الصفحات

الخميس، 13 أبريل 2017

أزهـار هيليـوجـابـالـوس



للفنان البريطاني لورنـس المـا تـاديمـا، 1888
هذه اللوحة هي ولا شكّ أشهر لوحات لورنس الما تاديما. وهي تحكي عن حادثة وقعت في حياة الإمبراطور الروماني هيليوغابالوس.
اشتهر هذا الامبراطور بغرابة أطواره وبتعصّبه وانحلاله. وكان ينافس نيرون وكاليجولا في الشرّ والرذيلة. وقد ألهمت حياته وشخصيّته عددا من القصائد والروايات واللوحات المشهورة.
كان من عادة هيليوجابالوس أن يقيم في قصره حفلات عشاء يقدّم خلالها صنوف الأطعمة الشهيّة والباذخة. لكن لم يكن ضيوفه يستمتعون بالأكل خوفا ممّا قد يحدث لهم في نهاية العشاء.
واللوحة تصوّر احد تلك الاحتفالات ويظهر فيه ضيوف يحضرون حفل عشاء فاخر في قصر الامبراطور المستلقي على سريره والمحاط بعدد من محظياته ورجال حاشيته، بينما ينهمر من أعلى شلال من أزهار البنفسج وأزهار أخرى.
وباعتبار ما كان لهذا الرجل من سمعة سيّئة في إهانة وتعذيب ضيوفه، يمكن للمرء أن يتخيّل كيف سينتهي هذا الاحتفال. كان بعض الضيوف يُجلدون بالسياط والبعض الآخر يتمّ إغراقهم في الماء بينما الباقون يراقبون ما يحدث بهلع.
وكثيرا ما كان هذا الامبراطور المعتوه يسلّط على ضيوفه بعد أن يفرغوا من تناول العشاء أفاعي سامّة لتقوم بلدغهم وقتلهم أو يطلق عليهم نمورا وأسودا كي تقوم بافتراسهم وهم أحياء.
وكانت صرخات الرجال والنساء يتردّد صداها في الليل في شوارع روما المظلمة تصاحبها ضحكات الامبراطور المجنون الذي كان يستمتع بمشاهدة مناظر الرعب.
الرسّام لورنس الما تاديما كان مشهورا بلوحاته التي تجري أحداثها في الأزمنة القديمة. غير انه رسم أيضا بورتريهات وطبيعة وألوانا مائيّة. وبسبب براعته الفنّية ومعرفته وثقافته الواسعة، كانت لوحاته غالبا ما تعكس إحساسا بالشباب والحيويّة.
كان هذا الرسّام ذو الأصول الهولندية إنسانا متفتّحا وذا شخصية دافئة. كما كان رجل أعمال ناجحا، بل وأحد أثرى الرسّامين في القرن التاسع عشر. وقد عُرف عنه حزمه في المسائل المالية وحرصه على تجويد عمله. كما كان ميّالا إلى المرح وروح الدعابة المهذّبة ومحبّا للنبيذ والنساء والحفلات. وقد شبّهه بعض النقّاد بالأطفال من حيث براءته ومزاجه المتقلّب.
هيليوغابالوس كان اسمه الأصلي سكستوس باسيانوس. وقد أطلق عليه هيليوغابالوس بعد موته. حكم هذا الرجل، المولود في سوريا البعيدة عن مركز الامبراطورية، روما لأربع سنوات من عام 218 إلى 222م وكان عمره وقتها لا يتجاوز الرابعة عشرة. وعُيّن إمبراطورا بعد اغتيال الامبراطور كاراكالا.
وقد اتسم عهده بالفضائح الجنسية والجدل الديني. كما اظهر احتقاره للتقاليد الرومانية الدينية، وذلك عندما أمر بنقل الآثار المقدّسة من دين الرومان من أماكنها ووضعها في معبده بحيث لا يُعبد ربّ سوى آلهته الخاصّة. كما أمر بأن يُختن لكي يصبح الكاهن الأوّل لدينه الجديد.
كان هيليوغابالوس يقدّس حجر نيزك كان يحتفظ به في معبده ظنّا منه أنه مرسل من السماء. وكان من عادته أن يقيم كلّ عام مهرجانا ويضع الحجر على عربة مزيّنة بالذهب والمجوهرات ويطوف به أرجاء المدينة. وكان الناس مسرورين بتلك الطقوس لأنه كان يصحبها توزيع للأطعمة بالمجّان.
تزوّج هيليوغابالوس خمس مرّات واتخذ له أصدقاء ذكورا من داخل القصر. بل يقال انه حوّل نفسه إلى بغيّ ذكر في البلاط. وأشيع ذات مرّة انه عرض مبلغا كبيرا من المال على طبيب إن هو تمكّن من زراعة عضو أنثوي له.
وقد أدّت سلوكياته الغريبة إلى انفضاض مجلس الشيوخ من حوله وكذلك الحرس والناس العاديّين. وبعد أن أكمل عامه الرابع في الحكم نفّذ حراسّه الغاضبون خطة أشرفت عليها جدّته وانتهت بمصرعه. وقُتلت معه والدته ثم قُطع رأساهما وعُرضت جثّتاهما عاريتين على الناس وطيف بهما في شوارع روما.
تجربة هيليوغابالوس الغريبة في الحكم عزّزت شكوك الرومان بأن الرجال الآتين من الشرق إمّا أن يكونوا منحرفين أو شاذّين جنسيّا أو معتوهين وأن أهمّ ما يشغلهم هو أن يغمروا أنفسهم بالعطور وبجيوش من العبيد والمخصيين.
لوحات الفنّان لورنس الما تاديما تغلب عليها صور لنساء في شرفات من المرمر تطلّ غالبا على البحر. ورسمه الشديد الواقعية للرخام استحقّ عليه في ما بعد لقب "الرسّام الرخاميّ". وأعماله، بشكل عام، تُظهر روعة الألوان والتنفيذ التي كانت تميّز الرسّامين الهولنديين الأوائل.
وقد اشتهر الما تاديما أيضا بتصميم الأثاث والقماش. وكان يوظّف لذلك موتيفات مصرية ورومانية. واهتماماته المتنوّعة كانت مؤشّرا على موهبته التي استخدمها بنجاح في لوحاته. كما استخدم تصاميمه في اللباس الذي تظهر به موديلاته.
كان الما تاديما يقرأ كثيرا ويأخذ من الكتب صورا ليرسمها. وقد جمع صورا عديدة من المواقع القديمة التي زارها في ايطاليا واستخدمها بدقّة وبتفاصيل رائعة في بعض لوحاته.
تلقّى الفنّان العديد من الجوائز، كما مُنح درجة دكتوراة فخرية من جامعة أكسفورد وأنعم عليه بلقب فارس. وفي نهاية حياته، قلّ إنتاجه بسبب ضعف صحّته وانشغاله بتزيين بيته الذي انتقل إليه قبل خمس سنوات من وفاته في يونيو 1912م.
الما تاديما، الذي كان عند وفاته احد أشهر رسّامي زمانه، سرعان ما نسيه الناس بحلول نهاية ثلاثينات القرن العشرين، مع ظهور مدارس الفنّ الحديثة كالانطباعية والوحوشية والتكعيبية وغيرها. وبعض النقّاد اليوم ينظرون إلى لوحاته بازدراء ويصفونها بالزخرفية والخالية من أيّ معنى أو مضمون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق