بيان مذهب أهل السنة و الجماعة في الرجاء و الخوف
الســــؤال :
سائل يقول : ما مذهب أهل السنة و الجماعة في الرجاء و الخوف ؟
الإجــابــة
أهل السنة و الجماعة يقولون : يجب الرجاء و الخوف ،
و العبد يسير إلى الله بين الرجاء و الخوف ، كجناحي الطائر، يخاف الله و يرجوه ،
يصلي ، و يصوم ، و يتصدق ، و يحج ، و يجاهد ، و هو مع ذلك يخاف الله و يرجوه ،
كما قال تعالى عن الرسل و أتباعهم ،
يقول سبحانه :
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }
رغبا يعني رجاء ، و رهبا يعني خوفا :
{ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
و قال سبحانه :
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }
رغبا يعني رجاء ، و رهبا يعني خوفا :
{ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
و قال سبحانه :
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }
فالمؤمن يرجو رحمة ربه ، و يخاف عذابه ، و يتقيه دائما ، فلا يقنط ، و لا يأمن ،
قال تعالى :
{ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }
و قال جَلّض فى عُلاه :
{ لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ }
و قال عز وجل :
{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
فالواجب الخوف و الرجاء ، لا أمن ، و لا قنوط ، يرجو ربه ، و لا ييأس ،
و لا يقنط ، و لا يخاف ، و لا يأمن أيضا ، يخاف عقوبته ، يخاف الذنوب و شرها ،
هكذا المؤمن ، و هذا قول أهل السنة و الجماعة قاطبة ،
يجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف و الرجاء حتى يلقى ربه .
قال بعض أهل العلم :
فالمؤمن يرجو رحمة ربه ، و يخاف عذابه ، و يتقيه دائما ، فلا يقنط ، و لا يأمن ،
قال تعالى :
{ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }
و قال جَلّض فى عُلاه :
{ لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ }
و قال عز وجل :
{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
فالواجب الخوف و الرجاء ، لا أمن ، و لا قنوط ، يرجو ربه ، و لا ييأس ،
و لا يقنط ، و لا يخاف ، و لا يأمن أيضا ، يخاف عقوبته ، يخاف الذنوب و شرها ،
هكذا المؤمن ، و هذا قول أهل السنة و الجماعة قاطبة ،
يجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف و الرجاء حتى يلقى ربه .
قال بعض أهل العلم :
ينبغي أن يغلب الرجاء في حال المرض ،
و الخوف في حال الصحة ، حتى ينشط في العمل الصالح ، و حتى يحذر محارم الله ،
و الخوف في حال الصحة ، حتى ينشط في العمل الصالح ، و حتى يحذر محارم الله ،
و لكن المعتمد في هذا أن يسير إلى الله بين الخوف و الرجاء دائما .
و بالله التوفيق ،
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
=========================================
([ سلسلة الشمائل المحمدية ] )
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما }
الأحزاب (56)
اللهم صلِّ و سلم على نبينا سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
" هذا الحبيب : زَوْجَـــاتـُــه "
صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
الجزء السابع
من أمهات المؤمنين - رضي الله تعالى عنهن - .
7 – أم المؤمنين / زينب بنت جحش - رضي الله عنها .
و هي : زينب بنت جحش بن رباب من بني أسد بن خزيمة ،
بنت عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و فيها نزل قول الله تعالى :
{ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ
إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا }
الأحزاب (37)
و بهذا كانت تفتخر على نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
و تقول رضى الله تعالى عنها :
[ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَ زَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ]
رواه البخاري ( 7420 ) .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة . و قيل : سنة 4 هـ ،
و كانت أعبد النساء و أعظمهن صدقة ، توفيت سنة 20 هـ و لها 53 سنة .
و كانت أول أمهات المؤمنين و فاة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ،
صلى عليها سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ، و دفنت بالبقيع .
=======================================
=======================================
( ممَا جَاءَ فِي : مَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ )
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ رضى الله تعالى عنهم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ
( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَ بَارَكَ عَلَيْكَ وَ جَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي الْخَيْرِ )
قَالَ وَ فِي الْبَاب عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضى الله تعالى عنه
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
الشــــــــــــروح
أَيْ : مِنَ الدُّعَاءِ
قَوْلُهُ : ( كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانُ )
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَ تَشْدِيدِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ دَعَا لَهُ ، قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ،
و فِي الْقَامُوسِ : رَفَّأَهُ تَرْفِئَةً وَ تَرْفِيئًا قَالَ لَهُ : بِالرِّفَاءِ وَ الْبَنِينَ
أَيْ : بِالِالْتِئَامِ وَ جَمْعِ الشَّمْلِ . انْتَهَى ،
و ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّرْفِئَةَ فِي الْأَصْلِ الِالْتِئَامُ يُقَالُ رَفَّأَ الثَّوْبَ لَأَمَ خَرْقَهُ ، وَ ضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ ،
و كَانَتْ هَذِهِ تَرْفِئَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ،
وَ أَرْشَدَ إِلَى مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ .
فَرَوَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ رضى الله تعالى عنه عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ :
كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّفَاءِ وَ الْبَنِينَ ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ
عَلَّمَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه و سلم فقَالَ
( قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ وَ بَارَكَ فِيكُمْ وَ بَارَكَ عَلَيْكُمْ ) ،
وَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضى الله تعالى عنه :
أَنَّهُ قَدِمَ الْبَصْرَةَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالُوا لَهُ بِالرِّفَاءِ وَ الْبَنِينَ فَقَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا ، وَ قُولُوا
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَ بَارِكْ عَلَيْهِمْ )
وَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ( قَالَ بَارَكَ اللَّهُ وَ بَارَكَ عَلَيْكَ ) و فِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ
( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَ بَارَكَ عَلَيْكَ وَ جَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ )
قَوْلُهُ : ( و فِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ )
أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمٍ فَقَالُوا بِالرِّفَاءِ وَ الْبَنِينَ . فَقَالَ :
[ لَا تَقُولُوا ، هَكَذَا ، وَ لَكِنْ قُولُوا
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :
( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَ بَارِكْ عَلَيْهِمْ )
. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ، وَ ابْنُ مَاجَهْ ، وَ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ ،
و فِي رِوَايَةٍ لَهُ :
[ لَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ قُولُوا :
( بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ وَ بَارَكَ لَكَ فِيهَا )
و أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى وَ الطَّبَرَانِيُّ ،
وَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَقِيلٍ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ ، وَ ابْنُ حِبَّانَ وَ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ .
|
" قطوف من رياض الصالحين - للإمام محيي الدين النووي
=============================================
وليعلم كل امرئ أن الشيطان لا يرضى ولا يقر إذا رأى من العبد عمل سر أبدًا, وإنه لن يتركه حتى يجعله في العلانية؛ ذلك لأن أعمال السر هي أشد أعمال على الشيطان, وأبعد أعمال عن مخالطة الرياء والعجب والشهرة.
وإذا انتشرت أعمال السر بين المسلمين ظهرت البركة وعم الخير بين الناس, وإن ما نراه من صراع على الدنيا سببه الشح الخارجي والشح الخفي, فأما الأول فمعلوم, وأما الثاني فهو البخل بالطاعة في السر, إذ إنها لا تخرج إلا من قلب كريم قد ملأ حب الله سويداءه, وعمت الرغبة فيما عنده أرجاءه, فأنكر نفسه في سبيل ربه, وأخفى عمله يريد قبوله من مولاه, فأحبب بهذي الجوارح المخلصة والنفوس الطيبة الصافية النقية التي تخفي عن شمالها ما تنفق يمينها...
النبي صلى الله عليه وسلم ينصح بخبيئة صالحة ..
:(من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالحe* قال رسول الله فليفعل)(1)
قال: (ثلاثة يحبهم اللهe* وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله وثلاثة يشنؤهم الله: الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه, والقوم يسافرون فيطول سُراهم حتى يُحبوا أن يمَسَّوا الأرض فينزلون, فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم, والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرِّق بينهما موت أو ظعن, والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلاف, والفقير المختال, والبخيل المنان)(2).
قال:e* وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي (عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه, من بين أهله وحبِّه إلى صلاته, فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي, انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته, رغبة فيما عندي, وشفقة مما عندي, ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, وما له في الرجوع, فرجع حتى يهريق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي, رجع رجاء فيما عندي, وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه)(3).
قال: (ثلاثة يحبهم اللهe* وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انشكفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل, فإما أن يقتل, وإما أن ينصره الله ويكفيه, فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل, فيقول: يَذَرُ شهوته ويذكرني ولو شاء رقد, والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا, فقام من السحر في ضراء وسراء)(4)
العلماء يربون على عمل السر ...
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".
والخبيئة من العمل الصالح هو العمل الصالح المختبئ يعني المختفي, والزبير رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فلكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر, فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضًا لعله أن يغفر له الآخر.
وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: "اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك".
وقال أيوب السختياني: "لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره".
وعن محمد بن زياد قال: "رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده, ويدعو ربه, فقال له أبو أمامة: أنت أنت لو كان هذا في بيتك".
" إنكار المنكرات و النهي عنها !! "
{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) }
قال العلامة السعدي في التفسير :
و من معاصيهم التي أحلت بهم المثلات، و أوقعت بهم العقوبات أنهم :
{ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ }
أي : كانوا يفعلون المنكر، و لا ينهى بعضهم بعضا ، فيشترك بذلك المباشر ،
و غيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك .
و ذلك يدل على تهاونهم بأمر الله ، و أن معصيته خفيفة عليهم ،
فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ، و لغضبوا لغضبه ،
و إنما كان السكوت عن المنكر - مع القدرة - موجبا للعقوبة ،
لما فيه من المفاسد العظيمة :
1 - منها : أن مجرد السكوت ، فعل معصية ، و إن لم يباشرها الساكت .
فإنه - كما يجب اجتناب المعصية - فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية .
2 - و منها : ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي ، و قلة الاكتراث بها .
3 – و منها : أن ذلك يجرئ العصاة و الفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها ،
فيزداد الشر ، و تعظم المصيبة الدينية و الدنيوية ، و يكون لهم الشوكة و الظهور ،
ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر ،
حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلا .
4 – و منها : أن - في ترك الإنكار للمنكر- يندرس العلم ، و يكثر الجهل ،
فإن المعصية - مع تكررها و صدورها من كثير من الأشخاص ،
و عدم إنكار أهل الدين و العلم لها - يظن أنها ليست بمعصية ،
و ربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة ، و أي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا ؟
و انقلاب الحقائق على النفوس و رؤية الباطل حقا ؟ "
5 - ومنها: أن السكوت على معصية العاصين ، ربما تزينت المعصية في صدور الناس ،
و اقتدى بعضهم ببعض ، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه و بني جنسه ، و منها و منها .
فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة ،
نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم و اعتدائهم ،
و خص من ذلك هذا المنكر العظيم .
" رؤيا القارئ حمزة بن حبيب المؤثرة !! "
روى المزي في تهذيب الكمال 7/319 :
عن خلف بن هشام البزاز ، قال لي سليم بن عيسى :
دخلت على حمزة بن حبيب الزيات فوجدته يمرغ خديه في الارض و يبكي ،
فقلت : أعيذك بالله .
فقال : يا هذا استعذت في ماذا ؟ فقال : رأيت البارحة في منامي كأن القيامة قد قامت ،
و قد دعي بقراء القرآن ، فكنت فيمن حضر ،
فسمعت قائلا يقول بكلام عذب : لا يدخل علي إلا من عمل القرآن .
فرجعت القهقرى ، فهتف باسمي : أين حمزة بن حبيب الزيات ؟
فقلت : لبيك داعي الله لبيك .
فبدرني ملك فقال :
قل لبيك اللهم لبيك .
فقلت كما قال لي ، فأدخلني دارا ، فسمعت فيها ضجيج القرآن ، فوقفت أرعد ،
فسمعت قائلا يقول :
لا بأس عليك ، ارق و اقرأ .
فأدرت وجهي فإذا أنا بمنبر من در أبيض دفتاه من ياقوت أصفر مراقته زبرجرد أخضر
فقيل لي :
ارق و اقرأ .
فرقيت ، فقيل لي :
اقرأ سورة الانعام .
فقرأت و أنا لا أدري على من أقرأ حتى بلغت الستين آية فلما بلغت
* { وهو القاهر فوق عباده } *
قال لي : يا حمزة ألست القاهر فوق عبادي ؟ قال : فقلت : بلى .
قال : صدقت ، اقرأ .
فقرأت حتى تممتها ، ثم قال لي : اقرأ .
فقرأت " الاعراف " حتى بلغت آخرها ، فأومات بالسجود ،
فقال لي : حسبك ما مضى لا تسجد يا حمزة ، من أقرأك هذه القراءة ؟
فقلت : سليمان ،
قال : صدقت ، من أقرأ سليمان ؟
قلت : يحيى .
قال : صدق يحيى ، على من قرأ يحيى ؟
فقلت : على أبي عبد الرحمن السلمي .
فقال : صدق أبو عبد الرحمان السلمي ، من أقرأ أبا عبد الرحمن السلمي ؟
فقلت : ابن عم نبيك علي بن أبي طالب .
قال : صدق علي ، من أقرأ عليا ؟
قال : قلت : نبيك صلى الله عليه و سلم .
قال : و من أقرأ نبيي ؟ قال : قلت : جبريل .
قال : من أقرأ جبريل قال : فسكت ،
فقال لي : يا حمزة ، قل أنت .
قال : فقلت : ما أجسر أن أقول أنت .
قال : قل أنت .
فقلت : أنت .
قال : صدقت يا حمزة ، و حق القرآن لاكرمن أهل القرآن سيما إذا عملوا بالقرآن ،
يا حمزة القرآن كلامي ، و ما أحببت أحدا كحبي لاهل القرآن ، ادن يا حمزة .
فدنوت فغمر يده في الغالية ثم ضمخني بها ، و قال :
" ليس أفعل بك وحدك ، قد فعلت ذلك بنظرائك من فوقك ،
و من دونك و من أقرأ القرآن كما أقرأته لم يرد به غيري ،
و ما خبأت لك يا حمزة عندي أكثر ، فأعلم أصحابك بمكاني من حبي لاهل القرآن ،
و فعلي بهم ، فهم المصطفون الاخيار ، يا حمزة و عزتي و جلالي لا أعذب لسانا تلا القرآن بالنار ،
و لا قلبا وعاه ، و لا أذنا سمعته ، و لا عينا نظرته .
فقلت : سبحانك سبحانك أبي رب !
فقال : يا حمزة أين نظار المصاحف ؟
فقلت : يا رب حفاظهم .
قال : لا ، و لكني أحفظه لهم حتى يوم القيامة ،
فإذا أتوني رفعت لهم بكل آية درجة " .
أفتلومني أن أبكي ، و أتمرغ في التراب .
نحن .. وخبيئة الصالحات :
إن أعمال السر لا يثبت عليها إلا الصادقون, فهي زينة الخلوات بين العبد وبين ربه, ولكن في وقت قل فيه عمل السر أو كاد أن ينسى ينبغي على الحركة الإسلامية إحياء معناه, علمًا وعملاً, وينبغي على شباب أمتنا الإسلامية تربية أنفسهم عليه.
إن أعمال السر لا يثبت عليها إلا الصادقون, فهي زينة الخلوات بين العبد وبين ربه, ولكن في وقت قل فيه عمل السر أو كاد أن ينسى ينبغي على الحركة الإسلامية إحياء معناه, علمًا وعملاً, وينبغي على شباب أمتنا الإسلامية تربية أنفسهم عليه.
وليعلم كل امرئ أن الشيطان لا يرضى ولا يقر إذا رأى من العبد عمل سر أبدًا, وإنه لن يتركه حتى يجعله في العلانية؛ ذلك لأن أعمال السر هي أشد أعمال على الشيطان, وأبعد أعمال عن مخالطة الرياء والعجب والشهرة.
وإذا انتشرت أعمال السر بين المسلمين ظهرت البركة وعم الخير بين الناس, وإن ما نراه من صراع على الدنيا سببه الشح الخارجي والشح الخفي, فأما الأول فمعلوم, وأما الثاني فهو البخل بالطاعة في السر, إذ إنها لا تخرج إلا من قلب كريم قد ملأ حب الله سويداءه, وعمت الرغبة فيما عنده أرجاءه, فأنكر نفسه في سبيل ربه, وأخفى عمله يريد قبوله من مولاه, فأحبب بهذي الجوارح المخلصة والنفوس الطيبة الصافية النقية التي تخفي عن شمالها ما تنفق يمينها...
النبي صلى الله عليه وسلم ينصح بخبيئة صالحة ..
:(من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالحe* قال رسول الله فليفعل)(1)
قال: (ثلاثة يحبهم اللهe* وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله وثلاثة يشنؤهم الله: الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه, والقوم يسافرون فيطول سُراهم حتى يُحبوا أن يمَسَّوا الأرض فينزلون, فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم, والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرِّق بينهما موت أو ظعن, والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلاف, والفقير المختال, والبخيل المنان)(2).
قال:e* وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي (عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه, من بين أهله وحبِّه إلى صلاته, فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي, انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته, رغبة فيما عندي, وشفقة مما عندي, ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, وما له في الرجوع, فرجع حتى يهريق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي, رجع رجاء فيما عندي, وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه)(3).
قال: (ثلاثة يحبهم اللهe* وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انشكفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل, فإما أن يقتل, وإما أن ينصره الله ويكفيه, فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل, فيقول: يَذَرُ شهوته ويذكرني ولو شاء رقد, والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا, فقام من السحر في ضراء وسراء)(4)
العلماء يربون على عمل السر ...
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".
والخبيئة من العمل الصالح هو العمل الصالح المختبئ يعني المختفي, والزبير رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فلكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر, فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضًا لعله أن يغفر له الآخر.
وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: "اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك".
وقال أيوب السختياني: "لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره".
وعن محمد بن زياد قال: "رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده, ويدعو ربه, فقال له أبو أمامة: أنت أنت لو كان هذا في بيتك".
عمل السر دليل الصدق:
قال أيوب السختياني: والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه.
وقال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه, ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله.
وقال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح.
وقال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
وقال أيضًا: لا تعمل لتذكر, اكتم الحسنة كما تكتم السيئة.
وعنه أيضًا: ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت, ومن زهد فيها أحب لقاء مولاه.
وعنه: ما اتقى الله من أحب الشهرة.
الصالحون في سرهم ..
عن عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به.
وعن يوسف بن عطية عن محمد بن واسع قال: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه, لا تشعر به امرأته, ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه.
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك, فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
وعن ابن أبي عدِّي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله, وكان خرازًا يحمل معه غداه من عندهم, فيتصدق به في الطريق, ويرجع عشيًا فيفطر معهم.
وكان ابن سيرين يضحك بالنهار, فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب ربما حدَّث بالحديث فيرق, فيلتفت ويتمخط ويقول: ما أشد الزكام!
وقال الحسن البصري: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته, فيردها, فإذا خشي أن تسبقه قام.
وقال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة, لا يدري الناس ما يصنع فيه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس, وله فضل في نفسه, صاحب سرائر, وما رأيته يظهر تسبيحًا ولا شيئًا من الخير.
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك, ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة.
وروى الذهبي: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.
عوامل معينة على الخبيئة الصالحة :
أ - تدبر معاني الإخلاص: فالتربية على الإخلاص لله سبحانه وتذكير النفس به دائمًا هي الدافع الأول على عمل السر, ذلك إن الباعث على عمل السر هو أن يكون العمل لله وحده وأن يكون بعيدًا عن رؤية الناس, فعلى المربين تطبيق معاني الإخلاص في أمثال ذلك السلوك الخفي أثناء تدريسه للناس, وحثهم على عمل السر من منطلق الإخلاص لله سبحانه.
ب - استواء ذم الناس ومدحهم: وهو معنى لو تربى عليه المرء لأعانه على عمل السر, إذ إنه لا تمثل عنده رؤية الناس شيئًا, سواء مدحوه لفعله أو ذموه له؛ لأن مبتغاه رضا ربه سبحانه وليس رضا الناس, وقد سبق أن بعض العلماء كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: اجعلوا الناس من حولكم كأنهم موتى.
جـ - تقوية مفهوم كمال العمل: وأقصد بذلك أن يتعلم المسلم أنه يجب أن يسعى إلى أن يكتمل عمله وتكمل كل جوانبه ليحسن ويقبل, وإن العمل الذي لا يراه الناس يُرجى فيه الكمال أكثر مما يرجى في غيره, فينبغي الاهتمام به أكثر.
د - صدقة السر: قال تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} [البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًا, فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه, وقد ذكر أهل العلم بعضًا من الفضائل في صدقة السر منها:أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف , ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم؛ فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء , ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.
--------
قال أيوب السختياني: والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه.
وقال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه, ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله.
وقال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح.
وقال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
وقال أيضًا: لا تعمل لتذكر, اكتم الحسنة كما تكتم السيئة.
وعنه أيضًا: ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت, ومن زهد فيها أحب لقاء مولاه.
وعنه: ما اتقى الله من أحب الشهرة.
الصالحون في سرهم ..
عن عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به.
وعن يوسف بن عطية عن محمد بن واسع قال: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه, لا تشعر به امرأته, ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه.
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك, فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
وعن ابن أبي عدِّي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله, وكان خرازًا يحمل معه غداه من عندهم, فيتصدق به في الطريق, ويرجع عشيًا فيفطر معهم.
وكان ابن سيرين يضحك بالنهار, فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب ربما حدَّث بالحديث فيرق, فيلتفت ويتمخط ويقول: ما أشد الزكام!
وقال الحسن البصري: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته, فيردها, فإذا خشي أن تسبقه قام.
وقال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة, لا يدري الناس ما يصنع فيه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس, وله فضل في نفسه, صاحب سرائر, وما رأيته يظهر تسبيحًا ولا شيئًا من الخير.
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك, ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة.
وروى الذهبي: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.
عوامل معينة على الخبيئة الصالحة :
أ - تدبر معاني الإخلاص: فالتربية على الإخلاص لله سبحانه وتذكير النفس به دائمًا هي الدافع الأول على عمل السر, ذلك إن الباعث على عمل السر هو أن يكون العمل لله وحده وأن يكون بعيدًا عن رؤية الناس, فعلى المربين تطبيق معاني الإخلاص في أمثال ذلك السلوك الخفي أثناء تدريسه للناس, وحثهم على عمل السر من منطلق الإخلاص لله سبحانه.
ب - استواء ذم الناس ومدحهم: وهو معنى لو تربى عليه المرء لأعانه على عمل السر, إذ إنه لا تمثل عنده رؤية الناس شيئًا, سواء مدحوه لفعله أو ذموه له؛ لأن مبتغاه رضا ربه سبحانه وليس رضا الناس, وقد سبق أن بعض العلماء كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: اجعلوا الناس من حولكم كأنهم موتى.
جـ - تقوية مفهوم كمال العمل: وأقصد بذلك أن يتعلم المسلم أنه يجب أن يسعى إلى أن يكتمل عمله وتكمل كل جوانبه ليحسن ويقبل, وإن العمل الذي لا يراه الناس يُرجى فيه الكمال أكثر مما يرجى في غيره, فينبغي الاهتمام به أكثر.
د - صدقة السر: قال تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} [البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًا, فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه, وقد ذكر أهل العلم بعضًا من الفضائل في صدقة السر منها:أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف , ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم؛ فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء , ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.
--------