مع الشاعر أحمد شوقي (1) | |
وعدت القارئ الكريم أن أتعرض لبعض الأغراض الشعرية عند الشاعر الكبير أحمد شوقي؛ ولاسيما إثر تعرضي لشعر الوصف عند أمير الشعراء، ولا أخفي القارئ أني وجدت شاعرنا عملاقاً في كل شيء، سواء ما تعلق بالأغراض التقليدية أم المعاصرة، فمن أين أغرف؟ وربما أن البحر كبير مضطرب؛ لذا أحببت أن أخوض بحر الحكمة لدى شوقي، وفوجئت أن بحر الحكمة عند الشاعر لا تكدره الدلاء، هو بحر واسع الأطراف متشعب الجوانب، لا تتسع له بضع وريقات أسطرها، فقررت الاقتصار والاختزال، وسآتي على أطراف الحكمة عند شاعر الكنانة والعرف. وإني لا أكتم القارئ حديثاً، ألا وهو: إنني عندما تناولت ديوان الشاعر، ولما أنته من الصفحة السابعة والسبعين من الجزء الأول في (الشوقيات)، وجدت أمامي كماً كبيراً من الحكم، فكيف لو أني تابعت الغوص في سائر الأجزاء، فكم ـ يا ترى ـ سأجمع من حكم، ولما ذهبت في الصباح إلى المدرسة قلت لزميلي: إن شوقي قد يفوق المتنبي في هذا الباب لم يرق له ذلك، لكنني أعرض عليك ـ أخي القارئ ـ بعضاً من حكمه قد تصوت إلى جانبي بأن شوقي لا يقل أهمية عن المتنبي في موضوع الحكمة. فما الحكمة.. إنها: (القول الصائب من ذي تجربة)، أو هي: (وضع الشيء في مكانه المناسب)، وقيل هي: (كلام صادر عن صاحب تجربة وخبرة في الحياة يقع في موضعه في كل زمان ومكان)، وهذا التعريف الأخير هو الأصح في نظري. وفي هذا المقال عن حكمة شوقي سنحاول أن نتعرف على مصداقية حكمته في ضوء هذه التعاريف. تتبعت الحكمة في عدد من قصائد الشاعر، قيلت في مناسبات متعددة، ولأغراض شتى، وجاءت الحكمة متفرقة في نسيج القصيدة، ولم تكن غرضاً مستقلاً. إنّ أشهر القصائد التي رجعت إليها في الجزء الأول من الشوقيات لم أتعد فيها دوي الهمزة والباء؛ لأني ـ كما أسلفت ـ وجدت أن هذا الباب واسع جداً. وهذه عناوين القصائد التي استقيت منها حكمة الشاعر: (كبار الحوادث في وادي النيل) وهي قصيدة من الطوال تحدث فيها الشاعر عن تاريخ مصر من الجاهلية وإلى زمن نابليون حينما غزا مصر، ومما قال فيها: فكبــــير ألا يصـــــــــان كبير وعظيم أن ينبذ العظــــــماء وكذاك النفوس وهي مراض بعض أعضائها لبعض فداء وإذا جــــــلت الذنوب وهالت فمن العدل أن يهول الجزاء قوة الله إن تولت ضــــــعيفاً تعبت في مراسه الأقــــوياء وإذا انتقلنا إلى الهمزية النبوية فإننا نجد مثل هذه الدرر من المعاني والتي لا يختلف عليها اثنان: إن الشجاعة في الرجال غلاظــــــــة ما لم تزنها رأفة وسخــــاء والحرب من شرف الشعوب فإن بقوا فالمجد مما يدعــــــون براء والحرب يبعثها القوي تجـــــــــــبرا وينوء تحت بلائها الضعفاء والقصيدة من أعظم القصائد التي طوّق بها الشاعر بحلل ألفاظها وجمال معانيها رسول الله الخاتم، فصار الناس يتغنون بها صباح مساء. ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء وفي ص (53) من الشوقيات ـ الجزء الأول، قصيدة بعنوان (عفو القادر)، يقول: إذا خان عبد السوء مولاه معتقاً فما يفعل المولى الكريم المهذب؟ ونتقدم قليلاً إلى ص 56 (انتصار الأتراك في السياسة) يقول: فقل لبان بقول ركــــــن ممـــلكة على الكتائب يبنى الملك لا الكـــــتب لا خير في منبر حتى يكـــون له عود من السمر أو عود من القصب وما السلاح لقــوم كل عــــدتهم حتى يكونوا من الأخلاق في أهـــب لو كان في الناب دون الخلق منبهة تساوت الأســــد والذؤبان في الرتب وكيف تلقى نجاحاً أمة ذهـــــبت حزبين ضدين عند الحادث الحـــزب وأما في (المنفى) ص 60، فإننا نجد المجد رحيق يطيب كلما طـــال الزمان وإنّ المجد في الدنيا رحـــيق إذا طال الزمـــــان عـــــليه طــــــابا وحتى لا أطيل على القارئ، فهاك حكماً متعددة أخذتها من القصائد المعنونة بما يلي: (ذكرى المولد) و(مشروع ملنر) و(مشروع 28 شباط) وذكرى (كانا رفون). يقول: وما استعصى على قــوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابـــــــــــــــا ويقول: ينال باللين الفتى بعـــــض ما يعجـــــــــز بالشــــــدة عن غصبه ويقول: وكل سعي سيجزي الله ساعته هيهات يذهب سعي المحسنين هباء ويقول: لا تثبت العـــين شيئاً أو تحققه إذا تحير فيها الدمـــــــع واضطربا إذا رأيت الهوى في أمة حكما فاحكم هنالك أن العقـــــــل قد ذهبا ويقول: من سرّه ألا يمــــوت، فبالعلا خلد الرجال، وبالفعــــــــــال النابه والفرد يؤمن شره في قـــبره كالســيف قام الشـــــر خلف قرابه
وهكذا طوّفنا في عدد من قصائد الشاعر، وقطفنا بعض حكمه، وما زال عنده المزيد والمزيد، ولا عجب في ذلك، فالشاعر يملك كنزاً من المعاني ولآلئ من الحكم يصعب على مثلي أن يوفي الشاعر حقه في هذه العجالة، لذا أسأل الله أن يهيئ للشاعر من يعيش معه في شعره، فيبسط القول في الحكمة، وغيرها من الأغراض الأخرى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين. | |
|
مدونة ثقافية اجتماعية سياسيه و دينية Art Beauty Books Business Children Christian Christianity Cooking Crafts Culture Design Education Entertainment Faith Family Fashion Food Fun Health Humor Illustration Internet Kids Life Lifestyle Literatura Literature Love Marketing Media Movies Music Parenting Photography Photos Poetry Politica Politics Real Estate Recipes Religion Reviews Scrapbooking Social Media Spirituality Sports
Translate
السبت، 19 يوليو 2008
أحمد شوقي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق