(قاعدة) الأسباب المشهودة والأسباب الغائبة - [26] التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه - [27] (فائدة) اللذة تابعة للمحبة
[25] (قاعدة) الأسباب المشهودة والأسباب الغائبة
ليس في الوجود من الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير, بل لا يؤثر سبب البتة إلا بانضمام سبب آخر إليه و انتفاء مانع يمنع تأثيره . هذا في الأسباب المشهودة بالعيان , و في الأسباب الغائبة و الأسباب المعنوية كتأثير الشمس في الحيوان والنبات فانه موقوف على أسباب أخر, من وجود محل قابل , أسباب أخر تنضم إلى ذلك السبب . و كذلك حصول الولد موقوف على عدة أسباب غير وطء الفحل, وكذلك جميع الأسباب مع مسبباتها , فكل ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلى غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثيره على غيره إلا الله الواحد القهّار, فلا ينبغي أن يرجى و لا يخاف غيره . و هذا برهان قطعي على أن تعلق الرجاء و الخوف بغيره باطل , فانه لو فرض أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثير لكانت سببته من غيره لا منه , فليس له من نفسه قوة يفعل بها , فانه لا حول ولا قوة إلا بالله فهو الذي بيده الحول كله والقوة كلها , فالحول والقوة التي يرجى لأجلهما المخلوق و يخاف إنما هما لله و بيده في الحقيقة . فكيف يخاف و يرجى من لا حول له و لا قوة , بل خوف المخلوق و رجاؤه بأحد أسباب الحرمان و نزول المكروهة بمن يرجوه و يخافه , فانه على قدر خوفك من غير الله يسلط عليك , و على قدر رجائك لغيره يكون الحرمان , و هذا حال الخلق أجمعه , و ان ذهب عن أكثرهم علما و حالا , فما شاء الله كان و لا بد وما لم يشأ لم يكن و لو اتفقت عليه الخليقة .
[26] التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه
التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه: فأما أعدائه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون} العنكبوت 65 . و أما أولياؤه فينجيهم من كربات الدنيا والآخرة و شدائدها . و لذلك فزع إليه يونس , فنجّاه الله من تلك الظلمات , اقرأ الأنبياء آية رقم 87-88 . و فزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة. ولما فزع إليه فرعون, عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق, لم ينفعه , اقرأ الآية رقم 90-92 من سورة يونس, لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل . هذه سنة الله في عباده . مما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد . و لذلك كان دعاء الكرب * بالتوحيد ودعوة ذي النون* التي ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله كربه بالتوحيد . فلا يلقى في الكرب العظام إلا الشرك و لا ينجي منها إلا التوحيد , فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها و غياثها . و بالله التوفيق .
* دعاء الكرب أخرجه البخاري في الدعوات 11\149 برقم 6345, و مسلم والترمذي و أحمد . عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو عند الكرب يقول : " لا اله إلا الله العظيم الحليم , لا اله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم " .
* وهو سيدنا يونس عليه السلام و الدعاء المقصود هو قوله تعالى { لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } , و قد صح في الحديث عن سعد بن أبي وقّاص قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرّج الله عنه كلمة أخي يونس عليه السلام فنادى في الظلمات : {أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} .
[27] (فائدة) اللذة تابعة للمحبة
اللذة تابعة للمحبة , تقوى بقوتها وتضعف بضعفها , فكلما كانت الرغبة في المحبوب و الشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أتم والمحبة و الشوق تابع لمعرفته والعلم به , فكلما كان العلم به أتم كانت محبته أكمل , فإذا رجع كمال النعيم في الآخرة و كمال اللذة إلى العلم و الحب , فمن كان يؤمن بالله و أسمائه و صفاته و دينه أعرف , كان له أحب , و كانت لذته بالوصول إليه ومجاورته و النظر إلى وجهه و سماع كلامه أتم . و كل لذة ونعيم وسرور و بهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر , فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصيرة مشوبة بالآلام على لذة عظيمة دائمة أبد الآباد ؟ ! و كمال العبد بحسب هاتين القوتين : العلم و الحب , و أفضل العلم العلم بالله , و أعلى الحب الحب له , و أكمل اللذة بحسبهما . و الله المستعان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق