Translate

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

قُرّة العين “الطاهرة” نادت بتعطيل الحدود والتكليف وإباحة الزنا

قُرّة العين “الطاهرة” نادت بتعطيل الحدود والتكليف وإباحة الزنا

عطلت الحدود وشجعت مؤسس البهائية على ادعاء الإلوهية


 بقلم الكاتب المفكر والباحث المصرى: علاء عريبى
يحفل التاريخ بالعديد من الشخصيات التي تشدنا للتوقف أكثر من مرة أمامها ، وفي كل مرة تفاجئنا الشخصية ونكتشف بعض الجوانب التي لم يلتفت إليها بعد ، وهذا ربما بسبب غموض الشخصية أو ثراء سيرتها أو ضعف الأخبار التي وصلتنا عنها أو لخطورة الدور التي لعبته في زمنها ، وربما لأسباب أخرى عديدة نحن لسنا في مجال لذكرها ، قرة العين أو الطاهرة أو زرين واحدة من هذه الشخصيات ، التي نحتار كثيرا أثناء الإطلاع على تاريخها ، فسيرتها الحافلة تفرض نفسها فرضا علينا لكي نتوقف ونتأمل في محاولة للفهم ، وأهمية وخطورة شخصية قرة العين تكمن بظني في النتائج التي ترتبت على فكرها ، حيث تشير المصادر البابية والبهائية ، إلى أنها هي التي أدخلت فكرة تعطيل عبادات الديانة الإسلامية في البابية والبهائية ، وكانت خلف تحول البابية من طريقة صوفية محدودة داخل بعض المدن الإيرانية ، إلى نحلة أو ديانة بشرية تنتشر في العديد من البلدان العربية والأوروبية ، خطورتها تعود أيضا إلى إنها هي التي دفعت الباب أوعلي محمد مؤسس الدعوة البابية إلى إدعاء الإلوهية ، كما أنها كذلك كانت خلف ظهور البهائية.
شربت من مؤسسها بهاء الله أو الميرزا ( البرنس ) حسين على نورى أفكاره عن تعطيل الحدود الإسلامية ، وفكرة استمرارية نزول الوحي وعدم انقطاعه ، وشجعته على تأسيس حدود خاصة بديانته البشرية ، وأيضا كانت ملهمته في ادعائه الإلوهية ، أضف إلى هذا أنها كانت أول امرأة في البلدان العربية والإسلامية تخلع الحجاب والنقاب وتقود حملة لتحرير النساء منه ، وتدعوا إلى مساواة المرأة بالرجل ، وإنها المرأة الوحيدة كذلك التي طالبت بأن تتزوج المرأة من تسعة رجال في وقت واحد ، شخصية بهذا الحجم وتلك القوة والقدرة وهذه الخطورة ، أظن انه من الضروري أن نقدم على قراءتها ، وتوضيح الدافع الحقيقي لتبنيها هذه الأفكار ، ومحاولة تحديد الصفات الشخصية والفكرية التي جعلتها تؤثر على الباب والبهاء ، وجعلتهما يستسلما لأفكارها المتمردة على السائد والمتسيد ، خاصة إذا كان هذا السائد والمتسيد هو العقيدة ذاتها .
الطاهرة قرة العين : حولت البابية من جماعة متصوفة إلى ديانة بشرية
هذه المرأة ولدت بين سنتي 1814 و 1819م في قزوين بإيران ، سميت زرين تاج ، وهو اسم فارسي معناه بالعربية ذات التاج الذهبي ..سلمى هانم ، لقبها البابيون ببدر الدجى وشمس الضحى ، ولقبها الباب بعد ذلك بقرة العين ، ويقال إن الذي أطلق عليها هذا اللقب أستاذها في كربلاء سيد كاظم الرشتي ، كانت أسرتها من الأسر الدينية المعروفة في قزوين ، تدعى بـ آل البرغانى ، اسم والدها الحاج الملا صالح القزوينى البرقانى كان من فقهاء عصره ، شقيق الملا تقي إمام الجمعة في قزوين ، قيل إن والدها عين لها معلّما منذ طفولتها ، فجدّت في تحصيل العلوم والفنون ، وبدأ نبوغها بالظهور منذ صباها الباكر ، فكانت تحضر دروس أبيها وعمها التي كانا يلقيانها على الطلبة ، وكان يضع لها ستار لتستمع إلى الدروس من ورائه ، وسرعان ما أخذت تشارك في المجادلات الكلامية والفقهية التي تثار بين رجال أسرتها ، عندما بلغت الرابعة عشر من عمرها ، اقترنت (الطاهرة) بابن عمها الملا محمد بن الحاج ملا تقي ، ورزقت منه بثلاثة أولاد ، ذكران وبنت واحدة ، وفى رواية أخرى رزقت بثلاثة ذكور ، رزقت بإبراهيم وإسماعيل في مدينة كربلاء العراقية ، عندما ارتحل إليها زوجها لطلب العلم ، ورزقت بإسحاق بعد عودتها إلى قزوين .
عبد البهاء (ميرزا عباس حسين على)
في تلك الفترة كانت المنطقة الفارسية منشغلة بانتظار ظهور المهدي المرتقب ، وازدحمت الحياة الفكرية بالعديد من الطرق الصوفية ، كان على قمتها الطريقة الشيخية للشيخ أحمد الإحسائى ، وكان يترأسها آنذاك السيد كاظم الرشتى ، وكانت هي تميل إليه بينما زوجها كان من خصومه فكريا وفقهيا ، وقد انعكس هذا الخلاف على حياتها الأسرية ، وزاد من حدة الشقاق بينهما ، وهو ما دفعها إلى هجرتها لبيت الزوجية ، وترك زوجها وأولادها والعودة إلى كربلاء للتعلم من كاظم الرشتى ، فسافرت إلى كربلاء عام 1843م ، وبمحرد وصولها علمت إن الأستاذ الذي جاءت من أجله كاظم الرشتى قد توفى ، فمكثت تدرس مؤلفاته وفكره ، وجلست تنتظر الموعود الذي بشرت به الشيخية.
وقد حكي صاحب الكواكب الدورية ، وهو من أهم مؤرخي البابية والبهائية ، أنه بعد وفاة رئيس الطائفة الشيخية ، ادعى الباب على حسين الشيرازي أنه خليفته ، ونصب نفسه رئيسا للشيخيين ، وبعدها بفترة دون أن تعلم قرة العين بذلك ، أرسلت رسالة للملا حسين البشروئى ، مستفسرة منه عن نتائج بحثه عن ظهور الموعود أو الإمام المنتظر قالت فيها : إذا وفقتم للقاء طلعة الموعود فلا تحرموني من موافاتي بذلك النبأ ” .. فسلم رسالتها للباب فأجاب مطلبها وضمها لحواريه الذين أطلق عليهم اسم حروف الحي ، وهم أول من أمنوا بفكره وساندوه في نشر دعوته ، وبهذا أصبحت جناب الطاهرة أول امرأة آمنت بالموعود الجديد . وذكر في كتاب “كشف الغطاء” إن جناب الطاهرة قد أُبلغت برسالة حضرة الباب بواسطة الملاّ علي البسطامي الذي زار كربلاء
عطلت الحدود وشجعت مؤسس البهائية على ادعاء الإلوهية
في سنة 1844م (1260هـ) بعد عودته من شيراز، وقيل في “مطالع الأنوار: لما علمت جناب الطاهرة بسفر زوج أختها المدعو محمد علي من قزوين ، سلمته خطابا مختوما وطلبت منه إن يسلمه إلى ذلك الشخص الموعود الذي لابد وان يقابله أثناء بحثه ، وأفهمته إن يقول له: لمعات وجهك أشرقت وضياء طلعتك اجتلى قـال ألسـت بربكـم قلنا بلـى قلنـا بلـى وقد قابل الملاّ محمد علي (حضرة الباب) وأقبل إلى دعوته وسلّمه الخطاب وأوصل إليه الرسالة ، فأقرها حضرة الباب ضمن حروف الحيّ ” .
وكانت حولت البابية من جماعة متصوفة إلى ديانة بشرية الوحيدة من بين حروف الحيّ الثمانية عشر التي لم تقابل حضرة الباب ، إلا أنها حسب تخمين _ مارثا ل. روت في الطاهرة أعظم امرأة إيرانية_ قد شاهدته ببصيرتها الخفية الثاقبة “.
وتروى المصادر إن قرة العين بعد فترة انتقلت من كربلاء إلى الكاظمية ، وكانت تلقى دروسها مرتدية الحجاب فقط دون النقاب ، وهو ما أثار حفيظة الناس ، واشتد الجدال بسبب تصرفها هذا ، لهذا أثرت السلامة وعادت مرة أخرى إلى كربلاء سنة 1847م ، وبدأت دعوتها إلى البابية بشكل علني .
قرة العين _ حسب اتفاق جميع المصادر البهائية والبابية _ لم تكن حتى اللحظة قد قابلت على حسن أو الباب مؤسس البابية ، كما لم تكن تعلمت بعد جميع أفكاره ، وكل ما عرفته عن الباب والبابية ما تواتر من إيران انه قد نصب نفسه رئيسا لطائفة الشيخية الصوفية ، وما كتبه هو عن شرح سورة الكوثر ، حيث إن الباب في ذلك الوقت كان في بداية دعوته لمذهبه الجديد ، وقد قدم نفسه للذين ينتظرون ظهور الموعود بما كتبه في سورة يوسف ، وتتفق مصادر البهائية والبابية على أن فكره لم يكن قد تبلور بعد ، وانه قدم نفسه كبديل لرئيس الطريقة الشيخية الذي شجعت مؤسس البهائية على ادعاء الإلهية
سبق وتوفى ، حتى كتاب البيان العربي والفارسي لم يكن قد فكر في تأليفهما ، والثابت أنه ادعى نزولهما عليه في السجن قبل إعدامه ، والغريب في الأمر أن قرة العين بمجرد علمها بظهور الموعود في إيران من البشروئى ، وعلمت إن اسمه على حسن الشيرازى ، وبعد تلقيها رسالة من الباب بقبولها في الجماعة الجديدة ، أعلنت بين أهالي العراق عن الموعود الذي تتمناه ، الموعود الذي رسمته في خيالها ، الذي سيحررها من قيود السائد والمتسيد ، الموعود الذي سيعطل الحدود الإسلامية ، ويحرر المرأة من النقاب والحجاب ، ومن سطوة المجتمع الذكرى ، ومن الأزواج ، وكان هذا الموعود يمتلك القدرات الإلهية ، فنادت بين الخاص والعام : ” قد ظهر الموعود ونزل الرب الودود “، وهو ما دفع بعض العلماء إلى شكوتها ، فأبعدتها الحكومة إلى بغداد ، وأمرت بإقامتها جبريا في بيت الشيخ محمد الألوسى ، مع هذا لم تستسلم وظلت تناقش وتحاور وتجادل وتدعو لهذا الموعود ، ويروى لنا آقا محمد مصطفى البغدادي ( في رسالة أمرية ) وهو من محبيها ومن الذين عاصروها ، يروى لنا عن إحدى هذه المناظرات ، وكانت في منزل والده ببغداد ، مؤكدا قيامها بالدعوة لمن كانت تحلم به كما سبق واشرنا ، وليس للذي ظهر ، فقد أشار إلى قيامها بالحديث عن الحدود وجميع ما تمنته في تلك الجلسة ، مع إن الباب لم يكن قد فكر بعد فيما تقوله ، فقد قال آقا محمد البغدادي: إن قرة العين ناظرت العلماء والعرفاء ، وهى تبين وتبرهن … في حضور المفتى ، فأظهرت سر الظهور .
صورة من حديقة البهائيين في مدينة حيفا – فلسطين
وأعلنت نسخ التقليد المهجور ، وبينت تجديد الشريعة الإلهية بشريعة البيان ( الباب _ البابية _ والبيان هو اسم الكتاب المقدس للبابية ، نزل كما يدعون باللغة العربية واللغة الفارسية ) ، وكانت في مجلس الأحباء مكشوفة الوجه … وقد تزلزل البعض .. وقالوا إن حضرته ( الباب ) لم ينسخ الشرع العتيق ، ولم يجدد أمرا ، بل زاد في الأحكام ، وأكد في الصلاة والصيام ، وحرم الدخان ، وان السيدة قرة العين تجاوزت الحد ونسخت الشريعة التي ورثتها عن الأب والجد بدون أمر من حضرة الأعلى ( الباب ) ” ، ولخطورة ما تدعوا له قرة العين ، قام احد الحضور ويدعى على بشر ، وكان من أتباع الطريقة الجديدة ، بكتابة رسالة إلى الباب ، تضمنت جميع الأفكار الخطيرة التي تنسبها قرة العين له ، ويشير صاحب الرسالة الأمرية إلى إن الباب استحسن دعوتها وتبنى أفكارها ، حيث رد على صاحب الرسالة على بشر بقوله : وأما ما سألت عن المرأة التي زكت نفسها ، وآثرت فيها الكلمة التي انقادت الأمور لها ، فإنها امرأة صديقة عالمة عاملة طاهرة ، ولا ترد الطهارة في حكمها لأنها أدرى بمواقع الأمر من غيرها ، وليس لك إلا إتباعها لأنك لن تقدر أن تطلع بحقيقة شأنها ” ، وهذه الحكاية كما رواها آقا مصطفى ، تؤكد إجازة الباب لما نسبته إليه ، وتأكيده على علمها وطهارتها وفضلها وقدرتها الخارقة ، رغم أنه لم يكن قد رآها أو تحدث معها بعد ، كما أنه من الثابت تاريخيا إن قرة العين لم تقابل مؤسس البابية قط ، وهو قد اعدم في سجن ماء كوه سنة 1850م ، وهى أعدمت بعده بسنتين عام 1852م ، ويلاحظ من النص إن الرجل الذي انزعج من كلامها أرسل رسالته على سجن ماء كوه الذي حبس واعدم فيه الباب فيما بعد ، خلاصة القول أن هذه الرواية تؤكد لنا أن قرة العين هي أول من تحدث في تعطيل وتغيير الحدود ، وان الباب وبهاء الله فيما بعد تعلما منها هذه الأفكار .
دعت الرجال لتبادل النساء
في عام 1884م اتجه البابيون إلى مدينة بدشت التي تقع بالقرب من خراسان الإيرانية ، وذلك للاجتماع وبحث كيفية تخليص الباب من محبسه في سجن ماء كوه ، حيث ألقت السلطات الإيرانية القبض عليه لتجديفه في الشريعة ، كان على رأس الحضور قرة العين ، ومحمد على البارفروشى الملقب في البابية بالقدوس ، وبهاء الله أو الميرزا ( البرنس ) حسين على نورى المازندانى ، مؤسس البهائية فيما بعد ، في هذا الاجتماع طرحت قرة العين فكرتها عن تعطيل الحدود ، وإلغاء التكليف ، وتغيير الشريعة الإسلامية ، أو على حد قولهم نسخها ، وأكدت للحضور _ حسب رواية مؤلف الكواكب الدرية _ بأن للقائم مقام المشرع وحق التشريع وعليه فعلا إجراء بعض التغييرات كإفطار رمضان ونحوه ، وفى رواية لصاحب مفتاح باب الأبواب قال : ” إن قرت العين فاجأت الحضور وظهرت بدون برقع ولا نقاب ، ولا قناع ولا حجاب .
وعلت المنبر وجلست عليه هنيهة ، ثم قامت وخطيبة وقالت ما نصه ( نقلا عن ناسخ التواريخ ) : اعلموا إن أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب ، وأن أحكام الجديدة البابية لم تصل إلينا ، وأن اشتغالكم الآن بالصوم والصلاة والزكاة وسائر ما أتى به محمد كله لغو وفعل باطل ، ولا يعمل بها بعد الآن إلا كل غافل وجاهل ، إن مولانا الباب سيفتح البلاد ، ويسخر العباد وستخضع له الأقاليم السبع المسكونة ، وسيوحد الأديان الموجودة على وجه البسيطة ، حتى لا يبقى إلا دين واحد ، وذلك الدين الحق هو دينه الجديد ، وشرعه الحديث الذي لم يصل إلينا الآن منه إلا نزر يسير ، وبناء على ذلك أقول لكم وقولي هو الحق : لا أمر اليوم ولا تكليف ، ولا نهى ولا تعنيف ، وإنا نحن اليوم في زمن الفترة ، فاخرجوا من الوحدة إلى الكثرة ، ومزقوا هذا الحجاب الحاجز بينكم وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالأعمال ، وتقاسموهن بالأفعال ، واصلوهن بعد السلوى ، وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة ، فما هن إلا زهرة الحياة الدنيا ، وإن الزهرة لابد من قطفها وشمها ، لأنها خلقت للضم والشم ، ولا ينبغي أن يعد أو يحد شاموها بالكيف والكم ، فالزهرة تجنى وتقطف ، وللأحباب تهدى وتتحف … ساووا فقيركم بغنيكم ، ولا تحجبوا حلائلكم عن أحبائكم ، إذ لا ردع الآن ولا حد ، ولا منع ولا تكليف ولا صد ، فخذوا حظكم من هذه الحياة ، فلا شيء بعد الممات . ” ، بهذه الكلمات فجرة قرة العين ثورة بين الحضور ، خاصة وإنها تدعوا إلى تعطيل الحدود والتكليف ، وإباحة الزنا ، والتأكيد على اغتنام اللحظة حتى تصلهم شرائع البابية ، وبالطبع لم يعجب هذا الكلام أغلب الحضور ، واعترض بشدة القدوس ، وفى يوم أخر وقفت قرة العين تدافع عن رأيها ، وساندها في ذلك بهاء الله .
طالبت بأن تتزوج المرأة من تسعة رجال في وقت واحد
لماذا نادت قرة العين بتعطيل الشريعة المحمدية ، ودعت إلى التمتع باللحظة ؟ ،
هل لأنها كانت ترغب في مساواة المرأة بالرجل ؟ ، هل لأنها كانت تهوى التمرد على الوضع السائد ؟ ، هل فعلت هذا لكي تنتقم من زوجها ؟ ، هل كانت قرة العين امرأة سيئة السمعة وانحلالها هو الذي دفعها إلى المناداة بشرعية جديدة تستند عليها ؟ أغلب ما وصلنا عن “قرة العين ” التي لقبت فيما بعد بالطاهرة ، يوضح سوء سلوكها ، رفعها الحجاب والنقاب ، ودعوتها الرجال إلى تحرير النساء من الحجاب ، وتأكيدها في خطبة بدشت أن النساء مثل الزهور خلقن للشم واللمس والضم ، ومطالبتها الرجال بتبادل النساء ، أو كما قالت : وإن الزهرة لابد من قطفها وشمها ، لأنها خلقت للضم والشم ، ولا ينبغي أن يعد أو يحد شاموها بالكيف والكم ، فالزهرة تجنى وتقطف ، وللأحباب تهدى وتتحف ” ، وذكر أنه بعد أن تركت بغداد إلى طهران ، توقفت في الطريق ببلدة كرمان شاه ، وهناك أصرت أن تنزل في منزل واحد هي وبعض النساء مع بعض العلماء ، وهو ما أثار حفيظة أهل البلدة .
ودفع رجال الدين للمطالبة بخروجها هي ومن معها خارج البلدة ، وبعد مؤتمر بدشت ، قيل أنهم أثناء سفرهم إلى مازندران ، حاول بعض البابيين الذي كانوا معهم اغتصابها تطبيقا لما نادت به ، وما شجعهم على ذلك أنها كانت تسافر في هودج واحد مع القدوس ، فذكر صاحب مطلع الأنوار الوقعة بقوله : أراد بعض الأتباع أن يسيئوا استعمال الحرية التي نتجت عن نسخ الشرائع القديمة ، وظنوا إن في طرح الطاهرة للحجاب إشارة منها للتجاوز عن حدود الآداب وإشباع الأغراض النفسية ، وسبّب هذا التعدي الواقع من هؤلاء البعض غضب المولى وأوجب تفريقهم وتشتيتهم ” .
وذكر أنهم عندما وصلوا إلى قرية نيالا لم يعجب أهل البلدة بسلوكها ، ومبيتها في خيمة واحدة مع القدوس ، فثاروا عليهم وقذفوهم بالحجارة حتى ولوا هاربين ، وربما كل هذا ما دفع صاحب الحراب في صدر البهاء والباب ، أن يؤكد في ترجمته لقرة العين ، أنها كانت مريضة بالسوداء ، حيث قال : فتاة فتانة ، مصابة بالسوداء .. وتنادى على ملأ الأشهاد بجوار تزويج تسعة رجال بامرأة واحدة .
تؤمن ان النساء مثل الزهور خلقن للشم واللمس والضم
نخلص مما سبق أن سلوكيات (قرة العين أو الطاهرة) كانت محل شك ، وان العديد من الروايات المنسوبة لها تؤكد هذا الظن ، سواء الوقائع التي نادت فيها برفع الحجاب أو بتبادل النساء ، أو الوقائع التي كانت تنام فيها مع القدوس وغيرة في منزل واحد ، كما نظن إن تأكيد صاحب كتاب الحراب أنها كانت مصابة بالسوداء ، وهو مرض جنسي يصيب النساء ، هو الأقرب لسلوكياتها ولما وصلنا من أخبارها ، والقريب للواقع وللمروى أن مرضها هذا هو الذي دفعا إلى البحث عن مرجعية دينية تستند إليها ، وكان الباب هو الميس أو الشماعة التي ألبستها فكرها المخالف للشريعة ، والذي يعطيها شرعية إشباع رغبتها .

قرة العين

والحكم بنسخ الإسلام


القرة تقود حملة النسخ:
رفض البشروئي والقدوس القول بنسخ البابية للشريعة الإسلامية. ولكن قرة العين أرغمتهما على السكوت، وعلى أن يحتجبا عن المؤتمر إلى أن تنتهي هي من إعلام المؤتمرين بأن البابية ناسخة للشريعة الإسلامية. أما البهاء، فادعى أنه مريض؛ ليكون بنجوة من الهلكة إذا فشلت قرة العين في إقناع المؤتمرين، وقبض عليها؛ إذ كانت العادة المتبعة ألا يحكم بإعدام المرأة؛ ولهذا استتر البابيون خلف قرة العين.

خطبة قرة العين في المؤتمر:
واندفعت قرة العين مسفرة تتلهب أنوثتها الفاجرة، وتتقتل فتنتنها الطاغية، واعتلت منصة الخطابة، وراحت تقول: "اسمعوا أيها الأحباب والأغيار[1]. اعلموا أن أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب، وأن أحكام الشريعة الجديدة البابية لم تصل إلينا، وأن اشتغالكم الآن بالصوم والصلاة والزكاة وسائر ما أتى به محمد كله عمل لغو، وفعل باطل، ولا يعمل بها بعد الآن إلا كل غافل وجاهل. إن مولانا البابا سيفتح البلاد، ويسخر العباد، وستخضع له الأقاليم السبع المسكونة، وسيوحد الأديان الموجودة على وجه البسيطة، حتى لا يبقى إلا دين واحد، وذلك الدين الحق هو: دينه الجديد، وشرعه الحديث الذي لم يصل إلينا إلى الآن منه إلا نزر يسير، فبناء على ذلك أقول لكم - وقولي هو الحق - لا أمر اليوم، ولا تكليف، ولا نهي، ولا تعنيف، وإنا نحن الآن في زمن الفترة. فاخرجوا من الوحدة إلى الكثرة، ومزقوا هذا الحجاب الحاجز بينكم، وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالأعمال، وتقاسموهن بالأفعال. واصلوهن بعد السلوى، وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة، فما هن إلا زهرة الحياة الدنيا، وإن الزهرة لابد من قطفها وشمها؛ لأنها خلقت للضم وللشم، ولا ينبغي أن يعد ولا يحد شَامُّوها؛ بالكيف والكم؛ فالزهرة تجنى، وتقطف، وللأحباب تهدى وتتحف. وأما ادخار المال عند أحدكم، وحرمان غيركم من التمتع به، والاستعمال فهو أصل كل وزر، وأساس كل وبال. ساووا فقيركم بغنيكم، ولا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم؛ إذ لا ردع الآن، ولا حد ولا منع، ولا تكليف، ولا صد. فخذوا حظكم من هذه الحياة، فلا شيء بعد الممات)[2].

لقد فجر إسراف الخاطئة في الدعوة إلى الخطيئة، وإلى الكفر بالإسلام وإلى الشيوعية المطلقة في النساء، كما كشفت عن الهدف السياسي للبابية.

وإن تعجب، فعجب أن يدين نبي البابية بدين تبتدعه امرأة زعمت أن الخطيئة من قداسة النبوة، وأن يحكم البابيون بنسخ الإسلام ونبيهم سجين! لقد صار الباب هو التابع لا المتبوع، والذليل لا الدليل. إن تاريخ النبوات يهدينا إلى أن النبوة كانت دائمًا هي الأسوة والقدوة، أما هذا الدعي، فأمره عجب بين الأخِساء من أدعياء النبوة! تقود خصامه خطيئة امرأة، ولم يكن يستطيع الدعي أن يقف غير هذا الموقف؛ لأنه لم يكن يعرف إلى أي شيء يدعو! فأعجب مرة أخرى لمهدي من غير هدى، ولداع ليس له دعوة!

كل ما كان يعرفه هو وأتباعه - فقد علموه جيدًا - أن أجل الإسلام قد انقضى. ولقد ثارت الأكثرية الغالبة من المؤتمرين على فجور هذه الدعوة التي نفثت سمها قرة العين، والتي تزعم أنها روحانية السماء! فذهبوا يشكون إلى القدوس، فأظهر معارضة لما قالته القرة، وعلمت هي بمعارضته، فابتسمت ابتسامة الواثق من النصر، وتحدثه أن يباشر نصحها، حتى تعود إلى الإسلام - وهذا نص تعبيرها - ثم تسللت إليه تمارس هواه المشبوب بخطاياها، حتى أقنعه ذلك الأرج السحري المسكر الذي كان يفوح من جسدها المضمخ بالفتنة، المرجوم باللعنة، فاستخذى العاشق الواهن، ودعا المؤتمرين إلى الإيمان بما دعت إليه قرة العين، فلم يزدد المؤتمرون إلا تمردا على ألعن فاحشة تقدم إليهم في صورة يزعم آثموها أنها مطيبة بوحي السماء!

لقد كانت الكثرة الغالبة ممن خدعتهم البروق الخلب من دعوة الباب يؤمنون بأنه القائم، والمهدي الذي سيدعو إلى الاعتصام بالشريعة الإسلامية ولكنهم - حينما رأوا هؤلاء الملاحدة يسفرون عن خبث طويتهم - ثاروا على هذه القلة الموغلة في صفاقة الإلحاد.

وهجم المسلمون والمنفضون عن البابية على أولئك الذين ظهر جليا أنهم لا يعملون إلا لتدمير الدين والأمة، ففر أتباع الباب سراعا، وتوجه البهاء إلى طهران، أما البشروئي، فتوجه إلى خراسان، وأما القدوس فتوجه إلى "مازندران" مع معشوقته قرة العين. وتواعدوا على الالتقاء في جهريق لإنقاذ الباب بالقوة بعد حشد ما يمكن حشده من جنود؛ ليخوضوا بهم المعركة ضد جيش الدولة. ولقد اضطرت قرة العين إلى مصاحبة القدوس؛ لتقضي على ما بقي يضطرب في أعماق نفسه الغائرة من شك حول نسخ البابية للشريعة الإسلامية، إذ كان القدوس- رغم كل شيء - حريصا على أداء الصلاة. وأداء الصلاة شف يوحى بأنه من سمات الإسلام. ولقد أبى البهاء كذلك أن يحملها معه إلى طهران مخافة أن يفوح نتن خطيئتها معه، وقد ظلت الغانية تراود القدوس عن هذه البقية الحيرى من الإيمان في قلبه، حتى استشعرت أنه انتهى، وثمت غرقا في دنس شهواتهما، وأسرفا في الجهر باقتراف الخطيئة حد أن دخلا معا "حمام" إحدى القرى، فرفض أهل هذه القرية أن تلوث الخطيئة أرضهم باسم الدين. فهبوا للفتك بالعاشقين، ولكنهما استطاعا الفرار تطاردهما رجوم كل لعنة!

نهاية قرة العين:
وزكمت الأنوف رائحة فحشها مع القدوس، فخلفته يذهب مع الذاهبين لإنقاذ الباب من سجنه، وانطلقت هي مسعورة الأحقاد على الإسلام وأهله داعية إلى الإيمان بالمهدي الجديد الذي نسخ شرعة خاتم النبيين والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتهاوى في جحيم خطاياها عشرات وعشرات إلى أن قتل الباب. فخنست قليلًا، ثم ظهرت بعد سنتين من إعدامه تحاول سيرتها الأولى مستغلة ذلك الاضطراب السياسي العنيف الذي ساد إيران كلها عقب رفض الشاه إصدار الدستور، وعقب محاولة البابيين اغتياله انتقامًا لإعدام الباب. وقد ظفر الشاه بخصومه السياسيين، وبمن حاولوا اغتياله، فنكل بهم، وقضى على الثورة السياسية والفتنة البابية. ولقيت قرة العين حتفها مع من أعدمهم الشاه سنة 1269هـ - سنة 1852م[3]. فقتلت هذه الفتنة المستطيرة التي استطاعت بجسد قذر أن تقيم دين البابية، وأن تشد من عضد البهاء بينهم. ولا تجد بابيًا أو بهائيًا إلا وهو يسبح بحمد هذه المرأة من أجل أنها سفحت أشرف ما تعتز به المرأة في سبيل وهم دنيء حقير! وحسبك دليلًا على مدى جحودها وسيطرتها أنها زعمت أنها الصور الذي جاء ذكره في القرآن، والبهائيون يرددون قولها هذا بحمد وتقديس: "إن الصور الذي ينتظرون في اليوم الآخر هو أنا"[4].


[1] تعني بالأحباب البابية، وبالأغيار سواهم.
[2] 180 وما بعدها تاريخ البابية، وهي تطابق مجمل ما ذكر مؤرخ البابية في ص219 وانظر مادة الباء من دائرة المعارف للبستاني.
[3] وقيل إنها لقيت مصرعها في شوال سنة 1264.
[4] ص21 المبادئ البهائية.

ليست هناك تعليقات: