خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل واللسان، وجعله خليفة في الأرض، وأسجد له ملائكته الكرام، ولعن الله إبليس الذي عصى أمر ربه ورفض السجود لهذا المخلوق الجديد "الإنسان".
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
مما يدل على تكريم المولى سبحانه لهذا الآدمي وعنايته به. ولما كان هذا هو حال الإنسان بالنسبة لربنا، فقد أوجب عليه واجبات وتكاليف: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
وفي نفس الوقت أوجب له الخالق الرحيم حقوقا محفوظة تضمن للتكاليف أن تنفذ, وتضمن للخير أن يستقر في المجتمعات والنفوس, ولا يتحول البشر إلى وحوش متصارعة في غابة الدنيا.
وحقوق الإنسان نزلت بها الشرائع السماوية، وآخرها ومنتهاها كان مع الإسلام "الدين الخاتم"، ومنها ما كان من نتاج قرائح البشر الذين اجتهدوا بفضل من الله في هذا المجال، وأكثرها ذيوعا ميثاق حقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، والذي تبنته الجمعية العامة لها في قرارها المرقم "217" في العاشر من ديسمبر سنة 1948م، وتلاه العديد من المواثيق والبيانات من منظمات وهيئات أخرى.- الحق ضد الباطل، والحق أيضا واحد الحقوق -هكذا ورد في مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي- وجاء أيضا "حاقَّه" خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل: "حقَّه" والتحاقّ: الاختصام1, مما يدل على ما للكلمة من دلالات أو معانٍ لغوية.
2- أما في مجال الاختصاص, فاستعمالاتها شتى:وفي التنزيل الكريم: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}[يس: 70].
وفي المعجم العربي الأساس الذي أصدرته المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم عن دار "لاروس": حق الأمر: صح، وحق عليه الأمر: وجبه "يحق على المظلوم أن يجاهد في وجه الظلم"1.
وأحق الله الحق: أظهره وأثبته: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8].
فهل يوجد حقيقة بعد ذلك الحق؟
4- أما عند الفقهاء، فالحق هو الحكم الثابت شرعا عند بعض المتأخرين. والأستاذ الشيخ علي الخفيف يعرفه بأنه المصلحة المستحقة شرعا. ويعرفه الأستاذ مصطفى الزرقاء بأنه اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا2.
5- ما مصدر الحق في الشرع الإسلامي؟
منشأ الحق في الشريعة الإسلامية: هو إرادة الشرع، فالحقوق في الإسلام منحة من الخالق الذي يعرف بقدرته وحكمته مصلحة العباد، ومن ثَمَّ كانت قواعد الحقوق الإنسانية ومبادئها في الإسلام تقوم على مراعاة مصلحة الغير وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة, للإضافة إلى كونها في حيز الفرد نفسه، فليس الحق مطلقا وإنما هو مقيد بما يفيد المجتمع ويمنع الضرر عن الآخرين3.
6- وتنقسم الحقوق إلى ثلاثة أقسام: فالقسم الأول هو حقوق الله، وهي الحقوق التي تتعلق بواجبات العبادة أو الصالح العام للأمة، ولا سيما الحدود التي شرعها الله، أما القسم الثاني وهو ما يسمونه: حقوق العباد، والثالث وهو الحقوق المشتركة بين الله والعباد1.
7- أما صاحب "كفاية الأخيار" فيقسم الحقوق إلى ضربين: "حق الله، وحق الآدمي"2.
استعملها رجال الفلسفة دالة على إحدى القيم العليا الثلاث:
الحق، والخير، والجمال.
واستعملها علماء الأخلاق فيما للإنسان على غيره، وهو ما يقابل الواجب؛ ولهذا قالوا: كل حق يقابله واجب.
واستعملها علماء القانون في معنى آخر، يشمل الحق العيني، والحق الشخصي، حتى إن دراسة القانون بكل فروعه لتسمى دراسة "الحقوق"2.
واستعمل القرآن الكريم كلمة الحق فيما يقابل الباطل والضلال, قال تعالى:
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32].
وكأننا مع كل معنى من معاني الكلمة المعجمية أمام دلالة للفظة يصعب تجاهلها؛ فمثلا فيها الثبوت والصدق؛ لأنها واجبة ومنطقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق