صورة الشيخ محمود شاكر مع عائلته
أسرة محمود شاكر ويحيى حقي مع زوجته الفرنسية
كيف تساهم في تحسين ويكيبيديا ولماذا؟ شاهد مقاطع الفيديو التعريفية.
| [أغلق] |
محمود محمد شاكر
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
محمود محمد شاكر | |
---|---|
محمود محمد شاكر شيخ العربية | |
ولد | 1909م / 1327 هـ
بـ محافظة الأسكندرية - مصر
|
توفي | في 1997م / 1418 هـتاريخ غير معروف
بـ القاهرة
|
فترة الحياة | 88 عاما |
الوظيفة | أديب وصحفي ومحقق لكتب التراث |
الجنسية | مصر |
نوع أدبي | لغة ـ أدب ـ صحافة |
أعمال هامة | المتنبي - أباطيل وأسمار - رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ـ نمط صعب ونمط مخيف |
بوابة الأدب | |
تعديل |
أبو فهر محمود محمد شاكر أديب مصري، نافح عن العربية في مواجهة التغريب. اطلع على كتب التراث وحقق العديد منها. أقام منهجه الخاص في الشعر وسماه منهج التذوق. خاض الكثير من المعارك الأدبية حول أصالة الثقافة العربية، ومصادر الشعر الجاهلي.
[عدل]
هو محمود محمد شاكر أحمد عبد القادر من أسرة أبي علياء من أشرافجرجا بصعيد مصر، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضى الله عنهما. ولد في الإسكندرية في ليلة العاشر من محرم سنة 1327 هـ /1 فبراير سنة 1909 م، وانتقل إلى القاهرة في نفس العام مع والده إذ عُيّن والده وكيلا للجامع الأزهر، وكان قبل ذلك شيخا لعلماء الأسكندرية
[1].حياته
[عدل]نشأته
نشأ الشيخ محمود شاكر في بيئة متدينة، إذ كان أبوه كبيرا لعلماء الأسكندرية ثم وكيلا للجامع الأزهر. ولم يتلق إخوته تعليما مدنيا، أما هو ـ وقد كان أصغر إخوته ـ فقد انصرف إلى التعليم المدني، فتلقى أولي مراحل تعليمه في مدرسة الوالدة أم عباس في القاهرة سنة 1916 ثم بعد ثورة 1919 إلى مدرسة القربية بدرب الجماميز وهناك تأثر كثيرا بدروس الإنجليزية لاهتمامهم بها ولكونها جديدة عليه. ولما كان يقضي أوقاتا كثيرة في الجامع الأزهر فقد سمع من الشعر وهو لا يدري ما الشعر!! ومن الجدير بالذكر أنه حفظ ديوان المتنبي كاملا في تلك الفترة.وفي سنة 1921 دخل المدرسة الخديوية الثانوية ليلتحق بالقسم العلمي ويتعلق بدراسة الرياضيات.وبعد اجتياز الثانوية ـ ورغم حبه للرياضيات، وإجادته للإنجليزية ـ فضل أن يلتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية لما شعر به من أهمية «الكلمة» في تاريخ أمته قديما، فلا بد أن يكون لها الدور الأكبر في مستقبلها[2]. ولأنه كان من القسم العلمي فقد تعذر دخوله لكلية الآداب بداية، إلا أنه بوساطة من طه حسين لدى أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة المصرية آنذاك استطاع أن يلتحق بما يريد سنة 1926[3].
[عدل]تركه للجامعة
وفي الجامعة استمع شاكر لمحاضرات طه حسين عن الشعر الجاهلي وهى التي عرفت بكتاب «في الشعر الجاهلي»، وكم كانت صدمته حين ادعى طه حسين أن الشعر الجاهلي منتحل وأنه كذب ملفق لم يقله أمثال امرئ القيس وزهير، وإنما ابتدعه الرواة في العصر الإسلامي، وضاعف من شدة هذه الصدمة أن ما سمعه من المحاضر الكبير سبق له أن اطلع عليه بحذافيره في مجلة استشراقية في مقال بها للمستشرق الإنجليزي مرجليوث!
وتتابعت المحاضرات حول هذا الموضوع، وصاحبنا عاجز عن مواجهة طه حسين بما في صدره، وتمنعه الهيبة والأدب أن يقف مناقشا أستاذه، وظل على ذلك زمنا لا يستطيع أن يتكلم حتى إذا لم يعد في الصبر والتحمل بقية، وقف يرد على طه حسين في صراحة وبغير مداراة، لكنه لم يستطع أن يواجهه بأن ما يقوله إنما هو سطو على أفكار مرجليوث بلا حياء أو اكتراث [3].
[عدل]قرار الهجرة ثم العودة
تولد عن شعوره بالعجز عن مواجهة التحدي خيبة أمل كبيرة فترك الجامعة غير آسف عليها وهو في السنة الثانية لأنه لم يعد يثق بها، ولم تفلح المحاولات التي بذلها أساتذته وأهله في إقناعه بالرجوع، وسافر إلى الحجاز سنة 1928 مهاجرا، وأنشأ هناك ـ بناء على طلب الملك عبد العزيز آل سعود ـ مدرسة جدة السعودية الابتدائية عمل مديرا لها، حتى استدعاه والده الشيخ فعاد إلى القاهرة سنة 1929[3].
[عدل]منهج التذوق
بعد عودته من الحجاز، إلى القاهرة، انصرف إلى الأدب والكتابة وقراءة دواوين الشعراء حتى صارت له ملكة في التذوق، وبدأ ينشر بعض قصائده الرومانسية في مجلتي «الفتح» و«الزهراء» لمحب الدين الخطيب، واتصل بأعلام عصره من أمثالأحمد تيمور وأحمد زكي باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد الذي ارتبط بصداقة خاصة معه[3].. ورغم هذا فإنه يصف المرحلة الزمنية من 1926 إلى 1936 (أي منذ السابعة عشر إلى السابعة والعشرين) بأنها «حياة أدبية بدأت أحس إحساسا مبهما إنها حياة ادبية فاسدة. فلم أجد لنفسي خلاصا إلا أن أرفض متخوفا حذرا، شيئا فشيئا، أكثر المناهج الأدبية والسياسية والاجتماعية والدينية» [4].
بدأ بإعادة قراءة ما وقع تحت يده من الشعر العربي، قراءة تختلف عن الأولى في أنها متأنية تتوقف عند كل لفظ ومعنى محاولا أن يصل إلى ما قد يكون أخفاه الشاعر في ألفاظه بفنه وبراعته، وهذا هو أساس منهج التذوق الذي جعله منهجا شاملا يطبقه على كل الكلام شعرا كان أو غيره، فأقدم على قراءة كل ما يقع تحت يده من كتب أسلافنا: من تفسير لكتاب الله، إلى علوم القرآن، إلى دواوين الحديث، إلى ما تفرع منها من كتب مصطلح الحديث والجرح والتعديل وغيرها من كتب أصول الفقه وأصول الدين، وكتب الملل والنحل، ثم كتب البلاغة والنحو والتاريخ بحيث يكون اتجاهه من الأقدم فالأقدم. ومع تطبيقه لأسلوب التذوق كان يقرأ كل التراث على أنه إبانة عن خبايا كاتبه. يقول: «وشيئا فشيئا انفتح لي الباب على مصراعيه. فرأيت عجبا من العجب، وعثرت يومئذ على فيض غزير من مساجلات صامتة خفية كالهمس، ومساجلات ناطقة جهيرة الصوت، غير أن جميعها إبانة صادقة عن الأنفس والعقول» [5].
[عدل]وفاته
[عدل]مسيرته العلمية
[عدل]كتابه عن المتنبي
لم يكن شاكر معروفا بين الناس قبل تأليفه كتابه «المتنبي» الذي أثار ضجة كبيرة بمنهجه المبتكر وأسلوبه الجديد في البحث، وهو يعد علامة فارقة في الدرس الأدبي نقلته من الثرثرة المسترخية إلى البحث الجاد. والعجيب أن شاكر الذي ألف هذا الكتاب سنة 1936 ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره لم يكن يقصد تأليف كتاب عن المتنبي، إنما كان مكلفا من قبل فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة المقتطف بأن يكتب دراسة عن المتنبي مسهبة بعض الإسهاب ما بين عشرين إلى ثلاثين صفحة، ولكن هذا التكليف تحول على يد شاكر كتابا مستقلا عن المتنبي أنجزه في فترة زمنية قصيرة على نحو غير مسبوق ونشرته مجلة المقتطف في عددها الصادر في السادس من شوال 1354 هـ الأول من يناير 1936م، وصدر فؤاد صروف مجلته بقوله: هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا، فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد [3].
اهتدى شاكر في كتابه إلى أشياء كثيرة لم يكتبها أحد من قبله استنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبي، فقال بعلوية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين بالكوفة كما قيل، بل كان علويا نشأ بالكوفة وتعلم مع الأشراف في مكاتب العلم، وقال بأن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين الحمداني واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه، واستُقبل الكتاب بترحاب شديد وكتب عنهالرافعي مقالة رائعة أثنى عليه وعلى مؤلفه [3].
العجيب أن المديح الشدي لم يعجبه لأنه يرى أن كتابه لا يستحق كل ذلك، حتى إنه رأى أن النقد الموجه لكتابه كان نقدا على غير أصول علمية. يقول في حوار له مع د. نجم عبد الكريم: «لم أجد كاتبا إلى هذا اليوم قام بنقد هذا الكتاب نقدا صحيحا أو فهم طريقة ما كتبت. فليس هناك من نقد الكتاب كما ينبغي أن ينقد.. نقده الدكتور طه حسين في كتابه مع المتنبي نقدا لا أستطيع أن أعده نقدا في الحقيقة، لأنه لا أصل له»........ «إن كل هذا الثناء لايؤثر علي ولا يغير شيئا من قناعاتي، كما أن الثناء لا يغير رأيي في الناس! وأقولها بأمانة: إنه لم يكتب أحد كلمة أستطيع أن أحترمها بشأن كتابي سوى رجل واحد كتب نقدا لي من وجهة نظره، وهذا النقد يحتوي على شيء من الحقيقة، أما الرجل فهو الأستاذ «الوديع تلحوم». وقد نشره في مجلة المقتطف، ولم أحتفظ بشيء مما كتب عني سوى هذه المقالة أو هذا النقد، بالإضافة إلى مقالة أستاذي الأستاذ مصطفى صادق.» [6].
من هنا يمكننا أن نفهم أنه توقف عن الدراسات الأدبية لأنه شعر بسطحية تناولها من قبل النقاد.
[عدل]تحقيق كتب التراث
يعد شاكر على رأس قائمة محققي التراث العربي، وأطلق عليه العقاد المحقق الفنان، وإنجازاته في هذا المجال كثيرة، وهي عنوان على الدقة والإتقان، ومن أشهر الكتب التي حققها: تفسير الطبري (16 جزءا)، طبقات فحول الشعراء (مجلدان)، تهذيب الآثار للطبري (6 مجلدات).. وشاكر لا يحب أن يوصف بأنه محقق لنصوص التراث العربي، وإنما يحب أن يوصف بأنه قارئ وشارح لها، وهو يكتب على أغلفة الكتب التي يقوم بتحقيقها عبارة: «قرأه وعلق عليه» وهذه العبارة كما يقول الدكتور محمود الربيعي «هي الحد الفاصل بين طبيعة عمله وطبيعة عمل غيره من شيوخ المحققين، إنه يوجه النص ويبين معناه بنوع من التوجيه أو القراءة التي تجعله محررا؛ لأنها قراءة ترفدها خبرة نوعية عميقة بطريقة الكتابة العربية، وهو إذا مال بالقراءة ناحية معينة أتى شرحه مقاربا، وضبطه مقنعا، وأفق فهمه واسعا، فخلع على النص بعض نفسه وأصبح كأنه صاحبه ومبدعه»[3].
[عدل]معاركه الأدبية
خاض معركتين ضخمتين أولاهما مع طه حسين والأخرى مع لويس عوض كانتا من أبرز معالم حياته الأدبية والفكرية ويمكننا القول بأنه تفرع عنهما معارك فرعية وثانوية كثيرة، وكانت هاتان المعركتان بسبب شاعرين كبيرين من شعراء العربية هما:المتنبي والمعري.
[عدل]مع طه حسين
صدر كتاب محمود شاكر عن المتنبي عام 1936، بيد أن كتاب د. طه حسين مع المتنبي صدر عام 1938، وعلى الرغم من أن طه حسين نقد في كتابه كتاب شاكر إلا أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يسلك سبيلا يقلد فيها محمود شاكر، لذا فقد هاجم شاكر ما كتبه طه حسين في 13 مقالة في جريدة (البلاغ)، تحت عنوان (بيني وبين طه) اتهمه فيها بأنه سطا على أفكاره وحذا حذوه، وقال: أن كتاب طه حسين محشو بأشياء كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن الدكتور طه لم يسلك هذا الطريق الجديد على كتبه في كتاب المتنبي إلا بعد أن قرأ كتابه![7].
[عدل]مع لويس عوض
نشر د. لويس عوض المستشار الثقافي للأهرام حينذاك سنة 1964 مجموعة مقالات في الأهرام بعنوان (على هامش الغفران) وذهب في كلامه إلى تأثر المعري باليونانيات، كما ألمح إلى أثر الأساطير اليونانية في الحديث النبوي، مما دفع الرجل إلي العودة إلى الكتابة بعد عزلة فرضها على نفسه، لبيان خطأ وتهافت منهج لويس عوض، ثم انتقل عن الكلام عن الفكر والثقافة في العالم العربي والإسلامي وما طرأ عليها من غزو فكري غربي. واعتبرت مقالات شاكر في ذلك حدثا ثقافيا مدويا كشفت عن علم غزير ومعرفة واسعة بالشعر وغيره من الثقافة العربية، وقدرة باهرة على المحاجاة والبرهان[8].
وقد خاض الأولى مع أستاذه «طه حسين»، والثانية مع «لويس عوض»، وكانت الأخيرة أوسع مجالاً، حيث دخلها عدد من الأطراف بالنيابة عن الطرف الأصيل. وسبب هاتين المعركتين؛ النشأة الجادة التي تميز بها محمود شاكر بحيث لا يسكت على السطو على أعمال الآخرين، أو التطاول عليهم.
والأمر الآخر: موقفه المبدئي من الحضارة الغربية وموقفها من الحضارة الإسلامية، فهو يراها –الحضارة الغربية- تسعى بكل ما أوتيت من أسباب ومكر وسطوة وإغراء وإغواء، إلى القضاء على هوية الأمة المسلمة، ومسخ حضارتها، ومواريثها، وإلحاقها بحضارة الغرب، حضارة الخراب والدمار. وكانت نتيجة هاتين المعركتين البارزتين في حياة الشيخ، في صالح الطرف المهيض الجناح –طرف الشيخ- «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» (الرعد:17)
بين محمود شاكر وطه حسين، معركة طويلة: كانت بداية هذه المعركة وهو –محمود شاكر- في السابعة عشرة من عمره سنة1926م، حيث كان في السنة الأولى –كلية الآداب- قسم اللغة العربية. وقد صدم وهو يستمع إلى أستاذه «طه حسين» وهو يتحدث عن الشعر الجاهلي، حيث رأى أن كلام الأستاذ هو اجترار لكلام المستشرق الإنجليزي «مرجليوث» وأن مرجليوث «ليس عنده من أدوات النظر في العربية، وإدراك أسرارها، ما يجعل لرأية قيمة، وهذا أمر يرجع إلى الطبيعة، فليس اللسان لسانه، وليس الأدب أدبه، وليس التاريخ تاريخه، هذا فضلاً عن فساد طويته، ومقصوده من دراسته، وهذا الفساد يفسد منهجه، ولا يريد هو من وراء هذه الدراسة إلا تشويه وإفساد ومسخ الفكر العربي وتاريخه، وكان «مرجليوث» مغالياً في هذا الإفساد، ومغاليا في حقده على العرب، والمسلمين، وهو يهودي يقطر حقداً».
وقد رد مقالته هذه التي سطا عليها الدكتور طه حسين سطواً عرياناً، بعض المستشرقين ومنهم الأستاذ «ليال» الذي حقق كتاباً من أوسع الكتب وأفضلها، وهو «المفضليات»، وكتب مقدمة جيدة عن الشعر الجاهلي، «وقد يبس الثرى بينه وبين أستاذه طه حسين إلى غير رجعة»، وانحاز لكل واحد منهما فريق من الأدباء والشعراء والكتاب.
الشيخ محمود شاكر وقضية من أخطر القضايا المعاصرة: يقول الشيخ معقباً على أثرين ذكرهما الإمام الطبري في تفسيره برقم (12025)، (12026)، وكلاهما عن أبي مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة، وقد سأله قوم من الإباضية –وهم جماعة من الخوارج الحرورية- أصحاب عبد الله بن إباض التميمي، يقولون بمقالة الخوارج، وتكفير على بن أبي طالب –- سألوه عن الآيات (45-47) من سورة المائدة «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.... هم الظالمون... هم.... الفاسقون...».
فأجابهم أبو مجلز –بما يراه من الحق. يقول الشيخ محمود محمد شاكر بعد أن بين وجه الحق في الأثرين: «وإذن فلم يكن سؤالهم –أي الأباضية لأبي مجلز- عما احتج به مبتدعة، زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه، وعلى لسان نبيه –صلى الله عليه وآله وسلم-، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكمه –سبحانه وتعالى- وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة –على اختلافهم- في تكفير القائل به، والداعي إليه»
[عدل]قالوا عنه
الدكتور محمود الطناحي –رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة حلوان: «إن محمود شاكر قد رزق عقل الشافعي، وعبقرية الخليل، ولسان ابن حزم، وشجاعة ابن تيمية، وبهذه الأمور الأربعة مجتمعة حصَّل من المعارف والعلوم العربية ما لم يحصله أحد من أبناء جيله، ثم خاض تلك المعارك الحامية: فحارب الدعوة إلى العامية، وحارب الدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللآتينية، وحارب الدعوة إلى هلهلة اللغة العربية، والعبث بها بحجة التطور اللغوي، ثم حارب من قبل ومن بعد: الخرافات والبدع والشعوذة التي ابتعدت بالمسلمين عن منهج السلف، في صحة العقيدة، وفي تجريد الإيمان من شوائب الشرك الظاهر والباطن» من مقال بمجلة الأدب الإسلامي عدد 16.
الدكتور عبد العظيم الديب كان من أكثر أساتذتي تأثيرًا شيخي الجليل الأستاذ محمود محمد شاكر.. فقد رأيت هذا العملاق العلامة يطيل التدقيق في كل ما يكتب، رأيت هذا من شيخي الجليل، فوعيت وتعلمت واقتديت بل وجدتني أولى بالتردد، والخشية ألف مرة.
يقول الدكتور: حيدر الغدير: «كان محمود شاكر أمة وحده، فهو شيخ العربية، وعاشق العروبة، وحارث التراث، وفارس الأصالة، جمع إلى غيرة المسلم عزة العربي، وإلى شجاعة المحارب طبيعة المسامح، وإلى عقل العالم طبيعة الطفل البريء» من مقال بمجلة الأدب الإسلامي –عدد16
يقول الدكتور: عبد القدوس أبو صالح في نفس العدد من المجلة: «لم تكن ذاكرة الشيخ الفريدة، واطلاعه الواسع الشامل، هما اللذان أوصلا الشيخ محمود محمد شاكر إلى أن يكون شيخ العربية دون منازع؛ وإن أعانا على بلوغه تلك المنزلة العالية، ولكن الذي بوأه مكانته طول معايشته للتراث، وطول تأمله فيه، حتى خالط لحمه ودمه، وحتى ألقى إليه مقاليده وأسراره، فكان كما شهدتُ وشهد الكثيرون أفرس الناس ببيت الشعر، وكان صاحب أسلوب كالبنيان المرصوص، وكان أن ندب نفسه ليكون سادنا للغة القرآن، وحامياً لتراث الأمة، ونذيراً لها من هجمة التغريب الشرسة».
ولتكن شهادة الكاتب القبطي وديع فلسطين –عضو مجمع اللغة العربية بدمشق وعمّان- خاتمة الأقوال: «أرشح محمود محمد شاكر للجائزة التقديرية، لأن هذا العالم الفذ قد وقف كل عمره على الحفاظ على تراث الضاد، وكأنه ديدبان شاكي السلاح يذب عن حياض الضاد كل متجهم (لعلها: متهجم)، أو متحرش، أو متطاول، وأتصور بعين الخيال أن محمود شاكر يقيم في قلعة حصينة في داخل أسوارها كل مقدسات الضاد، وهو الحارس اليقظ الذي يحمل تبعة مزدوجة؛ هي الدفاع المتصل عن التراث الذي هو به منوط، والتنبيش الدائم في هذا التراث لاستخراج مفاخره وإعلانها في كتاب محقق، أو مقال مكتوب، أو محاضرة ملقاة، أو حديث مرتجل...» من رسالة أدبية بتاريخ 30/1/1976م إلى د/ حسن علي محمد.
ويقول في موضع آخر من الرسالة: «إن المرء لتعروه الدهشة إذ يرى هذه القمة المسماة محمود محمد شاكر خافية عن عيون مجتمعه، إلا فيما يسيء، وقليلة على محمود شاكر عضوية المجامع، بل قليلة عليه جائزة التقدير، ولكن لسان الحق الذي تنطق به العدول من الخلف، في إلحاح إلى إنصاف هذا العالم الأستاذ الذي يجلس في محضره أكابر الباحثين وكأنهم من تلاميذه النجباء، ويطمع كل منهم أن يحسب في عداد حوارييه».
يقول الدكتور: إحسان عباس: «لا ريب عندي في أن الشعر الحديث قد ضل كثيراً حين لم يهتد إلى «القوس العذراء»، وأن الناقد الحديث كان يعشو إلى أضواء خادعة، حين انقاد وراء التأثر بشعر أجنبي، ورموز غريبة، ولم يتسطع أن يكتشف أدواته في التراث كما فعلت القوس العذراء» من مقال له بمجلة الأدب الإسلامي –عدد16
ويقول الدكتور عن قصيدة القوس والعذراء: زكي نجيب محمود في نفس العدد من مجلة الأدب الإسلامي: «درة ساطعة هذه بين سائر الدرر، و(آية هذه من الفن محكمة) بين آيات الفن المحكمات، وقعت عليها وأنا أدور بالبصر العجلان في سوق الكتب الحديثة الصدور، فكنت –حين وقع عليها البصر- كمن كان ينبش في أديم الأرض بين المدر والحصى، ثم لاحت له بغتة –لتخطف منه البصر ببريقها- لؤلؤة، هو كتاب -القوس العذراء- من ست وسبعين صفحة صغيرة، رقمت أسطرها صفحة صفحة، كما ترقم حبات الجوهر الحر يضعها الخازن في صندوق الذخائر، لكي لاتفلت منها عن الرائي جوهرة، ولو قد كانت لي الكلمة عند طبع الكتاب، لأمرت بترقيم محتواه لفظة لفظة؛ لأن كل لفظة من كل سطر لؤلؤة».
[عدل]مؤلفاته
1 ـ المتنبي ـ عدد خاص من المقتطف سنة 1936م ـ ط. ثانية في مجلدين القاهرة 1977م ـ ط. ثالثة مطبعة المدني ـ القاهرة ـ دار المدني بجدة 1407هـ ـ 1987م
2 ـ القوس العذراء ـ نشرت أول مرة في مجلة الكتاب 1371 هـ/1952م ـ مكتبة دار العروبة ـ القاهرة 1384هـ ـ 1964م ـ مكتبة الخانجي ـ القاهرة ـ 1392هـ ـ 1972م.
3 ـ أباطيل وأسمار ـ الجزء الأول مكتبة دار العروبة 1385هـ ـ 1965م ـ الجزءان الأول والثاني مطبعة المدني ـ القاهرة 1972م
4 ـ برنامج طبقات فحول الشعراء مطبعة المدني القاهرة 1980م
5 ـ نمط صعب ونمط مخيف دار المدني ـ جدة 1996م [وهو سبع مقالات نشرت في مجلة «المجلة» سنة 1969، 1970م]
6 ـ قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام ـ دار المدني ـ جدة 1418 هـ ـ 1997م
7 ـ رسالة في الطريق إلى ثقافتنا صُدّر بها كتابُ المتنبي في طبعته الثالثة 1407 هـ ـ 1987 م ثم صدرت في كتاب مستقل في سلسلة كتاب الهلال بالقاهرة ،والطبعة االحديثة صدرت عن الخانجي بالقاهرة عام 2006وسعره عشرة جنيهات، وآخر طبعة صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009ضمن مشروع مكتبة الأسرة في سلسلة المئويات وسعره جنيهان ونصف الجنيه.
[عدل]تحقيقاته
1 ـ فضل العطاء على العسر لأبي هلال العسكري المطبعة السلفية ـ القاهرة 1353 هـ /1934م.
2 ـ إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع لتقي الدين المقريزي. ـ لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة 1940م.
3 ـ المكافأة وحسن العقبى لأحمد بن يوسف بن الداية الكاتب ـ المكتبة التجارية 1359 هـ /1940م.
4 ـ طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي ـ دار المعارف ط أولى 1952م ـ ط ثانية 1974م
5 ـ تفسير الطبري ـ الأول والثاني ـ دار المعارف 1954م ـ الثالث والرابع دار المعارف 1955م ـ السادس والسابع والثامن دار المعارف 1956م. ـ من التاسع إلى الثاني عشر دار المعارف 1957م. ـ الثالث عشر والرابع عشر دار المعارف 1958م. ـ الخامس عشر دار المعارف 1960م. ـ السادس عشر دار المعارف 1969م.
6 ـ جمهرة نسب قريش وأخبارها للزبير بن بكار ـ جـ 1 مكتبة دار العروبة 1381هـ السفر الأول.
7 ـ تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله < من الأخبار للطبري ـ مسند علي بن أبي طالب ـ مسند عبد الله ابن عباس ـ السفر الأول. ـ منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض 1402هـ/ 1982م. ـ مسند عبد الله بن عباس ـ السفر الثاني ـ مسند عمر بن الخطاب. ـ منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض 1403هـ ـ 1982م.
8 ـ دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ـ مكتبة الخانجي ـ القاهرة 1989م
9 ـ أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ـ دار المدني ـ جدة 1412 هـ/ 1991م
=======================================================
=======================================================
محمود شاكر ( السوري )
من عيون الكتب
من عيون الكتب
ما يجب أن تحويه مكتباتنا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، فمنذ الأزل كانت حاجة الإنسان إلى الاستعانة بخبرات إخوانه في تصريف أمور حياته وتطوير علومه ومعارفه من ضرورات الحياة. ومع ظهور الكتابة وانتشار الطباعة أصبحت المعارف الإنسانية على اختلاف مناهجها وآدابها وعقائدها متاحة للجميع وهنا يكمن الخطر. فإن حاجة الإنسان إلى تعليمه فن اقتناء الكتاب لا تقل عن حاجته إلى اقتناء الكتاب نفسه وتكفي نظرة واحدة إلى قوائم الكتب الأكثر بيعا في عالمنا العربي والتي توفرها مواقع بيع الكتب على شبكة الإنترنت لبيان حجم المأساة بين قراء أمة اقرأ حيث تشغل كتب السحر والشعوذة والأبراج مواقع الصدارة في تلك القوائم ومن هنا كانت هذه المحاولة المتواضعة مني لإلقاء الضوء على بعض من عيون الكتب التي صدرت في السنين الأخيرة والتي بذل مؤلفيها جهدا كبيرا لإيصالها إلى أيد القراء خالية قدر الإمكان من أي شطحات فكرية أو معتقدات مخالفة لنا كمسلمين وأشكر "مجلة حطة" على ترحيبها بالفكرة ومبادرتها باحتضانها على صفحاتها كما أرجو دوام التواصل مع القراء الكرام وذلك لعرض تجاربهم في هذا المجال.
اسم الكتاب : التاريخ الإسلامي
المؤلف : الشيخ محمود شاكر
الناشر : المكتب الإسلامي - 12 مجلد .
الناشر : المكتب الإسلامي - 12 مجلد .
كتابنا اليوم عبارة عن موسوعة تاريخية لا يقدر على تصنيفها إلا كاتب يوصف هو الآخر بأنه موسوعة .
ولد الشيخ الشيخ محمود شاكر في قرية حرستا (قريبة من دمشق) في العام 1932 ويخلط البعض بينه وبين الشيخ المحقق
محمود شاكر المصري رحمه الله. بدأ الشيخ في تأليف كتاب التاريخ الإسلامي أثناء عمله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية كبادرة منه لقطع الطريق على الأصوات التي علت وقتها مطالبة بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي من وجهة نظر قومية .
الكتاب الموسوعة طبع في 22 جزءاً في 16 مجلداً وهو غير كامل. فلم تسمح الرقابة بطباعة الجزء 10 وكذلك الجزء 12 وهما عن تاريخ بلاد الشام والجزيرة العربية .
يبدأ الكتاب بسرد التاريخ الإسلامي سردا تسلسلياً موضوعياً من قبل البعثة مرورا بالسيرة النبوية وعصر الخلفاء حتى عصر الدولة العثمانية والمماليك، والقارئ للكتاب يلاحظ محاولة الشيخ تصحيح الكثير من الأحداث التي رويت من دون توثيق مثل سب على رضي الله عنه على المنابر أيام الأمويين، وكذلك قصة طارق بن زياد وحرقه للسفن وغيرها كثير.
ولد الشيخ الشيخ محمود شاكر في قرية حرستا (قريبة من دمشق) في العام 1932 ويخلط البعض بينه وبين الشيخ المحقق
محمود شاكر المصري رحمه الله. بدأ الشيخ في تأليف كتاب التاريخ الإسلامي أثناء عمله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية كبادرة منه لقطع الطريق على الأصوات التي علت وقتها مطالبة بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي من وجهة نظر قومية .
الكتاب الموسوعة طبع في 22 جزءاً في 16 مجلداً وهو غير كامل. فلم تسمح الرقابة بطباعة الجزء 10 وكذلك الجزء 12 وهما عن تاريخ بلاد الشام والجزيرة العربية .
يبدأ الكتاب بسرد التاريخ الإسلامي سردا تسلسلياً موضوعياً من قبل البعثة مرورا بالسيرة النبوية وعصر الخلفاء حتى عصر الدولة العثمانية والمماليك، والقارئ للكتاب يلاحظ محاولة الشيخ تصحيح الكثير من الأحداث التي رويت من دون توثيق مثل سب على رضي الله عنه على المنابر أيام الأمويين، وكذلك قصة طارق بن زياد وحرقه للسفن وغيرها كثير.
ثم يمضي الشيخ في توثيق التاريخ المعاصر حيث قام بإفراد أجزاء خاصة لمعظم الدول الإسلامية سارداً معظم الأحداث التي مرت عليها منذ نهاية الدولة العثمانية وحتى تسعينيات القرن الماضي. كما أفرد مجلداً خاصاً بالأقليات الإسلامية في العالم مع إداء رأيه في الكثير من الأحداث وتحليلها، وخصص الجزء التاسع من التاريخ الإسلامي للحديث عن الحكم الإسلامي ومفاهيمه حول الخلافة والشورى والجهاد والانتخابات ومصطلح الأمة. وقام بوضع تصور لمشروع دستور إسلامي .
الكتاب يعد مرجعاً مهماً لتاريخ الإسلام خصوصاً أنه كتب بلغة بسيطة يفهمها معظم الناس، ويجب أن يكون له مكان الصدر في مكتباتنا. وسأورد هنا بعض ما كتبه الشيخ عن المرأة، وهو مأخوذ من الجزء التاسع: " مفاهيم حول الحكم الإسلامي" .
"وكانت قوة المرأة في ضعفها، والرغبة فيها في نعومتها، والطلب عليها بأنوثتها، وحب الرجل لها في لطفها، والضعف والنعومة واللطف هي فتنة المرأة وهذا سبب الصراع بين الأقوياء عليها، لذا كان عليها عدم إظهار هذا، فلا تلين بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، ولا تخضع للغريب ولا تتلطف للبعيد، وتخفي نعومتها، ولا تبدي شيئا من فتنتها، وهذا أصل الحجاب والاحتشام وهو ما يضمنه لها عمل البيت، فإذا ما خرجت للعمل أو لحاجة فعليها الهدوء والوقار والحشمة والحجاب والعمل بما يتناسب وطبيعتها كالعلم والتعليم والطب والتمريض والبيع ... على أن يخلو من الاختلاط، وتمنع فيه الخلوة كما يجب ألا يتعارض مع عمل البيت من حيث الوقت والغياب عنه."
الكتاب يعد مرجعاً مهماً لتاريخ الإسلام خصوصاً أنه كتب بلغة بسيطة يفهمها معظم الناس، ويجب أن يكون له مكان الصدر في مكتباتنا. وسأورد هنا بعض ما كتبه الشيخ عن المرأة، وهو مأخوذ من الجزء التاسع: " مفاهيم حول الحكم الإسلامي" .
"وكانت قوة المرأة في ضعفها، والرغبة فيها في نعومتها، والطلب عليها بأنوثتها، وحب الرجل لها في لطفها، والضعف والنعومة واللطف هي فتنة المرأة وهذا سبب الصراع بين الأقوياء عليها، لذا كان عليها عدم إظهار هذا، فلا تلين بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، ولا تخضع للغريب ولا تتلطف للبعيد، وتخفي نعومتها، ولا تبدي شيئا من فتنتها، وهذا أصل الحجاب والاحتشام وهو ما يضمنه لها عمل البيت، فإذا ما خرجت للعمل أو لحاجة فعليها الهدوء والوقار والحشمة والحجاب والعمل بما يتناسب وطبيعتها كالعلم والتعليم والطب والتمريض والبيع ... على أن يخلو من الاختلاط، وتمنع فيه الخلوة كما يجب ألا يتعارض مع عمل البيت من حيث الوقت والغياب عنه."
الكتاب الثاني :
اسم الكتاب : تربية الأولاد في الإسلام
المؤلف: د. عبدا لله ناصح علوان
الناشر : دار السلام ( مصر ) - مجلدان اثنان .
المؤلف رحمه الله من مواليد حلب (سوريا) عام 1928 وكان أستاذاً للدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، له عدة مؤلفات في التربية، توفي وقد ناهز الستين من عمره وصُلي عليه في الحرم المكي و دفن بمكة المكرمة.لم يحظ كتاب ألف عن منهج الإسلام في تربية الأبناء في العصر الحديث بما حظي به كتابنا هذا من اهتمام وقبول ويدل على ذلك كثرة طبعاته (بين يدي الطبعة الأربعون منه) فالمؤلف رحمه الله ممن شهد له بالاهتمام بأمور المسلمين وسعيه إلى الإصلاح من خلال مؤلفاته العديدة والمرتبطة بمجال التربية والتعليم.وفي هذا الكتاب أو الموسوعة التربوية الشاملة أحب المؤلف أن يبدأ من البداية الحقيقية في مجال التربية أي من الزواج وأحكامه ثم عرج على ذكر الأحكام المتعلقة بالمولود من عقيقة وختان وتسمية، وبين أقوال العلماء على اختلافها فيما عرض له من أحكام. ثم يستطرد المؤلف رحمه الله بذكر أنواع التربية مثل التربية الإيمانية والخلقية والعقلية والنفسية وغيرها ويتوسع في ذكر كل منها، و يبين الوسائل التي تساعد على تنشئة الطفل المسلم في كل مجال التنشئة الصالحة النافعة كما يورد أحيانا بعضا من أقوال الغربيين إن دعت الضرورة لذلك.ومما يشهد للمؤلف معالجته لبعض المواضيع الحساسة والتي يخجل الأكثر منا عن الحديث عنها فضلا عن السعي في معالجتها كالتربية الجنسية والانحرافات الجنسية وظاهرة الميوعة بين الأولاد.ثم يعرج الكاتب على ذكر أنواع التربية وأمثلة منها كالتربية بالعادة والقدوة والعقوبة، ويذكر أمورا ووسائل تعين المربي على أداء مهمته، ولا ينس المؤلف المربي فيفرد له عدة فصول يذكر فيها صفات المربي المسلم الناجح.لقد حاول الكاتب رحمه الله سد فراغ كبير في المكتبة الإسلامية بكتابه هذا والنجاح الذي لاقاه كتاب تربية الأولاد في الإسلام يدل على نجاحه في ملء جزء كبير من ذلك الفراغ فجزاه الله خيرا وجعل ما قدم في ميزان حسناته يوم القيامة إن شاء الله.
=================================================================
المؤلف رحمه الله من مواليد حلب (سوريا) عام 1928 وكان أستاذاً للدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، له عدة مؤلفات في التربية، توفي وقد ناهز الستين من عمره وصُلي عليه في الحرم المكي و دفن بمكة المكرمة.لم يحظ كتاب ألف عن منهج الإسلام في تربية الأبناء في العصر الحديث بما حظي به كتابنا هذا من اهتمام وقبول ويدل على ذلك كثرة طبعاته (بين يدي الطبعة الأربعون منه) فالمؤلف رحمه الله ممن شهد له بالاهتمام بأمور المسلمين وسعيه إلى الإصلاح من خلال مؤلفاته العديدة والمرتبطة بمجال التربية والتعليم.وفي هذا الكتاب أو الموسوعة التربوية الشاملة أحب المؤلف أن يبدأ من البداية الحقيقية في مجال التربية أي من الزواج وأحكامه ثم عرج على ذكر الأحكام المتعلقة بالمولود من عقيقة وختان وتسمية، وبين أقوال العلماء على اختلافها فيما عرض له من أحكام. ثم يستطرد المؤلف رحمه الله بذكر أنواع التربية مثل التربية الإيمانية والخلقية والعقلية والنفسية وغيرها ويتوسع في ذكر كل منها، و يبين الوسائل التي تساعد على تنشئة الطفل المسلم في كل مجال التنشئة الصالحة النافعة كما يورد أحيانا بعضا من أقوال الغربيين إن دعت الضرورة لذلك.ومما يشهد للمؤلف معالجته لبعض المواضيع الحساسة والتي يخجل الأكثر منا عن الحديث عنها فضلا عن السعي في معالجتها كالتربية الجنسية والانحرافات الجنسية وظاهرة الميوعة بين الأولاد.ثم يعرج الكاتب على ذكر أنواع التربية وأمثلة منها كالتربية بالعادة والقدوة والعقوبة، ويذكر أمورا ووسائل تعين المربي على أداء مهمته، ولا ينس المؤلف المربي فيفرد له عدة فصول يذكر فيها صفات المربي المسلم الناجح.لقد حاول الكاتب رحمه الله سد فراغ كبير في المكتبة الإسلامية بكتابه هذا والنجاح الذي لاقاه كتاب تربية الأولاد في الإسلام يدل على نجاحه في ملء جزء كبير من ذلك الفراغ فجزاه الله خيرا وجعل ما قدم في ميزان حسناته يوم القيامة إن شاء الله.
=================================================================
محمود شاكر.. منجم الأصالة العربية
(1327 هـ /1909م - 1418هـ/1997م)
ظاهرة فريدة في الأدب والثقافة العربية الحديثة، فهو كاتب له طريقته الخاصة لا تبارى أو تحاكى، وشاعر مبدع حقق في الإبداع الشعري ما بلغ ذروته في قصيدته «القوس العذراء»، ومحقق بارع لكتب التراث، قادر على فك رموزها وقراءة طلاسمها، ومفكر متوهج العقل ينقض أعتى المسلمات، ومثقف واسع الاطلاع في صدره أطراف الثقافة العربية كلها فكانت عنده كتابا واحدا.
غير أن العلامة الشيخ محمود محمد شاكر ظل سنوات طويلة في عزلة اختارها لنفسه، يقرأ ويدرس ويصدح في واحته الظليلة، لا يسمع غناءه إلا المقربون منه من تلامذته ومحبيه، تاركا الدنيا ببريقها وأضوائها وراء ظهره، ولم يخرج من واحته إلا شاكي السلاح، مستجيبا لدعوة الحق حين يشعر بأن ثقافة أمته يتهددها الخطر، فيقصم بقلمه الباتر زيف الباطل، ويكشف عورات الجهلاء المستترين وراء الألقاب الخادعة؛ ولذلك جاءت معظم مؤلفاته استجابة لتحديات شكلت خطرا على الثقافة العربية.
هو محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر من أسرة أبي علياء من أشراف جرجا بصعيد مصر، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما.
ولد في الإسكندرية في ليلة العاشر من محرم سنة (1327هـ) الموافق الأول من فبراير سنة (1909م)، وانتقل إلى القاهرة في نفس العام مع والده إذ تم تعيين والده وكيلا للجامع الأزهر، وكان قبل ذلك شيخا لعلماء الإسكندرية.
النشأة:
نشأ الشيخ محمود شاكر «أبو فهر» في بيئة متدينة، إذ كان أبوه كبيرا لعلماء الإسكندرية ثم وكيلا للجامع الأزهر. ولم يتلق إخوته تعليما مدنيا، أما هو ـ وقد كان أصغر إخوته ـ فقد انصرف إلى التعليم المدني، فتلقى أولي مراحل تعليمه في مدرسة الوالدة أم عباس في القاهرة سنة (1916م) ثم بعد ثورة (1919م) انتقل إلى مدرسة «القربية» بدرب الجماميز، وهناك تأثر كثيرا بدروس الإنجليزية لاهتمامهم بها ولكونها جديدة عليه. ولما كان يقضي أوقاتا كثيرة في الجامع الأزهر فقد سمع من الشعر وهو لا يدري ما الشعر!! ومن الجدير بالذكر أنه حفظ ديوان المتنبي كاملا في تلك الفترة.
وفي سنة (1921م) دخل المدرسة الخديوية الثانوية ليلتحق بالقسم العلمي ويتعلق بدراسة الرياضيات، وبعد اجتياز الثانوية، ورغم حبه للرياضيات، وإجادته للإنجليزية، فضل أن يلتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية لما شعر به من أهمية «الكلمة» في تاريخ أمته قديما، فلا بد أن يكون لها الدور الأكبر في مستقبلها. ولأنه كان من القسم العلمي فقد تعذر دخوله لكلية الآداب بداية، إلا أنه بوساطة من «طه حسين» لدى «أحمد لطفي السيد» رئيس الجامعة المصرية آنذاك استطاع أن يلتحق بما يريد سنة (1926م).
وفي الجامعة استمع شاكر لمحاضرات طه حسين عن الشعر الجاهلي، وهى التي عرفت بكتاب «في الشعر الجاهلي»، وكم كانت صدمته حين ادعى طه حسين أن الشعر الجاهلي منتحل، وأنه كذب ملفق لم يقله أمثال امرئ القيس وزهير، وإنما ابتدعه الرواة في العصر الإسلامي، وضاعف من شدة هذه الصدمة أن ما سمعه من المحاضر الكبير سبق له أن اطلع عليه بحذافيره في مجلة استشراقية في مقال بها للمستشرق الإنجليزي (مرجليوث)!
وتتابعت المحاضرات حول هذا الموضوع، وصاحبنا عاجز عن مواجهة طه حسين بما في صدره، وتمنعه الهيبة والأدب أن يقف مناقشا أستاذه، وظل على ذلك زمنا لا يستطيع أن يتكلم حتى إذا لم يعد في الصبر والتحمل بقية، وقف يرد على طه حسين في صراحة وبغير مداراة.
وتولدت عنده مشاعر خيبة أمل كبيرة، فترك الجامعة غير آسف عليها وهو في السنة الثانية لأنه لم يعد يثق بها، ولم تفلح المحاولات التي بذلها أساتذته وأهله في إقناعه بالرجوع، وسافر إلى الحجاز سنة (1928م) مهاجرا، وأنشأ هناك ـ بناء على طلب الملك عبد العزيز آل سعود ـ مدرسة «جدة السعودية الابتدائية» عمل مديرا لها، حتى استدعاه والده الشيخ فعاد إلى القاهرة سنة (1929م).
بعد عودته من الحجاز إلى القاهرة، انصرف إلى الأدب والكتابة وقراءة دواوين الشعراء حتى صارت له ملكة في التذوق، وبدأ ينشر بعض قصائده الرومانسية في مجلتي «الفتح» و «الزهراء» لمحب الدين الخطيب، واتصل بأعلام عصره من أمثال أحمد تيمور وأحمد زكي باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي الذي ارتبط بصداقة خاصة معه.
ورغم هذا فإنه يصف المرحلة الزمنية من (1926 – 1936م) -أي منذ السابعة عشر إلى السابعة والعشرين- بأنها: «حياة أدبية بدأت أحس إحساسا مبهما إنها حياة أدبية فاسدة. فلم أجد لنفسي خلاصا إلا أن أرفض -متخوفا حذرا- شيئا فشيئا، أكثر المناهج الأدبية والسياسية والاجتماعية والدينية».
وبدأ بإعادة قراءة ما وقع تحت يده من الشعر العربي، قراءة تختلف عن الأولى في أنها متأنية تتوقف عند كل لفظ ومعنى، محاولا أن يصل إلى ما قد يكون أخفاه الشاعر في ألفاظه بفنه وبراعته، وهذا هو أساس «منهج التذوق» الذي جعله منهجا شاملا يطبقه على كل الكلام شعرا كان أو غيره.
فأقدم على قراءة كل ما يقع تحت يده من كتب أسلافنا: من تفاسير لكتاب الله، إلى علوم القرآن، إلى دواوين الحديث، إلى ما تفرع منها من كتب مصطلح الحديث والجرح والتعديل وغيرها من كتب أصول الفقه وأصول الدين، وكتب الملل والنحل، ثم كتب البلاغة والنحو والتاريخ بحيث يكون اتجاهه من الأقدم فالأقدم. ومع تطبيقه لأسلوب التذوق، كان يقرأ كل التراث على أنه إبانة عن خبايا كاتبه.
يقول: «وشيئا فشيئا انفتح لي الباب على مصراعيه، فرأيت عجبا من العجب، وعثرت يومئذ على فيض غزير من مساجلات صامتة خفية كالهمس، ومساجلات ناطقة جهيرة الصوت، غير أن جميعها إبانة صادقة عن الأنفس والعقول».
كتابته عن المتنبي:
ولم يكن شاكر معروفا بين الناس قبل تأليفه كتابه «المتنبي» الذي أثار ضجة كبيرة بمنهجه المبتكر وأسلوبه الجديد في البحث، وهو يعد علامة فارقة في الدرس الأدبي نقلته من الثرثرة المسترخية إلى البحث الجاد.
والعجيب أن شاكر الذي ألف هذا الكتاب سنة (1936م) ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، لم يكن يقصد تأليف كتاب عن المتنبي، إنما كان مكلفا من قبل «فؤاد صروف» رئيس تحرير مجلة «المقتطف» بأن يكتب دراسة عن المتنبي مسهبة بعض الإسهاب ما بين عشرين إلى ثلاثين صفحة، ولكن هذا التكليف تحول على يد شاكر كتابا مستقلا عن المتنبي أنجزه في فترة زمنية قصيرة على نحو غير مسبوق، ونشرته مجلة المقتطف في عددها الصادر في السادس من شوال (1354هـ) الأول من يناير (1936م)، وصدر فؤاد صروف مجلته بقوله: هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا، فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد.
وقد اهتدى شاكر في كتابه إلى أشياء كثيرة لم يكتبها أحد من قبله استنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبي، فقال بعلوية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين بالكوفة كما قيل، بل كان علويا نشأ بالكوفة وتعلم مع الأشراف في مكاتب العلم، وقال بأن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين الحمداني، واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه، وتم استقبال الكتاب بترحاب شديد، وكتب عنه «الرافعي» مقالة رائعة أثنى عليه وعلى مؤلفه.
والعجيب أن المديح الشدي لم يعجبه لأنه يرى أن كتابه لا يستحق كل ذلك، حتى إنه رأى أن النقد الموجه لكتابه كان نقدا على غير أصول علمية. يقول في حوار له مع د. نجم عبد الكريم: «لم أجد كاتبا إلى هذا اليوم قام بنقد هذا الكتاب نقدا صحيحا أو فهم طريقة ما كتبت. فليس هناك من نقد الكتاب كما ينبغي أن ينقد .. نقده الدكتور طه حسين في كتابه مع المتنبي نقدا لا أستطيع أن أعده نقدا في الحقيقة، لأنه لا أصل له» .. «إن كل هذا الثناء لا يؤثر علي، ولا يغير شيئا من قناعاتي، كما أن الثناء لا يغير رأيي في الناس! وأقولها بأمانة: إنه لم يكتب أحد كلمة أستطيع أن أحترمها بشأن كتابي سوى رجل واحد كتب نقدا لي من وجهة نظره، وهذا النقد يحتوي على شيء من الحقيقة، أما الرجل فهو الأستاذ «الوديع تلحوم». وقد نشره في مجلة المقتطف، ولم أحتفظ بشيء مما كتب عني سوى هذه المقالة أو هذا النقد، بالإضافة إلى مقالة أستاذي الأستاذ مصطفى صادق»[1] من هنا يمكننا أن نفهم أنه توقف عن الدراسات الأدبية لأنه شعر بسطحية تناولها من قبل النقاد.
معاركه الأدبية:
أعظم دور لعبه الأستاذ محمود شاكر، وهو انتصابه بشجاعة لمنازلة «طه حسين» عندما افترى على الشعر الجاهلي، مدعياً عدم جاهليته وأنه من صنع المسلمين ليفسروا قرآنهم، وقد فضحه الأستاذ شاكر على الملأ بعد ما أبان بأن هذه المقولة إنما سطا عليها الدكتور طه حسين، وادعاها لنفسه بينما هي في الأصل دعاية استشراقية تولى كبرها المستشرق المشهور «مرجليوث».
ولما صدر كتاب محمود شاكر عن المتنبي عام (1936)، كان كتاب د. طه حسين «مع المتنبي» صدر عام (1938)، وعلى الرغم من أن طه حسين نقد في كتابه -كتاب شاكر- إلا أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يسلك سبيلا يقلد فيها محمود شاكر، لذا فقد هاجم شاكر ما كتبه طه حسين في 13 مقالة في جريدة «البلاغ»، تحت عنوان «بيني وبين طه» اتهمه فيها بأنه سطا على أفكاره وحذا حذوه، وقال أن كتاب طه حسين محشو بأشياء كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن الدكتور طه لم يسلك هذا الطريق الجديد على كتبه في كتاب المتنبي إلا بعد أن قرأ كتابه.
كما نشر «د.لويس عوض» المستشار الثقافي للأهرام حينذاك سنة (1964) مجموعة مقالات في الأهرام بعنوان «على هامش الغفران» وذهب في كلامه إلى تأثر المعري باليونانيات، كما ألمح إلى أثر الأساطير اليونانية في الحديث النبوي، مما دفع الرجل إلي العودة إلى الكتابة بعد عزلة فرضها على نفسه، لبيان خطأ وتهافت لويس عوض ومنهجه، ثم انتقل عن الكلام عن الفكر والثقافة في العالم العربي والإسلامي وما طرأ عليها من غزو فكري غربي. جمعت هذه المقالات ونشرت في كتاب مشهور «أباطيل وأسمار».
وجدير بالذكر أن الأستاذ محمود شاكر -رحمه الله- كان قد أطلق على لويس عوض في مقالاته بمجلة الرسالة «صبي المبشرين أجاكس عوض»، وكانت مقالات شاكر في ذلك حدثا ثقافيا مدويا كشفت عن علم غزير ومعرفة واسعة بالشعر وغيره من الثقافة العربية، وقدرة باهرة على المحاجاة والبرهان.
يقول الأستاذ شاكر في رسالة كتاب أباطيل وأسمار: «ولهذه الفصول غرض واحد وإن تشعبت إليه الطرق. وهذا الغرض هو ما قلت للأخ الصديق الأستاذ محمد عودة: هو الدفاع عن أمة برمتها، هي أمتي العربية الإسلامية، وجعلت طريقي أن أهتك الأستار المسدلة التي عمل وراءها رجال فيما خلا من الزمان، ورجال آخرون قد ورثوهم في زماننا وهمهم جميعاً كان: أن يحققوا للثقافة الغربية الوثنية كل الغلبة على عقولنا، وعلى مجتمعنا، وعلى حياتنا، وعلى ثقافتنا، وبهذه الغلبة يتم انهيار الكيان العظيم الذي بناه آباؤنا في قرون متطاولة وصححوا به فساد الحياة البشرية في نواحيها الإنسانية والأدبية والأخلاقية والعملية والعلمية الفكرية وردوها إلى طريق مستقيم علم ذلك من علمه وجهله من جهله» [2].
وقد تدخل الناقد «محمد مندور» عند شاكر ليوقف مقالاته دون جدوى، وأصاب لويس عوض الذعر والهلع من مقالات شاكر التي فضحته بين أوساط المثقفين، وكشفت عن ضعف ثقافته حتى في تخصصه في الأدب الإنجليزي حين كشف شاكر عن فساد ترجمته العربية لمسرحية «الضفادع» لأرسطوفان، وراح لويس عوض يطوف على المجلات والصحف يستنصرهم ضد شاكر ويزعم أن المعركة بينهما معركة دينية، ولم يتوقف شاكر عند كتابة مقالاته حتى أغلقت مجلة الرسالة نفسها، وألقي به في غياهب السجن سنتين وأربعة أشهر من آخر شهر أغسطس سنة (1965م) حتى آخر شهر ديسمبر سنة (1967م).
وفي السابعة والخمسين من عمره اعتقل شيخنا ظلماً وعدواناً، واحتمل ظلمة وغياهب المعتقلات ورفض أن يعتذر عن تمسكه بدينه وعن ذنب هو منه براء.
وفي منتصف الثمانينيات واصل جولاته الفكرية الناجحة، وانتقد بشدة أفكار نجيب محفوظ, وزكي نجيب محمود ووصفهما بأنهما ـ مثل طه حسين وتوفيق الحكيم ـ مقلدان للغرب وليسا مبتكرين، بل يقدمان نفس الرؤى التي كان أولئكم ينادون بها؛ ولهذا فهم يسيرون في طريق الخطأ.
وقال عنهم: «إنهم لم يقدموا شيئاً مفيداً لمجتمعهم ولا لقضايا مجتمعهم، ولو كانوا يسيرون في طريق صحيح لكان لهم شأن آخر.. صحيح أنهم مجتهدون ولهم جهود دائمة دائبة، ولكنها ضئيلة، وباهتة فعندما أنظر إلى الوجود الحقيقي لطه حسين أو توفيق الحكيم أو إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ أراه وجودا ليس مفيدا لقضايا مجتمعهم أو مشاكله».
ولعل جرأة شيخنا في الحق وفي الصدع به كانت سببا في تجاهل الأجهزة الإعلامية له ولمنهجه الفكري إلى أن رحل عن دنيا الزيف إلى رحمة الله – إن شاء الله - التي وسعت كل شيء؟.
شيخ المحققين:
الشيخ العلم الأستاذ محمود محمد شاكر رائد من رواد تحقيق التراث العربي الإسلامي .. أمضى حياته في رحلة علمية طويلة وعطاء فياض لخدمة الإسلام والدفاع عن أصوله ومبادئه والوقوف أمام تيارات الحداثة والتغريب والرد على أذناب التنوير المزعوم .. رحل عنا -بعد عطاء فياض - مودعا سجن الدنيا وانتقل إلى جوار ربه، تاركاً نموذجاً طيباً، وقدوة حسنة، وفكراً إسلامياً مستنيراً.
أطلق عليه العقاد «المحقق الفنان»، وإنجازاته في هذا المجال كثيرة، وهي عنوان على الدقة والإتقان، ومن أشهر الكتب التي حققها:
• تفسير الطبري (16جزءا).
• طبقات فحول الشعراء (مجلدان).
• تهذيب الآثار للطبري (6 مجلدات).
وشاكر لا يحب أن يوصف بأنه محقق لنصوص التراث العربي، وإنما يحب أن يوصف بأنه قارئ وشارح لها، وهو يكتب على أغلفة الكتب التي يقوم بتحقيقها عبارة: «قرأه وشرحه» وهذه العبارة كما يقول الدكتور محمود الربيعي: «هي الحد الفاصل بين طبيعة عمله وطبيعة عمل غيره من شيوخ المحققين، إنه يوجه النص ويبين معناه بنوع من التوجيه أو القراءة التي تجعله محررا؛ لأنها قراءة ترفدها خبرة نوعية عميقة بطريقة الكتابة العربية، وهو إذا مال بالقراءة ناحية معينة أتى شرحه مقاربا، وضبطه مقنعا، وأفق فهمه واسعا، فخلع على النص بعض نفسه وأصبح كأنه صاحبه ومبدعه».
مع تفسير الطبري:
هناك في إقليم «طبرستان» في ناحية «آمُل» من بلاد المشرق الإسلامي ولد الإمام محمد بن جرير الطبري عام (224هـ) وتوفي عام (310هـ) عن ستة وثمانين عاماً قضاها في العلم والعمل والتصنيف، ورزقه الله القبول فسارت تصانيفه مسير الشمس والقمر، فقد أوتي-رحمه الله- قدرة وبراعة على التصنيف، وواسطة عقد مصنفاته -رحمه الله- تفسيره العظيم «جامع البيان في تأويل آي القرآن»، ذلك الكتاب الذي لو سافر مسافر إلى الصين من أجل تحصيله ما كان ذلك كثيراً في حقه، كما قال (أبو حامد الإسفراييني) عندما طالعه[3].
واستعار ابن خزيمة تفسير ابن جرير من ابن بالويه ثم رده بعد سنين، وقال: «نظرت فيه من أوله إلى آخره فما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير»[4].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما التفاسير التي في أيدي الناس، فأصحها تفسير ابن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبي»[5].
هذا التفسير النفيس لقي من العناية في حياة مصنفه وبعده ما لم يلقه كتاب آخر، وتنافس العلماء والأمراء في اقتنائه وشراءه، ولا زال إلى يوم الناس هذا في المقدمة بدون منازع، على كثرة المصنفات في التفسير، فإنها ولا أبالغ قد زادت على الألف.
وفي العصور المتأخرة فُقِدَ كتابُ ابن جرير ولم يكد يوجد منه إلا نقول هنا وهناك، حتى قال المستشرق الألماني «نيلدكه» عام (1860م) بعد اطلاعه على بعض فقرات من هذا الكتاب: «لو حصلنا على هذا الكتاب لاستطعنا أن نستغني عن كل كتب التفسير المتأخرة عليه، ولكنه يبدو -للأسف- مفقوداً بالكلية»[6].
وقبل ذلك لم يذكره إسماعيل البغدادي في كتابه «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون».
وبفضل من الله - سبحانه وتعالى - تم العثور على نسخة كاملة مخطوطة من هذا التفسير العظيم عند أمير «حائل» الأمير حمود من آل رشيد من أمراء نجد، وقد طبع الكتاب على هذه المخطوطة تقريباً، مع المخطوطة التي وجدت في دار الكتب المصرية بالقاهرة، وإن كانت ناقصة، والمخطوطة الناقصة كذلك التي وجدت في حلب في مكتبتها الأحمدية، وقد ابتهجت الأوساط العلمية بطباعته في ذلك الحين، واقرأ ذلك في كتاب «جولد زيهر» حيث صور الفرحة التي عمت أوساط المستشرقين بطباعته، وقد رصدت أكاديمية الفنون الجميلة بباريس عام (1900م) جائزة لمن يتصدى لدراسة التفسير وبيان منهج مؤلفه فيه!! ولك أن تعجب.
أما واسطة عقد طبعات تفسير الطبري، التي لو تمت لما ساغ لأحد بعدها أن يقدم على تحقيق هذا الكتاب، ولا ادعاء ذلك، فهي الطبعة التي قام عليها العالم الجليل محمود محمد شاكر وأخوه العلامة المحدث أحمد محمد شاكر - رحمهم الله - جميعاً ابتداء من عام 1374هـ ونشرته دار المعارف بالقاهرة.
يقول محمود شاكر -رحمه الله- في مقدمة الجزء الأول من تفسير الطبري مبيناً الباعث له على القيام بتحقيقه بعد أن بين مكانة الكتاب وقيمته قال: «بيد أني كنت أجد من المشقة في قراءته ما أجد. كان يستوقفني في القراءة كثرة الفصول في عبارته، وتباعد أطراف الجُمَل، فلا يسلم لي المعنى حتى أعيد قراءة الفقرة منه مرتين أو ثلاثاً. وكان سبب ذلك أننا ألفنا نهجاً من العبارة غير الذي انتهج أبو جعفر، ولكن تبين لي أيضاً أن قليلاً من الترقيم في الكتاب، خليق أن يجعل عبارته أبينَ، فلما فعلت ذلك في أنحاء متفرقة من نسختي، وعُدْتُ بَعْدُ إلى قراءتها، وجدتها قد ذهب عنها ما كنت أجد من المشقة، فتمنيت يومئذ أن ينشر هذا الكتاب الجليل نشرة صحيحة محققة مرقمة، حتى تسهل قراءتها على طالب العلم، وحتى تجنبه كثيراً من الزلل في فهم مراد أبي جعفر»[7].
وهناك سبب آخر دعا إلى نشره وتحقيقه وهو: «أن ما طبع من تفسير أبي جعفر، كان فيه خطأ كثير وتصحيف وتحريف» [8].
وقد عقد محمود شاكر -رحمه الله- عزمه على نشر هذا الكتاب نشرة علمية بعد أن رأى الحاجة ماسةَ، ورغبة في التقرب إلى الله حيث قال: « فأضمرت في نفسي أن أنشر هذا الكتاب، حتى أؤدي بعض حق الله عليَّ، وأشكر به نعمة أنالها أنا لها غير مستحق من رب لا يؤدي عبد من عباده شكر نعمة ماضية من نعمه، إلا بنعمة منه حادثة توجب عليه أن يؤدي شكرها، هي إقداره على شكر النعمة التي سلفت، كما قال الشافعي رضي الله عنه»[9].
منهجه في التحقيق والنشر:
1- تم التحقيق بالمشاركة مع شقيقه الأكبر العلامة المحدث أحمد محمد شاكر -رحمهم الله- بحيث يقوم الشيخ أحمد شاكر بدراسة الأسانيد والحكم عليها من حيث الصناعة الحديثية، ويقوم محمود شاكر بالباقي: مقابلة النسخ، وتحقيق النص، وتخريج الأقوال والشواهد الشعرية، ووضع علامات الترقيم، وضبط النص وما يتعلق بذلك من شرح غريب ونحو ذلك.
2- مراجعة ما في تفسير الطبري من الآثار على كتاب الدر المنثور للسيوطي وفتح القدير للشوكاني، لأنهما يكثران النقل عن الطبري.
3- الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لم يقتصر على نقل الآثار، بل نقل بعض كلام أبي جعفر الطبري بنصه في مواضع متفرقة، وكذلك نقل أبو حيان في البحر المحيط، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن في مواضع قليلة من تفسيرهما، فقام بمقابلة المطبوع والمخطوط من تفسير الطبري على هذه الكتب.
ولكن محمود شاكر رأى أن الاستمرار على هذا النهج يطيل الكتاب على غير جدوى فبدأ منذ الجزء الثاني يغفل ذكر المراجع إلا عند الاختلاف، أو التصحيح، أو غير ذلك مما يوجب بيان المراجع.
4- قام بمراجعة كثير مما في التفسير من الآثار، على سائر الكتب التي هي مظنة لروايتها، وبخاصة تاريخ الطبري نفسه، ومن في طبقته من أصحاب الكتب التي تروي الآثار بالأسانيد. وقد استطاع المحقق أن يحرر أكثر هذه الآثار في التفسير تحريراً حسناً مقبولاً.
5- ما تكلم فيه الطبري من مسائل اللغة والنحو، فقد راجعه على أصوله مثل «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، و« معاني القرآن» للفراء وغيرهما ممن يذكر أقوال أصحاب المعاني من الكوفيين والبصريين.
6- شواهد تفسير الطبري الشعرية من أبرز ما في التفسير، وهي تزيد على ألفي (2000) شاهد شعري، وقد قام المحقق -رحمه الله- بتتبع شواهده في دواوين العرب، ونسب ما لم يكن منسوبا، وشرحها شرحاً جيداً، وحقق ما يحتاج إلى تحقيق من قصائدها، ملتزماً في ذلك الاقتصار حسب الاستطاعة.
7- ظهر للمحقق كما قال أثناء مراجعاته أن كثيراً ممن نقل عن الطبري، ربما أخطأ في فهم مراد الطبري، فاعترض عليه، لمّا استغلق عليه بعض عبارته. فقام بتقييد بعض ما بدا له خلال التعليق، ولكنه لم يستوعب ذلك مخافة الإطالة.
8- الطبري -رحمه الله- في تفسيره يكثر من ترداد مصطلحات النحاة القديمة التي استقر الاصطلاح على خلافها، فقام المحقق بتتبع هذه المصطلحات، وقام بوضع فهرس خاص بالمصطلحات النحوية في آخر كل جزء من الأجزاء التي قام بتحقيقها.
9- كان المحقق يحب أن يبين ما انفرد به الإمام الطبري من الآراء في تأويل بعض الآيات، ويشرح ما أغفله غيره من المفسرين، ولكنه لم يفعل حيث خشي الإطالة مع أهمية هذا الأمر.
أما منهجه في وضع الفهارس فقد كان ينوي ترك الفهارس حتى نهاية التفسير، ولكنه رأى الكتاب كبيراً، وحاجة الناس إلى مراجعة بعضه على بعض، وربط أوله بآخره فآثر أن يفرد لكل جزء فهارسه الخاصة في نهايته فكانت على هذا النحو التالي:
• فهرس للآيات التي استدل بها الطبري في غير موضعها من التفسير. فإن الطبري ربما ذكر تفسيراً للآية في هذه المواضع لم يذكره عند تفسيره للآية في موضعها من التفسير والذي هو مظنة ذلك القول.
• فهرساً لألفاظ اللغة، لأن الطبري كثير الإحالة على ما مضى في كتابه، وليكون هذا الفهرس مرجعاً لكل اللغة التي رواها الطبري، وكثير منها مما لم يرد في المعاجم، أو جاء بيانه عن معانيها أجود من بيان أصحاب المعاجم.
• فهرس لمباحث العربية، لأن الطبري كثيراً ما يحيل على هذه المواضع، ولما فيها من النفع لقارئ التفسير.
• فهرساً خاصاً بالمصطلحات النحوية القديمة التي استقر الاصطلاح على غيرها، وهي كثيرة التكرار في تفسير الطبري.
• فهرس للرجال الذين تكلم عنهم العلامة أحمد شاكر في المواضع المتفرقة من التفسير.
• فهرس عام اقتصر فيه على سوى ما ذكر في الفهارس المتقدمة.
لم يقم المحقق بعمل فهارس للشواهد الشعرية في نهاية كل جزء حيث قد عزم على صنع فهرس عام للأشعار التي وردت في التفسير عند تمامه على نمط اختاره لصناعته، وكذلك فهرس أسانيد الطبري، وفهرس الأعلام، وفهرس الأماكن، وفهرس المعاني، والفهارس الجامعة لما أفرده من الفهارس في كل جزء. كل ذلك لم يتم لأنه لم يصل إلى الموعد الذي وعد بها عند بلوغه.
وقد قام المحقق بترقيم الآيات وأثبتها في رأس الصفحة فما على الباحث إلا معرفة رقم الآية من السورة المرادة ثم طلبها في أعلى الصفحة من الجزء المراد فيجد في أعلى الصفحة مثلاً [البقرة:140] أي آية 140 من سورة البقرة وهكذا.
وقد استمر العمل في تحقيق الكتاب بداية من عام (1374هـ) وتم إصدار ثلاثة عشر جزءاً حتى عام (1377هـ) حيث توفي العلامة أحمد شاكر -رحمه الله- في نهاية شهر ذي القعدة عام (1377هـ)، وقد عبر عن ذلك محمود شاكر في مقدمة الجزء الثالث عشر فقال: «وبعد: ففي الساعة السادسة من صبيحة يوم السبت السادس والعشرين من ذي القعدة سنة (1377هـ) الموافق 14 يونيه سنة (1958م) قضى الله قضاءه بالحق، فألحق بالرفيق الأعلى أخي وشقيقي السيد أحمد محمد شاكر، مودعاً بالدعاء، محفوفاً بالثناء» [13/1].
ثم صدر الجزء الرابع عشر سنة (1378هـ) والجزء الخامس عشر سنة (1380هـ) والجزء السادس عشر والأخير سنة (1388هـ) وتوقف عن الآية رقم 28 من سورة إبراهيم.
وسبب توقفه عن الاستمرار في التحقيق هو خلاف نشأ بينه وبين «دار المعارف» التي قامت على نشر الكتاب فيما ذكر من تحدث عنه وترجم له مؤخراً [محمود محمد شاكر لعمر القيَّام ص 67]، وقد توفي الشيخ محمود محمد شاكر عام (1418هـ) ولم يتم تحقيق الكتاب إلى الآن، وقد ترك -رحمه الله- فراغاً كبيراً في الثقافة الإسلامية بعامة فقد كان يمثل منهجاً كاملاً قل من يقوم به بعده مع أن هناك تلامذة مخلصون من تلاميذه من أمثال الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد أبو موسى هم من خيرة من ترك من التلاميذ قدرةً على قراءة التراث الإسلامي، وتذوقاً له، ولكن لم يبلغوا شأوه ولا أظنهم يزعمون ذلك!!
وقد صدر تفسير ابن جرير مؤخراً ولله الحمد، بتحقيق الشيخ الدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع مكتب البحوث والدراسات بدار هجر. ويقع في ستة وعشرين جزءاً.
شهادات خير وبركة:
• خصصت مجلة الهلال المصرية «عدد تذكاري لعقد الثمانينات .. عمالقة.. وأحداث عامة» وتحت عنوان: «محمود شاكر .. منجم الأصالة العربية» قالت المجلة: شهدت حقبة الثمانينات من هذا القرن اعترافاً متتابع الخطوات، بمكانة الأديب العربي الكبير محمود محمد شاكر، بدءاً من منحه جائزة الدولة التقديرية في الأدب عن عام (1981م) ثم اختياره لعضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام (1983م)، وحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عام (1984م) .. بصفته مفكراً إسلامياً بارزاً.
وقد تألق اسم الأستاذ محمود محمد شاكر في سماء الأدب العربي باعتباره أديباً شاباً في فترة الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن، وخاصة بعد صدور كتابه «المتنبي» الذي نشرته مجلة المقتطف في عدد خاص منها في عام (1936م)، فضلاً عن عشرات المقالات، والقصائد الشعرية في مختلف الصحف والمجلات إلى بداية الخمسينات من هذا القرن، حيث توقف لفترة عن الكتابة لينصرف إلى تحقيق العديد من أمهات كتب التراث العربي والإسلامي، حتى استفزته بعض الظواهر الأدبية في بلادنا، فامتشق قلمه في مجلة «الرسالة» من جديد في عام (1964م)، وأنشأ سلسلة من المقالات في الرد على ما كتبه «لويس عوض» في جريدة الأهرام عن رسالة الغفران للمعري، وهي المقالات التي جمعها بعد ذلك، الأستاذ شاكر في واحد من أهم كتبه وعنوانه «أباطيل وأسمار».
وفي العام الماضي نشر كتاب «الهلال» للأستاذ محمود شاكر «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا» التي أنشأها لتكون مقدمة للطبعة الثالثة من كتابه عن «المتنبي» وكان لها بدورها دوي هائل في الأوساط الأدبية والثقافية... ولكن الكتابة والتحقيق والمعارك الأدبية لم تكن هي كل جهود الأستاذ محمود شاكر في خدمة الثقافة العربية، ففي فترة كمونه في داره بمصر الجديدة معتزلاً الكتابة عاكفاً على نشر كتب التراث كان بيته قد شرع في التحول إلى «جامعة» يقصدها الدارسون من مختلف أرجاء الوطن العربي للتتلمذ على يديه، ولا تزال كذلك إلى اليوم، حتى استحق وصف المرحوم الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل له بأنه، «كنز الثقافة العربية، والمنجم الباقي لأصالتها العريقة»[10].
• يقول أ.د يحيى هاشم حسن فرغل: ومن المعطيات الحضارية التي لم يكتف البعض بجهلها ولكن تم دفع بعضهم إلى احتقارها ما كشف عنه الأستاذ محمود محمد شاكر في مقدمته لكتاب « أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني من كتب التراث (عن نظرة الشيخ محمد عبده إلى ماضينا وكيف أثرت هذه النظرة في تلاميذه ومريديه لتجري أقلامهم بما يؤثر في حياتنا المعاصرة وتكون النتيجة تفريغ الأمة من تاريخها.. في البداية حيث حقق الشيخ رشيد رضا كتاب «أسرار البلاغة» للجرجاني واستهله بمقدمة استهانت بعدد من علماء العرب الأقدمين إلى درجة أنه سمى أعمال أحدهم بأنها «الرسوم الميتة التي سماها الجهل علما» ليجيء الشيخ البرقوقي من بعده ويكتب مستهينا بعلماء العرب الأقدمين، ثم تبين فيما بعد للأستاذ محمود شاكر أن ما قاله الشيخان «رشيد رضا والبرقوقي» ترديد لما كان يقوله الشيخ محمد عبده، في دروسه ومجالسه في ذم الكتب التي كان طلبة العلم في الأزهر يدرسونها فتلقفوا عنه هذا الطعن دون فحص أو نظر)!
ويواصل الأستاذ محمود محمد شاكر قائلا: (ولم يقتصر ذم الشيخ محمد عبده على كتب البلاغة وحدها، بل تناول بالطعن الجارح كل الكتب التي كانت تدرس في الأزهر على اختلاف أنواعها من بلاغة وفقه ونحو .. وذاع هذا الطعن وتناقلته ألسنة المحيطين به من صغار طلبة الأزهر وغيرهم من الطوائف، فكان هذا أول صدع في تراث الأمة العربية الإسلامية، وأول إسقاط لتاريخ طويل من التأليف إسقاطا كاملا، يتداوله الشباب بألسنتهم مستقرا في نفوسهم، وهم في نضارة الشباب لا يطيقون التمييز بين الخطأ والصواب، وليس عندهم من العلم ما يعينهم على الفصل في المعركة التي دارت بين شيوخ الأزهر والشيخ محمد عبده،وليس في أيديهم سوى ما قاله الشيخ في التجريح والطعن الذي صدهم صدا كاملا عن هذه الكتب وأورثهم الاستهانة بها) [11].
وتكون النتيجة تفريغ الدراسة بالأزهر على النحو الذي أصبحنا نشكو منه أخيرا، وتتضاعف النتائج عند تلاميذ الشيخ من العلمانيين، ومن يأتي من تلاميذهم، ثم تكون النتيجة أيضا حصاد أطفال الفتوى الذين يرددون ما قاله أبو حنيفة ومالك والشافعي، وابن حنبل قائلين: نحن رجال وهم رجال، وهات يا فتوى.. !!
• وقال الأستاذ «عبد السلام هارون» في استقباله: عبقري بارع، قلّ أن يجود الزمان بمثله... أما الصورة الكاملة التي يقدم بها الأستاذ محمود شاكر إلى المجمع فإنها تفتقر إلى كثير من القول يحصي نشاطه الكتابي والتفكيري والتأليفي.ـ والشيخ محمود نال جائزة الملك فيصل الدَّوْلية السنوية نهاية عام (1983) عن كتابه «المتنبِّي» الذي يقع في مجلدين من القَطْع الكبير، والذي كتبه عام (1936) ثم أعاد تحقيقه عام (1976).
ويُعتبر الشيخ محمود شاكر مَعْلَماً من معالم النهضة الإسلامية المعاصرة في ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: إمامته في اللغة والأدب ودفاعه عن لغة القرآن حيث يُعتبر أحد المراجع الموسوعية في ذلك مما أهّله لخوض معركة الدفاع عن اللغة العربية بكل تفوّق وجدارة، ومواجهة الدكتور المستغرب المهزوم طه حسين الذي كان يُلقَّب بعميد الأدب العربي وأمثاله من المستغربين.
الجانب الثاني: إمامته في تحقيق كتب التراث فهو عُمدة في هذا الجانب ويُعتبر تحقيقه لتفسير الطبري وطبقات فحول الشعراء أنموذجاً لإتقانه ودِقّته.
الجانب الثالث: غَيْرته على الإسلام وهجومه الصاعق بالحجة والبرهان على المستغربين والمهزومين من أذناب المستشرقين.
مؤلفاته:
1- المتنبي (1936م).
2- القوس العذراء (1952م).
3- أباطيل وأسمار (1965م).
4- برنامج طبقات فحول الشعراء (1980م).
5- نمط صعب ونمط مخيف (1969م).
6- قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام.
7- رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (1987م).
تحقيقاته:
1- «فضل العطاء على العسر» لـأبي هلال العسكري.
2- «إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع» لتقي الدين المقريزي.
3- «المكافأة وحسن العقبى» لابن الداية.
4- «طبقات فحول الشعراء» لمحمد بن سلام الجمحي.
5- «تفسير الطبري» للإمام الطبري.
6- «جمهرة نسب قريش وأخبارها» للزبير بن بكار.
7- «تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار» للإمام الطبري.
8- «دلائل الإعجاز» لعبد القاهر الجرجاني.
9- «أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني.
من روائع مقالاته:
• من أروع ما كتب مقال بعنوان «يوم البعث» يقول فيه:
إن أحدنا لتستبد به في بعض عمره فترات يجد فيها الحياة قد وقفت في دمه كالجدار المصمت لا تميل ولا تنثني ولا تتحول، ويجد النفس متماوتة لا ترف رفة واحدة، تشعر العقل أن الحي الذي فيه لا يزال حياً يعمل، ويجد الدنيا كأنها بساط ممدود يمشي فيه بعينه، ولكن البساط لا يمنحه حركة من هموده وسكونه وانعدام الحياة ذات الإشعاع فيه، ويتمنى أحدنا يومئذٍ أن تحل بأيامه قارعة تملأ عليه الزمن ضجيجاً ونزاعاً، عسى أن يتحول كل ما يجده من الفتور إلى نشاط ويقظة وخفة تبعث ميت نفسه من رمس الحياة الخاملة.
وهذا العارض إذا ألمَّ جعل الأيام مقعدة تزحف في زمانه زحفاً بطيئاً مرهقاً كأنها أمسكت على مرفأ الحياة بسلسلة ربوض، ويجعل الحي يعيش في كذب وباطل وفراغ من الروح، أي في حيرة وقلق وملل، فإذا حار وقلق ومل، جاءت أعماله كلها جسداً لا ينبض نبض الحياة، وكذلك يختلف ما بين الحي وعمله، ويقف أحدهما من الآخر موقف المثَّال العاجز من تمثاله، يقول له: أين أنا فيك أيها التمثال الغبي؟ فيجيبه الصامت البغيض: أين أنت في نفسك أيها الأحمق؟.
الحياة هي حركة الروح في العمل، فإذا خلا العمل، فلم تتمثل في كل أنحائه حركة الروح العاملة- فذلك دليل على أن الروح مضروبة بالموت أو ما يشبهه، وأنها قد فقدت شرطها ونعتها وحقيقتها، وأنها إن عاشت على ذلك فستعيش في قبر منصوب عليها في تمثال إنسان.
وإذا بلغ الإنسان ذلك أريقت كل إنسانيته على أيامه المقفرة فلا يثمر، فإن يثمر فما يطيب له ثمر، وإنما هو حسَك [الحسك: عُشبة تضرب إلى الصفرة ولها شوك يسمى الحَسَك أيضاً، مدحرج، لا يكاد أحد يمشي عليه إذا يبس إلا من في رجليه خُف أو نعل]، وأشواك، وحطب، وكل ما لا نفع فيه إلا أذى وبلاءً عليه وعلى الناس.
وكما يكون ذلك أمر الفرد الواحد، يكون هو أمر الأمة من الناس، والجيل من الأمم؛ فإن الفرد هو خلاصة الجماعة، وأصل الجماعة؛ فالأمة تصاب بمثل الفترة التي يصاب بها الواحد منها، ولا يمنع ذلك أن يكون في بعضها ما يخرج على ضرورة هذا العارض من الفتور الذي وصفناه.
وعندئذٍ تتمنى الأمة أن تنزل القارعة لتهز الجو الذي تعيش فيه هزة مدوية مجلجلة، ترمي في سمع أبنائها الصوت الموقظ الذي يفزع عليه النائم ينفض عن نفسه الخمول والأحلام الهائمة، والأماني الباطلة المكذوبة.
وقد عاش الشرق من قرون طويلة وهو يجد الحياة من حوله فاترة ساكنة بليدة ميتة الظلال عليه، وجاء بعض أبنائه من سراديب الفكر البعيدة يصرخون ليوقظوا الأحياء الذين ضُرب على آذانهم بالأسداد، وغشاهم النعاس عجزاً وذلاً ومهانة، ولكن هؤلاء رجعوا وارتدوا، ولم يسمع الناس، وإنما سمعوا هم صدى أصواتهم وهي تتردد في قفر خراب موحش.
أما اليوم الذي نحن فيه فقد جاءت الشرق القارعة التي حلت بديار الناس وبدياره، وهو يسمع صليل صواعقها بأعصابه كلها لا بآذانه وحدها، وهو يفيق من نومة طويلة على ما لا عهد له بمثله؛ فهل يحق لنا أن نؤمل أنَّ هذا الصليل المفزع سيجعل الشرق يَلُمُّ ما تشعث من حياته الجديدة قد جمع قواه للنهضة والوثبة والانقباض على أوثان المظالم القديمة التي نُصبت فَعَبَدها من عَبَدَ ممن خشعوا وذلوا، وطمعوا في رحمة الطواغيت فما نالوا -على أوهامهم- إلا فُتاتاً من موائد هذه الطواغيت المتوحشة المستبدة الطاغية؟.
إن الشرق اليوم يجب أن يسأل سؤلاً واحداً يكون جوابه عملاً صارماً نافذاً لا يرعوي دون غايته، وهذا السؤال هو أول سؤال ينتزع إنسانية الحي من الموت الفادح، إذا كان الدافع إليه هو رغبة النفس في تحقيق إرادتها تحقيقاً لا يبطل.
من أنا؟ هذا هو السؤال؛ فإذا أخذ الشرق يسأل يحاول أن يصل إلى حقيقته المضمرة في تاريخه- فهذا بدء النصر على الأيام الخاملة التي غط غطيطه في كهوفها المظلمة.
شاك حائر، فإذا لم يستعن في حيرته بالسداد في الرأي وطول التقليب وحسن الاختيار وبالله التوفيق - فإن السؤال سوف ينزع به وينبُثُ [12] عليه ويأخذه ويدعه حتى تتحطم قوته على جبل شامخ قد انغرست فيه أشواك صخرية من الحصا المسنون، ويرجع مجرَّحاً تدمي جروحه، يتألم، ويتوجع، ويشتكي قد أعياه الصبر على الذي يلقاه من أوجاعه.
فحاجتنا في البحث عن الحقائق التي يتطلبها هذا السؤال، أن نتدرع بقوة اليقين مما نحن مقبلون عليه من مجاهله ومنكراته، وأن نستجيش للنفس كل ما يزعها ويكفها عن الشك والتردد، وأن نقبل على دراسة أنفسنا بفضيلة المتعلم المتواضع، لا برذيلة المتعالم المتشايخ، فإن بلاء التعلم والدرس هو كبرياء الحمقى وغرور ذوي العناد والمكابرة.
والأمر كله الآن بيد الشعب أفراداً أفراداً، فإن العادة المستقبحة في هذا الشرق أنه يكل كل أمره إلى حكوماته التي أثبتت بوجودها إلى اليوم أنه لا وجود لها في حقيقة الحياة الشرقية.
فالحكومات لا تستطيع أن تضع في روح الشعب هذا الإلهام الإلهي السامي الذي يشرق نوره على الإنسانية، فيجلي لها طريقها، وينفي عنها خبثها، ويغسلها بأضوائه المنهلة من أعراض البلادة، وجراثيم التفاني والانقراض.
ليس لشرقيّ ولا عربيٍّ بعد اليوم أن يقف مستكيناً يقول لحكومته: افعلي من أجلي يا حكومتي العزيزة!! بل يجب أن تكون كلمته: اعملي يا حكومتي فإذا أسأتِ فأنا الذي سيصحح أخطاء أعمالك الرديئة! ويجعل كل أحد منَّا همه سامياً إلى غاية، وأمله معقوداً بغرض، ويبيت ليله ونهاره يَتَدَارس في نفسه، وفي أهله، وفي عشيرته، وفي شعبه، وفي التاريخ النبيل، وفي التراث المجيد - حقيقة ما يجب أن يتعرَّفه من شُعَب هذا السؤال الواحد: من أنا؟
والدعوة الجديدة إلى اليقظة الشرقية والعربية والإسلامية يجب أن تقوم على إثارة الشعب كله ليسأل كل أحد نفسه هذا السؤال: من أنا؟.
فالعالم والأديب والشاعر والفيلسوف والعامل والصانع وأعضاء الأمة على اختلاف منازعهم ونوازعهم يجب أن يشعروا في قلوبهم بحاجتهم إلى هذا السؤال، وأنهم موكلون به لا يهدأون، وأنهم دائماً في طريقهم إلى جمع الحقائق للجواب عن هذا السؤال الواحد.
أما قيام الدعوة على البحث عن طريق الإصلاح وأساليب الإصلاح وتحقيق ذلك بالطرق العلمية...إلى آخر ما يقال في هذا الباب من القول، فما يجدي على الأمة شيئاً إلاَّ ما أجدى قديم ما رددوه ولاكوه ومضغوه من الآراء التي عانوا وضعها، فلما وضعوها ماتت في المهد، وليس يمنع البحث عن مثل هذه الأشياء أن نكون أول ما نكون سباقين إلى الأصل الذي يجب أن تقوم عليه هذه الأشياء كلها.
إن الأمم لا يُصلحها مشروع ولا أسلوب من الحكم، ولا باب من الإصلاح، وإنما يحييها أن يكون كل فرد فيها دليلاً - بما فيه من الحركة النفسية - على أن الحياة التي يعيشها هي إثبات لوجوده، ولا يثبت الوجود للحي إلا بقدرته على الاحتفاظ بشخصيته، ولا يحتفظ المرء بشخصيته إلا أن يكون قد استوعب فهم ما يستطيع من حقيقة هذه الشخصية، وهو لا يفهم هذه الشخصية إلاَّ أن تكون كل أفكاره متنبهة لتحليل كل شيء يعرض له، وذلك حين يكون كل همه في البحث عن أشياء هذا السؤال الواحد: من أنا؟
فإذا استطعنا في هذه الساعة الهائلة من تاريخ العالم وتاريخ الإنسانية أن نجعل طبقات الشعوب الشرقية تثور ثورتها على الفتور، والجهل، والغباء، والبلادة، وقلة الاحتفال بالحياة، وأن نجعل سلاح الثورة على أحسنه وأجوده وأمضاه في هذا السؤال، فقام كل أحد يسأل من أنا؟ فتجديد الحياة في الشرق حقيقة لا مناص للعالم بعدها من الاعتراف بأنها واجبة الوجود على الأرض.
وأما إذا انطلقت مع أحلام النوم وفلسفة الأحلام، وجعلنا نلبس مسوح العلماء والمفكرين، وجلابيب الوقار والسمت .. أي البلادة ! فقد هلك على أيدينا من كان حقه علينا أن نجعل هذه الأيدي خدماً في حاجاته ومرافقه.
إن من الهراء أن تأتي مجلس قوم من المهندسين قد اختلفوا في الأرض، كـ: هل تصلح لوضع الأساس أو لا تصلح؟ فتحدثهم أنت أن الرأي أن يتحولوا إلى مكان آخر من صفته ومن نعته ..مما يصلح عليه البناء؛ فإن هؤلاء إذا بدأوا أمرهم بالاختلاف على ما يجدون عنه مندوحة، فاعلم أنه لا فلاح لهم، وإنما الرأي أن تتحول أنت عن هؤلاء البلداء إلى من تجد عنده من الانبعاث إلى العمل ما لا يجد معه وقتاً يضيعه في ترجيح بعض ما يختلف عليه على بعض آخر.
فالطريق الآن إلى الحياة الجديدة أن يتحول الشرق عن أصحاب الاختلاف، والمنابذة، وعلم الآراء التي يضرب بعضها وجوه بعض تناقضاً وتبايناً وافتراقاً، وأن يصغي إلى حنين النفوس المتألمة التي تحن وتئن من أشواقها، فيتجاوب حنينها نغماً روحياً فيه حركة الحياة، وحرارة الوجد، وأضواء الأمل، وعندئذٍ يستجيب القلب للقلب، وتستمد الروح من الروح، وتثور الأشواق الخالدة في القلوب الطامحة والأرواح السامية، وبذلك تستحث الحياةُ الحياةَ إلى الغاية التي يرمي إليها الشرق بأبصاره من تاريخه ومن وراء التاريخ.
إن عمل العامل في أول الطريق غير عمله في آخره، فنحن سوف نبدأ - وسنبدأ بإذن الله - فعملنا الآن هو إنقاذ أرواح الملايين من الموت ومن الفتور ومن الكسل، وليس عملنا أن نضع الأسس العلمية أو السياسية أو الأدبية لأرواح موات لا حركة فيها ولا انبعاث لها، وما جدوى علم لا روح فيه؟ أو سياسة لا نشاط فيها؟ أو أدب لا قلب له؟
إن عمل من يريد أن يعمل اليوم هو أن ينفخ في صُوْرٍ جديد يكون صوته فزعاً جديداً مع الفزع الأكبر الذي نحن فيه، حتى تنبعث الأمم الشرقية من أجداثها ثائرة حثيثة قد احتشدت في ساحة الجهاد تلمع قسماتها بذلك اللهيب المتضرم الذي يتوقد بالأشواق، وتلمح نظراتها لمحاً بالشعاع الظامئ المتوهج بالأماني المرهقة المستعرة، وتتجلى في كل عضو منها تلك القوة المعروفة في العضلات المفتولة، يخيل لمبصرها أنها تكاد تنفجر من ضغط الدم في أنهارها وأعصابها لولا ما يمسكها من جلدة البدن.
يومئذٍ يكون جواب الشرق عن سؤاله: من أنا ؟ عملاً صامتاً لا يتكلم؛ لأنه لا يضيع أيامه في إسماع الزمن الأصم أساطيره الباطلة التي يرويها عن أحلام البلادة والجهل والخمول[13].
• وفي مقاله البديع « تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات» يقول:
لبثت في أسر «الوظيفة الحكومية» عشر سنوات متواليات أعمل فيها ولها، ثم تنزل القدر فعافتني وعفتها، وانطلقت أطوي الأرض أنظر بعينيَّ إلى آفاق تترامى على مطرح البصر، وكأني آبدٌ قد حطَّم القيود، وانفلت من بين أعواد الحديد التي كانت تمسكه من ورائها، وملأت رئتيَّ من الهواء الحر، يا رب، أين كنت؟ إن طبيعتي التي فُطِرْتُ عليها تأبى أن تألف هذه الأنفاس المقتّرة المعطاة على المنة لصدور تنطوي على قلوب حية تنبض وتتحرك وتسمو بآمالها إلى الخير النبيل.
وبقيت أياماً، هي من حياتي كأنها ذكرى فرحة قديمة انبعثت على حين غفلة من كهوف النفس المهجورة التي يختبئ في ظلماتها ما يمضي من أفراح الحياة.
وتوالت الأيام تتسحب على ظلال العمر، وتجلت الأحلام العزيزة التي لا تفنى وسكنت النفس إلى حريتها، وبدأت أبحث عن واجبي في الحياة، فمكثت على لبث أتأمل وأفكر، والروح في فترة من هدوء ورضاً، حتى اهتديت بحمد الله إلى الطريق والغاية.
نحن شعوب متخاذلة قد غفلت عن حقيقة الحياة، فواجبنا أن نعمل على إيقاظ هذه الشعوب من سِنَةِ النوم التي طالت بها، وقتلت فيها مادة النشاط التي تدفعها إلى تحقيق الأغراض النبيلة التي خلق من أجلها الإنسان على الأرض.
أجل .. وهذه الشعوب نفسها، هذا الشرق قد أثبت في التاريخ مرات أنه قادر على صناعة الحضارات والمدنية، يتقنها، ويستجيدها، ويطهرها من أدران البلاء التي تعصف بإنسانية الإنسان كما تعصف الريح بأوراق الشجر؛ فَلِمَ لا يثبت الشرق مرة أخرى في التاريخ الحديث أنه لم ينس هذه الصناعة؟ وأن أنامله الرفيقة لا تزال قادرة على نسج الثياب الرفيعة التي تلبسها الإنسانية؛ لتزهى بها، وتبدو في زينتها؟
هذه المدنية الأوربية المحدثة من أمامنا قد عملت عملها، وأتمت ما وجدت له على طريقتها ومذهبها، وجعلتنا ننظر إليها ذاهلين كأنما نرى معجزة تحققها أيدي مردة من الجن ليسوا من الإنس في أصل ولا نسب.
إن هذا الوهم الكبير هو الذي أعجز الشرق عن العمل، ورماه في براثن الأمم المستأسدة الضارية، وجعله كالفريسة تنتفض تحت أقدامه عجزاً وهلعاً واستكانة.
ولكن الحين قد حان، وآن للشرق أن ينظر إلى الحقائق الواقعة؛ ليعرف كيف يعمل.
إن أوروبا، التي هي مصدر المدنية الحديثة تقف على هذه الأرض موقفاً ظاهراً لمن يتأمل.
هذه دول الحضارة الحديثة من أمامنا قد هبت كلها في جنبات الأرض تملأها حديداً، وناراً، وضجيجاً في الأرض، وصخباً طائراً في السماء.
والرجال على الأرض كأنهم قنابل معدة مهيأة لتنفجر، وفي كل ناحية أمة مُقْعِيَةٍ [14] متربصة تكاد تثب، والحياة تتدافع بهذا وذاك وهؤلاء، فلا تلبث أن تصطدم هذه الأمم بعضها ببعض، ويومئذ لن تثبت الأرض، ولن تسكن السماء، وتتطاير أشلاء الحضارة الحديثة إلى أعلى؛ لتسقط على أهل هذه الحضارة، وتطويهم في أكفانها، وتدفنهم في قبورها.
إن المدنية الأوربية المحدثة في هذا العصر، تحمل في داخلها كل عناصر التهدم، وكل أسباب الفناء والبلى، وأهم هذه العناصر والأسباب، هذه الحالة الحربية التي شملت كل دولة أوربية، ودفعتها إلى زيادة التسلّح بكل أدوات الدمار والهلاك، والسرعة الجامحة التي تعمل بها هذه الأمم في كل ما يمس الاستعداد الحربي.
ولا شك في أن هذه الإرادة وحدها مع الإسراع في تنفيذها سوف تؤدي حتماً إلى اختلال التوازن في القوى المتساندة، وسينتهي هذا الاختلال باصطدام قوى الشر جملة واحدة، وسيعقب هذا الاصطدام انفجار هائل يشوِّه وجه الإنسانية الباغية أبد الدهر، ويتركها مثلاً في العالمين.
ولو أن هذا الاستعداد الحربي العظيم كان نتيجة للدفاع عن مبادئ استقرت على أصولها في نفوس القائمين بأمرها لقلنا عسى أن تنتفع الإنسانيةُ بانهزام الباطل وانتصار الحق، وإن ضحَّت في سبيل ذلك بالملايين من البشر الذين تأكلهم هذه الحروب الضروس، ولكان ثمَّة أمل في عودة الحضارة إلى منزلة من الإصلاح تعمل فيها لسعادة الإنسان بعد الشقاء الكبير الذي تعس به.
ولكن الواقع غير ذلك؛ فإن الحرب الحديثة المقبلة إنما هي بغيٌ؛ لقد بغى بعضهم على بعض في العلم؛ فضربوا للإنسان أسوأ الأمثلة على أن ضَرَرَ العلم أكبر من نفعه [15]، وأن الشقاء قرينٌ لعلم هذه المدنية الطاغية، وأن الفرد فيها حيوان يُستغل، فيا لشناعة هذا الاستغلال الذي هزم العقل والإرادة، وردهما إلى أدنأ درجة في تاريخ الإنسان على الأرض!.
هذه أوربَّا التي نفضتْ على كلمة «الحرية» من تهاويل الخيال، وتخاليف الفن، وتحاسين الإبداع، وزخارف الأرض، حتى بدتْ فتنةً يتهاوى في فتونها كل غاوٍ وحليم - تثبتُ للناس أن «الحرية» كلمة ضامرة ضعيفة لا معنى لها، ولا حياة فيها.
ولعل التاريخ كله لم يشهدْ عصراً ضاعت فيه كل معاني هذه الكلمة مع كثرة دورانها على الألسنة مثل الذي شهده في هذا العصر؛ ففي كلّ ناحية في أوربا يضرب الحصار على حرية الأفراد، وحرية الجماعات، وعلى حرية السر، وحرية العلن، وعلى حرية الرأي، وحرية الضمير.
في فرنسا -باعثة هذه الفتنة في أوربا- في إنجلترا، في ألمانيا، في إيطاليا، في روسيا، في كل بلد، يشهد التاريخ أفظع استبداد تستبد به السياسة الدولية، وتتعسف به المعاهدات والمحالفات القائمة على مصالح البغي السياسي والحربي، في إزهاق الروح الحقيقية التي تحملها كلمة «الحرية».
إن كل عمل، بل كل رأي، بل كل فكر، بل كل شيء في أوربا الآن تقتسره السياسة الحربية على صورة تنفعها، فإن لم تكن تنفعها فلا تضرها، حتى صارت العقول الإنسانية آلة في يدها تصرفها كيف تشاء، وفسدت معاني الأشياء، وطغى غرور القوة والاعتداد بها في العلم والفن والأدب، وفي كل شيء، واختلط الحق بالباطل اختلاطاً فاسداً لا أمل في تطهيره إلا بجهد كبير تبذله نفوس هادئة ساكنة حكيمة تتجرد للعمل، وتعمل للحق، وتختار صالحَ كلِّ شيء، وتنفي فساده، وتحريفه، وغلوَّه، وغروره؛ ليكون الانتفاع به أقرب لإنقاذ الإنسانية من مصير مخيف، يرتد بها إلى وحشية الغرائز الدنيا التي تتحكم في مراشد العقل والقلب بغير حكمة ولا رويَّة.
هذه الصور الدانية الآن للحالة الظاهرة في أوروبا غير ناظرين إلى الاختلاط الفكري القبيح بين المذاهب المتباينة، ولا إلى الفساد الكبير في المبادئ العقلية التي تبني عليها سعادة القلب الإنساني، ولا إلى تشاجر الأهواء الاجتماعية في حرب الفضيلة والرذيلة، والخير والشر، والعدل والبغي، ولا إلى انحلال القوى الاقتصادية وتزعزع الأسس المالية، ولا إلى ما يمد كل هذه بأكبر أسباب الفساد إلا وهو غرور هذه المدنية بعلمها، ورأيها، وفهمها، وادعائها إدراك سر الحقيقة في كل ما تتناوله بالبحث والتحليل.
أما الشرق فهو الآن يموج، ويهتز، ويمتد بآماله، ويطالب بحرياته؛ فبذلك تُهَيِّئُهُ ضرورةُ الحياة الحاضرة لانتزاع الخير المحض مما يقع إليه من مدنية وحضارة، وتهيئه طبيعتُه الموروثةُ للاستفادة من نتاج الحضارات والمدنيات قديمها وحديثها، وتهيئه ما انحدر معه في أعصابه من الحكمة القديمة، والرزانة التقليدية؛ لتعبئة قواه التاريخية كلها؛ فيأخذ الحضارة الحديثة، فيصهرها، ويذيبها، ويعيد تكوينها موسومة بسمته: الحرية، العدل، الشرف، الفضيلة، سكينة النفس، التقوى تقوى الله في عمل الدنيا وعمل الآخرة، تلك سمات الشرق التي يَسِمُ بها مدنيته الجديدة التي يتهيأ اليوم لوراثتها عن سالف الحضارات والمدنيات [16].
الرحيل:
لم يكن شاكر في يوم من الأيام موظفا يمد يده نهاية كل شهر إلى مرتب ينتظره فتكون للحكومة كلمة نافذة في رزقه ومكانته، بل انقطع لعلمه وفكره ومكتبته وبحثه ودرسه وزملائه وتلاميذه كالراهب الذي انقطع للعبادة في صومعته.
وعاش على أقل القليل يكفيه ويسد حاجته، ومرت عليه سنوات عجاف لكنه لم ينحن أو يميل على الرغم من أن بيته كان مفتوحا لتلاميذه وأصدقائه وعارفي فضله.
ولم يكن له من مورد سوى عائده من كتبه التي كان يقوم بتحقيقها، وكان اسمه على صدرها يضمن لها النجاح والرواج، ولم يكن يأخذ شيئا على مقالاته التي يكتبها، فأعاد لمجلة العربي الكويتية سنة (1982م) مائة وخمسين دولارا نظير مقالة كتبها ردا على الكاتب اليمني «عبد العزيز المقالح» حول طه حسين، ورفض أن يتسلم من دار الهلال مكافأته عن تأليفه كتابه المهم «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا».
وبعد رحلة حياة عريضة رحل أبو فهر شيخ العربية وإمام المحققين في الساعة الخامسة من عصر الخميس 3 من ربيع الآخر (1418هـ) الموافق 6 من أغسطس (1997م) ولبى نداء ربه.. فسلام عليك أبا فهر.
وهكذا ودّعت الدنيا العلاّمةَ الشيخ أبا فهْر محمود شاكر (المِصْري) وجدير بالذكر أنه غير محمود شاكر «الدمشقي الحَرَسْتاني» الكاتب في تاريخ وجغرافيا البلدان الإسلامية وفي القضايا الإسلامية.
لقد نبه هذا الرجل بحياته أمته إلى النظر في تاريخ أعلامه والأخذ من هذا التاريخ سيرة وعلما، ونبه أمته بموته إلى أن عليها مسؤولية المواصلة على الطريق، والسير على الدرب والأمل في الله - سبحانه - قائم أن من مأثوراتنا الإسلامية أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يحدد لهذه الأمة أمور دينها، ويبعث النهضة التي غفلت عن جذورها في علم الآباء والأجداد ليظل منهج السماء واضحا من كل لبس وهاديا لكل الحاد.