جملة وجوه إعجاز القرآن
نقلا عن كتاب إعجاز القرآن للإمام الباقلاني
ذكر أصحابنا وغيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز[1] :
أحدها : يتضمن الإخبار عن الغيوب ، و ذلك مما لا يقدر عليه البشر ولا سبيل لهم إليه . فمن ذلك ما وعد الله تعالى نبيه عليه السلام ، أنه سيظهر دينه على الأديان ، يقوله عز وجل : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [سورة التوبة] .
وكان أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، إذا أغزى جيوشه عرَّفهم ما وعدهم الله ، من إظهار دينه ، ليثقوا بالنصر ويستيقنوا بالنجاح .
و كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، يفعل كذلك في أيامه ، حتى وقف أصحاب جيوشه عليه ، فكان سعد بن أبي وقاص ، رحمه الله ، وغيره من أمراء الجيوش ، من جهته، يذكر ذلك لأصحابه ، وبحرِّصهم به ، ويوثق لهم ، و كانوا يُلقَّون الظفر في متوجَّهاتهم ، حتى فُتح في أيامه مرو الشاهجان ، و مرو الرُّوذ ، ومنعهم من العبور على جيحون ، و كذلك فُتح في أيامه فارس كسرى ، و كل ما كان يملكه ملوك فارس ، بين البحرين من الفرات إلى جيحون ، و أزال ملك الفرس ، فلم يعد إلى اليوم ولا يعود أبداً ، إن شاء الله تعالى ، ثم إلى حدود إرمينية ، و إلى باب الأبواب . وفتح أيضاً ناحية الشام ، والأردن وفلسطين، وفسطاط مصر ، و أزال ملك قيصر عنها، وذلك من الفرات إلى بحر مصر، وهو ملك قيصر. وغزت الخيول في أيامه على عمّورية ، فأخذ الضواحي كلها ، ولم يبق منها إلا ما حجز دونه بحر، أو حال عنه جبل منيع ، أو أرض خشنة ، أو بادية غير مسلوكة .
و قال الله عز و جل : (قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم و بئس المهاد) [آل عمران] ، فصدق فيه .
و قال في أهل بدر: ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) [الأنفال: 7] ،و وفى لهم بما وعد .
و جميع الآيات التي يتضمنها القرآن ، من الإخبار عن الغيوب ، يكثر جداً ، و إنما أردنا أن ننبه بالبعض على الكل .
و الوجه الثاني : أنه كان معلوماً من حال النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان أمياً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ .
و كذلك كان معروفاً من حاله أنه لم يكن يعرف شيئاً من كتب المتقدمين ، و أقاصيصهم و أنبائهم و سيرهم . ثم أتى بجمل ما وقع و حدث ، من عظيمات الأمور و مهمات السير ، من حين خلق الله آدم عليه السلام ، إلى حين مبعثه ، فذكر في الكتاب ، الذي جاء به معجزة له : قصة آدم عليه السلام ، و ابتداء خلقه ، و ما صار أمره إليه من الخروج من الجنة ، ثم جملاً من أمر ولده و أحواله وتوبته ، ثم ذكر قصة نوح عليه السلام ، و ما كان بينه و بين قومه ، و ما انتهى إليه أمرهم ، وكذلك أمر إبراهيم عليه السلام ، إلى ذكر سائر الأنبياء المذكورين في القرآن ، والملوك والفراعنة الذين كانوا في أيام الأنبياء ، صلوات الله عليهم .
ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه ، إلا عن تعلم ، وإذ كان معروفاً أنه لم يكن ملابساً لأهل الآثار و حملة الأخبار ، ولا متردداً إلى التعلم منهم ، و لا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه ، علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي . و لذلك قال عزَّ وجل ( و ما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لأرتاب المبطلون) [العنكبوت] ، و قال : (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) [الأنعام] .
و قد بينا أن من كان يختلف إلى تعلم علم ، و يشتغل بملابسة أهل صنعة ، لم يخف على الناس أمره ، ولم يشتبه عندهم مذهبه ، و قد كان يعرف فيهم من يحسن هذا العلم ، و إن كان نادراً ، و كذلك كان يعرف من يختلف إليه للتَّعلُم ، وليس يخفى في العرف عالم كل صنعة و متعلمها ، فلو كان منهم لم يخف أمره .
و الوجه الثالث : أنه بديع النظم ، عجيب التأليف ، متناهٍٍ في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه . و الذي أطلقه العلماء هو على هذه الجملة ، و نحن نفصل ذلك بعض التفصيل ونكشف الجملة التي أطلقوا.
فالذي يشتمل عليه بديع نظمه ، المتضمن للإعجاز وجوده :
1. منها ما يرجع إلى الجملة ،و ذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه ، و تباين مذاهبه ، خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ، و مباين للمألوف من ترتيب خطابهم ، و له أسلوب يختص به ، و يتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد . و ذلك أن الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم ، تنقسم إلى أعاريض الشعر ، على اختلاف أنواعه ، ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى ، ثم على أصناف الكلام المعدل المسجع ، ثم إلى معدل موزون غير مسجع ، ثم إلى ما يرسل إرسالاً، فتطلب فيه الإصابة و الإفادة ، و إفهام المعاني المعترضة على وجه بديع، وترتيب لطيف ، وإن لم يكن معتدلاً في وزنه ، و ذلك شبيه بجملة الكلام الذي لا يتعمل [فيه] ، ولا يتصنع له . و قد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ، و مباين لهذه الطرق .
ويبقى علينا أن نبين أنه ليس من السجع ، ولا فيه شيء منه ، وكذلك ليس من قبيل الشعر ، لأن من الناس من زعم أنه كلام مسجع ، ومنهم من يدعي فيه شعراً كبيراً ، والكلام عليهم يذكر بعد هذا الموضع .
فهذا إذا تأمله المتأمل تبين ـ بخروج عن أصناف كلامهم ، وأساليب خطابهم ـ أنه خارج عن العادة ، و أنه معجز ، وهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن ، و تميٌّز حاصل في جميعه .
2. و منها أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة ، و الغرابة ، و التصرف البديع ، و المعاني اللطيفة ، و الفوائد الغزيرة ، و الحكم الكثيرة ، و التناسب في البلاغة ، و التشابه في البراعة ، على هذا الطول ، و على هذا القدر . و إنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة و ألفاظ قليلة ، وإلى شاعرهم قصائد محصورة ، يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال ، ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف ، ويشملها ما نبديه من التعمل و التكلف والتجوز و التعسف . و قد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسباً في الفصاحة على ما وصفه الله تعالى به ، ففال عزَّ من قائل : ( الله نزَّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) [الزمر:23] ، و قوله : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً )[النساء:82] . فأخبر سبحانه أن كلام الآدمي إن امتد وقع فيه التفاوت ، وبأن عليه الاختلال. وهذا المعنى هو غير المعنى الأول الذي بدأنا بذكره، فتأمله تعرف الفصل .
3. وفي ذلك معنى ثالث : وهو أن عجيب نظمه ، وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين ، على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها ، من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج ، وحكم وأحكام ، وأعذار وإنذار ، و وعد ووعيد ، و تبشير و تخويف ، و أوصاف ، و تعليم أخلاق كريمة ، و شِيم رفيعة ، و سير مأثورة ، و غير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها . و نجد كلام البليغ الكامل و الشاعر المفلق ، و الخطيب المصقع ، يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور .
فمن الشعراء من يجوّد في المدح دون الهجو .
و منهم من يبرز في الهجو دون المدح .
و منهم من يسبق في التقريظ دون التأبين .
و منهم من يجود في التأبين دون التقريظ .
و منهم من يغرب في وصف الإبل أو الخيل ، أو سير الليل ، أو وصف الحرب ، أو وصف الروض ، أو وصف الخمر ، أو الغل ، أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعر و يتناوله الكلام ، و لذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب ، و النابغة إذا رهب ، وبزهير إذا رغب . و مثل ذلك يختلف في الخطب و الرسائل و سائر أجناس الكلام .
و متى تأملت شعر الشاعر البليغ ، رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها ، فيأتي بالغاية في البراعة في معنى ، فإذا جاء إلى غيره قصر عنه ، و وقف دونه ، و بان الاختلاف على شعره ، و لذلك ضرب المثل بالذين سميتهم ، لأنه لا خلاف في تقدّمهم في صنعة الشعر ، و لا شك في تبريزهم في مذهب النظم . فإذا كان الاختلال يتأتى في شعرهم ، لاختلاف ما يتصرفون فيه ، استغنينا عن ذكر من هو دونهم ، وكذلك يستغنى به عن تفصيل نحو هذا في الخطب و الرسائل و نحوها . ثم نجد من الشعراء من يجوّد في الرجز ، و لا يمكنه نظم القصيد أصلاً ، و منهم من ينظم القصيد ، ولكن يقصر[ تقصيراً عجيباً ، و يقع ذلك من رجزه موقعاً بعيداً ، و منهم من يبلغ في القصيدة الرتبة العالية ، و لا ينظم الرجز ، أو يقصر] فيه مهما تكلفه أو تعلمه .
و من الناس من يجود في الكلام المرسل ، فإذا أتى بالموزون قصر ونقص نقصاناً بيّناً، ومنهم من يوجد بضد ذلك.
وقد تأملنا نظم القرآن، فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدّمنا ذكرها ، على حدّ واحد ، في حسن النظم ، و بديع التأليف و الرصف ، لا تفاوت فيه ، و لا انحطاط عن المنزلة العليا ، و لا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنيا ، وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجود الخطاب ، ومن الآيات الطويلة والقصيرة، فرأينا الإعجاز في جميعها على حدّ واحد لا يختلف . وكذلك قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة[تفاوتاً بيِّناً، ويختلف اختلافاً كبيراً . ونظرنا القرآن فيما يعاد ذكره من القصة الواحدة] فرأينا غير مختلف و لا متفاوت ، بل هو على نهاية البلاغة و غاية البراعة ، فعلمنا بذلك أنه مما لا يقدر عليه البشر، لأن الذي يقدرون عليه قد بيّنا فيه التفاوت الكثير ، عند التكرار وعند تباين الوجوه ، واختلاف الأسباب التي يتضمن .
4. ومعنى رابع : و هو أن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتاً بيّناً في الفصل و الوصل ، و العلوّ و النزول ، و التقريب و التبعيد ، وغير ذلك مما ينقسم إليه الخطاب عند النظم ، و يتصرف فيه القول عند الضم و الجمع .
ألا ترى أن كثيراً من الشعراء قد وصف بالنقص عند التنقل من معنى إلى غيره ، و الخروج من باب إلى سواه . حتى إن أهل الصنعة قد اتفقوا على تقصير البحتري ، مع جودة نظمه ، و حسن وصفه ـ في الخروج من النسيب إلى المديح . و أطبقوا على أنه لا يحسنه ، ولا يأتي فيه بشيء، وإنما اتفق له ـ في مواضع معدودة ـ خروج يرتضي ، و تنقل يستحسن .
و كذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شيء إلى شيء ، والتحوّل من باب إلى باب . و نحن نفصل بعد هذا و نفسر هذه الجملة ، و نبين أن القرآن على اختلاف [فنونه] و ما يتصرف فيه من الوجوه الكثيرة و الطرق المختلفة ـ يجعل المختلف كالمؤتلف ، و المتباين كالمتناسب ، و المتنافر في الأفراد إلى حد الآحاد ، و هذا أمر عجيب ، تبين به الفصاحة ، وتظهر به البلاغة ، و يخرج معه الكلام عن حد العادة ، و يتجاوز العرف .
5. و معنى خامس : وهو أن نظم القرآن وقع موقعاً في البلاغة يخرج عن عادة كلام [الجن ، كما يخرج عن عادة كلام الإنس] . فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزنا ، ويقصرون دونه كقصورنا . و قد قال الله عزّ جلَّ : (قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) [الإسراء88] .
فإن قيل : هذه دعوى منكم ، وذلك أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم عجز الجن عن [الإتيان] بمثله ، وقد يجوز أن يكونوا قادرين على الإتيان بمثله ، وإن كان عاجزين ، كما أنهم قد يقدرون على أمور لطيفة ، وأسباب غامضة دقيقة ، لا نقدر نحن عليها ، ولا سبيل لنا للطفها إليها ، و إذا كانت كذلك ، لم يكن إلى علم ما ادعيتم سبيل .
قيل : قد يمكن أن نعرف ذلك بخبر الله عز وجل ، وقد يمكن أن يقال إن هذا الكلام خرج على ما كانت العرب تعتقده من مخاطبة الجن ، و ما يروون لهم من الشعر ، و يحكون عنهم من الكلام ، و قد علمنا أن ذلك محفوظ عندهم منقول عنهم . و القدر الذي نقلوه [من ذلك] قد تأملناه ، فهو في الفصاحة لا يتجاوز حد فصاحة الإنس ، و لعله يقصر عنها ، و لا يمنع أن يسمع الناس كلامهم ، و يقع بينهم وبينهم محاورات في عهد الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، و ذلك الزمان مما لا يمتنع فيه وجود ما ينقض العادات . على أن القوم إلى الآن يعتقدون مخاطبة الغيلان ، و لهم أشعار محفوظة مدونة في دواوينهم .
قال تأبط شراً [2] :
و أدهم قد جُبت جِلبابه كما اجتابت الكاعبُ الخيعلا [3]
إلى أن حدا الصبح أثناءه مزّق جلبابه الأليلا [4]
على شيم نار تنوّرتها فبتُّ لها مدبراً مقبلاً [5]
فأصبحت والغول لي جارة فيا جارتا أنت ما أهولا
وطالبتها بضعها ، فالتوت بوجه تهوّل و استغولا [6]
فمن سال أين ثوت جارتي فإن لها باللوي منزلا
و كنت إذا ما هممت اعتزمت و أخر إذا قلت أن أفعلا
وقال آخر[7] :
عشوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجنُّ قلت عموا ظلاما
فقت إلى الطعام فقال منهم زعيم يحسد الإنس الطعاما
ويذكرون لامرئ القيس قصيدة مع عمر والجني ، وأشعاراً لهما، كرهنا نقلها . وقال عُبيد بن أيوب :
فلله درُّ الغول أي رفيقة لصاحب قفر خائف متقفِّر
أرنَّت بلحن بعد لحن وأوقدت حواليَّ نيراناً تلوح وتزهر
وقال ذو الرمة [8] بعد قوله :
قد أعسف النازح المجهول معسفه في ظل أخضر يدعو هامة البوم[9]
للجن بالليل في حافاتها زجل كما تناوح يوم الريح عيشوم[10]
دويّة ودجى ليل كأنهما يم تراطن في حافاته الروم[11]
و قال أيضاً :
و كم عرَّست بعد السرى مع معرَّس به من كلام الجن أصوات سامر[12]
و قال :
و رملٍ عزيف الجن في عقباته هزيزٌ كتضراب المُغنين بالطبل [13]
و إذا كان القوم يعتقدون كلام الجن و مخاطباتهم ، و يحكون عنهم ، وذلك القدر المحكي لا يزيد أمره على فصاحة العرب ، صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه كعجز الإنس .
و يبين ذلك من القرآن : أن الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن فقال : (وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين)[الأحقاف:29] ، إلى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه .
فإذا ثبت أنه وصف كلامهم ، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم، صح أن يوصف الشيء المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة .
وهذان الجوابان أسدُّ عندي من جواب بعض المتكلمين عنه ، بأن عجز الإنس عن القرآن يثبت له حكم الإعجاز، فلا يعتبر غيره . ألا ترى أنه لو عرفنا من طريق المشاهدة عجز الجن عنه، فقال لنا قائل : فدلّوا على أن الملائكة تعجز عن الإتيان بمثله ، لم يكن لنا في الجواب غير هذه الطريقة التي قد بيناها .
و إنما ضعّفنا هذا الجواب ، لأن الذي حُكي و ذكر عجزُ الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فيجب أن نعلم عجز الجن عنه ، كما علمنا عجز الإنس عنه و لو كان وصف عجز الملائكة عنه ، لوجب أن نعرف ذلك أيضاً بطريقه .
فإن قيل : أنتم قد انتهيتم إلى ذكر الإعجاز في التفاصيل ، وهذا الفصل إنما يدل على الإعجاز في الجملة ؟
قيل : هذا كما أنه يدل على الجملة ، فإنه يدل على التفصيل أيضاً ، فصح أن يلحق هذا القبيل ، كما كان يصح أن يُلحق بباب الجمل .
6. و معنى سادس : وهو أن ينقسم عليه الخطاب ، و من البسط و الاقتصار ، و الجمع والتفريق ، والاستعارة و التصريح ، و التجوز و التحقيق ، و نحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم ، موجود في القرآن . و كل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم ، في الفصاحة و الإبداع و البلاغة و قد ضمنا بيان ذلك [من] بعدُ ، لأن الوجه ههنا ذكر المقّدمات ، دون البسط والتفصيل .
7. و معنى سابع : و هو أن المعاني التي تضمنها ، في أصل وضع الشريعة و الأحكام ، و الاحتجاجات في أصل الدين ، الردّ على الملحدين ، على تلك الألفاظ البديعة ، و موافقة بعضها بعضاً في اللطف و البراعة ، مما يتعذر على البشر و يمتنع و ذلك أنه قد علم أن تخير الألفاظ للمعاني المتداولة المألوفة ، و الأسباب الدائرة بين الناس ، أسهل و أقرب من تخير الألفاظ لمعانٍ مبتكرة ، و أسباب مؤسسة مستحدثة . فإذا برع اللفظ في المعنى البارع ، كان ألطف و أعجب من أن يوجد اللفظ البارع في المعنى المتداول المتكرّر ، و الأمر المتقرّر ، المتصوّر ، ثم انضاف إلى ذلك التصرفُ البديع في الوجوه التي تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه ، ويراد تحقيقه ، بأن التفاصيل في البراعة والفصاحة ، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعنى ، والمعاني وفقها ، لا يفضل أحدهما على الآخر ، فالبراعة أظهر و الفصاحة أتم .
8. و معنى ثامن : و هو أن الكلام يتبين فضله و رجحان فصاحته ، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام ، أو تقذف ما بين شعر ، فتأخذها الأسماع ، و تتشوّف إليها النفوس ، و يرى وجه رونقها بادياً غامراً سائراً ما تقرن به ، كالدرّة ، التي ترى في سلك من خرز ، و كالياقوتة في واسطة العقد .
و أنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير ، و هي غرّة جميعه ، و واسطة عقده ، و المنادي على نفسه بتميزه و تخصصه ، برونقه و جماله ، واعتراضه في حسنه و مائة ، وهذا الفصل أيضاً مما يحتاج فيه إلى تفصيل و شرح و نص ، ليتحقق ما ادّعيناه منه .
و لولا هذه الوجوه التي بيناها ، لم يتحير فيه أهل الفصاحة ، و لكانوا يفزعون إلى التعمل للمقابلة ، و التصنع للمعارضة ، و كانوا ينظرون في أمرهم ، و يراجعون أنفسهم ، أو كان يراجع بعضهم بعضاً في معارضته و يتوقفون لها .
No law suits, no nothing. If the Chinese government decides to build something they build it. If that means moving several million people within its right-of-way they move them. The people there have very limited voice in what the limits of their government does. In the USA we are on the other end of the spectrum, we study things to death and maybe if we are lucky 10 years later we start building what we have studied - assuming we have the support of the local people and the money to build it. Look at Calfornia with there HSR process. It will be 2050 at the earliest before they build high speed rail -if it happans at all. The cost will likey exceed $200 billion.
High speed rail is not an option most living around rail lines would prefer.
We need a new electric grid in the US too.
C'mon Congress. Do something.