الصفحات

الخميس، 12 أبريل 2018

حول تجارة الجنس

في أغسطس عام 2014، أصدرت مجلة "الإيكونوميست" عدداً خاصاً حول تجارة الجنس، خلصت من خلاله إلى أن الجنس انتقل من الشوارع في كل الدول تقريباً إلى عالم مختلف هو الإنترنت.
اعتبرت المجلة أن جنس الإنترنت بات أكثر أماناً من جنس الشوارع، وقد تحوّل أمراً واقعاً حتى لو ادعت بعض الدول - لأسباب دينية أو اجتماعية - عدم وجوده، لكن الجنس في فضاء الإنترنت قد يواجه قريباً تشريعات جديدة حملت اسمي "سيستا" (SESTA) و "فوستا" (FOSTA)، وأثارت مخاوف على مختلف الأصعدة. كان أبرزها لدى العاملين في مجال الجنس ولدى المنصات الإلكترونية.

حكاية SESTA و FOSTA

يوم 21 مارس الماضي، مرّر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يحمل اسم "إيقاف تمكين المتاجرين بالجنس"، أو "Stop Enabling Sex Traffickers Act" الذي بات يُعرف اختصاراً باسم SESTA، لكن بمجرد تمرير هذا القانون بدأت حالة كبيرة من الجدل ليس داخل أمريكا فحسب بل في العديد من دول العالم.
وأعلنت بعض المنظمات الحقوقية عن رفضها لمشروع القانون باعتباره يمثل تهديداً لحرية الإنترنت، كما أعلن العديد من العاملين في مجال الجنس عن تخوفهم منه لأسباب عدة منها أنه سيصعب مهمتهم في العثور على مواقع إنترنت يعلنون من خلالها عن خدماتهم الجنسية.
وكان السيناتور روب بورتمان من أوهايو قد تقدّم بمشروع SESTA، في أغسطس الماضي، والهدف كان آنذاك تعديل جزء من المادة 230 من قانون آداب الاتصالات الذي خرج للنور في العام 1996.
وتعطي تلك المادة مواقع الإنترنت حصانة لحمايتها من أية مسؤولية قانونية مما ينشره المستخدمون عليها، والتي أرادت أن تحمي مواقع الإنترنت –خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي- من المواد التي يكتبها المستخدمون، محمّلة نتيجة هذه المواد لأصحابها فقط.
لكن مشروع قانون "إيقاف تمكين المتاجرين بالجنس" يقترح توسيع المسؤولية في ما يتعلق بالمحتوى الذي يقوم المستخدمون بنشره، ليشمل كذلك المنصات التي يتم النشر عليها، وهو ما يعطي للسلطات الحق في معاقبة المواقع واعتبارها مسؤولة أمام القانون عن كل ما ينشر عليها.
وفي حالة إقرار ذلك القانون سوف يتم تغريم ومحاكمة مشغلي مواقع الإنترنت في حال تقديم دعم وتسهيل لما يتعلق بالاتجار بالجنس، ولن تقتصر المقاضاة على المدعي العام فحسب، بل سيكون للضحايا أيضاً الحق الكامل في مقاضاة مشغلي الشبكات الذين يسهلون مثل هذه الأعمال.
ويرى السيناتور روتمان أن المشروع الذي شارك في إعداده وتقدم به يعتبر "مشروعاً مهماً" و"سيحاسب المتاجرين بالجنس وسيساعد في منح الناجين من هذه التجارة العدالة التي يستحقونها"، على حدّ قوله.

القانون بين مؤيد ومعترض

يرى المؤيدون لمشروع القانون أن هناك حاجة ملحة له بسبب زيادة حجم الاتجار بالجنس على الشبكة العنكبوتية، وهو الأمر الذي يستلزم بحسبهم تشريعات وإجراءات وقائية تهدف لحماية ضحايا هذه التجارة، ولوضع حد للمخاطر التي يتعرض لها هؤلاء الذين يتم المتاجرة بهم جنسياً على الإنترنت.

في المقابل، يتخوف المعارضون للقانون المثير للجدل من أن يكتفي ضحايا الاتجار بالجنس، والمنظمات التي تعمل بشكل رئيسي في الدفاع عن حقوقهم، باختيار الطريق الأسهل، وهو رفع قضايا على المواقع التي تنشر المحتوى المسيء لا الشخص الذي قام بكتابة هذا المحتوى.


وبحسب المعارضين، فإن القانون لن يمنع الانتشار الكبير للمتاجرين بالجنس على الإنترنت بل سيؤدي إلى ما يطلقون عليه انتشار "سوق سوداء" لهم، تجعل الأمر يتم بعيداً عن أعين المسؤولين.
وفي قائمة أبرز المعارضين لمشروع القانون نجد المنظمة الوطنية للنساء ووزارة العدل، إلى جانب مؤسسة "ويكيميديا" التي تقف وراء موقع "ويكيبيديا" العالمي، والتي اعتبرت أن المشروع سيكون له تأثير سلبي قد يجعل من الصعب على الموقع مواصلة العمل، بسبب أنه يعتمد بشكل أساسي على المستخدمين في بناء محتواه.
وتخشى "ويكيبيديا" أن يكون مشروع القانون الجديد سبباً في القضاء على المواقع الناشئة وحتى على الشركات مثل ويكيبيديا، خوفاً من التهديدات التي سيتعرضون لها بسبب الملاحقة القضائية، نظراً لأن تلك التهديدات في حالة زيادتها ستتطلب مزيداً من الأموال بهدف مواجهة تلك الدعاوى القضائية، كما سيتطلب الأمر تطوير خوارزميات عمل تلك المواقع كي تصبح قادرة على محاربة المحتوى المسيء، وهو ما سيحتاج بدوره لمزيد من الموارد البشرية والأموال.
ويقول مشروع القانون أيضاً إن الموقع سيتعرض للمساءلة القانونية في حالات عدة منها إذا ساعد أو سهل أو دعم الاتجار بالبشر.
أما رابطة شبكة الإنترنت (وهي كيان يضم شركات كبرى منها فيسبوك وغوغل وأمازون وغيرهم) فقد رفضت في البداية مشروع القانون معتبرة أنه سيضر بحرية التعبير والإبداع على الإنترنت، قبل أن تتراجع عن ذلك وتعبر في بيان رسمي عن رضاها عن المشروع، بسبب "تعديلات"، أدخلت عليه على حدّ تعبير البيان.
وغيرت الرابطة موقفها بعد أن أُضيف لمشروع القانون جملة ترى أن مساءلة المواقع ستتم فقط إذا كان الموقع يساعد "عن علم" المتاجرين بالجنس على منصته.
لكن هذا التعديل لم يمنع بعض الشركات الأخرى من معارضة مشروع القانون، ومنها على سبيل المثال مؤسسة "إنجين" التي تعمل في دعم الشركات الناشئة على الإنترنت، والتي ترى أن صيغة مشروع القانون لا زالت غير واضحة وغامضة وتساهم في أن تتعرض الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا للمساءلة بسبب محتوى قد لا يمكنها السيطرة عليه لأسباب تقنية.

عملهم سيصبح أكثر خطورة

ظهر لدى العاملين في مجال الجنس عدد من التخوفات بشأن القانون، إذ يشعرون أن الأخير يخلط بشكل خاطئ بين عملهم في مجال الجنس وبين تهمة "الاتجار بالجنس"، ويقولون إن قدرتهم على نشر إعلانات ومنشورات عبر الإنترنت ستتأثر، كما يعتبرون أنه قد يكون سبباً في أن يتعرضوا إلى مخاطر الاعتداء الجنسي والمضايقات.
ولم تنتظر منصات إنترنت عدة أن يوقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التشريعات الجديدة لتصبح رسمية (ومتوقع أن يحدث ذلك قريباً) بل قاموا باتخاذ خطوات وقائية، فمثلاً أغلق موقع "كريغزلست" قسماً مختصاً بالتعارف الشخصي، كما أزال موقع "Reddit" بعض المحتوى المتعلق بالعمل في مجال الجنس.
ويقول العاملون في مجال الجنس إن الإنترنت بالنسبة لهم ليس فقط مجرد منصة لنشر إعلانات عن خدماتهم الجنسية، بل إنهم يتواصلون من خلاله أيضاً مع أقرانهم، ويتشاركون معهم المعلومات والنصائح والتحذيرات التي تجعلهم أكثر أماناً.
ويعتقد هؤلاء أن التجريم سيجعل عملهم أكثر خطورة، حيث لن يستطيعوا الإعلان عن أنفسهم بشفافية، أو يطلبون المساعدة عندما يتعرضون للإساءة.
ويؤكد تحالف جديد ظهر ضد SESTA، أعضاؤه من العاملين السابقين والحاليين في مجال الجنس، أن منصات الإنترنت استجابت بالفعل لمشروع القانون المثير للجدل، بعدما وجد أن ما لا يقل عن 18 منصة على الإنترنت، إما أغلقت الباب أمام مشاركة العاملين في مجال الجنس عليها، أو غيرت سياساتها بشأن المحتوى الذي يقوم العاملون في مجال الجنس بنشره. وهو ما سبّب خسارة كبيرة للعاملين في هذا المجال، على حدّ تعبيرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق