دمنهور عاصمة محافظة البحيرة من أقدم المدن المصرية القديمة وتعتبر من أقدم ثلاث مدن مأهولة في العالم بعد دمشق وأريحا ويعود تاريخ بناؤها إلي الألف السابع قبل الميلاد كما كانت عاصمة لمملكة الغرب قبل توحيد القطرين علي يد نارمر (مينا) سنة 3200قبل الميلاد .
دمنهور كلمة هيروغليفية تتكون من ثلاثة مقاطع "دي-من-حور" ومعناها مدينة الإله حورس أو المدينة التي بها معبد الإله حورس وكان يرمز له بالصقر .. كما عرفت المدينة أيضا في النصوص المصرية القديمة بأسم"بحدت" .
أطلق عليها الإغريق "هرموبوليس" برفا الصغرى حيث جعلوها مقرا لعبادة الإله هرمس إله الحكمة .. وكان اسمها في اللغة القبطية القديمة "تمنحور" وتعني بلد الصقر حورس وبعد الفتح الإسلامي لمصر عادت للإسم القديم دمنهور .
ولكن دعونا نعود إلي سنة 4242 قبل الميلاد وهو بداية كتابة تاريخ مصر القديمة حتى نتعرف على قصة مدينتنا .
كانت مصر قبل التوحيد تنقسم إلي مملكتين الأولى مملكة الشمال (الوجه البحري أو مصر السفلى) ، والثانية مملكة الجنوب (الوجه القبلي أو مصر العليا) .. وكانت مملكة الشمال تنقسم إلي مملكتين الأولي "مملكة الغرب" وعاصمتها دمنهور أو بحدت ، والثانية "مملكة الشرق" وعاصمتها صان الحجر وكان الصراع بين المملكتين متواصلاً ومستمراً على زعامة الوجه البحري فتارة تغلب دمنهور وتصبح لها السيادة وتارة إخرى تنتقل الزعامة إلي مملكة الشرق وظلت الأحوال علي تلك الوتيرة لفترات طويلة حتى ظهرت قوة جديدة هي "بوتو" (بجوار دسوق حاليا) تمكنت من بسط سيادتها علي الوجه البحري إلى أن تمكن نارمر مينا سنة3200قبل الميلاد من توحيد القطرين في دولة واحدة عاصمتها "منف" يحكمها ملك واحد تعاونه حكومة مركزية وجيش قوي وتم تقسيم المملكة الجديدة إلي مقاطعات يتولي شئون كل مقاطعة منها حاكم يدين بالولاء للفرعون ..
وبذلك أصبحت دمنهور مقاطعة في الدولة الجديدة بعد أن كانت عاصمة لمملكة الغرب .. وقد يظن البعض أن هذا التحول قد أدى إلى إندثار دورها المؤثر للأبد ولكنها ظلت مركزا هاما وقويا لعبادة الإله حورس .
ومع دخول المسيحية لمصر سنة 61 ميلادية على يد القديس مرقس تحولت دمنهور كسائر المدن المصرية للدين الجديد .
ورغم قلة الدراسات والمعلومات عن تاريخ دمنهور وخاصة بعد قيام الدولة القديمة سنة 3200 قبل الميلاد و ما تبعها من أحداث جليلة وعظيمة مرت بمصر وصولا إلي إقتراب نهاية الحكم الروماني لمصر فإننا سوف نجد أن دمنهور إستعادت ذاكرتها التاريخية ودورها المحوري الفعال والمؤثر في أحداث مصر وتاريخها مع بدايات الفتح الإسلامي لمصر والذي بدأ سنة 20 هجرية / 640 ميلادية .
فقد كانت عند الفتح الإسلامي لمصر القنطرة التي عبر عليها عمرو بن العاص لفتح الإسكندرية عاصمة مصر الرومانية في ذلك الوقت حيث تمت هزيمة الحامية الرومانية عند قرية سلطيس (سنطيس حالياً) وهي من ضواحي دمنهور وكانت الهزيمة الثانية للرومان عند الكريون بجوار (كفر الدوار حاليا) وبذلك إنفتح الطريق علي مصراعيه أمام جيش الفتح الإسلامي لحصار الإسكندرية ثم الاستيلاء عليها وسقوطها في يد الجيش الفاتح وبذلك إنتهت سيطرة الرومان على مصر .
وقد زار دمنهور الكثير من الرحالة المسلمين أمثال بن جبير ، وإبن بطوطة ، وإبن دقماق ، والزبيدي وتناولوا في كتاباتهم ما تحويه دمنهور من مساجد وخانات ومزارع كما كتبوا عن المعارك الدموية التي جرت علي أرضها وهذا ربما ما ربط بين حوادثها الدامية وبين كلمة الدم نهور والتي يعتقد البعض أن أسمها بسبب ذلك .
وفي سنة 1798 قاومت دمنهور الحملة الفرنسية علي مصر مقاومة شرسة وعنيفة لدرجة أن الفرنسيين دمروا المدينة وقتلوا الكثير من أهلها بسبب مقاومتهم البطولية .
وفي سنة 1803 وعلي أرضها هزم الجيش العثماني أو "تجريدة الحمير" وهي الحملة التي أرسلها والي مصر العثماني محمد باشا خسرو بقيادة نائبه يوسف بك لمحاربة محمد بك الألفي زعيم المماليك وسميت الحملة "بتجريدة الحمير" لأنه ونتيجة للعجز في توفير وسيلة نقل الجنود المشاركين في الحملة فقد أمر يوسف بك بجمع أكبر عدد من حمير السقائين والحمالين ببولاق حتى وصل العدد إلي ألف حمار .
وفي سنة 1806 كانت هي الصخرة التي تحطمت عليها طموحات محمد بك الألفي في إقصاء محمد علي الكبير حاكم مصر حيث فشل الألفي بك في إقتحام المدينة في محاولته الوصول إلي القاهرة لخلع الوالي/ محمد علي الكبير حيث كان هناك إتفاقا بين الألفي والإنجليز علي إسقاط محمد علي بأن يرسل الإنجليز حملة (حملة الجنرال فريزر) لمساعدة الألفي في مسعاه وكان الاتفاق أن يتم اللقاء في دمنهور وكانت تلك الهزيمة الوحيدة لمحمد بك الألفي .
كذلك وعلي أرضها تم "توقيع معاهدة دمنهور" في 14 سبتمبر 1807 وهي أول معاهدة في تاريخ مصر الحديث بين مصر المنتصرة وبين الحملة الإنجليزية المنهزمة في رشيد (حملة فريزر1807) والتي نحتفل في 19 سبتمبر من كل عام بذكري العيد القومي للمحافظة والذي يوافق ذكري إنسحاب الحملة من الإسكندرية وجلائها التام عن تراب مصر الطاهر .
وفي ثورة 1919 شاركت دمنهور كبقية المدن المصرية في أحداث الثورة ومن شهداء دمنهور في ثورة 1919 محمود فرفور ، و أمين محمد جوهر ، و محمد سلمان محمد ، و أحمد محمد حسين ، و إبراهيم محمد عمر ....وغيرهم ؛ كما كانت دمنهور معقلا من أهم معاقل المعارضة وخاصة حزب الوفد وجماعة الأخوان المسلمون .
وفي انتفاضة 1936/1935 وما تبعها من أحداث لعبت دمنهور دوراً وطنيا هاما في أحداث تلك الانتفاضة ويقول المؤرخون أن أحداث دمنهور قد سيطرت علي مجريات العمل السياسي والحركة السياسية والطلابية لدرجة أنها حجبت كل الأضواء عن المدن المصرية الأخرى لما اتسمت بها تلك الأحداث من عنف ودموية إبتداءاً من 16 نوفمبر 1935 وحتى30يناير 1936وقدمت دمنهور شهيدين من أبنائها في سبيل الوطن وهما الشهيد / محمود حمزة الرومي - الطالب بمدرسة الزراعة المتوسطة ، والشهيد / محمد محمد رزق المسلماني