ذكرت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية في تقرير، نشرته، الأحد، حول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهيكله التنظيمي وقياداته، أن من يتابع شبكة الإنترنت والنصوص التي نشرت عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الغامض، يجد أن أغلب قادة التنظيم في العراق وسوريا هم من العرب، بينما معظم العناصر التي تقاتل في صفوفه هم من المقاتلين الأجانب من الولايات المتحدة، وأوروبا، وأستراليا، وأفغانستان، وباكستان، والشيشان والألبان، وأخيرا من كوسوفو، بينهم ألفا مقاتل على الأقل من أصل مغربي يتحدثون الفرنسية، قدموا من فرنسا وبلجيكا، وهناك خمسة من قادتهم يتولون المناصب القيادية.
وأضافت أنه تبين أن «داعش» استقى فكره الشرعي أو التنظير الفقهي التكفيري من أربعة تكفيريين مصريين، منهم قاضي قضاة الدولة أبومسلم المصري، وآخر يعد المرجعية الشرعية والفقهية للتنظيم ومقرب من أبوبكر البغدادي، وهو ضابط شرطة مصري سابق طرد من الداخلية بعد اعتقاله في قضية الجهاد الكبرى عام 1981. وهؤلاء الأربعة لهم باع طويل في المنهج التكفيري وما نتج عنه من عمليات الأسر والذبح وبيع النساء وأسرهن كغنائم حرب.
وهؤلاء المصريون الأربعة هم: حلمي هاشم المكنى بـ«شاكر نعم الله»، وهو من أهل صعيد مصر ومن سكان حي المطرية بشمال القاهرة، وأبومسلم المصري، قاضي القضاة في دولة داعش، وآخر يحمل نفس الاسم «قتل،» وهو القاضي الشرعي لمدينة حلب، وأبوالحارث المصري، بالإضافة إلى أبوشعيب الذي انشق عن التنظيم وكال الاتهامات لـ أبو بكر البغداد،ي زعيم التنظيم، وتراجع عن كثير من فتاواه.
وقد رسخوا فكر أدبيات الذبح التي شاهدناها على شاشات التليفزيون بحق الصحفيين الأجانب وعمال الإغاثة، مثل آلان هينينج الذي لقي حتفه في الآونة الأخيرة.
وكشف خبراء في الحركات الأصولية في العاصمة البريطانية لندن أن قادة التنظيم متأثرون بفكر حلمي هاشم، المكنى بـ عبدالرحمن شاكر نعم الله، وهو خطيب مفوه، له أتباع، اختفى من مصر، ويعد من أعتى غلاة التكفير والخوارج، فهو لا يكتفي بتكفير عموم الشعوب بل إنه يكفر كل من لم يكفرهم ويكفر جميع المقاتلين في العراق وأفغانستان والصومال.
ومن أشهر مؤلفات حلمي هاشم «أهل التوقف بين الشك واليقين»، ويرد فيه على الذين يتوقفون في تكفير الشعوب ولا يحكمون عليهم أيضا بالإسلام، ويجعل تكفير من لم يكفرهم من أصل الدين، ومن توقف في تكفيرهم فهو كافر، لأنه حسب زعمهم، كل الديار الآن دار كفر، والأصل في أهلها الكفر، ومن ثم يعتبر من لم يكفر الكافر أو توقف في تكفيره فقد خالف أصل الدين فهو يكفر، وكذلك من لم يكفره أو توقف في تكفيره فهو كافر.
وحلمي هاشم، بحسب متابعين للحركات الأصولية في لندن، في الأصل ضابط شرطة مصري سابق، وصل إلى رتبة المقدم قبل أن يطرد من الخدمة. وبعد خروجه من السجن درس الشريعة والفقه، وانتهج المذهب التكفيري الذي يؤمن به البغدادي زعيم «داعش» وجماعته.
ويقول ياسر السري، خبير الحركات الأصولية، لـ«الشرق الأوسط»: «حلمي هاشم عبد الرحمن (شاكر نعم الله) هو رأس التكفيريين في مصر ومطور جماعة الشوقيين، أي أنه طور فكر جماعة الشوقيين، وكان يشتغل في مصلحة السجون ثم فصل واعتقل، وهو من مواليد القاهرة في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1952، والتحق بكلية الشرطة في عام 1970، وتخرج في كلية الشرطة عام 1974 ليلتحق بالإدارة العامة للأمن المركزي ضابطا برتبة ملازم، وبعدها بدأ يتجه إلى الغلو في الدين والتطرف».
وعاصر حلمي هاشم خلال هذه الفترة الزمنية قضيتين غاية في الأهمية ضد طائفتين ممن ينتسبون إلى التيار المتشدد الناشئ والمتنامي خلال هذه الحقبة من الزمان، الأولى: قضية الهجوم على الكلية الفنية العسكرية عام 1974، والثانية قضية التكفير والهجرة عام 1977. كما جاءت حادثة ثالثة غاية في الخطورة والأهمية هي قضية الهجوم على الحرم المكي وبيت الله الحرام عام 1978 والاستيلاء عليه من هذه الطائفة التي كان يقودها شخص يدعي أنه المهدي المنتظر ووزيره يُدعى جُهيمان. تلك القضايا الثلاث شكلت نفسية الضابط حلمي هاشم.
وحسب المصادر، كان هناك أحد الدعاة من الشبان يُسمى «عبدالله بن عمر» من منطقة شبرا بشمال بالقاهرة، هكذا اشتهر اسمه في أوساط الشباب، وتمايزت خطبه ودروسه بفقه عقائدي. وقد ركز في دروسه على دعوة نبي الله موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه، وتوسع في شرح معنى معالم العقيدة، مما كان له أبلغ الأثر في نفس الضابط حلمي هاشم، وذلك عام 1979، فبدأ في حضور محاضرات الدكتور جميل غازي - أحد الدعاة - بمسجد العزيز بالله بالزيتون، وانتظم في التعلم منه، وقد صاحب ذلك نقله إلى مديرية أمن قنا مركز قوص، فاستغل وقته في حفظ القرآن الكريم على يد أحد مشايخ مدينة قوص، وهو الشيخ كمال أنيس، فلما قُتل السادات عام 1981 تم نقله إلى مصلحة السجون ليكتشف أن اثنين من أشقائه تم اعتقالهما ضمن حملة الاعتقالات الواسعة التي قام بها النظام آنذاك، ومن ثم تم وضعه تحت رقابة صارمة من الوزارة، إلى أن تم نقله أو انتدابه للعمل بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وبحسب ما هو متوارد عن الأصوليين في لندن، ففي شهر سبتمبر عام 1982 تم اعتقال حلمي هاشم بسبب علاقته بأحد الأشخاص الذين تعرف عليهم بأحد المساجد، حيث صار بينهما نوع من الصداقة، والذي تبين بعد ذلك أنه ينتمي إلى تنظيم الجهاد المصري، ولم يكن يعلم ذلك، وفوجئ بتقديمه للنيابة والمحكمة بتهمة الانتماء لتنظيم الجهاد ومحاولة اغتيال وزير الداخلية «نبوي إسماعيل»، مما كان له بالغ الأثر والمفاجأة على نفسه، فلما تقابل مع هذا الشخص بالنيابة والمحكمة ذكر له أنه ضحى بشخصه المتواضع ليُنقذ الإخوة الذين كانوا سيتعرضون للاعتقال لو لم ينشغل الأمن به.
وضمن قيادات «داعش» من المصريين الفقهاء الشرعيين أيضا (أبومسلم المصري)، وهو القاضي الشرعي العام للتنظيم، وهو صاحب الأحكام التي يَعجب منها الحليم؛ ومنظر الذبح والقسوة بكل مسمياتهما، وهناك آخر يحمل نفس الاسم هو القاضي الشرعي لولاية حلب، وله مكانة خاصة في قلب البغدادي زعيم التنظيم.
أما أبومسلم المصري، بحسب قيادات أصولية في لندن، فهو القاضي العام للتنظيم، وهو صاحب الأحكام العجيبة؛ فهو لا يرى توبة لمرتد ممن سب الذات الإلهية، فيقوم بقتل الساب مباشرة دون استتابة أو النظر في ردته هل هي ردة مغلظة أم لا. ثم إن هذا الرجل منهجهُ العلمي تكفيري، وذلك بشهادة من عرفه وهو الشيخ أبو شعيب المصري الذي كان مسجونا معه في سجون مصر قبل أن ينشق عن «داعش».
ويتساءل ياسر السري: «مصيبة القوم أنهم لم يأخذوا العلم من أهله، بل تطفلوا على بعض الكتب فراحوا يفتون بغير علم فضلوا وأضلوا، فهل يستطيع أبومسلم ذكر مشايخه المعتبرين؟».
ويقول السري، مدير «المرصد الإسلامي» بلندن، وهو هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «يشهد على قلة علم قاضي (داعش) الشرعي، الذي يصدر أحكام الإعدامن ما كان من أحداث خلال المناظرة التي تمت بينه وبين الإخوة التوانسة والمصريين المطالبين بتقديم شرع الله والتحاكم إليه، ومن كان معه من المخالفين له حينما ناظرهم الشيخ أبوشعيب المصري ومن معه، ومنهم أخونا المعتصم التونسي وهو أمير عسكري، وأبوالزهراء، وهو رجل شرعي، وإن لم يكن له الكثير من العلم الشرعي الذي يدعيه أبومسلم ومن معه، وأبوتراب وهو أحد «الإخوة الخيرين» وغيرهم كثير، ضد أبومسلم ومن كان معه، ومنهم أبوالأثير والعراقي والقحطاني وأبوعمار المصري القطبي الثاني، وغيرهم ممن كانوا يرجعون للبحث عن الأدلة في المكتبة الشاملة في الأجهزة المحمولة، فعجبا لمن أراد أن يناظر ويقول لك انتظر حتى آتيك بالدليل من اللاب توب لا من قلبه المكنوز فيه علمه».
في المعتقل، تقابل حلمي هاشم مع جميع من يُمكن تخيلهم من أعضاء الجماعات الأصولية، في تجمعات كثيرة كثيفة بحكم غزارة وجودهم بالمعتقل في هذه الفترة بعد اغتيال السادات، ومن ثم تعرف على جميع الأفكار والحركات التي تنتمي إلى التيار الأصولي وجماعة الدعوة والتبليغ وجماعة الإخوان المسلمين وكثير ممن ينتسبون إلى التكفير بعلم وبغير علم. وهكذا صارت ساحة الجماعات الأصولية جميعها وبتفاصيل أفكارها مكشوفة أمامه، معروضة عليه لينتمي إليها من شاء، والجميع يوجه له الدعوة للانتماء إليهم والتوافق معهم.
وخرج الضابط حلمي من المعتقل بعد ستة أشهر بالتمام والكمال في شهر مارس 1983، وتمت إعادته للعمل بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وبدأ رحلة تحصيله للعلم على النحو الجاد وبلا هوادة في شغف وحرص حقيقي لإدراكه خطورة قضية التوحيد، خاصة مع هذا الكم الهائل من الخلافات الواقع بين الجماعات في كل تفاصيل معالمها، فالتحق بمعهد الدراسات الإسلامية عام 1983، وحصل منه على دبلومة العلوم الإسلامية، ثم تقدم لتمهيدي الماجستير بالمعهد وحصل على تقديرات مرتفعة، وقد ساعده على ذلك أن الإدارة بالهيئة العامة للاستثمار قد تفادت أن يُسند إليه عمل جاد خوفا من ميوله الدينية والسياسية، فتفرغ على مدار هذه السنوات التي قضاها بها للدراسة صباحا ومساء حتى تم فصله عن العمل عام 1986.
وحسب قول هذه المصادر، اهتم حلمي هاشم جدا بدراسة أصول الفقه ودراسة الفقه الجنائي الإسلامي وفقه القضاء فضلا عن دراسة عقيدة التوحيد بأصولها وسننها، كذلك المنهج الحركي لمراحل الدعوة، والذي ما إن تمسكنا به لن نضل، كما اهتم، حسب المصادر في لندن، بالسياسة الشرعية والعلاقة بين الراعي والرعية وتركيب مؤسسات الدولة الإسلامية والمناصب الوزارية بها والتنفيذية وموارد خزانة الدولة وأوجه الإنفاق، وسائر ما تعلق بذلك .
وقالت المصادر إنه بعد فصله من العمل افتتح مكتبة صغيرة في حدائق القبة بالقاهرة، لبيع الكتب الإسلامية. وقد تطور الأمر بعد ذلك إلى طباعة ونشر بعض هذه الكتب إلى جانب توزيعها.
وفي هذه المكتبة، بدأ خطوات الدعوة على نحو واسع بعد أن كان يمارسها على نحو ضيق بمكاتب وزملاء هيئة الاستثمار، وبدأ كثير من الناس يتوافدون على المكتبة لشراء الكتب ومناقشة الأفكار، خاصة ما يتعلق منها بأصول عقيدة التوحيد وما يناقضها، وهكذا صارت هذه المكتبة المتواضعة «منارة الفكر الأصولي» التي يتوافد عليها الشباب والناس من كل البلاد من الداخل ومن الخارج.
وقد كان من القضايا التي نوقشت في تلك الفترة الناقض الثالث من نواقض الإسلام، والولاء والبراء وأصوله، وكيف أن الولاء أصل وشعب كثيرة منها ما هو من جنس الشرك والكفر، ومنها ما هو دون ذلك، وقد كان أحد أبرز من تأثر بهذه الدعوة شوقي الشيخ من الفيوم، لكنه سرعان ما توفاه الله في صدام دام مع السلطة في عام 1990 لطبيعة ما انتهجه في ذلك الحين من الصدام المسلح مع السلطة. ففي عام 1986 اعتقل بسبب قضية حرق نوادي الفيديو.
وفي عام 1987، اعتقل حلمي هاشم بسبب قضية «الناجين من النار» والتعدي علي وزيري الداخلية السابقين نبوي إسماعيل وحسن أبوباشا، وفي عام 1990 اعتقل بسبب مشاكل الجماعات الإسلامية مع الأمن.
وفي عام 1992، اعتقل بسبب مشاكل «إخوان الفيوم» مع الأمن واغتيال أحد ضباط أمن الدولة، وفي عام 1999 اعتقل من جهاز أمن الدولة، وفي 17 من شهر مارس عام 2008 تم الإفراج عنه.