قال مصطفى لطفي المنفلوطي :
[ إن الرَّحْمَة كلمة صغيرة .. و لكن بين لفظها و معناها من الفرق مثل
ما بين الشمس في منظرها , و الشمس في حقيقتها .
لو تراحم النَّاس لما كان بينهم جائع ، و لا مغبون ، و لا مهضوم ،
و لأقفرت الجفون من المدامع ، و لاطمأنت الجنوب في المضاجع .
و لمحت الرَّحْمَة الشقاء من المجتمع كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام .
أيُّها الإنسان :
ارحم الأرملة التي مات عنها زوجها ، و لم يترك لها غير صبية صغار ،
و دموع غزار ، ارحمها قبل أن ينال اليأس منها ، و يعبث الهم بقلبها
فتؤثر الموت على الحياة .
ارحم :
الزوجة أم ولدك ، و قعيدة بيتك ، و مرآة نفسك ، و خادمة فراشك ؛
لأنَّها ضعيفة ، و لأنَّ الله قد وكل أمرها إليك ، و ما كان لك أن تكذب ثقته بك.
ارحم :
ولدك و أحسن القيام على جسمه ، و نفسه ، فإنَّك إلا تفعل قتلته
أو أشقيته فكنت أظلم الظالمين .
ارحم :
الجاهل لا تتحين فرصة عجزه عن الانتصاف لنفسه ، فتجمع عليه بين الجهل
و الظلم ، و لا تتخذ عقله متجرًا تربح فيه ، ليكون من الخاسرين .
ارحم :
الحيوان ، لأنَّه يحس كما تحس ، و يتألم كما تتألم ، و يبكي بغير دموع و يتوجع
ارحم :
الطير لا تحبسها في أقفاصها ، و دعها تهيم في فضائها حيث تشاء ، و تقع
حيث يطيب لها التغريد و التنقير ، إنَّ الله وهبها فضاء لا نهاية له ، فلا تغتصبها
حقها فتضعها في محبس لا يسع مد جناحها ، أطلق سبيلها و أطلق سمعك
و بصرك وراءها ، لتسمع تغريدها فوق الأشجار ، و في الغابات ، و على
شواطئ الأنهار ، و ترى منظرها و هي طائرةً في جو السماء فيخيل إليك
أنَّها أجمل من منظر الفلك الدائر و الكوكب السيَّار .
أيها السعداء أحسنوا إلى البائسين و الفقراء , و امسحوا دموع
الأشقياء و ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق