الصفحات

الأحد، 9 ديسمبر 2012

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل - ابو العلاء المعري





ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل **** عفاف وإقدام وحزم ونائل 

أعندي وقد مارست كل خفية
**** يصدق واش أو يكذب سائل 

تعد ذنوبي عند قوم كثيرة 
**** ولا ذنب لي الا العلا والفضائل 

كأني إذا طلت الزمان وأهله 
**** رجعت وعندي للأنام طوائل 

وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم 
**** بإخفاء شمس ضوؤها متكامل 

يهم الليالي بعض ما أنا مضمر
 **** ويثقل رضوى بعض ما أنا حامل 

وإني وان كنت الأخير زمانه 
**** لآت بما لم تستطعه الأوائل 

وأغدو ولو كان الزمان صوارم
 **** وأسري ولو كان الظلام جحافل 

وإني جواد لم يحل لجامه
 **** وسيف يمان أغفلته الصياقل 

فإن كان في لبس الفتى شرف له 
**** فما السيف إلا غمده والحمائل 

ولي منطق لم يرض لي كنه منزلي 
**** على أنني بين السماكين نازل 

لدى موطن يشتاقه كل سيد 
**** ويقصر عن إدركه المتناول 

ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا 
**** تجاهلت حتى ظن أني جاهل 

فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص
 **** و واأسفا كم يظهر النقص فاضل 

وكيف تنام الطير في وكناتها 
**** وقد نصبت للفرقدين الحبائل 

ينافس يومي في أمسي تشرفا 
**** وتحسد أسحاري عليّ الأصائل 

وطال اعترافي بالزمان وصرفه
 **** فلست أبالي من تغول الغوائل 

اذا وصف الطائي بالبخل مادر
 **** وعير قسا بالفهاهة باقل 

وقال السهى للشمس أنت ضئيلة
 **** وقال الدجى للصبح لونك حائل 

وطاولت الأرض السماء سفاهة
 **** وفاخرت الشهب الحصى والجنادل 

فيا موت زر إن الحياة ذميمة 
**** ويا نفس جدي ان دهرك هازل 

أليس الّذي قادَ الجيادَ مُغِذّةً ،
 **** رَوَافِلَ في ثَوْبٍ ، من النَّقْعِ ، ذائلِ 

يَكادُ يُذيبُ اللُّجْمَ تأثيرُ حِقْدِها ،
 **** فيمْنعُها ، من ذاكَ ، بَرْدُ المَناهل 

وما وَرَدَتْها مِنْ صَدىً ، غيرَ أنّها
 **** تُريدُ بوِرْدِ الماء حِفْظَ المَساحِل 

وعادتْ كأنّ الرُّثْمَ ، بَعْدَ وُرُودِها ،
 **** أُعِرْنَ احمرارَ الأفْقِ ، فوْقَ الجَحافل 

ومَهما يكُن يحْسبْهُ حَثّاً على النّدى ،
**** فيَغْدُو على أمْوالِه بالغَوائل 

فما ناحَ قُمْريٌّ ، ولا هَبّ عاصفٌ
 **** من الرّيحِ ، إلاّ خالَه صَوْتَ سائِل 

أطاعَكَ هذا الخَلْقُ خوْفاً وَرَغْبةً ؛
 **** فَوَا عَجَبا مِن تَغْلِبَ ابْنَةِ وائل 

أكانَ لها ، في غير عدنانَ ، نِسْبَةٌ ،
 **** فتَأمُلَ أنْ تَعصيكَ دونَ القَبائل ؟ 

بدَوْسَرَ جاوَرْتَ الفُراتَ ، مُكَرَّماً
 **** كأنَّكَ نَجْمٌ في عُلوِّ المَنازِل 

فزَيّنْتُماها في البلاد ، وزادَها
 **** أحَقُّكما بالفَضْل مِن كلّ فاضل 

إذا عُدّ خَلْخالاً لها ، كنتَ تاجها ،
 **** ولم تَزَلِ التّيجانُ فوْقَ الخَلاخِل 

لأمْرٍ أُحِلّ الزُّجُّ في عَقَبِ القَنا
 **** ورُفّعَتِ الخِرْصانُ فوْقَ العَوامل 

تَنَازَعَ فِيكَ الشّبْهَ بَحْرٌ وديمةٌ ،
 **** ولسْتَ إلى ما يَزْعُمانِ بمائل 

إذا قيلَ بحْرٌ ، فهْوَ مِلْحٌ مُكَدَّرٌ ؛
 **** وأنتَ نَميرُ الجود ، عَذْبُ الشّمائل 

ولستَ بغَيْثٍ ، فوكَ للدُّرّ مَعْدِنٌ ،
 **** ولم نُلْفِ دُرّاً في الغُيوثِ الهوَاطل 

إذا ما أخَفْتَ المَرْءَ جُنّ ، مَخافةً ،
 **** فأيْقَنَ أنّ الأرضَ كِفّةُ حابِل 

يَرى نفْسَه ، في ظِلّ سيْفِكَ ، واقفاً ،
 **** وبَيْنَكُما بُعْدُ المَدى المُتطاول 

يَظُنّ سَنيراً ، مِن تَفاوُتِ لَحْظِه ،
 **** ولُبْنَانَ ، سارَا في القَنا والقَنابل 

إذا أجَأٌ وافَى يُجَدِّدُ عَهْدَهُ
 **** بنا ، أمْ تُراها زَوْرَةً مِن مُواسِل ؟ 

أتَتْنا ، من الأتْراكِ ، أعْلامُ طَيّءٍ،
 **** تَقُودُ من السّودانِ حَرّةَ راجِل 

وجاشتْ ، من الأوْزاع ، رَملةُ عالِجٍ ،
 **** وما شئتَ من صُمّ الحَصى والجنادل 

وهَيْهاتَ هيهاتَ ! الجِبالُ صَوامِتٌ ،
 **** وهذا كثِيرُ النُّطْقِ ، جَمُّ الصّواهِل 

وإنْ رَكبوا الجُرْدَ العِتاقَ لغارَةٍ ،
 **** بَدَوْا ، في وثاقٍ ، ركْبَ نوقٍ وَجامل 

فكم فارسٍ عَوّضْتَه ، مِن جَوادِه ،
 **** بأثْمَنَ ، إلاّ أنه غيرُ صاهِل 

إذا الناسُ حَلّوْا شِعْرَهم بنشيدِهمْ ،
 **** فدُونَكَ مِنّي كلَّ حَسناءَ عاطِل 

ومَن كان يَسْتدعي الجَمالَ بحِلْيةٍ ،
 **** أضَرّ به فَقْدُ البُرَى والمَراسِل 

كأنّ حَرَاماً أنْ تُفارقَ صارماً ،
 **** يَكُونُ لِما أضْمَرْتَ أوّلَ فاعل 

فمِن صارِمٍ بالكفّ ، يُحمَلُ ، كلِّها ؛
 **** ومِن صَارمٍ يَختَصّ بعْضَ الأنامل 

فمَقْبِضُ هذا السيْفِ دونَ ذُبابهِ ؛
 **** ومَقْبِضُ ذاكَ السْيفِ دونَ الحمائل 

فَلْتَ اللّيالي سامحَتْني بِنَاظِرٍ
 **** يَراكَ ، ومَن لي بالضّحى في الأصائل 

فلو أنّ عَيْني مَتّعَتْها ، بنظْرةٍ ،
 **** إليكَ ، الأماني ، ما حَلُمْتُ بِغائل 

حُسامُكَ للأعْمارِ أبْرَى من الرّدى ؛
 **** وعَفْوُكَ للجاني أعَزُّ المَعاقِل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق