Translate

السبت، 7 فبراير 2015

ضوابط الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم

ضوابط الإعجاز الرقمي
في القرآن الكريم


لنبدأ بطرح كل التساؤلات والانتقادات التي أُثيرت مؤخراً حول موضوع الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم، ونجيب عنها بكل صراحة ووضوح.
ومن هذه التساؤلات: ما هي الفوائد من دراسة الإعجاز الرقمي؟ وهل هنالك علاقة بين الأرقام وعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؟ وما هي قصة رشاد خليفة وانحرافاته؟ وماذا عن حساب الجُمَّل؟ وماذا عن قراءات القرآن العشر وهل فيها إعجاز رقمي؟
سوف نحاول أيضاً من خلال الصفحات الآتية وضع ضوابط لهذا العلم الناشئ، هذه الضوابط هي الأساس العلمي والشرعي الذي اعتمدنا عليه في استنباط الحقائق الرقمية الثابتة في كتاب الله عزَّ وجلَّ.

مقدمة
بيّنت الدراسة والبحث المنهجي لآيات القرآن الكريم أن التناسق والإحكام لا يقتصر على معاني ودلالات الكلمات فحسب، إنما هنالك تناسق في أعداد هذه الكلمات وتكرار حروفها. فإذا ما نظرنا إلى هذا الكتاب العظيم على أنه بناء مُحكَم من الحروف، سوف نستنتج أن الله جل وعلا كما رتَّب كل ذرة في هذا الكون بنظام مُحكَم ودقيق، كذلك رتَّب كل حرف في هذا القرآن بتناسق مُحكَم ودقيق.
وهذا هو موضوع بحثنا في رحاب حروف وكلمات كتاب الله تعالى، واستخراج العلاقات الرقمية والتناسقات العددية، لهذه الكلمات والحروف، والتي أثبت البحث الطويل أنها تقوم على الرقم سبعة. وأن التناسق مع الرقم سبعة له مدلول كبير، وهو أن هذا القرآن صادر من ربّ السماوات السبع سبحانه، وأن الله تعالى قد حفظ كتابه من التحريف، وأنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن، بمثل ألفاظه ومعانيه أو بمثل أعداد كلماته وحروفه.
ولكن قبل أن نبدأ رحلتنا في رحاب الرقم سبعة نودُّ أن نجيب عن الأسئلة التي قد تخطر ببال من يقرأ هذه الموسوعة في الإعجاز الرقمي، لاسيما أن هذا العلم الناشئ قد تعرَّض في بداياته إلى شيءٍ من الخطأ والمبالغة والغلوّ. وقد شاهدنا بعض الانحرافات من بعض من استغلّ الأرقام لأهداف شيطانية، فأساء لهذا العلم البريء من أمثال هؤلاء.
شبهات وانحرافات
شُبهات كثيرة أُثيرت ولا تزال حول موضوع الإعجاز العددي في القرآن الكريم، فبعضهم يعتقد أن لا فائدة من دراسة الأرقام القرآنية، باعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع وأحكام، وليس كتاب رياضيات وأرقام!
 ومن العلماء من يعتقد أن إعجاز القرآن إنما يكون ببلاغته ولغته وبيانه، وليس بأرقامه! ويتساءل بعض السادة القرّاء حول مصداقية كتب الإعجاز الرقمي، ومدى صِدق النتائج التي تقدمها أبحاث هذا النوع من الإعجاز. والعجيب أن الأمر قد تطور لدى بعض المعارضين إلى إنكار الإعجاز العددي برمّته بسبب عدم اقتناعهم بوجود علاقات رقمية في كتاب الله تعالى.
 ولكن لماذا ينأى علماء المسلمين بأنفسهم عن علم الرياضيات في القرآن؟ وهل هنالك أحكام مسبقة تجاه هذا العلم بسبب بعض الانحرافات والأخطاء التي وقع بها (رشاد خليفة) أول من تناول هذا الموضوع منذ ربع قرن وغيره ممن بحثوا في هذا المجال؟
حول هذه التساؤلات سيكون لنا وقفات في هذا المبحث نجيب من خلالها عن بعض الانتقادات التي يواجهها الإعجاز الرقمي اليوم، ونبيّن فيها ما لهذا العلم الناشئ من حقّ علينا، ونبيّن كذلك الأشياء الواجب على من يبحث في هذا الجانب الإعجازي أن يلتزم بها أو يبتعد عنها.
وسوف نطرح جميع الانتقادات بتجرّد، ونجيب عنها بإذن الله بكل صراحة. وسيكون الدافع من وراء ذلك هو الحرص على كتاب الله سبحانه تعالى، وإظهار الحقّ والحقيقة، ونسأل الله أن يلهمنا الإخلاص والصواب. ونبدأ بهذا السؤال:
ما هي قصة رشاد خليفة؟
منذ أكثر من ألف سنة بحث كثير من علماء المسلمين في الجانب الرقمي للقرآن الكريم، فعدُّوا آياته وسورَه وأجزاءَه وكلماته وحروفَه. وغالباً ما كانت الإحصاءات تتعرض لشيء من عدم الدقة بسبب صعوبة البحث. وإذا تتبعنا الكتابات الصادرة حول هذا العلم منذ زمن ابن عربي وحساب الجُمَّل، وحتى زمن رشاد خليفة ونظريته في الرقم 19، لوجدنا الكثير من الأخطاء والتأويلات البعيدة عن المنطق العلمي.
لقد استغلّ الدكتور رشاد بعض الحقائق الرقمية الصحيحة والواردة في كتاب الله تعالى، والمتعلقة بالرقم 19، واعتبر أن القرآن كلَّه منظَّم على هذا الرقم. ولكن اتّضح فيما بعد زَيْف ادعائه وكَذِب نتائجه، وتبيّن بأن معظم الأرقام التي ساقها في كتابه (معجزة القرآن الكريم) بعيدة عن الصواب.
ومن أهم الأمثلة التي ذكرها في بحثه وبنى عليها دراسته، أن أول آية في القرآن: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، تتكرّر كلماتُها في القرآن عدداً من المرّات من مضاعفات الرقم 19. وقد ثَبُت أن هذا الكلام غير دقيق.
فهو يقول بأن كلمة: (بِسْمِ) وأصلها (اسم) قد وردت في القرآن كله 19 مرة، والصواب أنها وردت 22 مرة، وهذا العدد ليس من مضاعفات الرقم 19.
ويقول بأن كلمة (الله) وردت في القرآن 2698 مرة، أي 19×142، وهذا العدد غير دقيق أيضاً! والصواب أن كلمة (الله) عزّ وجلّ تكررت في القرآن كلّه 2699 مرة، وهذا العدد لا ينقسم على 19.
أما قوله بأن كلمة (الرَّحْمنِ) وردت في القرآن 57 مرة، أي 19×3 فهذا صحيح.
وقوله بأن كلمة (الرَّحِيمِ) وردت 114 مرة، أي 19×6، فهذا غير صحيح، والحقيقة أن هذه الكلمة تكررت في القرآن كله 115 مرة. إذن، قدّم رشاد رقماً واحداً صحيحاً من أصل أربعة أرقام، وهكذا يفعل مع بقية الأرقام التي قدّمها، فتجد أنه يسوق رقماً صحيحاً ويخلط به عدة أرقام ليجعلها جميعاً من مضاعفات الرقم 19. وبالتالي يمكن اعتبار النظرية غير صحيحة.
لقد حصل رشاد خليفة على نتائج مهمة في إعجاز الرقم 19. فقد اكتشف ملامح لبناء يقوم على هذا الرقم، فعدد سور القرآن هو 114 سورة وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19. وكذلك عدد حروف أول آية في القرآن هو 19 حرفاً.
وعدد حروف القاف في سورة (ق) هو 57 حرفاً، وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19 أي يساوي 19×3. وكذلك عدد حروف الياء والسين في سورة (يس) هو 285 حرفاً أي 19×15.
ولكنه تسرَّع ونسي بقية الأعداد القرآنية وعلى رأسها الرقم سبعة، وقدَّم إحصائيات عن الحروف المقطعة أو المميزة في أوائل السور، ونتيجة هذه الإحصائيات أن جميع هذه الحروف تتكرر بشكل يتناسب مع الرقم 19، وتبين فيما بعد أن هذه الإحصائيات غير صحيحة، بل قدَّم أرقاماً بعيدة كثيراً عن الحقيقة، وهدفه من وراء ذلك ليبهر الناس باكتشافاته.
كما أنه تجاوز الحدود بمحاولة حسابه لموعد قيام الساعة الذي لا يعلمه إلا الله تعالى! وقام بحساب كل حرف من الحروف الواردة في أوائل بعض السور وهي الحروف المميزة (أو المقطعة كما يسميها البعض)، وفقاً لحساب الجُمَّل، هذا الحساب الذي لا يستند إلى أي أساس علمي، وجمع ثم طرح على طريقته ليخرج من ذلك بتحديد موعد يوم القيامة عام 1710 وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19!!!
ماذا عن بقية الباحثين؟
إن معظم الباحثين الذين اعتمدوا الرقم 19 أساساً لأبحاثهم، قد وقعوا في خطاٍ غير مقصود، إما في عدّ الحروف، وإما في منهج الحساب. وهذا لا يعني بأن التناسقات العددية القائمة على العدد 19 ليست موجودة، بل إننا نجد إعجازاً مذهلاً لهذا الرقم الذي ذكره الله تعالى في قوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر: 74/30].
كما أن هنالك أرقاماً أخرى جاء فيها التناسق مثل الرقم 11 الذي يشير إلى وحدانية الله تعالى. لأنه عدد أولي لا ينقسم إلا على نفسه وعلى الواحد وهو يتألف من 1 و 1.
ومن عجائب أرقام القرآن أن كلمة (الشهر) قد تكررت في القرآن كله 12 مرة بعدد أشهر السنة؟ أما كلمة (اليوم) فقد تكررت في كتاب الله تعالى 365 مرة بعدد أيام السنة؟
وقد جاء عدد مرات ذكر كلمة (الدنيا) في القرآن كلّه مساوياً لعدد مرات ذكر كلمة (الآخرة)، وقد تكررت كل كلمة من هاتين الكلمتين 115 مرة بالتمام والكمال!
ويمكن القول بأن معظم الباحثين الموجودين حالياً في العالم الإسلامي يتمتعون بالإخلاص إن شاء الله تعالى، وإن صدرت منهم بعض الهفوات أو الأخطاء الحسابية فذلك بسبب صعوبة البحث في هذا الوجه الإعجازي الحديث. وبسبب عدم وجود مراجع أو ضوابط في هذا العلم. ونأمل منهم أن يتحرّوا المنهج العلمي الثابت والمدعوم بآلاف النتائج الرقمية التي تُثبت نتائجهم بشكل قاطع.
هذا. وإن الذي يطلع على ما كُتب في الإعجاز العددي يلاحظ عدداً ضخماً من النتائج التي وصل إليها الباحثون في هذا العلم. ولكن نرى أن هذه النتائج قد خُلطت بنتائج أخرى تعتمد على المصادفة والاحتمالات. ومن الصعب جداً على القارئ العادي التمييز بينها، وهنا تكمن المشكلة.
فنجد أن القارئ العادي يأخذ جميع هذه النتائج على أنها معجزات! بينما القارئ الحذر غالباً ما يعتبر أن هذه النتائج هي محض مصادفات. ونحن لسنا مع كلا الطرفين.
بل يجب على المؤمن أن يتحرى الحقَّ أينما وُجد ويأخذ به، وفي الوقت نفسه يبحث عن الأخطاء ويتجنّبها.
وقد يكون من أهم الأخطاء التي يقع فيها من يبحث في هذا العلم، ما يُسمّى بالترميزات العددية، أي إبدال كل حرف من حروف القرآن الكريم برقم، وجمع الأرقام الناتجة بهدف الحصول على توافق مع رقم ما، أو للحصول على تاريخ لحدث ما. وقد يكون من أكثر أنواع التراميز شيوعاً ما سُمّي بحساب الجُمّل.
ماذا عن حساب الجُمّل؟
دأب كثير من الباحثين على إقحام حساب الجُمّل في كتاب الله تعالى، فما هي حقيقة هذا النوع من الحساب؟ وهل قدّم حساب الجُمَّل نتائج علمية صحيحة؟
 يُعتبر هذا النوع من الحساب الأقدم بين ما هو معروف في الإعجاز العددي. ويعتمد على إبدال كل حرف برقم، فحرف الألف يأخذ الرقم 1، وحرف الباء 2، وحرف الجيم 3، وهكذا وفق قاعدة أبجد هوّز.
وإنني أوجه سؤالاً لكل من يبحث في هذه الطريقة: ما هو الأساس العلمي لهذا الترقيم؟ وأظن بأنه لا يوجد جواب منطقي وعلمي عن سبب إعطاء حرف الألف الرقم 1، وحرف الباء الرقم 2، ... لماذا لايكون الباء 3 أو 4 مثلاً؟
فتجد أحدهم يقول إن جُمَّل كلمة (البيِّنة) هو 98 ، أي لو أعطينا لكل حرف من حروف هذه الكلمة رقماً يساوي قيمته في حساب الجمل وجمعنا الأرقام نجد العدد 98 وهذا هو رقم سورة البيِّنة في المصحف. وينطبق هذا الحساب على كلمة الحديد التي مجموع حروفها في حساب الجمَّل هو 57 وهذا هو رقم سورة (الحديد) في القرآن.
ولو أن الحال استمر على هذا المنهج لكانت النتائج مقبولة وليس هنالك أي احتمال للمصادفة، ولكن لدينا في المصحف 114 سورة، ووجود توافق ما لسورتين فقط هو أمر تتدخل فيه المصادفة بشكل كبير.
وعندما حاول بعضهم دراسة بقية السور لم تنضبط حساباته مع أرقام السور، لذلك فقد لجأ إلى تغيير المنهج وذلك مع سورة (النمل) التي رقمها في المصحف هو 27. ولكن هذه الكلمة في حساب الجمَّل تساوي 151 وهذا الرقم بعيد جداً عن رقم السورة. فلجأ هذا الباحث إلى عدد الآيات لسورة النمل وهو 93 وكان هذا الرقم بعيداً أيضاً عن جُمَّل الكلمة، فجمع رقم السورة مع عدد آياتها ليحصل على العدد 27+93 = 120 وهذا الأخير أيضاً بعيد عن قيمة الكلمة.
فحذف من كلمة (النمل) التعريف لتصبح غير معرفة هكذا (نمل)، وكانت المفاجأة بالنسبة له وجود تطابق بين جُمَّل كلمة (نمل) وهو 120 وبين مجموع رقم سورة النمل وعدد آياتها وهو 120 أيضاً.
والسؤال هنا: هل يُسمح للباحث بسلوك مناهج متعددة أو حذف حروف من أسماء السور للحصول على توافقات معينة؟ وهل يُسمح له أثناء تعامله مع كتاب الله تعالى أن يجمع عدد الآيات مع رقم السورة مرة، ثم يكتفي برقم السورة مرة ثم يأخذ اسم السورة كما هو مرة وفي الأخرى يحذف حروفاً من هذا الاسم؟؟
إن هذا الحساب لم يقدّم أية نتائج إعجازية، وإن كنا نلاحظ أحياناً بعض التوافقات العددية الناتجة عن هذا الحساب عن طريق المصادفة. ولكن إقحام حساب الجمّل في كتاب الله تعالى، قد يكون أمراً غير شرعي، وقد لا يُرضي الله تعالى.
لذلك فالأسلم أن نبتعد عن هذا النوع وما يشبهه من ترميزات عددية للأحرف القرآنية، والتي لا تقوم على أساس علمي أو شرعي، حتى يثبُت صِدْقُها يقيناً. وينبغي علينا أن نعلم بأننا نتعامل مع أعظم وأقدس كتاب على وجه الأرض.
ما فائدة الإعجاز العددي؟
قد يقول بعضهم ما الفائدة من دراسة لغة الأرقام في القرآن الكريم لاسيما أن هناك علوماً قرآنية كالفقه والعبادات والأحكام والقصص والتفسير جديرة بالاهتمام أكثر؟
أولاً وقبل كل شيء يجب أن نبحث عن منشأ الاتجاه السائد لدى شريحة من الناس، ومنهم علماء وباحثون، للتقليل من شأن المعجزة الرقمية في القرآن الكريم. فنحن نعلم جميعاً الأهمية الفائقة للغة الأرقام في العصر الحديث، حتى يمكن تسمية هذا العصر بعصر التكنولوجيا الرقمية، فقد سيطرت لغة الرقم على معظم الأشياء التي نراها من حولنا. وبما أن القرآن هو كتاب صالح لكل زمان ومكان فلابدّ أن نجد فيه إعجازاً رقمياً يتحدّى كل علماء البشر في القرن الواحد والعشرين.
 فالذين يظنون بأنه لا فائدة من الإعجاز الرقمي، إنما هم بعيدون عن تطورات العصر، وغالباً ليس لديهم اختصاص في الرياضيات. والغريب: كيف يمكن لإنسان لم يدرس الرياضيات أن ينتقد معجزة رياضية في كتاب الله تعالى أو ينكر هذه المعجزة الثابتة؟!!
الإعجاز العددي هو أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا، الهدف منه هو زيادة إيمان المؤمن كما قال تعالى: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) [المدثر: 74/31].
هذه المعجزة هي وسيلة أيضاً لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه لكي لا يرتاب ولا يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة، كما قال تعالى:(وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ).
ولكن الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزناً لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص كهذا؟ يخبرنا البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً). هذا هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الحال.
مبالغات يجب الابتعاد عنها
يُلاحظ على معظم الباحثين في الإعجاز العددي أنهم يركزون بحثهم في الأرقام، ويضخّمون حجم النتائج التي وصلوا إليها، ويُغفلون بقية جوانب الإعجاز القرآني، كالإعجاز البلاغي والتشريعي، أليس في ذلك مبالغة ينبغي الابتعاد عنها؟
إن هذه الملاحظة موجودة فعلاً، ولها ما يبرِّرها! فالبحث عن معجزة رقمية في كتابٍ هو القرآن لا يحوي أية معادلات أو أرقام باستثناء أرقام السور والآيات، هذه المهمة صعبة للغاية، وتتطلب من الباحث أن يكرِّس كل وقته وجهده وعمله لهذا البحث الشائك.
وتزداد المهمة صعوبة إذا علمنا أنه لا توجد مراجع لهذا العلم الناشئ. ومع ذلك فإنني على يقين بأن معجزات القرآن لا تنفصل عن بعضها. فالإعجاز العددي تابع للإعجاز البلاغي، وكلاهما يقوم على الحروف والكلمات. وقد تقودنا معاني الآيات إلى اكتشاف معجزة عددية!
وعلى كل حال ينبغي على من يبحث في الإعجاز العددي أن يهتم ويستفيد من بقية وجوه الإعجاز القرآني، ويدرك بأن المعجزة الرقمية ما هي إلا جزء يسير من بحر إعجاز كتاب الله تعالى.
الإعجاز العددي: هل يصرف المؤمن عن معاني ودلالات الآيات؟
  ولكن بعض علماء المسلمين يرون أن الاهتمام بعدّ كلمات وحروف القرآن قد يصرف المؤمن عن دلالات ومعاني الآيات ليهتدي بها إلى طريق الله تعالى!
هذا فهم خاطىء أيضاً! فكيف يمكن للخالق العظيم جلّ جلاله أن يضع شيئاً في كتابه ليصرف الناس عن فهم آيات هذا الكتاب؟!! إن كل حرف من حروف القرآن فيه معجزة لغوية وعددية تستحق التدبُّر والتفكُّر والتأمل.
 وبما أن هذا القرآن صادر من عند الله تعالى فإن كل شيء فيه هو من عند الله، ولا ينبغي لمؤمن حقيقي راسخ  في العلم أن يقول إن هذه المعجزة لا تعنيني لأنني مؤمن أصلاً، بل لسان حال المؤمن يقول دائما: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) [آل عمران: 3/7].
 إن تأمُّل كلمات القرآن وآياته وحروفَه من الناحية العددية يجعل المؤمن أكثر حفظاً واستحضاراً لهذه الآيات، وهذا الكلام عن تجربة طويلة تتجاوز عشر سنوات مع الإعجاز الرقمي.
وبالرغم من أنني أنفق وقتاً طويلاً على دراسة وتأمُّل المعجزات الرقمية، إلا أنني لم أنصرف عن دلالات الآيات، بل على العكس اكتسبتُ شيئاً جديداً وهو الدقة في تلاوة هذه الآيات، والحرص على كل حرف من حروف القرآن،  وأن كتاب الله تعالى أعظم وأكبر مما كنت أتصور!
هذا وإن المؤمن الذي أحبَّ الله ورسوله وأصبح القرآن منهجاً له في حياته لا ينبغي له أن ينأى بنفسه عن علوم العصر وتطوراته. وحال المؤمن دائماً في لهفةٍ لجديد هذا القرآن وجديد إعجازه، وما يُعلي شأن كلام الله وشأن هذا الدين. أما عن الأخطاء وبعض الانحرافات التي وقع بها بعض من بحثوا في لغة الأرقام القرآنية فيجب ألا تُثنيَنا عن دراسة هذا العلم الناشئ، بل يجب أن تكون حافزاً لنا لمعرفة الأخطاء لينمكّن من تجنّبها.
هل يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذه المعجزات؟
 وقد يسأل من ليس لديهم الخبرة والتجربة بعدّ الحروف وإحصاء الكلمات القرآنية، أليس من السهل على أي إنسان أن يركّب جُمَلاً يراعي فيها تكرار الحروف، إذاً أين الإعجاز؟
 في كتاب الله عزّ وجلّ نحن أمام مقياسين: مقياس لغوي ومقياس رقمي. فلا نجد أي نقص أو خلل أو اختلاف في لغة القرآن وبلاغته من أوله وحتى آخره، وفي الوقت نفسه مهما بحثنا في هذا الكتاب العظيم لا نجد أي اختلاف من الناحية الرقمية، فهو كتاب مُحكم لغوياً ورقمياً.
إن محاولة تقليد القرآن رقمياً سيُخل بالجانب اللغوي، فلا يستطيع أحد مهما حاول أن يأتي بكلام بليغ ومتوازن وبالوقت نفسه منظَّم من الناحية الرقمية، سيبقى النقص والاختلاف في كلام البشر، وهذا قانون إلهي لن يستطيع أحد تجاوزه، وهذا مانجد تصديقاً له في قول الحقّ تبارك وتعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 4/82]. أليس في هذه الآية دعوة لتأمّل التناسق في كلام الله تعالى، وتمييزه عن الاضطراب والاختلاف الموجود في كلام البشر؟ أليست هذه إشارة غير مباشرة لتدبُّر التناسق الموجود في كتاب الله تعالى من الناحية البيانيّة والعددية؟      
 هل ينطبق الإعجاز العددي على قراءات القرآن العشر؟
إن الأرقام في القرآن الكريم هي مثار خلاف عند كثير من العلماء والباحثين، وعدد قراءات القرآن عشر، وهذه قد تختلف من حيث عدد الآيات لكل سورة، فكيف نسمي هذه الأرقام حقائق يقينيّة، وهي قد تختلف من مصحف إلى آخر؟
والجواب عن هذه الشبهة نجده في قول الله عز وجل عن القرآن الكريم: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 4/82]. إذاً في كتاب الله ليس هناك اختلاف، بل تعدّد القراءات وتعدّد الأرقام، وهذا يعني تعدّد المعجزات وزيادة في الإعجاز. ويمكنني أن أقول بأن الإعجاز الرقمي يشمل جميع قراءات القرآن، ويشمل جميع كلماته وحروفَه وآياته وسورَه، حتى النقطة في كتاب الله تعالى لها نظام مُعْجِزْ!
 ولكن أبحاث الإعجاز العددي تقتصر حالياً على قراءة حفص عن عاصم وهو المصحف الإمام، فهذه القراءة هي الأوسع انتشاراً في العالم الإسلامي  وهي الموجودة بين أيدينا اليوم. وحتى نكتشف معجزة جديدة يجب علينا إجراء دراسة مقارنة لهذه القراءات من الناحية الرقمية، والنتيجة المؤكدة لهذه الدراسة أن كل قراءة فيها معجزة خاصة بها. وأن وجود عدد من القراءات هدفه زيادة عجز البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء: 17/88].
ولكن يجب أن نعلم بأن هذه القراءات متشابهة باستثناء حروف معدودة، ولكن طريقة اللفظ تتنوع من قراءة لأخرى تيسيراً من الله تعالى على عباده.
لذلك يمكن اعتبار أن النتائج العددية الصحيحة تنطبق بنسبة كبيرة على جميع روايات القرآن الكريم.
وينبغي على كل مؤمن أن يعلم بأن القرآن بجميع رواياته متناسق في ألفاظه ومعانيه، وفي آياته وسوره، وفي بيانه ودلالاته، وفي عدد كلماته وحروفه. وقد يُخفي هذا التعدّد لقراءات القرآن معجزة عظيمة، بيانيّة وعددية، ولكن عدم رؤية المعجزة، لا يعني أبداً أنها غير موجودة، إنما يعني أن رؤيتنا نحن البشر محدودة. 
هل يوجد إعجاز عددي في لفظ كلمات القرآن؟
وهنالك سؤال مهمّ: إلى أي حد تراعي أبحاث الإعجاز الرقمي لفظ  كلمات القرآن، إذ كما نعلم أن القرآن نزل مقروءاً وليس مكتوباً؟
إن الذي يقرأ كتاب الله يرى أن عدد الحروف المرسومة لا يساوي عدد الحروف الملفوظة غالباً، أي أن هناك تعدّداً في الأرقام، وتتعدد هذه الأرقام أكثر إذا لفظنا كلمات الآية باستمرار أو كل كلمة بمفردها.  وأن هنالك حروفاً تُكتب ولا تُلفظ، وحروفاً أخرى تُلفظ ولا تُكتب.
ومن هنا يمكن استنتاج الحقيقة المهمة وهي أن المعجزة تشمل رسم الكلمات ولفظها معاً! وهذا يزيد في الإعجاز. بل يجب أن نتساءل:
هل يوجد كتاب واحد في العالم يُقرأ على عشرة أوجه مثل القرآن؟؟ فكيف إذا علمنا بأن كل قراءة من هذه القراءات تحوي معجزة رقمية مذهلة؟!
هل يمكن معرفة الغيب باستخدام الأرقام القرآنية؟
وهنالك من يبالغ في مسألة الإعجاز العددي فيربط بعض الأرقام القرآنية بأحداث سياسية أو تاريخية كزوال إسرائيل وأحداث الحادي عشر من أيلول والتنبؤ بقيام الساعة، ألا يُعتبر هذا أحد منْزلقات الإعجاز العددي؟
إن المبالغات موجودة في كل العلوم، حتى في تفاسير القرآن! فقد تتعدد أراء العلماء حول تفسير بعض الآيات، وقد نجد تفسيرات متناقضة لبعض آيات القرآن، وقد نجد تفسيرات خاطئة أيضاً.
إن لغة الرقم هي اللغة التي نعبر بها عن الماضي والمستقبل، فنحن نعبر عن التواريخ بالأرقام كما نعبر عن الأعمال التي سنقوم بها مثل السفر أو الاستعداد لموسم الحج أو لشهر رمضان بالأرقام أيضا. وقد قال تعالى: (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) [الإسراء: 17/12].
واليوم يتنبَّأ علماء الفلك بموعد حدوث كسوف الشمس أو القمر بدقة تامَّة، وهذا لا يُعدُّ أمراً محرّماً. نعم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكن هنالك أشياء يمكن معرفتها بواسطة الحسابات، مثل الثقوب السوداء التي لا يمكن رؤيتها مطلقاً، ولكن يمكن حساب وتحديد بُعْدها عنا، ومقدار جاذبيتها، وسرعة حركتها بواسطة لغة الأرقام.
 إذاً المشكلة ليست في لغة الأرقام، بل في استعمال هذه اللغة بشكل علمي صحيح، فإذا جاء من يدّعي أنه استخرج من القرآن تاريخاً معيّناً أو حدثاً مستقبلياً، فإن عليه أن يأتي بالبرهان العلمي اليقيني الذي لا يعارضُه أحد فيه.
ومن الأفضل تجنب الحديث بغير علم وبرهان عن الغيب، وأن نتذكر قوله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 6/59].
لذلك ودرءاً للتأويلات البعيدة عن المنطق العلمي، نحاول من خلال الفقرة الآتية وضع ضوابط خاصة بأبحاث الإعجاز الرقمي، مع التذكير بأن هذه الضوابط ليست كل شيء بل باب الاجتهاد مفتوح أمام الباحثين والعلماء لتطوير هذا البحث وإغنائه. وبما أن معجزة القرآن متجددة كذلك الضوابط الخاصة بهذه المعجزة متجدّدة حسب المكان والزمان.
ضوابط الإعجاز الرقمي
يتألف البحث العلمي من ثلاثة عناصر، وهي المعطيات والمنهج والنتائج. فالمعطيات هي الأساس الذي يقوم عليه البحث القرآني، فإذا كانت هذه المعطيات صحيحة وكان المنهج المتبع في التعامل معها صحيحاً فلابدّ عندها أن تكون النتائج التي سيقدمها البحث صحيحة أيضاً.
أما إذا كانت المعطيات غير دقيقة أو غير صحيحة وكان المنهج المتبع في التعامل معها أيضاً متناقضاً ولا يقوم على أساس علمي، فإن النتائج بلا شكّ ستكون ضعيفة وغير مقنعة، وربما تكون خاطئة.
وحتى يكون البحث مقبولاً ويطمئن القلب إليه، يجب أن يوافق العلم والشرع، أي يجب أن يحقق الضوابط التالية لكل عنصر من عناصره:
 1- ضوابط خاصة بمعطيات البحث.
2- ضوابط خاصة بمنهج البحث.
3- ضوابط خاصة بنتائج البحث.
ضوابط خاصة بمعطيات البحث
بالنسبة لمعطيات البحث يجب أن تأتي من القرآن نفسه، ولا يجوز أبداً أن نُقحِم في كتاب الله عزّ وجلّ مالا يرضاه الله تعالى. وهذا ما جعل الكثير من الأبحاث تفقد مصداقيتها بسبب اعتماد الباحث على أرقام من خارج القرآن الكريم، كما حدث في حساب الجُمَّل.  فعندما نبدّل حروف اسم (الله) جلّ وعلا بأرقام، فنبدّل الألف بالواحد، واللام بثلاثين، واللام الثانية بثلاثين، والهاء بخمسة، وهذه هي قيم الحروف في حساب الجُمّل، ونَخْرُج بعد ذلك بعدد يمثل مجموع هذه الأرقام هو: 1 + 30 + 30 + 5 = 66، والسؤال: ماذا يعبّر هذا العدد 66 ؟! وهل يمكن القول بأن اسم (الله) يساوي 66 ؟؟؟ بل ما علاقة هذا الرقم باسم(الله) تبارك وتعالى؟
إن كتاب الله تعالى غزير بالعجائب والأسرار فلا حاجة للجوء إلى غيره، فنحن نستطيع أن نستنبط من كتاب الله تعالى آلاف الأرقام. ففي آية واحدة نستطيع أن نستخرج الكثير والكثير من المعطيات أو البيانات الرقمية الثابتة، مثلاً:
1- عدد كلمات هذه الآية.
2- عدد حروف الآية.
3- تكرار كل حرف من حروف الآية.
4- تكرار كل كلمة من كلمات الآية في القرآن.
5- أرقام السور التي وردت فيها كلمة ما من هذه الآية.
6- أرقام الآيات التي وردت فيها كلمة أو عبارة من القرآن.
7- توزع كل حرف من حروف الآية على كلماتها.
8- رقم هذه الآية في السورة.
9- رقم السورة حيث توجد هذه الآية.
10- أعداد حروف محددة في الآية مثل حروف الألف واللام والميم (الـم)، أو حروف اسم (الله)، أي الألف واللام والهاء. أو حروف أسماء الله الحسنى .... وغير ذلك مما لا يُحصى.
11- عدد حروف كلمات محددة من الآية، مثل حروف أول كلمة وآخر كلمة. وهكذا أرقام لا تكاد تنتهي، كلها من آية واحدة، فتأمل كم نستطيع استخراج أرقام من القرآن كلِّه؟
والسؤال: إذا كان لدينا هذا الكمّ الهائل من المعطيات والبيانات القرآنية الثابتة واليقينية، فلماذا نلجأ لأرقام أخرى من اصطلاحات البشر؟ وهل يُعقل أن الله تعالى عندما أنزل القرآن رتَّبه على حساب الجُمَّل؟؟!
 لذلك يمكن القول بأن المعطيات التي سنتعامل معها في موسوعتنا هذه جميعها وبلا استثناء تم استخراجها من القرآن نفسه، ولم نقحم أي رقم من خارج كتاب الله تعالى. لذلك يمكن تسمية النتائج التي توصلنا إليها بالحقائق اليقينية والثابتة.
كما ينبغي أن تكون طريقة استخراج المعطيات القرآنية ثابتة وغير متناقضة أبداً. فقد دأب كثير من الباحثين على استخراج أية أرقام تصادفه أو تتفق مع حساباته، فتجده تارة يعدّ الحروف كما تُكتب وفق الرسم القرآني، وتارة يعدُّ حروفاً أخرى كما تُلفظ، وتارة يخالف رسم القرآن بهدف الحصول على أرقام محددة تتفق مع حساباته، وغير ذلك مما لا يقوم على أساس علمي  أو شرعي.
وفي أبحاثنا هذه نتبع دائماً عدّ حروف الكلمات كما كُتبت في القرآن الكريم، ولا نخالف هذه القاعدة أبداً، وهذا ثابت في جميع الأبحاث التي سنقدمها للقارئ الكريم من خلال هذه الموسوعة بإذن الله تعالى.
ففي تدبُّرنا لأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى، وهي: (بسم الله الرحمن الرحيم)، استخرجنا أرقاماً ثابتة من داخل هذه الآية العظيمة. فعدد كلمات الآية هو 4 وعدد حروف كل كلمة من كلماتها هو: (بسم) عدد حروفها 3، وكلمة (الله) عدد حروفها 4، وكلمة (الرحمن) عدد حروفها 6..... وهكذا.
يتكرر حرف الألف في هذه البسملة 3 مرات، ويتكرر حرف اللام 4 مرات، ويتكرر حرف الهاء مرة واحدة.... وهكذا. رقم آية البسملة في القرآن هو 1، ورقم السورة حيث توجد هذه البسملة وهي سورة الفاتحة رقمها 1، وكل كلمة من كلمات البسملة تتكرر في القرآن عدداً محدداً من المرات، فكلمة (الله) تتكرر في كتاب الله 2699 مرة.
إن هذه الأرقام تتشابك وتترابط عند صفِّها لتشكل نسيجاً مُحكماً من الأعداد، والعجيب أن هذه الأعداد جميعاً من مضاعفات الرقم سبعة!
ضوابط خاصة بمنهج البحث
 أما الطريقة التي نعالج بها هذه المعطيات القرآنية فيجب أن تكون مبنيّة على أساس علمي  وشرعي. فلا يجوز استخدام طرق غير علمية، لأن القرآن كتاب الله تعالى، وكما أن الله بنى وأحكم هذا الكون بقوانين علمية محكمة، كذلك أنزل القرآن ورتبه وأحكمه بقوانين علمية محكمة، وقال عنه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود: 11/1]، وقال عنه أيضاً: (لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ) [النساء: 4/166].
وقد نرى من بعض الباحثين اتباع منهج غير علمي، فهو يجمع الحروف تارةً، ثم يطرح أرقام الآيات، وقد يضرب مرةً وأحياناً يقسّم وأخرى يحذف أو يضيف، حتى تنضبط حساباته لتوافق رقماً محدداً مسبقاً في ذاكرته. وبعضهم يسوق القارئ سوقاً باتجاه نتيجة وضعها سلفاً في ذهنه ويحاول أن يثبتها. ومثل هذه الأساليب غير المنهجية مرفوضة، إلا إذا قدّم صاحبها برهاناً مؤكداً على مصداقيتها.
إذن يجب أن يكون المنهج المتبع في معالجة البيانات القرآنية منهجاً علمياً وثابتاً، وعدم ثبات المنهج قد يكون من أهم الأخطاء التي يقع بها من يبحث في هذا العلم.
كما يجب ألا يكون هنالك تناقض بين طريقة معالجة المعطيات القرآنية وبين الطرائق العلمية الثابتة. أما في هذه الأبحاث التي سيعيش معها القارئ فسوف يكون منهجنا ثابتاً وفق طريقة صفّ الأرقام حسب تسلسلها في كتاب الله تعالى. فمن خلال الدراسة العلمية الطويلة والمركزة لآيات القرآن تبيّن أن طريقة صفّ الأرقام تحافظ على تسلسل كلمات القرآن، بينما طريقة جمع الأرقام لا تراعي ذلك.
وفكرة هذه الطريقة بسيطة للغاية، فهي تقوم على عدّ حروف كل كلمة من كلمات الآية، وقراءة العدد الناتج كما هو دون جمعه أو طرحه أو ضربه، وسوف تكون الأعداد الناتجة من مضاعفات الرقم سبعة دائماً وأبداً.
إن هذه الطريقة في صف الأرقام لم تكن موجودة على زمن الرسول الكريم، وهذا يعني أن التفسير الوحيد لوجود نظام كهذا في القرآن أنه كتاب الله ورسالته إلى البشر جميعاً.
وسوف تكون طريقتنا في استنباط المعجزة هي وضع المعطيات القرآنية الرقمية ومعالجتها حتى نحصل على توافق هذه الأرقام مع رقم محدد وهو الرقم سبعة، وهذا الرقم المميَّز في القرآن لم نقم باختياره بل إن الله تعالى هو الذي اختاره لكتابه، والعلاقات الرقمية المبهرة التي سنراها يمكن تسميتها بالحقائق الثابتة في كتاب الله تعالى.
فعلى سبيل المثال نذكر إحدى الحقائق الرقمية المهمة في كتاب الله تعالى، فعندما نقوم بعدّ حروف اسم (الله) في أول سورة من كتاب الله أي حروف الألف واللام والهاء نجد 49 حرفاً أي 7 × 7، فهذه حقيقة ثابتة لا ريب فيها، فهذا التوافق لاسم السورة وهو: (السبع المثاني)، مع عدد حروف (الله) فيها، وهو: (سبعة في سبعة) لم يأت عن طريق المصادفة، ولا يمكن أن ينكره عالم أو جاهل.
والسؤال: مَن الذي جعل عدد حروف اسم (الله) في أول سورة من كتاب الله يساوي (سبعة في سبعة)؟ ومن الذي سمَّى هذه السورة بالسبع المثاني؟ ومن الذي جعل عدد آيات هذه السورة العظيمة سبع آيات؟ أليس هو الله تعالى خالق السماوات السبع؟
ضوابط خاصة بنتائج البحث
 أما نتائج البحث القرآني فيجب أن تمثّل معجزة حقيقيّة لا مجال للمصادفة فيها. وينبغي على الباحث في هذا المجال إثبات أن نتائجه لم تأت عن طريق المصادفة، وذلك باستخدام قانون الاحتمالات الرياضي.
كما يجب أن يتنبه من يبحث في الإعجاز العددي إلى أن الأرقام هي وسيلة لرؤية البناء العددي القرآني، وليست هي الهدف! ويجب أن يبقى بعيداً عن منْزلقات التنبُّؤ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وأن يبتعد عن الاستدلال بهذه الأرقام على تواريخ أو أحداث سياسية.
ونحن لا ننكر أن القرآن يحوي كل العلوم ويحوي الماضي والمستقبل، ولكن يجب التثبُّت والتأنِّي والانتظار طويلاً قبل أن نستنبط شيئاً من كتاب الله له علاقة بعلم الغيب، فقد يثبُت خطأ هذا الاستنباط مستقبلاً، فنكون بذلك قد وضعنا حجّة في يد أعداء الإسلام للطعن في هذا الدين.
في هذه الموسوعة سوف نعيش مع أكثر من 700 حقيقة رقمية جميعها جاءت فيها الأعداد من مضاعفات الرقم سبعة!! وبما أن المنهج ثابت والمعطيات ثابتة ومن داخل القرآن، فإن هذه الحقائق تمثل معجزة لا مجال للمصادفة فيها أبداً إن شاء الله تعالى.

منهج البحث في هذه الموسوعة
لقد قمنا بسلوك طريق محددة في الأبحاث التي بين أيدينا في هذه الموسوعة، وهي استخراج الأرقام من القرآن والبحث عن العلاقات الرقمية التي أودعها الله تعالى في هذه الأرقام.
ويمكن للقارئ أن يتوقع رؤية التناسقات العجيبة مع الرقم سبعة، وذلك في المجالات الآتية:
1- العلاقات التي تربط بين عدد حروف كل كلمة من كلمات الآية، وعدد حروف أول كلمة وآخر كلمة في الآية، وذلك بهدف رؤية أسرار حروف القرآن وأن الطريقة التي كُتبت بها كلمات القرآن هي طريقة معجزة.
2- توزع حروف محددة داخل كلمات الآية، مثل توزع حروف الألف واللام والهاء المكونة لاسم (الله) تعالى وغيره من أسماء الله الحسنى، وتوزع الحروف المميزة مثل (الم) وغيرها من الحروف، لنرى من خلال هذا التوزع إعجاز هذه الحروف وأنه لا يمكن لبشر أن يركب جملاً بليغة ويجعل كل حرف يتوزع بنظام يقوم على الرقم سبعة.
3- العلاقة التي تربط أرقام الآيات والسور التي وردت فيها كلمة ما، وذلك من خلال دراسة تكرار هذه الكلمة في القرآن كلِّه. وهذا يؤكد أن الله تعالى قد وضع كل كلمة من كلمات القرآن بدقَّة متناهية، ولو تغير ترتيب الآيات والسور لاختل هذا البناء المحكم.
4- العلاقات الرقمية التي تربط بين رقم السورة ورقم الآية وعدد الكلمات وعدد الحروف، وذلك من أجل رؤية الإحكام والترابط والتماسك في بناء آيات وسور القرآن الكريم، وإثبات أنه كتاب محكم ومترابط ومتكامل، ولو كان من صنع بشر لما رأينا فيه هذا التماسك والترابط المعجز.
5- البحث عن العلاقات الرقمية التي تربط سور القرآن، ورؤية البناء المذهل لارتباط أول آية في القرآن مع بعض آيات القرآن برباط سباعي، وكذلك ارتباط أول سورة من القرآن مع بعض سور القرآن. وارتباطات أخرى وتناسقات مذهلة جميعها تقوم على الرقم سبعة ومضاعفاته.
الأساس العلمي والشرعي لعدّ الكلمات القرآنية
سوف نعتبر واو العطف كلمة مستقلة عما قبلها وما بعدها، والسبب في ذلك هو أن النظام الرقمي الذي سنراه ونلمسه والقائم على الرقم 7 لا ينضبط إلا على هذا الأساس.
إن اعتبار واو العطف كلمة مستقلة له أساس شرعي، وهو أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، عندما كُتب القرآن بين يديه، كانت واو العطف تُكتب منفصلة ومستقلة عن الكلمة التي قبلها والكلمة التي بعدها.
وهذا ما نراه يقيناً في المخطوطات التي تعود لزمن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه. والصورة التالية توضح نموذجاً للمصاحف التي كُتبت في ذلك الزمن، و تُظهر عدم وجود ارتباط بين واو العطف والكلمة التي بعدها.
أما الدليل العلمي فنجده في القرآن نفسه، وتحديداً في قصة أصحاب الكهف. فجميعنا يعلم بأن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 309 سنوات. وهذا بنص القرآن الكريم, يقول تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف: 18/25].
فالقصة تبدأ بقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً * ...) [الكهف: 18/9-13].
 وتنتهي عند قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) [الكهف: 18/25-26].
والسؤال: هل هنالك علاقة بين عدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف  وبين عدد كلمات النص القرآني؟ وبما أننا نستدلّ على الزمن بالكلمة فلابدَّ أن نبدأ وننتهي بكلمة تدلّ على زمن. وبما أننا نريد أن نعرف مدة ما (لبثوا) إذاً فالسرّ يكمن في هذه الكلمة.
فلو تأملنا النص القرآني الكريم منذ بداية القصة وحتى نهايتها، فإننا نجد أن الإشارة القرآنية الزمنية تبدأ بكلمة (لبثوا) وتنتهي بالكلمة ذاتها، أي كلمة (لبثوا).
والعجيب جداً أننا إذا قمنا بعدّ الكلمات مع عد واو العطف كلمة مستقلة وذلك بدءاً من كلمة (لبثوا) الأولى وحتى كلمة (لبثوا) الأخيرة، فسوف نجد بالتمام والكمال 309 كلمات بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف!!!!!
تطابق مذهل!!
وهذا هو النص القرآني لمن أحب التأكد من صدق هذه الحقيقة، ولاحظ عزيزي القارئ كيف بدأنا العدّ من كلمة (لبثوا) الأولى، وتوقفنا عند كلمة (لبثوا) الأخيرة وعدد الكلمات بينهما يتطابق مع مدلول هذه الكلمة الزمني:
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا  
لَبِثُوا*أَمَداً*نَحْنُ*نَقُصُّ*عَلَيْكَ*نَبَأَهُم*بِالْحَقِّ*إِنَّهُمْ*فِتْيَةٌ*آمَنُوا*10
بِرَبِّهِمْ*وَ*زِدْنَاهُمْ*هُدًى*و*رَبَطْنَا*عَلَى*قُلُوبِهِمْ*إِذْ*قَامُوا*20
فَقَالُوا*رَبُّنَا*رَبُّ*السَّمَاوَاتِ*وَ*الْأَرْضِ*لَن*نَّدْعُوَ*مِن*دُونِهِ*30
إِلَهاً*لَقَدْ*قُلْنَا*إِذاً*شَطَطاً*هَؤُلَاء*قَوْمُنَا*اتَّخَذُوا*مِن*دُونِهِ*40
آلِهَةً*لَّوْلَا*يَأْتُونَ*عَلَيْهِم*بِسُلْطَانٍ*بَيِّنٍ*فَمَنْ*أَظْلَمُ*مِمَّنِ*افْتَرَى*50
عَلَى*اللَّهِ*كَذِباً*وَ*إِذِ*اعْتَزَلْتُمُوهُمْ*وَ*مَا*يَعْبُدُونَ*إِلَّا*60
اللَّهَ*فَأْوُوا*إِلَى*الْكَهْفِ*يَنشُرْ*لَكُمْ*رَبُّكُم*مِّن*رَّحمته*و*70
يُهَيِّئْ*لَكُم*مِّنْ*أَمْرِكُم*مِّرْفَقاً*وَ*تَرَى*الشَّمْسَ*إِذَا*طَلَعَت*80
تَّزَاوَرُ*عَن*كَهْفِهِمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*إِذَا*غَرَبَت*تَّقْرِضُهُمْ*ذَاتَ*90
الشِّمَالِ*وَ*هُمْ*فِي*فَجْوَةٍ*مِّنْهُ*ذَلِكَ*مِنْ*آيَاتِ*اللَّهِ*100
مَن*يَهْدِ*اللَّهُ*فَهُوَ*الْمُهْتَدِ*وَ*مَن*يُضْلِلْ*فَلَن*تَجِدَ*110
لَهُ*وَلِيّاً*مُّرْشِداً*وَ*تَحْسَبُهُمْ*أَيْقَاظاً*وَ*هُمْ*رُقُودٌ*وَ*120
نُقَلِّبُهُمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*ذَاتَ*الشِّمَالِ*وَ*كَلْبُهُم*بَاسِطٌ*ذِرَاعَيْهِ*130
بِالْوَصِيدِ*لَوِ*اطَّلَعْتَ*عَلَيْهِمْ*لَوَلَّيْتَ*مِنْهُمْ*فِرَاراً*وَ*لَمُلِئْتَ*مِنْهُمْ*140
رُعْباً*وَ*كَذَلِكَ*بَعَثْنَاهُمْ*لِيَتَسَاءلُوا*بَيْنَهُمْ*قَالَ*قَائِلٌ*مِّنْهُمْ*كَمْ*150
لَبِثْتُمْ*قَالُوا*لَبِثْنَا*يَوْماً*أَوْ*بَعْضَ*يَوْمٍ*قَالُوا*رَبُّكُمْ*أَعْلَمُ*160
بِمَا*لَبِثْتُمْ*فَابْعَثُوا*أَحَدَكُم*بِوَرِقِكُمْ*هَذِهِ*إِلَى*الْمَدِينَةِ*فَلْيَنظُرْ*أَيُّهَا*170
أَزْكَى*طَعَاماً*فَلْيَأْتِكُم*بِرِزْقٍ*مِّنْهُ*وَ*لْيَتَلَطَّفْ*وَ*لا*يُشْعِرَنَّ*180
بِكُمْ*أَحَداً*إِنَّهُمْ*إِن*يَظْهَرُوا*عَلَيْكُمْ*يَرْجُمُوكُمْ*أَوْ*يُعِيدُوكُمْ*فِي*190
مِلَّتِهِمْ*وَ*لَن*تُفْلِحُوا*إِذاً*أَبَداً*وَ*كَذَلِكَ*أَعْثَرْنَا*عَلَيْهِمْ*200
لِيَعْلَمُوا*أَنَّ*وَعْدَ*اللَّهِ*حَقٌّ*وَ*أَنَّ*السَّاعَةَ*لَا*رَيْبَ*210
فِيهَا*إِذْ*يَتَنَازَعُونَ*بَيْنَهُمْ*أَمْرَهُمْ*فَقَالُوا*ابْنُوا*عَلَيْهِم*بُنْيَاناً*رَّبُّهُمْ*220
أَعْلَمُ*بِهِمْ*قَالَ*الَّذِينَ*غَلَبُوا*عَلَى*أَمْرِهِمْ*لَنَتَّخِذَنَّ*عَلَيْهِم*مَّسْجِداً*230
سَيَقُولُونَ*ثَلاثَةٌ*رَّابِعُهُمْ*كَلْبُهُمْ*وَ*يَقُولُونَ*خَمْسَةٌ*سَادِسُهُمْ*كَلْبُهُمْ*رَجْماً*240
بِالْغَيْبِ*وَ*يَقُولُونَ*سَبْعَةٌ*وَ*ثَامِنُهُمْ*كَلْبُهُمْ*قُل*رَّبِّي*أَعْلَمُ*250
بِعِدَّتِهِم*مَّا*يَعْلَمُهُمْ*إِلَّا*قَلِيلٌ*فَلَا*تُمَارِ*فِيهِمْ*إِلَّا*مِرَاء*260
ظَاهِراً*وَ*لَا*تَسْتَفْتِ*فِيهِم*مِّنْهُمْ*أَحَداً*وَ*لَا*تَقُولَنَّ*270
لِشَيْءٍ*إِنِّي*فَاعِلٌ*ذَلِكَ*غَداً*إِلَّا*أَن*يَشَاءَ*اللَّهُ*وَ*280
اذْكُر*رَّبَّكَ*إِذَا*نَسِيتَ*وَ*قُلْ*عَسَى*أَن*يَهْدِيَنِ*رَبِّي*290
لِأَقْرَبَ*مِنْ*هَذَا*رَشَداً*وَ*لَبِثُوا*فِي*كَهْفِهِمْ*ثَلاثَ*مِئَةٍ*300
سِنِينَ*وَ*ازْدَادُوا*تِسْعاً*قُلِ*اللَّهُ*أَعْلَمُ*بِمَا*لَبِثُوا*309
إذن البعد الزمني للكلمات القرآنية بدأ بكلمة (لبثوا) وانتهى بكلمة (لبثوا)، وجاء عدد الكلمات من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة مساوياً ومطابقاً للزمن الذي تعبِّر عنه هذه الكلمة أي الزمن الذي لبثه أصحاب الكهف والذي حدده البيان الإلهي بالرقم 309. أليست هذه معجزة قرآنية ينبغي على كل محبٍّ للقرآن أن يتدبَّرها؟
والعجيب أيضاً أن عبارة (ثلاث مئة) في هذه القصة جاء رقمها 300، وهذا يدلّ على التوافق والتطابق بين المعنى اللغوي للكلمة وبين الأرقام التي تعبر عن هذه الكلمة.
ويجب أن نؤكد بأن علماء اللغة لا يعدون واو العطف كلمة مستقلة، بل يتبعونها ويُلحقونها بالكلمة التي بعدها، وقد بيَّنت البحوث التي نراها في الإعجاز العددي من قبل الكثير من الباحثين أن هذا الأساس في عدم عدّ واو العطف كلمة، هو صحيح ويعطي نتائج إعجازية. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على وجود أكثر من طريقة لعدّ الكلمات في القرآن. ولكننا في هذه الموسوعة نفضّل الالتزام بمنهج ثابت ولا نخالفه أبداً.
إن وجود أكثر من طريقة للعد والإحصاء في القرآن يزيد في حجم المعجزة القرآنية وتعقيدها، وأنها صادرة من الله العزيز العليم. فهل يوجد كتاب واحد في العالم تبقى حروفه وكلماته منضبطة كيفما عددنا الكلمات ومهما اتبعنا من طرق للعدّ والإحصاء؟
الأساس القرآني والرياضي لطريقة صفّ الأرقام
ما هي الطريقة الرياضية الأنسب التي اختارها الله تعالى ليحفظ بها القرآن من التحريف ؟ هذه الطريقة ستكون بمثابة برهان وتوقيع إلهي على صدق كلامه عز وجل.
 إنها طريقة صفّ الأرقام، وأساس هذه الطريقة معروف في علم الرياضيات فيما يُسمّى بالسلاسل الحسابية العشرية. فنحن عندما نكتب أي عدد يتألف من مراتب أو منازل، فإن كل مرتبة فيه تتضاعف عشر مرات عما يسبقها: آحاد ثم عشرات ثم مئات ثم ألوف... وهكذا. وهذا النظام له أساس قرآني في قوله تعالى عن مضاعفة الأجر: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام: 6/160].
نحن جميعاً نعلم العمليات الحسابية الأربعة: الجمع والضرب والقسمة والطرح. إن عملية الجمع يمكن أن تضبط العدد الإجمالي للحروف أو الآيات أو السور، ولكن لا تستطيع ضبط التفاصيل داخلها!
إن الله عزّ وجلّ قد رتّب كلمات كتابه بتسلسل محدّد، ولا يجوز أبداً تغيير هذا التسلسل، لذلك ينبغي دراسة الأرقام التي تعبّر عن هذه الكلمات بحيث نحافظ على تسلسلها. فكما أنه لكل كلمة من كلمات القرآن مَنْزِلة، يجب أن يكون لكل رقم مَنْزِلة أيضاً.
أما سبب صفّ الأرقام فإن لهذه الطريقة ميزات لا تتوفر في غيرها، فعندما نصفّ أرقام الآيات مثلاً، أو عدد حروف كل كلمة صفًّا نحافظ على تسلسل هذه الآيات وهذه الكلمات وترتيبها بينما إذا جمعنا هذه الأرقام جمعاً اختفى هذا التسلسل وهذا الترتيب.
وعندما نصّف عدد حروف كل كلمة صفّاً فإن العدد الناتج نرى فيه جميع هذه الأرقام رؤية مباشرة، بينما إذا جمعنا هذه الأرقام اختلطت ولم نعد نميِّز بينها. كما أن عملية صفّ الأرقام بحيث نعطي لكل رقم مَنْزلة ومرتبة يؤدي إلى إنتاج أعداد ضخمة جداً وهذا يزيد من تعقيد المعجزة الرقمية.
ولكي نرى تفاصيل ودقائق ونتائج هذه الطريقة نبدأ بما بدأ الله به كتابه، وهي أول آية من القرآن الكريم: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وسوف نرى فيها ترتيباً معجزاً في حروفها وكلماتها، والسؤال الذي ينبغي على القارئ تذكّره:
كيف جاءت هذه التوافقات الغزيرة مع الرقم سبعة؟ وهل يستطيع البشر أن يأتوا بمثلها؟ وهل ندرك من خلال هذه الأرقام عظمة وروعة القرآن؟