الفوائد
للإمام الجليل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب
الزرعي المعروف بابن القيّم
تحقيق
ماهر منصور عبد الرزاق كمال علي الجمل
مدرّس الحديث وعلومه مدرّس الحديث المساعد
جامعة الأزهر
[10] فائدة كيف يفعل من أصابه هم أو غم
في المسند وصحيح أبي حاتم من حديث عبد الله بن مسعود , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب عبدا هم ولا حزن, فقال اللهم : إني عبدك , وابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماضي فيّ حكمك , عدل فيّ قضاؤك , أسألك بكل اسم هم لك سمّت به نفسك, أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك , أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري , وجلاء حزني, وذهاب همّي وغمّي , إلا أذهب الله همّه وغمّه , و أبدله مكانه فرحا ".. قالوا يا رسول الله أفلا نتعلّمهن؟ قال : "بلى, ينبغي لمن سمعهن أن يتعلّمهن". و صححه الألباني في الكلم ص 81.
فتضمّن هذا الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبوديّة . منها أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله : " إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك", وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته إلى أبويه آدم وحوّاء, وفي ذلك تملّق (تودد وتلطّف) له واستخذاء بين يديه واعترافه بأنه مملوكه وآبائه مماليكه وان العبد ليس له باب غير باب سيّده وفضله وإحسانه , وأن سيّده أن أهمله وتخلّى عنه هلك , و لم يؤوه أحد ولم يعطف عليه, بل يضيع أعظم ضيعة. وتحت هذا الاعتراف : أني لا غنى عنك طرفة عين, وليس لي أن أعوذ به وألوذ به غير سيّدي الذي أنا عبده, وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبّر مأمور منهي, إنما يتصرّف بحكم العبوديّة لا بحكم الاختيار لنفسه .
فليس هذا في شأن العبد بل شأن الملوك والأحرار .
وأمّا العبيد فتصرّفهم على محض العبوديّة فهؤلاء عبيد الطاعة المضافون إليه سبحانه في قوله : { إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان} الحجر 42, و قوله :{ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الفرقان63, ومن عداهم عبيد القهر والربوبية , فإضافتهم إليه كإضافة سائر البيوت إلى ملكه , وإضافة أولئك كإضافة البيت الحرام إليه , و إضافة ناقته إليه وداره التي هي الجنة إليه , وإضافة عبودية رسوله إليه بقول : { وأنّه لمّا قام عبد الله يدعوه} . الجن 19.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق