61-
يقول الشاعر أحمد شوقي في الثقلاء:
سقت الثقيل من السفينة في الدجى .. فبكى الرفاق لفقده وترحموا
حتى إذا طلع النهار أتت به ..... نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالما ........ لم أبتلعه لأنه لا يهضم
62-
وقال أعرابي يذكر غرماء له:
جاؤوا إليّ غضابا يلغطون معا=يشفي أذاتهم أن غاب أنصاري
لما أبوا جهرة إلا ملازمتي=أجمعت مكرا بهم في غير إنكار
وقلت إني سيأتيني غدا جلبي= وأن موعدكم دار ابن هبار
وما أواعدهم إلا لأربثهم=عني فيحرجني نقضي وإمراري
وما جلبت إليهم غير راحلة=تخدي برحلي وسيف جفنه عاري
إن القضاء سيأتي دونه زمن=فاطو الصحيفة واحفظها من الفار
63_
أبيات للقراءة فقط ولسنا مقتنعين بها، بل علينا أن نغير النظرة لما تحتويها:
من كانَ يملكُ درهمينِ تعلمتْ = شفتاه أنواعَ الكلامِ فقالا
وَتقَدَّمَ الفصحاءَ فاستمعوا له = ولرأيتُه بين الورى مُخْتالا
لولا دراهمُهُ التي في كيسِهِ = لرأيته شَرَّ البريةِ حالا
إِن الغنيَّ إِذا تكلمَ كاذباً = قالوا: صدقْتَ وما نطقْتَ مُحالا
وإِذا الفقيرُ أصابَ قالوا: لم = يُصِبْ وكذبْتَ ياهذا وقُلْتَ ضلالا
إِن الدراهمَ في المواطنِ كُلِّها = تكسو الرجالَ مَهابةً وجلالا
فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً = وهي السلاحُ لمن أرادَ قِتالا
64-
جاءَها خاطباً وبينَ يديهِ =لاحَ عِزريلُ منذراً وقريبا
وتصدى لها فصدتْ وقالتْ= قبحَ الشيخُ أن يكون حبيبا
قال هذا المشيبُ نورٌ فقالتْ =أوقدوا في السراجِ هذا المشيبا
قال إني أبو العجائبِ قالتْ =وعجيبٌ أن لا تكون عجيبا
يا أبا الهولِ يا أخا الهرمِ الأك= برِ حسبي فقد كفاكَ عيوبا
يا نذيرَ المماتِ يا وجعةَ القل=بِ متى كنتَ للقلوبِ طبيبا
أنتَ كالبدرِ غيرَ أنكَ ممحو= قٌ وكالشمسِ أوشكتْ ان تغيبا
وجديرٌ بمن يؤملُ في المو =تِ حياةً يحيى بها أن يخيبا
56-
ولأبي إسحاق الصابي في البق:
وليلةٍ لم أذق من حرها وسناً= كأن في جوها النيران تشتعل
أطاف بي عسكرٌ للبق ذو لجب= ما فيه إلا شجاعٌ فاتكٌ بطل
من كل شائلة الخرطوم طاعنةٍ= لا تحجب السجف مسراها ولا الكلل
طافوا علينا وحر الشمس يطبخنا= حتى إذا نضجت أجسادنا أكلوا
66-
من أملح ما قيل في ذم الطفيلي قول السلمي:
لو طبخت قدرٌ بمطمورةٍ = بالشام أو أقصى حدود الثغور
وأنت بالصين لوافيتها = يا عالم الغيب بما في القدور
67-
إذا ما جئتَ أحمدَ مستميحاً ... فلا يغررك منظرهُ الأنيقُ
له عرفَ وليس لديه عرفٌ ... كبارقةٍ تروق ولا تريقُ
فما يخشى العدوُّ لهُ وعيداً ... كما بالوعدِ لا يثقُ الصديقُ
68-
يقول الشاعر
أسعد رستم (شاعرلبناني)
والمعذرة ممن عنده عذر التمشيط
لصديقنا في رأسه صحراء جفت فلا عشب بها أو ماء
وكانها الميدان من بعد الوغى فنيَ الجميع فما بها أحياء
كصحيفة البلوْر يلمع سطحهاولها بياض ناصع وضياء
في الليل لا يحتاج قنديلاً فمِن اشراقها تتبدد الظلماء
ولقد سمعناه يقول ودمعه يجري فيعمي مقلتيه بكاء
كم من دوا للشعر قد جربته يوما فراح سدى وظل الداء
يا حسرتي ذهب الشباب وكان لي فيه مآثرُ جمةٌ غراء
أسفاه مالي في الحياة مطامع فأنا وسكان القبور سواء
قلنا له مهلاً لم هذا البكا فاسمع ففي هذا الكلام عزاء
ان زال شعرك وابتليت بصلعة فلأن فيك نباهة وذكاء
فأجاب لا شرفاً اريد ولا علا هل لديكم للشعور دواء
قلنا نعم زبل يرش فإنما بالزبل تحيا الروضة الغناء
69-
قال ابن الرومي ويا شدما أضحكتني هذه الأبيات:
لو تلّففتَ في كساء الكسائي = وتلبست فروة الفرّاءِ
وتخّللتَ بالخليل وأضحى = سيبويه لديك رهنَ سباءِ
وتكوّنتَ من سوادِ أبي الأسودِ شخصاً , يُكنى أبا السوداءِ
لأبى الله أن يعدّكَ أهل العلـمِ إلا من جملة الأغبياءِ
70-
كان أبو الفتح كشاجم يمتلك سكينًا نفيسةً لبري الأقلام، فطمع فيها كاتبٌ أديبٌ فسرقها فرثاها أبو الفتح بقصيدةٍ منها الأبيات التالية:
يا قاتل الله كتاب الدواوين = ما يستحلون مِن سرْق السكاكين
لقد دهاني لطيف منهمو خَتِل = في ذات حد كحد السيف مسنون
فابتزنيها، ولم أشعر به عبثًا = ولستُ- لو ساءني ظنٌّ- بمغبون
كانت تقوم أقلامي وتنحفها = بريًا، وتسخطها قَطّا فترضيني
هيفاء مرهفةً، بيضاء مذهبةً = قال الإله لها- سبحانه- كوني
كأنها حين يشجيني تذكرها = في القلب مني، وفي الأحشاء تفريني
71-
للشاعر المصري محمود غنيم عندما دعاه أحد أصدقائه مرة إلى مأدبة في سفح الهرم، وذبح له ديكاً هزيلاً، فلم ينج هذا الصديق من مداعبات الشاعر، فكتب قصيدة يقول فيها:
يا صاح مالك والكرم=
البخل طبعك من قدم
شهدت ببخلك ليلة=
قمراء في سفح الهرم
تباً لديكك يا أخي=
هضم الحديد وما انهضم
ديك هزيل الجسم=
تركله الجرادة بالقدم
في دولة الأدياك كان=
من السعاة أو الخدم
خلناه في الأطباق=
رسماً بالمداد وبالقلم
جلد يحيط بأعظم=
لا لحم فيه ولا دسم
72.
قال أعرابي يصف ليل البراغيث:):
ليلُ البراغيث أعياني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيثِ
كأنهنّ وجلدي إذ خلونَ به ... قضاةُ سوءٍ أعاثوا في المواريثِ
73-
أحد شعراء العصر العباسي الأول هو الشاعر أحمد بن يوسف الكاتب كان له صديقاً؛ وكان لصديقه هذا أخ اسمه عبدالحميد، كان الشاعر لا يحبه، وكان يصارح صديقه بهذا الشعور. وكان لصديقه هذا ببغاء نفقت، فأنشد يواسيه في فقد الببغاء مع الإشارة لأخيه:
أنت تبقي ونحن طرّا فداك أحسن الله ذو الجلال عزاكا
فلقد جلّ بخطب دهر أتانا بمقادير أتلفت ببغاكا
عجباً للمنون كيف أتتها وتخطّت عبدالحميد أخاكا
كان عبدالحميد أصلح للموت من الببغاء وأولي بذاكا
شملتنا المصيبتان جميعاً: فقدنا هذه ورؤية ذاكا
74-
واشتري الشاعر فواز حجّو تذكرة يانصيب آملاً أن يفوز بالجائزة، بل خطّط في أحلام يقظة لمرحلة ما بعد الفوز من مشاريع وأعمال تجارية. ولما لم يحالفه الحظ كتب نصاً سمّاه "ورقة يانصيب وأحلام زبّال" جاء فيه:
عقدت عليك آمالي ورحت أجرّ أذيالي
وقلت غداً ستثريني وتصلح فيك أحوالي
وأربح فيك جائزة تعبيء جيبي الخالي
وأبني ألف مشروع وألفي مصنع آلي
وتصبح ثروتي العظمي تضاهي ثروة الوالي
ولكن يا لسوء الحظ خابت فيك آمالي
وحين أفقتُ من حلمي وعدتُ لواقعي الحالي
وجدت فخامتي الحمقاء عليها ثوب زبّال
75-
ومن الشعراء الصعاليك أبو الحسين الجّزار، الذي كانت لوالده زوج عجوز اعتقد أنها السبب في هلاكه، فأنشد:
أذابت كلي الشيخ تلك العجوز وأردته أنفاسها المرديه
وقد كان أوصي لها بالصداق فما في مصيبته تعزيه
لأني ما خلت أن القتيل يوصي لقاتله بالديه
76-
وكتب جورج صيدح (1893-1978م) مدافعاً عن صلعته:
صلعة الخير لا أصابتك عين من عيون الحساد
إن لي صلعة أجلّ من الشيب وأحري بمدحة القراظ
يشتهي المشط أن يمر عليها بخطوط دقيقة أو غلاظ
ما أنا الأصلع الوحيد فيهجو صلعتي كل شاعر مغتاظ
77-
ودخل أحد أصدقاء الشاعر أبو العباس النامي، أحد شعراء العصر العباسي، عليه، فرأي آخر شعرة سوداء في رأسه، وأبدي ملاحظته تلك. فأجابه: نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها، وقال:
رأيت في الرأس شعرة بقيت سوداء تهوي العيون رؤيتها
فقلت للبيض إذ تروِّعها بالله ألا رحمت غربتها
فقلّ لبث السوداء في وطن تكون فيه البيضاء ضرتها
78-
أما بيرم التونسي (1893-1961) فقد كتب يلخص حادثة في أبيات طريفة:
حطّوا الغفير علي الدكان يحرسه فباعه جملة لا بيع قطاعي
جاء الحرامي له ليلاً وقاوله علي الذي فيه من مال وأبضاع
والصبح جاء إلي الدكان صاحبه فلم يجد غير السقف والقاع
قال المعاون شغل ليس تعرفه فاللص لا يسرق المستيقظ الواعي
79-
وقال كمال الدين بن الأعمى، من شعراء العهد الأيوبي، يذم داراً سكنها:
دارٌ سكنت بها أقل صفاتها أن تكثر الحسرات من حشراتها
الخيرُ عنها نازح متباعد والشر دانٍ من جميع جهاتها
وبها خفافيش تطير نهارها مع ليلها ليست علي عاداتها
وبها قراد لا اندمال لجرحها لا يفعل المِشراط مثل أداتها
وبها من الجرذان ما قد قصرت عنه العتاق الجرذ في حملاتها
وبها خنافس كالطنافس أفرشت في أرضها وعلت علي جنباتها
80-
كذلك، شكا أبو بكر الصولي، من شعراء العصر العباسي الثاني، من البق والبراغيث التي عاشت معه في داره:
قد مُنينا بهنات هُن من شر الهنات
نافراتٌ آمرات قلقاتٌ مقلقات
سافكاتٌ لدماء الناس منها شاربات
معنا في الفراش والقمص علينا واثبات
باسطاتٌ باحثاتٌ صائداتٌ قاتلات
طعنها في الأبدان من طعن الكُماة
إضافة لتصوير الأمر بأبيات ساخرة، اقتبس الشاعر السجع الذي ورد في الآية الكريمة "عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وابكارا"
81-
وكان بين الشاعرين السوريين سعيد قندقجي وعلي دمّر مبادلات شعرية ساخرة. نزلا ذات مرة في غرفة واحدة في فندق في دمشق. وكان من عادة سعيد النوم متاخرا ومن عادة علي النوم مبكراً والاستيقاظ مبكرا، وكان يغيظه طبع صديقه فكتب ذات مرة يخاطبه وهو نائما:
يا جملا مُمددا اليوم تصحو أم غدا
قد ضج من شخيرك الفندق وارتاع العِدا
تشخر من فوق ومن تحت ترجّ الأعمدا
وإن تقلبت عوي السرير يبغي منجدا
وإن أتي الجرسون ولي هارباً مرتعدا
قم يا سعيد إن صبر الناس خوفا نفدا
حديقة الحيوان تشكو النقص تبغي عددا
يقول الشاعر أحمد شوقي في الثقلاء:
سقت الثقيل من السفينة في الدجى .. فبكى الرفاق لفقده وترحموا
حتى إذا طلع النهار أتت به ..... نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالما ........ لم أبتلعه لأنه لا يهضم
62-
وقال أعرابي يذكر غرماء له:
جاؤوا إليّ غضابا يلغطون معا=يشفي أذاتهم أن غاب أنصاري
لما أبوا جهرة إلا ملازمتي=أجمعت مكرا بهم في غير إنكار
وقلت إني سيأتيني غدا جلبي= وأن موعدكم دار ابن هبار
وما أواعدهم إلا لأربثهم=عني فيحرجني نقضي وإمراري
وما جلبت إليهم غير راحلة=تخدي برحلي وسيف جفنه عاري
إن القضاء سيأتي دونه زمن=فاطو الصحيفة واحفظها من الفار
63_
أبيات للقراءة فقط ولسنا مقتنعين بها، بل علينا أن نغير النظرة لما تحتويها:
من كانَ يملكُ درهمينِ تعلمتْ = شفتاه أنواعَ الكلامِ فقالا
وَتقَدَّمَ الفصحاءَ فاستمعوا له = ولرأيتُه بين الورى مُخْتالا
لولا دراهمُهُ التي في كيسِهِ = لرأيته شَرَّ البريةِ حالا
إِن الغنيَّ إِذا تكلمَ كاذباً = قالوا: صدقْتَ وما نطقْتَ مُحالا
وإِذا الفقيرُ أصابَ قالوا: لم = يُصِبْ وكذبْتَ ياهذا وقُلْتَ ضلالا
إِن الدراهمَ في المواطنِ كُلِّها = تكسو الرجالَ مَهابةً وجلالا
فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً = وهي السلاحُ لمن أرادَ قِتالا
64-
جاءَها خاطباً وبينَ يديهِ =لاحَ عِزريلُ منذراً وقريبا
وتصدى لها فصدتْ وقالتْ= قبحَ الشيخُ أن يكون حبيبا
قال هذا المشيبُ نورٌ فقالتْ =أوقدوا في السراجِ هذا المشيبا
قال إني أبو العجائبِ قالتْ =وعجيبٌ أن لا تكون عجيبا
يا أبا الهولِ يا أخا الهرمِ الأك= برِ حسبي فقد كفاكَ عيوبا
يا نذيرَ المماتِ يا وجعةَ القل=بِ متى كنتَ للقلوبِ طبيبا
أنتَ كالبدرِ غيرَ أنكَ ممحو= قٌ وكالشمسِ أوشكتْ ان تغيبا
وجديرٌ بمن يؤملُ في المو =تِ حياةً يحيى بها أن يخيبا
56-
ولأبي إسحاق الصابي في البق:
وليلةٍ لم أذق من حرها وسناً= كأن في جوها النيران تشتعل
أطاف بي عسكرٌ للبق ذو لجب= ما فيه إلا شجاعٌ فاتكٌ بطل
من كل شائلة الخرطوم طاعنةٍ= لا تحجب السجف مسراها ولا الكلل
طافوا علينا وحر الشمس يطبخنا= حتى إذا نضجت أجسادنا أكلوا
66-
من أملح ما قيل في ذم الطفيلي قول السلمي:
لو طبخت قدرٌ بمطمورةٍ = بالشام أو أقصى حدود الثغور
وأنت بالصين لوافيتها = يا عالم الغيب بما في القدور
67-
إذا ما جئتَ أحمدَ مستميحاً ... فلا يغررك منظرهُ الأنيقُ
له عرفَ وليس لديه عرفٌ ... كبارقةٍ تروق ولا تريقُ
فما يخشى العدوُّ لهُ وعيداً ... كما بالوعدِ لا يثقُ الصديقُ
68-
يقول الشاعر
أسعد رستم (شاعرلبناني)
والمعذرة ممن عنده عذر التمشيط
لصديقنا في رأسه صحراء جفت فلا عشب بها أو ماء
وكانها الميدان من بعد الوغى فنيَ الجميع فما بها أحياء
كصحيفة البلوْر يلمع سطحهاولها بياض ناصع وضياء
في الليل لا يحتاج قنديلاً فمِن اشراقها تتبدد الظلماء
ولقد سمعناه يقول ودمعه يجري فيعمي مقلتيه بكاء
كم من دوا للشعر قد جربته يوما فراح سدى وظل الداء
يا حسرتي ذهب الشباب وكان لي فيه مآثرُ جمةٌ غراء
أسفاه مالي في الحياة مطامع فأنا وسكان القبور سواء
قلنا له مهلاً لم هذا البكا فاسمع ففي هذا الكلام عزاء
ان زال شعرك وابتليت بصلعة فلأن فيك نباهة وذكاء
فأجاب لا شرفاً اريد ولا علا هل لديكم للشعور دواء
قلنا نعم زبل يرش فإنما بالزبل تحيا الروضة الغناء
69-
قال ابن الرومي ويا شدما أضحكتني هذه الأبيات:
لو تلّففتَ في كساء الكسائي = وتلبست فروة الفرّاءِ
وتخّللتَ بالخليل وأضحى = سيبويه لديك رهنَ سباءِ
وتكوّنتَ من سوادِ أبي الأسودِ شخصاً , يُكنى أبا السوداءِ
لأبى الله أن يعدّكَ أهل العلـمِ إلا من جملة الأغبياءِ
70-
كان أبو الفتح كشاجم يمتلك سكينًا نفيسةً لبري الأقلام، فطمع فيها كاتبٌ أديبٌ فسرقها فرثاها أبو الفتح بقصيدةٍ منها الأبيات التالية:
يا قاتل الله كتاب الدواوين = ما يستحلون مِن سرْق السكاكين
لقد دهاني لطيف منهمو خَتِل = في ذات حد كحد السيف مسنون
فابتزنيها، ولم أشعر به عبثًا = ولستُ- لو ساءني ظنٌّ- بمغبون
كانت تقوم أقلامي وتنحفها = بريًا، وتسخطها قَطّا فترضيني
هيفاء مرهفةً، بيضاء مذهبةً = قال الإله لها- سبحانه- كوني
كأنها حين يشجيني تذكرها = في القلب مني، وفي الأحشاء تفريني
71-
للشاعر المصري محمود غنيم عندما دعاه أحد أصدقائه مرة إلى مأدبة في سفح الهرم، وذبح له ديكاً هزيلاً، فلم ينج هذا الصديق من مداعبات الشاعر، فكتب قصيدة يقول فيها:
يا صاح مالك والكرم=
البخل طبعك من قدم
شهدت ببخلك ليلة=
قمراء في سفح الهرم
تباً لديكك يا أخي=
هضم الحديد وما انهضم
ديك هزيل الجسم=
تركله الجرادة بالقدم
في دولة الأدياك كان=
من السعاة أو الخدم
خلناه في الأطباق=
رسماً بالمداد وبالقلم
جلد يحيط بأعظم=
لا لحم فيه ولا دسم
72.
قال أعرابي يصف ليل البراغيث:):
ليلُ البراغيث أعياني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيثِ
كأنهنّ وجلدي إذ خلونَ به ... قضاةُ سوءٍ أعاثوا في المواريثِ
73-
أحد شعراء العصر العباسي الأول هو الشاعر أحمد بن يوسف الكاتب كان له صديقاً؛ وكان لصديقه هذا أخ اسمه عبدالحميد، كان الشاعر لا يحبه، وكان يصارح صديقه بهذا الشعور. وكان لصديقه هذا ببغاء نفقت، فأنشد يواسيه في فقد الببغاء مع الإشارة لأخيه:
أنت تبقي ونحن طرّا فداك أحسن الله ذو الجلال عزاكا
فلقد جلّ بخطب دهر أتانا بمقادير أتلفت ببغاكا
عجباً للمنون كيف أتتها وتخطّت عبدالحميد أخاكا
كان عبدالحميد أصلح للموت من الببغاء وأولي بذاكا
شملتنا المصيبتان جميعاً: فقدنا هذه ورؤية ذاكا
74-
واشتري الشاعر فواز حجّو تذكرة يانصيب آملاً أن يفوز بالجائزة، بل خطّط في أحلام يقظة لمرحلة ما بعد الفوز من مشاريع وأعمال تجارية. ولما لم يحالفه الحظ كتب نصاً سمّاه "ورقة يانصيب وأحلام زبّال" جاء فيه:
عقدت عليك آمالي ورحت أجرّ أذيالي
وقلت غداً ستثريني وتصلح فيك أحوالي
وأربح فيك جائزة تعبيء جيبي الخالي
وأبني ألف مشروع وألفي مصنع آلي
وتصبح ثروتي العظمي تضاهي ثروة الوالي
ولكن يا لسوء الحظ خابت فيك آمالي
وحين أفقتُ من حلمي وعدتُ لواقعي الحالي
وجدت فخامتي الحمقاء عليها ثوب زبّال
75-
ومن الشعراء الصعاليك أبو الحسين الجّزار، الذي كانت لوالده زوج عجوز اعتقد أنها السبب في هلاكه، فأنشد:
أذابت كلي الشيخ تلك العجوز وأردته أنفاسها المرديه
وقد كان أوصي لها بالصداق فما في مصيبته تعزيه
لأني ما خلت أن القتيل يوصي لقاتله بالديه
76-
وكتب جورج صيدح (1893-1978م) مدافعاً عن صلعته:
صلعة الخير لا أصابتك عين من عيون الحساد
إن لي صلعة أجلّ من الشيب وأحري بمدحة القراظ
يشتهي المشط أن يمر عليها بخطوط دقيقة أو غلاظ
ما أنا الأصلع الوحيد فيهجو صلعتي كل شاعر مغتاظ
77-
ودخل أحد أصدقاء الشاعر أبو العباس النامي، أحد شعراء العصر العباسي، عليه، فرأي آخر شعرة سوداء في رأسه، وأبدي ملاحظته تلك. فأجابه: نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها، وقال:
رأيت في الرأس شعرة بقيت سوداء تهوي العيون رؤيتها
فقلت للبيض إذ تروِّعها بالله ألا رحمت غربتها
فقلّ لبث السوداء في وطن تكون فيه البيضاء ضرتها
78-
أما بيرم التونسي (1893-1961) فقد كتب يلخص حادثة في أبيات طريفة:
حطّوا الغفير علي الدكان يحرسه فباعه جملة لا بيع قطاعي
جاء الحرامي له ليلاً وقاوله علي الذي فيه من مال وأبضاع
والصبح جاء إلي الدكان صاحبه فلم يجد غير السقف والقاع
قال المعاون شغل ليس تعرفه فاللص لا يسرق المستيقظ الواعي
79-
وقال كمال الدين بن الأعمى، من شعراء العهد الأيوبي، يذم داراً سكنها:
دارٌ سكنت بها أقل صفاتها أن تكثر الحسرات من حشراتها
الخيرُ عنها نازح متباعد والشر دانٍ من جميع جهاتها
وبها خفافيش تطير نهارها مع ليلها ليست علي عاداتها
وبها قراد لا اندمال لجرحها لا يفعل المِشراط مثل أداتها
وبها من الجرذان ما قد قصرت عنه العتاق الجرذ في حملاتها
وبها خنافس كالطنافس أفرشت في أرضها وعلت علي جنباتها
80-
كذلك، شكا أبو بكر الصولي، من شعراء العصر العباسي الثاني، من البق والبراغيث التي عاشت معه في داره:
قد مُنينا بهنات هُن من شر الهنات
نافراتٌ آمرات قلقاتٌ مقلقات
سافكاتٌ لدماء الناس منها شاربات
معنا في الفراش والقمص علينا واثبات
باسطاتٌ باحثاتٌ صائداتٌ قاتلات
طعنها في الأبدان من طعن الكُماة
إضافة لتصوير الأمر بأبيات ساخرة، اقتبس الشاعر السجع الذي ورد في الآية الكريمة "عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وابكارا"
81-
وكان بين الشاعرين السوريين سعيد قندقجي وعلي دمّر مبادلات شعرية ساخرة. نزلا ذات مرة في غرفة واحدة في فندق في دمشق. وكان من عادة سعيد النوم متاخرا ومن عادة علي النوم مبكراً والاستيقاظ مبكرا، وكان يغيظه طبع صديقه فكتب ذات مرة يخاطبه وهو نائما:
يا جملا مُمددا اليوم تصحو أم غدا
قد ضج من شخيرك الفندق وارتاع العِدا
تشخر من فوق ومن تحت ترجّ الأعمدا
وإن تقلبت عوي السرير يبغي منجدا
وإن أتي الجرسون ولي هارباً مرتعدا
قم يا سعيد إن صبر الناس خوفا نفدا
حديقة الحيوان تشكو النقص تبغي عددا