغا من جنوب وشمأل
يؤم بنا في القطع قطع خميسة ... وأم بصخر حطه السيل من عل
يطيل قياما في المقام كأنه ... منارة قس راهب متبتل
ويفحش في القرآن لحنا كأنما ... يشد بامراس إلى صم جندل
فقلت له لما تمطى بصلبه ... واردف أعجازا وناء بكلكل
وزاد برغمي ركعة في صلاته ... ألم يكن التسليم منك بأمثل

دخل ثقيل على الصاحب بن عباد فأطال الجلوس وأبرم في المحادثة فكتب الصاحب رقعة وأعطاه إياها فقرأها فإذا فيها
إن كنت تزعم أن الدار تملكها ... حتى نقوم فنبغي غيرها دارا
أوكنت تعلم أن الدار أملكها ... فقم لكي تذهب الأشجان والعارا
ولما قدم محمد بن المكرم من الجبل قال له أبو العيناء مالك لم تهد لنا شيأ فقال والله ما جئت إلا في خف قال كذبت لو قدمت في خف خلفت روحك يا عجبا من جسم كالخيال وروح كالجبال وقال رجل لبعض المغنين في مشاجرة جرت بينهما والله ما تعرف الثقيل الأول ولا الثقيل الثاني فقال كيف لا أعرفهما وأنا أعرفك وأعرف أباك ألم بهذا بعض الشعراء فقال
ثقيلا براه الله وابن ثقيلة ... أرى الثقل طبعا في أبيك وفيكا
أبوك امام الناس في الثقل كلهم ... وأنت ولي العهد بعد أبيكا
آخر
يا من تبرمت الدنيا بطلعته ... كما تبرمت الأجفان بالسهد
يمشي على الأرض مختالا فأحسبه ... من بغض طلعته يمشي على كبدي
لو إن في الناس جزأ من سماجته ... لم يقدم الموت اشفاقا على أحد
قصد حماد الراوية دار مطيع بن اياس فحجب فكتب إليه يسأله الدخول عليه
هل لذي حاجة إليك سبيل ... لا نطيل الجلوس فيمن يطيل
فلما قرأ البيت أجابه
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل ... وكثير من الثقيل القليل
وقال محمد بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه يهجو ثقيلا
يا ثقيلا على القلوب إذا ع ... ن فقد أيقنت بطول السهاد
(1/252)

يا قذى في العيون ما بين ألف ... يا غريما أتى على ميعاد
يا ركودا في يوم غيم وصيف ... يا وجوه التجار يوم الكساد
خل عنا فإنما كنت فينا ... واوعمرو كما لحديث المزاد
الناجم يذم ثقيلا
يا قوة الناس ويا ضعف الأمل ... يا حيرة المملق أعيته الحيل
يا زحل الدهر ومريخ الدول
ومما استجدته من مذام الثقلاء ... الشافية محاسنها أفهام العقلاء
قال بعض البلغاء محذرا من مجالسة الثقيل إذا وافاك ثقيل فأره من خلقك التصرم ومن طبعك التبرم ولا توسعه ترحيبا ولا تحفل به تقريبا ولا تقبل إليه بوجهك ولا تبخل عليه بنهجك وأوحشه عند استئناسه وتهجم له بين جلاسه وأبعده ما استطعت واقطعه فيمن قطعت فبعده راحة لنفسك ومجلبة لأنسك فإنك إن أدنيته إليك وأدللته عليك ضنى به جسدك وكبدك وزاد به نكدك وكمدك أبو بكر الخوارزمي فلان أثقل من موت الخناق وكتاب الطلاق وفقد الحبيب وطلعة الرقيب وقدح اللبلاب في كف المريض وأشد من خراج بلا غلة ودواء بلا علة ورؤية الموت عند الكافر وقد ختم أعماله بالكبائر فلان وخز في الأكباد وسقم في الأجساد وصف العباس ابن الأحنف ثقيلا فقال والله ما الحمام مع الاصرار وكثرة الذنوب مع الأقتار وشدة السقم في الأسفار بآلم من لقائه أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي يذم ثقيلا
ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سره رغم أنفي ألم
لطلعته وخزة في الفؤاد ... كوخز المشارط في المحتجم
أقول له إذ أتى لا أتي ... ولا نقلته إلينا قدم
فقدت خيالك لا من عمي ... وصوت كلامك لا من صمم
وصف بعضهم ثقيلا فقال لا أدري كيف لم تحمل الأمانة أرض حملته وكيف احتاجت إلى الجبال بعد ما أقلته كأنما قربه فقد الحبائب وسوء العواقب وكأنما وصله عدم الحياة وموت الفجاة شاعر
يطول بقربك اليوم القصير ... ويرحل إن مررت بنا السرور
لقاؤك للمبكر فأل سوء ... ووجهك أربعاء لا تدور
آخر
إذا ما تبدى طالعا فكأنه ... حضور غريم أو طلوع رقيب
وإن جاء فحوى قاصدا فكأنه ... كتاب بعزل أو فراق حبيب
آخر
وثقيل أشد من غصص المو ... ت ومن كيده العذاب الأليم
لو عصت ربها الجحيم لما كا ... ن سواه عقوبة للجحيم
حسام الدين البخاري
خلق الناس من منى وهذا ال ... ولد النحس من رجيع أبيه
ففشا لا فشا ثقيلا مقيتا ... ليس يه خير لمن يرتجيه
لم يكن منهما نكاح ولكن ... فتحت فرجها فاحدث فيه
نتهيا لناظري ولقلبي ... حرجا كلما نظرت إليه
نادرة دخل أعرابي على ثلاثة يشربون واغلا فقال أحدهم
أيها الداخل الذي جاء يطوي ... حين لذا الحديث لي ولصحبي
فقال الثاني
خف عنا فأنت أثقل والل ... ه علينا من فرسخي دبر كعب
وقال الثالث
ومن الناس من يخف وفيهم ... كرحى البزر دائر فوق قطب
فقال الأعرابي
لست بالبارح العشية والل ... ه لشتم ولا لشدة ضرب
أو تميلوا بالكبر فورا علينا ... ثم تعلوا من فوق ذاك بقعب
فاستظرفوه وخلطوه بهم
ومما يكون لنفس المتأمل قوتا ... ذم من كان بغيضا ممقوتا
(1/253)

سئل جعفر الصادق رضي الله عنه هل يكون المؤمن بغيضا قال لا ولا يكون ثقيلا وذكر أنوشروان أنه لما أراد أن يصير ولده هرمز ولي عهده استشار أولياءه في ذلك فكل ذكر عيبا لا يستحق به الملك فمن قائل لا يصلح للملك لأنه قصير وذلك مما يذهب بهاء الملك فقال أنوشروان محتجا له إنه لا يكاد يرى إلا راكبا أو جالسا على سرير فلا يبين عليه ذلك ومن قائل إنه ابن رومية والملك إذا كان ابن أمة نقصه ذلك من أعين الناس فقال أنوشروان محتجا له إن الأبناء ينتسبون إلى الآباء ولا ينتسبون إلى الامهات فلا يضره ما قلت فقال الموبذان إن فيه عيبا وهو أنه مبغض إلى الناس فقال أنوشروان عند ذلك هذا هو العيب الذي لا مدح معه ولا عذر عنه والداء الذي لا برء له فقد قيل إن من كان فيه خير ولم يكن ذلك الخير للناس فلا خير فيه وقالوا فلان أوحش من ربع تحول سكانه وتحمل أظعانه وغارت نجومه وعفت رسومه وقالوا فلان أقذى للعين من ساعة داعية البين بين المحبين وقالوا فلان لا تحبه الناس حتى تحب الأرض الدم وذلك إنها تعاف الدم فلا تقبله شاعر يهجو بغيضا
يا بغيضا زاد في البغ ... ض على كل بغيض
أنت عندي قدح اللب ... لاب في كف المريض
وقالوا فلان أبغض من زوال النعمى وفوت المنى وطلعة الردى وقالوا مجالسة البغضاء تزيد الهموم وتجلب الغموم وتؤلم القلب وتشد أزر الكرب وتكدح في النشاط وتطوي بساط الانبساط

ليست هناك تعليقات: