الإمام التاسع
الإمام عبد الرؤوف بن محمد السجيني
اسمه:عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجيني الشافعي الأزهري.
وكنيته (أبو الجود).الميلاد:ولد ببلدة (سجين) بمحافظة الغربية، سنة 1154هـ(1) .نسبته:نُسِبَ إلى بلدته (سجين).نشأته ومراحل تعليمه:حفظ القرآن الكريم، ولزم عمه (الشيخ السجيني) وكان من العلماء، كما كان والده أيضًا، رغم أن عمَّه هذا كان كفيف البصر إلا أنه كان من كبار العلماء، فقد كان فقيهًا نحويًّا أصوليًّا شافعيًّا. ويظهر أنه سليل أسرة اشتهرت بالعلم، فقد ذكر الجبرتي في حديثه عن الشيخ السيواسي أن العلامة الشيخ محمد السجيني والد الإمام كان إذا مَرَّ بحلقة درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره، ثم يقول: سبحان الفتاح العليم(2) . ووصف هذا الشيخ والد الإمام بأنه: الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير، وأنه توفي سنة 1158هـ، ثم ذكر أنه تلقى العلم عن الشيخ مطاوع السجيني وغيره، وأنه كان إمامًا عظيمًا وفقيهًا نحويًّا أصوليًّا منطقيًّا، أخذ عنه الكثيرون، وذكر في وفيات سنة 1179هـ اسم العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين، ونخبة المتفهمين، النبيه المتفنن، الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيثمي الشافعي، الشهير بأبي الإرشاد... وذكر أنه تفقه على الشيخ عبد الله السجيني، وأنه تولَّى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبد الرؤوف(3) ، ولعل الشيخ محمد السجيني الذي ذكره الجبرتي أولا هو والد الشيخ الإمام؛ لأنه كان يمر على دروس الشيخ السيواسي ويظهر إعجابه به، والشيخ السيواسي توفي سنة 1148هـ مع أن الشيخ محمد السجيني الأخير ولد سنة 1154هـ كما ذكر الجبرتي(4) . ومهما يكن من شيء فإن الإمام السجيني كان من أسرة اشتهرت بالعلم، وكان أستاذه الأكبر عمه الشيخ الشمس السجيني، وأنه لازم عمه حتى تخرج على يديه، وأنه خلفه في دراسة المنهج، ولعله (منهج الطلاب للأنصاري) فقد كان من الكتب المقررة الهامة في مذهب الشافعي بالأزهر(5) .أخـــلاقـــه:كان الشيخ السجيني -رحمه الله- من المعروفين بالعلم والتقوى، والحكمة، وحسن تدبير الأمور.مـــــنزلــتــه:كان الشيخ السجيني -رحمه الله- ذا مكانة عالية، وقد اشتهر ذكره قبل ولايته لمشيخة الأزهر بسبب حادثة وقعت في ذلك الحين، ذكرها الجبرتي في تاريخه، وخلاصتها أن أحد التجار بخان الخليلي تشاجر مع خادم فضربه الخادم وفَرَّ من أمامه فتبعه هو وآخرون من التجار، فدخل إلى بيت الشيخ السجيني لائذًا به، فاقتحم التجار البيت وضربه التاجر برصاصة أخطأته وأصابت شخصًا من أقارب الشيخ السجيني -رحمه الله- إصابة قاتلة فهرب الضارب، وطلبه الشيخ وأقاربه فامتنع عليهم، وتعصب له أهل خطته وأبناء جنسه، فاهتمَّ الشيخ السجيني -رحمه الله- بالأمر، وجمع المشايخ والقاضي، وحضر بهم جماعة من أمراء الوجاقلية، وانضمَّ إليهم الكثير من العامة، وثارت فتنة غلَّق الناس فيها الأسواق والحوانيت، واعتصم أهل خان الخليلي بدائرتهم وأحاط بهم الناس من كل جهة، وحضر أهل بولاق، وأهل مصر القديمة، وحدث صدام قتل فيه من الفريقين عدة أشخاص، واستمرَّ الحال على ذلك أسبوعًا... ثم اجتمع ذوو الرأي بالمحكمة الكبرى، وانتهى الأمر بالصلح(6) . وتدل هذه الحادثة على أن للشيخ منزلة مرموقة، وأنه غضب لغضبه مشايخ الأزهر، وجمهرة الشعب، حتى حضروا لنجدته من أطراف القاهرة، من حي بولاق ومصر القديمة، ومن المعروف أن الأمن لم يك مستتبًا في ذلك العصر. ولعل للشيخ من كنيته (أبي الجود) نصيب، ونحن نعلم أن الشعب كان يجل العلماء ويلوذ بهم في الأزمات ويلبي نداءهم في الشدائد.مـــؤلــفــاتـــه:لم نعثر فيما رجعنا إليه من مصادر وفهارس على مؤلفات له، ولعله آثر أن يقتدي بآثار السابقين، وأن يكون قدوة عملية لطلابه في السلوك والتدريس.ولايته للمشيخة:تولى الشيخ السجيني -رحمه الله- مشيخة الأزهر سنة 1181هـ، عقب وفاة الشيخ الحفني، ولكنه انتقل إلى رحمة ربه في العام التالي. كان الشيخ قبل ولايته لمشيخة الأزهر، تولَّى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر، وظل شيخًا له حتى بعد ولايته لمشيخة الأزهر، فلما مات خلفه فيه ابن أخته الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني(7) .وفــــاتـــه:توفي في الرابع عشر من شهر شوال سنة 1182هـ، وصُلِّي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بجوار عمه الشمس السجيني بأعلى البستان.مصادر ترجمته:- الأزهر في اثيى عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
-----------------------
الإمام العاشر
الإمام أحمد بن عبد المنعم بن صيام الدمنهوري
ولد بمدينة دمنهور (وهي عاصمة محافظة البحيرة الآن) سنة 1101هـ.نسبته:
نسب إلى مدينة دمنهور التي وُلِدَ بها.نشأته ومراحل تعليمه:
كان الإمام الدمنهوري -رحمه الله- يتيمًا، وقدم القاهرة وهو صغير السن، فالتحق بالجامع الأزهر واشتغل بالعلم، وجدَّ في تحصيله، واجتهد في تكميله وأجازه علماء المذاهب الأربعة حتى عرف بالمذهبي، وكانت معرفته بالمذاهب الأربعة أكثر من أهلها قراءة وفهمًا ودراية. قال عنه الجبرتي: «قدم الأزهر وهو صغير يتيم لم يكفله أحد، فاشتغل بالعلم، وجال في تحصيله، واجتهد في تكميله، وأجازه علماء المذاهب الأربعة، وكانت له حافظة ومعرفة في فنون غريبة وتآليف، وأفتى على المذاهب الأربعة...»(1) . وقد عُرِفَ الإمام الدمنهوري بقوة حفظه، وكانت له معارف في فنون غريبة، كما كانت له معارف عظيمة في سائر العلوم والفنون العربية والدينية، وغيرها كالكيمياء، والطب، والفلك، والحساب، والطبيعة، والعلوم الرياضية، وعلم الإحياء، وعلوم الفلسفة، والمنطق. ويتحدث الشيخ بنفسه في ترجمة له عن حياته، فيقول: (أخذت عن أستاذنا الشيخ علي الزعتري خاتمة العارفين بعلم الحساب واستخراج المجهولات وما توقف عليها كالفرائض والميقات، وأخذت عنه وسيلة ابن الهائم ومعونته في الحساب، والمقنع لابن الهائم، ومنظومة الياسميني في الجبر والمقابلة والمنحرفات للسبط المارديني في وضع المزاول، وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء -بالقراءة عليه- كتاب الموجز واللمحة العفيفة في أسباب الأمراض وعلامتها، وبعضًا من قانون ابن سينا، وبعضًا من كامل الصناعة، وبعضًا من منظومة ابن سينا الكبرى، والجميع في الطب...أخــــلاقـــه:
كان الشيخ الدمنهوري -رحمه الله- كريمًا جوادًا في ماله يبذله لكل قاصد، وكان من عادته الجلوس للتدريس بمسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في شهر رمضان، وكان معروفًا بين تلاميذه وزملائه من العلماء أن لا يضع علمه في غير موضعه، ولذلك اتهمه البعض بالبخل في بذل العلم على الرغم من عطائه الوافر، ومصنفاته الكثيرة والمتنوعة، وربما كان السبب الرئيسي في هذه التهمة أن الشيخ الدمنهوري كان لا يضع علمه في غير أهله، ولذا فقد كان ينتقي من يتعلم على يديه.منزلته:
كان الإمام الدمنهوري -رحمه الله- وحده أُمَّة في العلم والفضل ورِفْعة المقام، ولما زار الإمام -رحمه الله- مكة المكرمة حاجًّا سنة 1177هـ، استُقبل أعظم الاستقبال، فأتى حاكم مكة وعلماؤها لاستقباله، فكان الاستقبال كريمًا يليق بمكانة الإمام الدمنهوري وشخصه، وحين عودته من الحج إلى مصر، استقبله الناس بنفس الحفاوة التي لقيها في مكة المكرمة، ومدحه الشيخ عبد الله الإدكاوي بقصيدة يهنئه فيها بالعودة، فقال:
لقد سرنا وطاب الوقت وانشرحت صدورنا حيث صح العود للوطن
فأنت أمجدنا، وأنت أرشدنا وأنت أحمدنا في السرِّ والعلن
وأجلَّه (علي بك الكبير)، وكان يجلس إلى دروسه، وكان الإمام الدمنهوري رحمه الله - مهيبًا لدى أمراء المماليك، فلما نشبت الفتنة بين زعماء المماليك وأتباعهم من طائفتي (العلوية والمحمدية) فرَّ (حسن بك الجداوي) من زعماء العلوية أمام مطارديه، فلجأ لبيت الشيخ الدمنهوري، فلم يقدر أحد على اقتحام بيته حتى أجاره (إبراهيم بك). وكان لا يعود من دَرْسه إلا في وقت متأخرٍ من الليل، ويحرص على صلاة الفجر، وتحدَّى علماءَ عصره بما كان يطْرَحُ من أسئلة معجزة، ثم يقوم بالإجابة عنها، مما جعل (علي بك الكبير) يتخذه أستاذًا ويستشيره في كثير من أمور الدولة.مــؤلــفــاتــه:
_ كشف اللثام عن مخدرات الأفهام في البسملة والحمدلة.
- حلية اللب المصون في شرح الجوهر المكنون (في البلاغة).
- اللطائف النورية في المنح الدمنهورية، وهو سند ذكر فيه ما أخذه عن مشايخه
وما درسه واستفاده بجهوده الخاصة، أو ما أخذه رواية ودراسة، ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، وهو شرح لأربع أبيات من ألفية العراقي في مصطلح الحديث، ومنه نسخ في دار الكتب المصرية.
- درة التوحيد (منظومة في علم التوحيد).
- القول المفيد في شرح درة التوحيد، وهو شرح لمنظومته السابق ذكرها.
- الزايرجة، وهو شرح لكتاب (كشف الران عن وجه البيان) لمحيي الدين بن عربي، في التصوف.
- شرح الأوفاق العددية (وهو بحث في استنباط آفاق المستقبل عن طريق الأعداد)، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية.
- شفاء الظمآن بسر (يس قلب القرآن)، وهو شرح لمنظومة تتعلق بسورة يس، ذكرها أحمد بن ساعد في كتابه المسمى (روض العلوم).
- عقد الفرائد بما للمثلث من الفوائد، رتبه على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، في فضل العلم ومزدوجاته، توجد منه نسختان بدار الكتب.
- كيفية العمل بالزيارج العددية، مخطوط بدار الكتب المصرية.
- منتهى الإرادات في تحقيق الاستعارات- في البلاغة.
- سبيل الرشاد إلى نفع العباد- في الأخلاق.
- الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني - في فقه الحنابلة.
- رسالة عين الحياة في استنباط المياه - في الجيولوجيا.
- القول الصريح في علم التشريح - في الطب.
- منهج السلوك في نصيحة الملوك - في السياسة والأخلاق.
- الدرة اليتيمة في الصنعة الكريمة - في الكيمياء.
- إيضاح المبهم من متن السلم، وهو شرح على متن السلم في المنطق.
- الحذاقة بأنواع العلاقة، ذكره الجبرتي ولم يعين الفن الذي تناوله.
- حسن التعبير لما للطيبة من التكبير في القراءات العشر.
- تنوير المقلتين بضياء أوجه الوجوه بين السورتين.
- طريق الاهتداء بأحكام الإمامة والاقتداء على مذهب أبي حنيفة النعمان.
- إحياء الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد - في الحساب.
- الدقائق الألمعية على الرسالة الوضعية العضدية للإيجي - في علم الوضع.
- منع الأثيم الحائر على التمادي في فعل الكبائر - أخلاق دينية.
- الأنوار الساطعات على أشرف المربعات - في الهندسة.
- حلية الأبرار فيما في اسم (علي) من الأسرار - تصوف.
- خلاصة الكلام على وقف حمزة وهشام - قراءات.
- إقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة - فتوى فقهية.
- فيض المنان بالضروري من مذهب النعمان.
- إتحاف البرية بمعرفة العلوم الضرورية.
- بلوغ الأرب في سيد سلاطين العرب.
- تحفة الملوك في علم التوحيد والسلوك (منظومة في مائة بيت).ولايته للمشيخة:
تولَّى الشيخ الدمنهوري -رحمه الله- مشيخة الأزهر سنة 1182هـ، بعد وفاة الشيخ السجيني.وفـــاتــه:
توفي الشيخ الدمنهوري -رحمه الله- يوم الأحد 11 من رجب عام 1192هـ الموافق 4 أغسطس سنة 1778م، في منزله ببولاق، فخرج بمشهد حافل مهيب، وصُلِّي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بالبساتين.مــصــادر تـرجــمـتـه:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأعلام للزركلي 1/164.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي 1/58.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي، ص (130- 132).
-----------------------------------------
الإمام الحادى عشر
الإمام أحمد بن موسى العروسي
أحمد بن موسى بن داود أبو الصلاح العروسي.الميلاد:
ولد بقرية (منية عروس) التابعة لمركز أشمون، بمحافظة المنوفية، سنة 1133هـ/ 1720م.نسبته:
وينسب الشيخ العروسي إلى قريته (منية عروس) التي ولد ونشأ فيها.نشأته ومراحل تعليمه:
ظل الشيخ العروسي -رحمه الله- في قريته صدرًا من شبابه، حفظ القرآن الكريم، ودرس العلوم الدينية واللغوية، كما درس العلوم الرياضية، والفلك، والمنطق، وأخذ الطريقة الصوفية عن السيد مصطفى البكري، ولازمه، وتلقَّن منه الذِّكر. ثم وفد إلى الأزهر، وتلقى العلوم على كبار شيوخه، فسمع البخاري من الشيخ أحمد الملوي بمسجد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، ودرس تفسير الجلالين والبيضاوي على يد الشيخ عبد الله الشبراوي، ثم سمع من الشيخ الحفني البخاري وشرحه للقسطلاني مرة ثانية. ومختصر ابن أبي جمرة، والشمائل النبوية للترمذي، وشرح ابن حجر للأربعين النووية، والجامع للسيوطي. كما تفقه وتعلم على الشيخ النبراوي، والشيخ العزيزي، والشيخ علي قايتباي الأطفيحي، والشيخ حسن المدباغي، والشيخ سابق، والشيخ عيسى البراوي، والشيخ عطية الأجهوري. كما تلقى سائر العلوم على يد الشيخ علي بن أحمد الصعيدي، ولازمه سنوات عديدة، وكان مُعِيدًا له(1) ، يُلَخِّصُ دروسه ويوضح ما غمض منها، وأفادوا منه كثيرًا. وسمع من الشيخ ابن الطيب، والشيخ يوسف الحفني، والشيخ إبراهيم الحلبي،والشيخ إبراهيم بن محمد الدلجي. كما لازم الشيخ حسن الجبرتي -والد المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي- وقرأ عليه في الرياضيات، والجبر، والمقابلة، وكتاب الرقائق للسبط، وكفاية القنوع والهداية، وقاضي زاده، وغيرها. ثم اتصل بالعلامة الشيخ أحمد العريان، الذي أحبه واعتنى به، وزوجه إحدى بناته، وبشَّره بالسيادة، وبأنه سيصبح شيخًا للجامع الأزهر، وتحققت هذه البشارة بعد وفاته. وجدَّ الشيخ العروسي في تحصيل العلم حتى احتلَّ الصدارة بين علماء عصره، وصار من كبار علماء الشافعية في وقته.أخــلاقــه:
كانت عائلة الشيخ العروسي -رحمه الله- ذات شهرة واسعة، ونفوذ قوي، ومكانة رفيعة، وكان رجالها من أهل الحلِّ والعقد في البلاد. وقد تبوأ الإمام العروسي -رحمه الله- منزلة سامية بعلمه وصلاحه وتقواه وتسامحه وانتصاره للحق، كانت شفاعته مقبولة لدى الحكام، وكان كثيرًا ما يتدخل لتصفية ما ينشب بينهم من نزاع، فقد توسط في الصلح مع بعض العلماء بين الأميرين إبراهيم بك، ومراد بك، وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في المُلِمَّات. ومما يدل على حب الناس له أنه لما أراد (إبراهيم بك) أن يولي (الشيخ عبد الرحمن العريشي) مشيخة الأزهر ثار العلماء واعتصموا بمسجد الإمام الشافعي، والتف حولهم الناس، وطالبوا أن يكون الشيخ العروسي -رحمه الله- هو شيخ الأزهر، فنزل على رغبتهم، ولما عاد (الشيخ محمد المصيلحي الشافعي) من الحجاز أغراه أعوانه أن يطلب المشيخة لنفسه، فهو أحق بها، وسايرهم واقتحم المدرسة الصلاحية ودرَّس بها -وكانت وقفًا على شيخ الأزهر- فثار عليه العلماء، ولكن الشيخ العروسي هدَّأَ من ثورتهم، وترك الشيخ المصيلحي يدرس بها احترامًا لعلمه، ومنعًا للفتنة. كان الشيخ العروسي قوالا للحق، لا يحب الجدال العقيم، وكانت شفاعته مقبولة لدى الحكام، وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في مسائلهم، ورفض أن تأتي جنود من خارج مصر لحفظ الأمن، وبيَّن للوالي (إسماعيل بك) خطر ذلك، فعمل بنصيحته وطالب بزيادة أرزاق الجند المصريين فقاموا بواجبهم، ولما طغى (أحمد أغا) الوالي على أهل الحسينية لجأ إليه الناس، فقام معهم وأقنع (إسماعيل بك) بعزله اتقاء للفتنة فعزله. وللشيخ الإمام مواقف مشهودة ضد الأمراء في الدفاع عن الشعب، كان يجابههم فيها بقوة وحزم، دون أن يخشى في الله لومة لائم. ولما اشتد الغلاء وضج الناس بالشكوى، ذهب إلى (الوالي حسن باشا) واتفق معه على وضع (تسعيرة للخبز واللحم والسمن) وخرج المحتسب ليعلن في الأسواق السياسة التموينية الجديدة، ويهدد من يخرج عليها، فزالت الغمة.مــؤلـفـاتــه:
_ قال الجبرتي عن الإمام العروسي «لم يشتغل بالتأليف إلا قليلا لاشتغاله بالتدريس»(3) .
- شرح نظم التنوير في إسقاط التدبير للشيخ الملوي (في التصوف).
- حاشية على الملوي على السمرقندية (في البلاغة).ولايته للمشيخة:
- شرح نظم التنوير في إسقاط التدبير للشيخ الملوي (في التصوف).
- حاشية على الملوي على السمرقندية (في البلاغة).ولايته للمشيخة:
تولى مشيخة الأزهر الشريف بعد وفاة الشيخ الإمام الدمنهوري - رحمه الله – سنة 1192هـ وظل شيخا للأزهر حتى وفاته.وفــاتـــه:
وقد لقي الشيخ الإمام العروسي -رحمه الله- ربَّه في الحادي والعشرين من شهر شعبان، سنة 1218هـ، ودفن بمدفن صهره الصوفي الورع الشيخ العريان.مصادر ترجمته:
- الأزهر خلال ألف عام، محمد عبد المنعم خفاجي 2/349- 351.
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأعلام للزركلي 1/262.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
---------------------
(1)وهو عمل المعيد بالنسبة للأستاذ الآن في الجامعة.
(2)عجائب الآثار 4/247.
(3)عجائب الآثار 4/247.
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأعلام للزركلي 1/262.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
---------------------
(1)وهو عمل المعيد بالنسبة للأستاذ الآن في الجامعة.
(2)عجائب الآثار 4/247.
(3)عجائب الآثار 4/247.
========================================================================
الإمام الثانى عشر
الإمام عبد الله الشرقاوي
ولد الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- في قرية الطويلة، من ضواحي بلبيس، بالقرب من قرية القرين في محافظة الشرقية سنة 1150هـ.نــسبـتــه:
نسب إلى الشرقية.نشأته ومراحل تعليمه:
حفظ في طفولته القرآن الكريم في (القرين) حيث نشأ بها، وتطلع إلى المعرفة فشد رحاله إلى الجامع الأزهر حيث درس على كثير من أعلام علمائه، مثل: الشهاب الملوي، والشهاب الجوهري، والعلامة الشيخ علي الصعيدي، والشيخ الإمام الحفني، والشيخ الإمام الدمنهوري. ومال بفطرته الطبيعية إلى التصوف، فتلقن مبادئ الطريقة الخلوتية على الإمام الشيخ الحفني، ثم اتصل بالصوفي الشهير العارف بالله الشيخ محمود الكردي ولازمه، فرباه وأرشده، وقطع به مدارج الطريق، ولقَّنه أسراره فأصبح في مقدمة المريدين وطليعتهم. وقد تقلبت به الأحوال فتجرع مرارة الفقر كما ذاق حلاوة اليسر، وعاش في ظلال الخمول والنسيان، كما عاش في أضواء الجاه والسلطان، فاستفاد خبرة وتجربة ضمها إلى ما استفاده من علم وعرفان إلى ما أحرزه من مجاهدة روحية في مجال السلوك الصوفي، فصقلته التجارب وهذَّبته المعارف، وزكَّته النفحات، وبهذا نال الصدارة في دنياه، وفاز بالزلفى إلى الله في أخراه.تـــلامــيـذه:
من العلماء الذين تعلموا على يد الإمام الشرقاوي -رحمه الله- الفقيه النبيه الشيخ حسين بن الكاشف، الذي جذبه الإمام الشرقاوي إليه، فانخلع من الإمارة والقيادة العسكرية، ولازم الشيخ وتفقَّه على يديه. ومنهم العلامة الشهير إبراهيم البجيري الذي تخصص عليه في علم مصطلح الحديث. ومن ألمعهم العلامة العمدة الشيخ محمد الدواخلي الذي لازم الشيخ الإمام في فقه مذهبه وغيره من المعقولات ملازمة كلية، وانتسب له، وصار من أخص تلاميذه.أخـــلاقـــه:
كان الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- متسامحًا متساهلا، وقد خاض في حياته أحداثًا جسامًا، كان يلقاها بالمرونة والحكمة، وقد أعانته نزعته الصوفية على الرفق والتؤدة والتسامح، على الرغم مما قاساه من خصومة وعداء.مـــنزلــتــه:
كان الشيخ عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- شيخ علماء الشافعية ومفتيهم في عصره، وتنوع مؤلفاته في العلوم دليل على سعة علمه وفضله في الفقه والحديث والعقائد، وكما كان للشيخ رأي مسموع في الشؤون الدينية، كان له أيضًا رأي مسموع في الشؤون السياسية، فقد عاصر الشيخ -رحمه الله- الحملة الفرنسية على مصر، وقاد الشعب من أجل مقاومتها حينًا، ومن أجل التخفيف من شدة وطأتها على الشعب حينًا آخر، وطار صيته في كل مكان، وكتب عنه الأوربيون فصولا طوالا، وذهب كل من كتب عنه مذهبًا يتفق ومدى فهمه للأحداث الجسام التي وقعت في هذه الفترة القصيرة الحافلة في تاريخ الوطن.مـؤلـفــاتــه:
- التحفة البهية في طبقات الشافعية، ضمَّنه تراجم الشافعية حتى سنة 1212هـ، ورتَّبه على حروف المعجم، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- العقائد المشرقية في علم التوحيد.
- الجواهر السنية في شرح العقائد المشرقية -السابق ذكره- وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية الشرقاوي على كتاب التحرير، للشيخ زكريا الأنصاري.
- حاشية على شرح الهدهدي على أم البراهين، المسماة بالصغرى لأبي عبد الله بن يوسف السنوسي، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- شرح حكم ابن عطاء الله السكندري، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- ثبت الشرقاوي، ذكر فيه أسانيد شيوخه في التفسير، والحديث، والفقه، وفي الأحزاب والأوراد، توجد منه أربع نسخ خطية بدار الكتب.
- مختصر الشمائل وشرح المختصر، كلاهما من تأليفه.
- رسالة في (لا إله إلا الله).
- رسالة في مسألة أصولية في جمع الجوامع (أصول فقه).
- شرح رسالة عبد الفتاح العادلي في العقائد.
- شرح مختصر في العقائد والفقه والتصوف، مشهور في بلاد داغستان.
- شرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف.
- شرح ورد السَّحر للبكري.
- مختصر مغني اللبيب لابن هشام في النحو والإعراب.
- فتح المبدي شرح مختصر الزبيدي في الحديث، طبعت منتخبات منه ومن شرح الشيخ الغزي على هامش كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للبخاري.
- تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين، مطبوع على هامش كتاب (لطائف الأول فيمن تصرف في مصر من الدول). من هنا نرى غزارة علوم الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- وتنوعها.ولايته للمشيخة:
لما مات الشيخ أحمد العروسي شيخ الأزهر عام 1208هـ، تولَّى الإمام الشرقاوي مشيخة الأزهر بعده، وكان من المرشحين معه لتولِّي هذا المنصب العلمي والديني الجليل الشيخ مصطفى العروسي، لكنها آلت إلى الشيخ الشرقاوي، وأسندت له، وتولاها وهو موضع ثقة الجميع.وفـــاتـــه:
لقي الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- ربه يوم الخميس، الثاني من شوال سنة 1127هـ، وذكر الجبرتي أنه لما مات الشيخ الشرقاوي صلى عليه بالأزهر جمع كثير، ودُفِنَ في مدفنه الذي بناه لنفسه، فقد كان الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- ناظرًا على وقف وقفته السيدة الخاتون (خوند طغاي الناصرية) بالصحراء للصوفية والقراء، وكان الفرنسيون دمَّروه، فأنشأ الشيخ به مسجدًا وبنى لنفسه إلى جواره قبرًا وعقد عليه قبة، وجعل تحتها مقصورة بداخلها تابوت عالٍ مربع وبنى بجانبه قصرًا ملاصقًا له^(1) . وإن الباشا -الوالي- أصدر فرمانًا بعمل مولد سنوي له، واحتفى الناس بهذا المولد، وأقاموا الموائد ومدوا الأسمطة، وحضره جمع كبير من الفقهاء والمشايخ والأعيان.مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأزهر خلال ألف عام، للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي 2/322-324.
- الأعلام للزركلي 4/78.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم 1/155-186.
----------------------
(1)عجائب الآثار 7/194.
........................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
الإمام الثالث عشر
الإمام محمد الشنواني
محمد بن علي بن منصور الشنواني الشافعي.
الميلاد والنِّسْبَة:
ولد الشيخ محمد الشنواني -رحمه الله- في قرية شنوان الغرف، محافظة المنوفية، وإليها نُسِبَ(1) .نشأته ومراحل تعليمه:
تتلمذ على كثيرين من أعلام عصره، وهم المشايخ: فارس، والصعيدي، والدردير، والفرماوي، وتفقَّه على الشيخ عيسى البراوي، ولازم دروسه وقرأ على يديه، وقد أجازه الشيخ بعد أن أعطاه جُلَّ ما عنده، واطمأن لعلمه؛ لأن الشيخ الشنواني -رحمه الله- كان ذكيًّا فطنًا جيد الحفظ، فأولاه أستاذه عنايته، واختصه بنفسه لاجتهاده وأدبه.أخــلاقــه:
عُرِفَ الشيخ -رحمه الله- بالسماحة، وشدة الحياء، والتواضع، ومن تواضعه أنه كان لا يحب التزاحم على المظاهر الدنيوية، فلم ينافس غيره في التدريس بالأزهر وإنما قنع بإلقاء دروسه بالجامع المعروف بالفكهاني بالعقادين، بالقرب من داره في (خوشقدم) فأقبل عليه الطلبة، وانتفعوا بآرائه وتوجيهاته، كما انتفعوا بأخلاقه وآدابه. ويحدثنا الجبرتي عن أخلاقه، فيقول: «كان مهذب النفس مع التواضع، والانكسار، والبشاشة لكل أحد من الناس ويشمر ثيابه ويخدم بنفسه ويكنس الجامع ويسرج القناديل».مــنزلـــتـه:
كان الشيخ الشنواني -رحمه الله- مع تواضعه وزهده وعزوفه عن الاتصال بالحكَّام لا يتردد في إبداء النصيحة لهم، وفي الشفاعة عندهم، وكان الشيخ -رحمه الله- من قادة الشعب، وشارك -رحمه الله- في مقاومة الحملة الفرنسية، وقد حاول الوالي أن يستولي على كل أراضي الدولة وأن يتخذ العلماء مطية حيث أفهمهم أنه سيترك أراضيهم لهم يزرعونها بمعرفتهم ويستغلونها، فتصدَّى له الإمام الشنواني وطالبه بالإفراج عن الأوقاف المحبوسة للطلبة فوافقه، ثم طالبه بإلغاء أمر الاستيلاء على بقية الأراضي فرفض. ويحدثنا الجبرتي عن منزلته العلمية، فيقول عنه: «شيخ الإسلام، وعمدة الأنام، الفقيه العلامة، والنحرير الفهامة... من أهل الطبقة الثانية، الفقيه، النحوي، المعقولي»(2) .مــؤلـفاتــه:
- حاشية على شرح الجوهرة (جوهرة التوحيد)، وهي منظومة في علم التوحيد، نظمها الشيخ إبراهيم اللقاني، وشرحها ابنه الشيخ عبد السلام في كتابه (إرشاد المريد).
- الجواهر السنية بمولد خير البرية، وهي تقييدات جمعها المؤلف من بعض كتب مشايخه وغيرهم على مولد المدابغي، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية الشنواني على مختصر البخاري لابن أبي جمرة، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- ثبت الشنواني (إجازة أجاز بها تلميذه المبلط)، قال فيها: «لازمني مدة مديدة، وسنين عديدة حضورًا وسماعًا وبحثًا... حتى غزر علمه... ثم التمس مني الإجازة وكتابة السند، فأجبته بذلك بشرط ألا يترك الإفادة»، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية على السمرقندية (في علوم البلاغة).
- حاشية على العضدية (في آداب البحث).ولايـتـه للــمــشيخـــة:
لما توفي الشيخ الشرقاوي -رحمه الله- توجَّهت الأنظار إلى الشيخ الشنواني، فتغيَّب عن بيته واختفى عن العيون، ولكن الباشا أمر القاضي أن يجمع المشايخ عنده ويتفقوا على شخص يكون خاليًا من الأغراض، فأرسل القاضي إليهم فحضرت جمهرتهم، فسأل القاضي: هل بقي أحد لم يحضر؟ فقالوا: لم يتأخر عن الحضور إلا ابن العروسي والهيثمي، والشنواني، فأرسل إليهم فحضر ابن العروسي، والهيثمي، فقال القاضي: وأين الشنواني؟ لا بد من حضوره، وأرسل إليه رسولا فذهب إلى بيته وعاد، فقال: إنه غائب عن داره منذ ثلاثة أيام، وقد ترك لكم رسالة جئت بها إليكم، ففتح القاضي الرسالة وقرأها جهرًا على جمهرة العلماء وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، إِنَّنا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوي الهيثمي، فعند ذلك قام الحاضرون وضجَّ المشايخ، فقال بعضهم: إنه لم تثبت له المشيخة حتى ينزل عنها لغيره، وقال بعضهم: لا يكون شيخًا إلا من يدرس العلوم في الأزهر ويفيد الطلبة. فتدخل القاضي ليُنهِي هذه المعركة، فهدأ من روعهم، وسألهم القاضي: من الذي ترضونه؟ قالوا: نرضى الشيخ المهدي، ووافق الجميع، وقاموا وصافحوه وقرأوا الفاتحة، وكتب القاضي بهذا الأمر قرارًا أرسله إلى والي مصر (محمد علي باشا)، وانفضَّ الجميع، وركب الشيخ المهدي إلى بيته في موكب كبير وحوله وخلفه المشايخ وطوائف الطلبة، وأقبل الناس على بيته للتهنئة، وانتظر الجميع موافقة الوالي على هذا القرار. ولكن محمد علي رفض تعيين الشيخ المهدي؛ لأنه صاحب تاريخ حافل في الزعامة ورفض الضيم، فمحمد علي لا يقبل شيخًا يتدخل في شؤون الحكم ويقود العلماء والطلبة في مقاومة المظالم كما كان كبار مشايخ الأزهر يفعلون، ولهذا اشترط في شيخ الأزهر -كما قلنا- أن يكون خاليًا عن الأغراض، وهو لم ينس أن مشايخ الأزهر هم الذي عزلوا الوالي السابق، وهم الذين عينوه، فاضطر الباب العالي إلى النزول إلى مشيئتهم، ومن يملك العزل والولاية يكون خطرًا على باب دولته التي بدأ في تكوينها. لذا فقد أرسل محمد علي باشا جنوده في طلب الشيخ الشنواني، فجدُّوا في البحث عنه حتى عُثِرَ عليه في المكان الذي اختفى فيه بمصر القديمة، فأخبروه بطلب الوالي له، فذهب معهم. ثم أرسل محمد علي إلى المشايخ بالحضور إلى مقره بالقلعة، فلمَّا حضروا وجدوا الوالي وعنده الشيخ الشنواني، فأعلن محمد علي الشيخ الشنواني شيخًا للجامع الأزهر، ولم يعترض الشيوخ على جعل الشيخ الشنواني شيخًا على الأزهر. ثم عاد الشيخ الشنواني إلى بيته في جَمْعٍ كبير وموكب رسمي عظيم، وكانت دار الشيخ صغيرة متواضعة لا تتسع لهذا الموكب ولوفود المهنئين، فأنزله السيد المحروقي في دار (بان الزليجي) بحارة خوشقدم، وأرسل إليه الطباخين والفراشين والأغنام والأرز والحطب والسمن والعسل والسكر والقهوة وأوقف عبيده وخدمه لخدمة القادمين، وازدحم الناس على الشيخ الشنواني -رحمه الله- مهنئين وأتوا أفواجًا، وكان ذلك في يوم الثلاثاء، الرابع عشر من شهر شوال سنة 1227هـ = 20 من أكتوبر سنة 1812م، ولما كان يوم الجمعة ذهب الشيخ الإمام إلى الجامع الأزهر، فصلى الجمعة، وازدحمت الجماهير عليه مهنئين له(3) .ولم يترك الشيخ -رحمه الله- مكانه في الدرس بعد تولي المشيخة، وكان متبحِّرًا في علوم اللغة، كما كان مُولعًا بعلم الكلام والرياضيات.وفــاتــه:
كان الشيخ الإمام الشنواني -رحمه الله- متواضعًا في حياته وفي شؤون معاشه، وأقبلت عليه الدنيا فلم يهنأ بها، فقد اعترته الأمراض إلى أن توفي يوم الأربعاء رابع عشر من المحرم سنة 1233هـ = 23 نوفمبر سنة 1817م، وصُلِّي عليه بالأزهر في مشهد عظيم، ودُفِنَ بتربة المجاورين(4) .مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثنى عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأزهر خلال ألف عام، محمد عبد المنعم خفاجي 2/355، 356.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي 2/21- 24.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي. ص (135- 173).
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم 1/189-193.
----------------------------
(1)عجائب الآثار 7/429، الأعلام للزركلي 6/297.
(2)عجائب الآثار 7/197، ويقصد بقوله المعقولي: أنه درس علوم المنطق والجدل والفلسفة والميقات والحساب وما إليها من العلوم التي يطلقون عليها علوم المعقول، أما علوم المنقول فهي: الفقه، والتفسير، والحديث ... وعلوم اللغة.
(3)عجائب الآثار 7/197، 198.
(4)عجائب الآثار 7/439.
الإمام الرابع عشر
الإمام محمد العروسي
محمد ابن الإمام أحمد بن موسى بن داود العروسي.
نشأته ومراحل تعليمه
تلقى الشيخ محمد العروسي -رحمه الله- العلم على يد والده، وظهرت نجابته، فلمَّا توفي والده حلَّ محلَّه في التدريس لطلبته، وكان شغوفًا بالدرس، فكان يواصل التدريس لطلبته من الصباح إلى المساء(1) ، ولعل هذا هو الذي شغله عن التأليف، وكان يمتاز بالمرونة واللباقة.مؤلفاته:
اشتغل الشيخ العروسي -رحمه الله- بالدرس، فكان يقضي وقته من الصباح للمساء في التدريس لا يقوم إلا إلى الصلاة، وهذا ما عوَّقه عن التأليف الذي يحتاج إلى وقت.ولايته للمشيخة:
تولَّى الشيخ الإمام محمد العروسي -رحمه الله- مشيخة الأزهر سنة 1233هـ. وهو أول شيخ للأزهر وُلِّيَ أبوه مشيخة الأزهر من قبله، ويفصله عن مشيخة أبيه شيخان، هما: الشيخ الشرقاوي، والشيخ الشنواني، وكان الشيخ محمد العروسي -رحمه الله- من المزاحمين للشيخ الشنواني في ولاية المشيخة، لولا أن محمد علي باشا آثر عليه الشيخ الشنواني لما عرفه عنه من تواضعه وانصرافه عن مظاهر السلطة، وكان محمد علي باشا قد ضاق بتدخل الشيخ الشرقاوي، وعمر مكرم في شؤون الحكم دفاعًا عن حقوق الشعب. ولما مات الشيخ الشنواني انعقد الإجماع على إمامة الشيخ محمد بن أحمد العروسي؛ لأنه لم يكن له منافس في التطلع إلى المشيخة، فتقلدها «من غير منازع وبإجماع أهل الوقت، ولبس الخلع من بيوت الأعيان، مثل البكري والسادات» كما ذكره الجبرتي في تاريخه(2) . وحدثت في عهده فتنة حول أكل ذبائح أهل الكتاب، وهي أن الشيخ إبراهيم المالكي الشهير بإبراهيم باشا قرأ في درس الفقه (إن ذبائح أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز أكلها) وسمع فقهاء الثغر بذلك فأنكروه وناقشوه، فقال: إني أخذت ذلك عن الشيخ عليًّا الميلي المغربي، وهو عالم جليل ورع، فأرسلوا إليه فبعث برسالة مفصلة ساق فيها الأسانيد على رأيه، واستند هو أيضًا لرأي الشيخ الطرطوشي في المنع وعدم الحل، وأمر الوالي بجمع العلماء والنظر في هذه المسألة الخطيرة. فأحضر العلماء، وتقدم الشيخ العروسي بلباقته وحسن تأنيه، فقال: الشيخ علي الميلي رجل من العلماء، تلقى عن مشايخنا ومشايخهم (أي: مشايخ المغاربة) لا ينكر علمه، وهو منعزل عن خلطة الناس، ولأنه حاد المزاج (يريد أن يعتذر بهذا عن طعنه في العلماء المعاصرين) والأولى أن نجتمع به ونتذاكر في غير مجلسكم، وننهي بعد ذلك الأمر إليكم. فاجتمعوا في اليوم الثاني، وأرسلوا إلى الشيخ علي لمناظرته فأبى الحضور، وقال: إنه لا يحضر مع الغوغاء، ولكنه يقبل الحضور في مجلس خاص، يحضره الشيخ حسن القويسني، والشيخ حسن العطار فقط؛ لأن ابن الأمير يشن عليه الغارة. فتغير ابن الأمير وأرعد وأبرق، وثار العلماء الحاضرون وأمروا الأغا بالذهاب إلى بيت الشيخ علي وإحضاره قهرًا عنه، فذهب الأغا إليه فوجده قد اختفى، فأخرج زوجته وأهله من بيته وأغلقه، وكتب العلماء رسالة إلى الوالي ذكروا فيها أن الشيخ علي مخالف للحق، وأن إباءه حضور مجلس العلماء، ثم هربه يؤيدان أنه على الباطل، ولو كان مُحقًّا ما اختفى ولا هرب، وفوضوا إلى الوالي التصرف في شأنه وشأن الشيخ إبراهيم باشا الإسكندري، فأصدر الباشا قرارًا بنفي الشيخ إبراهيم إلى بني غازي، أما الشيخ علي فظل مختفيًا. وفـــاتــه:
توفي الشيخ الإمام محمد العروسي -رحمه الله- سنة 1245هـ.مصادر ترجمته:
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
----------------------
الإمام الخامس عشر
الإمام أحمد الدمهوجي
أحمد زين علي بن أحمد الدمهوجي الشافعي.
الميلاد والإقامة:
ولد بالقاهرة سنة 1170هـ، وقيل سنة 1176هـ. كانت داره برقعة القمح، وراء رواق الصعايدة، بجوار الأزهر، وهناك عطفة تعرف بعطفة الدمهوجي.نسبته:
يعود نسب الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- إلى قرية (دمهوج) بمحافظة المنوفية، بالقرب من بنها، وهي القرية التي يرجع إليها أصل عائلته وإقامتهم فيها قبل انتقالهم إلى القاهرة، لذلك انتسب إليها، برغم أن ولادته كانت في القاهرة.نشأته ومراحل تعليمه:
تلقى الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- العلوم الأزهرية على أيدي علماء الأزهر وشيوخه، وأثبت في تحصيل العلوم درجة عالية، وشغفًا عظيمًا، فقد كان ذكاؤه باهرًا.أخلاقه:
كان الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- حسن الصورة، هادئ الطبع، زاهدًا، منقطعًا للعبادة والتدريس وتحصيل العلم.منزلته:
بعد وفاة الشيخ العروسي -رحمه الله- ظل منصب مشيخة الأزهر خاليًا إلى أن جاء قرار الوالي -بعد إجماع العلماء- بتكليف الشيخ الدمهوجي لتحمل أعباء هذا المنصب، وعُيِّن الشيخان المهدي والأمير وكيلين للشيخ الدمهوجي نظرًا لكبر سنه، واحتياجه لمن يساعده في القيام بمهام هذا المنصب. وقد تولَّى الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- مشيخة الأزهر فترة قصيرة جدًّا وهي ستة شهور فقط، حتى توفاه الله.وفــاتــه:
توفي الشيخ الدمهوجي -رحمه الله.- بعد أن بلغ سبعين سنة، فتوفي ليلة الأضحى سنة 1246هـ = 21 مايو سنة 1831م.مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
----------------------------------
(1)ينظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار.
- حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
----------------------------------
(1)ينظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار.
==================================================================
الإمام السادس عشر
الإمام حسن العطار
حسن بن محمد بن العطار.
الميلاد:
ولد في القاهرة سنة 1182هـ، وهو مغربي الأصل، وقد حدد تاريخ مولده بنفسه في منظومته النحوية، حيث ذكر أنه ألفها في يومين في شهر ذي القعدة سنة 1202هـ = 3 أغسطس سنة 1788م، وأن سِنَّه في هذا الحين كانت عشرين عامًا، وذلك حيث يقول:
وألف في يومين عام الذي له (غرب)(1) جاء تاريخًا بشهر أحد عشر
ومعذرة يا صاحبي لمؤلف له عشر أعوام وعشر من العمر
إلا أن بعض المصادر لم تتنبه لهذا النص، وذكر تاريخ مولده بأنه سنة 1180هـ، وبعضها ذكر أن مولده كان سنة 1190هـ.
نسبته:
وألف في يومين عام الذي له (غرب)(1) جاء تاريخًا بشهر أحد عشر
ومعذرة يا صاحبي لمؤلف له عشر أعوام وعشر من العمر
إلا أن بعض المصادر لم تتنبه لهذا النص، وذكر تاريخ مولده بأنه سنة 1180هـ، وبعضها ذكر أن مولده كان سنة 1190هـ.
نسبته:
كان والد الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- عطَّارًا، فنُسِبَ الإمام إلى مهنة أبيه، ولعل والده -رحمه الله- كان يُنْسبُ إليها أيضًا.نشأته ومراحل تعليمه:
نشأ في كنف والده الشيخ محمد كتن، وكان عطَّارًا فقيرًا مُلِمًّا ببعض العلوم وعلى ثقافة جيِّدة، فكان يستصحب ابنه معه إلى حانوته ويعلِّمه البيع والشراء ويرسله في قضاء حاجاته، ولكن الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- وهو ما زال طفلا كان حادَّ الذكاء مشغوفًا بالعلم، واسع الآمال، فكانت تأخذه الغيرة حين يرى أتْرَابه يترددون على الأزهر لحفظ القرآن الكريم وللدراسة، فكان يتردد خِفْيَة إلى الأزهر لحفظ القرآن الكريم حتى حفظه في مدة يسيرة، وعَلِمَ
أبوه بأمره، فأعانه على التعليم، فالتحق بالأزهر، وجدَّ في التحصيل على كبار المشايخ أمثال الشيخ الأمير، والشيخ الصبان، وغيرهما من كبار العلماء، فظهر
نبوغه وغزارة علمه وتنوع ثقافته في زمن قصير هيأه لتولي التدريس بالأزهر. ولم يقنع بالعلوم المألوفة في عصره، بل درس العلوم الهندسية، والرياضية، والفلكية، وتعمق في دراستها، قال عنه معاصره الشيخ شهاب الشاعر: «إنه كان آية في حِدَّة النظر وقوة الذكاء، وكان يزورنا ليلا في بعض الأحيان، فيتناول الكتاب الدقيق الخط الذي تعسر قراءته في وضح النهار، فيقرأ فيه على ضوء السراج، وربما استعار مني الكتاب في مجلدين فلا يلبث عنده إلا أسبوعًا أو أسبوعين ويعيده إِلَيَّ وقد استوفى قراءته وكتب في طُرَرِهِ على كثير من مواضعه»(2) . ويحدِّثُنا عنه تلميذه العلامة رفاعة الطهطاوي فيقول: «كانت له مشاركة في كثير من هذه العلوم -العلوم العصرية- حتى في العلوم الجغرافية، لقد وجدت بخطه هوامش جليلة على كتاب تقويم البلدان لإسماعيل أبي الفداء سلطان حماة... وله هوامش أيضًا وجدتها بأكثر التواريخ على طبقات الأطباء وغيرها، وكان يطلع دائمًا على الكتب المعربة من تواريخ وغيرها، وكان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية»(3) . وقد حمله شغفه بالمعارف والفنون على التطبيق العملي للمعارف التي تعلمها نظريًّا، فقد اشتغل بصناعة المزاول الليلية والنهارية، وأتقن الرصد الفلكي الأسطرلاب، وسجل هذا في مؤلفاته إلى جانب الطب والتشريح، وبهذا تعددت مواهبه وتنوعت مداركه حتى أصبح شبيهًا بالموسوعات العلمية التي تتناول جميع الفنون، وقد أعانته على ذلك رحلاته العديدة بالداخل والخارج واتصاله الوثيق بعلماء الحملة الفرنسية ومشاهدته التجارب العلمية التي باشرها هؤلاء العلماء. وقد جدَّ الشيخ العطار -رحمه الله- في تحصيل العلم، ووسع دائرة ثقافته العلمية حتى شملت المنقول والمعقول -كما يقول القدماء- وتصدَّر للتدريس في سن مبكرة، وبدأت الأنظار تتجه إليه. ولما داهمت الحملة الفرنسية مصر لم يطق البقاء بالقاهرة؛ ففر إلى أسيوط حيث وجد الأمن والحرية، وإن كان شوقه إلى القاهرة قد برح به، وما قاساه في الغُرْبَة قد أحزنه وأفزعه، هذا إلى ما كابده في سبيل كسب رزقه، وما قاساه من أهوال الطاعون الذي انتشر بأسيوط، فصرع الآلاف وأفزع الباقين. وقد عبَّر عن هذه الأحداث في مسهبة كتبها إلى صديقه المؤرخ الجبرتي قال فيها: «تلك شؤون طال بها العهد، وانجرَّ عليها ذيل الحوادث وامتد، وما كنت أوثر أن يمتد بي الزمن حتى أرى الأسفار تتلاعب بي كالكرة في ميدان البلدان... حصل لي القهر بخروجي من القاهرة واغبرَّ أخضر أيامي الزاهرة، وقد ألجأتني خطوب الاغتراب واضطرتني شؤون السفر الذي هو قطعة من العذاب إلى التقلُّب في قوالب الاكتساب، والتلبُّس بتلبيس الانتساب، وأخفي معالم المجيء والذهاب»(4) . ثم عاد إلى القاهرة بعد أن حصل الأمن، واتصل بناس من الفرنسيين، فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم، ويفيدهم اللغة العربية(5 ) . وبهذا جمع الشيخ الإمام حسن العطار -رحمه الله- بين الثقافة الغربية والثقافة العربية الإسلامية، واستفاد من خبراته العديدة والأحداث المثيرة -التي أصابت وحلت بالبلاد- أعظم استفادة، ولا شيء يُكَوِّن الرجال مثل مقاساة الشدائد واحتمال النكبات ومصارعة الأهوال. ثم أضاف إلى هذا رحلاته العديدة إلى الخارج، فقد أتقن اللغة التركية، وألمَّ بالفرنسية، واختلط بكثير من العلماء النابهين من عرب وأتراك وفرنسيين، فزادت ثروته الثقافية نماء واتِّساعًا وعُمقًا. أما سبب رحلاته الخارجية فنرجح أنه راجع إلى طغيان الفرنسيين وجبروتهم وتنكيلهم بالشعب، بعد أن تعددت ثوراته ضدهم، فهاجر الشيخ الإمام إلى مكة للحج، ثم سافر منها إلى معان، ثم الخليل فالقدس بفلسطين، ورحل إلى الشام، فأقام بدمشق في المدرسة البدرية، ثم رحل إلى ألبانيا حيث استقر بمدينة أشكور مدة، وأخيرًا عاد إلى القاهرة بعد جلاء الفرنسيين عنها، فلفت إليه الأنظار لتنوع ثقافته وتعدد مواهبه، فقد كان متعمقًا في العلوم الدينية واللغوية، وكان عالما فلكيًّا ورياضيًّا، وكان إلى هذا أديبًا وشاعرًا معدودًا في طليعة الأدباء والشعراء في عصره، ولهذا عهد إليه بإنشاء جريدة الوقائع المصرية والإشراف على تحريرها، فكانت فرصة لإظهار آثاره النثرية وروائعه الشعرية، وكانت الوقائع المصرية منبرًا أعلن فوقه آراءه في الدعوة إلى التجديد في مناهج التربية والتعليم، وإلى مناداته بإدخال العلوم الحديثة، والعلوم المهجورة بالأزهر إلى مناهجه. فطالب بدراسة الفلسفة، والجغرافيا، والتاريخ، والأدب، والعلوم الطبيعية، كما طالب بالرجوع إلى أمهات الكتب العلمية، وعدم الاقتصار على المتون والحواشي المتأخرة، كما نادى بالإفادة من أئمة العلماء القدماء وعدم الاقتصار على العلماء المتأخرين القائمين بالتقليد والمحاكاة. هذه النصيحة الجادة المبكرة تلقفها بعد الشيخ الإمام تلميذه النجيب الشيخ محمد عياد الطنطاوي، وتلميذه العلامة رفاعة الطهطاوي، وما زال العلماء الأعلام يتلقفونها جيلا بعد جيل حتى آتت أكلها وأثمرت أينع الثمار في العصر الحديث، والفضل للرعيل الأول من زعماء العلماء الأعلام. وكان شعار الشيخ الإمام قوله: إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها، ولم يكن شعارًا نظريًّا فحسب، بل طبقه تطبيقًا علميًّا، فدرَّس وألَّف في فنون شتى لم تكن مطروقة في عهده، ثم وجَّه تلاميذه إلى التجديد فيما يعالجونه من أبحاث ودراسات حتى ولو كانت تتناول موضوعات قديمة، فقد نجح في إدخال الدراسات الأدبية بالأزهر على يدي تلميذه محمد عياد الطنطاوي، وهو الذي أشار بإرسال تلميذه النجيب رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، وهو الذي وجهه وأرشده إلى استيعاب ما يمكن استيعابه من آثار الحضارة الفرنسية، وأشار عليه بتدوين كل ما يشاهده أو يعرفه أو يسمع عنه فكانت نتيجة التوجيهات أن ألَّف الطهطاوي كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز). وقد أحبَّ الشيخ تلميذه رفاعة الطهطاوي حبًّا كبيرًا؛ لما آنسه فيه من الذكاء والنجابة فقربه إليه وأحاطه برعايته، وكان رفاعة يتردد على بيت شيخه يقرأ عليه بعض كتب العلوم الحديثة، وكان يتلو على شيخه ما نظمه من قصائد شعرية، فيلقى منه التشجيع وحسن التوجيه. وهكذا كان الشيخ يرعى تلاميذه النابهين، ولم يكن يكتفي بالتوجيه والإرشاد، بل كان يعطي القدوة من نفسه، فاشتغل بالآداب شعرًا ونثرًا، وصنَّف فيها كثيرًا من روائع الشعر وفصول النثر والمقامات، وألَّف في المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة، وقام بتدريس الجغرافيا والتاريخ بالأزهر وخارج الأزهر، وكان يتناول الموضوعات القديمة بأسلوب جديد مشوق، فقد لاحظ أن تفسير البيضاوي كاد يكون مهجورًا في الأزهر، فقام بقراءته والتعليق عليه بطريقة مشوقة جذبت إلى حلقته كثيرًا من العلماء والطلبة، فكان إذا بدأ درسه ترك كبار العلماء حلقاتهم وأقبلوا عليه مستزيدين من علمه الفيَّاض، ودفع تلميذه الأديب محمد عياد الطنطاوي ليشرح مقامات الحريري بأسلوبه الأدبي البليغ، كما دفع تلميذه الطهطاوي لتدريس الحديث والسُّنَّة بطريق المحاضرات دون التقيد بكتاب خاص أو نص معروف، فكان ذلك مثار إعجاب العلماء.أخـــلاقــه:
أبوه بأمره، فأعانه على التعليم، فالتحق بالأزهر، وجدَّ في التحصيل على كبار المشايخ أمثال الشيخ الأمير، والشيخ الصبان، وغيرهما من كبار العلماء، فظهر
نبوغه وغزارة علمه وتنوع ثقافته في زمن قصير هيأه لتولي التدريس بالأزهر. ولم يقنع بالعلوم المألوفة في عصره، بل درس العلوم الهندسية، والرياضية، والفلكية، وتعمق في دراستها، قال عنه معاصره الشيخ شهاب الشاعر: «إنه كان آية في حِدَّة النظر وقوة الذكاء، وكان يزورنا ليلا في بعض الأحيان، فيتناول الكتاب الدقيق الخط الذي تعسر قراءته في وضح النهار، فيقرأ فيه على ضوء السراج، وربما استعار مني الكتاب في مجلدين فلا يلبث عنده إلا أسبوعًا أو أسبوعين ويعيده إِلَيَّ وقد استوفى قراءته وكتب في طُرَرِهِ على كثير من مواضعه»(2) . ويحدِّثُنا عنه تلميذه العلامة رفاعة الطهطاوي فيقول: «كانت له مشاركة في كثير من هذه العلوم -العلوم العصرية- حتى في العلوم الجغرافية، لقد وجدت بخطه هوامش جليلة على كتاب تقويم البلدان لإسماعيل أبي الفداء سلطان حماة... وله هوامش أيضًا وجدتها بأكثر التواريخ على طبقات الأطباء وغيرها، وكان يطلع دائمًا على الكتب المعربة من تواريخ وغيرها، وكان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية»(3) . وقد حمله شغفه بالمعارف والفنون على التطبيق العملي للمعارف التي تعلمها نظريًّا، فقد اشتغل بصناعة المزاول الليلية والنهارية، وأتقن الرصد الفلكي الأسطرلاب، وسجل هذا في مؤلفاته إلى جانب الطب والتشريح، وبهذا تعددت مواهبه وتنوعت مداركه حتى أصبح شبيهًا بالموسوعات العلمية التي تتناول جميع الفنون، وقد أعانته على ذلك رحلاته العديدة بالداخل والخارج واتصاله الوثيق بعلماء الحملة الفرنسية ومشاهدته التجارب العلمية التي باشرها هؤلاء العلماء. وقد جدَّ الشيخ العطار -رحمه الله- في تحصيل العلم، ووسع دائرة ثقافته العلمية حتى شملت المنقول والمعقول -كما يقول القدماء- وتصدَّر للتدريس في سن مبكرة، وبدأت الأنظار تتجه إليه. ولما داهمت الحملة الفرنسية مصر لم يطق البقاء بالقاهرة؛ ففر إلى أسيوط حيث وجد الأمن والحرية، وإن كان شوقه إلى القاهرة قد برح به، وما قاساه في الغُرْبَة قد أحزنه وأفزعه، هذا إلى ما كابده في سبيل كسب رزقه، وما قاساه من أهوال الطاعون الذي انتشر بأسيوط، فصرع الآلاف وأفزع الباقين. وقد عبَّر عن هذه الأحداث في مسهبة كتبها إلى صديقه المؤرخ الجبرتي قال فيها: «تلك شؤون طال بها العهد، وانجرَّ عليها ذيل الحوادث وامتد، وما كنت أوثر أن يمتد بي الزمن حتى أرى الأسفار تتلاعب بي كالكرة في ميدان البلدان... حصل لي القهر بخروجي من القاهرة واغبرَّ أخضر أيامي الزاهرة، وقد ألجأتني خطوب الاغتراب واضطرتني شؤون السفر الذي هو قطعة من العذاب إلى التقلُّب في قوالب الاكتساب، والتلبُّس بتلبيس الانتساب، وأخفي معالم المجيء والذهاب»(4) . ثم عاد إلى القاهرة بعد أن حصل الأمن، واتصل بناس من الفرنسيين، فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم، ويفيدهم اللغة العربية(5 ) . وبهذا جمع الشيخ الإمام حسن العطار -رحمه الله- بين الثقافة الغربية والثقافة العربية الإسلامية، واستفاد من خبراته العديدة والأحداث المثيرة -التي أصابت وحلت بالبلاد- أعظم استفادة، ولا شيء يُكَوِّن الرجال مثل مقاساة الشدائد واحتمال النكبات ومصارعة الأهوال. ثم أضاف إلى هذا رحلاته العديدة إلى الخارج، فقد أتقن اللغة التركية، وألمَّ بالفرنسية، واختلط بكثير من العلماء النابهين من عرب وأتراك وفرنسيين، فزادت ثروته الثقافية نماء واتِّساعًا وعُمقًا. أما سبب رحلاته الخارجية فنرجح أنه راجع إلى طغيان الفرنسيين وجبروتهم وتنكيلهم بالشعب، بعد أن تعددت ثوراته ضدهم، فهاجر الشيخ الإمام إلى مكة للحج، ثم سافر منها إلى معان، ثم الخليل فالقدس بفلسطين، ورحل إلى الشام، فأقام بدمشق في المدرسة البدرية، ثم رحل إلى ألبانيا حيث استقر بمدينة أشكور مدة، وأخيرًا عاد إلى القاهرة بعد جلاء الفرنسيين عنها، فلفت إليه الأنظار لتنوع ثقافته وتعدد مواهبه، فقد كان متعمقًا في العلوم الدينية واللغوية، وكان عالما فلكيًّا ورياضيًّا، وكان إلى هذا أديبًا وشاعرًا معدودًا في طليعة الأدباء والشعراء في عصره، ولهذا عهد إليه بإنشاء جريدة الوقائع المصرية والإشراف على تحريرها، فكانت فرصة لإظهار آثاره النثرية وروائعه الشعرية، وكانت الوقائع المصرية منبرًا أعلن فوقه آراءه في الدعوة إلى التجديد في مناهج التربية والتعليم، وإلى مناداته بإدخال العلوم الحديثة، والعلوم المهجورة بالأزهر إلى مناهجه. فطالب بدراسة الفلسفة، والجغرافيا، والتاريخ، والأدب، والعلوم الطبيعية، كما طالب بالرجوع إلى أمهات الكتب العلمية، وعدم الاقتصار على المتون والحواشي المتأخرة، كما نادى بالإفادة من أئمة العلماء القدماء وعدم الاقتصار على العلماء المتأخرين القائمين بالتقليد والمحاكاة. هذه النصيحة الجادة المبكرة تلقفها بعد الشيخ الإمام تلميذه النجيب الشيخ محمد عياد الطنطاوي، وتلميذه العلامة رفاعة الطهطاوي، وما زال العلماء الأعلام يتلقفونها جيلا بعد جيل حتى آتت أكلها وأثمرت أينع الثمار في العصر الحديث، والفضل للرعيل الأول من زعماء العلماء الأعلام. وكان شعار الشيخ الإمام قوله: إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها، ولم يكن شعارًا نظريًّا فحسب، بل طبقه تطبيقًا علميًّا، فدرَّس وألَّف في فنون شتى لم تكن مطروقة في عهده، ثم وجَّه تلاميذه إلى التجديد فيما يعالجونه من أبحاث ودراسات حتى ولو كانت تتناول موضوعات قديمة، فقد نجح في إدخال الدراسات الأدبية بالأزهر على يدي تلميذه محمد عياد الطنطاوي، وهو الذي أشار بإرسال تلميذه النجيب رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، وهو الذي وجهه وأرشده إلى استيعاب ما يمكن استيعابه من آثار الحضارة الفرنسية، وأشار عليه بتدوين كل ما يشاهده أو يعرفه أو يسمع عنه فكانت نتيجة التوجيهات أن ألَّف الطهطاوي كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز). وقد أحبَّ الشيخ تلميذه رفاعة الطهطاوي حبًّا كبيرًا؛ لما آنسه فيه من الذكاء والنجابة فقربه إليه وأحاطه برعايته، وكان رفاعة يتردد على بيت شيخه يقرأ عليه بعض كتب العلوم الحديثة، وكان يتلو على شيخه ما نظمه من قصائد شعرية، فيلقى منه التشجيع وحسن التوجيه. وهكذا كان الشيخ يرعى تلاميذه النابهين، ولم يكن يكتفي بالتوجيه والإرشاد، بل كان يعطي القدوة من نفسه، فاشتغل بالآداب شعرًا ونثرًا، وصنَّف فيها كثيرًا من روائع الشعر وفصول النثر والمقامات، وألَّف في المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة، وقام بتدريس الجغرافيا والتاريخ بالأزهر وخارج الأزهر، وكان يتناول الموضوعات القديمة بأسلوب جديد مشوق، فقد لاحظ أن تفسير البيضاوي كاد يكون مهجورًا في الأزهر، فقام بقراءته والتعليق عليه بطريقة مشوقة جذبت إلى حلقته كثيرًا من العلماء والطلبة، فكان إذا بدأ درسه ترك كبار العلماء حلقاتهم وأقبلوا عليه مستزيدين من علمه الفيَّاض، ودفع تلميذه الأديب محمد عياد الطنطاوي ليشرح مقامات الحريري بأسلوبه الأدبي البليغ، كما دفع تلميذه الطهطاوي لتدريس الحديث والسُّنَّة بطريق المحاضرات دون التقيد بكتاب خاص أو نص معروف، فكان ذلك مثار إعجاب العلماء.أخـــلاقــه:
كان الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- يتمتع بشخصية قوية، وعزيمة ماضية، وأخلاق حميدة، وأدب جم، وتمسك بالحرية، نرى هذا في نشأته حيث رفض الإقامة بالقاهرة حينما عصف بها الفرنسيون فهاجر إلى أسيوط، ثم بعد ذلك هاجر إلى الشام، ثم إلى إسطنبول، ثم إلى ألبانيا، ولم يعد إلا بعد رحيل الفرنسيين عن مصر، وكان الشيخ لبقًا في معاملاته مع الحكام. قال عنه أحمد تيمور باشا: كان الشيخ العطار عالمًا جليلا ذائع الصيت في مصر وسائر الأقطار العربية والشرقية، وأديبًا فريدًا، وشاعرًا مجيدًا، وكان مع ما اتصف به من حميد السجايا طيب الخلال، متواضعًا كريمًا زاهدًا وجيهًا، أينما توجه وحيث أقام. وقد ظهرت آثاره العلمية وشمائله الخلقية في تلاميذه الأعلام أتم ظهور.مؤلفاته:
- حاشية العطار على الجواهر المنتظمات في عقود المقولات، الحاشية للعطار أما الجواهر المنتظمات فهي شرح لعقود المقولات العشر، وكلاهما (أي: المتن
والشرح) للشيخ أحمد السجاعي المتوفى سنة 1197هـ، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (2409).
- حاشية العطار على التهذيب للخبيصي، وهو شرح على تهذيب المنطق والكلام لسعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 793هـ، في علم المنطق، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (2867).
- حاشية العطار على شرح إيساغوجي في المنطق لأثير الدين المفضل بن عمر الأبهري المتوفى سنة 632هـ، مطبوع.
- حاشية العطار على شرح العصام على الرسالة العضدية، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (5984 هـ).
- حاشية العطار على كتاب نيل السعادات في علم المقولات، لمؤلفه محمد بن محمد البليدي، المعروف بالشريف البليدي، المتوفى سنة 1176هـ.
- رسالة تتعلق بموضوع علم الكلام، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (3854ج).
- رسالة أخرى في علم الكلام، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (25816ب).
- حاشية العطار على شرح الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري لكتاب قواعد الإعراب لابن هشام، وقد طُبِعت هذه الحاشية.
- حاشية أخرى على شرح الشيخ خالد الأزهري على متن الآجرومية، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (4876هـ).
- شرح السمرقندية في علم البيان، ومنها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (5255هـ).
- منظومة العطار في علم النحو، نظمها كما جاء في ختامها سنة 1202هـ، أولها: بحمدك يا مولاي أبدأ في أمري ومنك أروم العون في كل ذي عسر
وأبياتها خمسون بيتًا، وقد طبعت مع مجموعة (أمهات المتون) وشرحها تلميذه الشيخ حسن قويدر الخليلي المتوفى سنة 1262هـ.
- إنشاء العطار في المراسلات والمخاطبات وكتابة الصكوك والشروط مما يحتاج إليه الخاص والعام.
- ديوان العطار، وقد أورد الجبرتي مختارات عديدة منه في كتابيه (عجائب الآثار)، و(مظهر التقديس) كما أورد علي باشا مبارك طائفة مختارة منه.
- مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس، اقتبس منه الجبرتي كتابه المعروف بهذا الاسم.
- رسالة في كيفية العمل بالأسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب والبسائط -وهي آلات رصد فلكية- ذكر هذه الرسالة علي باشا مبارك في ترجمته للمؤلف في الخطط التوفيقية.
- رسائل في الرمل والزيراجة والطب والتشريح وغير ذلك.
- جمع وترتيب ديوان ابن سهل الأندلسي.
- شرح كتاب الكامل للمبرد، أشار إليه المؤلف في قصيدته الطائية في وصفه لجمال الطبيعة بدمشق.
- ثلاث مقالات طبية في الكي والفصد والبط(6) أشار إليها المؤلف في وصف قصيدته الطائية في وصفه لجمال الطبيعة بدمشق، وهذه المصنفات الثلاثة الأخيرة ذكرها المؤلف في قصيدتها الطائية حيث قال:
وعندي من التأليف شيء وضعته على شرح قانون الحفيد أخي السبط
ثلاث مقالات كبار وضعتها لتعريف حال الكي والفصد والبط
وجزء على كل شرح المبرد كامل أُبيِّن فيه غامض النص بالقط
وألفت في علم الجراح نبذة لتعريف أكل الفول بالقطع والحط*
ولعل للشيخ الإمام آثارًا أخرى طواها النسيان، أو تبددت مع ما تتبدد من الآثار.
ولايته للمشيخة:
وقد نال الشيخ حسن العطار -رحمه الله- شهرة ذائعة حتى قبل ولايته لمشيخة الأزهر، ولما خلا منصب شيخ الأزهر سنة 1246هـ كان هو المرشح البارز
لهذا المنصب، فولاه محمد علي هذا المنصب الكبير لثقته التامة به، ولما يتمتع به من علم غزير وأدب جم، وثقافة عميقة، وبلاغة مرموقة، فظل شيخًا
للأزهر حتى توفي.وفاته:
لهذا المنصب، فولاه محمد علي هذا المنصب الكبير لثقته التامة به، ولما يتمتع به من علم غزير وأدب جم، وثقافة عميقة، وبلاغة مرموقة، فظل شيخًا
للأزهر حتى توفي.وفاته:
توفي الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- سنة 1250هـ في القاهرة، بعد أن ملأ العقول والأسماع بآثاره الأدبية والعلمية، وبعد أن ربَّى طائفة مرموقة
من كبار العلماء والباحثين.مصادر ترجمته:
من كبار العلماء والباحثين.مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثنى عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأعلام للزركلي 2/220.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي 2/35 -40.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي ص 138.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم 1/211- 227.
- مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس للجبرتي ص250.
----------------------
(1)الغين بحساب الجُمَّل تعادل (1000)، والراء (200)، والباء (2)، فيكون
المجموع 1202هـ. وحساب الجُمَّل: طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام
الحروف الأبجدية، حيث يعطى لكل حرف رقم مُعيَّن يدلُّ عليه، فكانوا من تشكيلة
هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما تعنيه من تاريخ مقصود وبالعكس كانوا
يستخدمون الأرقام للوصول إلى النصوص.
(2)أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، أحمد تيمور ص 2.
(3)في الأدب الحديث، عمر الدسوقي 1/46، 47.
(4)مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس ص 314.
(5)كنز الجوهر ص 139.
(6)وهي طرق علاجية.
- الأعلام للزركلي 2/220.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي 2/35 -40.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي ص 138.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم 1/211- 227.
- مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس للجبرتي ص250.
----------------------
(1)الغين بحساب الجُمَّل تعادل (1000)، والراء (200)، والباء (2)، فيكون
المجموع 1202هـ. وحساب الجُمَّل: طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام
الحروف الأبجدية، حيث يعطى لكل حرف رقم مُعيَّن يدلُّ عليه، فكانوا من تشكيلة
هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما تعنيه من تاريخ مقصود وبالعكس كانوا
يستخدمون الأرقام للوصول إلى النصوص.
(2)أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، أحمد تيمور ص 2.
(3)في الأدب الحديث، عمر الدسوقي 1/46، 47.
(4)مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس ص 314.
(5)كنز الجوهر ص 139.
(6)وهي طرق علاجية.
الإمام شيخ الأزهر محمد الخضر حسين (1293 هـ /1876م - 1377هـ/1958م) عالم تونسي المولد جزائري الأصل تولى مشيخة الأزهر من 1952 - 1954.
واسم الشيخ هو محمد الأخضر بن الحسين بن علي بن عمر، فلما جاء إلى الشرق حذف "بن" من اسمه على الطريقة المشرقية، وغلب عليه الخضر عوضًا عن الأخضر، ونشأ الشيخ في أسرة علم وأدب من جهتي الأب والأم، وكانت بلدة نفطة بتونس، التي ولد فيها موطن العلم والعلماء، حتى إنها كانت تلقب بالكوفة الصغرى، وبها جوامع ومساجد كثيرة، وهي واحة بها زرع وفيها فلاحون.
ولما حفظ الشيخ القرآن الكريم وهو صغير وبرع في علوم المعقول والمنقول تولى عدد من المناصب في بلاده تونس وهي:
1- توليه منصب القضاء: تولى منصب القضاء في بلدة بنزرت، ولم يكن يريده لكن الشيخ الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور أقنعه بالقبول واشتد عليه فيه، لكنه بقي أشهرًا قليلة ثم استقال، وعاد إلى تونس ليعاود التدريس في الزيتونة، وكان أثناء بقائه في بنزرت مباشرًا الخطابة والتدريس في جامعها الكبير، وكان له فيها دروس شرعية وأدبية.
2- عضوية الجمعية الزيتونية: كان عضوًا في الجمعية الزيتونية التي يرأسها الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور، وهي خاصة بمشايخ جامع الزيتونة، فك الله أسره وأعاد مجده.
3- التدريس في جامع الزيتونة، والقيام على خزانة كتبه.
4- التدريس بمدرسة الصادقية، وكانت الثانوية الوحيدة في تونس.
...........................................................................................
ثم ارتحل الشيخ إلى بلاد الشام فترة، ثم لما سقطت في أيدي الفرنسيين رحل إلى مصر، وفي مصر حصل على عضوية هيئة كبار العلماء برسالته "القياس في اللغة العربية" سنة (1370 هـ= 1950م)، ثم اختير شيخا للأزهر في 26 ذي الحجة 1371هـ/16 سبتمبر 1952م).
ومن المواقف الجليلة للشيخ رحمه الله تعالى، أنه استقال من مشيخة الأزهر في 7 يناير عام 1954 م - 2 من جمادى الأولى 1373هـ احتجاجاً علي إلغاء القضاء الشرعي ودمجه في القضاء المدني...
ومن مؤلفات الشيخ رحمه الله تعالى...
رسائل الإصلاح، وهي في ثلاثة أجزاء.
ديوان شعر "خواطر الحياة".
بلاغة القرآن
أديان العرب قبل الإسلام
تونس وجامع الزيتونة
تونس، 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي 1881-1948
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
دراسات في العربية وتاريخها
الرحلات
الحرية في الإسلام
الخيال في الشعر العربي.
آداب الحرب في الإسلام.
تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي.
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم
نقض كتاب في الشعر الجاهلي
توفي رحمه الله وغفر له في 13 رجب 1377 هـ /28 فبراير 1958م..
nواسم الشيخ هو محمد الأخضر بن الحسين بن علي بن عمر، فلما جاء إلى الشرق حذف "بن" من اسمه على الطريقة المشرقية، وغلب عليه الخضر عوضًا عن الأخضر، ونشأ الشيخ في أسرة علم وأدب من جهتي الأب والأم، وكانت بلدة نفطة بتونس، التي ولد فيها موطن العلم والعلماء، حتى إنها كانت تلقب بالكوفة الصغرى، وبها جوامع ومساجد كثيرة، وهي واحة بها زرع وفيها فلاحون.
ولما حفظ الشيخ القرآن الكريم وهو صغير وبرع في علوم المعقول والمنقول تولى عدد من المناصب في بلاده تونس وهي:
1- توليه منصب القضاء: تولى منصب القضاء في بلدة بنزرت، ولم يكن يريده لكن الشيخ الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور أقنعه بالقبول واشتد عليه فيه، لكنه بقي أشهرًا قليلة ثم استقال، وعاد إلى تونس ليعاود التدريس في الزيتونة، وكان أثناء بقائه في بنزرت مباشرًا الخطابة والتدريس في جامعها الكبير، وكان له فيها دروس شرعية وأدبية.
2- عضوية الجمعية الزيتونية: كان عضوًا في الجمعية الزيتونية التي يرأسها الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور، وهي خاصة بمشايخ جامع الزيتونة، فك الله أسره وأعاد مجده.
3- التدريس في جامع الزيتونة، والقيام على خزانة كتبه.
4- التدريس بمدرسة الصادقية، وكانت الثانوية الوحيدة في تونس.
...........................................................................................
ثم ارتحل الشيخ إلى بلاد الشام فترة، ثم لما سقطت في أيدي الفرنسيين رحل إلى مصر، وفي مصر حصل على عضوية هيئة كبار العلماء برسالته "القياس في اللغة العربية" سنة (1370 هـ= 1950م)، ثم اختير شيخا للأزهر في 26 ذي الحجة 1371هـ/16 سبتمبر 1952م).
ومن المواقف الجليلة للشيخ رحمه الله تعالى، أنه استقال من مشيخة الأزهر في 7 يناير عام 1954 م - 2 من جمادى الأولى 1373هـ احتجاجاً علي إلغاء القضاء الشرعي ودمجه في القضاء المدني...
ومن مؤلفات الشيخ رحمه الله تعالى...
رسائل الإصلاح، وهي في ثلاثة أجزاء.
ديوان شعر "خواطر الحياة".
بلاغة القرآن
أديان العرب قبل الإسلام
تونس وجامع الزيتونة
تونس، 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي 1881-1948
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
دراسات في العربية وتاريخها
الرحلات
الحرية في الإسلام
الخيال في الشعر العربي.
آداب الحرب في الإسلام.
تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي.
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم
نقض كتاب في الشعر الجاهلي
توفي رحمه الله وغفر له في 13 رجب 1377 هـ /28 فبراير 1958م..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق