بتوع التحرير ونواب سميحة
بقلم حمدى قنديل ١٠/ ١٠/ ٢٠١١
بقلم حمدى قنديل ١٠/ ١٠/ ٢٠١١
لم يعد هناك وقت إذا كنا جادين حقاً فى تطهير البلد من أرامل عصر مبارك.. منذ رحيل الطاغية الفاسد فى فبراير، أى منذ ثمانية أشهر، ونحن ننادى بالتطهير.. ومنذ حكومة عصام شرف الثانية فى يوليو، أى منذ ثلاثة أشهر، والحكومة تعد بإصدار قوائم بالذين أفسدوا الحياة السياسية.. ومنذ أيام انتهى الأمر كله أو كاد يوضع مشروع قانون العزل أو الغدر فى الثلاجة.. هذا بالضبط ما يعنيه البيان الذى صدر عن اجتماع الفريق عنان مع بعض الأحزاب فى أول أكتوبر عندما قال إنه تم الاتفاق على «دراسة إصدار تشريع بحرمان بعض قيادات الحزب الوطنى المنحل من مباشرة الحقوق السياسية».
جاء القرار البارد المتلكئ الصدئ فى الوقت الذى واصل فيه أذناب الحزب الوطنى التحدى للثورة علانية بالتحرك على كل الجبهات بسرعة وبجاحة، مستندين إلى تمويل باذخ وتنظيم واسع وشبكة إعلام تديرها أياد خفية وظاهرة.. وهكذا فما كادت تعلن قرارات اجتماع الفريق والأحزاب حتى أعلن «مماليك مبارك» الحرب، لا على الثورة ولكن على الدولة ذاتها.. بعد ٤٨ ساعة من الاجتماع تجمع عدد من النواب المنتمين إلى الحزب المنحل بمقر أحد أحزابهم الجديدة «التى أجازتها حكومة الثورة!» وحرصوا على أن يبلغ خبر اجتماعهم وسائل الإعلام كافة، بل وأصدروا فى نهايته بياناً وجهوه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
يقول البيان إن شرفاء الوطن - هكذا سموا أنفسهم - كانوا قد آثروا الصمت، ولكن «ليعلم الجميع أن صمتهم لم يكن عن ضعف رغم الإهانات التى وجهت إليهم، لكن إيماناً منهم بضرورة الحفاظ على استقرار الوطن».. طيب، ما الذى قرره إذن أولئك الشرفاء الحريصون على استقلال الوطن؟.. جاءت الإجابة بلا مواربة على لسان عدد من المشاركين فى الاجتماع، أنقلها بنص ما نشر فى الصحف ومواقع الإنترنت الإخبارية: «نواب الحزب لن يسمحوا بتطبيق قانون العزل السياسى عليهم»، «إحنا مش هنشيل الليلة لوحدنا»، «سنعطى مهلة للمجلس العسكرى وإلا سنضطر للتعامل بالغوغاء»، «فى حالة التصعيد سننظم اعتصامات مفتوحة»، «وضعنا خطة تصل إلى حد اقتحام مقار المحافظات، وإجراء انتخابات فى كل محافظة على حدة، بل إن العائلات والعصبيات فى الوجه القبلى ستقطع الطرق والسكك الحديدية والتليفونات».. هذا بعض ما قاله المشاركون فى الاجتماع، الذين لا يمثلون ثمانية أحزاب رسمية فقسها الحزب المنحل فحسب، بل يعتبرون أنفسهم «النواب الشرعيين حتى الآن، الذين من حقهم التحدث باسم الشعب».
إلى هذا الحد وصلت الصفاقة، بل وصل التحدى والتآمر، كأنما لم تشتعل فى البلد ثورة، كأنما لم يسقط مبارك، كأنما لم يحل الحزب الوطنى، كأنما لم يودع بعض رموز عهد القمع والفساد فى السجون ويساق آخرون إلى المحاكم.. فى وضح النهار يجمع الفلول صفوفهم، ويعلنون أنهم يحشدون ٢٥٠ من النواب السابقين لينفذوا خطتهم لاستعداء قبائل الصعيد ضد الدولة، وفصل الصعيد عن مصر..ومن الذى يتصدر الحشد؟.. أبشروا يا أبناء مصر، إنه نبيل لوقا بباوى، لواء الشرطة السابق، وكيل لجنة الثقافة والإعلام فى مجلس الشورى.. «بباوى» الذى لا نذكر له موقفاً تحت قبة البرلمان سوى بكائه عندما كان مبارك يعالج فى الخارج وهو يطالب البابا وشيخ الأزهر بأن يصليا من أجل الرئيس «الذى وصل عدله إلى عدل الخليفة عمر بن الخطاب»، ويتذكر له آخرون لافتاته المأثورة التى رفعها فى شوارع العاصمة ومنها «٦ ملايين مسيحى يؤيدون الرئيس» أو أقواله المأثورة التى تزعم بها بطانة النفاق، عندما كرر الدعوة لمنح جائزة نوبل للسلام لسوزان مبارك التى «دخلت قلوب جميع المصريين بالعمل الدؤوب لخدمة المجتمع»، وعندما شهد بأنه «قرأ فى تاريخ مصر كله عهداً وراء عهد فوجد أن الشعب المصرى لم يتعلق بحب أسرة حاكم على مر عصوره الطويلة كما تعلق بحب أسرة الرئيس حسنى مبارك»!
بباوى هذا هو الذى يقود حملة عودة «الوطنى» المنحل إلى مجلس الشعب، يشاركه فى ذلك لواء شرطة آخر كان نائباً لسوهاج هو حازم حمادى.. ذلك هو اسمه فى شهادة الميلاد، لكن الاسم الذى عرف به طوال سنوات عمله فى مباحث أمن الدولة هو طارق ممتاز، حيث كان ممتازاً بالفعل بين الضباط الذين مارسوا التعذيب فى الثمانينيات والتسعينيات عندما كان رئيس المكتب المختص بمتابعة اليسار المصرى، فهو الذى قام بتعذيب بطل تنظيم «ثورة مصر» محمود نور الدين، وهو الذى عذب أيضاً العديد من نشطاء حقوق الإنسان، مثل حافظ أبوسعدة ومحمد زارع، وكوفئ على ذلك فيما بعد بتعيينه وكيلاً للجنة حقوق الإنسان فى مجلس الشعب.. بطل التعذيب حامى حقوق الإنسان ارتبط اسمه فى مجلس الشعب بواقعة فاضحة، فبعدما فاز بعضوية المجلس فى عام ٢٠٠٠ عاد ورشح نفسه فى ٢٠٠٥ إلا أنه خسر الانتخابات أمام النائب الإخوانى مختار البيه، وعندما قضت محكمة النقض ببطلان عضوية البيه شأنه شأن عشرات آخرين لم يلتفت المجلس بين هذه الأحكام إلا لحكم البيه وحده فأسقط عضويته فى ٤٨ ساعة فى سابقة لم يشهدها المجلس من قبل، ودخل حمادى المجلس بعد ثلاث سنوات من افتتاح الدورة، ثم فاز مرة ثالثة بعضوية المجلس بالتزكية فى أشهر انتخابات مزورة فى نهاية ٢٠١٠، وعندما علق مبارك وقتها على قيام البرلمان الموازى بجملته الشهيرة «خليهم يتسلوا» اقتفى أثره حمادى فوصف البرلمان بأنه «فقاعة إعلامية»، لكن لم تمض أسابيع حتى انفجرت فقاعة نظام مبارك ذاتها.
حسناً فعل «بباوى» ورفيقه «حمادى» بقيادتهما الحرب على الدولة والثورة.. جميلهما هذا لن ننساه، فهما ينعشان ذاكرتنا كى تظل جرائم مبارك وبرلمانه عالقة بالأذهان فتمنحنا مزيداً من الإيمان بالثورة ومزيداً من الإصرار على سحق مؤامرة الحزب الوطنى المنحل لسرقة البرلمان.. نعم هذا ما سنفعله.. لن نركن إلى الولولة والشكوى، بل سنتصدى لهؤلاء الذين ادعوا تمثيلنا بالبلطجة والتزوير والمال الحرام، وسرقوا ثرواتنا ونهبوا أرضنا بل ووضعوا فى جيوبهم ميزانية علاجنا على نفقة الدولة.. سنتصدى لنواب الدعارة نواب سميحة، ونواب القروض، ونواب الفياجرا، ونواب السيديهات، ونواب القمار، ونواب التجنيد، وأمثال ذلك النائب الذى تفاخر يوماً بوصف نفسه باسم «النائب الصايع»، وأولئك الذين طالبوا تحت قبة البرلمان بإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين الذين نادوا بالحرية والتغيير، ولن ننسى على وجه الخصوص نائب الوطنى السابق العميد هشام الشعينى «واحد آخر من ضباط الشرطة الـ٤٩ الذين دخلوا المجلس الأخير» الذى توعدنا منذ أيام فى المؤتمر الذى عقده مع عصابة الحزب المنحل فى نجع حمادى بأنه «لن يترك البلد لبتوع التحرير»، ولا أولئك الذين هددوا فى المؤتمر بضرب «شوية العيال دول» بالنار إذا تواجدوا فى الدوائر الانتخابية لنواب الوطنى السابقين.
شوية العيال بتوع التحرير سيسحقون كل هؤلاء فى الانتخابات المقبلة، فلو كانت لهم شعبية فى دوائرهم حقاً لما استندوا إلى التزوير، ولو كانوا قادرين على حشد الأنصار لحشدوهم لإنقاذ زعيم عصابتهم المخلوع.. شوية العيال بتوع التحرير لن يقفوا باكين على أرصفة المجلس العسكرى شاكين من تآمر مافيا مبارك على الثورة، فذلك يعطيهم قدراً أكبر من حجمهم بكثير، ولن يكرروا الطلب من المجلس أن يبادر بإصدار قرار العزل، فقد طالبوا مرة أولى وأخيرة بأن ينقذ البلد من بوادر صراع قد يفتك بمصر ذاتها.
المجلس الآن يمكنه إذا أراد تحويل النواب الذين نظموا مؤتمر نجع حمادى إلى النائب العام بتهمة استعداء قبائل الوجه القبلى ضد الدولة والتخطيط لفصل الصعيد عن مصر، ويمكنه، إذا أراد، اتخاذ قرار بعزل نواب الحزب الوطنى ورموز الحزب جميعاً بالاستناد للقانون، ويمكنه إذا أراد تفادى ضياع الوقت فى المحاكم والانتخابات على الأبواب باتباع نصيحة المستشار كمال اللمعى، رئيس محاكم القضاء الإدارى السابق، أن تقدم قيادات الوطنى المنحل للتحقيق أمام النيابة، ويتقرر على الفور عزلهم، حيث يكفى عندئذ أن يكونوا محل شبهة حتى يتم عزلهم احتياطياً.. ويمكن للمجلس فى ظنى، إذا أراد، أن يلجأ إلى حل آخر، وذلك بأن يستند فى قراره إلى حكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطنى، فقد جاء فى حيثيات الحكم أن الحزب هيمن على السلطة، وأنه قيد حرية التعبير، وأنه اعتقل أصحاب الآراء السياسية المخالفة، وأنه ميز بين أفراد الشعب المصرى، وأنه أسند المناصب القيادية فيه وفى الحكومة إلى ذوى النفوذ وإلى المقربين وإلى أصحاب رؤوس الأموال، وأنه أخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وأنه أشاع المحسوبية والواسطة، وأنه اتبع أساليب القمع والتزوير فى الانتخابات.
لاشك أن حزباً ارتكب كل هذه الفواحش يستحق قادته العزل بقرار يصعب التشكيك فى عدالته.. إن أراد المجلس أن يصدر القرار فليصدره، وليصدره فوراً حتى يمكن تنفيذه قبل الانتخابات وإلا أصبح غير ذى معنى، وإن تلكأ وتردد وتراجع، فلتكن المواجهة التى يريدها بباوى و«حمادى» و«الشعينى».. شوية العيال بتوع التحرير أهل لها، ولكن المجلس سيتحمل عواقبها أمام التاريخ.