28-
لأبي محمد الصوري هذه الأبيات الطريفة والظريفة:.....
وفتى مسَّه نزولي بقرح = مثل ما مسَّني من الجوع قَرْحُ
بتُّ ضيفاً لهُ كما حكم الدَّ = هر وفي حكمه على المرء قبحُ
فابتداني يقول وهو من ال = حيرة والبغض طافح ليس يصحو
لم تغرَّبتَ قلت قال رسول ال = له والقولُ منه نُجح ونصحُ
سافروا تغنموا فقال وقد قا = ل تمام الحديث صوموا تصحُّوا
29-
وقال بعض الشعراء في بخيل:
أرى ضيفك في الدار **** وكرب الموت يغشاه
على خبزك مكتوب **** فسيكفيكهم الله
30-
ومن ذلك قصيدة لنور الدين أبي بكر محمد بن رستم الأسعردي، رحمه الله تعالى تحمل من الفواكه والدعابة مع شيء من الوعظ:
إني أقصُّ عليك أعجب ما يُرى = منْ صُنع ربّي جلّ مَنْ قدْ قدّرا
فاسمعْ وعاينْ سَقْفَ بيتِك ساعةً = تَرَ تحته ثوراً سميعاً مُبصِرا
وانظرْ الى الماء الزلالِ تجدْ بهِ = كلباً وليس تراه أن يتكدَّرا
إن شئت أن تلقى حماراً ناطِقاً = فانظرْ بمرآةٍ تجدْهُ مصوَّرا
طالعْ كِتاباً إنْ خلوْتَ بمجلسٍ = ترَ ثَمَّ شيطاناً يطالِعُ أسطرا
واصعَدْ الى سطحٍ وغمّضْ ناظراً = لك إنّ فوق السطح تيساً أعورا
والبس ثيابكَ واقر آياتٍ تجدْ = من تحتها تيساً هنالك قد قَرا
وإذا حضرتَ الحربَ وَلِّ عنِ العِدى=تَرَ ثَمّ صفعاناً يولّي مُدْبِرا
ومتى شرِبَْ مدامةً بين الورى = ترَ جاهلاً في الناسِ يشربُ مُسْكِرا
وإذا لُعنْتَ وأنت تحسبُه دعا = ترَ أحمقاً لعنوه ثَمّ وما دَرى
يا غادياً ينوي التزهّد بعدما = أفنى الزمان من الشباب الأكبرا
لا تخرِبَنّ الوجه منك بذلةٍ= فخراب وجهك في الورى أن يُعْمَرا
لو كان رزقك يا كثير الحرص في = جُحْر أكلتَ ولن يكون مُقَتَّرا
كُنْ مثلَ مَنْ في الناسِ قوّى دينَهُ = وغدا حِمَى راجيهِ إن سُئِلَ القِرى
وينافِرونَك معْشرٌ من جهلهم = ولأنت أجهل إن سمعت المنكرا
هوّنْ إذا ضحك الأنام عليك في = الدنيا سيبكيك الذي فيها جرى
إن كُنتَ للصلواتِ في أوقاتها = تَنْسى كثيراً فاجتهدْ أن تَذكُرا
يا بئس ما صنعتْ يداك وما سعتْ = رجلاك في قطع المفاوز تذْكُر
ما هذه الدنيا بدارِ سلامةٍ = لابدّ يوماً أنْ تبيتَ مُكَسَّرا
يقسو عليها عالم بصروفها = وتروق مَنْ أعمته عن أن يُبْصِرا
لابدّ من بعثٍ فكن متيقظاً= واصنعْ له عملاً، ومن أن تُنْشَرا
وترى جهنمَ والصراطَ مُهيّأ = في وسطها وترى عليها مُعْسِرا
ويدُسّ رأس كبيرِهم وصغيرِهم = في قعرها حتى استفكَّكَ شافِعٌ لن ينكرا
يجري على خديك دمْعُك عند ذكر = الحش لا أُنسيتَ ذاك المحشرا
بِتْ نائماً متيقّظاً واذْكُرْ إذا = ما قُمتَ منتفضاً هناك من الثّرى
كُنْ خاسِئاً متواضعاً واحذرْ بأنْ= يوماً تُرى متفرِّغاً مُتجبِّرا
لا تفخرنّ بجلدِ كلبٍ إن غدا= تاجاً لراسِك فالمدَى سامي الذُرَى
لو كنتَ ذا القرنينِ في سلطانه = لم يُجد ملكُكَ وانصرفتَ منكَّرا
قد كَلّ جيشٌ للعِدى أولا تَقُدْ = لابدّ أن يُفني الرّدى كلَّ الوَرى
هيهات ما الدنيا بدارٍ يُرتَجى = فيها الجَزا، فاحمَدْ لمقصِدكَ السُرى
كم نال فيها عاجِزٌ ما يَرتجي = وحوى على رغم الأعادي مَفْخرا
يا قاعداً رضي الخمولَ لنفسِه = قد كان حقك في الوَرى أن تُشْهَرا
ما بالُ رأسِكَ لا يزالُ مُنَكَّساً = من ركْوةٍ فيه وصار مفَتَّرا
لا تحزننّ لشيبِ رأسِكَ واتّئدْ =سيصير كُلٌ في الخراب فلا يُرى
يا لِحيةً خُلقتْ فأفحش خلقها =كالروض تُزهى بهجةً إذْ نوّرا
إنْ ضرّ طولك في الأنام فطالما = استنفعت من شعَر يكون مُقَصّرا
يا ساجداً في كل أرض راغباً = في ذكر كلّ فتى يراه كبرا
أخبار أهل الزهد عندي كلها = إن كُنتَ فيها للسعادةِ مُؤثِرا
يا آكِلا جزء الغِذا من خوفهِ = ستنال من ذاكَ النعيم الأكبرا
فالقطْ نَوًى من كل أرضٍ ثم كُلْ = منها الخرادلَ تَحْوِ أجراً أوفرا
لابدّ يوماً أن تصير ببطنها =ولك الجزا فيها على هذا المِرا
31-
طفيل العرائس
، وإليه نسب الطفيليون. وقال لأصحابه: إذا دخل أحدكم عرسا فلا يتلفّت تلفت المريب، وليتخير المجالس؛ وإن كان العرس كثير الزحام فليمض ولا ينظر في عيون الناس، ليظنّ أهل المرأة أنه من أهل الرجل؛ ويظن أهل الرجل أنه من أهل المرأة؛ فإن كان البواب غليظا وقاحا فتبدأ به وتأمره وتنهاه، من غير أن تعنف عليه، ولكن بين النصيحة والإدلال
32-
أحمد بن علي الحاسب قال: مرّ طفيليّ بسكة النخع بالبصرة على قوم وعندهم وليمة، فاقتحم عليهم وأخذ مجلسه مع من دعي، فأنكره صاحب المجلس فقالوا له:
لو تأنيت أو وقفت حتى يؤذن لك أو يبعث إليك! قال: إنما اتّخذت البيوت ليدخل فيها، ووضعت الموائد ليؤكل عليها، وما وجهت بهدية فأتوقّع الدعوة، والحشمة قطيعة، وطرحها صلة؛ وقد جاء في الأثر: صل من قطعك، وأعط من حرمك؛ وأنشد:
كلّ يوم أدور في عرصة الدار أشمّ القتار شمّ الذّباب
فإذا ما رأيت آثار عرس ... أو دخان أو دعوة لصحاب
لم أعرّج دون التقحّم لا أرَ ... هب طعنا أو لكزة البواب
مستهينا بمن دخلت عليهم ... غير مستأذن ولا هيّاب
فتراني ألفّ بالرغم منهم ... كلّ ما قدموه لفّ العقاب
33-
أشعب الطماع؛ قيل له: ما بلغ من طمعك؟ قال: لم أنظر إلى اثنين يتسارّان إلا ظننتهما يأمران لي بشيء! وفيه يقال: «أطمع من أشعب» .
أشعب الطماع
: وقف أشعب إلى رجل يعمل طبقا، فقال له: أسألك بالله ألا ما زدت في سعته طوقا أو طوقين! فقال له: وما معناك في ذلك؟ قال: لعلّ يهدى إليّ فيه شيء!
34-
صنع رجل لأعرابي ثريدة يأكلها، ثم قال: لا تصقعها، ولا تشرمها، ولا تقعرها. قال: فمن أين آكل لا أبالك؟! قوله: لا تصقعها: لا تأكل من أعلاها. وتشرمها: تخرقها. وتقعرها تأكل من أسفلها
قال: فمن أين آكل؟ قال: كل من حواجبها. أي من نواحيها.
35-
قال عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة في رجلين يعاتبهما مرا به، وهو أعمى، فلم يسلما عليه:
ألا أبلغا عنى عراك بن مالك ... ولا تدعا أن تثنيا بأبي بكر
لقد جعلت تبدو شواكل منكما ... كأنكما بي موقران من الصخر
وطاوعتما بي داعكاً ذا معاكة ... لعمري لقد أزرى وما مثله يزرى
فلولا اتقاء الله بقياى فيكما ... للمتكما لوماً أحر من الجمر
فمسا تراب الأرض منها خلقتما ... وفيها المعاد والمصير إلى الحشر
ولا تأنفا أن تسألا وتسلما ... فما حشى الإنسان شراً من الكبر
ولو شئت أدلى فيكما غير واحد ... علانية أو قال عندي في السر
فإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... تضاحكت حتى يستلج ويستشرى
36_
وقال رجل للأحنف بن قيس: بم سودك قومك، وما أنت بأشرفهم بيتاً، ولا أصبحهم وجهاً، ولا أحسنهم خلقاً؟ قال: بخلاف ما فيك يا ابن أخي؟ قال وما ذاك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك، فخجل الرجل
40-
وكانت لأحد الإعراب زوجة فنصحه أصدقاؤه أن يتزوج بثانية لتكتمل سعادته، ففعل. إلا أن حياته قد صارت جحيماً لا يطاق، فأنشد ينصح غير المتزوجين بالعزوف عن الزواج وأن يعيشوا أعزاب
تزوجتُ اثنتين لفرطِ جَهْلي === بما يَشْقَى به زوجُ اثنتين
فقلتُ أصِيرُ بينهما خروفاً === أنَّعم بين أَكرمِ نعجتينِ
فصرتُ كنعجةٍ تُمْسِى وتُضْحِى === تَرَدَّدُ بين أخبثِ ذئبتينِ
رضى هَذِى يهيّجُ سُخطْ هذى === فما أعْرَى من إحدى السّخْطتينِ
وأَلْقَى في المعيشة كلَّ بُوسٍ ===كذاك المرءُ بين الضّرَّتينِ
لَهذِى ليلةُ ولتلك أُخرْى ===عِتابٌ دائمٌ في الليلتينِ
فان أحببت ان تبقي كريما من الخيرات مملؤ اليدين
فعش عزبا فان لم تستطعه فضرباً في عراض الجحفلين
41-
أورد صاحب "المستطرف .. " أنه قيل لبعضهم: أما يكسوك محمد بن يحيى؟
فقال: والله لو كان له بيت مملوء إبراً، وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء
والملائكة ضمناء يستعير منه إبرة ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر،
ما أعاره إياها، فكيف يكسوني!
وقد نظم ذلك من قال:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت= إبراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة =ليخيط قد قميصه لم تفعل
42-
قال الأصمعي: خرج الحجاج متصيداً، فوقف على أعرابي يرعى إبلاً وقد انقطع عن أصحابه، فقال: يا أعرابي، كيف سيرة أميركم الحجاج؟ فقال الأعرابي: غشوم ظلوم لا حياه الله ولا بياه. قال الحجاج: فلو شكوتموه إلى أمير المؤمنين؟ فقال الأعرابي: هو أظلم منه وأغشم، عليه لعنة الله! قال: فبينا هو كذلك إذ أحاطت به جنوده، فأومأ إلى الأعرابي فأخذ وحمل، فلما صار معهم قال: من هذا؟ قالوا: الأمير الحجاج، فعلم أنه قد أحيط به، فحرك دابته حتى صار بالقرب منه، فناداه: أيها الأمير: قال: ما تشاء يا أعرابي؟ قال: أحب أن يكون السر الذي بيني وبينك مكتوماً؛ فضحك الحجاج وخلى سبيله.
وخرج مرة أخرى فلقي رجلاً. فقال: كيف سيرة الحجاج فيكم؟ فشتمه أقبح من شتم الأول حتى أغضبه، فقال: أتدري من أنا؟ قال: ومن عسيت أن تكون؟ قال: أنا الحجاج، قال: أوتدري من أنا؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا مولى بني عامر، أجن في الشهر مرتين هذه إحداهما. فضحك وتركه
3-
إليكم هذه الأبيات التي تتحدث عن الثقلاء:
يا مبرما اهدى جمل ... خذ وانصرف الفي جمل
قال وما اوقارها ... قلت زبيب وعسل
قال ومن يقودها ... قلت له الفا رجل
قال ومن يسوقها ... قلت له الفا بطل
قال وما لباسهم ... قلت حلي وحلل
قال وما سلاحهم ... قلت سيوف وأسل
قال عبيد لي اذا ... قلت نعم ثم خول
قال بهذا فاكتبوا ... اذن عليكم لي سجل
قلت له الفي سجل ... فاضمن لنا ان ترتحل
قال وقد اضجرتكم ... قلت اجل ثم اجل
قال وقد ابرمتكم ... قلت له الامر جلل
قال وقد اثقلتكم ... قلت له فوق الثقل
قال فإني راحل ... قلت له العجل ثم العجل
ياجبلا من جبل ... في جبل فوق جبل
44-
دخل الشاعر مصطفى عكرمة الموظف البسيط بيته يوماً فرأى صرصوراً ملقىً على ظهره وقد صرعه الجوع فقال:
عذراً إليك وأي عذرٍ ينفع = مادام ركب الموت فينا يسرعُ
قد زرتني ترجو لجوعك مرتعاً = ماكان في بيت الموظف مرتعُ
عقدٌ .. ونصفُ العقد من عمري مضى = وأنا بباب وظيفتي أتسكعُ
أمَّلتَ مني مأملي بوظيفتي = ولكَمْ تضلُّ الأمنياتُ وتخدعُ
هيهات أن تلقى ببيت موظفٍ= شيئاً ترى الصرصورَ منه يشبعُ
عذراً وأي العذر ينفعُ من قضى = جوعاً وهل تجدي الصريعَ الأدمع ُ
بالرغم مما قد أسأتَ فإنني= لمَماتُ مثلك جائعاً أتوجعُ
وغداً إذا كان الحسابُ وجيءَ بي = وسئلتُ عن ضيف أتاه المصرعُ
سأقول كنت موظفاً وأظنها = عن كل ذنبٍ في حياتي تشفعُ
45-
قال أبو نصر كشاجم يصف صديقه البخيل
صديق لنا من أبرع الناس في البخل = وافضلهم فيه، وليس بذي فضل
دعاني كما يدعو الصديق صديقه = فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي
فلما جلسنا للطعام رأيته = يرى أنه من بعض اعضائه اكلي
ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده = فأعلم ان الغيظ والشتم من أجلي
فاقبلتُ استلُّ الغداء مخافةً = وألحاظ عينيه رقيبٌ على فعلي
أمدُّ يدي سرَّا لأسرق لقمة = فيلحظني شزرا فأعبثُ بالبقل
إلى أن جَنتْ كفي علىَّ جنايةً = وذلك أن الجوع أعدمني عقلي
فجرَّت يدي للحين رجل دجاجة = فجُرَّت كما جرَّت يدي رجلها رجلي
وقدَّم من بعد الطعام حلاوة = فلم استطع فيها أمرَّ ولا أحلي
وقمتُ لأني كنتُ بيَّتُّ نيةً = ربحتُ ثواب الصوم مع عدم الأكل