الصفحات

السبت، 15 ديسمبر 2018

قصص ونوادر "أشعب الأكول" أطرف متطفل على موائد العرب



من منا لم يسمع بأشعب، هذه الشخصية التي ارتبطت في أذهان الناس بالشره والطمع وحب الطعام، حيث يوصف كل من يأكل بطريقة غير عادية وبنهم كبير بأنه مثل أشعب.
ومثل كثير من الشخصيات التي عاشت في الذاكرة الشعبية العربية لقرون، فإن أشعب رغم أنه يعود إلى شخص حقيقي، إلا أنه اكتسب العديد من التخييلات، وتمت الإضافة والحذف لقصصه وسيرته، بحيث أصبح أقرب للأسطورة منه للشخص الواقعي.
وترتبط حكايات وقصص أشعب بين الفكاهة والسخرية من الطمع وحب #الأكل_الفائض، إلا أنها في الآن نفسه تشير إلى الحياة الاجتماعية في العصر العباسي بشكل عام، وإلى عصور لاحقة، بحيث إنها تحفر بعيدًا في الذهنية وأنماط السلوك الاجتماعي في موضوع الشراهة والطمع ونقد الطماعين.

من هو أشعب؟

تعود شخصية أشعب وقيل شعيب إلى رجل يدعى #أشعب_بن_جبير، تذهب بعض الروايات إلى أنه ولد سنة 9 هجرية، وكان أبوه – في الغالب - من موالي عثمان بن عفان، وقد عاش إلى أيام خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين الذي حكم في الفترة من 158 إلى 169هجرية، ولكن الروايات تتعدد بأنه كان مولى #عثمان أو سعد بن العاص والزبير بن العوام وآخرين.
وهذا لو صدقت رواية مولده، فيعني هذا أن أشعب عاش ليس أقل من 150 سنة، وهو أمر مبالغ فيه، ما يعني أن تاريخ ميلاده قد يكون متأخرًا بعض الشيء، وبالتحديد في خلافة عثمان تقريبًا حوالي 35 هجرية.
وقد تربى على يد عائشة بنت #عثمان_بن_عفان، ويروى أنه تأدب على يدها وتعلم #علوم_الدين، ولكن فيما بعد فإن هزل وظرف أشعب صرف الناس عن الأخذ به في مسائل الدين والحديث.
ونقل أنه كان طيب العشرة، يحسن القراءة، وكان شديد الذكاء، وفي شأن نوادره فالواقع أنها يختلط فيها الخيال بالواقع، وتم الكثير من التحريف فيها، برغم أن الصورة العامة التي هيمنت في كتب التراث أنه رجل حريص وصاحب نكتة.
كذلك عرف أنه كان حسن الصوت وكان يجيد الغناء، بل يتكسب منه، وقد مزج دعابته بروح المُغني، وإن كان يميل أيضا للتطفل لشدة طمعه ما جعله مضرب مثل في ذلك، وقد ذكر في كتاب "أمثال العرب للميداني القول: "أطمع من أشعب".

تنقلاته.. وأُثره

على مدى السنين، فقد ذاع صيت أشعب واكتسبت شخصيته انتشارًا في المجتمعات المختلفة التي وصل إليها العرب والمسلمون، حيث وصل أثره إلى بلاد فارس وظهر أثره في الأدب الفارسي.
وقد قدم إلى بغداد للإقامة بها أيام الخليفة العباسي الثاني أبوجعفر المنصور، لكنه تنقل في العديد من مدن الحجاز والعراق، وبعد أن أقام لفترة ببغداد عاد إلى المدينة حيث توفي بها أول سنوات خلافة المهدي على الأرجح.
وتجمع بعض القصص بين أبوجعفر المنصور وأشعب، الذي اعتبره بعض المؤرخين أنه كان يلعب مهرج القصر من خلال دوره التطفلي، ومثل هذه الشخصيات تعمل على تسلية الحاكم وصنع البهجة للمجالس.
وإذا ذكر العصر العباسي، وأخباره، فإن أشعب سوف يعتبر من الشخصيات البارزة في المخيال الجمعي، من خلال قصصه ونوادره المستظرفة، والتي تستقي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الحقبة.
ويعبّر أشعب عن نموذج ما يعرف بالطبقة الوسطى في المجتمع، التي ارتقت عن الفقر ولم تصل إلى مستوى الأثرياء والنخبة المرموقة من رجال السلطة.
ويقال إنه كان خال الشاعر المعروف الأصمعي، الذي وصفه قائلًا: "إني أرى الشيطان ليتمثل على صورتك"، وترد هذه القصة في أن الأصمعي كان قد رأى أشعب وأطعمه هريسًا ومن ثم بعد ساعتين رآه مصفّر الوجه عاصب الرأس.

من طرائفه

يكشف التحليل الدقيق لطرائف أشعب، أنه لم يكن طمّاعًا بالمعنى الحرفي، إنما كان يمارس السخرية ربما من الطمّاعين، في كشف زيف الإنسان الذي يريد أن يأخذ أكثر من حقه أو أن يبالغ له الآخرون بالعطاء.
وإذا ثبت كما جاء في بعض الروايات أن الرجل كان من رواة الحديث، فلا يليق به أن يكون بهذه الشراهة، ويبدو أن الشخصية الأساسية قد اختلطت مع شخصية مخترعة، طغى عليها الجانب الآخر الذي يميل للنكتة.
فمثلًا ورد في إحدى الطرائف أن أشعب "اجتاز يومًا برجل يصنع طبقًا من قش فقال له: زد فيه طورًا أو طورين لعله أن يهدى يوما لنا فيه هدية".
ومثل هذه الطرفة تدل على السخرية وروح الدعابة، ولا تعكس دليلًا على النفس الطماعة، أيضا في قصته التي أوردها الشافعي حيث ذكر "عبث الوِلدان يومًا بأشعب فقال لهم: إن ههنا أناسا يفرقون الجوز - ليطردهم عنه - فتسارع الصبيان إلى ذلك، فلما رآهم مسرعين قال: لعله حق فتبعهم".
ولا يمكن أن يكون أشعب الحقيقي بهذا التغفيل، والغالب أن القصة فيها نوع - أيضا - من السخرية والنقد الاجتماعي الخفي، الذي يشير إلى أن الناس تقوم بصناعة الأوهام والأكاذيب ثم تعمل على تصديقها، بعد أن تراها قد شاعت.
وهذا يجعل من الممكن إعادة النظر في شخصية أشعب كما لو أنه ناقد اجتماعي، وأنه كان يوظّف الاحتكاك المباشر بالناس والسخرية من تصرفاتهم في سبيل أن يوجه رسائل بعينها، لكن ذلك قد لا ينفي حبه للطعام والتباس حياته الغامضة.

الحكيم وأشعب

قام الأديب المصري الراحل توفيق الحكيم، بكتابة عمل أدبي باسم "أشعب"، جمع فيه معظم ما يتعلق بأخبار أشعب "الطفيلي" في كتب التراث العربي، حيث قام بدمجها على حد وصفه "بشكل روائي بسيط غير متكلف، يُشعرك بأن الأحداث التي تضمنتها الرواية وقعت بالفعل بنفس الترتيب الذي جاءت به".
وقد نشرت هذه الرواية لأول مرة سنة 1938 وجاء في غلافها المبتكر صورة لتوفيق الحكيم وهو يمسك بشطيرة وفمه ممتلئ بقطعة منها، كأنه أراد أن يدلل على مضمون الشخصية والكتاب من خلال صورة الغلاف التمثيلية.
والكتاب عبارة عن جولة طريفة في عوالم أشعب، التي يبدو أن الحكيم أخذ الجانب التخييلي منها وحبكها ولم يهتم بأن يبحث عن أشعب الحقيقي، وهذا لطبيعة العمل الروائي، التي لا تبحث عن حقيقة التاريخ بقدر ما توظفه وفق رؤية الكاتب.

أشعب واللوز والفسدق :
دخل أشعب على أمير المؤمنين أبي جعفرٍ المنصور فوجد أميرَ المؤمنين يأكل من طبق من اللوز والفسدق، فألقى أبو جعفر المنصور إلى أشعب بواحدة من اللوز فقال أشعب : يا أمير المؤمنين ثاني اثنين إذ هما في الغار، فألقى إليه أبو جعفر اللوزة الثانية.
فقال أشعب : فعززناهما بثالث، فألقى إليه الثالثة.
فقال أشعب : خذ أربعه من الطير فصرهن إليك، فألقى إليه الرابعة.
فقال أشعب : ويقولون خمسه سادسهم كلبهم، فألقى إليه الخامسة والسادسة.
فقال أشعب : ويقولون سبعه وثامنهم كلبهم، فألقى إليه السابعة والثامنة.
فقال أشعب : وكان في المدينة تسعه رهط، فألقى إليه التاسعة.
فقال أشعب : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعه إذا رجعتم تلك عشره كامله، فألقى إليه العاشرة.
فقال أشعب : إني وجدت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، فألقى إليه الحاديه عشر.
فقال أشعب : والله يا أمير المؤمنين إن لم تعطني الطبق كلّه لأقولن لك ” وأرسلناه إلى مائه ألف أو يزيدون ” فأعطاه الطبق كله.
أشعب والخباز  :
عن المدائني، قال: تغدى أشعب مع زياد بن عبد الله الحارثي، فجاءوا بمضيرة ، فقال أشعب لخباز: ضعها بين يدي، فوضعها بين يديه، فقال زياد: من يصلي بأهل السجن؟ قال: ليس لهم إمام، قال: أدخلوا أشعب يصلي بهم، قال أشعب: أو غير ذلك أصلح الله الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف ألا آكل مضيرة أبداً.
موت أشعب :
في كتاب بستان الأدباء، قال: كانت بالمدينة امرأة شديدة الإصابة بالعين لا تنظر إلى شيء إلا دمرته، فدخلت على أشعب تعوده، وهو محتضر يكلم بنته بصوت ضعيف ويقول يا بنت اذا مت فلا تنوحي علي وتندبيني، والناس يسمعونك تقولين، وا أبتاه اندبك للصلوة والصيام، والفقه والقرآن، فيكذبونك، ويلعنوني.
والتفت أشعب فرآي المرأة فغطى وجهه بكمه وقال لها يا فلانة نشدتك الله إن كنت استحسنت شيئاً مما أنا فيه، فصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سخنت عينك وفي أي شيء أنت حتى استحسنه، أنما أنت في آخر رمق فقال أشعب: قد علمت ذلك، ولكن قلت لا تكونين قد استحسنت خفة الموت علي وسهولة النزع، فيشتد ما أنا فيه فخرجت من عنده، وهي تشتمه، فضحك من كان حوله، حتى أولاده ونساؤه ثم مات.
من هو أشعب ؟
يقال له ابن أم حميدة ويكنى أبا العلاء وأبا القاسم، كان أشعب مولى لعبد الله بن الزبير. تولت تربيته عائشة بنت عثمان فتأدب على يدها وقرأ القرآن وحفظ الحديث، وقد روى عن عبد الله بن جعفر، فقد كان طيب العشرة من الظرفاء، يحسن القراءة، ذا صوت حسن فيها، وقال الميداني في كتابه ” أمثال العرب ” :
كان أشعب حسن الصوت يجيد الغناء ويتكسب به، وكان حسن الدعابة سريع النكتة شديد الحرص ميالاً للتطفل، وقد كان لشدة طمعه مضرب المثل، عاش طويلاً واتصل بكثير من الشخصيات المعروفة في زمنه، توفي بالمدينة في عام 154 هـ الموافق 771 م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق