Translate

الجمعة، 25 أبريل 2014

أهمية السجود وإعجازه


هل هناك فوائد للسجود في حياتنا اليومية، وهل هناك إعجاز
 في ذكر السجود في القرآن، وكم مرة ورد ذكر السجود في القرآن
وما علاقة هذا العدد بسورة السجدة؟؟
 لنتأمل هذه المقالة اللطيفة........

من الأشياء التي لفتت انتباهي أيها الأحبة هذا التصوير الإلهي الرائع
الذي يصف لنا حال أولئك الخاشعين المؤمنين الذين تأثروا بكلام الحق
تبارك وتعالى فلم يجدوا إلا أن يخروا ساجدين أمام عظمة كتاب الله
وعظمة معانيه ودلالاته، ولكن للأسف على الرغم من المعجزات الكثيرة
التي نراها اليوم لا نكاد نتأثر أو نتفاعل مع هذا الكلام العظيم.
 انظروا معي:

 { وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *
 وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا *
 قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ
إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا *
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا *
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا }
 [الإسراء: 105-109].

سؤال أطرحه على نفسي:
 لماذا لا نتفاعل مع كلام الله تعالى ولا نسجد من تلقاء أنفسنا
عندما نسمع آية أو عندما ندرك ما تحويه من إعجاز مبهر؟
 إن الجواب ببساطة هو أننا لم ندرك أبعاد ومعنى هذا الكلام العظيم.
فالإنسان عندما يقف أمام لوحة رائعة أو يسمع مقطوعة موسيقية وهو
بعيد عن الفن والذوق الفني، لا يتأثر ولا يحس بأي شيء، بينما تجد
إنساناً آخر يبكي لدى سماع الموسيقى، ويتأثر ويتمايل عندما يسمع
 لحناً جميلاً، فإذا كان هذا حال من يستمع لشيء من كلام البشر، فكيف
 بمن يستمع إلى كلام خالق البشر ولا يتأثر؟
إذن يمكننا القول إن مفتاح التأثر هو الإدراك والفهم، أن ندرك ما نقرأه
ونفهم ما نسمعه، ومفتاح الفهم هو أن ندرك أهمية هذا الشيء،
 فما هي أهمية السجود بالنسبة لنا كمؤمنين؟

لماذا نسجد لله؟!
1- إن العبد يكون أقرب ما يمكن من الله في حالة السجود.

2- إن كل شيء يسجد لله في هذا الكون: الشمس والقمر والنجوم والشجر
وحتى كل خلية من خلايا جسد وكل ذرة من ذرات هذا الكون:

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ
وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }
 [الحج: 18].

3- إن كل سجدة تسجدها لله يرفعك بها درجة، وكل درجة تساوي
ما بين السماء والأرض!!

4- السجود هو رياضة لتفريغ الشحنات الزائدة ولتنشيط الدورة الدموية
وللزيادة التركيز وتدريب الإنسان على الصبر والهدوء (لاحظوا معي
 أن الإنسان الانفعالي سريع الغضب لا يستطيع أن يطيل سجوده!).

5- انظروا معي إلى حال هؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه بقوله

{ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }
 [الفرقان: 64]

 فما هو جزاؤهم؟ انظروا معي:

 { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا }
 [الفرقان: 75].

 وانظروا معي كيف قرن الله بين السجود في الليل وبين الصبر، وهذا دليل
على أن كثرة السجود تعالج الانفعالات وتزيد الإنسان صبراً!

عدم السجود أخرج إبليس من الجنة
لقد ربط القرآن بين السجود والتكبر، والتكبر مرض عضال، وحتى في
علم النفس يعتبرون أن التكبر حالة شاذة تسبب التوتر النفسي، بل إن
الدراسات العلمية أظهرت أن أطول الناس أعماراً هم أكثرهم تواضعاً وتسامحاً!
ولذلك قال تعالى عن إبليس وتكبره ورفضه السجود لآدم:

 { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ *
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ *
قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *
 قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *
 ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ
وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ *قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا
 لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ }
 [الأعراف: 11-18].

انظروا معي كيف أن السجود مرتبط بالتكبر، فكلما كان الإنسان أكثر
سجوداً لله كان أكثر تواضعاً، ومن تواضع لله رفعه الله تعالى، ولكن
في هذا العصر للأسف لا تكاد تجد من يتواضع لله تعالى!

الهدهد أعقل من  بعض البشر!
انظروا معي ماذا قال الهدهد لسيدنا سليمان بعدما رجع من مدينة سبأ:

{ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ *
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ
 فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ *
 أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
 وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }
[النمل: 23-26].

 والله إن الذي يسمع هذا الكلام يظن بأنه كلام صالح أو نبي أو عالم،
ولكنه كلام هدهد نظنه أنه لا يعقل.
هناك نظرية لبعض علمائنا يقترحون فيها أن الكعبة هي مركز الأرض
 بل مركز الكون، ولذلك أمرنا الله بالتوجه إليها في صلاتنا وسجودنا،
وعلى الرغم من عدم وجود دليل علمي على مركزية الكعبة،
إلا أننا نؤمن بأنها مركز الكون لأنها بيت الله تعالى.

عجيبة رقمية في السجود!
في القرآن الكريم هناك سورة اسمها (السجدة) والشيء الذي لفت انتباهي
 أيها الأحبة أن رقم هذه السورة في القرآن هو 32، وعندما بحثتُ
عن السجود في القرآن وجدته يتكرر في 32 سورة بالضبط!!!
وقد وردت فيها آية السجدة يقول تعالى:

{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا
 وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }
 [السجدة: 15].

تأملوا معي هذه التوافقات العجيبة:
- رقم هذه الآية كما نرى هو 15 وعدد السجدات في القرآن هو 15 أيضاً!!

- ولكن عدد كلمات هذه الآية هو 17 وعدد الركعات المفروضة
كل يوم هو 17 ركعة!

- لاحظوا معي الكلمة التي تشير إلى السجود في هذه الآية وهي كلمة:
(سُجَّدًا) جاء قبلها 8 كلمات، وبعدها 8 كلمات وهي في الوسط!

ملاحظة:
نعتبر واو العطف كلمة مستقلة في جميع أبحاث الإعجاز العددي
 (انظر موسوعة الإعجاز الرقمي للمؤلف).

وربما نتذكر ذلك الصحابي الذي سأل النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام
عن أعظم عمل يقرب إلى الله تعالى فأوصاه بكثرة السجود، فهل تسجد
أخي القارئ لله تعالى ولو مرة كل يوم عند سماعك لآية

 أو رؤيتك لمعجزة علمية تتجلى في كتاب ربك!

الولاء والبراء... شرط في الإيمان


أهمية الولاء والبراء ]
 
إن الولاء والبراء شرط في الإيمان،
 كما قال سبحانه:

{ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ
أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ
 وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء
وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
 [المائدة:83-84].

يقول ابن تيمية عن هذه الآية:
 فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف
(لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال:

{ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء }

فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع
الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء،
ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه... .

والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان،
 كما قال صلى الله عليه وسلم:

( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) .

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب:
 فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر إلا بالحب في دين الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة
في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة
ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار،
ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .

ويقول الشيخ حمد بن عتيق:
فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك،
وأكد إيجابه وحرّم موالاتهم وشدد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى
حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد،
وتحريم ضده .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلـم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم،
فعن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال:

 أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله أبسط
يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال:

( أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة،
 وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين ) .

وجاء من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده:

( قلت يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن - لأصابع
يديه - ألا آتيك، ولا آتي دينك، وإني كنت امرءاً لا أعقل شيئاً
إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بما
بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟ قال:
أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخليت، وتقيم الصلاة،
وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران،
 لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا
ً أو يفارق المشركين إلى المسلمين .)

وما أجمل تلك العبارة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل قائلاً:
إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهـم
في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى
مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراونـدي والمعري عليهـما لعائن
الله ينظمـون وينثرون كفراً... وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم،
 واشتريت تصانيفهـم، وهذا يدل على برودة الديـن في القلب .

وأما معنى الولاء فهو المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض
والعداوة والبعد، والولاء والبراء من أعمال القلوب، لكن تظهر
مقتضياتهما على اللسان والجوارح.

يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
وأصل الموالاة الحب، وأصل المعادة البغض، وينشأ عنهما من أعمال
 القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة
والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال .

والولاء لا يكون إلا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين
قال سبحانه:

 { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }
[المائدة:55].

فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم،
والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم، وتشييع ميتهم،
وإعانتهم، والرحمة بهم، وغير ذلك .والبراءة من الكفار تكون ببغضهم –
 ديناً - ومفارقتهم، وعدم الركون إليهم، أو الإعجاب بهم، والحذر من
التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعاً، وجهادهم بالمال واللسان والسنان،
 ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله .

2- ولما كانت موالاة الكفار تقع على شعب متفاوتة، وصور مختلفة، لذا
فإن الحكم فيها ليس حكماً واحداً، فإن من هذه الشعب والصور ما يوجب
الردة، ونقض الإيمان بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من المعاصي .

يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
 ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون
والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، قد يراد بها
مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول
هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية
أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة .

وهذه الموالاة التي تناقض الإيمان، قد تكون اعتقاداً فحسب، وقد تظهر
في أقوال وأعمال. والذي يهمنا في هذا المبحث الموالاة العملية، حيث
سنورد مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين كمثال لتلك الموالاة، وقبل
 أن نفصل الحديث عن تلك المسألة، فإننا نوضح - باختصار - جملة من
الأمثلة على تلك الموالاة العملية، نظراً لعظم خطرها، وسعة انتشارها،
وكثرة الوقوع فيها، فنذكر منها ما يلي:

أ- من أقام ببلاد الكفر رغبةً واختياراً لصحبتهم، فيرضى ما هم عليه
من الدين، أو يمدحه، أو يرضيهم بعيب المسلمين، فهذا كافر عدو لله ورسوله
 لقوله تعالى:

{ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ
 وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ }
[آل عمران:28] .

يقول ابن رشد:
 فإذا وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على من أسلم ببلد الحرب أن
يهاجر، ويلحق بدار المسلمين ولا يثوي بين المشركين، ويقيم بين
أظهرهم لئلا تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم
حيث تجري علينا أحكامهم في تجارة أو غيرها، وقد كره مالك رحمه الله تعالى
أن يسكن أحد ببلد يسب فيه السلف فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن، وتعبد
فيه من دونه الأوثان، ولا تستقر نفس أحد على هذا إلا وهو مسلم سوء،
مريض الإيمان .

ومما حرره ابن حزم في هذه المسألة قوله:
قد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أَبِقَ عن الله تعالى
 وعن إمام المسلمين وجماعتهم، ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم
أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهو عليه السلام لا يبرأ
إلا من كافر،
 قال تعالى:

{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }
[التوبة:71].

قال أبو محمد:
 فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من
المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل
عليه، متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم. وأما من فرّ إلى أرض
 الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم عليه، ولم يجد
 في المسلمين من يجيره فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره .

ويقول في موضع آخر:
 من لحق بأرض الشرك بغير ضرورة فهو محارب، هذا أقل أحواله إن
سلم من الردة بنفس فراقه جماعة الإسلام، وانحيازه إلى أرض الشرك .

ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى:

 { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ
قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
 فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا }
[النساء:97]:

 هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين
 وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم
 لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع .

ولما سئل أحمد بن يحيى الونشريسي عن قوم من الأندلسيين هاجروا من
بلادهم الأندلس - وقد كانت دار شرك - إلى دار الإسلام في بلاد المغرب...
ثم ندموا على تلك الهجرة، وسخطوا وصرحوا بذم دار الإسلام، ومدح دار
الكفر وأهله... فكتب رحمه الله جواباً مبسوطاً عن هذه النازلة، بعنوان:
(أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر،
وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر) فأورد النصوص الشرعية
في تحريم الموالاة الكفرية، ووجوب الهجرة إلى دار الإسلام ثم قال:
 وتكرار الآيات في هذا المعنى وجريها على نسق وتيرة واحدة مؤكد
للتحريم، ورافع للاحتمال المتطرق إليه، فإن المعنى إذا نُصّ عليه
 وأُكّد بالتكرار فقد ارتفع الاحتمال لا شك، فتتعاضد هذه النصوص
 القرآنية والأحاديث النبوية والاجتماعات القطعية على هذا النهي
، فلا تجد في تحريم هذه الإقامة، وهذه الموالاة الكفرانية مخالفاً من
 أهل القبلة المتمسكين بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه،
 ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فهو تحريم مقطوع به من الدين...
ومن خالف الآن في ذلك أو رام الخلاف من المقيمين معهم والراكنين
إليهم، فجوز هذه الإقامة واستخفّ أمرها واستسهل حكمها، فهو مارق
من الدين، ومفارق لجماعة المسلمين، ومحجوج بما لا مدفع فيه لمسلم،
ومسبوق بالإجماع الذي لا سبيل إلى مخالفته وخرق سبيله .وجاء في آخر
فتواه، قوله للسائل: وما ذكرت عن هؤلاء المهاجرين من قبيح الكلام
وسبّ دار الإسلام، وتمني الرجوع إلى دار الشرك والأصنام، وغير ذلك
من الفواحش المنكرة التي لا تصدر إلا من اللئام، يوجب لهم خزي الدنيا
والآخرة وينزلهم أسوأ المنازل، والواجب على من مكنه الله في الأرض
ويسره لليسرى أن يقبض على هؤلاء وأن يرهقهم العقوبة الشديدة،
والتنكيل المبرح ضرباً وسجناً حتى لا يتعدوا حدود الله؛ لأن فتنة هؤلاء
أشد ضرراً من فتنة الجوع والخوف ونهب الأنفس والأموال، وذلك أن
من هلك هنالك فإلى رحمة الله تعالى وكريم عفوه، ومن هلك دينه فإلى
لعنة الله وعظيم سخطه، فإن محبة الموالاة الشركية، والمساكنة
النصرانية والعزم على رفض الهجرة والركوب إلى الكفار، والرضى
 بدفع الجزية إليهم، ونبذ العزة الإسلامية، والطاعة الإمامية، والبيعة
السلطانية، وظهور السلطان النصراني عليها وإذلاله إياها فواحش
عظيمة مهلكة قاصمة للظهر يكاد أن تكون كفراً والعياذ بالله .

ويقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
الإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر الرفض، ودين الإفرنج
ونحوهم من المعطلة للربوبية والإلهية، وترفع فيها شعائرهم، ويهدم
الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة
والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل
بدر وبيعة الرضوان، فالإقامة بين أظهرهم والحالة هذه لا تصدر عن قلب
باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين... بل لا يصدر عن قلبٍ رضي بالله
رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فإن الرضى بهذه
الأصول الثلاثة قطب الدين، وعليه تدور حقائق العلم واليقين، وفي قصة
إسلام جرير بن عبدالله أنه قال يا رسول الله بايعني واشترط،
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:

( تعبدالله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة
 وأن تفارق المشركين )
أخرجه أبو عبدالرحمن النسائي

، وفيه إلحاق مفارقة المشركين بأركان الإسلام ودعائمه العظام.

ب- من أطاع الكفار في التشريع والتحليل والتحريم، فأظهر الموافقة
في ذلك، فهو كافر وخارج عن الملة، وسنورد بعض النصوص القرآنية
في هذا الشأن:
يقول تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }
 [آل عمران:100].

ومما قاله أبو السعود في تفسير هذه الآية:
 وتعليق الرد بطاعة فريق منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجاب
الاجتناب عن مصاحبتهم بالكلية، فإنه في قوة أن يقال: لا تطيعوا فريقاً...

وتأمل قوله تعالى:

 { إِن تُطِيعُواْ..}

 (فإن هذا الفعل جاء مطلقاً، فحذف المتعلق المعمول فيه، ليفيد تعميم
المعنى ، فالآية الكريمة تحذر أيّما تحذير عن طاعة أهل الكتاب - فضلاً
عن غيرهم من أصناف الكفار - في جميع الأحوال وسائر شؤون الحياة.
ويقول عز وجل:

 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ
 يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ }
[آل عمران:149].

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب:
 عند هذه الآية: أخبر تعالى أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار فلا بد أن
يردوهم على أعقابهم عن الإسلام، فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر،
وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ولم
يرخص في مواقفهم وطاعتهم خوفاً منهم. وهذا هو الواقع فإنهم لا
يقتنعون ممن وافقهم إلا بشهادة أنهم على حقٍّ وإظهار العداوة
والبغضاء للمسلمين .
ويقول سبحانه وتعالى:

 { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
 وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }
[الأنعام: 121].

فصرح تعالى بأنهم مشركون في طاعة أولئك الكفار، حينما وافقوهم
 في تحليل أو تحريم .
وقال تبارك وتعالى:

 { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى
الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ }
[محمد:25, 26].

فهذا النوع من الموالاة كان سبباً في ردة أولئك القوم ،

 ولذا يقول ابن حزم:
 فجعلهم مرتدين كفاراً بعد علمهم الحق، وبعد أن تبيّن لهم الهدى
قولهم للكفار ما قالوا فقط، وأخبرنا تعالى أنه يعرف إسرارهم .

ويقول القاسمي في (تفسيره):
 ذلك إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم، بِأَنَّهُمْ أي: لسبب أنهم قَالُوا أي:
المنافقون الذين كرهوا ما نزل الله أي: اليهود الكارهين لنزول القرآن
على رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ }

 أي بعض أموركم، أو ما تأمرون به...
كما أوضح ذلك قوله تعالى:

{ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
 لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ }
[الحشر:11] .

فتلك الآيات الكريمات قد قررت أن بعضاً من الطاعة لأولئك الكفار هي
ردة عن دين الإسلام، كموافقتهم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم،
أو المظاهرة على محمد صلى الله عليه وسلم كما جـاء مفصلاً في كتب التفسير .
ولذا عاقبهم الله تعالى بحبوط الأعمال، كما جاء في الآيات التالية:

{ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }
[محمد: 27, 28]

ومما سطره يراع الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب
- رحمهم الله - عند قوله تعالى:
 ذلك بأنهم قالوا... الآية: أخبر تعالى أن سبب ما جرى عليهم من الردة
وتسويل الشيطان والإملاء لهم هو قولهم للذين كرهوا ما نزل الله،
سنطيعكم في بعض الأمر فإذا كان من وَعَدَ المشركين الكارهين لما
 نزل الله بطاعتهم في بعض الأمر كافراً، وإن لم يفعل ما وعدهم به،

فكيف بمن وافق المشركين وأظهر أنهم على هدى