الصفحات

الجمعة، 4 يناير 2013

يدخل فقراء المؤمنين قبل الأغنياء إلى الجنة بخمس مائة عام










صيد الخاطر لابن الجوزي  - بادر بطي صحيفتك







   إنما خلقنا لنحيا مع الخالق في معرفته و محادثته و رؤيته في البقاء الدائم.
   
و إنما ابتدئ كوننا في الدنيا لأنها في مثال مكتب نتعلم فيه الخط و الأدب ليصلح الصبي عند بلوغه للرتب .
   
فمن الصبيان بعيد الذهن يطول مكثه في المكتب و يخرج و ما فهم شيئاً .
   
و هذا مثال من لا يعلم و جوده ، و لا نال المراد من كونه .
   
و من الصبيان من يجمع مع بعد ذهنه ، و قلة فهمه و عدم تعلمه أذى الصبيان ، فهو يؤذيهم ، و يسرق مطاعمهم ، و يستغيثون من يده ، فلا هو صلح ، و لا فهم و لا كف عن الشر .
   
و هذا مثل أهل الشر و المؤذيين .
   
و من الصبيان من علق بشيء من الخط لكنه ضعيف الاستخراج رديء الكتابة ، فخرج و لم يعلق إلا بقدر ما يعلق به حساب معاملته .
   
و هذا مثل من فهم الشيء و فاتته الفضائل التامة .
   
و منهم من جود الخط و لم يتعلم الحساب ، و أتقن الأدب حفظاً ، غير أنه قاصر في أدب النفس .
   
فهذا يصلح أن يكون كائباً للسلطان على مخاطرة لسوء ما في باطنه من الشره و قلة التأدب .
   
و منهم من سمعت همته إلى المعالي الكاملة ، فهو مقدم الصبيان في المكتب ، و نائب عن معلمهم ، ثم يرتفع عنهم بعزة نفسه ، و أدب باطنه ، و كمال صناعة الأدب الظاهرة .
   
و لا يزال حاث من باطنه يحثه على تعجيل التعليم ، و تحصيل كل فضيلة ، لعمله أن المكتب لا يراد لنفسه بل لأخذ الأدب منه ، و الراحلة إلى حالة الرجولية و التصرف ، فهو يبادر الزمان في نيل كل فضيلة .
   
فهذا مثل المؤمن الكامل يسبق الأقران التجاري ، و يعرض لوح عمله جيد الخط ، فيقول بلسان حاله هاؤم اقرؤوا كتابيه .
   
و كذلك الدنيا و أهلها . من الناس هالك بعيد عن الحق ، و هم الكفار .
   
و منهم خاطئ مع قليل من الإيمان ، فهو معاقب ، و المصير إلى خير . و منهم سليم ، لكنه قاصر .
   
و منهم تام ، لكنه بالإضافة إلى من دونه ، و هو ناقص بالإضافة إلى من فوقه .
   
فالبدار البدار يا أرباب الفهوم ، فإن الدنيا معبر إلى دار إقامة ، و سفر إلى المستقر و القرب من السلطان و مجاورته ، فتهيئوا للمجالسة ، و استعدوا للمخاطبة ، و بالغوا في استعمال الأدب ، لتصلحوا للقرب من الحضرة .
   
و لا يشغلكم عن تضمير الخيل تكاسل ، و ليحملكم على الجد في ذلك تذكركم يوم السباق .
   
فإن قرب المؤمنين من الخالق على قدر حذرهم في الدنيا .
   
و منازلهم على قدر ، فما منزل النفاط كمنزل الحاجب ، و لا منزل الحاجب كمكان الوزير .
   
جنتان من ذهب ، آنيتهما و ما فيهما . و جنتان من فضة ، آنيتهما ، و ما فيهما ، و الفردوس الأعلى لآخرين .
   
و الذين في أرض ينظرون أهل الدرجات كما يرون الكوكب الدري ، فليتذكر الساعي حلاوة التسليم إلى الأمين .
   
و ليتذكر في لذاذة المدح يوم السباق . و ليحذر المسابق من تقصير لا يمكن استدراكه .
   
و ليخف من عيب يبقى قبح ذكره .
   
هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن ، أزرى بهم اتباع الهوى ، ثم لحقتهم العافية فنجوا بعد لأي ، فليتعظ و ليصبر عن المشتهي ، فالأيام قلائل .
    
يدخل فقراء المؤمنين قبل الأغنياء إلى الجنة بخمس مائة عام ، فالجد الجد ، بإقدام المبادرة .
   
فقد لاح العلم خصوصاً لمن بانت له بانة الوادي ، إما بالعلم الدال علىالطريق ، و إما بالشيب الذي هو علم الرحيل ، و هو ما يأمله أهل الجد .
   
و كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه ، فيقال له في هذا الوقت ! فيقول : [ أبادر طي صحيفتي  . [
   
و بعد هذا ، فالمراد موفق ، و المطلوب معان . و إذا أرادك لأمر هيأك له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق