من هو محمد دحلان؟!
من غزة إلى تونس مسافة قريبة قطعها محمد دحلان بسرعة. من عنصر صغير في "فتح" إلى قائد لجهاز الأمن الوقائي إلى وزير في حكومة السلطة. مواقع تنقّل فيها محمد دحلان بسرعة.
من الموالاة الشديدة دفاعاً عن "الرمز" و"السيد الرئيس" و"يابا" و"الختيار"، إلى معارض وانقلابي ومهدِّد بمهلة "عشرة أيام" لإسقاط عرفات.
من عضو في "عصابة الأربعة" وعراب في مافيا الفساد ومختلس للأموال، إلى "مصلح" سياسي واجتماعي.
من قائد لجهاز الأمن يقمع كل من يرفض أوسلو أو يقاوم الاحتلال أو يعارض السلطة، إلى متظاهر يحتل مراكز السلطة ويخرّب مقرّاتها ويعبث بالأمن الداخلي.
محمد دحلان له طموحاته وأهدافه، لكنه هو "ابن مشروع" و"أداة" و"صاحب مخطط" يتوافق كلياً مع البرنامج الصهيوني – الأمريكي حارب المقاومة والمقاومين حين دعي لذلك، والآن جاء ليحارب "فتح" والسلطة، وغداً سوف يحارب فلسطين والفلسطينيين.
هل هو مصلح فعلاً ومحارب للفساد!!؟ أم أنه يحمل أجندة ضدّ غزّة لما بعد خطة شارون. الإسرائيليون شجعوا "دحلان" قبل فترة على "تحمل مسؤولية" في قطاع غزة لقطع الطريق على حماس. فاستغلّ "العقيد" الإشارة وأطلق رصاصاته باتجاه الجميع.
العرّاب: قصّة الصعود
"إن هذا الفتى يعجبني!".. جورج بوش الابن.
لم يكن ليصل رئيس أكبر دولة في العالم إلى هذا الإعجاب الشخصي لو لم يقدّم العقيد محمد دحلان خدمات جليلة للإدارة الأمريكية، ولم يطلع الرئيس الأمريكي شخصياً على تاريخ طويل من قصة الصعود (الأكروباتية) لهذا الشاب المدعوّ محمد دحلان.
هذا الكلام صدر عن الرئيس بوش في ذروة التدخل الأمريكي في القضية الفلسطينية إبان انتفاضة الأقصى. حيث حضر الرئيس بوش يومها إلى "قمّة العقبة" في حزيران/يونيو 2003، فرحاً بالنصر الذي حقّقه قبل شهرين في بغداد، عاقداً العزم على خلق أنظمة جديدة في المنطقة تتساوق مع الفكر الصهيوني وتتعاون معه، وإخماد ما تبقّى من حركات أو دول تقاوم المشروع الأمريكي في المنطقة.
كما أن هذا الكلام جاء بعد تقديم "دحلان" تقريراً مفصلاً عن الوضع الأمني في الضفة وغزة، عرضه أمام بوش وشارون وعقّب عليه قائلاً: "إن هناك أشياء نستطيع القيام بها"، طالباً المساعدة الأمنية الأمريكية لأجهزته.
في الطريق إلى هذه "القمّة" قطع "دحلان" مسافات وحرق مراحل وقفز مراتب ورُتَب في الهرم السياسي الفلسطيني. ولكن الهرم لم يكن فلسطينياً أو عربياً فقط، بل إن كثيراً من مراحله يكتنفها الغموض؛ أو قل وضوح العوامل الخارجية المعادية.
فما قصّة هذا الصعود؟!
كل مرحلة من مراحل عمره بناها "دحلان" على كذبةٍ وادعاء، رغم أن تاريخه معروف وأصدقاءه أحياء ومعاصريه من ذوي الذاكرة الحية الطرية.. ادعى النضال منذ نعومة أظفاره وادعى الاعتقال عشر سنين وادعى تأسيس الشبيبة الفتحاوية وادعى مساعدة أبو جهاد "خليل الوزير" في توجيه الانتفاضة.. في حين أن كل فترة من هذه الفترات اكتنفها غموض فوضّحتها وقائع سردها أكثر من طرف. جيران طفولته وزملاء دراسته ورفاق تنظيمه وأصدقاء "تَوْنَسَتِهِ" ومنافسو زعامته و... و...
في المخيّم
منذ أن ولد محمد دحلان لزمته صفة (الشراسة والنزق)، كان من أطفال الحي الذين لا يُنهون يومهم من دون معركة مع أقرانه، الأمر الذي ترك الكثير من علامات (شقاوة) الفتيان على أنحاء جسده. كان متوسط المراتب في المدرسة، غير منتبه لتحصيله العلمي، يميل إلى الإهمال في علاقاته الاجتماعية، ولم يكن لبقاً أو متحدثاً، بل كان عصبيّ المزاج سريع الغضب كثير السباب والشتم.. ولم يكن متميزاً بين أقرانه، شاب عادي غير ظاهر النشاط. وهو لم ينتمِ لأي تنظيم حتى دخوله الجامعة.
في الجامعةدرس محمد دحلان في الجامعة الإسلامية بغزة، وكثيراً ما اصطدم مع الطلاب الإسلاميين هناك، وذكر بعضهم أنه تعرّض للضرب أكثر من مرة فيها.
وفي الجامعة الإسلامية، التحق بحركة فتح وشبيبتها هناك، وسجّل لاحقاً كذبته الأولى التي كان مسرحها هناك. وادعى أنه كان مؤسس الشبيبة الفتحاوية أثناء دراسته الجامعية. وقد فنّد أحد مؤسسي الشبيبة الفتحاوية هذا الادعاء، بأن الشبيبة تأسست في الضفة الغربية وليس في قطاع غزة، وذكر تفاصيل ذلك بالتواريخ والأسماء والأرقام.
وعلى افتراض أنه كان مؤسسها في غزة فإن هذا الكلام –حسب المسؤول الفتحاوي- مردود عليه، لأن نشوء الشبيبة في غزة كان عبارة عن انتقال ولم يكن تأسيساً.
فبعد إرهاصات التحركات الطلابية الفتحاوية عام 79/80، وردت تعليمات أبو جهاد الوزير بتشكيل نسيج طلابي، بدأ في الضفة الغربية، وسجّل صعوده في العامين التاليين.. وباختصار فقد كان مؤسسو الشبيبة من الضفة الغربية، ولم يكن منهم أحد من غزة.
الاعتقالللعقيد "دحلان" قصة "طويلة" مع الاعتقال ساهمت في تنصيبه وترفيعه السريع داخل فتح، ولكنه كان اعتقالاً إيجابياً بالنسبة له.
وكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية في بناء "الكاريزما" الشخصية لمحمد دحلان عبر كل وسائل التلميع المتاحة، ولا يألو "دحلان" جهداً ولا يجد غضاضة في استخدام "محنة" السجن لمواجهة الآخرين..
وقد ذكر في مؤتمره الصحفي الأخير في الأردن (إثر أحداث غزة)، أنه سبق أن اصطدم أكثر من مرة مع عرفات، منها حين اعترض على تعيين د. زكريا الأغا عضواً في اللجنة المركزية، وأن عرفات سأله: باسم من تتكلم؟ فرد عليه: باسم عشر سنوات أمضيتها في السجن الإسرائيلي.
في حقيقة الأمر لم يعرف "دحلان" السجن سوى بين الأعوام 1981 و1986، حيث اعتُقل عدة مرات لفترات متقطعة وقصيرة خلال تلك السنوات الخمس، لم يُمض إلا القليل منها في السجون. ولم يحدث أن اعتُقل "دحلان" كما ادعى "عشر سنوات".. قال جبريل الرجوب مؤخراً إن "دحلان" لم يُعتقل أكثر من ثلاث سنوات.
غير أن هذا الاعتقال على ما يبدو –كما يقول جيرانه السابقون- يأتي في سياق تلميعي متقن، يهدف إلى نقل الفتى (الصايع) إلى صورة الفتى (المناضل)، ليتخرج لاحقاً بصفة (الشاب القيادي)، الذي لم يعُدْ ينقصه سوى (التَوْنَسَة) لاستكمال المواصفات ومتابعة الطريق إلى أعلى الهرم.
دور "أبو رامي" في التلميعويتذكر جيران "دحلان" القدامى حفلات التلميع التي كان يقوم بها "أبو رامي"؟ مسؤول المخابرات الصهيونية في منطقة خانيونس. ومن قرأ سيرة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، سيتذكر بالتأكيد اسم "أبو رامي"، ومعاركه وصداماته مع الدكتور الشهيد، وسوف يتذكر أيضاً كيف أن "أبو رامي" نزل في شوارع خانيونس يصرخ في الناس كالمجنون نافياً أن يكون الدكتور الرنتيسي قد ضربه أثناء محاولة اعتقاله.
ويومها –كما يذكر الشهيد القائد في مذكراته- لم يضربه، بل ضرب أحد الجنود معه، لكن الإشاعة بين الناس أثارت غضبه فخرج كالمجنون، يقول للناس: انظروا في وجهي، هل ترون آثار ضرب أو معركة؟!.
المهم.. قام "أبو رامي" هذا بدور بارز في تلميع "دحلان"، فكان يأتي مع مجموعاته ليلاً في الأعوام 1984 – 1985، إلى الحارة ويصرخ بمكبّر الصوت منادياً على "دحلان"، موقظاً جيرانه ليستمعوا إليه يشتمه ويسبّه ويناديه بألفاظ بذيئة ويقول: محمد.. إذا كنت راجل أخرج لنا..
ولم تكن بعض حفلات التلميع تنتهي بالصراخ فقط.. فكانوا أحياناً يدخلون بيته، ويعلو الصراخ من الداخل بينهم بما يقنع الجيران أنهم يضربونه.. بالإضافة إلى اعتقاله في بعض المرات لفترات بسيطة يخرج إثرها "مناضلاً".
ولعلّ أخطر ما قام به "أبو رامي" كأداة تنفيذية لدى المخابرات الصهيونية، هو الاعتقالات التي كانت تطال مسؤولي "فتح" الذين كانوا أعلى من "دحلان" مرتبة في التنظيم، مما أدى إلى عدة فراغات تنظيمية كان "يتصادف" أن يملأها "دحلان"، فيتولى المسؤولية تلو الأخرى، حتى حان وقت الإبعاد عام 1988.
في تونسانتقل "دحلان" من غزة إلى ليبيا حيث أقام فترة بسيطة، ما لبث بعدها أن انتقل إلى تونس.. ووصلها مع جبريل الرجوب فاستقبلهما عرفات هناك و"تبناهما".. والتقطا معه صوراً فوتوغرافية تمّ توزيعها على الصحافة.. وكانوا ينادون عرفات "يابا"..
غير أنهما لم يظهرا في الفترة التالية.. حيث انتهت صلاحياتهما الإعلامية (عرفاتياً).. وهذه الفترة هي الأكثر حسماً في مسيرة هذين الرجلين..
يقول أحد مسؤولي الاستخبارات المركزية الأمريكة (CIA) السابقين "ويتلي برونر" إنه تم تجنيد "دحلان" في تونس في الثمانينات، وتمّت تزكيته وتسميته مع الرجوب ليكوّنا سوياً القوة الضاربة المستقبلية بعد اتفاقات أوسلو، مع ملاحظة أنه لم يتم نفي هذه المعلومات رغم انتشارها في الصحف على نطاق واسع.
في تلك الفترة –يقول أحد أصدقائه- كان يقضي الأيام مع الأصدقاء، من غير عمل سوى أنهم "مبعدون"، كانوا يتنقلون أحياناً كما قال صديقه "خمسة أشخاص بسيارة واحدة" (لدى دحلان الآن 11 سيارة تتنقل معه كمرافقة أمنية، عدا عن ما يمتلك من سيارات لغير المهمات الرسمية). وقد ولّدت صفة "المبعدون" حقداً في نفوس العاملين في المنظمة في تونس، نظراً للدلال والارتياح الذي كان يتمتع به هؤلاء.
ولم يطل الأمر حتى استشهد أبو جهاد (وادعى دحلان أنه كان يساعد أبو جهاد في توجيه الانتفاضة).. يذكر المساعد الرئيسي لأبو جهاد وهو نابلسي يحمل الجنسية الأردنية، أن محمد دحلان جاءه أكثر من مرة ليتوسط له من أجل العمل لدى أبو عمار. فهو لم يكن يسعى للعمل في مكتب أبو جهاد، ولم يعمل أصلاً في "القطاع الغربي" على الإطلاق. و"القطاع الغربي" الذي أسّسه أبو جهاد لإدارة شؤون الداخل كان معروفاً باستقلاليته الإدارية والتنظيمية.
ساهمت الاغتيالات التي شهدتها تونس (أبو جهاد – نيسان/أبريل 1988) وأبو إياد وأبو الهول (كانون الثاني/يناير 1991)، إلى صعود نجم عدد من قادة الصف الثاني (أبو مازن أبو العلاء..)، وحدوث فراغات في القيادات الشابة، وحدثت حركة ترقيات مفاجئة وغزيرة، نال المبعدون وقتها حصتهم منها.. وبات في دائرة الضوء "العقيد" دحلان، وعدد كبير من العقداء الذين أغدق عليهم عرفات يومها الرتب بسخاء.
بعد أوسلوليس بعيداً عن ذهن القارئ ما فعله "دحلان" بعد أوسلو حين تسلّم مهمة قيادة جهاز الأمن الوقائي، وكيف كان وفياً بطريقة خرافية للاتفاقات الأمنية، وكيف تعاون مع الصهاينة من أجل الفتك بالمقاومة عبر التنسيق المذهل مع الأجهزة الأمنية الصهيونية.
هذا التنسيق دفعه، عبر الرسائل والتقارير واللقاءات والمصالح الأمنية والاقتصادية، إلى أعلى المراتب في سلطة الحكم الذاتي، من قائد لجهاز الأمن الوقائي، إلى مستشار عرفات للشؤون الأمنية إلى وزير للداخلية.. إلى ما هو عليه اليوم..
محمد دحلان.. من يموّله وكيف جمع ثروته؟!
ما بين ولادة محمد يوسف دحلان في العام 1961 لأسرة فقيرة في مخيم خانيونس ونشأته في مناخ "العوز"، وما بين تملّكه لفندق فخم في غزة، تعيش حكايات وقصص كثيرة يعرفها الصغير والكبير في غزة عن ذلك الفقير الذي تحوّل إلى واحد من أثرى أثرياء غزة في بضع سنين قليلة.
ولنبدأ الحكاية منذ وصوله إلى غزة مع دخول السلطة الفلسطينية في العام 1994 كقائد لقوات الأمن الوقائي في القطاع بعد أن أخذ يتقرّب من ياسر عرفات، والناس تشير إلى ذلك الشاب الفقير (الصايع) في (زواريب) مخيم خانيونس.
بدأت رائحة "دحلان" المالية تفوح بعد أن أصبح مالكاً لفندق الواحة على شاطئ غزة، وهو الفندق المصنف كواحد من أفخم مجموعة فنادق الخمس نجوم في الشرق الأوسط. فاستغرب أهل غزة مِن ذاك الذي كان فقيراً بالأمس القريب يتملّك فندقاً تكلفته عدة ملايين من الدولارات، ولكن جهاز الأمن الوقائي كان كفيلاً بإسكات وتعذيب كل من يهمس بكلمة عن هذا (الإصلاحي) الجديد.
لم تنته الحكاية عند هذا الحدّ بل تفجّرت بشكل كبير عندما كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية في العام 1997 النقاب عن الحسابات السرية لرجال السلطة الفلسطينية في بنوك إسرائيلية ودولية، وكانت ثروة "دحلان" في البنوك الإسرائيلية فقط 53 مليون دولار.
المعابر الحدودية هي المثال الأبرز للفساد، حيث تجبي (إسرائيل) لصالحها ولصالح السلطة الفلسطينية رسوم العبور في المداخل والمخارج من السلطة ومصر والأردن إلى (إسرائيل)، وهي ملزمة حسب الاتفاقيات تسليم السلطة الفلسطينية 60 في المئة من العمولات. في عام 1997 طلب الفلسطينيون تحويل حصتهم من رسوم معبر "كارني"، نحو 250 ألف دولار في الشهر، على حساب جديد. واتضح فيما بعد أن صاحب هذا الحساب هو محمد دحلان قائد الأمن الوقائي في غزة في ذلك الوقت.
هذا بالإضافة إلى ملايين الشواقل التي تجبى من أنواع مختلفة من الضرائب و"الخاوات" الأخرى، وفي مناطق مثل الشحن والتفريغ من الجانب الفلسطيني لمعبر "كارني"، ويتضح أن تمويل جهاز الأمن الوقائي يتم بواسطة ضرائب مختلفة تُنقل إلى صناديق خاصة ولا تخضع لنظام مالي مركزي. وفي سلطة المطارات الإسرائيلية، والكلام لصحيفة "هآرتس"، تقرّر تحويل النقود إلى الحساب المركزي لوزارة المالية الفلسطينية في غزة، مما أغضب "دحلان".
كما يوفر "دحلان" من خلال رجال أمنه الحماية الأمنية لشاحنات شركة "دور للطاقة" الإسرائيلية التي تدخل إلى قطاع غزة. وتعمّدت (إسرائيل) نشر هذه المعلومات عن "دحلان" لحثه على تدابير أشدّ صرامة ضد حركات المقاومة، متغافلة عن أن أعوام انتفاضة الأقصى تختلف عن الأعوام التي سبقتها.
لم تقف الفضائح المالية لدحلان عند هذا الحدّ، بل تفجّرت مرة جديدة حين اشترى بيت أحد وجهاء غزة البارزين المرحوم رشاد الشوا، بمبلغ 600 ألف دولار، لكن "دحلان" نفى هذه التهمة (المغرضة) وقال أنه دفع ثمنه فقط 400 ألف دولار!!! ثم ذكر لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه لا يحق لأحد أن يسأله عن ثمن البيت سوى شعبه. ونحن نسأل كجزء من هذا الشعب مِن أين أتيت بثمن بيت قيمته 600 ألف دولار بعدما كنت تسكن بيتاً في مخيم وبالإيجار؟!!
وتمضي الأيام ويذهب القائد السابق لجهاز الأمن الوقائي، محمد دحلان، إلى جامعة كامبردج ليتعلّم اللغة الإنكليزية على أيدي ثلاثة من المختصين في إحدى أكبر وأغلى الجامعات في العالم وتحت الحراسة الأمنية. وأقام في فندق كارلتون تاور بكامبردج ذي الإقامة المرتفعة الثمن. فمن دفع له الفاتورة؟
يتضح مما سبق أن تمويل محمد دحلان يعتمد على المصادر التالية: تحصيل الضرائب الفلسطينية، احتكاره لبعض السلع الأساسية التي تدخل لقطاع غزة، مساعدات أمريكية وأوروبية هائلة، استيلاؤه على أموال وأراض فلسطينية، وفرض خوات على رجال الأعمال والتجار والأتاوات.
العلاقة بين دحلان وعرفات.. من التزلف واضطهاد الخصوم إلى الانقلاب
الإنذار الذي وجّهه محمد دحلان لعرفات بضرورة (الإصلاح) قبل العاشر من شهر آب/أغسطس 2004 و"إلا فإن تيار (الإصلاح الديمقراطي) في حركة "فتح" سيستأنف الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد"، هذا الإنذار فاجأ الكثير من المطلعين على العلاقة التي كانت تجمع عرفات بدحلان، وتحرّك الأخير ضدّ كل من كان ينتقد (الرمز) عرفات، وتعذيبهم بحجّة أن الهدف من نقدهم هو نزع الشرعية عن (القيادة التاريخية) للشعب الفلسطيني.
من المعروف والشائع لدى الفلسطينيين الذين كانوا في تونس أن محمد دحلان كان من أكثر المتزلّفين لياسر عرفات بين كل من خدم في مكاتب منظمة التحرير بتونس، حتى أصبح "دحلان" حديث الفلسطينيين هناك لما أثاره من اشمئزاز لدى العديد منهم لكثرة تزلّفه لعرفات.
وتشير بعض القيادات الفلسطينية بأنه لو لم يكن "دحلان" بهذا التزلّف لما وصل إلى ما هو عليه، خاصة وأنه تسلّم الأمن الوقائي في غزة وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، ولا يملك أي خبرة سياسية أو عسكرية تؤهله لهذا المنصب.
في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2001 فاجأ محمد دحلان الجميع بشدّة دفاعه عن عرفات، يوم كان يتعرّض لنقدٍ من الإصلاحيين في الشعب الفلسطيني، وقال "دحلان" إن المحاولات الإسرائيلية –لاحظ الإسرائيلية- لنزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هي محاولات يائسة وستبوء بالفشل.
وأشار "دحلان" في نفس المؤتمر الصحفي أن "الرئيس عرفات هو أقدر من يدير دفة العمل الفلسطيني، وعندما فشلت (إسرائيل) في تركيع الشعب الفلسطيني بدأت بث سمومها وأحلامها، وإن الشعب الفلسطيني بكل توجهاته السياسية يقف خلف الرئيس عرفات".
وأكّد "دحلان" أن "الفلسطينيين لا يتحرّكون إلا بقرار الرئيس عرفات، وإذا اعتقدت (إسرائيل) أن هناك أحداً في الشعب الفلسطيني يمكنه الالتفاف على قرار الرئيس عرفات فهي واهمة".
ولم يكتف "دحلان" بهذا القدر من الابتذال بل استمرّ في نفس التصاريح المتزلّفة التي كان يطلقها منذ أن كان في تونس فقال: "إن الرئيس عرفات هو أكثر المتمسكين بالحقوق الفلسطينية، وإذا كان لدى (إسرائيل) أوهام بأن تجد قادة فلسطينيين تتلاءم أفكارهم مع أفكارها، فمصير تلك الأفكار وأولئك الأشخاص إلى مزبلة التاريخ". وأضاف "دحلان" أن الرئيس عرفات قادر على صنع السلام لكن ليس السلام الإسرائيلي، إنما السلام القائم على تنفيذ الشرعية الدولية، لكن أن يطلبوا من الرئيس عرفات أن ينفذ الالتزامات في الوقت الذي تستمر فيه (إسرائيل) بالقتل والعدوان ودخول المناطق، فهذا غير عادل وغير مقبول، كما قال.
وختم "دحلان" قوله: "الإسرائيليون إن أرادوا التوصل إلى سلام حقيقي مع الشعب الفلسطيني فعليهم بالتفاوض مع ياسر عرفات، أما بحثهم عن بدائل أخرى فهذه أوهام".
تمادى "دحلان" في تزلفه لعرفات حتى وصل به الأمر إلى تحريمه انتقاد عرفات وذلك في مقال له في صحيفة "الغارديان" البريطانية بتاريخ 2/7/2002، حين قال: "سيكون من الخطأ انتقاد عرفات أو استبداله في وقت هو محاصر في الضفة الغربية". ويضيف "دحلان" "لا مجال للحديث عن تغيير القيادة في ظل هذه الظروف.. سأقف في صف عرفات طالما يقف ضده الإسرائيليون.. مهما كانت تحفظاتي على القرارات التي اتخذت".
لم يطل المقام بدحلان حتى انتقل بمواقفه من عرفات مائة وثمانين درجة، متغافلاً عن التصاريح السابقة في تمجيد (الرمز)، مستشعراً أن الانتقادات الإسرائيلية والأميركية ضد عرفات فرصة لا تُعوّض للانقلاب الذي طالما حلم به وخطّط له في لقاءاته الأمنية المتكرّرة مع القادة الإسرائيليين، والرسالة التالية تشير لماذا انقلب "دحلان" على عرفات.
في 13/7/2003 وجّه محمد دحلان رسالة إلى شاؤول موفاز يقول فيها: "إن السيد عرفات أصبح يَعد أيامه الأخيرة، ولكن دعونا نذيبه على طريقتنا وليس على طريقتكم، وتأكدوا أيضاً أن ما قطعته على نفسي أمام الرئيس بوش من وعود فإنني مستعد لأدفع حياتي ثمناً لها". ويضيف دحلان "الخوف الآن أن يقدم ياسر عرفات على جمع المجلس التشريعي ليسحب الثقة من الحكومة، وحتى لا يقدم على هذه الخطوة بكل الأحوال لا بد من التنسيق بين الجميع لتعريضه لكل أنواع الضغوط حتى لا يُقدم على مثل هذه الخطوة".
في اجتماع عقده محمد دحلان مع نخبة من رؤساء التحرير والكتاب في الأردن بتاريخ 29/7/2004 شنّ هجوماً لا هوادة فيه على عرفات، فقال: "لقد طعنني في وطنيتي بعد أن رتبْت له استقبالاً جماهيرياً لدى وصوله إلى غزة.. صارت لدي رغبة في التحدي (...) ما بطلعله لا هو ولا غيره أن يخونني". إضافة إلى سيل من الانتقادات وجّهها "دحلان" ضدّ عرفات في عدد من المجالس الخاصة والعامة.
قيادات "فتح": من مع "دحلان"؟
"دحلان" وفي سبيل حشد أكبر قدر ممكن من الدعم الجماهيري والفتحاوي لما يدعيه بمحاولة الإصلاح ومحاربة الفساد أحاط نفسه بعدد من القيادات الفتحاوية ومسؤولي السلطة والأجهزة الأمنية، على رأس هؤلاء وقف العقيد سمير المشهراوي عضو اللجنة الحركية العليا لحركة "فتح" ومستشار وزارة الداخلية في غزة.
هناك من يرى في العقيد المشهراوي أنه يمثل واجهة محمد دحلان المقبولة لدى تنظيم "فتح" والجمهور الفلسطيني، كونه من "القيادات النظيفة" إلى حد ما -حسبما يرى بعض المراقبين- وقد أمضى عدة سنوات في السجون الصهيونية وتقلد العديد من المناصب والمسؤوليات في حركة "فتح"، وعمل مراقباً على جهاز الأمن الوقائي، واعتبر مؤخراً المنظر الرئيسي لما يسمى بتيار الإصلاح في السلطة.
أما العقيد رشيد أبو شباك رئيس جهاز الأمن الوقائي بقطاع غزة فهو من يقف وبقوة مع "دحلان"، كيف لا و"دحلان" هو من عيّنه لخلافته في رئاسة جهاز الأمن الوقائي عقب استقالته عام 2002، بعد أن شغل منصب نائب رئيس جهاز الأمن الوقائي لدحلان لسنوات.
أبو شباك من مواليد عام 1954 وتنحدر أصوله من قرية "الخصاص" قضاء المجدل وحاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، انتمى لحركة "فتح" عام 1971 واعتقل عدة مرات في سجون الاحتلال الصهيوني من عام 1972 وحتى عام 1990 إلى أن أصبح مطارداً لقوات الاحتلال عام 1990 على خلفية تشكيله الذراع العسكري لحركة فتح "الفهد الأسود"، وفي عام 1991 غادر إلى تونس وعمل هناك في لجنة الإشراف على قطاع غزة إلى أن عاد للقطاع عام 1994وأصبح عضواً في اللجنة الحركية العليا لفتح، وعمل نائباً لدحلان في إدارة الأمن الوقائي إلى أن تولى مسؤولية الجهاز عقب استقالة الدحلان، وفي فترة حكومة محمود عباس "أبو مازن" أصبح مديراً عاماً للأمن الوقائي في الضفة وغزة.
إلى ذلك فإن هناك عدداً من قيادات "فتح" وأجهزة السلطة يعتبرون من "مجموعة دحلان" منهم عبد العزيز شاهين وزير التموين في السلطة الفلسطينية والذي تدور حوله أحاديث عن تورطه في الفساد ونهب المال العام وعلاقته بالطحين الفاسد الذي وزع في غزة.
ومن القيادات الموالية لدحلان ولكنه يفتقد لأي شعبية جماهيرية سفيان أبو زايدة وزير الأسرى والمحررين في السلطة، وهو عضو لجنة حركية عليا لحركة "فتح"، وقد أمضى عدة سنوات في سجون الاحتلال وشغل أكثر من منصب في السلطة.
وهناك أيضاً العقيد ماجد أبو شمالة عضو اللجنة الحركية العليا لفتح والذي استقال من رئاسة جهاز المباحث الجنائية التابع للشرطة الفلسطينية.
وقد استطاع "دحلان" استمالة أوساط واسعة من مؤيدي وقادة الشبيبة الفتحاوية في غزة من خلال إغداق الأموال والمناصب عليهم، وبات معروفاً أن عبد الحكيم عوض مثلاً وهو مسئول الشبيبة في غزة ومعظم قادة الشبيبة ومؤيديها من رجالات "دحلان"، بل إنهم سخّروا الإذاعة المحلية في غزة "صوت الشباب" الناطقة باسم الشبيبة، لدحلان وما يسمى بالإصلاحيين.