الصفحات

الخميس، 19 أبريل 2018

الإمام الثالث




الإمام محمد النشرتي 
هو الإمام العالم السيد محمد النشرتي المالكي، أحد علماء الأزهر الشريف، ومن أبرز أعلام المذهب المالكي نسبته:

ينسب الشيخ النشرتي -رحمه الله- إلى بلده التي وُلِد فيها (نشرت)، وهي تابعة لمركز قلين، بمحافظة كفر الشيخ، التي كانت تسمى مديرية الفؤادية.
نشأته ومراحل تعليمه:

انتقل الشيخ من بلدته إلى القاهرة في صباه ليلتحق بالأزهر، ويتلقى تعليمه على أيدي الشيوخ الأجلاء فيه. واجتهد في تحصيله للعلم، وتقدم على أقرانه، وصارت له مكانة مرموقة، وبلغ في التدريس مكانة عظيمة جعلت طلاب العلم يتوافدون على مجلسه من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وظل الشيخ النشرتي يتصدر حلقات الدرس حتى اختير لمشيخة الجامع الأزهر سنة 1106هـ/1695م، بعد وفاة الشيخ البرماوي. وقد أقر المؤرخون أن الشيخ النشرتي تزعم علماء المالكية في عصره، وأنه مع توليه للمشيخة وقيامه لمهامها حرص على أن يبقى مدرسًا، وألا تنفض حلقته الدراسية. ولم تصرفه أعماله الإدارية -التي يتطلبها موقعه كشيخ للأزهر- عن أداء رسالته التربوية التي كرَّس لها جل وقته، وعبأ لها نفسه وعلمه وأعطاها كل جهده؛ لأنه كان مؤمنًا بأن العلم عبادة. وكانت للشيخ النشرتي -بإجماع علماء عصره- موهبة فذة في الشرح والتوضيح والإبانة، مما جذب لحلقات درسه الطلاب من جميع بلاد العالم الإسلامي... واستمر الإمام النشرتي أربعة عشر عامًا في مشيخة الجامع الأزهر، ولم تؤثر على حلقات علمه التي انكبَّ عليها طلاب العلم.

تلاميذه:

- الإمام أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري، صاحب المؤلفات الشهيرة والعديدة والمفيدة.
- الإمام الشيخ الصالح عبد الحي زين العابدين.
- الإمام الفقيه الشيخ أحمد بن الحسن الكريمي الخالدي الشافعي، الشهير بالجوهري. وظل الشيخ وفيًّا لرسالته مخلصًا في أداء مهمته، لكنه اكتفى بتدريس الكتب المعروفة في عصره خاصة التي كانت في المذهب المالكي، ولم تكن للشيخ مؤلفات خاصة به، فقد كان من النوع الذي ينادي بتأليف الرجال وإعداد الجيل، لا بتأليف الكتب ووضع المصنفات. واستطاع الشيخ أن يربي ويخرج طائفة من الزعماء المرموقين، الذين حملوا لواء رسالته من بعده، وأدوها خير أداء، ورفعوا شأن العلم، وكانوا درع الأمة الواقية في ميادين كثيرة. قد أثر الشيخ النشرتي في تلاميذه بدرجة كبيرة ظهرت واتضحت بعد وفاته في تماسكهم واتحادهم، وفرض آرائهم على ولاة الأمر؛ لصالح الدين والأمة، ومن أبرز مواقف تلاميذ الشيخ النشرتي موقفهم حين أصروا على أن يتولى الشيخ عبد الباقي القليني -أحد تلاميذ الشيخ النشرتي- مشيخة الأزهر بعد النشرتي، وذلك في الوقت الذي أصرت فيه مجموعات أخرى لمذهب آخر على أن يتولاها الشيخ النفراوي، ولكن تلاميذ الشيخ النشرتي استطاعوا -بما تعلموه من أستاذهم- الوصول إلى تحقيق رغبتهم، وتم لهم ذلك بعد أحداث عصيبة في ملحمة مريرة بين الفريقين.

مؤلفاته:

بعد الرجوع إلى الفهارس العديدة للمكتبات لعلنا نعثر له على بعض المصنفات، ولكننا لم نظفر بنتيجة، ويظهر أن الشيخ -رحمه الله- اكتفى بتدريس المصنفات المعروفة، وبخاصة في مذهب المالكية.

ولايته للمشيخة:

تولى الشيخ النشرتي - رحمه الله - مشيخة الأزهر بعد وفاة الشيخ البرماوي - رحمه الله -، وامتدت ولايته للمشيخة أربعة عشر عامًا، إلى وفاته سنة 1120هـ.

وفــاتــه:

توفي الشيخ النشرتي -رحمه الله- بعد ظهر يوم الأحد، الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة، عام 1120هـ/1709م، وأخرت جنازته إلى صبيحة يوم الإثنين، وصلي عليه بالأزهر، وحضر جنازته الصناجقة والأمراء، والأعيان والعامة، وكان يومًا مشهودًا ومشهدًا حافلا، وهذا يدل على منزلته العظيمة، فقد عرف الشيخ النشرتي بالصلاح وحسن السيرة ومكانته السامية إلى جانب شهرته العلمية.

مصادر ترجمته:

_- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم.











الإمام الرابع الإمام عبد الباقي القليني
ولد بقرية قلين، التابعة لمركز كفر الشيخ، بمديرية الفؤادية، والتي أصبحت الآن مركز قلين، التابع لمحافظة كفر الشيخ، ولم يرد ذكر تاريخ مولده لعدم انتظام النواحي الإدارية في ذلك الوقت، وعدم الاهتمام بهذه الأمور.
نسبته:

نُسِب الشيخ -رحمه الله- إلى قرية (قلين) التي وُلِدَ ونشأ فيها.
نشأته ومراحل تعليمه:

غادر قريته قاصدًا القاهرة ليلتحق بالجامع الأزهر، الذي عكف فيه على تحصيل العلم على أيدي علماء عصره الأعلام. وكان الشيخ القليني ذكيًّا يعي ما يقرأ، ويحفظ ما يفهم، ولذا نبه شأنه، وذاع صيته، وعرف اسمه للقاصي والداني، وجلس للدرس والتعليم.
شيوخه:

كان الشيخ القليني تلميذًا نجيبًا للعالمين الجليلين: الشيخ البرماوي، والشيخ النشرتي.
تلاميذه:

من أبرز تلاميذ الشيخ -رحمه الله- الذين ذكرهم الجبرتي: الإمام العلامة، والعمدة الفهامة، المتفنن المتبحر الشيخ محمد صلاح البرلسي. ولم تذكر المراجع الموجودة التي تتناول الشيخ القليني سوى نتف قليلة عن حياته وتلاميذه، ولكنها تروي عنه أن طلاب العلم قد وفدوا عليه من كل مكان والتفوا حوله وفي حلقته، وكانوا كثيرين. وكان الشيخ القليني يعتني بتوجيه طلبته إلى العناية والاهتمام بالكتب القديمة -كتب التراث- والغوص فيها، والبحث في أمهات الكتب لاستخراج ما فيها من كنوز ومعارف. وكان يساعد تلاميذه ويعينهم على فهم ما صعب عليهم فهمه في تلك الكتب، ويملي عليهم الحواشي لإيضاح الغوامض وتبسيط المعقد الصعب.
أخلاقه:

لقد كان الشيخ محبوبًا من زملائه وتلاميذه، وكبار علماء عصره، الأمر الذي دفعهم لمناصرته، ودخولهم في معركة دامية لتحقيق توليته للمشيخة، ذلك بالرغم من أنه كان بعيدًا عن القاهرة آنذاك، ولم يشترك في هذا الصدام من قريب أو بعيد، وإنما تلاميذه وزملاؤه وإخوانه المقربون هم الذين فعلوا ذلك ليقينهم أنه الأحق بولاية هذا المنصب الجليل بعلمه وأخلاقه، فكان علمه غزيرًا، ومعرفته واسعة ثرية.
مؤلفاته:

بعد الرجوع إلى مصادر ترجمة الشيخ -رحمه الله- وفهارس المكتبات لم نجد له مصنفات، فهو من النوع الذي يهتم بتربية التلاميذ أكثر من التصنيف.
ولايته للمشيخة:

وُلِِّي الشيخ القليني مشيخة الأزهر عام 1120هـ/1709م، بعد أحداث أليمة وعصيبة عقب وفاة أستاذه الشيخ النشرتي، وظل الشيخ في ولايته لمشيخة الأزهر إلى أن مات.
وفاته:

لم يتيسر لنا معرفة تاريخ وفاته، ولم يرد ذكر بذلك في جميع الكتب التي تناولت ترجمته، ولكن تم تعيين المشيخة بعده للشيخ محمد شنن.


الإمام الخامس 
ولد عام 1056هـ/1656هـ تقريبًا، وكان مولده بقرية الجدية التابعة لمركز رشيد بمديرية البحيرة، وهي قرية تقع على الشاطئ الغربي لفرع رشيد.
نشأته ومراحل تعليمه: 

نشأ الشيخ في قريته، وحفظ فيها القرآن الكريم، ثم قصد الجامع الأزهر ليتلقى علومه على أيدي علمائه ومشايخه. جد الشيخ -رحمه الله- في تحصيل العلم، واجتهد في حفظ ما يمليه عليه مشايخه وعلماؤه فتقدم في العلم، وجلس في صفوف العلماء، وأصبح ذائع الصيت، وذا ذكر حسن. وقد اشترك الشيخ شنن في الفتنة التي حدثت بين فريقي الشيخ القليني والشيخ النفراوي، وكان مؤيدًا للشيخ أحمد النفراوي، فلما تدخل ولاة الأمر في ذلك صدرت الأوامر بنفيه إلى قريته الجدية، وتحديد إقامة الشيخ النفراوي في بيته. 
منزلته: 

كان الشيخ شنن -رحمه الله- واسع الثراء، فيذكر الجبرتي أنه كان مليئا متمولا أغنى أهل زمانه بين أقرانه ... ترك لابنه ثروة طائلة فكان بها من صنف الذهب البندقي أربعون، خلاف الجنزولي والطولي، وأنواع الفضة، والأملاك والضياع، والوظائف، والأطيان... وغير ذلك، وكان له مماليك وعبيد وجوارٍ، ومن مماليكه أحمد بك شنن الذي أصبح من كبار حكام المماليك وصار صنجقًا، أي: من كبار ولاة الأقاليم. ومع ثرائه العريض كان غزير العلم، واسع الاطلاع، من كبار الفقهاء، عالما جليلا، وفقيهًا مجتهدًا، وعلمًا من أعلام المالكية في زمانه. ويذكر المؤرخون أن الشيخ شنن -رحمه الله- رغم ثرائه العريض وأمواله الطائلة كان غزير العلم، واسع الاطلاع، ولم تصرفه أمواله عن تحصيل العلم ومتابعة تلاميذه والاطلاع الواسع على التراث العلمي المجيد. وقد أقام الشيخ شنن -رحمه الله- صديقه الشيخ محمد الجداوي وصيًّا على ابنه موسى، وذلك قبل وفاته، وقام الشيخ الجداوي بحراسة هذه الثروة على خير وجه، وسلمها إلى موسى ابن الشيخ شنن -رحمه الله- بعد بلوغه سن الرشد، ولم يمض وقت طويل -كما ذكر الجبرتي- حتى بدد الابن ثروة أبيه جميعها رغم ضخامتها، ومات بعد كل هذا الثراء مدينًا فقيرًا محتاجًا، لا يملك من ثروته شيئًا. وكان الشيخ ذا مكانة سامية مرموقة لدى الحكام، وقد لاحظ أثناء مشيخته 
أن بعض جدران المسجد قد أصابها تصدع، فعزم على إصلاح ما فسد، وصعد إلى القلعة حيث يقيم الوالي العثماني علي باشا، وذلك يوم الخميس الموافق 15 من ربيع الأول عام 1232هـ/ 25 يناير عام 1720م، وقابل الشيخُ الوالي، وعرض عليه ما لاحظه في جدران المسجد، وقال له: المرجو من حضرتكم تكتبوا إلى حضرة مولانا السلطان، وتعرضوا عليه الأمر؛ لينعم على الجامع الأزهر بالعمارة، فإنه محل العلم الذي ببقائه بقاء الدولة، وله ولك الثواب من الملك الوهاب. ولما للشيخ من مكانة سامية أسرع الوالي بتحقيق مطلبه، ليس هذا فحسب، بل طلب الوالي من كبار المشايخ أن يقدموا مذكرات في هذا الشأن لترفع إلى السلطان، وأراد بذلك أن يدعم أقوال الشيخ شنن في هذا الشأن، ويضفي عليها المزيد من الأهمية لما للشيخ من احترام وهيبة لدى العلماء وولاة الأمر. واشترك الوالي، وكبار الأمراء والمماليك في وضع أختامهم على هذه المذكرات، وعرض الأمر على السلطان أحمد الثالث (1703م - 1730م)، واستجاب إلى طلب علماء الأزهر، وأوفد بعثة إلى مصر تحمل رده بالموافقة على طلب علماء الأزهر، وترميم ما تصدع من بناية الجامع الأزهر، واعتمد خمسين كيسًا ديوانيًّا من أموال الخزانة للإنفاق على ذلك الإصلاح.
مؤلفاته: 

اكتفى الشيخ شنن -رحمه الله- بتدريس المؤلفات المعروفة في عصره، ولم تكن له مصنفات خاصة به، أو لم نعرف عن مصنفاته شيئًا، إذ أغفلت المصادر التي ترجمت له ذكر شيء عن كتبه وتلاميذه، وعلى أيدي مَنْ مِنَ العلماء تلقى دروسه. 
ولايته للمشيخة: 

توفي الشيخ النفراوي أثناء مشيخة الشيخ القليني للجامع الأزهر، الأمر الذي دعا علماء الأزهر للإجماع على تولية الشيخ محمد شنن لمشيخة الأزهر؛ لأن ثلاثتهم (الشيخ النفراوي، والشيخ القليني، والشيخ شنن) كانوا الأقطاب الثلاثة في ذلك العصر، وجميعهم على المذهب المالكي، الذي كانت المشيخة لا تخرج إلا منه غالبًا. 
وفاته: 

ظل الشيخ محمد شنن شيخًا للأزهر يشرف عليه، ويواصل البحث والتدريس حتى توفاه الله، وقد ناهز السبعين من عمره عام 1133هـ/1720م. 
مصادر ترجمته: 

- الأزهر في اثيى عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر. 
- دور الأزهر في الحفاظ على الطابع العربي لمصر إبان الحكم العثماني للدكتور عبد العزيز محمد الشناوي، طبع دار الكتب سنة 1972م.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، 
الإمام إبراهيم موسى الفيومي 
ولد الشيخ الفيومي بمدينة الفيوم عام 1062هـ/1652م، ونشأ في بلدته تى مطلع شبابه ثم قصد القاهرة ليلحق بالجامع الأزهر.
نشأته ومراحل تعليمه:

تلقى العلم على أيدي شيوخ عظماء، كان من أبرزهم الشيخ الخراشي أول شيوخ الجامع الأزهر، ذكر الجبرتي أن الشيخ الفيومي قرأ على الشيخ كتاب الرسالة) لأبي عبد الله بن زيد القيرواني وشرحها، مُعيدًا لها. وكان الشيخ الفيومي كثير القراءة طويل البحث حتى عُرِفَ بعلمه، وذاعت شهرته وملأت الآفاق. كان من رجال الحديث المعروفين بعلمهم وسعة اطلاعهم، فقد أخذ علم الحديث على أيدي علماء أجلاء، كيحيى الشهاوي، وعبد القادر الواطي، وعبد الرحمن الأجهوري، والشيخ البرماوي أحد مشايخ الجامع الأزهر، والذي ترك بصماته العلمية على الشيخ الفيومي، والشيخ محمد الشرنبابلي، وغيرهم. كما أخذ بقية العلوم عن شيوخ أعلام، مثل: الشبراملسي، والزرقاني، والشهاب أحمد البشبيشي، والشيخ الغرقاوي، وعلي الجزايرلي الحنفي.
تلاميذه:

نهل من علم الشيخ الفيومي -رحمه الله- الكثيرون من طلبة العلم، وتربوا على يديه، وحملوا مشاعل النور من بعده، منهم: الفقيه الزاهد الشيخ محمد بن عيسى يوسف الدمياطي الشافعي، حيث درس علي يدي الشيخ الفيومي علوم المنطق والفلسفة، وتأثر الدمياطي بأستاذه وبمنهجه فألف حاشية على الأخضري في المنطق، وحاشية ثانية على السنوسية، كما تلقى الدمياطي الفقه المالكي على الشيخ الفيومي. ومن أبرز تلاميذ الشيخ الفيومي أيضًا الشيخ الصالح علي الفيومي المالكي، شيخ رواق أهل بلاده، وكان ذا باع طويل في علم الكلام، والشيخ علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدي العدوي المالكي، علم العلماء، وإمام المحققين، وعمدة المشايخ في عصره، وله مؤلفات عديدة قيمة، وانتهج أسلوب أستاذه وألف شرحًا للمقدمة العزية كما ألف حاشية على الأخضري.
أخــلاقــه:

كان الشيخ الفيومي عالمًا ورعًا، وقف بجوار تلاميذه وساندهم كما علمهم، وخرج من تحت يديه علماء المالكية الأفذاذ المشهود لهم بالعلم الواسع، والبحث الغزير إلى جانب التقوى والزهد، وكان أستاذهم مثلا أعلى وقدوة في كل ما قاموا به ووصلوا إليه. وقد كان التدريس بالأزهر من أولى اهتمامات الشيخ الفيومي، فكان يوليه عنايته، ويعطيه الجزء الأكبر من وقته وعلمه ورعايته واهتمامه فكان -بحق- كما أجمع على ذلك علماء عصره، ومن جاءوا بعده -خير أستاذ لخير تلاميذ، وكانوا خير تلاميذ لخير أستاذ.
منزلته:

احتل الشيخ الفيومي -رحمه الله- مكانة مرموقة بين أقرانه من علماء عصره؛ لأنه كان متبحرًا في علوم اللغة، وعلوم الحديث، وعلم الصرف. وكان الشيخ الفيومي -رحمه الله- ذا موهبة فذة في فن التدريس، وقد ترك بصمات واضحة وآثارًا عميقة في نفوس تلاميذه متأثرًا في ذلك بأستاذه الشيخ الخراشي الذي أعطاه علمًا غزيرًا، وتجربة كبيرة ثرية. واختص لنفسه طريقة في الدرس، حيث كان يقف بعد انتهاء درس الشيخ الخراشي فيلخص ما ألقاه الشيخ على طلبته، فأعطاه ذلك خبرة واسعة ومدارك رحبة.
مؤلفاته:

ألَّف الشيخ الفيومي -رحمه الله- في علم الصرف شرحًا قيمًا لكتاب (المقدمة العزية للجماعة الأزهرية في فن الصرف)، وهذه المقدمات كانت من تأليف أبي الحسن علي بن محمد الشاذلي المالكي، المتوفى سنة 939هـ، وقد قام بشرحها العديد من العلماء قبل الشيخ الفيومي، ولكن شرحه لها جاء في جزأين كبيرين، وكان شرحًا مفصلا واضحًا دقيقًا وافيًا، لم يصل إلى مستواه من شرحها قبله، ولم يدركه من جاء بعده. 
ولايته للمشيخة:

تولى الشيخ الفيومي -رحمه الله- مشيخة الأزهر بإجماع العلماء والشيوخ عام 1133هـ /1720م، وذلك عقب وفاة الشيخ شنن. 
وفــاتــه:

توفي الشيخ الفيومي -رحمه الله- عام 1137هـ/1724م، وهو في سن الخامسة والسبعين، وكان آخر من ولي مشيخة الأزهر من المالكية بعد أن استمرت فيهم ما يقرب من نصف قرن.



الإمام السابع
الإمام عبد الله الشبراوي 

الإمام عبد الله الشبراوي

أبو محمد جمال الدين عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين، الشبراوي، الشافعي.
الميلاد:

ولد سنة 1091هـ، وقيل: سنة 1092هـ/1681م.
نشأته ومراحل تعليمه:

تلمذ الشيخ الشبراوي -رحمه الله- للإمام الخراشي، الشيخ الأول للأزهر، ونال إجازته(1) وهو دون العاشرة، ومن أساتذته المرموقين العلامة الأديب الشاعر الشيخ حسن البدري، وكان من الشعراء الممتازين في زمنه، وله ديوانين من الشعر، وقد روى الجبرتي بعض قصائده، ويظهر أن الشيخ الشبراوي تأثر بأدبه، كما أنه تلمذ عليه في علم الحديث، وتلقى الفقه عن العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الثحلى الشافعي المكي، ومن شيوخه الممتازين الشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني، والشيخ محمد بن عبد الرازق الزرقاني، والشيخ أحمد النفراوي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري. ومن أعلام شيوخه: الشيخ الإمام الفقيه الفرضي(2) صالح بن حسن البهوي، كما أخذ عن علامة الفنون: شمس الدين الشرنبلالي شيخ مشايخ الجامع الأزهر. 
تلاميذه:

من تلاميذه النابهين، الإمام الفصيح الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي، والوالي عبد الله باشا بن مصطفى باشا الكوبريلي -أو الكبوري نسبة إلى بلدة كبور- الذي ولاه السلطان محمود خان الخليفة العثماني ولاية مصر، وكان شاعرًا أديبًا وعالما جليلا، ما كاد يلي منصب الولاية حتى اتصل بكبار العلماء والأدباء والشعراء في مصر، وتلقى عنهم معارفه واستجازهم في الرواية عنهم. ومنهم الشيخ أحمد بن عيسى العماوي المالكي، وقرأ عليه صحيح البخاري، ومسلم، والموطأ، وسنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وغيرها.
أخلاقه:

كان الشيخ الشبراوي -رحمه الله- كريم النفس، واسع الأفق، رحب الصدر، يدافع عن أولياء الله من العلماء والصالحين، حكيمًا في تصرفه، ويتجلى تسامحه
في موقفه من المسيحيين، فيذكر الجبرتي أن نصارى الأقباط قصدوا الحج إلى بيت المقدس، وكان كبيرهم إذ ذاك (نوروز) كاتب رضوان كتخدا، فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك، فكتب له فتوى وجوابًا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم(3) ، فهلل الأقباط لهذا وفرحوا به، إلا أن البعض لم تعجبه هذه الفتاوى وثاروا ضد الشيخ الشبراوي، لكن الشيخ لم يخطئ في الفتوى.
منزلته:

الإمام الشبراوي شخصية فذة، جمعت بين مواهب عديدة، فهو شاعر ممتاز بالنسبة لعصره، وكاتب مرموق بالنسبة إلى عصره، وهو إلى هذا عالم فقيه، يمتاز بالتعمق في دراسة الفقه وأصوله، والحديث وعلم الكلام. وإلى هذا أشار الجبرتي بقوله في ترجمته: «الإمام، الفقيه، المحدث، الأصولي، المتكلم، الماهر، الشاعر، الأديب»(4) ، وقد اجتمعت له الوراثة الصالحة والبيئة العلمية المناسبة، فنمت مواهبه وأينعت وتفتحت عن أطيب الثمرات في عصره، أما وراثته فيحدثنا عنها الجبرتي فيذكر أنه «من بيت العلم، والجلالة، فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الأميني في الخلاصة(5) ووصفه بالحفظ والذكاء»(6) .وقد نال الشيخ الشبراوي -رحمه الله- شهرة عظيمة، وكانت له مكانة سامية عند الحكام والولاة، ومن يحيط بهم. قال الجبرتي عنه: «لم يزل يترقى في الأحوال والأطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار أعظم الأعاظم، ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته، وقبلت شفاعته، وصار لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت عليه الأمراء وهادوه بأنفس ما عندهم»(7) . وعلى الرغم من هيبته وجلاله وعلو منصبه، فإنه كان يستجيب لنوازع المشاعر الوجدانية، فيعبر عن هذا في شعر رقيق، ومن أعذب قصائده الغزلية الرقيقة المشهورة التي استهلها بقوله:
وحقك أنت المنى والطلب وأنت المراد وأنت الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة تحير في وصفها كل صب

ولا عجب أن يلهج العلماء بالشعر الفني الجميل، فقد مدح الشعراء النبي صلى الله عليه وسلم واستهلوا مدائحهم بالغزل الرقيق العفيف، فقد فعل هذا حسان والأعشى والنابغة الجعدي، وظلوا ينسجون على هذا المنوال وحسبنا قصيدة البردة. وكان الشيخ الشبراوي -رحمه الله- يستغل مواهبه الشعرية في نظم بعض العلوم لتسهيل حفظها على الطلاب بمثل نظمه للآجرومية في علم النحو. 
مؤلفاته:

- مفاتح الألطاف في مدائح الأشراف، وهو ديوان شعر للمؤلف طبع مرارًا.
- الإتحاف بحب الأشراف، طبع بمصر سنة 1316هـ.
- الاستغاثة الشبراوية.
- عروس الآداب وفرحة الألباب في تقويم الأخلاق، ونصائح الحكام، وتراجم الشعراء، توجد منها نسخة خطية في ليدن.
- عنوان البيان وبستان الأذهان في الأدب والأخلاق والوصايا والنصائح، طبع بمصر مرارًا.
- نزهة الأبصار في رقائق الأشعار، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- شرح الصدر في غزوة بدر، طبع بمصر سنة 1303هـ.
- نظم بحور الشعر وأجزائها، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- شرح الرسالة الوضعية العضدية في علم الوضع، وهي من تأليف القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، المتوفى سنة 765هـ، وقد شرحها كثيرون، ومنهم الإمام الشبراوي، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- العقد الفريد في استنباط العقائد من كلمة التوحيد، وهي رسالة موجزة في بضع ورقات، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- عنوان البيان ونسيان الأذهان في البلاغة.
- إجازة من الإمام الشبراوي إلى الوزير الوالي عبد الله بن مصطفى باشا الكوبريلي أجازه فيها بكل ما تلقاه عنه، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- سند الشبراوي، ذكر فيه مشايخه ومروياته، كتبه في أواخر رمضان سنة 1142هـ، توجد منه عدة نسخ خطية بدار الكتب المصرية، وبعضها عليه توقيعه بخطه.
ولايته للمشيخة:

_ ولي الشيخ الشبراوي -رحمه الله- مشيخة الأزهر عام 1137هـ/1724م، وكان أول من يلي مشيخة الأزهر من مشايخ المذهب الشافعي.
وفاته:

توفي الشيخ الشبراوي رحمه الله في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 هـ، وصُلِّي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة
تقريبًا(Cool ، وجاء في سلك الدرر أن وفاته -رحمه الله- كانت سنة اثنين وسبعين ومائة وألف، ودفن بتربة المجاورين

الإمام الثامن 
الإمام محمد بن سالم الحفني

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الإمام محمد بن سالم الحفني

نجم الدين أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحفني الشافعي الخلوتي، ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، من جهة أم أبيه السيدة: ترك بنت السيد سالم بن محمد.
الميلاد:

ولد الشيخ الحفني 1100هـ/1688م، بقرية حفنا إحدى قرى مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية.
نسبته: 

انتسب الشيخ إلى قرية (حفنا) التي ولد ونشأ بها. قال الجبرتي: «والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي، وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها».
نشأته ومراحل تعليمه: 

نشأ الشيخ بقريته وحفظ بها القرآن الكريم حتى سورة الشعراء، وأشارالشيخ عبد الرؤوف البشبيشي على أبيه بإرساله إلى الأزهر، واقتنع أبوه بذلك، وأرسله إلى الأزهر وهو في سن الرابعة عشرة، فأتم فيه حفظ القرآن الكريم، ثم اشتغل بحفظ المتون، فحفظ ألفية ابن مالك في النحو، والسلم في المنطق، والجوهرة في التوحيد، والرحبية في الفرائض، ومتن أبي شجاع في فقه الشافعية، وغير ذلك من المتون. وأقبل على تحصيل وحفظ دروسه واجتهد في ذلك، وأفاد من شيوخه وتبحر في النحو، والفقه، والمنطق، والحديث، والأصول، وعلم الكلام، وبرع في العروض، وظهرت مواهبه الشعرية بالفصحى والعامية، كما برع في كتابة النثر طبقًا لأسلوب عصره، ومهر في العلم، وحاز على ثقة شيوخه، فمنحوه إجازة بالإفتاء والتدريس، فدرس بمدرسة السنانية والوراقين، ثم بالمدرسة الطيبرسية التي أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار عام 709هـ. ومن أشهر مشايخه الذين أجازوه العلامة: محمد البديري الدمياطي، الشهير بابن الميت الذي أخذ عنه التفسير والحديث، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه والموطأ، ومسند الشافعي، والمعاجم الثلاثة للطبراني الكبير والأوسط والصغير، وصحيح ابن حبان، والمستدرك للنيسابوري، وحلية الأولياء لأبي نعيم. ومن شيوخه أيضًا: الشيخ محمد الديربي، والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي، والشيخ أحمد الملوي، والشيخ محمد السجاعي، والشيخ يوسف الملوي، والشيخ عبده الديوي، والشيخ محمد الصغير، والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي، والشيخ عيد بن علي النمرسي، والشيخ مصطفى بن أحمد العزيزي، والشيخ محمد بن إبراهيم الزيادي، والشيخ علي بن مصطفى السيواسي الحفني (الضرير)، والشيخ عبد الله الشبراوي (أحد شيوخ الأزهر) والشيخ أحمد الجوهري، والشيخ محمد بن محمد البليدي.
تــلاميذه:

كان للشيخ الحفني -رحمه الله- طلاب يفدون عليه من كل جانب، فقد جلس الشيخ للتدريس وهو صغير السن، وشهد له علماء عصره بالتقدم والرسوخ. وقد درَّس لطلبته المصادر العميقة كالأشموني في النحو والصرف، وجمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي، ومختصر السعد في البلاغة بعلومها الثلاث المعاني والبيان والبديع، والمنهج في الفقه الشافعي، واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه، ذلك بالإضافة إلى الكتب الأخرى في الفقه، والمنطق، والأصول، والحديث، والتوحيد، كل ذلك ولم يكن قد تجاوز الثانية والعشرين من عمره.ومن تلاميذه أخوه يوسف الحفني، والشيخ إسماعيل الغنيمي، والشيخ علي الصعيدي العدوي، والشيخ محمد الغبلاني، والشيخ محمد الزهار.
ومن تلاميذه ومريديه في الطريقة الخلوتية:

الشيخ محمد السمنودي، والشيخ حسن الشبيني، والشيخ حسن السنهوري، والشيخ محمد الزعيري، والشيخ خضر رسلان، والشيخ محمود الكردي، والشيخ علي القناوي، والشيخ محمد الرشيدي، والشيخ يوسف الرشيدي، والشيخ محمد الشهير بالسقا،والشيخ محمد الفشني، والشيخ عبد الكريم المسيري، والشيخ أحمد العدوي، والشيخ أحمد الصقلي المغربي، والشيخ سليمان النبزاوي الأنصاري، والشيخ إسماعيل اليمني، والشيخ حسن المكي
أخــلاقــه: 

كان الشيخ الحفني -رحمه الله- كريم الطبع، جميل السجايا، مهيب الجانب، متواضعًا، له صدقات ظاهرة وخفية، وأقبلت عليه الدنيا بخيرها، وذاق حلاوة الغنى بعد إملاق وشظف عيش، وضيق حال، فلم تبطره الثروة، وبذلها لمن يريدها، وكان آية في المروءة والسخاء.
منزلته: 

قال عنه الجبرتي في عجائب الآثار: هو الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علمًا وعملا، ومن أدرك ما لم تدركه الأوائل، المشهود له بالكمال والتحقيق، والمجمع على تقدمه في كل فريق، شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفناوي الشافعي الخلوتي. شهد له أساتذته بالعلم والفضل، وزاده كرمه مكانة في النفوس ومحبة في القلوب، وقد بدأ حياته فقيرًا، فكان ينسخ المتون ويبيعها لطالبيها؛ ليساعده ذلك على العيش الكريم، ثم فرَّج الله كربه، وأقبلت عليه الدنيا، فترك النسخ إلى التعليم والتأليف، ولم يذله الفقر رغم ما كان فيه من ضيق اليد، وكان أديبًا شاعرًا وناثرًا، له مقطوعات شعرية وأزجال، ورسائل نثرية، غير أن شهرته العلمية طغت على شهرته الأدبية. وقد تسابق العلماء في عصره إلى استجازته وإلى الكتابة عنه، فقد ألف العلامة الشيخ حسن المكي، المعروف بشمة كتابًا في نسبه ومناقبه، وألف الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي كتابًا في مناقب الشيخ ومدائحه.
ومما قيل في مدحه:
العالم اللسن الذي أوصافه* *بعبيرها تغني عن الروض الندي
ومن ارتدى برد المحامد يافعًا* *وتلفع الحسنى بأزكى محتد*
وسما على الأعلام من أهل الهدى* *بمآثر غر وحسن تودد*
ولكم له في كل علم غامض* *سِفرٌ تناهى في الكمال المفرد*
*أدب على النقاد دار حديثه* *متناسقًا كاللؤلؤ المتنضد*

مؤلفاته: 

ترك الإمام الحفني عددًا من المصنفات العلمية والأدبية منها:-
حاشية على شرح الأشموني لألفية ابن مالك في النحو
حاشية على شرح الهمزية لابن حجر الهيتمي
.حاشية على الجامع الصغير للسيوطي في الحديث في جزأين.
حاشية على شرح الحفيد على مختصر جده السعد التفتازاني في البلاغة.
مختصر شرح منظومة المنيني الدمشقي في مصطلح الحديث.
الثمرة البهية في أسماء الصحابة البدرية في التاريخ.
حاشية على شرح المارديني للياسمينية في الجبر والمقابلة.
رسالة في فضل التسبيح والتحميد في الفضائل والآداب.
شرح المسألة الملفقة في تحليل المطلقة ثلاثًا.
- رسالة في التقليد في فروع أصول الفقه.
درر التنوير برؤية البشير النذير (وهي رسالة في الأحاديث المتعلقة برؤية النبي صلى الله عليه وسلم).
إجازة إلى أحمد ومحمد ولدي الشيخ أحمد الجوهري الكريمي (بخط المجيز) بدارالكتب المصرية.
إجازة إلى إسماعيل بن أحمد بن عمر بن صالح الحنفي الطرابلسي (بخط المجيز) بدار الكتب المصرية.
إجازة عثمان أفندي، شيخ الطريقة العقيلية، بخط الشيخ الحفني (نسخة بالمكتبة التيمورية).
- إجازة إلى محمد أفندي بن الحاج عبد الرحيم، بتاريخ 6 من ذي الحجة سنة 1176هـ.
- إجازة إلى محمد بن عربي المشاط المدني (بخط المجيز) بدار الكتب المصرية.
- إجازة إلى محمد الأمير (بخط المجيز) بدار الكتب المصرية.
- إجازة إلى الشيخ منصور بن مصطفى الحلبي.
- إجازة إلى يوسف بن محمد النابلسي (بخط المجيز) بدار الكتب المصرية.
- ثبت الحفني الكبير، ذكر فيه الشيخ الإمام مشايخه.
- سند الحفني الكبير، أورد فيه سنده لبعض الأحاديث والأوراد.
- مختصر ثبت الدمياطي الشهير بابن الميت، ذكر فيها الشيخ الحفني أسانيد شيخه الدمياطي.
ولايته للمشيخة 

اختير الشيخ الحفني -رحمه الله- لمنصب شيخ الجامع الأزهر بعد وفاة الشيخ الشبراوي عام 1171هـ/1757م.
وفاته: 

توفي الشيخ محمد بن سالم بن أحمد الحفني، يوم السبت الموافق 27 من ربيع الأول عام 1181هـ/1767م، عن عمر يناهز الثمانين عامًا، ودفن في اليوم التالي بعد الصلاة عليه في الجامع الأزهر في مشهد حافل وعظيم.

الإمام التاسع

الإمام عبد الرؤوف بن محمد السجيني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


اسمه:

عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجيني الشافعي الأزهري.
وكنيته (أبو الجود).
الميلاد:

ولد ببلدة (سجين) بمحافظة الغربية، سنة 1154هـ(1) .
نسبته:

نُسِبَ إلى بلدته (سجين).
نشأته ومراحل تعليمه:

حفظ القرآن الكريم، ولزم عمه (الشيخ السجيني) وكان من العلماء، كما كان والده أيضًا، رغم أن عمَّه هذا كان كفيف البصر إلا أنه كان من كبار العلماء، فقد كان فقيهًا نحويًّا أصوليًّا شافعيًّا. ويظهر أنه سليل أسرة اشتهرت بالعلم، فقد ذكر الجبرتي في حديثه عن الشيخ السيواسي أن العلامة الشيخ محمد السجيني والد الإمام كان إذا مَرَّ بحلقة درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره، ثم يقول: سبحان الفتاح العليم(2) . ووصف هذا الشيخ والد الإمام بأنه: الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير، وأنه توفي سنة 1158هـ، ثم ذكر أنه تلقى العلم عن الشيخ مطاوع السجيني وغيره، وأنه كان إمامًا عظيمًا وفقيهًا نحويًّا أصوليًّا منطقيًّا، أخذ عنه الكثيرون، وذكر في وفيات سنة 1179هـ اسم العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين، ونخبة المتفهمين، النبيه المتفنن، الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيثمي الشافعي، الشهير بأبي الإرشاد... وذكر أنه تفقه على الشيخ عبد الله السجيني، وأنه تولَّى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبد الرؤوف(3) ، ولعل الشيخ محمد السجيني الذي ذكره الجبرتي أولا هو والد الشيخ الإمام؛ لأنه كان يمر على دروس الشيخ السيواسي ويظهر إعجابه به، والشيخ السيواسي توفي سنة 1148هـ مع أن الشيخ محمد السجيني الأخير ولد سنة 1154هـ كما ذكر الجبرتي(4) . ومهما يكن من شيء فإن الإمام السجيني كان من أسرة اشتهرت بالعلم، وكان أستاذه الأكبر عمه الشيخ الشمس السجيني، وأنه لازم عمه حتى تخرج على يديه، وأنه خلفه في دراسة المنهج، ولعله (منهج الطلاب للأنصاري) فقد كان من الكتب المقررة الهامة في مذهب الشافعي بالأزهر(5) .
أخـــلاقـــه:

كان الشيخ السجيني -رحمه الله- من المعروفين بالعلم والتقوى، والحكمة، وحسن تدبير الأمور.
مـــــنزلــتــه:

كان الشيخ السجيني -رحمه الله- ذا مكانة عالية، وقد اشتهر ذكره قبل ولايته لمشيخة الأزهر بسبب حادثة وقعت في ذلك الحين، ذكرها الجبرتي في تاريخه، وخلاصتها أن أحد التجار بخان الخليلي تشاجر مع خادم فضربه الخادم وفَرَّ من أمامه فتبعه هو وآخرون من التجار، فدخل إلى بيت الشيخ السجيني لائذًا به، فاقتحم التجار البيت وضربه التاجر برصاصة أخطأته وأصابت شخصًا من أقارب الشيخ السجيني -رحمه الله- إصابة قاتلة فهرب الضارب، وطلبه الشيخ وأقاربه فامتنع عليهم، وتعصب له أهل خطته وأبناء جنسه، فاهتمَّ الشيخ السجيني -رحمه الله- بالأمر، وجمع المشايخ والقاضي، وحضر بهم جماعة من أمراء الوجاقلية، وانضمَّ إليهم الكثير من العامة، وثارت فتنة غلَّق الناس فيها الأسواق والحوانيت، واعتصم أهل خان الخليلي بدائرتهم وأحاط بهم الناس من كل جهة، وحضر أهل بولاق، وأهل مصر القديمة، وحدث صدام قتل فيه من الفريقين عدة أشخاص، واستمرَّ الحال على ذلك أسبوعًا... ثم اجتمع ذوو الرأي بالمحكمة الكبرى، وانتهى الأمر بالصلح(6) . وتدل هذه الحادثة على أن للشيخ منزلة مرموقة، وأنه غضب لغضبه مشايخ الأزهر، وجمهرة الشعب، حتى حضروا لنجدته من أطراف القاهرة، من حي بولاق ومصر القديمة، ومن المعروف أن الأمن لم يك مستتبًا في ذلك العصر. ولعل للشيخ من كنيته (أبي الجود) نصيب، ونحن نعلم أن الشعب كان يجل العلماء ويلوذ بهم في الأزمات ويلبي نداءهم في الشدائد.
مـــؤلــفــاتـــه:

لم نعثر فيما رجعنا إليه من مصادر وفهارس على مؤلفات له، ولعله آثر أن يقتدي بآثار السابقين، وأن يكون قدوة عملية لطلابه في السلوك والتدريس.
ولايته للمشيخة:

تولى الشيخ السجيني -رحمه الله- مشيخة الأزهر سنة 1181هـ، عقب وفاة الشيخ الحفني، ولكنه انتقل إلى رحمة ربه في العام التالي. كان الشيخ قبل ولايته لمشيخة الأزهر، تولَّى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر، وظل شيخًا له حتى بعد ولايته لمشيخة الأزهر، فلما مات خلفه فيه ابن أخته الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني(7) .
وفــــاتـــه:

توفي في الرابع عشر من شهر شوال سنة 1182هـ، وصُلِّي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بجوار عمه الشمس السجيني بأعلى البستان.

الأمام العاشر
الإمام أحمد بن عبد المنعم بن صيام الدمنهوري


ولد بمدينة دمنهور (وهي عاصمة محافظة البحيرة الآن) سنة 1101هـ.
نسبته:

نسب إلى مدينة دمنهور التي وُلِدَ بها.
نشأته ومراحل تعليمه:

كان الإمام الدمنهوري -رحمه الله- يتيمًا، وقدم القاهرة وهو صغير السن، فالتحق بالجامع الأزهر واشتغل بالعلم، وجدَّ في تحصيله، واجتهد في تكميله وأجازه علماء المذاهب الأربعة حتى عرف بالمذهبي، وكانت معرفته بالمذاهب الأربعة أكثر من أهلها قراءة وفهمًا ودراية. قال عنه الجبرتي: «قدم الأزهر وهو صغير يتيم لم يكفله أحد، فاشتغل بالعلم، وجال في تحصيله، واجتهد في تكميله، وأجازه علماء المذاهب الأربعة، وكانت له حافظة ومعرفة في فنون غريبة وتآليف، وأفتى على المذاهب الأربعة...»(1) . وقد عُرِفَ الإمام الدمنهوري بقوة حفظه، وكانت له معارف في فنون غريبة، كما كانت له معارف عظيمة في سائر العلوم والفنون العربية والدينية، وغيرها كالكيمياء، والطب، والفلك، والحساب، والطبيعة، والعلوم الرياضية، وعلم الإحياء، وعلوم الفلسفة، والمنطق. ويتحدث الشيخ بنفسه في ترجمة له عن حياته، فيقول: (أخذت عن أستاذنا الشيخ علي الزعتري خاتمة العارفين بعلم الحساب واستخراج المجهولات وما توقف عليها كالفرائض والميقات، وأخذت عنه وسيلة ابن الهائم ومعونته في الحساب، والمقنع لابن الهائم، ومنظومة الياسميني في الجبر والمقابلة والمنحرفات للسبط المارديني في وضع المزاول، وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء -بالقراءة عليه- كتاب الموجز واللمحة العفيفة في أسباب الأمراض وعلامتها، وبعضًا من قانون ابن سينا، وبعضًا من كامل الصناعة، وبعضًا من منظومة ابن سينا الكبرى، والجميع في الطب...
أخــــلاقـــه:

كان الشيخ الدمنهوري -رحمه الله- كريمًا جوادًا في ماله يبذله لكل قاصد، وكان من عادته الجلوس للتدريس بمسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في شهر رمضان، وكان معروفًا بين تلاميذه وزملائه من العلماء أن لا يضع علمه في غير موضعه، ولذلك اتهمه البعض بالبخل في بذل العلم على الرغم من عطائه الوافر، ومصنفاته الكثيرة والمتنوعة، وربما كان السبب الرئيسي في هذه التهمة أن الشيخ الدمنهوري كان لا يضع علمه في غير أهله، ولذا فقد كان ينتقي من يتعلم على يديه.
منزلته:

كان الإمام الدمنهوري -رحمه الله- وحده أُمَّة في العلم والفضل ورِفْعة المقام، ولما زار الإمام -رحمه الله- مكة المكرمة حاجًّا سنة 1177هـ، استُقبل أعظم الاستقبال، فأتى حاكم مكة وعلماؤها لاستقباله، فكان الاستقبال كريمًا يليق بمكانة الإمام الدمنهوري وشخصه، وحين عودته من الحج إلى مصر، استقبله الناس بنفس الحفاوة التي لقيها في مكة المكرمة، ومدحه الشيخ عبد الله الإدكاوي بقصيدة يهنئه فيها بالعودة، فقال:

لقد سرنا وطاب الوقت وانشرحت صدورنا حيث صح العود للوطن
فأنت أمجدنا، وأنت أرشدنا وأنت أحمدنا في السرِّ والعلن

وأجلَّه (علي بك الكبير)، وكان يجلس إلى دروسه، وكان الإمام الدمنهوري رحمه الله - مهيبًا لدى أمراء المماليك، فلما نشبت الفتنة بين زعماء المماليك وأتباعهم من طائفتي (العلوية والمحمدية) فرَّ (حسن بك الجداوي) من زعماء العلوية أمام مطارديه، فلجأ لبيت الشيخ الدمنهوري، فلم يقدر أحد على اقتحام بيته حتى أجاره (إبراهيم بك). وكان لا يعود من دَرْسه إلا في وقت متأخرٍ من الليل، ويحرص على صلاة الفجر، وتحدَّى علماءَ عصره بما كان يطْرَحُ من أسئلة معجزة، ثم يقوم بالإجابة عنها، مما جعل (علي بك الكبير) يتخذه أستاذًا ويستشيره في كثير من أمور الدولة.
مــؤلــفــاتــه:

_ كشف اللثام عن مخدرات الأفهام في البسملة والحمدلة.
- حلية اللب المصون في شرح الجوهر المكنون (في البلاغة).
- اللطائف النورية في المنح الدمنهورية، وهو سند ذكر فيه ما أخذه عن مشايخه
وما درسه واستفاده بجهوده الخاصة، أو ما أخذه رواية ودراسة، ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، وهو شرح لأربع أبيات من ألفية العراقي في مصطلح الحديث، ومنه نسخ في دار الكتب المصرية.
- درة التوحيد (منظومة في علم التوحيد).
- القول المفيد في شرح درة التوحيد، وهو شرح لمنظومته السابق ذكرها.
- الزايرجة، وهو شرح لكتاب (كشف الران عن وجه البيان) لمحيي الدين بن عربي، في التصوف.
- شرح الأوفاق العددية (وهو بحث في استنباط آفاق المستقبل عن طريق الأعداد)، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية.
- شفاء الظمآن بسر (يس قلب القرآن)، وهو شرح لمنظومة تتعلق بسورة يس، ذكرها أحمد بن ساعد في كتابه المسمى (روض العلوم).
- عقد الفرائد بما للمثلث من الفوائد، رتبه على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، في فضل العلم ومزدوجاته، توجد منه نسختان بدار الكتب.
- كيفية العمل بالزيارج العددية، مخطوط بدار الكتب المصرية.
- منتهى الإرادات في تحقيق الاستعارات- في البلاغة.
- سبيل الرشاد إلى نفع العباد- في الأخلاق.
- الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني - في فقه الحنابلة.
- رسالة عين الحياة في استنباط المياه - في الجيولوجيا.
- القول الصريح في علم التشريح - في الطب.
- منهج السلوك في نصيحة الملوك - في السياسة والأخلاق.
- الدرة اليتيمة في الصنعة الكريمة - في الكيمياء.
- إيضاح المبهم من متن السلم، وهو شرح على متن السلم في المنطق.
- الحذاقة بأنواع العلاقة، ذكره الجبرتي ولم يعين الفن الذي تناوله.
- حسن التعبير لما للطيبة من التكبير في القراءات العشر.
- تنوير المقلتين بضياء أوجه الوجوه بين السورتين.
- طريق الاهتداء بأحكام الإمامة والاقتداء على مذهب أبي حنيفة النعمان.
- إحياء الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد - في الحساب.
- الدقائق الألمعية على الرسالة الوضعية العضدية للإيجي - في علم الوضع.
- منع الأثيم الحائر على التمادي في فعل الكبائر - أخلاق دينية.
- الأنوار الساطعات على أشرف المربعات - في الهندسة.
- حلية الأبرار فيما في اسم (علي) من الأسرار - تصوف.
- خلاصة الكلام على وقف حمزة وهشام - قراءات.
- إقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة - فتوى فقهية.
- فيض المنان بالضروري من مذهب النعمان.
- إتحاف البرية بمعرفة العلوم الضرورية.
- بلوغ الأرب في سيد سلاطين العرب.
- تحفة الملوك في علم التوحيد والسلوك (منظومة في مائة بيت).
ولايته للمشيخة:

تولَّى الشيخ الدمنهوري -رحمه الله- مشيخة الأزهر سنة 1182هـ، بعد وفاة الشيخ السجيني.
وفـــاتــه:

توفي الشيخ الدمنهوري -رحمه الله- يوم الأحد 11 من رجب عام 1192هـ الموافق 4 أغسطس سنة 1778م، في منزله ببولاق، فخرج بمشهد حافل مهيب، وصُلِّي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بالبساتين.



الإمام الحادى عشر
الإمام أحمد بن موسى العروسي 
أحمد بن موسى بن داود أبو الصلاح العروسي.
الميلاد:

ولد بقرية (منية عروس) التابعة لمركز أشمون، بمحافظة المنوفية، سنة 1133هـ/ 1720م.
نسبته:

وينسب الشيخ العروسي إلى قريته (منية عروس) التي ولد ونشأ فيها.
نشأته ومراحل تعليمه:

ظل الشيخ العروسي -رحمه الله- في قريته صدرًا من شبابه، حفظ القرآن الكريم، ودرس العلوم الدينية واللغوية، كما درس العلوم الرياضية، والفلك، والمنطق، وأخذ الطريقة الصوفية عن السيد مصطفى البكري، ولازمه، وتلقَّن منه الذِّكر. ثم وفد إلى الأزهر، وتلقى العلوم على كبار شيوخه، فسمع البخاري من الشيخ أحمد الملوي بمسجد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، ودرس تفسير الجلالين والبيضاوي على يد الشيخ عبد الله الشبراوي، ثم سمع من الشيخ الحفني البخاري وشرحه للقسطلاني مرة ثانية. ومختصر ابن أبي جمرة، والشمائل النبوية للترمذي، وشرح ابن حجر للأربعين النووية، والجامع للسيوطي. كما تفقه وتعلم على الشيخ النبراوي، والشيخ العزيزي، والشيخ علي قايتباي الأطفيحي، والشيخ حسن المدباغي، والشيخ سابق، والشيخ عيسى البراوي، والشيخ عطية الأجهوري. كما تلقى سائر العلوم على يد الشيخ علي بن أحمد الصعيدي، ولازمه سنوات عديدة، وكان مُعِيدًا له(1) ، يُلَخِّصُ دروسه ويوضح ما غمض منها، وأفادوا منه كثيرًا. وسمع من الشيخ ابن الطيب، والشيخ يوسف الحفني، والشيخ إبراهيم الحلبي،والشيخ إبراهيم بن محمد الدلجي. كما لازم الشيخ حسن الجبرتي -والد المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي- وقرأ عليه في الرياضيات، والجبر، والمقابلة، وكتاب الرقائق للسبط، وكفاية القنوع والهداية، وقاضي زاده، وغيرها. ثم اتصل بالعلامة الشيخ أحمد العريان، الذي أحبه واعتنى به، وزوجه إحدى بناته، وبشَّره بالسيادة، وبأنه سيصبح شيخًا للجامع الأزهر، وتحققت هذه البشارة بعد وفاته. وجدَّ الشيخ العروسي في تحصيل العلم حتى احتلَّ الصدارة بين علماء عصره، وصار من كبار علماء الشافعية في وقته.
أخــلاقــه:

كان الشيخ العروسي -رحمه الله- معروفًا بالإقدام والجرأة على الأمراء والحكام خاصة فيما يتصل بأمور الناس والصالح العام، وكان مع ذلك رقيق الطبع، هادئًا، مهذبًا، لطيفًا، متواضعًا، كثير الرفق بالناس، وكان قوَّالا للحق مُلتزمًا به، وأصبحت له منزلة عظيمة بعلمه وتسامحه وتقواه، وكان كثيرًا ما يتدخل لتصفية الخلافات بين المتنازعين، وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في أمورهم، وكان لا يتردد في نصيحتهم، ولومهم أحيانًا. قال الجبرتي في وصفه: «رقيق الطباع، مليح الأوضاع، لطيفًا مهذبًا، إذا تحدَّث نفث الدر، وإذا الفتنة اشتعلت لقيت من لطفه ما ينعش ويسر»(2) . وقد كان يعطف على الطلبة، لدرجة جعلت الجبرتي يقول: ولم تزل كؤوس فضله مجلوة حتى ورد موارد الموات.
مــنـزلـتـه:

كانت عائلة الشيخ العروسي -رحمه الله- ذات شهرة واسعة، ونفوذ قوي، ومكانة رفيعة، وكان رجالها من أهل الحلِّ والعقد في البلاد. وقد تبوأ الإمام العروسي -رحمه الله- منزلة سامية بعلمه وصلاحه وتقواه وتسامحه وانتصاره للحق، كانت شفاعته مقبولة لدى الحكام، وكان كثيرًا ما يتدخل لتصفية ما ينشب بينهم من نزاع، فقد توسط في الصلح مع بعض العلماء بين الأميرين إبراهيم بك، ومراد بك، وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في المُلِمَّات. ومما يدل على حب الناس له أنه لما أراد (إبراهيم بك) أن يولي (الشيخ عبد الرحمن العريشي) مشيخة الأزهر ثار العلماء واعتصموا بمسجد الإمام الشافعي، والتف حولهم الناس، وطالبوا أن يكون الشيخ العروسي -رحمه الله- هو شيخ الأزهر، فنزل على رغبتهم، ولما عاد (الشيخ محمد المصيلحي الشافعي) من الحجاز أغراه أعوانه أن يطلب المشيخة لنفسه، فهو أحق بها، وسايرهم واقتحم المدرسة الصلاحية ودرَّس بها -وكانت وقفًا على شيخ الأزهر- فثار عليه العلماء، ولكن الشيخ العروسي هدَّأَ من ثورتهم، وترك الشيخ المصيلحي يدرس بها احترامًا لعلمه، ومنعًا للفتنة. كان الشيخ العروسي قوالا للحق، لا يحب الجدال العقيم، وكانت شفاعته مقبولة لدى الحكام، وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في مسائلهم، ورفض أن تأتي جنود من خارج مصر لحفظ الأمن، وبيَّن للوالي (إسماعيل بك) خطر ذلك، فعمل بنصيحته وطالب بزيادة أرزاق الجند المصريين فقاموا بواجبهم، ولما طغى (أحمد أغا) الوالي على أهل الحسينية لجأ إليه الناس، فقام معهم وأقنع (إسماعيل بك) بعزله اتقاء للفتنة فعزله. وللشيخ الإمام مواقف مشهودة ضد الأمراء في الدفاع عن الشعب، كان يجابههم فيها بقوة وحزم، دون أن يخشى في الله لومة لائم. ولما اشتد الغلاء وضج الناس بالشكوى، ذهب إلى (الوالي حسن باشا) واتفق معه على وضع (تسعيرة للخبز واللحم والسمن) وخرج المحتسب ليعلن في الأسواق السياسة التموينية الجديدة، ويهدد من يخرج عليها، فزالت الغمة.
مــؤلـفـاتــه:

_ قال الجبرتي عن الإمام العروسي «لم يشتغل بالتأليف إلا قليلا لاشتغاله بالتدريس»(3) .
- شرح نظم التنوير في إسقاط التدبير للشيخ الملوي (في التصوف).
- حاشية على الملوي على السمرقندية (في البلاغة).
ولايته للمشيخة:

تولى مشيخة الأزهر الشريف بعد وفاة الشيخ الإمام الدمنهوري - رحمه الله – سنة 1192هـ وظل شيخا للأزهر حتى وفاته.
وفــاتـــه:

وقد لقي الشيخ الإمام العروسي -رحمه الله- ربَّه في الحادي والعشرين من شهر شعبان، سنة 1218هـ، ودفن بمدفن صهره الصوفي الورع الشيخ العريان.
avatar
sadekalnour
مدير عام

عدد المساهمات : 4128
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

الإمام الثانى عشر
الإمام عبد الله الشرقاوي 



ولد الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- في قرية الطويلة، من ضواحي بلبيس، بالقرب من قرية القرين في محافظة الشرقية سنة 1150هـ.
نــسبـتــه:

نسب إلى الشرقية.
نشأته ومراحل تعليمه:

حفظ في طفولته القرآن الكريم في (القرين) حيث نشأ بها، وتطلع إلى المعرفة فشد رحاله إلى الجامع الأزهر حيث درس على كثير من أعلام علمائه، مثل: الشهاب الملوي، والشهاب الجوهري، والعلامة الشيخ علي الصعيدي، والشيخ الإمام الحفني، والشيخ الإمام الدمنهوري. ومال بفطرته الطبيعية إلى التصوف، فتلقن مبادئ الطريقة الخلوتية على الإمام الشيخ الحفني، ثم اتصل بالصوفي الشهير العارف بالله الشيخ محمود الكردي ولازمه، فرباه وأرشده، وقطع به مدارج الطريق، ولقَّنه أسراره فأصبح في مقدمة المريدين وطليعتهم. وقد تقلبت به الأحوال فتجرع مرارة الفقر كما ذاق حلاوة اليسر، وعاش في ظلال الخمول والنسيان، كما عاش في أضواء الجاه والسلطان، فاستفاد خبرة وتجربة ضمها إلى ما استفاده من علم وعرفان إلى ما أحرزه من مجاهدة روحية في مجال السلوك الصوفي، فصقلته التجارب وهذَّبته المعارف، وزكَّته النفحات، وبهذا نال الصدارة في دنياه، وفاز بالزلفى إلى الله في أخراه.
تـــلامــيـذه:

من العلماء الذين تعلموا على يد الإمام الشرقاوي -رحمه الله- الفقيه النبيه الشيخ حسين بن الكاشف، الذي جذبه الإمام الشرقاوي إليه، فانخلع من الإمارة والقيادة العسكرية، ولازم الشيخ وتفقَّه على يديه. ومنهم العلامة الشهير إبراهيم البجيري الذي تخصص عليه في علم مصطلح الحديث. ومن ألمعهم العلامة العمدة الشيخ محمد الدواخلي الذي لازم الشيخ الإمام في فقه مذهبه وغيره من المعقولات ملازمة كلية، وانتسب له، وصار من أخص تلاميذه.
أخـــلاقـــه:

كان الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- متسامحًا متساهلا، وقد خاض في حياته أحداثًا جسامًا، كان يلقاها بالمرونة والحكمة، وقد أعانته نزعته الصوفية على الرفق والتؤدة والتسامح، على الرغم مما قاساه من خصومة وعداء.
مـــنزلــتــه:

كان الشيخ عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- شيخ علماء الشافعية ومفتيهم في عصره، وتنوع مؤلفاته في العلوم دليل على سعة علمه وفضله في الفقه والحديث والعقائد، وكما كان للشيخ رأي مسموع في الشؤون الدينية، كان له أيضًا رأي مسموع في الشؤون السياسية، فقد عاصر الشيخ -رحمه الله- الحملة الفرنسية على مصر، وقاد الشعب من أجل مقاومتها حينًا، ومن أجل التخفيف من شدة وطأتها على الشعب حينًا آخر، وطار صيته في كل مكان، وكتب عنه الأوربيون فصولا طوالا، وذهب كل من كتب عنه مذهبًا يتفق ومدى فهمه للأحداث الجسام التي وقعت في هذه الفترة القصيرة الحافلة في تاريخ الوطن.
مـؤلـفــاتــه:

- التحفة البهية في طبقات الشافعية، ضمَّنه تراجم الشافعية حتى سنة 1212هـ، ورتَّبه على حروف المعجم، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- العقائد المشرقية في علم التوحيد.
- الجواهر السنية في شرح العقائد المشرقية -السابق ذكره- وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية الشرقاوي على كتاب التحرير، للشيخ زكريا الأنصاري.
- حاشية على شرح الهدهدي على أم البراهين، المسماة بالصغرى لأبي عبد الله بن يوسف السنوسي، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- شرح حكم ابن عطاء الله السكندري، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- ثبت الشرقاوي، ذكر فيه أسانيد شيوخه في التفسير، والحديث، والفقه، وفي الأحزاب والأوراد، توجد منه أربع نسخ خطية بدار الكتب.
- مختصر الشمائل وشرح المختصر، كلاهما من تأليفه.
- رسالة في (لا إله إلا الله).
- رسالة في مسألة أصولية في جمع الجوامع (أصول فقه).
- شرح رسالة عبد الفتاح العادلي في العقائد.
- شرح مختصر في العقائد والفقه والتصوف، مشهور في بلاد داغستان.
- شرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف.
- شرح ورد السَّحر للبكري.
- مختصر مغني اللبيب لابن هشام في النحو والإعراب.
- فتح المبدي شرح مختصر الزبيدي في الحديث، طبعت منتخبات منه ومن شرح الشيخ الغزي على هامش كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للبخاري.
- تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين، مطبوع على هامش كتاب (لطائف الأول فيمن تصرف في مصر من الدول). من هنا نرى غزارة علوم الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- وتنوعها.
ولايته للمشيخة:

لما مات الشيخ أحمد العروسي شيخ الأزهر عام 1208هـ، تولَّى الإمام الشرقاوي مشيخة الأزهر بعده، وكان من المرشحين معه لتولِّي هذا المنصب العلمي والديني الجليل الشيخ مصطفى العروسي، لكنها آلت إلى الشيخ الشرقاوي، وأسندت له، وتولاها وهو موضع ثقة الجميع.
وفـــاتـــه:

لقي الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- ربه يوم الخميس، الثاني من شوال سنة 1127هـ، وذكر الجبرتي أنه لما مات الشيخ الشرقاوي صلى عليه بالأزهر جمع كثير، ودُفِنَ في مدفنه الذي بناه لنفسه، فقد كان الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي -رحمه الله- ناظرًا على وقف وقفته السيدة الخاتون (خوند طغاي الناصرية) بالصحراء للصوفية والقراء، وكان الفرنسيون دمَّروه، فأنشأ الشيخ به مسجدًا وبنى لنفسه إلى جواره قبرًا وعقد عليه قبة، وجعل تحتها مقصورة بداخلها تابوت عالٍ مربع وبنى بجانبه قصرًا ملاصقًا له^(1) . وإن الباشا -الوالي- أصدر فرمانًا بعمل مولد سنوي له، واحتفى الناس بهذا المولد، وأقاموا الموائد ومدوا الأسمطة، وحضره جمع كبير من الفقهاء والمشايخ والأعيان.


الإمام الثالث عشر
الإمام محمد الشنواني 

محمد بن علي بن منصور الشنواني الشافعي.

الميلاد والنِّسْبَة:

ولد الشيخ محمد الشنواني -رحمه الله- في قرية شنوان الغرف، محافظة المنوفية، وإليها نُسِبَ(1) .
نشأته ومراحل تعليمه:

تتلمذ على كثيرين من أعلام عصره، وهم المشايخ: فارس، والصعيدي، والدردير، والفرماوي، وتفقَّه على الشيخ عيسى البراوي، ولازم دروسه وقرأ على يديه، وقد أجازه الشيخ بعد أن أعطاه جُلَّ ما عنده، واطمأن لعلمه؛ لأن الشيخ الشنواني -رحمه الله- كان ذكيًّا فطنًا جيد الحفظ، فأولاه أستاذه عنايته، واختصه بنفسه لاجتهاده وأدبه.
أخــلاقــه:

عُرِفَ الشيخ -رحمه الله- بالسماحة، وشدة الحياء، والتواضع، ومن تواضعه أنه كان لا يحب التزاحم على المظاهر الدنيوية، فلم ينافس غيره في التدريس بالأزهر وإنما قنع بإلقاء دروسه بالجامع المعروف بالفكهاني بالعقادين، بالقرب من داره في (خوشقدم) فأقبل عليه الطلبة، وانتفعوا بآرائه وتوجيهاته، كما انتفعوا بأخلاقه وآدابه. ويحدثنا الجبرتي عن أخلاقه، فيقول: «كان مهذب النفس مع التواضع، والانكسار، والبشاشة لكل أحد من الناس ويشمر ثيابه ويخدم بنفسه ويكنس الجامع ويسرج القناديل».
مــنزلـــتـه:

كان الشيخ الشنواني -رحمه الله- مع تواضعه وزهده وعزوفه عن الاتصال بالحكَّام لا يتردد في إبداء النصيحة لهم، وفي الشفاعة عندهم، وكان الشيخ -رحمه الله- من قادة الشعب، وشارك -رحمه الله- في مقاومة الحملة الفرنسية، وقد حاول الوالي أن يستولي على كل أراضي الدولة وأن يتخذ العلماء مطية حيث أفهمهم أنه سيترك أراضيهم لهم يزرعونها بمعرفتهم ويستغلونها، فتصدَّى له الإمام الشنواني وطالبه بالإفراج عن الأوقاف المحبوسة للطلبة فوافقه، ثم طالبه بإلغاء أمر الاستيلاء على بقية الأراضي فرفض. ويحدثنا الجبرتي عن منزلته العلمية، فيقول عنه: «شيخ الإسلام، وعمدة الأنام، الفقيه العلامة، والنحرير الفهامة... من أهل الطبقة الثانية، الفقيه، النحوي، المعقولي»(2) .

مــؤلـفاتــه:

- حاشية على شرح الجوهرة (جوهرة التوحيد)، وهي منظومة في علم التوحيد، نظمها الشيخ إبراهيم اللقاني، وشرحها ابنه الشيخ عبد السلام في كتابه (إرشاد المريد).
- الجواهر السنية بمولد خير البرية، وهي تقييدات جمعها المؤلف من بعض كتب مشايخه وغيرهم على مولد المدابغي، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية الشنواني على مختصر البخاري لابن أبي جمرة، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- ثبت الشنواني (إجازة أجاز بها تلميذه المبلط)، قال فيها: «لازمني مدة مديدة، وسنين عديدة حضورًا وسماعًا وبحثًا... حتى غزر علمه... ثم التمس مني الإجازة وكتابة السند، فأجبته بذلك بشرط ألا يترك الإفادة»، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية على السمرقندية (في علوم البلاغة).
- حاشية على العضدية (في آداب البحث).
ولايـتـه للــمــشيخـــة:

لما توفي الشيخ الشرقاوي -رحمه الله- توجَّهت الأنظار إلى الشيخ الشنواني، فتغيَّب عن بيته واختفى عن العيون، ولكن الباشا أمر القاضي أن يجمع المشايخ عنده ويتفقوا على شخص يكون خاليًا من الأغراض، فأرسل القاضي إليهم فحضرت جمهرتهم، فسأل القاضي: هل بقي أحد لم يحضر؟ فقالوا: لم يتأخر عن الحضور إلا ابن العروسي والهيثمي، والشنواني، فأرسل إليهم فحضر ابن العروسي، والهيثمي، فقال القاضي: وأين الشنواني؟ لا بد من حضوره، وأرسل إليه رسولا فذهب إلى بيته وعاد، فقال: إنه غائب عن داره منذ ثلاثة أيام، وقد ترك لكم رسالة جئت بها إليكم، ففتح القاضي الرسالة وقرأها جهرًا على جمهرة العلماء وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، إِنَّنا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوي الهيثمي، فعند ذلك قام الحاضرون وضجَّ المشايخ، فقال بعضهم: إنه لم تثبت له المشيخة حتى ينزل عنها لغيره، وقال بعضهم: لا يكون شيخًا إلا من يدرس العلوم في الأزهر ويفيد الطلبة. فتدخل القاضي ليُنهِي هذه المعركة، فهدأ من روعهم، وسألهم القاضي: من الذي ترضونه؟ قالوا: نرضى الشيخ المهدي، ووافق الجميع، وقاموا وصافحوه وقرأوا الفاتحة، وكتب القاضي بهذا الأمر قرارًا أرسله إلى والي مصر (محمد علي باشا)، وانفضَّ الجميع، وركب الشيخ المهدي إلى بيته في موكب كبير وحوله وخلفه المشايخ وطوائف الطلبة، وأقبل الناس على بيته للتهنئة، وانتظر الجميع موافقة الوالي على هذا القرار. ولكن محمد علي رفض تعيين الشيخ المهدي؛ لأنه صاحب تاريخ حافل في الزعامة ورفض الضيم، فمحمد علي لا يقبل شيخًا يتدخل في شؤون الحكم ويقود العلماء والطلبة في مقاومة المظالم كما كان كبار مشايخ الأزهر يفعلون، ولهذا اشترط في شيخ الأزهر -كما قلنا- أن يكون خاليًا عن الأغراض، وهو لم ينس أن مشايخ الأزهر هم الذي عزلوا الوالي السابق، وهم الذين عينوه، فاضطر الباب العالي إلى النزول إلى مشيئتهم، ومن يملك العزل والولاية يكون خطرًا على باب دولته التي بدأ في تكوينها. لذا فقد أرسل محمد علي باشا جنوده في طلب الشيخ الشنواني، فجدُّوا في البحث عنه حتى عُثِرَ عليه في المكان الذي اختفى فيه بمصر القديمة، فأخبروه بطلب الوالي له، فذهب معهم. ثم أرسل محمد علي إلى المشايخ بالحضور إلى مقره بالقلعة، فلمَّا حضروا وجدوا الوالي وعنده الشيخ الشنواني، فأعلن محمد علي الشيخ الشنواني شيخًا للجامع الأزهر، ولم يعترض الشيوخ على جعل الشيخ الشنواني شيخًا على الأزهر. ثم عاد الشيخ الشنواني إلى بيته في جَمْعٍ كبير وموكب رسمي عظيم، وكانت دار الشيخ صغيرة متواضعة لا تتسع لهذا الموكب ولوفود المهنئين، فأنزله السيد المحروقي في دار (بان الزليجي) بحارة خوشقدم، وأرسل إليه الطباخين والفراشين والأغنام والأرز والحطب والسمن والعسل والسكر والقهوة وأوقف عبيده وخدمه لخدمة القادمين، وازدحم الناس على الشيخ الشنواني -رحمه الله- مهنئين وأتوا أفواجًا، وكان ذلك في يوم الثلاثاء، الرابع عشر من شهر شوال سنة 1227هـ = 20 من أكتوبر سنة 1812م، ولما كان يوم الجمعة ذهب الشيخ الإمام إلى الجامع الأزهر، فصلى الجمعة، وازدحمت الجماهير عليه مهنئين له(3) .ولم يترك الشيخ -رحمه الله- مكانه في الدرس بعد تولي المشيخة، وكان متبحِّرًا في علوم اللغة، كما كان مُولعًا بعلم الكلام والرياضيات.
وفــاتــه:

كان الشيخ الإمام الشنواني -رحمه الله- متواضعًا في حياته وفي شؤون معاشه، وأقبلت عليه الدنيا فلم يهنأ بها، فقد اعترته الأمراض إلى أن توفي يوم الأربعاء رابع عشر من المحرم سنة 1233هـ = 23 نوفمبر سنة 1817م، وصُلِّي عليه بالأزهر في مشهد عظيم، ودُفِنَ بتربة المجاورين


الإمام الرابع عشر

الإمام محمد العروسي

محمد ابن الإمام أحمد بن موسى بن داود العروسي.

نشأته ومراحل تعليمه

تلقى الشيخ محمد العروسي -رحمه الله- العلم على يد والده، وظهرت نجابته، فلمَّا توفي والده حلَّ محلَّه في التدريس لطلبته، وكان شغوفًا بالدرس، فكان يواصل التدريس لطلبته من الصباح إلى المساء(1) ، ولعل هذا هو الذي شغله عن التأليف، وكان يمتاز بالمرونة واللباقة.
مؤلفاته:

اشتغل الشيخ العروسي -رحمه الله- بالدرس، فكان يقضي وقته من الصباح للمساء في التدريس لا يقوم إلا إلى الصلاة، وهذا ما عوَّقه عن التأليف الذي يحتاج إلى وقت.
ولايته للمشيخة:

تولَّى الشيخ الإمام محمد العروسي -رحمه الله- مشيخة الأزهر سنة 1233هـ. وهو أول شيخ للأزهر وُلِّيَ أبوه مشيخة الأزهر من قبله، ويفصله عن مشيخة أبيه شيخان، هما: الشيخ الشرقاوي، والشيخ الشنواني، وكان الشيخ محمد العروسي -رحمه الله- من المزاحمين للشيخ الشنواني في ولاية المشيخة، لولا أن محمد علي باشا آثر عليه الشيخ الشنواني لما عرفه عنه من تواضعه وانصرافه عن مظاهر السلطة، وكان محمد علي باشا قد ضاق بتدخل الشيخ الشرقاوي، وعمر مكرم في شؤون الحكم دفاعًا عن حقوق الشعب. ولما مات الشيخ الشنواني انعقد الإجماع على إمامة الشيخ محمد بن أحمد العروسي؛ لأنه لم يكن له منافس في التطلع إلى المشيخة، فتقلدها «من غير منازع وبإجماع أهل الوقت، ولبس الخلع من بيوت الأعيان، مثل البكري والسادات» كما ذكره الجبرتي في تاريخه(2) . وحدثت في عهده فتنة حول أكل ذبائح أهل الكتاب، وهي أن الشيخ إبراهيم المالكي الشهير بإبراهيم باشا قرأ في درس الفقه (إن ذبائح أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز أكلها) وسمع فقهاء الثغر بذلك فأنكروه وناقشوه، فقال: إني أخذت ذلك عن الشيخ عليًّا الميلي المغربي، وهو عالم جليل ورع، فأرسلوا إليه فبعث برسالة مفصلة ساق فيها الأسانيد على رأيه، واستند هو أيضًا لرأي الشيخ الطرطوشي في المنع وعدم الحل، وأمر الوالي بجمع العلماء والنظر في هذه المسألة الخطيرة. فأحضر العلماء، وتقدم الشيخ العروسي بلباقته وحسن تأنيه، فقال: الشيخ علي الميلي رجل من العلماء، تلقى عن مشايخنا ومشايخهم (أي: مشايخ المغاربة) لا ينكر علمه، وهو منعزل عن خلطة الناس، ولأنه حاد المزاج (يريد أن يعتذر بهذا عن طعنه في العلماء المعاصرين) والأولى أن نجتمع به ونتذاكر في غير مجلسكم، وننهي بعد ذلك الأمر إليكم. فاجتمعوا في اليوم الثاني، وأرسلوا إلى الشيخ علي لمناظرته فأبى الحضور، وقال: إنه لا يحضر مع الغوغاء، ولكنه يقبل الحضور في مجلس خاص، يحضره الشيخ حسن القويسني، والشيخ حسن العطار فقط؛ لأن ابن الأمير يشن عليه الغارة. فتغير ابن الأمير وأرعد وأبرق، وثار العلماء الحاضرون وأمروا الأغا بالذهاب إلى بيت الشيخ علي وإحضاره قهرًا عنه، فذهب الأغا إليه فوجده قد اختفى، فأخرج زوجته وأهله من بيته وأغلقه، وكتب العلماء رسالة إلى الوالي ذكروا فيها أن الشيخ علي مخالف للحق، وأن إباءه حضور مجلس العلماء، ثم هربه يؤيدان أنه على الباطل، ولو كان مُحقًّا ما اختفى ولا هرب، وفوضوا إلى الوالي التصرف في شأنه وشأن الشيخ إبراهيم باشا الإسكندري، فأصدر الباشا قرارًا بنفي الشيخ إبراهيم إلى بني غازي، أما الشيخ علي فظل مختفيًا. 
وفـــاتــه:

توفي الشيخ الإمام محمد العروسي -رحمه الله- سنة 1245هـ.

الإمام الخامس عشر

الإمام أحمد الدمهوجي

أحمد زين علي بن أحمد الدمهوجي الشافعي.

الميلاد والإقامة:

ولد بالقاهرة سنة 1170هـ، وقيل سنة 1176هـ. كانت داره برقعة القمح، وراء رواق الصعايدة، بجوار الأزهر، وهناك عطفة تعرف بعطفة الدمهوجي.
نسبته:

يعود نسب الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- إلى قرية (دمهوج) بمحافظة المنوفية، بالقرب من بنها، وهي القرية التي يرجع إليها أصل عائلته وإقامتهم فيها قبل انتقالهم إلى القاهرة، لذلك انتسب إليها، برغم أن ولادته كانت في القاهرة.
نشأته ومراحل تعليمه:

تلقى الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- العلوم الأزهرية على أيدي علماء الأزهر وشيوخه، وأثبت في تحصيل العلوم درجة عالية، وشغفًا عظيمًا، فقد كان ذكاؤه باهرًا.
أخلاقه:

كان الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- حسن الصورة، هادئ الطبع، زاهدًا، منقطعًا للعبادة والتدريس وتحصيل العلم.
منزلته:

جاء في كتاب (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) وصفًا للشيخ الدمهوجي، أنه: «الفاضل الجهبذ الهمام، والعاقل العالم الإمام، من استوى على عرش العلوم، وثوى على مهاد المنطوق منها والمفهوم، فهو الفرد الكامل المستجمع لفرائد الفضائل، قد حضر دروس علماء عصره، وفاق حتى انفرد في مصره، وشهد له العموم بأنه بكمال الفضل موسوم، وأذن له شيوخه ذوو المقام المنيف بالتدريس والإفتاء والتأليف، وانتشر في الأقطار ذكره وسما في الأمصار قدره، ولم تزل سيرته حسنى إلى أن دعي إلى المحل الأسنى، وذلك في رمضان سنة ألف ومائتين وست وأربعين»(1) . ولم يأخذ الشيخ حقَّهُ من الشُّهْرَةِ والذُّيوع رغم تلاميذه الكثيرين؛ لانقطاعه للعبادة، وحبه في عدم الظهور وإلقاء الضوء على شخصه. ولا يعرف عن حياته إلا القليل، ولعل هذا يرجع إلى زُهده وتواضعه وبُعده عن مظاهر الحياة ومشاغلها، وانقطاعه الكامل للدراسة والتدريس بالأزهر، فإذا فرغ من دروسه أقبل على الصلاة والعبادة بمسجد الأزهر، وهكذا عاش -رحمه الله- متفرغًا للتدريس والدراسة والعبادة لله.
ولايته للمشيخة:

بعد وفاة الشيخ العروسي -رحمه الله- ظل منصب مشيخة الأزهر خاليًا إلى أن جاء قرار الوالي -بعد إجماع العلماء- بتكليف الشيخ الدمهوجي لتحمل أعباء هذا المنصب، وعُيِّن الشيخان المهدي والأمير وكيلين للشيخ الدمهوجي نظرًا لكبر سنه، واحتياجه لمن يساعده في القيام بمهام هذا المنصب. وقد تولَّى الشيخ الدمهوجي -رحمه الله- مشيخة الأزهر فترة قصيرة جدًّا وهي ستة شهور فقط، حتى توفاه الله.
وفــاتــه:

توفي الشيخ الدمهوجي -رحمه الله.- بعد أن بلغ سبعين سنة، فتوفي ليلة الأضحى سنة 1246هـ = 21 مايو سنة 1831م.

الإمام السادس عشر


الإمام حسن العطار

حسن بن محمد بن العطار.

الميلاد:

ولد في القاهرة سنة 1182هـ، وهو مغربي الأصل، وقد حدد تاريخ مولده بنفسه في منظومته النحوية، حيث ذكر أنه ألفها في يومين في شهر ذي القعدة سنة 1202هـ = 3 أغسطس سنة 1788م، وأن سِنَّه في هذا الحين كانت عشرين عامًا، وذلك حيث يقول:

وألف في يومين عام الذي له (غرب)(1) جاء تاريخًا بشهر أحد عشر
ومعذرة يا صاحبي لمؤلف له عشر أعوام وعشر من العمر

إلا أن بعض المصادر لم تتنبه لهذا النص، وذكر تاريخ مولده بأنه سنة 1180هـ، وبعضها ذكر أن مولده كان سنة 1190هـ.
نسبته:

كان والد الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- عطَّارًا، فنُسِبَ الإمام إلى مهنة أبيه، ولعل والده -رحمه الله- كان يُنْسبُ إليها أيضًا.
نشأته ومراحل تعليمه:

نشأ في كنف والده الشيخ محمد كتن، وكان عطَّارًا فقيرًا مُلِمًّا ببعض العلوم وعلى ثقافة جيِّدة، فكان يستصحب ابنه معه إلى حانوته ويعلِّمه البيع والشراء ويرسله في قضاء حاجاته، ولكن الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- وهو ما زال طفلا كان حادَّ الذكاء مشغوفًا بالعلم، واسع الآمال، فكانت تأخذه الغيرة حين يرى أتْرَابه يترددون على الأزهر لحفظ القرآن الكريم وللدراسة، فكان يتردد خِفْيَة إلى الأزهر لحفظ القرآن الكريم حتى حفظه في مدة يسيرة، وعَلِمَ
أبوه بأمره، فأعانه على التعليم، فالتحق بالأزهر، وجدَّ في التحصيل على كبار المشايخ أمثال الشيخ الأمير، والشيخ الصبان، وغيرهما من كبار العلماء، فظهر
نبوغه وغزارة علمه وتنوع ثقافته في زمن قصير هيأه لتولي التدريس بالأزهر. ولم يقنع بالعلوم المألوفة في عصره، بل درس العلوم الهندسية، والرياضية، والفلكية، وتعمق في دراستها، قال عنه معاصره الشيخ شهاب الشاعر: «إنه كان آية في حِدَّة النظر وقوة الذكاء، وكان يزورنا ليلا في بعض الأحيان، فيتناول الكتاب الدقيق الخط الذي تعسر قراءته في وضح النهار، فيقرأ فيه على ضوء السراج، وربما استعار مني الكتاب في مجلدين فلا يلبث عنده إلا أسبوعًا أو أسبوعين ويعيده إِلَيَّ وقد استوفى قراءته وكتب في طُرَرِهِ على كثير من مواضعه»(2) . ويحدِّثُنا عنه تلميذه العلامة رفاعة الطهطاوي فيقول: «كانت له مشاركة في كثير من هذه العلوم -العلوم العصرية- حتى في العلوم الجغرافية، لقد وجدت بخطه هوامش جليلة على كتاب تقويم البلدان لإسماعيل أبي الفداء سلطان حماة... وله هوامش أيضًا وجدتها بأكثر التواريخ على طبقات الأطباء وغيرها، وكان يطلع دائمًا على الكتب المعربة من تواريخ وغيرها، وكان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية»(3) . وقد حمله شغفه بالمعارف والفنون على التطبيق العملي للمعارف التي تعلمها نظريًّا، فقد اشتغل بصناعة المزاول الليلية والنهارية، وأتقن الرصد الفلكي الأسطرلاب، وسجل هذا في مؤلفاته إلى جانب الطب والتشريح، وبهذا تعددت مواهبه وتنوعت مداركه حتى أصبح شبيهًا بالموسوعات العلمية التي تتناول جميع الفنون، وقد أعانته على ذلك رحلاته العديدة بالداخل والخارج واتصاله الوثيق بعلماء الحملة الفرنسية ومشاهدته التجارب العلمية التي باشرها هؤلاء العلماء. وقد جدَّ الشيخ العطار -رحمه الله- في تحصيل العلم، ووسع دائرة ثقافته العلمية حتى شملت المنقول والمعقول -كما يقول القدماء- وتصدَّر للتدريس في سن مبكرة، وبدأت الأنظار تتجه إليه. ولما داهمت الحملة الفرنسية مصر لم يطق البقاء بالقاهرة؛ ففر إلى أسيوط حيث وجد الأمن والحرية، وإن كان شوقه إلى القاهرة قد برح به، وما قاساه في الغُرْبَة قد أحزنه وأفزعه، هذا إلى ما كابده في سبيل كسب رزقه، وما قاساه من أهوال الطاعون الذي انتشر بأسيوط، فصرع الآلاف وأفزع الباقين. وقد عبَّر عن هذه الأحداث في مسهبة كتبها إلى صديقه المؤرخ الجبرتي قال فيها: «تلك شؤون طال بها العهد، وانجرَّ عليها ذيل الحوادث وامتد، وما كنت أوثر أن يمتد بي الزمن حتى أرى الأسفار تتلاعب بي كالكرة في ميدان البلدان... حصل لي القهر بخروجي من القاهرة واغبرَّ أخضر أيامي الزاهرة، وقد ألجأتني خطوب الاغتراب واضطرتني شؤون السفر الذي هو قطعة من العذاب إلى التقلُّب في قوالب الاكتساب، والتلبُّس بتلبيس الانتساب، وأخفي معالم المجيء والذهاب»(4) . ثم عاد إلى القاهرة بعد أن حصل الأمن، واتصل بناس من الفرنسيين، فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم، ويفيدهم اللغة العربية(5 ) . وبهذا جمع الشيخ الإمام حسن العطار -رحمه الله- بين الثقافة الغربية والثقافة العربية الإسلامية، واستفاد من خبراته العديدة والأحداث المثيرة -التي أصابت وحلت بالبلاد- أعظم استفادة، ولا شيء يُكَوِّن الرجال مثل مقاساة الشدائد واحتمال النكبات ومصارعة الأهوال. ثم أضاف إلى هذا رحلاته العديدة إلى الخارج، فقد أتقن اللغة التركية، وألمَّ بالفرنسية، واختلط بكثير من العلماء النابهين من عرب وأتراك وفرنسيين، فزادت ثروته الثقافية نماء واتِّساعًا وعُمقًا. أما سبب رحلاته الخارجية فنرجح أنه راجع إلى طغيان الفرنسيين وجبروتهم وتنكيلهم بالشعب، بعد أن تعددت ثوراته ضدهم، فهاجر الشيخ الإمام إلى مكة للحج، ثم سافر منها إلى معان، ثم الخليل فالقدس بفلسطين، ورحل إلى الشام، فأقام بدمشق في المدرسة البدرية، ثم رحل إلى ألبانيا حيث استقر بمدينة أشكور مدة، وأخيرًا عاد إلى القاهرة بعد جلاء الفرنسيين عنها، فلفت إليه الأنظار لتنوع ثقافته وتعدد مواهبه، فقد كان متعمقًا في العلوم الدينية واللغوية، وكان عالما فلكيًّا ورياضيًّا، وكان إلى هذا أديبًا وشاعرًا معدودًا في طليعة الأدباء والشعراء في عصره، ولهذا عهد إليه بإنشاء جريدة الوقائع المصرية والإشراف على تحريرها، فكانت فرصة لإظهار آثاره النثرية وروائعه الشعرية، وكانت الوقائع المصرية منبرًا أعلن فوقه آراءه في الدعوة إلى التجديد في مناهج التربية والتعليم، وإلى مناداته بإدخال العلوم الحديثة، والعلوم المهجورة بالأزهر إلى مناهجه. فطالب بدراسة الفلسفة، والجغرافيا، والتاريخ، والأدب، والعلوم الطبيعية، كما طالب بالرجوع إلى أمهات الكتب العلمية، وعدم الاقتصار على المتون والحواشي المتأخرة، كما نادى بالإفادة من أئمة العلماء القدماء وعدم الاقتصار على العلماء المتأخرين القائمين بالتقليد والمحاكاة. هذه النصيحة الجادة المبكرة تلقفها بعد الشيخ الإمام تلميذه النجيب الشيخ محمد عياد الطنطاوي، وتلميذه العلامة رفاعة الطهطاوي، وما زال العلماء الأعلام يتلقفونها جيلا بعد جيل حتى آتت أكلها وأثمرت أينع الثمار في العصر الحديث، والفضل للرعيل الأول من زعماء العلماء الأعلام. وكان شعار الشيخ الإمام قوله: إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها، ولم يكن شعارًا نظريًّا فحسب، بل طبقه تطبيقًا علميًّا، فدرَّس وألَّف في فنون شتى لم تكن مطروقة في عهده، ثم وجَّه تلاميذه إلى التجديد فيما يعالجونه من أبحاث ودراسات حتى ولو كانت تتناول موضوعات قديمة، فقد نجح في إدخال الدراسات الأدبية بالأزهر على يدي تلميذه محمد عياد الطنطاوي، وهو الذي أشار بإرسال تلميذه النجيب رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، وهو الذي وجهه وأرشده إلى استيعاب ما يمكن استيعابه من آثار الحضارة الفرنسية، وأشار عليه بتدوين كل ما يشاهده أو يعرفه أو يسمع عنه فكانت نتيجة التوجيهات أن ألَّف الطهطاوي كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز). وقد أحبَّ الشيخ تلميذه رفاعة الطهطاوي حبًّا كبيرًا؛ لما آنسه فيه من الذكاء والنجابة فقربه إليه وأحاطه برعايته، وكان رفاعة يتردد على بيت شيخه يقرأ عليه بعض كتب العلوم الحديثة، وكان يتلو على شيخه ما نظمه من قصائد شعرية، فيلقى منه التشجيع وحسن التوجيه. وهكذا كان الشيخ يرعى تلاميذه النابهين، ولم يكن يكتفي بالتوجيه والإرشاد، بل كان يعطي القدوة من نفسه، فاشتغل بالآداب شعرًا ونثرًا، وصنَّف فيها كثيرًا من روائع الشعر وفصول النثر والمقامات، وألَّف في المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة، وقام بتدريس الجغرافيا والتاريخ بالأزهر وخارج الأزهر، وكان يتناول الموضوعات القديمة بأسلوب جديد مشوق، فقد لاحظ أن تفسير البيضاوي كاد يكون مهجورًا في الأزهر، فقام بقراءته والتعليق عليه بطريقة مشوقة جذبت إلى حلقته كثيرًا من العلماء والطلبة، فكان إذا بدأ درسه ترك كبار العلماء حلقاتهم وأقبلوا عليه مستزيدين من علمه الفيَّاض، ودفع تلميذه الأديب محمد عياد الطنطاوي ليشرح مقامات الحريري بأسلوبه الأدبي البليغ، كما دفع تلميذه الطهطاوي لتدريس الحديث والسُّنَّة بطريق المحاضرات دون التقيد بكتاب خاص أو نص معروف، فكان ذلك مثار إعجاب العلماء.
أخـــلاقــه:

كان الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- يتمتع بشخصية قوية، وعزيمة ماضية، وأخلاق حميدة، وأدب جم، وتمسك بالحرية، نرى هذا في نشأته حيث رفض الإقامة بالقاهرة حينما عصف بها الفرنسيون فهاجر إلى أسيوط، ثم بعد ذلك هاجر إلى الشام، ثم إلى إسطنبول، ثم إلى ألبانيا، ولم يعد إلا بعد رحيل الفرنسيين عن مصر، وكان الشيخ لبقًا في معاملاته مع الحكام. قال عنه أحمد تيمور باشا: كان الشيخ العطار عالمًا جليلا ذائع الصيت في مصر وسائر الأقطار العربية والشرقية، وأديبًا فريدًا، وشاعرًا مجيدًا، وكان مع ما اتصف به من حميد السجايا طيب الخلال، متواضعًا كريمًا زاهدًا وجيهًا، أينما توجه وحيث أقام. وقد ظهرت آثاره العلمية وشمائله الخلقية في تلاميذه الأعلام أتم ظهور.
مؤلفاته:

كان الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- واسع المعرفة، عميق الثقافة، غزير الإنتاج، وسنذكر ما علمناه من مصنفاته:
- حاشية العطار على الجواهر المنتظمات في عقود المقولات، الحاشية للعطار أما الجواهر المنتظمات فهي شرح لعقود المقولات العشر، وكلاهما (أي: المتن
والشرح) للشيخ أحمد السجاعي المتوفى سنة 1197هـ، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (2409).
- حاشية العطار على التهذيب للخبيصي، وهو شرح على تهذيب المنطق والكلام لسعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 793هـ، في علم المنطق، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (2867).
- حاشية العطار على شرح إيساغوجي في المنطق لأثير الدين المفضل بن عمر الأبهري المتوفى سنة 632هـ، مطبوع.
- حاشية العطار على شرح العصام على الرسالة العضدية، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (5984 هـ).
- حاشية العطار على كتاب نيل السعادات في علم المقولات، لمؤلفه محمد بن محمد البليدي، المعروف بالشريف البليدي، المتوفى سنة 1176هـ.
- رسالة تتعلق بموضوع علم الكلام، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (3854ج).
- رسالة أخرى في علم الكلام، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (25816ب).
- حاشية العطار على شرح الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري لكتاب قواعد الإعراب لابن هشام، وقد طُبِعت هذه الحاشية.
- حاشية أخرى على شرح الشيخ خالد الأزهري على متن الآجرومية، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (4876هـ).
- شرح السمرقندية في علم البيان، ومنها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (5255هـ).
- منظومة العطار في علم النحو، نظمها كما جاء في ختامها سنة 1202هـ، أولها: بحمدك يا مولاي أبدأ في أمري ومنك أروم العون في كل ذي عسر
وأبياتها خمسون بيتًا، وقد طبعت مع مجموعة (أمهات المتون) وشرحها تلميذه الشيخ حسن قويدر الخليلي المتوفى سنة 1262هـ.
- إنشاء العطار في المراسلات والمخاطبات وكتابة الصكوك والشروط مما يحتاج إليه الخاص والعام.
- ديوان العطار، وقد أورد الجبرتي مختارات عديدة منه في كتابيه (عجائب الآثار)، و(مظهر التقديس) كما أورد علي باشا مبارك طائفة مختارة منه.
- مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس، اقتبس منه الجبرتي كتابه المعروف بهذا الاسم.
- رسالة في كيفية العمل بالأسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب والبسائط -وهي آلات رصد فلكية- ذكر هذه الرسالة علي باشا مبارك في ترجمته للمؤلف في الخطط التوفيقية.
- رسائل في الرمل والزيراجة والطب والتشريح وغير ذلك.
- جمع وترتيب ديوان ابن سهل الأندلسي.
- شرح كتاب الكامل للمبرد، أشار إليه المؤلف في قصيدته الطائية في وصفه لجمال الطبيعة بدمشق.
- ثلاث مقالات طبية في الكي والفصد والبط(6) أشار إليها المؤلف في وصف قصيدته الطائية في وصفه لجمال الطبيعة بدمشق، وهذه المصنفات الثلاثة الأخيرة ذكرها المؤلف في قصيدتها الطائية حيث قال: 

وعندي من التأليف شيء وضعته على شرح قانون الحفيد أخي السبط
ثلاث مقالات كبار وضعتها لتعريف حال الكي والفصد والبط
وجزء على كل شرح المبرد كامل أُبيِّن فيه غامض النص بالقط
وألفت في علم الجراح نبذة لتعريف أكل الفول بالقطع والحط*
ولعل للشيخ الإمام آثارًا أخرى طواها النسيان، أو تبددت مع ما تتبدد من الآثار.
ولايته للمشيخة:

وقد نال الشيخ حسن العطار -رحمه الله- شهرة ذائعة حتى قبل ولايته لمشيخة الأزهر، ولما خلا منصب شيخ الأزهر سنة 1246هـ كان هو المرشح البارز
لهذا المنصب، فولاه محمد علي هذا المنصب الكبير لثقته التامة به، ولما يتمتع به من علم غزير وأدب جم، وثقافة عميقة، وبلاغة مرموقة، فظل شيخًا
للأزهر حتى توفي.
وفاته:

توفي الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- سنة 1250هـ في القاهرة، بعد أن ملأ العقول والأسماع بآثاره الأدبية والعلمية، وبعد أن ربَّى طائفة مرموقة
من كبار العلماء والباحثين.
الإمام السابع عشر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الإمام حسن بن درويش القويسني
برهان الدين حسن بن درويش بن عبد الله بن مطاوع القويسني(1)
الميلاد:
ولد في مدينة قويسنا، محافظة المنوفية، ونُسِبَ إليها.
نشأته ومراحل تعليمه:
كان الإمام الشيخ حسن القويسني -رحمه الله- كفيف البصر، ولم تأت لنا كتب التراجم بأي شيء عن نشأته ومراحل تعليمه، وأنه اشتهر باسم البرهان القويسني الشافعي.
تـــلامـــيـذه:
تخرج على يد الإمام الشيخ القويسني -رحمه الله- كثير من أعلام العلماء من أشهرهم: الشيخ إبراهيم الباجوري، والسيد مصطفى الذهبي، والشيخ محمد البناني، ومن ألمع تلاميذه رفاعة الطهطاوي حيث درَّس له جمع الجوامع في أصول الفقه، ومشارق الأنوار في الحديث. وممن تتلمذ عليه حفيده الشيخ حسن القويسني شيخ رواق ابن معمر وأحد مدرسي الأزهر، سنة 1299هـ ودفن مع جده على باب ضريح الشيخ البيومي.
أخــلاقــه ومــنزلــتـه:
كان الإمام الشيخ حسن القويسني -رحمه الله- عالما، تقيًّا، مدققًا، محققًا، ورعًا، زاهدًا، متصوفًا، مهيبًا، وقورًا، عزيزَ النفس، ذكر صاحب كتاب كنز الجوهر
أنه: «كان رحمه الله من شرف النفس وعلو الهمة بمكان حتى محمد علي باشا أحبَّ أن يُنْعِمَ عليه بشيء من الدنيا فأبت نفسه ذلك..... واستغرقته الصوفية حتى كانت له أحيانًا شطحات لا يستسيغها غير الصوفية، ومن المعروف أن الإنسان إذا طغت مشاعره فإنه لا يحس غيره ولا يشعر بسواه، فيتصرف تبعًا لما تمليه وتستغرقه محبته، فيذهلون عن الدنيا وما فيها من ظواهر مادية زائلة فيتصرفون وينطقون بما لا يسيغه غيرهم، مما يسمونه الشطحات الصوفية أو الجذب، وكان الشيخ الإمام تعتريه هذه النوبات أحيانًا فيحدث منه ما لا يتسق ومنصبه الكبير، ولكن سرعان ما يثوب إلى حالته الطبيعية فيكون أتم ما يكون عقلا وأحسن ما يكون جلالا وتصونًا، قال صاحب كنز الجوهر: «وكان إذا جاء وقت درسه أفاق وقرأ درسه، ولم يزل على حاله إلى أن توفي سنة 1254هـ». ونذكر هنا موقفًا حدث بينه وبين الشيخ الأمير يدل على سموِّ أخلاق العلماء، فقد ذكر الشيخ محمد سليمان في كتابه «من أخلاق العلماء» ص39 نقلا عن شيخه المرحوم الشيخ عبد المجيد اللبان أنه كانت هناك جفوة بين الشيخ الإمام والشيخ الأمير، وبلغت الجفوة الحاكم، وكان الشيخ الأمير عنده فسأله عن الجفوة وأخبَرَه أن الشيخ القويسني حدَّثه عنها، فقال الشيخ الأمير: ليس بيننا إلا الخير، وما أظن الشيخ القويسني حدَّثك بشيء من هذا، وأثنى على
الشيخ القويسني ثناء جَمًّا، ولما انصرف من عند الحاكم ذهب إلى دار الشيخ القويسني وحدثه بما قاله الحاكم وما أجابه به، فقال له الإمام: صدقت في ظَنِّك، ما قلتُ للحاكم شيئًا، فقال الشيخ الأمير: هكذا أهل العلم يسوون ما بينهم في خاصتهم، وأما مظهرهم فيجب أن يكون قدوة في التآلف والخير، وإمساكًا على عروة الإسلام، وحفظًا لكرامة العلم - وزال بهذا ما بينهما من جفاء.
مــؤلــفـاتــه:
- شرح السلم المنورق لعبد الرحمن بن محمد الصغير الأخضري من علماء القرن العاشر الهجري، والسلم مطبوع. أما الشرح فتوجد منه نسختان خطيتان بدار الكتب رقم (2869)، (4114).
- سند القويسني: قال في أوله: أخذت صحيح البخاري عن الإمام الفاضل الهمام الشيخ عبد الله الشرقاوي عن الشيخ الرحالة، منه نسخة خطية بدار الكتب رقم (23126ب).
- رسالة في المواريث (في الفقه).
ولايــتــه للــمــشـيـخــة:
بعد أن توفي الإمام الشيخ حسن العطار -رحمه الله- تقلَّد المشيخة شيخ الإسلام البرهان القويسني الشافعي سنة 1250 هـ وبقي بها حتى وفاته.
وفـــاتـــه:
توفي الإمام الشيخ حسن القويسني -رحمه الله- سنة 1254هـ في القاهرة، ودفن بمسجد الشيخ علي البيومي بالحسينية بالقاهرة.
avatar
sadekalnour
مدير عام

عدد المساهمات : 4128
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

محمد عبد الموجود رد: الجامع ألأزهر .. نشأتة.. تاريخة .. ومشايخة

مُساهمة من طرف sadekalnour في الأحد نوفمبر 27, 2011 8:53 pm
الإمام الثامن عشر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الإمام السفطي
أحمد بن عبد الجواد الشافعي السفطي، وشهرته: الشيخ أحمد الصائم(1) .
الميلاد:

وُلِدَ الإمام الشيخ السفطي -رحمه الله- في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، في قرية سفط العرفاء من ضواحي الفشن، محافظة بني سويف، وإليها نُسِبَ.
نشأته ومراحل تعليمه:
حفظ الإمام السفطي -رحمه الله- القرآن الكريم في قريته ثم رحل إلى القاهرة ليلتحق بالجامع الأزهر الشريف، فتلقى العلوم على كبار مشايخه وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن محمد السنباوي، الشهير بالأمير الكبير المتوفى سنة 1232هـ الذي أجازه بجميع ما دوَّنه في ثبته^(2) <#2> كما تتلمذ على الشيخ الشنواني المتوفى سنة 1233هـ وهو الشيخ الثالث عشر للأزهر، وعلى الشيخ الإمام الدمهوجي المتوفى سنة 1246هـ، وهو الشيخ الخامس عشر للأزهر، وعلى غيرهم، واشتغل بالتدريس حتى ولِّي مشيخة الأزهر سنة 1254هـ. وبرع الإمام السفطي في تحصيل العلوم وحفظ كل ما يلقى عليه، فأجازه الشيخ الأمير واشتغل بالتدريس، وكانت حلقة درسه من أكبر حلقات الدرس بالجامع الأزهر، وكان تلاميذه من أنبغ التلاميذ، وظل الإمام السفطي يعطي ما لديه لتلاميذه ولا يكتفي بذلك بل نشط في تحصيل العلوم والثقافات ليعيد قراءتها وشرحها على تلاميذه.
أخـــلاقـــه:
كان الإمام السفطي -رحمه الله- مشهورًا بالعِفَّة، والصلاح، والتقوى، وغزارة العلم، وسعة الاطلاع.
مؤلفاته:
ظل الإمام الشيخ السفطي -رحمه الله- منشغلا بالجامع الأزهر وأعبائه والتدريس، مما منعه من وضع المؤلفات والشروح؛ لأنه كان يعطي معظم وقته لتلاميذه ليرد على استفساراتهم، ويشرح ما يصعب عليهم، ولذلك لم تذكر الفهارس والكتب مصنفات للشيخ السفطي سوى إجازتين، إحداهما منه للشيخ أحمد بن محمد الجرجاوي أجازه فيها بما تجوز له روايته مما تلقاه عن أساتذته ومنهم الشيخ الأمير. والثانية: إجازة أجاز بها الشيخ حسنين الملط الحنفي، قال فيها: «وقد أجزت ولدنا المذكور بما يجوز لي وعنِّي روايته، وما تلقيته عن المشايخ ...» .
ولايته للمشيخة:
ولي الإمام الشيخ السفطي -رحمه الله- مشيخة الأزهر عقب وفاة الإمام الشيخ القويسني -رحمه الله- وظل في هذا المنصب يقوم بأعبائه، ويعمل لصالح الجامع الأزهر، وتذليل العقبات أمام الدارسين فيه، والوقوف بجانب علمائه ومشايخه.
وفــاتــه:
توفي الإمام الشيخ السفطي -رحمه الله- سنة 1263هـ، ودفن بقرافة المجاورين.

الإمام التاسع عشر


الإمام إبراهيم الباجوري
إبراهيم بن محمد بن أحمد الشافعي الباجوري.
الميلاد:
وُلِدَ بمدينة الباجور سنة 1198هـ = 1784م.
نسبته:
نُسِبَ إلى بلدة الباجور بمديرية المنوفية فقيل له الباجوري، وبعض المراجع تسميه البيجوري، وقد اشتهرت هذه النسبة، ولكننا نأخذ بالنسبة الصحيحة التي يؤكدها الشيخ الإمام نفسه في مقدمة رسالته في علم التوحيد حيث قال بعد الديباجة: «يقول فقير رحمة ربه الخبير البصير إبراهيم الباجوري ذو التقصير...».
نشأته ومراحل تعليمه:
نشأ الإمام الباجوري -رحمه الله- في كنف والده، حيث حفظ عليه القرآن الكريم، وجوَّده عليه، وقَدِمَ إلى الأزهر لطلب العلم سنة 1212هـ، ولما احتلَّ الفرنسيون القاهرة سنة 1213هـ ترك القاهرة إلى الجيزة فترة يسيرة، ثم عاد إليها عندما رحلت الحملة الفرنسية سنة 1216هـ وجدَّ واجتهد وثابر في طلب العلم، وتتلمذ فيه على أعلام علماء الأزهر مثل: الشيخ محمد الأمير الكبير الذي أجازه بجميع ما ورد في ثبته، والشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ الإمام حسن القويسني، والسيد داود القلعاوي، لكن أكثر تلقيه عن الشيخ الإمام حسن القويسني، والشيخ محمد الفضالي، وفي فترة وجيزة ظهرت عليه آيات النجابة فدرَّس وألَّف في فنون عديدة، وكان يقضي وقته من أول النهار حتى صلاة العشاء في الدراسة والإفادة والتعليم والتأليف، وإذا فرغ من هذا رتَّل القرآن الكريم ترتيلا جميلا بصوت حسن.
تلاميذه:
تخرَّج على يد الإمام الباجوري -رحمه الله- طائفة من علماء الأزهر الأعلام، ومن أبرزهم رفاعة الطهطاوي، الذي لازمه مدة، ودرس عليه شرح الأشموني وتفسير الجلالين.
أخلاقه:
كان يمتاز بالهَيْبَة والوقار، والحرص على كرامة العلماء.
مؤلفاته:
ألَّف الإمام الشيخ الباجوري -رحمه الله- في علوم عديدة مما يدل على سِعَةِ أُفقه، وغزارة علمه، وتعدد ألوان ثقافته، ومن أهم كتبه:
- إجازة من الشيخ الإمام أجاز بها الشيخ عبد المنعم بن محمد السيوطي الجرجاوي الصعيدي المالكي، المتوفى سنة 1326هـ أجازَهُ فيها بجميع مروياته وبما يسند إليه، وبخاصة بما في سند الشيخ محمد بن محمد الأمير الكبير، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم (515) مصطلح الحديث.
- إجازة أخرى منه إلى الشيخ أحمد بن محمد الجرجاوي، الشهير بالمعرف، كان موجودًا سنة 1267هـ، أجازه فيها بكل ما صحَّ عنه وبخاصة ثبت الشيخ محمد الأمير الكبير وغيره، منها نسخة خطية بخط المؤلف في دار الكتب المصرية رقم (512)
مصطلح الحديث.
- إجازة ثالثة أجاز بها حسنين أحمد جلبي الشهير بالملط البوتيجي الحنفي، نسخة بخط المجيز ومذيلة بخاتمه، منها نسخة خطية بدار الكتب رقم (468) مصطلح الحديث.
- إجازة رابعة أجاز بها عبد السلام بن عبد الرحمن الشطي الدمشقي الحنبلي، نسخة بخط المجيز وخاتمه، بدار الكتب المصرية رقم (49) مكتبة تيمور.
- إجازة خامسة أجاز بها علي بن عوض البرديسي الجرجاوي المتوفى سنة 1280هـ، نسخة بخط المؤلف وقد ذيلها بخاتمه، منها نسخة خطية رقم (511) مصطلح الحديث بدار الكتب المصرية.
- المسلسلات، قال في أولها بعد الديباجة: «إن عادة المحدثين أنهم يقدمون المسلسل بالأولية وهو حديث الرحمة... قال صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء...» نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- حاشية على متن الجوهرة، سمَّاها (تحفة المريد على جوهرة التوحيد) لمؤلفها برهان الدين اللقاني، المتوفى سنة 1041هـ.
- حاشية على متن السنوسية، المسماة أم البراهين، لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المتوفى سنة 895هـ.
- حاشية على تحقيق (المقام على كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام) للفضالي المتوفى سنة 1236هـ.
- حاشية على (شرح السعد للعقائد النسفية) لعمر بن محمد النسفي، المتوفى سنة 537هـ.
- فتح القريب المجيد على شرح (بداية المريد في علم التوحيد) للشيخ محمد السباعي، فرغ الباجوري من تأليفه سنة 1224هـ، توجد منه نسختان خطيتان بدار الكتب المصرية رقم (22954 ب)، (23050 ب).
- رسالة موجزة في علم التوحيد، مطبوعة مع مجموعة أمهات المتون.
- منح الفتاح على ضوء المصباح في النكاح، فقه شافعي.
- حاشية على التحفة الخيرية على الشنشورية، في علم الفرائض (المواريث).
- حاشية على فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب، ويسمى أيضًا القول المختار في شرح غاية الاختصار لابن قاسم الغزي.
- حاشية على المنهج في الفقه، مات قبل أن يتمها.
- حاشية على جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي، لم يتمها.
- حاشية على المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية، للترمذي.
- تحفة البشر، تعليقات على مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم لابن حجر الهيثمي، المتوفى سنة 974هـ، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم
(13021ج).
- تعليق على الكشاف في تفسير القرآن الكريم.
- حاشية الباجوري على قصيدة البردة للبوصيري.
- حاشية على قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير.
- حاشية على متن السمرقندية في علم البيان.
- فتح الخبير اللطيف شرح نظم الترصيف في فن التصريف.
- الدرر الحسان على فتح الرحمن فيما يحصل به الإسلام والإيمان للزبيدي.
- حاشية على متن السلم في المنطق.
- حاشية على مختصر السنوسي في المنطق.
ولايته للمشيخة:
ولِّي مشيخة الأزهر في شهر شعبان سنة 1263هـ = شهر يوليو سنة 1847م، ولم يمنعه تولي المشيخة من مباشرة التدريس مع القيام بشؤون الأزهر، ولما تقدَّمت به السِّنُّ وتعاورته الأمراض حدثت أحداث جسيمة بالأزهر لم يستطع السيطرة عليها، وكان الحاكم في هذا الوقت سعيد باشا يؤدي فريضة الحج، وأقام عنه نوابًا أربعة، فرأى هؤلاء النُّواب أنه من الاحترام للإمام الشيخ الباجوري أن لا يُعيَّنوا أحدًا مكانه في المشيخة، وأن يولُّوا أربعة وكلاء يقومون عن الشيخ الإمام الباجوري بإدارة شؤون الأزهر تحت رياسة الشيخ مصطفى العروسي، وهؤلاء المشايخ تم اختيارهم عن طريق الانتخاب، وهم: الشيخ أحمد كيوه العدوي المالكي، والشيخ إسماعيل الحلبي الحنفي، والشيخ خليفة الفشني الشافعي، والشيخ مصطفى الصاوي الشافعي، واستمر الجميع قائمين مقام الشيخ الإمام الباجوري حتى توفي.
وفــاتــه:
توفي الإمام الشيخ الباجوري -رحمه الله- سنة 1277هـ.
الإمام العشرون

الإمام مصطفى العروسي
مصطفى بن محمد بن أحمد بن موسى بن داود العروسي.
الميلاد

ولد الإمام الشيخ العروسي -رحمه الله- سنة 1213هـ.
نشأته ومراحل تعليمه

نشأ الإمام الشيخ مصطفى العروسي -رحمه الله- في بيت علم، فتلقى العلم على يد والده الإمام محمد العروسي شيخ الجامع الأزهر، وعلى أيدي كبار علماء ومشايخ الأزهر.
مؤلفاته

ترك الشيخ العروسي مؤلفات قيمة، منها:

حاشية على شرح الشيخ زكريا الأنصاري للرسالة القشيرية في التصوف (أربعة أجزاء).
- العقود الفرائد في بيان معاني العقائد.
- الفوائد المستحسنة فيما يتعلق بالبسملة والحمدلة.
- الأنوار البهية في بيان أحقية مذهب الشافعية.
- كشف الغمة وتقييد معاني أدعية سيد الأمة.
- أحكام المفاكهات في أنواع الفنون المتفرقات.
- القول الفصل في مذهب ذوي الفضل.
- الهداية بالولاية فيما يتعلق بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج: 52].

ولايته للمشيخة
لما أضعف المرض الإمام الشيخ الباجوري -رحمه الله- وتقدَّم في السن صدر القرار بإنابة أربعة وكلاء عنه في القيام بشؤون الأزهر، ويكون على رأسهم الشيخ مصطفى العروسي، واستمر هذا الوضع حتى بعد وفاة الإمام الباجوري -رحمه الله- إلى أن وليها الإمام مصطفى العروسي سنة 1281هـ، كما وليها من قبل أبوه وجده. وكان الإمام الشيخ العروسي قوي الشخصية حريصًا على النظام والدقة، فخافه الطلاب وهابه المشايخ والأمراء، وكان الشيخ العروسي لا يخشى إلا الله، حريصًا على تنفيذ أوامر الشريعة الإسلامية، بدقة متناهية دون تنازل أو تراخ، وحرم غير الأكْفَاء من التدريس في الجامع الأزهر، وكان يرى أن هذه المكانة -التدريس بالأزهر- يجب ألا تكون إلا لمن توافر فيه العلم، والثقافة، والخلق، والأدب، ومضى في تنفيذ ذلك بعزم وصرامة، فمنع الكثيرين ممن يتحرون التدريس في الجامع الأزهر، ووضع امتحانًا للمدرسين حتى يميز الصالح من الطالح، ولكن لأول مرة في تاريخ مشيخة الأزهر جاء قرار الخديوي إسماعيل بعزل الشيخ العروسي من منصب المشيخة دون تقديم أسباب أو مبررات لذلك العزل، وتم ذلك عام 1287هـ، وكانت هذه الحادثة هي المرة الأولى من نوعها، ويعود ذلك إلى ظلم الخديوي إسماعيل، وتدخله في أمور تمس مشاعر الشعب المسلم الذي ينظر إلى شيخ الأزهر نظرة روحيَّة تتصل بعقيدته، وربما خشي إسماعيل من قوة الشيخ العروسي من أن يقوم بثورة ضد الخديوي أو تشجيع ثورة ضده على الأقل خصوصًا وقد زادت المظالم في عهده، واشتكى الناس من سوء المعيشة وشظف العيش في حين يعيش الخديوي حياة ترف وبذخ لا تتلاءم مع حال الشعب.
وفاته:

توفي الإمام الشيخ مصطفى العروسي -رحمه الله- سنة 1293هـ.

الإمام الحادى والعشرون

محمد بن محمد أمين بن محمد المهدي العباسي الحنفي.
الميلاد:
وُلِدَ بالإسكندرية سنة 1243هـ.
نشأته ومراحل تعليمه:
كان جدُّ الإمام محمد المهدي العباسي مسيحيًّا إلا أنه أسْلَم على يد الشيخ الإمام محمد الحفني وهو يافع، فضمَّهُ الشيخُ إلى أسرته، وأقبل على الدراسة الإسلامية، وحفظ القرآن الكريم وتتلمذ على الشيخ الحفني، وعلى أخيه الشيخ يوسف وغيرهما مثل الشيخ علي الصعيدي العدوي، والشيخ عطية الأجهوري، والشيخ الدردير، حتى أصبح من كبار العلماء. ولما توفي الشيخ الإمام الشرقاوي أجمع كبار العلماء على ترشيحه(1) لمشيخة الأزهر، ولكن الوالي محمد علي باشا آثر بها الشيخ الشنواني. قال الجبرتي عن محمد (الجد) ومحمد (الأب) للإمام: كان من فحول العلماء، يُدَرِّس الكُتُب الصعاب في المعقول والمنقول بالتحقيق والتدقيق، وأنجب ابن محمد أمين والد الإمام، وكان من العلماء المرموقين، وتولَّى منصب الإفتاء. ثم أنجب هذا الابن (وهو محمد أمين الذي تولى منصب الإفتاء) ابنه محمدًا (وهو الإمام الذي تولَّى مشيخة الأزهر) بالإسكندرية فقرأ بها بعض القرآن، ثم حضر إلى القاهرة سنة 1255هـ فأتم حفظه واشتغل بالتعليم سنة 1256هـ، فقر على الشيخ إبراهيم السقا الشافعي، وعلى الشيخ خليل الرشيدي الحنفي، وغيرهم. ولما ولي إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ولاية مصر استدعاه إليه وأصدر أمرًا بأن يتولَّى منصب الإفتاء في منتصف شهر ذي القعدة سنة 1264هـ = 12 أكتوبر سنة 1848م ، وهو في نحو الحادي والعشرين من عمره، ولما يتأهل لهذا المنصب الكبير، وعزل من هذا المنصب الشيخ أحمد التميمي الخليلي، وخلع على الشيخ محمد المهدي خلعة هذا المنصب، ثم عقد له مجلسًا بالقلعة حضره حسين باشا المنسترلي والشيخ الإمام مصطفى العروسي وغيرهما، فاتفقوا على إقامة أمين للفتوى يقوم بشؤونها حتى يتأهل لها صاحبها ويباشرها بنفسه، واختاروا لهذه الأمانة الشيخ خليل الرشيدي. ونزل الشيخ محمد المهدي العباسي من القلعة في موكب كبير من العلماء والأمراء، ووفد عليه كبار القوم والعلماء للتهنئة ومدحه الشعراء، ومن الغريب أن الوالي إبراهيم باشا استدعاه لولاية هذا المنصب -الإفتاء- وهو جالس في حلقة أستاذه الشيخ السقا يتلقى عنه العلم. والإمام الشيخ محمد المهدي العباسي كان يتمتع بذكاء حاد، وبتحصيل علمي وافر، ولكن حداثة سنه جعلت ولايته لهذا المنصب غريبة، ولم تكن موهبته العلمية هي التي رشحته لهذا المنصب في هذه السن المبكرة، وإنما الذي رشحه لذلك هو أن عارف بك الذي تولى القضاء بمصر كانت له صلة صداقة بالشيخ محمد أمين المهدي، والد الشيخ الإمام فلما ذهب إبراهيم باشا إلى القسطنطينية ليتسلم من السلطان مرسوم ولايته على مصر، قابله عارف بك -وكان إذ ذاك شيخًا للإسلام- فأوصاه خيرًا بذرية الشيخ المهدي، وأن يولي منهم من يصلح لمنصب أبيه، وحرص إبراهيم باشا على إرضاء شيخ الإسلام، فعزل المفتي وولَّى الشيخ محمد المهدي مكانه، ولا ينتقص هذا التصرف مكانة الشيخ المهدي، فإن علمه وصلاحه وتقواه رفعته إلى أكبر من منصب الإفتاء، فصار شيخًا للأزهر سنة 1287هـ. ولقد كانت ولايته منصب الإفتاء حافزًا للشيخ على الانكباب على القراءة والبحث والدرس حتى بلغ مكانة الصدارة بين العلماء، وأصبح جديرًا كل الجدارة بمنصب الإفتاء، وجلس للتدريس بالأزهر، فقرأ كتاب الدر المختار، وهو من أهم مصادر الفقه الحنفي، كما قرأ عدة من أمهات الكتب، وباشر أمور الفتوى عن جدارة واستحقاق.
أوصافه الخَلْقِيَّة:
كان الشيخ الإمام محمد المهدي العباسي -رحمه الله- ربْعَة أقرب إلى الطول، مليح الوجه، منوَّر الشيبة، معتدل القامة، ذا هيبة ووقار.
أخلاقه:
اشتهر الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي بالعفة والأمانة والدقة، واشتهر بين الناس بالحزم والعزم، وعدم ممالأة الحكام، فكانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان شديد المحافظة على كرامته وكرامة منصبه الكبير. ومن أروع الأمثلة على ذلك وقوفه في وجه الوالي عباس الأول، فقد طمع هذا الوالي في الاستيلاء على ثروة أسرة محمد علي التي ورثوها عن جدهم هذا، وكانت حجته في الاستيلاء على هذه الثروة أن جده محمد علي وفد إلى مصر لا يملك شيئًا، فكل ما خلفه لذريته إنما هو من مال الأمة ويجب رده إليها ووضعه بيد حاكم الأمة لينفقه في مصالحها، وهي كلمة حق يراد بها باطل، وأراد حمل المفت على إصدار فتوى تؤيد رأيه فرفض الشيخ الفتوى بذلك وأصرَّ على الامتناع، فهدده بالعقاب الرادع فلم يأبه له، فاستعمل معه الوسائل الإرهابية، فلم يحفل بما تعرض له من إرهاب، ثم انجلت المحنة فكان موقفه منها سببًا في علو قدره، وسمو مكانته، وإعظام الولاة والحكام لشأنه.
منزلته:
للشيخ محمد المهدي العباسي مكانة سامية لذا منحه الباب العالي كسوة التشريف من الدرجة الأولى، كما منحه الوسام العثماني الأول في 21 من صفر
سنة 1310هـ = 13 سبتمبر سنة 1892م. وكثيرًا ما كان يتدخل لدى الحُكَّام لدفع المظالم حتى قبل ولايته لمشيخة الأزهر، ومن ذلك أن الشيخ الإمام مصطفى العروسي استصدر وهو شيخ للأزهر أمرًا من الخديوي إسماعيل بنفي الشيخ حسن العدوي إلى إسنا، وكاد هذا النفي يتم لولا أنه استغاث بالشيخ المهدي، فأغاثه وذهب إلى الخديوي متشفعًا وألَحَّ في الرجاء حتى صدر قرار بالعفو عن الشيخ العدوي. وكان الحكام يستشيرون الشيخ الإمام المهدي ف معضلات الأمور حتى غير العلمية منها، لما ألفوه فيه من غزارة العلم، وجودة الرأي، وصدق النصيحة والتقوى والصلاح.
مؤلفاته:
- الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية، وتضمُّ علمًا غزيرًا وثروة فقهية طائلة، وهي مطبوعة بالقاهرة سنة 1301هـ في ثمانية أجزاء كبيرة.
- رسالة في تحقيق ما استتر من تلفيق في الفقه الحنفي.
- رسالة في مسألة الحرام على مذهب الحنفية.

ولايته للمشبخة:

لما تم عزل الشيخ مصطفى العروسي من المشيخة تطلع إليها الشيخ العدوي، ولكن الخديوي إسماعيل ولَّى الشيخ محمد المهدي شيخًا للأزهر مع بقائه في منصب الإفتاء، وبهذا كان أول من جمع بين المنصبين، كما كان أول حنفي تولَّى مشيخة الأزهر، وقد كرَّمه الخديوي إسماعيل فخلع عليه الخلع وأحاطه بالتجلة والاحترام. وقد باشر الإمام الشيخ محمد المهدي عمله بحزم وعزم وتدبر، فبدأ تنظيم شؤون الأزهر الإدارية والمالية، فأعاد لأهل الأزهر كل ما لهم من المرتبات الشهرية والسنوية، وكان حازمًا في إنفاق أموال الأوقاف على مستحقيها بالأزهر، مع التقيد بشروط الواقفين دون تلاعب من الحكام، ولم يزل الإمام الشيخ قائمًا بعمله في المشيخة والإفتاء حتى قامت الثورة العرابية فلم يتجاوب معها فطلب عرابي من الخديوي عزله، فأجاب طلبه في شهر المحرم من سنة 1299هـ = ديسمبر 1881م، وولَّى بدله الشيخ الإمام الإنبابي، وانفرد الشيخ المهدي العباسي بالإفتاء فقط، ولما اشتدت الثورة العرابية كتب العلماء وقواد الثورة قرارًا بعزل الخديوي، وطلبوا منه توقيعه فرفض، ولعله كان يرى أن الذي يملك عزل الخديوي هو الخليفة العثماني وحده، فانحرف عنه العرابيون ووضعوه تحت الرقابة، فاحتجب في داره التي كانت واقعة على الخليج بالقرب من مدرسة الفخري المشهورة بجامع البنات، وتحاشى الناس زيارته فكان لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة في أقرب مسجد إليه. ولما عاد الخديوي إلى الحكم بعد انتهاء الثورة العرابية، عرف للشيخ الإمام حقه وقدر له وفاءه، فلما ذهب العلماء لتهنئة الخديوي ذهب الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي معهم فخصه من دونهم بمزيد من الترحيب والرعاية، وكان بينهم الإنبابي شيخ الأزهر، فلما رأى ذلك خشي أن يعزله الخديوي ليعيد الشيخ الإمام العباسي فاستقال بعد أيام، فأصدر الخديوي قرارًا بإعادة الشيخ العباسي إلى منصب شيخ الأزهر إلى جانب بقائه في الإفتاء، وقد حفظ لنا تيمور باشا نص هذا القرار. وظل الشيخ يباشر عمله في تولي مشيخة الأزهر مرة أخرى حتى سنة 1304هـ فقد علم الخديوي أن جماعة من الكبراء يجتمعون للسمر في بيت الإمام الشيخ المهدي العباسي، فيتكلمون في الأمور السياسية، ويُظهرون سخطهم على الاحتلال البريطاني وعلى ممالأة الحكومة المصرية له، ثم قابل الإمامُ المهدي الخديوي في إحدى المناسبات الاعتيادية فتجهم الخديوي له، ولما هَمَّ الإمام المهدي بالانصراف قال له الخديوي: يا حضرة الأستاذ الأجدر بالإنسان أن يشتغل بأمور نفسه، ولا يتدخل فيما لا يعنيه ويجمع الجمعيات بداره، فقال له الشيخ الإمام: إنني ضعفت عن حمل أثقال الأزهر، وأرجو أن تعفوني منه. ولم يكن الخديوي يتوقع منه هذا الرد، فغضب وقال مُسْتَفْهِمًا: ومن الإفتاء أيضًا؟ فقال له الإمام: نعم، ومن الإفتاء أيضًا، ثم انصرف. ثم أمر الخديوي بإعادة الشيخ الإنبابي للأزهر مرة أخرى، وإقامة الشيخ محمد البنا في الإفتاء. وبقي الشيخ الإمام المهدي بداره فترة حتى أعيد إلى الإفتاء، ثم أصيب بالفالج إلى أن توفي. وكانت مدة ولاية الشيخ المهدي العباسي لمشيخة الأزهر ثمانية عشر عامًا، وولايته الإفتاء كانت أربعين عامًا من سنة 1264 هـ إلى سنة 1304هـ. استصداره أمرًا بوضع قانون تنظيم امتحان مَنْ يريد التدريس بالأزهر استصدر الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي أمرًا من الخديوي بوضع قانون للتدريس فاستجاب له، وكان الأمر قبله قائمًا على أن من آنس في نفسه القدرة على التدريس تصدى له، فألقى درسًا بحضرة شيوخه، فإذا أذنوا له ظل قائمًا بعمله، وكان هذا الأسلوب يفتح ثغرات في النفوذ إلى منصب التدريس، ولهذا ندس بين العلماء من لا يستحق هذه المنزلة. فكان الشيخ الإمام المهدي العباسي هو أوَّل من سَنَّ قانونًا بتنظيم الامتحان، وقد راعى في هذا القانون الأخذ بأطراف من التقاليد القديمة، مع ما جدد فيه ومع الدقة والحزم ومراعاة الأمانة المطلقة في الامتحان. اقتضى قانون الامتحان تعيين ستة من أكابر العلماء الموثوق بأمانتهم وعلمهم، من كل مذهب اثنان إلا مذهب ابن حنبل لندرة طلبته، وجعل الامتحان في أحد عشر علمًا من العلوم المتداولة بالأزهر، وهي: التفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه، وأصول الفقه، والنحو والصرف، والمعاني والبيان والبديع، والمنطق، ومن كان يريد أداء الامتحان لا بد أن يكون قد درس هذه الفنون بالجامع الأزهر، وأن يكون دارسًا لمصادرها الكبرى، مثل السعد في البلاغة، وجمع الجوامع في أصول الفقه، وعليه أن يُقدِّم طلبًا لشيخ الأزهر يذكر فيه أنه يريد الدخول في زمرة العلماء المدرسين وأنه حضر كذا وكذا من الفنون، وحضر مختصر السعد وابتدأ في جمع الجوامع مثلا فيؤخر الشيخ ذلك الطلب حتى يستخبر عن أحواله ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب إلى مشايخه لإبداء رأيهم فيه ولا بد أن يشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسًا، ويُلقي الطالب الدرس المطلوب بوصفه أستاذًا، ويمثل العلماء دور الطلبة فيسألونه ويجيب، ولا يحضر المجلس غيرهم، فإذا أجاب في كل فن نال التقدير من الدرجة الأولى، وإذا أجاب في أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب في الأقل كُتب من الدرجة الثالثة، والأغلبية العظمى من الناجحين نالوا الدرجة الثالثة، وقليل منهم من نال الدرجة الثانية، وأقل من القليل أو النادر من نال الدرجة الأولى، وعدد ممن كانوا يتقدمون لا ينجحون إلا بعد عدة محاولات، وكان من المستحسن ألا يُقبل طلب في الامتحان أكثر من ستة في العام، فإذا زادت الطلبات لأداء الامتحان اختار الشيخ عددًا منهم ويتم الاختيار على أساس الشهرة بالعلم أو كبر السن، والذي يظفر بالدرجة الأولى في الامتحان يرسله الأزهر إلى المعية الخديوية، فتكتب له شهادة تشريف مُتَوَّجة بخاتم الخديوي الأعظم تكون مع الناجح الممتاز، ويمنحه الخديوي خلعة، ويمنحه شريطًا مزينًا بالقصب يضعه في عمامته، ويكتب للجهات المختصة باحترامه، وينال تخفيضًا في أجرة السفر بالقطارات.

وفاته: 

توفي الإمام محمد المهدي العباسي -رحمه الله- ليلة الأربعاء 13 من رجب سنة 1315هـ = 7 ديسمبر سنة 1897م ، عن اثنتين وسبعين سنة، بعد أن لازمه المرض أربع سنوات، فأذَّن المؤذن على المآذن إعلامًا بوفاته، وحزن الناس لموته حزنًا شديدًا، وتكاثرت الحشود على داره للاشتراك في تشييع جنازته حتى بلغ عدد المشيعين زهاء أربعين ألفًا، ودُفن بزاوية الأستاذ الشيخ الإمام الحفني إلى جوار أبيه وجده، بقرافة المجاورين، ورثاه كثير من شعراء عصره، وقد جمع الشيخ الموصلي هذه المراثي في كتاب سماه (المراثي الموصلية في العلماء المصرية) جمع فيها بعض المراثي التي قيلت في بعض العلماء الذين ماتوا في سنة وفاة الشيخ الإمام المهدي العباسي. وقد مات الشيخ الإمام المهدي -رحمه الله- عن ثروة طائلة ورثها عن أبيه وجده ونمَّاها، وكان بيته مفتوحًا أمام جميع الراغبين، ولم تخل مائدته يومًا من الطاعمين.
الإمام الثانى والعشرون

الإمام شمس الدين الأنبابي

ولد بالقاهرة سنة 1240 هـ.
نسبته

نسب إلى أنبابة^(1) ، المعروفة الآن باسم (إمبابة)، ونسب إليها مع أنه مولود في القاهرة؛ لأن والده منها وعاش فيها فترة من حياته.
نشأته ومراحل تعليمه:

بدأ الشيخ الإمام شمس الدين الأنبابي -رحمه الله- حياته بحفظ القرآن الكريم، وبعض المتون، ثم بدأ دراسته بالأزهر الشريف سنة 1253هـ، وتتلمذ على كبار مشايخه مثل: الإمام الباجوري، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ مصطفى البولاقي... وغيرهم، ولَمَّا استوعب علوم الأزهر أسرع كبار أساتذته إلى إجازته بالتدريس، فقد أجازه الإمام القويسني، والإمام الباجوري، والعلامة السقا، والإمام مصطفى العروسي، فتولى التدريس بالأزهر سنة 1267هـ، ولفت إليه الأنظار لما كان يمتاز به من العلم الغزير، ومن حُسن الإلقاء، ومن جودة التعبير، فكثر طلابه، واتسعت حلقته اتساعًا كبيرًا. وكان والد الشيخ الإمام شمس الدين الأنبابي -رحمه الله- من كبار التجار، فورث الشيخ الإمام عنه حب التجارة، وهذا لم يمنعه من متابعة الدراسة والنبوغ فيها، ولهذا كانت له وكالة كبيرة لتجارة الأقمشة يُشرف عليها مع اشتغاله بالدراسة والتدريس، وظلت هذه الوكالة بالغورية معروفة باسمه منسوبة إليه. 
تلاميذه
تخرج على يد الإمام الشيخ شمس الدين الأنبابي -رحمه الله- طائفة من أعلام علماء الأزهر الشريف، منهم الإمام الشيخ حسونة النواوي، والإمام الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي، والإمام السيد علي الببلاوي، والإمام أبو الفضل الجيزاوي، وقد ولي كُلٌّ منهم مشيخة الأزهر بعده، ومنهم أيضًا الشيخ حسن الطويل، والشيخ محمد عبد الجواد القاياتي، وأخوه الشيخ أحمد، والشيخ عبد الله عليش المالكي، والشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ محمد أحمد حسين البولاقي، والشيخ عبد الرحمن قراعة.
أخلاقه:
كان الشيخ الإمام شمس الدين الأنبابي -رحمه الله- خيِّرًا، سمح السجايا، كريم الأخلاق، لم ينل أحدًا بسوء، بل كان يقابلُ السيئة بالحسنة، مشهورًا بالتقوى والصلاح وحُب الخير ومدِّ يد المعونة للضعفاء والمحتاجين(2) .
منزلته
عُيِّنَ الإمام الشيخ شمس الدين الأنبابي -رحمه الله- رئيسًا للشافعية بعد وفاة أستاذه الشيخ السقا، ولما كان يمتاز به الشيخ الإمام شمس الدين الأنبابي رحمه الله- من سُمْعَةٍ طيبةٍ وعلم غزير تمَّ انتخابه أمينًا لفتوى الشيخ العروسي. وفي أثناء ولاية الشيخ شمس الدين الأنبابي -رحمه الله- الثانية للمشيخة أنعم عليه الخديوي بالنيشان المجيدي، ثم بالنيشان العثماني من الدرجة الأولى.
مؤلفاته
ترك -رحمه الله- ثروة علمية قيمة في شتى العلوم والفنون المعروفة في عصره، فلم يكد يترك كتابًا من الكتب الدراسية المشهورة إلا علَّق عليها بالشرح، أو الحاشية، أو التقرير. وفي هذه المصنفات يقول صاحب (مرآة العصر): وكل هذه الرسائل والحواشي والتقارير أتت بجليل الفوائد، ودلَّت على غزارة مادة واضعها، وسعة اطلاعه. وكما ترك ثروة مالية طائلة وقفها على الخير، فإنه ترك ثروة علمية واسعة كان فيها الخير كل الخير، ومن أشهر آثاره العلمي
- إجازة من الإمام الأنبابي إلى تلميذه السيد حسن العلوي بن السيد درويش بن السيد عبد الله القويسني، ذكر فيها أساتذته وما رواه عنهم.
- إجازة أخرى منه إلى تلميذه السيد محمد الهجرسي.
- إجازة ثالثة منه إلى الشيخ يوسف بن عبد الله النقيب، مذيلة بخاتم الإمام وتوقيعه، موجودة بالمكتبة التيمورية رقم (22) مصطلح الحديث.
- تقرير الأنبابي على حاشية الصبان التي استنار بها صاحب (منهج السالك في أحسن المسالك إلى ألفية ابن مالك) في النحو.
- تقريرات الأنبابي على رسالته في دخول الباء بعد الاختصاص تكلم فيها على البيتين المشهورين:

دخولها على الذي قد قصروا الباء بعد الاختصاص يكثر
يذكره الحبر الهمام السيد وعكسه مستعمل وجيد

وتوجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (5204).
- رسالة في علم الوضع، وتوجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية، رقم (5202)، وقد وضع الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري عليها حاشية هو والشيخ زين المرصفي. - تقرير على مختصر السعد وحواشيه في أربعة أجزاء.
- رسالة في بيان الرِّبا وأقسامه.
- رياضة الصبيان وتعليمهم وتأديبهم.
- رسالة في قولهم: (من حفظ حجة على من لم يحفظ).
- رسالة صغرى في البسملة من حيث الفقه.
- رسالة كبرى في البسملة من حيث الفقه.
- رسالة صغرى في تحقيق الاستعارة في قولهم: (زيد أسد).
- رسالة كبرى في تحقيق الاستعارة في قولهم: (زيد أسد).
- فتاوى فقهية.
- تقرير على حاشية العطار على شرح الأزهرية في النحو.
- تقرير على حاشية السجاعي على قطر الندى في النحو.
- تقرير على حاشية السجاعي على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك.
- تقرير على حاشية الأمير على شرح شذور الذهب في النحو.
- تقريران كاملان على حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، كل منها يقع في جزأين.
- رسالة صغرى في حديث: (ليس من أصحابي إلا من شئت لأخذت عنه ليس أبا الدرداء).
- رسالة كبرى في الحديث السابق.
- حاشية على التجريد، شرح مختصر السعد في البلاغة.
- تقرير على شرح جمع الجوامع، وحواشي البنا في أصول الفقه.
- تقرير على حاشية الباجوري على متن السلم للأخضري في المنطق.
- حاشية على آداب البحث.
- تقرير على شرح الشيخ خالد للآجرومية.
- تقرير على شرح حواشي التحرير -لم يتم.
- تقرير على حاشية العطار على شرح المقولات.
- رسالة في مبادئ علم النحو.
- رسالة في إفادة تعريف المسند إليه، والمسند.
- رسالة في حديث (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع).
- تقرير على حواشي السمرقندية في البلاغة.
- تقرير على رسالة الصبان في علم البيان.
- رسالة على حواشي الأمير الملوي.
- رسالة في مقدمة القسطلاني في شرح صحيح البخاري.
- رسالة في شرح رسالة الدردير في البيان.
- رسالة في شرح حاشية البرماوي على شرح ابن قاسم الغزي في فقه الشافعية.
- تقرير على حاشية الصبان على العصام - لم يتم.
- رسالة في قوله تعالى {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}[يس: 37].
- رسالة القول السديد في تزويج المرأة بلا ولي مع التقليد.
- رسالة في شرح مختصر السنوسي - لم يتم.
- شرح على مقدمة سلم العلوم.
- تقرير على حواشي السلم المنورق للأخضري في المنطق.
- تقرير على حواشي شروح السنوسية.
- تقرير على حاشية الشرقاوي على الهدهدي.
- تقرير على حواشي الجلالين - لم يتم.
- رسالة في مداواة الطاعون.
هذا إلى رسائل وفتاوى فقهية عديدة ردَّ بها على المستفتين من الداخل ومن
الخارج كالحجاز واليمن والأفغان.
ولايته للمشيخة
في يوم الأحد التاسع عشر من شهر المحرم سنة 1299هـ/1881م تم تعيينه شيخًا للأزهر أثناء الثورة العرابية، ولم تطل مدة ولايته لمشيخة الأزهر في هذه الفترة؛ لأنه قدَّم استقالته إثر حوادث الثورة العرابية، وذلك لما لاحظ إقبال الخديوي توفيق على الإمام الشيخ المهدي العباسي(3) . وفي اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة 1304هـ، صدر قرار بإعادة تعيينه شيخًا للأزهر، وظل قائمًا بالمشيخة تسع سنوات حتى استقال منها لما ضعفت صحته وأصيب بشلل سنة 1311هـ فعيَّن الخديوي الشيخ حسونة النواوي وكيلا له ليحمل عنه أعباء الأعمال، ولما قنط الشيخ الإمام من الشفاء قدَّم استقالته، فقبلها الخديوي مراعاة لحالته الصحية.
وفاته: 
بعد تقديم الشيخ الإمام شمس الدين الأنبابي استقالته عكف على قراءة كتب السنة الستة، وكتاب الشفاء للقاضي عياض في السيرة النبوية. توفي ليلة السبت الحادي والعشرين من شوال سنة 1313هـ، وكان عمره أربعة وسبعين عامًا، وقد وقف مكتبته وما يملكه من عقار كثير على وجوه الخير، ودُفِنَ بقرافة المجاورين.
ألإمام الثالث والعشرون


• النواوي ، حسونة بن عبدالله 
(1255 – 1343هـ/1839- 1924م) 


ولد في قرية نواي بمركز ملوي بمحافظة أسيوط سنة1255هـ/ 1839م.
وقد حفظ القرآن الكريم ثم التحق بالأزهر، وحضر دروسه على كبار العلماء، أمثال الشيخ الإنبابي -والذي أخذ عنه علوم المعقول- والشيخ عبد الرحمن البحراوي -وأخذ عنه الفقه الحنفي- والشيخ علي خليل الأسيوطي، وغيرهم، وامتاز فضيلته بقوة الحفظ، وجودة التحصيل، وشدة الذكاء. واستمر في دراسته حتى حصل على شهادة العَالِمية.

وبعد تخرجه قام بتدريس الفقه في جامع محمد علي باشا بالقلعة
ثم عمل أستاذاً للفقه بكلية دار العلوم وبكلية الحقوق التي كانت تسمى حينذاك (مدرسة الحقوق)

في سنة 1311هـ(1894م) انتدب وكيلاً لشيخ الأزهر إثر مرض الشيخ الأنبابي
وعجزه عن مباشرة مهام عمله
، ثم صدر قرار بتعيين لجنة لمعاونته في إصلاح شؤون الأزهر وكانت مكونة من: الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان والشيخ سليمان العبد والشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي والشيخ أحمد البسيوني الحنبلي.
كما عُيِّن فضيلته عضوًا دائمًا غير قابل للعزل بمجلس شورى القوانين.

عمله كشيخ للأزهر :
بعد أن قدم الشيخ الإنبابي استقالته من مشيخة الأزهر صدر القرار بتعيين الإمام الشيخ حسونة النواوي شيخًا للأزهر في 8-1-1313 هـ الموافق 30-6-1895م،
وتلا ذلك صدور قرار بتعيينه في المجلس العالي بالمحكمة الشرعية في العام نفسه مع بقائه شيخًا للأزهر.
ظل يواصل عمله في إصلاح الأزهر والنهوض به 
عمل الشيخ أثناء توليه المشيخة علي إعادة تنظيم الأزهر من الناحيتين المالية والإدارية، فرفع من رواتب العلماء والشيوخ وكذا عمل على إدخال العلوم الحديثة في الأزهر بعد أن كادت تهجر تمامًا. وأحضر لتدريس علوم الرياضيات والجغرافيا والتاريخ بالأزهر مدرسين مهرة من المدارس الأميرية،
كما أنشئ في عهده الرواق العباسي بالجامع الأزهر. وكان الشيخ محمد عبده من أقرب معاونيه في إصلاحاته تلك.
كما أنه تم في عهده جمع مكتبات الأزهر في مكتبة واحدة وتنظيمها وصيانتها.
تقلده منصب الإفتاء:
وفي سنة 1315هـ تولى منصب الإفتاء بعد وفاة الشيخ المهدي
فجمع بين الافتاء
بالإضافة إلى مشيخة الأزهر، واستمر يشغل المنصبين معاً في الفترة من 10-6-1313 هـ الموافق 27-11-1895م وحتى 11-1-1317 هـ الموافق21-5-1899م، وأصدر خلال هذه الفترة حوالي(287) فتوى كلها مسجلة بسجلات دار الإفتاء.

عزله :
وفي 25-1-1317 هـ الموافق 4-6-1899م أصدر الخديوي قراراً بتنحيته وتولية ابن عمه الشيخ عبدالرحمن القطب النواوي شيخاً للأزهر 
والسبب كان معارضة فضيلته لندب قاضيين من مستشاري محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركا قضاة المحكمة الشرعية في الحكم

إعادته لمنصبه شيخاً للأزهر: 
وفي 16-12-1324 هـ الموافق 30-1-1907م، أعيد الشيخ حسونة إلى مشيخة الأزهر مرة أخري بعد أن توالى على المشيخة أربعة من المشايخ بعد تنحيته.
استقالته :
وفي سنة 1327هـ استقال من منصبه .
لزم منزله بعد استقالته يلتقي بأصحابه وطلاب العلم 
صفاته:
عرف بعلو الهمة ونقاء اليد لولا جفاء كان يبدو على منطقه في بعض الأحيان وشدة يراها الناس فيه ولكن كان يعدها البعض وسيلة لحفظ هيبة علماء الدين وبخاصة أمام التنفيذيين و الكبراء الذين استهان بعضهم بعلماء الدين المصاحب لسعي الانجليز للسيطرة علي سياسات مصر 
ويذكر عنه إنصافه الشيخ عبد الرحمن قراعة -والذي أصبح مُفتيًا للديار المصرية بعد ذلك- حيث أزال عنه محنة كانت قد ألمَّت به فحصل بعدها الشيخ قراعة على العَالِمية وصار من كبار العلماء.

من مؤلفاته :
-سلم المسترشدين في أحكام الفقه والدين.
: وهو كتاب من جزئين جمع فيه الأصول الشرعية مع الدقائق الفقهية. وقد حاز الكتاب على شهرة كبيرة حتى قرر تدريسه بالمدارس الأميرية.
-قانون تنظيم الأزهر

وفــــاته:
توفي في صباح الأحد 24-10-1343 هـ الموافق 17-5-1925م
ألإمام الرابع والعشرون
النواوي ، عبدالرحمن قطب (1255 – 1317هـ/1839 – 1900م)

ولد سنة 1255هـ في قرية ( نواي ) من أعمال مركز ملوي بمحافظة أسيوط .
وتلقب بالنواوي نسبة إلي هذه القرية.
تتلمذ على كبار مشايخ العلماء مثل الشيخ عبد الرحمن البحراوي، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ الأنبابي، والشيخ عليش
تخرج في الأزهر
وتولى أمانة فتوى مجلس الأحكام سنة 1280هـ مُساعدًا للشيخ البقلي

ثم تولى قضاء مديرية الجيزة سنة 1290هـ
ـ ثم تولي قضاء مديرية الغربية سنة 1296هـ
ثم نقل إلى المحكمة الشرعية الكبري بالقاهرة سنة 1306هـ
ثم نقل إلى قضاء الإسكندرية سنة 1309هـ .
تولى إفتاء نظارة الحقانية سنة 1313هـ .(#1)
وفي 25-1-1317 اختير شيخاً للأزهر بعد تنحية ابن عمه الشيخ حسونة النواوي لكنه لم يمكث في منصبه كشيخ للأزهر إلا شهراً واحداً حيث وافته المنية.
وليس له كتب من تأليفه لانشغاله في القضاء والإفتاء، وبُعدَه عن التدريس
توفي في صفر 1317هـ
ألإمام الخامس والعشرون


البشري ، سليم بن أبي فراج بن السيد سليم بن أبي فراج 
(1248 – 1335هـ/1832 – 1917م)



ولد فى ( محلة بشر ) من قرى شبراخيت محافظة البحيرة عام 1248 هـ 1832 مـ

مات والده وهو في السابعة من عمره، فكفله أخوه عبد الهادي البشري.
فلما بلغ التاسعة كان قد حفظ القرآن فتوجه للقاهرة فنزل على خاله السيد بسيوني البشري، وهو من شيوخ مسجد السيدة زينب ، فتلقى عنه مبادئ العلوم، وظلَّ في كنفه مدة عامين درس فيهما عليه وعلى غيره من العلماء قراءات القرآن الكريم
ثم التحق بالأزهر وهو في كنف خاله، حيث درس الفقه على مذهب المالكية ، وظل يواصل الدراسة بالأزهر تسع سنوات 
تلقى علومه بالأزهر على يد علمائه الأجلاء كالشيخ برهان الدين الباجوري، والإمام البرهان إبراهيم السقا، والعلامة المحدث الأمير الصغير، والعلامة محمد الخناني، و الشيخ عليش 

تصدره للتدريس:
كان الشيخ الخناني يقرأ كتابًا من أمهات الكتب على متقدمي الطلبة، وفي أثناء قراءته الكتاب أصيب بمرض الفالج وبقي في فراشه أَشْهُرًا والطلبة في انتظاره، فلما أحسَّ بشيء من الراحة طلب أن يُحمَلَ إلى مجلس علمه، فلما وصل قال لطلبته:
" إني ذاهب وليس فيَّ فضلة لتدريس العلم، وإني مستخلف عليكم لإتمام درسي أجدر الناس به "
وأمسك بيد الشيخ سليم وأجلسه في مجلسه، و استخلفه فى قراءة أمهات الكتب مع تلامذته فباشر عمله فى التدريس سنة 1269 هـ و ذاع صيته و تخرج على يديه كثير من الأزهريين النابهين منهم الشيخ محمد راشد إمام المعية السنية (أي: الحاشية الخديوية)، والشيخ بسيوني البيباني، والشيخ محمد عرفة، 

لما اتجهت النية إلى إصلاح الأزهر في عهد الشيخ حسونة النواوي كان الشيخ سليم البشري في مقدمة كبار العلماء الذين وقع عليهم الاختيار لعضوية مجلس إدارة الأزهر مع الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان وغيرهم ، فكان عضوا بارزًا في مجلس إدارة الأزهر

أصيب بالروماتيزم فلزم فراشه حولين كاملين ، فكان الطلاب يترددون علي بيته لتلقي الدروس 
ولما أتم الله عليه العافية عين شيخاً لمسجد السيدة زينب 
وكان هذا المسجد خلواً من المدرسين فأوعز إلي سبعة علماء للتدريس به منهم من يقرأ الحديث ومنهم من يقرأ الفقه على المذاهب الأربع ومنهم من يقرأ الأخلاق وغير ذلك، وطلب لهم مرتبات من الأوقاف ورتب لهم ذلك حتّى صار ذلك الجامع كأنه قطعة من الأزهر 
في سنة (1305 هـ) صار شيخا للمالكيّة وكانت قد الغيت نحو خمس سنوات بعد الشيخ عليش فأحياها الشيخ بتوليه نقابة المالكية
أملى مجالس الحديث النبوي الشريف في مصر بالجامع الأزهر ومسجد السيدة زينب ومسجد السلطان الحنفي ومسجد محمد بك أبي الذهب وغيرها
بجانب تدريسه للعلوم فى الأزهر كان شيخا و نقيبا للمالكية و عضوا ً فى مجلس إدارة الأزهر
ولايته لمشيخة الأزهر :
لكونه من الاصلاحيين وقع عليه الاختيار ليكون شيخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن النواوي فاعتذر الشيخ سليم عن عدم قبوله هذا المنصب وبالغ في الاعتذار محتجًّا بكبر سِنِّه وضعف صحته، ثم تراجع أمام الإلحاح الشديد وقبل المنصب، فصدر الأمر بتعيينه شيخًا للأزهر في 28 -2-1317هـ الموافق 1899م

استقالته :
استقال من المنصب عام 1320 هـ 1902 م
سبب الاستقالة : 
اختار الشيخ سليم البشري أحد العلماء -وهو الشيخ أحمد المنصوري- شيخًا لأحد أروقة الأزهر ، ولم يكن الحاكم راضيًا عن هذا، فأوعز إلى الإمام بالعدول عن تعيينه فأبى الشيخ سليم البشري الرجوع عن اختياره وقال:
«إن كان الأمر لكم في الأزهر دوني فاعزلوه، وإن كان الأمر لي دونكم فهذا الذي اخترته ولن أحيد عنه»
فتغير صدر الحاكم عليه فأرسل إليه من قال له: «إن تشبثك برأيك قد يضرك في منصبك»
فرد الشيخ : «إن رأيي لي، ومنصبي لهم، ولن أُضحي لهم ما يدوم في سبيل ما يزول».
وقدَّم استقالته
فقُبلت استقالته يوم 2-12- 1320هـ الموافق سنة 1903م، وعُيِّن بدلا منه الشيخ علي بن محمد الببلاوي، ثم عُيِّن بعده الشيخ الشربيني، ثم أُعِيدَ الشيخ حسونة النواوي

إعادته لمنصب شيخ الأزهر :
في سنة1327 هـ 1909 مـ، صدر قرار بإعادة تعيينه شيخًا للأزهر مرة ثانية ، وكان ذلك وفقا لشروطه 
على الرغم من أعبائه فى المشيخة و نقابة المالكية لم يترك التدريس و التأليف و قيادة حركة إصلاحية
و بقى بالمنصب (شيخ الأزهر ) حتى توفي سنة 1335 هـ بعدما أظهرت مواقفه بشجاعته و بعد نظره مما رفع من شأن الأزهر علماء و طلابا

من مؤلفاته:
1 حاشية تحفة الطلاب لشرح رسالة الآداب (فى الأدب)
2 حاشية على رسالة الشيخ عليش ( فى التوحيد)
3 شرح نهج البردة ، وهي قصيدة شوقي التي عارض فيها بُردة البوصيري 
4 الاستئناس فى بيان الأعلام و أسماء الأجناس (فى النحو)
5 المقامات السنية في الرد على القادح في البعثة النبوية
6 عقود الجمان في عقائد أهل الإيمان
وفاته :
توفي سنة 1335 هـ 1917 م
وقد رثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم بقصيدة أنشدها عند دفنه فقال :

أيدري المسلمون بمن أصيبوا ::::: وقد واروا ( سليما ) في التراب
هوى ركن الحديث فأي قطب ::::: لطلاب الحقيقة والصواب
( موطأ مالك ) عز ( البخاري ) ::::: ودع لله تعزية ( الكتاب )
فما في الناطقين فم يوفي ::::::: عزاء الدين في هذا المصاب
قضى الشيخ المحدث وهو يملي :::::: على طلابه فصل الخطاب
ولم تنقص له التسعون عزما :::::: ولا صدته عن درك الطلاب
وما غالت قريحته الليالي :::::: ولا خانته ذاكرة الشباب
أشيخ المسلمين نأيت عنا :::::: عظيم الأجر موفور الثواب
لقد سبقت لك الحسنى فطوبى :::::: لموقف شيخنا يوم الحساب
إذا ألقى السؤال عليك ملق :::::: تصدى عنك برك للجواب
ونادى العدل والإحسان إنا :::::: نزكي ما يقول ولا نحابي
قفوا يأيها العلماء وابكوا :::::: ورووا لحده قبل السحاب
فهذا يومنا ولنحن أولى :::::: ببذل الدمع من ذات الخضاب
عليك تحية الإسلام وقفا :::::: وأهليه إلى يوم المآب

مات وعمره نحو 87 عاماً هجرياً وهو يحفظ الصحيحين والموطأ عن ظهر قلب ، ولم يترك مالاً سوى منزلين منزل قديم في البغالة في حي السيدة زينب، وكان فيه بعض أولاده، ومنزله الجديد في حلمية الزيتون وهو الذي عاش فيه الفترة الأخيرة من حياته

أبناؤه وأحفاده :

أنجب 9 أبناء من الذكور وابنتين 
من أولاده : محمد طه (شيخ أزهري ) ، و أحمد (شيخ)، و عبد الرحيم (شيخ) ،و عبد العزيز (شيخ) ، عبد الله (ضابط بالجيش ثم في ديوان الخديوي) ، عبد الفتاح ( قاضي ورئيس محكمة استئنافية )
أما أحفاده فقد اشتهر منهم المفكر (طارق البشري ) الذي ترقي لمنصب نائب رئيس مجلس الدولة بمصر كما ترأس الجمعية العمومية للفتوى والتشريع

الإمام السادس والعشرون




الجيزاوي ، محمد أبو الفضل
(1264 – 1346هـ/1847 – 1927م)


ولد بقرية ( وراق الحضر ) من قرى امبابة بمحافظة الجيزة سنة 1264 هـ 1874 مـ
و تلقى تعليمه بالأزهر على يد أفاضل العلماء مثل الشيخ عليش و الشيخ العدوى و الشيخ الإنبابى و غيرهم
، وأذن له بالتدريس 1287هـ واشتهر بتدريس المنطق والأصول .
عين شيخاً لمعهد الإسكندرية لفترة
ثم عين رئيساً لمشيخة الأزهر والمعاهد الدينية وشيخاً للمالكية
عين عضوا فى إدارة الأزهر فى عهد الشيخ البشرى
ثم وكيلا للأزهر سنة 1326 هـ 1908 مـ و لم يترك التدريس طوال هذه الفترة

توليه منصب شيخ الأزهر :

صدر الأمر بتعيينه شيخًا للأزهر في 14-12-1335هـ الموافق30-9-1917م،
وفي 1-10-1917 بدأ ممارسة مهام عمله شَيْخًا للأزهر ولمدة 10 سنوات حتى توفي سنة 1927م.
عاصر أحداث الحرب العالمية و الثورة المصرية سنة 1919 مـ لطرد الاحتلال الانجليزي و ما تلاها من صراع بين الشعب و مستعمريه و حكامه وقاد مسيرة الأزهر فى خضم تلك الأحداث 
وعارض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي ما انتواه الملك فؤاد من إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبررا ذلك بأن مصر لا تصلح دارا للخلافة، لوقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي.
ورفض الجيزاوي الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919
وصدر في عهده قانون قيد سلطة الملك في تعيين شيخ الأزهر، حين أشرك رئيس الوزراء في هذا الشأن

استصدر قانونا فى سنة 1923 مـ تقدم به خطوة نحو الإصلاح في الأزهر ويتضمن:
1 خفض كل مرحلة من مراحل التعليم بالأزهر إلى أربع سنوات
2 إنشاء أقسام التخصص فى التفسير و الحديث و الفقه و الأصول و النحو و الصرف و البلاغة و الأدب و التوحيد و المنطق و التاريخ و الاخلاق ويلتحق بها من يحصل على العالية
3 تأليف لجنة لإصلاح التعليم بالأزهر انتهت إلى وجوب تدريس العلوم الرياضية التى تدرس بالمدارس المدنية
---------
أصدر القاضي (علي عبد الرازق )كتابه ( الإسلام وأصول الحكم ) فصاغ فيه أفكار الليبرالية العلمانية بلغة أزهرية ، مستغلاً أنه درس في جامعة أكسفورد ، وأسبغ عليه منصبه في القضاء وزناً ؛ حيث زعم فيه أن الإسلام دين وعبادة فقط ، ولا دخل له بالحكم ولا السياسة ، وبناء عليه فلا أساس لمشروعية منصب الخلافة ، ولا صحة في رأيه لوجود شيء اسمه الحكم الإسلامي والرسول هو مجرد مبلِّغ للدين 
في 22-1-1344 هـ أصدر الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي حكماً بعد التداول مع كبار العلماء ضد الماثل أمامه للمحاكمة الشيخ علي عبدالرازق ورد فيه : "
حكمنا؛ نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالماً معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي عبدالرازق أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب (الإسلام وأصول الحكم) من زمرة العلماء."
ويترتب على الحكم المذكور: محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة، وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية، دينية كانت أو غير دينية.

من مؤلفاته :
1-الطراز الحديث في فن مصطلح الحديث
2- - إجازة منه إلى الشيخ محمد بن محمد المراغي المالكي الجرجاوي أجازه فيها بما في ثبت الشيخ محمد بن محمد الأمير الكبير، نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 55 تيمور بآخرها توقيع الشيخ الإمام وخاتمه.
3- كتاب تحقيقات شريفة وتدقيقات منيفة، وهي حاشية على شرح عضد الملة والدين على مختصر ابن الحاجب وعلى حواشيه
أخلاقه:
دمث الأخلاق، لين الجانب، ورعًا
وكان يمتاز بقوة الجسم والعقل مع حسن الحديث، وقد أجمعت القلوب على حُبِّه وإِكْبَارِهِ. وكان عالماً واسع الاطلاع في العلوم العقلية والنقلية والفلسفية والتمدن الإسلامي وتاريخ الإسلام.

وفاته :
ظل بمنصبه حتى وفاته سنة 1346هـ

الاوسمة الحاصل عليها :
بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر تم منح اسمه (وسام العلوم و الفنون من الطيقة الأولى)

أبناؤه :
قرأت أن له ابن اسمه أحمد بك أبو الفضل الجيزاوي كان عضو مجلس الشيوخ في مصر 
ولأحمد هذا ابن اسمه محمد أبو الفضل الجيزاوي من الضباط الأحرار الذين نفذوا ثورة 23 يوليو 1952 وصار فيما بعد عضو مجلس الشعب
واسم العائلة (الجيزاوي ) هو نسبة إلي محافظة الجيزة


ونقتبس من موقع دار الافتاء مايلي عن حيانه :


دخل الكُتَّاب المعد لتحفيظ القرآن الكريم ببلده سنة 1269هـ فحفظ القرآن الكريم بتمامه سنة 1272هـ، ثم التحق بالأزهر في أواخر سنة 1273هـ، فدرس القراءات وفقه الإمام مالك بن أنس، وتلقى العلوم العربية من: نحو وصرف ووضع وبيان ومعان وبديع، وعلم أصول الدين والتفسير والحديث والمنطق على أكابر المشايخ الموجودين في ذلك الوقت مثل الشيخ محمد عليش، والشيخ علي مرزوق العدوي، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ شمس الدين الأنبابي، والشيخ شرف الدين المرصفي، والشيخ محمد العشماوي، وغيرهم من أجلاء الأساتذة.
وداوم على الاشتغال بالعلم مطالعة وحضورًا إلى سنة 1287هـ، فأمره الشيخ الأنبابي بالتدريس فاعتذر، فألح عليه فامتثل أمره، وابتدأ بقراءة كتاب الأزهرية في النحو للشيخ خالد الأزهري في أواخر شهر صفر من تلك السنة.
لازم الشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوي التدريس وقرأ جميع كتب الفقه الْمُتَداول قراءتها في ذلك الوقت مرات عديدة، وكذلك كتب العلوم العربية، وعلم أصول الدين، وعلم أصول الفقه، والمنطق مرات عديدة لطبقات كثيرة من الطلاب، ورُزِقَ حظوة إقبال الكثير من الطلبة عليه في كل درس، حتى تخرَّج عليه غالب أهل الأزهر، وكان أوَّل من أحيا كتاب الخبيصي في المنطق بتدريسه مِرارًا، وكتاب القطب على الشمسية، وكتاب ابن الحاجب في الأصول بشرح العضد وحاشيتي السعد والسيد، فقد درَّسَهُ في الأزهر مرتين لجَمْعٍ عظيم من الطلبة الذين صاروا بعد ذلك من أكابر العلماء، ومرة في الإسكندرية في مدة مشيخته لعلمائها، وكتب على الشرح والحاشيتين حاشية طبعت سنة 1332هـ وتدولت بين العلماء والطلاب، وقرأ المطول وكتب على شرحه وحاشيته نحوًا من خمس وأربعين كراسة، وقرأ البيضاوي ولم يتمه، وكتب شرحًا على أوائله نحوًا من سبع عشرة كراسة.
وفي 3-3-1313هـ الموافق 23-8-1895م، عُيِّنَ عُضْوًا في إدارة الأزهر في مُدَّةِ مشيخة الشيخ سليم البشري.
ثم استقال منها وعُيِّن بها ثانيًا في 9-11-1324هـ الموافق 24-12-1906م في أواخر مشيخة المرحوم الشيخ الشربيني

ثم عُيِّن وكيلا للأزهر في 18-2-1326هـ الموافق 21 -3-1908م

ثم صدر الأمر بتعيينه شَيْخًا للإسكندرية ومكث بها 8 سنوات

ثم صدر الأمر بتعيينه شيخًا للأزهر في 14-12-1335هـ الموافق 30-9-1917م،

ثم أضيفت إلى مشيخة السادة المالكية في 20 -2-1336هـ الموافق 4 -12-1917م.

وقد كان في مُدَّة وكالة الجامع الأزهر وعضوية مجلس الإدارة ومشيخة علماء الإسكندرية مُلازِمًا التدريس للكتب المطولة، منها كتاب المواقف في علم الكلام وكتاب ابن الحاجب في علم أصول الفقه وغيرها.
ولكن مشيخة الأزهر والأحداث التي مرت بمصر، وبالأزهر في عهده شغلته عن التدريس، كما شغلته عن التأليف والكتابة، فقد عاصر أحداث الثورة المصرية سنة 1919م وما تلاها من صراع عنيف بين الشعب ومستعمريه وبين الأحزاب السياسية وبين الزعماء والملك، كما شاهد اندلاع الثورة الشعبية من ساحة الأزهر 


دوره في إصلاح التعليم في الأزهر:
استطاع الإمام أن يخطو في سبيل إصلاح التعليم في الأزهر خطوة أصدر بها قانون سنة 1923م، وأهم ما جاء فيه:
1- إنقاص كل مرحلة من مراحل التعليم بالأزهر إلى 4 سنوات.
2- إنشاء قسم التخصص، ويلتحق به الطلاب بعد نيل الشهادة العالمية، وجعل أقسامه هي: التفسير والحديث، والفقه والأصول، والنحو والصرف، والبلاغة والأدب، والتوحيد والمنطق، والتاريخ والأخلاق، ولم يكتف بهذا بل ألَّف لجنة للإصلاح سنة 1925م فرأت اللجنة أنه يجب أن ينظر إلى المرحلتين الابتدائية والثانوية على أنهما مرحلتا ثقافة عامة، ويجب أن تدرس بهما العلوم الرياضية التي تدرس بالمدارس الابتدائية والثانوية المدنية، وأنه يكفي الاهتمام بالعلوم الدينية والعربية في الأقسام العالية والتخصصات، ورأت اللجنة لذلك وجوب فتح أبواب مدارس وزارة المعارف أمام المتخرجين في الأزهر للتدريس فيها.


ألإمام السابع والعشرون



المراغي ،محمد مصطفى
(1298 – 1364هـ/1881 – 1945م)


ولد في (المراغة ) احدي مراكز سوهاج سنة 1298 هـ 1881 مـ
حفظ القرآن الكريم ثم حضر إلى الأزهر فتلقى علومه علي كبار علمائه مثل الشيخ محمد عبده وقد تأثر بفكره وأفاد منه علما ومنهجا في الإصلاح
اتسم الشيخ المراغي بسعة الأفق ولم يكن يكتفي بدراسة الكتب بل جعل يقبل علي كل مصادر المعرفة
بعد أن حصل على العالمية سنة 1904 م عمل بالقضاء في السودان وتولى قضاء مدينة الخرطوم 1322هـ
ثم عين مفتشاً بوزارة الأوقاف1325هـ
وواصل التدريس بالأزهر حتى صدر قرار بتعيينه قاضياً لقضاة السودان 1326هـ.
ولما عاد إلى مصر عين رئيساً لمحكمة مصر الكلية الشرعية 1337هـ فرئيساً للمحكمة الشرعية العليا 1341هـ .

عين شيخاً للأزهر 1348هـ الموافق 1928م،
ففكر في اصلاح جامعة الأزهر بمشروع قانون يسعي الي توسيع تخصصات طلابها واتاحه مزيد من فرص العمل امامهم بعد التخرج‏,‏ وهو الاصلاح الذي حظي بتأييد واسع بين جموع الطلاب وعدد غير قليل من الاساتذة‏,‏ باستثناء بعض العناصر الرجعيه من هيئه التدريس والعلماء‏.‏

كان القانون مقررا صدوره في اكتوبر عام‏1929‏ علي ان يشرع في تطبيقه خلال العام الدراسي التالي‏,‏ غير ان ملك مصر ( فؤاد ) تأخر في توقيعه‏,‏ وكان تأخرا مقصودا‏,‏ الامر الذي دفع الشيخ المراغي الي تقديم استقالته‏,‏وقدم استقالته سنة1929م

بعد صدور دستور عام‏1930‏ المعروف بدستور صدقي وما اتاحه للملك من حرية التصرف في شئون الازهر لعب الشيخ المراغي دوراً في تأييد أحزاب المعارضة ( الوفد والاحرار الدستوريين‏ )‏ وذلك من موقعه كرئيس لجماعة الدفاع عن الاسلام‏.‏

سنة 1934 ذهب عدد كبير من طلاب الأزهر لمقابله الشيخ (الظواهري ) شيخ الجامع الازهر بمقرإداره المعاهد الدينيه‏'‏ ولكن رجال البوليس تصدوا لهم ومنعوهم من الدخول فانصرفوا بعد ان سلموا لرئيس القوه عريضه تتضمن مطالبهم‏'‏ ليرفعها الي الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام وكيل الجامع الازهر والمعاهد الدينيه وذلك نظرا الي ان شيخ الجامع الازهر لم يكن قد حضر بعد من الاسكندريه‏',‏ وقد تضمنت انذارا خفيا بانهم‏'‏ تحالفوا علي استئناف عملهم في المطالبه بحقوقهم بجميع الطرق ان لم تظهر لاعمالهم نتيجه في يوم السبت المقبل‏'.‏
جاء اليوم المذكور ولم يكن قد تم شيء‏,‏ الامر الذي ادي الي اشتعال الموقف‏,‏ ليس في القاهره فقط ولكن في الاقاليم ايضا‏..‏

في الزقازيق‏:‏ تجمع طلاب المعهد الديني حول المسكن الخاص بهم متظاهرين هاتفين بنداءات مختلفه‏'‏ احتجاجا علي تحديد اعداد الطلاب المستجدين في الكليات الازهريه تحديدا يتنافي في نظرهم مع الغايه التي انشئ من اجلها الازهر‏,‏ ولما رات اداره المعهد اصرارهم علي المضي في خطه الاضراب ابلغت البوليس فحضرت قوه علي الاثر واحاطت ابنيه المعهد وحاصرت الطلاب في داخل المساكن الخاصه بهم‏'.‏
في الاسكندريه‏:‏ اضرب طلاب المعهد الديني عن تلقي الدروس‏,‏ وارادوا الخروج في مظاهره عامه‏'‏ ولكن اداره المعهد كانت قد تحوطت لوقوع هذا الحادث بناء علي اشاره خاصه فاستدعت قوات البوليس للمحافظه علي الامن والسكينه بين طلاب المعهد‏,‏ وقد رفض البوليس ان يسمح للطلاب بالخروج‏,‏ ولكنهم اصروا علي تنفيذ ما قرروا‏,‏ وحدثت بين الطرفين مناوشات اخذ الطلاب اثناءها يلقون الحجاره علي رجال القوه التي تغلبوا عليها في النهايه واقتحموا الابواب وخرجوا في مظاهره وقصدوا الي المكان الذي يوجد فيه طلاب القسم الابتدائي في جهه الدخيله‏,‏ واقتحموا ابواب القسم واخرجوا طلبته وساروا جميعا في مظاهره عامه هاتفين بمطالبهم منادين بنداءات مختلفه حتي وصلوا الي المسجد المعروف باسم جامع محمد ناجي فرابطوا فيه وعقدوا اجتماعا عاما القيت فيه الخطب الحماسيه‏,‏ والقيت عبارات الاستحثاث والاستنجاد‏'!‏
في اسيوط‏:‏ خرج نحو ثمانمائه من طلاب المعهد الديني الي شوارع المدينه في مظاهره عامه وقد نصحهم شيخ المعهد بالاخلاد الي الهدوء والسكينه‏'‏ وقد استمع بعض الطلاب الي هذه النصائح وعادوا فعلا الي دروسهم وصمم البعض الاخر علي الاضراب والتظاهر‏,‏ وقد حضرت قوه من البوليس الي مكان المتظاهرين واحاطتهم ثم اعملت فيهم العصي حتي شتتهم بالقوه‏,‏ واعتقل نحو ثلاثين طالبا وتولت النيابه العامه التحقيق معهم‏'.‏

في القاهره‏:‏ اتخذ المسئولون الاحتياطات حتي لا تتحول العاصمه الي ساحه للمعارك بين الطلاب وبين رجال البوليس حيث اخذت السيارات المسلحه تطوف حول كليتي الشريعه الاسلاميه واللغه العربيه والقسم الثانوي بالمعهد الازهري‏'‏ وقد حدث ان فريقا من طلاب هذا القسم ارادوا الخروج والتظاهر ولكن رجال البوليس منعوهم وقابلهم شيخهم الذي اخذ يلقي عليهم النصائح فعادوا الي دروسهم‏,‏ ولم يبق الا عدد ضئيل اخذوا يحرضون زملاءهم علي الاضراب‏,‏ فقبض احد ضباط البوليس علي سته منهم راي انهم المحرضون واقتادهم الي اداره المعاهد الدينيه‏'.‏
في محاوله للتهدئه ادلي الشيخ الظواهري بتصريح جاء فيه ان الجامعه الازهريه كانت بصدد معالجه مساله تحديد عدد الطلاب المستجدين في الكليات الثلاث الي ان‏'‏ ارتكب فريق منهم ما ارتكب‏,‏ وبدات حركه الاضراب مما كان سببا في وقف عمل اي شيء حتي تهدا الاحوال وترجع الامور الي مجاريها الطبيعيه‏'.‏
الخطوه التاليه تمت في اجتماع المجلس الاعلي للازهر يوم‏24‏ اكتوبر وصدر عنه بيان جاء فيه انه نظر في نظام قبول الطلاب بالسنه الاولي من الكليات وقد لاحظ ان نتيجه امتحان الشهاده الثانويه قسم ثان بالمعاهد الدينيه قد ارتفعت نسبتها بعد امتحان الدور الثاني من‏74%‏ الي‏93%,‏ وكان ظهور هذه النتيجه بعد تحديد عدد الطلاب الذين يقبلون في الكليات‏,‏ وبعد ان تداول المجلس في ذلك قرر ان يقبل في الكليات كل طالب حاصل علي‏56%‏ من المجموع الكلي للدرجات‏,‏ وهدات الامور ولكن الي حين‏!‏

‏***‏
قبل مضي اسبوعين عادت الامور للتفجر حين اضرب الطلبه من حمله الشهاده العاليه المنتسبين الي قسم التخصص في القضاء الشرعي احتجاجا علي عدم صرف المكافات الماليه التي كانت تصرف لزملائهم طبقا للنظام القديم‏'‏ ولما حلت مواعيد الدراسه يوم‏8‏ نوفمبر حضر الاساتذه المدرسون في قسم التخصص‏,‏ وهم نيف وخمسون طالبا لم يحضر منهم سوي خمسه طلاب فقط‏'.‏
استخدمت السلطات الشدة واصدر مجلس اداره كليه الشريعه قرارا يقضي بفصل ثمانيه وثلاثين من الطلاب المضربين‏'‏ علي ان يفصل كل طالب لم يحضر الي دروسه في صباح يوم الخميس المقبل من عداد الطلاب نهائيا‏,‏ واعلن هذا القرار علي الطلاب المعاقبين وطلب اليهم ان يكفوا عن الحضور للدروس‏'!‏

قبل انقضاء اسبوع‏,‏ وبدءا من يوم‏ 15-11-1934 م أضرب طلاب كليات الازهر الثلاث‏'‏ ولم يذهب احد منهم الي درسه‏,‏ ولما وجد الاساتذه المدرسون هذه الحال انصرفوا الي بيوتهم‏,‏ غير ان الطلاب اجتمعوا وقصدوا الي دار رئيس الوزراء واخذوا يهتفون بهتافات مختلفه تخللتها نداءات بطلب الاصلاح والمصلحين‏',‏ مما كان دلاله علي التحول من مرحله المطالب الفئويه الي مرحله ذات طبيعه سياسيه‏.‏

في اليوم التالي اسفرت الحركه عن وجهها حين اتسع نطاق الاضراب واصبح عاما فيما جاء في قول صحيفة الاهرام ان طلاب المعهد الازهري اضربوا جميعا‏'‏ وطلاب الكليات الثلاث وطلاب التخصص الجديد والقديم وطلاب القسم العالي وخرجوا بالقوه من دور الدراسه والفوا مظاهره كبيره سار فيها نحو اربعه الاف طالب ازهري من مختلف السنين والاقسام قصدوا اولا الي دار رئيس الوزراء فهتفوا بحياه الوفد وسقوط شيخ الجامع الازهر اتجهوا بعدها الي ميدان عابدين صفوفا ومواكب متلاصقه وكان هتافهم الوحيد‏:‏ فليحيي الشيخ المراغي شيخ الازهر الوحيد‏,‏ ولبثوا علي هذه الحال حتي وصلوا الي اداره المعاهد الدينيه في شارع نوبار فاقتحموا ابوابها واخذوا اولا ينادون باصوات مرتفعه‏:‏ بان يعلن الاستاذ الاكبر شيخ الجامع الازهر بصوت عال انه استقال من منصبه او انه سيستقيل‏'.‏
ولما لم يخرج الشيخ عليهم هجموا علي غرفته ودخلوها بعد تكسير بابها فلم يجدوه فيها‏'‏ ولكنهم نزلوا بالهراوات والعصي فوق المكتب والات التليفون حتي تهشمت وعلي الثريات الكهربائيه الكبيره المعلقه في الغرفه فحطموها عن اخرها كما حطموا كل ما في الغرفه من اثاث وادوات‏,‏ واخذوا بعدئذ يهتفون بسقوط الشيخ الاكبر وحياة فضيله الاستاذ الجليل الشيخ المراغي الذي كانوا يلقبونه بشيخ الازهر الجديد‏'!‏
اجتمع الطلاب بعدئذ في الجامع الازهر واقسموا الا يعودوا الي دروسهم حتي تجاب مطالبهم‏,‏ واصدروا مجموعه من القرارات‏:
1-‏ طلب اسناد رياسه الازهر الي المصلح الكبير الشيخ المراغي‏
2-‏ الغاء قانون تحديد عدد الطلاب المقبولين في الكليات‏,
3-‏ الغاء القانون القاضي باعاده الامتحان في جميع المواد لمن يرسب في ماده واحده‏,
4-‏ رفع الوصمة التي لحقت بعلماء الازهر المفصولين 
5-رفع مرتبات المدرسين الجدد اسوهة بإخوانهم
6- منح طلبه التخصص الجدد المكافاه الماليه التي كانت مقرره من قبل‏.‏


في السابعه والنصف من صباح اليوم التالي : تجمع الطلاب في ساحه الجامع الكبير التي اكتظت بهم في الثامنة صباحاً ‏,‏ وبدا الاجتماع بالهتاف الحاد بحياة رئيس الوزراء‏,‏ توفيق نسيم باشا الذي كان قد خلف عبد الفتاح يحيي وحظي بتاييد الوفد والاحرار الدستوريين‏,‏ وبعد مجموعه من الخطب اتفقوا علي توحيد مطالبهم في مطلب واحد هو سؤال ولاة الامور باسناد رياسة الجامعه الازهريه الي حضره صاحب الفضيله الشيخ (محمد مصطفي المراغي)‏,'‏ وبعد ان تباحثوا في هذا الاقتراح قرروا انتخاب وفد منهم يمثلهم جميعا للذهاب الي فضيلته‏,‏ حيث استقلوا مركبتين من مركبات سكه حديد حلوان قاصدين داره‏,‏ ولما بلغوه ألفوه يجلس الي رهط من اصدقائه فقالوا انهم حضروا لاظهار شعور الطلاب نحو فضيلته واعلان رغبتهم في توليته رياستهم‏,‏ واخذوا يهتفون بحياه‏(‏ مصلح الازهر‏)‏ و‏(‏ رجل الساعه‏)‏ و‏(‏ المراغي شيخ الازهر‏).‏
بعد ان وقف احدهم والقي قصيده ادلي الشيخ بتصريح جاء فيه‏:'‏ ان الازهر هو المعهد الذي تربيت فيه وكل خير نالني او ينالني فالفضل فيه يرجع الي هذا المعهد المجيد‏,‏ وان الازهر موضع عطفي وعنايتي‏,‏ واصلاحه محل رجائي وامالي‏,‏ واني لاشكركم كثيرا وثقوا ان حبي لكم لا يقل عن حبكم لي‏'.‏

عدم الاستجابه السريعه لمطالب الازهريين دفعتهم الي ان يوالوا اجتماعاتهم وقصدت مجموعات منهم الي مكتب رئيس الوزراء صباح يوم 19-11-1934م وابلغته بعزمهم علي :
1-‏ موالاة الاضراب العام حتي يعزل شيخ الازهر الحالي من منصبه ويعاد الشيخ المراغي اليه‏,
2-‏ جمع الاكتتابات لارسال برقيات الي الملك ورئيس الوزراء والوزراء متضمنه مطالبهم‏,
3-‏ الاجتماع كل صباح في الجامع الازهر للتداول فيما يجب عمله لتلبيه مطالبهم‏,
4-التزام الهدوء والسكينه في هذا الاضراب وعدم القيام بمظاهرات‏

إعادة المراغي شيخاً للأزهر :

ولم يجد الملك والحكومة مخرجاً لازالة التوتر إلا بإعادة المراغي شيخاً للأزهر فأعيد الى المشيخة مرة ثانية في أبريل 1935م
وبقي في منصب شيخ الأزهر حتي وفاته سنة 1945 م

كان الشيخ المراغي مولعا بالإصلاح والتغيير فى كل مجال عمل فيه ففى حقل القضاء شكل لجنة لتنظيم لائحة الاحوال الشخصية برياسته ولم يتقيد بمذهب ابي حنيفة كما كان المتبع آنذاك -وكان في هذا متأثرا بنزعة شيخه الإمام محمد عبده
تزعم الدعوة الي فتح باب الاجتهاد وتوحيد المذاهب حتى تتوحد الأمة
دارت بينه وبين ( أغاخان ) سنة 1938 م محادثات بهدف تكوين هيئة للبحث الديني تستهدف التضامن بين الهيئات التعليمية في العالم الإسلامي والعمل على تبسيط تعليم الدين الإسلامي ومحاولة التوفيق بين المسلمين علي اختلاف مذاهبهم وتأكيد الروابط فيما بينهم

كذلك في مشيخة الأزهر ألف لجانا لدراسة قوانين الأزهر والعمل على إصلاحها
كما شكل لجنة من كبار العلماء تتولي الإفتاء فيما يعرض عليها من أمور المسلمين
عدل المراغي في نظام هيئة كبار العلماء وأضاف شروطا لاختيار أعضائها واسماها جماعة كبار العلماء

وكان الشيخ المراغي من الداعين الى عدم مشاركة مصر إطلاقاً في الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء ودول المحور
وأعلن عن ذلك الرأي صراحة في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع بيبرس يوم 19 سبتمبر 1941 وكان يحضرها الملك فاروق
حيث قال المراغي بأعلي صوت : إنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
وقد أغضب خبر ذلك الإنجليز، وحاولوا عن طريق رئيس الوزراء حسين سري أن يعدل الشيخ عن هذه الفتوى
، وبعد أن عجز حسين سري في حواره عن إقناع المراغي بالتعاون، قال له: هذا كلام في السياسة، وليس من اختصاصك، وليس لك أن تتكلم في أمور تخصنا.
فقال المراغي إنني لا أتكلم في السياسة، وصاح به: أتهددني وأنا شيخ الأزهر؟ إن شيخ الأزهر اقوى بنفوذه من رئيس الوزراء، ولو شئت لارتقيت المنبر، وأثرت عليك الجماهير، حتى تجد نفسك معزولاً عن الشعب.

وكان موقف الشيخ في هذه المسألة يتفق وموقف الأحرار الدستوريين والحزب الوطني والقصر. وقد أقلق هذا الموقف إنجلترا، لدرجة أن جريدة التايمز البريطانية خرجت تقول: إن هذا الرجل - تقصد الشيخ المراغي - أخطر على بلادنا من ويلات الحرب. ومع ذلك لم يغير المراغي موقفه.

فقد كان صلباً في المواقف حتى ولو كان مع أصدق الأصدقاء لا يحب الكذب أو النفاق، من ذلك: أن المراغي كان صديقاً لمحمد محمود باشا زعيم الأحرار الدستوريين، وقد سأله السفير البريطاني يوماً: من سيفوز في الانتخابات ؟ قال: الوفد، فتعجب السفير لقوله وقال: إنني أعلم أنك صديق لمحمد باشا محمود، فقال المراغي :إن الصداقة لا تدفعني للكذب والنفاق.

انشأالمراغي مراقبة للبحوث والثقافة الإسلامية عام 1945 م وتختص بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية والبعوث الإسلامية والدعاة

ومن المواقف المشرفة للمراغي رفضه طلب فاروق ملك مصر بإصدار فتوى تحرم زواج الأميرة فريدة طليقته من أي شخص آخر بعد طلاقها، فرفض الشيخ المراغي إصدارفتوي بتحريم زواج فريدة بعد تطليقها، بل صاح غاضباًبرغم ما كان يعانيه من شدة الألم بسبب المرض قائلاً: «أما الطلاق فلا أرضاه، وأما تحريم الزواج فلا أملكه، إن المراغي لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله"

من مؤلفاته :
1 الأولياء والمحجورون نال بها عضوية هيئة كبار العلماء في الفقه
2 تفسير جزء تبارك
3 بحث في وجوب ترجمة معاني القرآن الكريم
4 مباحث لغوية وبلاغية
5 رسالة في الزمالة الإنسانية
6 الدروس الدينية
7 بحوث التشريع الإسلامي



بعد وفاته بعقود منحت مصر لاسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر
ألإمام الثامن والعشرون


الظواهري ؛محمد الأحمدي بن إبراهيم بن إبراهيم
(1295– 1363/1878 – 1944م)





ولد ونشأ فى بيت علم و صلاح بقرية كفر الظواهري التابعة لمركز ههيا بمحافظة الشرقية .
، وهو شافعي المذهب كان أبوه من علماء الأزهر و شيخًا للجامع الأحمدي (اسمه الحالي معهد طنطا الأحمدي)، أما جده إبراهيم فكان من علماء الأزهر المتصوفين،
وقد سماه والده بإسم محمد الأحمدي تيمنًا باسم السيد أحمد البدوي صاحب الطريقة الصوفية المدفون بطنطا
أما لقب الظواهري فهو إسم عائلته العربية 
نال محمد الأحمدي الظواهري شهادة العالمية من الدرجة الأولي من الأزهر ـومن الطريف أنه تقرر أن يرأس الشيخ محمد عبده اللجنة التي ستمتحن محمد الأحمدي الظواهري لهذه الشهادة بدلاً من الرئيس الأصلي للجنة الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، فتطرّق الخوف إلى قلب الطالب محمد الأحمدي الظواهري؛ لأنه كان يعلم ما بين قلوب الشيخ محمد عبده وأبيه من النفور والجفاء، وكان الامتحان للشهادة العالمية شاقًا، لا يجتازه إلا من بذل جهده في القراءة ومعرفة دقائق العلوم- وتتألف لجنة الممتحنين عادة من كبار علماء الأزهر، وهي تمطر الطالب بأسئلة تتنقل من علم إلى آخر لكن محمد الأحمدي اجتاز الامتحان وأحسن في إجاباته عما سئل ، فأعجب به الشيخ محمد عبده وقال له:
" والله إنك لأعلم من أبيك، ولو كان عندي أرقى من الدرجة الأولى لأعطيتك إياها."

بعدها التحق بالمشايخ المدرسين بالجامع الأحمدي ( معهد طنطا)،حيث تم إنشاء القسم العالي 
فرشحته مواهبه على الرغم من حداثة سنه وقلة خبرته للتدريس بالقسم العالي بهذا المعهد، فانتدبه شيخ الأزهر للتدريس فيه ، ولكنه أجاد ولفت إليه الأنظار واتسعت حلقته العلمية، وكان معلماً موهوبًا، فلفت الأنظار إليه، واتسعت حلقته العلمية، وأقبل الطلاب عليه لغزارة علمه، وجمال عرضه، وقدرته على الإقناع والإفهام، ولم يكتف بالتدريس للطلبة فقط، لكن كانت له دروس في الوعظ لعامة الناس، فكان ينتقل بين المدن الكبرى يلقي الدروس والمواعظ فاهتدى على يديه كثير من العصاة ، و قضي على كثير من الخصومات والعداوات.

وألّف في هذه الفترة كتابًا بعنوان "العلم والعلماء" دعا فيه إلى الإصلاح، وانتقد طريقة التدريس بالأزهر، وكان ينحو في دعوته منحى شيخه محمد عبده، وأثار الكتاب ضجة كبيرة، فامتعض منه الخديوي عباس حلمي، وأصدر شيخ الجامع الأزهر الشيخ الشربيني وكان له موقف متعنت من حركة الإصلاح في الأزهر- أمرا بإحراق هذا الكتاب.

وفي (رجب 1325هـ = أغسطس 1907م) توفي أبوه وكان كما ذكرنا يشغل مشيخة معهد طنطا، التي تلي من الناحية الرسمية مشيخة الأزهر، فأراد أن يخلف أباه في هذا المنصب، وأيده أعيان طنطا وكبراؤها، فكاتبوا خديوي مصر ( عباس حلمي ) يرجونه تنفيذ هذه الرغبة، لكن صغر سن الشيخ الذي لم يتجاوز الثلاثين وقف حائلاً دون تحقيق هذا الأمل، 
وكانت حدة غضبه على الشيخ الأحمدي قد هدأت بعد وفاة الشيخ محمد عبده، وعرض شيخ الأزهر على الخديوي تعيين الشيخ الفقي شيخًا لمعهد طنطا، فطلب الخديوي مقابلته ومقابلة الشيخ الأحمدي، فلما استقبل الشيخ الأحمدي قال له: إنني طلبتك بعد أن طلبت مُرشَّح الشيخ حسونة، وأنا لا أرى فيه كفاءة وألاحظ أنك لا تزال صغير السن، وإني أحب أن أُعيِّن أحد كبار السن شيخًا للمعهد وأنت وكيله، قال الشيخ الأحمدي: فأجبته إنني لا أطمع في الوظيفة للمال؛ لأنني غني عن المال والحمد لله، ولكنني أريد أن أعمل، ولي طريقة أريد أن أنفذها، وهي تُغضب كثيرين من المتقدمين في السن، وأخشى إذا عُيِّن شيخٌ غيري أن يلتف العلماء حوله وينضموا إليه ويتركوني فأعجز عن تنفيذ ما أريد من الإصلاح، وبذلك أظهر بمظهر الفشل، فقال الخديوي: هذا الكلام معقول.

وعرض عليه أحمد شفيق باشا منصب وكيل معهد طنطا تمهيدًا لتوليه منصب شيخ المعهد في المستقبل ، فرفض الأحمدي وقال : "إنني أشكر جناب الخديويي وأشكر سعادتكم، ولكني لا أزال على موقفي، فإما شيخًا فأقوم بالإصلاح، وإلا فسأبقى مدرسًا كما أنا".

ثم انتهى الأمر بأن أصدر الخديوي قرارًا بتعيين الشيخ محمد المحلاوي شيخًا للمعهد، وتعيين الشيخ عبد الله دراز وكيلا له، ثم عزل المحلاوي وجعل الشيخ محمد حسين العدوي شيخًا للمعهد
وكان الشيخ العدوي ممن يميلون إلى الإصلاح، فاختار الشيخ الإمام الأحمدي للتدريس بالقسم العالي في المعهد وعهد إليه بتدريس المصادر الكبرى التي لا تدرس إلا لطلبة العَالِمية، وهذا يدل على علمه الغزير وثقافته الواسعة العلمية على حداثة سِنِّه

وفي القسم العالي بمعهد طنطا كان يدرس لطلبته المصادر الكبرى التي لا تُدرس إلا لطلبة العالمية في الأزهر، فقرأ على طلبته مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، والعقائد النسفية في التوحيد ودلائل الإعجاز لعبد القاهر في البلاغة، وصحيح البخاري، 

ولما خلا مكان (شيخ معهد طنطا) رشَّح الخديوي الشيخ الأحمدي ليشغله على الرغم من معارضة كبار المشايخ، وتم التعيين 
وعين شيخاً للجامع الأحمدي (اسمه الحالي معهد طنطا الأحمدي) في (صفر 1332هـ = يناير 1914م)، فدعا الخديوي لافتتاح المبنى الجديد للمعهد، فأجاب الدعوة وحضر الخديوي حفل الافتتاح، وسُرَّ كثيرًا بما رآه 

وحاول الشيخ أن يجري إصلاحات عديدة في المناهج الدراسية ووسائل التدريس، وإضافة علوم جديدة طبقًا لنزعته ودعوته الإصلاحية، لكنه كان مقيدًا بالحصول على موافقة المجلس الأعلى للأزهر، ولما كان معظم أعضائه من المحافظين فإن جهوده لم تلق دعمًا منهم، واضطر الشيخ إلى الاعتماد على نفسه في تطوير الدراسة في حدود اختصاصاته، وأنشأ عدة جمعيات للطلاب في الخطابة واللغة والتوحيد، يبث من خلالها أفكاره الإصلاحية، وأنشأ مجلة للمعهد وأسهم بماله في تكوينها، فكانت لسان المعهد وتعبيرًا عن أنشطته الثقافية.

ولَمَّا تولى ( السلطان حسين ) حكم مصر اتصل الشيخ به وتوثقت بينهما الصِّلات فعينه عضوًا بالمجلس الأعلى للأزهر

ولما مات السلطان ( حسين ) صعد ( فؤاد الأول ) علي عرش مصر ، فاتصل الشيخ الأحمدي به وقويت علاقته، فكان يستدعيه لزيارته ويقبل عليه، ولكن بعض الحاقدين على الشيخ أبلغ الملك أن الشيخ على علاقة أوثق ب ( الخديوي عباس ) المقيم بالآستانة، والمعادي للملك فؤاد ، وتوالت الدسائس على الشيخ وكان من نتيجتها إلغاء القسم العالي بمعهد طنطا؛ إنقاصًا لأهميته، وبالتالي أهمية شيخه، ثم صدر قرار بنقل الظواهري شيخًا لمعهد أسيوط، وكان معهدًا ابتدائيًا صغيرًا، 
ً، وكان الهدف أن يحولوا بين الشيخ وبين المناصب العليا.
ونفذ الشيخ قرار النقل ولم يكد يستقر في منزله بأسيوط حتى هرع إليه وجوه المدينة وذوو المكانة فيها يرحبون بِمَقْدِمِه ويزورونه، فاقترح عليهم بناء معهد ديني كبير يليق بجلال المدينة وتاريخها، وإنشاء جمعية عامة للمحافظة على القرآن الكريم فاستجابوا له.
----------------
----
الدفاع عن الأزهر ورفضه لمسألة جعل الأزهر تابعًا لوزارة المعارف::

في سنة 1925م تجددت الدعوة في مصر لإصلاح الأزهر والنهوض بالتعليم به، فزار الشيخ عبد العزيز جاويش والشيخ الخضري أسيوط؛ للاجتماع بالشيخ الأحمدي والتفاهم معه في هذا الموضوع، وبعد التشاور عادا إلى القاهرة، وتألفت لجنة برئاسة إسماعيل صدقي باشا وبعض النواب والشيخ، وكان من أعضائها: أحمد لطفي السيد، والشيخ عبد العزيز جاويش، والشيخ محمد مصطفى المراغي، والشيخ الأحمدي الظواهري، وكان الذي اقترح تأليف اللجنة عدلي باشا رئيس الوزراء وعلي الشمسي باشا وزير المعارف، وبعد عدة جلسات انتهى الرأي إلى طلب إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وكذلك مدرسة دار العلوم، ولكن بشرط أن يكون الأزهر تابعًا لوزارة المعارف، وتكون لها السيطرة عليه، على أن يبقى لشيخه مظهره الديني وووضعه اللائق في الرسميات، وكان رأيًا خطيرًا يكاد يعادل إلغاء الأزهر، وهدم مكانته التاريخية ومنزلته في العالم الإسلامي كله، 

ولكن الشيخ الظواهري ثار على هذا الرأي، ورأى فيه خطرًا داهمًا على الأزهر، فصدع برأيه قائلاً: 
كيف نُقر ضم الأزهر للمعارف.. في الوقت الذي ننادي فيه باستقلال الجامعة المصرية وبُعدها عن نفوذ المعارف، اللهم إلا إذا كان وراء هذا الضم غرض خاف هو القضاء على الأزهر ونفوذ الأزهر، وبالتالي القضاء على النفوذ الديني في البلاد.؟!، فقد قيل وقتًا ما: إن هذه هي أُمنية دول الاستعمار


ثم قدم مذكرة باعتراض شيخ الأزهر علي هذا التفكير إلى الملك فؤاد، فاستدعاه وتناقشا ، فاقتنع الملك بوجهة نظره، وانضم إليه في رفض ضم الأزهر إلى وزارة المعارف.
===========
[b]
اقتراحه فض مؤتمر الخلافة في القاهرة :

وبعد إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا تألفت في القاهرة لجان عديدة من العلماء والوجهاء للنظر في أمر الخلافة الإسلامية، فحمل الشيخ أعباء تأليف لجان عديدة بالصعيد، ونجح في هذا نجاحًا كبيرًا، ودعا علماء الأزهر المسلمين إلى عقد مؤتمر عام بالقاهرة، فارتابت دول الإسلام في كون هذه الدعوة تعني رغبة مصر أن تكون دولة الخلافة ، وكان الملك فؤاد قد أدرك أخيراً حقيقة الدسائس التي دسها خصوم الشيخ له فقرَّبه منه، فقابل الشيخ الملك فؤاد وأطلعه على الموقف، وصارحه بأن الجو غير مناسب لعقد المؤتمر بالقاهرة، وصارحه الملك بأنه يطمع في الخلافة.
ولما انعقد (مؤتمر الخلافة في القاهرة ) سنة 1926م كان الشيخ الظواهري في طليعة أعضائه اختلف أعضاء المؤتمر اختلافًا كبيرًا وتوجس الغيورون منهم الخوف من انشقاق العالم الإسلامي، فكان الشيخ الظواهري جريئاً في اقتراحه بإلغاء المؤتمر دون قرارات لعدم اكتمال تمثيل الأمم الإسلامية فانفض المؤتمر لأنه لم يكتمل فيه تمثيل الأمم الإسلامية، وتأجل بحث موضوع الخلافة إلى أجل غير موقوت.
أو بالأصح انتهي أيُّ تفكير في إعادة الخلافة عن طريق المؤتمرات، فقد رأي المؤتمرون أن الوقت غير صالح للفصل في الخلافة على وجه يرتضيه الشرع وقرروا إرجاء ذلك إلى وقت مناسب !

=====

ثم كان رئيساً للوفد المصري في مؤتمر مكة المكرمة الذي دعا إليه الملك عبدالعزيزآل سعود 1345هـ 1926 م وقويت صلته بملك مصر في ذلك العهد.
==================

وعندما حدثت الأزمة التي بين مرشَّح الملك الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ معهد أسيوط، ومرشَّح وزارة الائتلاف (الوفد والأحرار الدستوريين) الشيخ محمد مصطفى المراغي على من يتولَّى منصب شيخ الجامع الأزهر عام 1927م، واستطاع الشيخ المراغي أن ينالها، غير أن الملك رفض المشروع الذي قدَّمه لتطوير الأزهر؛ مما دفعه إلى الاستقالة، وعلى إثرها عُيِّن الشيخ الظواهري
-----------

تعيينه شيخاً للأزهر:

تولى الشيخ الأحمدي الظواهري مشيخة الجامع الأزهر في (7-5-1348هـ = 10-10-1929م)

لما توفي الإمام أبو الفضل الجيزاوي شيخ الأزهر تطلعت القوى السياسية المختلفة في مصر في هذا الوقت (القصر الملكي ، حزب الوفد، الاحتلال البريطاني ) للسيطرة على الأزهر عن طريق شيخ جديد يساعدها على نشر نفوذها بين الطلبة والعلماء، 
(الملك فؤاد) كان رجله المفضل هو الشيخ الإمام الأحمدي الظواهري، الذي يثق به ويطمئن إليه كل الاطمئنان.
وأما حزب الأغلبية وقتها (الوفد) وبعض الأحزاب الأخرى فكانوا يرشحون لمشيخة الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي.
أما سلطة الاحتلال فكانت تتظاهر بعدم التدخل في الشؤون الدينية، ولكنها كانت حريصة على أن تحرمَ الملك من الهيمنة على شؤون الأزهر حتى لا يطغى سلطانه عن طريق علماء الدين، فلم يبق أمامها إلا أن تساند مرشح الأحزاب (الوفد وغيره).
وكان الإنجليز قد عرفوا الشيخ المراغي أثناء وجوده في السودان ووصفوه بسماحة الفكر ، وأنهم يستطيعون التفاهم معه عند الحاجة، فلم يجد الملك فؤاد بُدًّا من تعيين الإمام الشيخ المراغي شيخًا للأزهر بعد أن سوَّف في تعيينه زهاء عشرة شهور، وبعد تعيينه بفترة وجيزة استقال الشيخ الإمام المراغي، وصدر الأمر بتعيين الشيخ الأحمدي شيخًا للأزهر في 7-5-1348هـ الموافق 10 -10-1929م.

وبحسب قناعاته فقد كان الظواهري يميل لمبدأ أن أياً من إحقاق الحق وتنفيذ الإصلاح لابد أن تناصره قوة فسعي لتكوين العلاقة الوثيقة بين ملك مصر وشيخ الأزهر فكان فضيلته من المقربين إلى الملك فؤاد الأول , والسلطان حسين كامل ، بل كان ينتهز كل فرصة لإظهار ولائه للملك بإقامة الحفلات وإلقاء الخطب في المناسبات الملكية؛ كأعياد الميلاد والشفاء من المرض ونحوها، بل وجعل حقَّ تعيين شيخ الجامع ووكيله وشيوخ المذاهب والمعاهد ووكلائها والوظائف الكبيرة كلها بأمرٍ من الملك وحده 

ومن الناحية الادارية بدأ فعلا وبطريقة مدهشة في الإصلاح الذي كان يريده، فتمكن من إلغاء (مدرسة القضاء الشرعي ) اكتفاء بكلية الشريعة، ومن إلغاء (تجهيزية دار العلوم ) تمهيدًا لإلغاء كلية دار العلوم اكتفاء بكلية اللغة العربية، وأطلق اسم الجامع الأزهر على كليات التعليم العالي وعلى أقسام التخصص، وأطلق اسم المعاهد الدينية على المعاهد الابتدائية والثانوية الملحقة بالأزهر.




القانون رقم 49 لسنة 1930م :

تعلقت الآمال بشيخ الأزهر الجديد، الذي سبق وأعلن عن منهجه الإصلاحي من قديم في كتابه "العلم والعلماء"، وكان الإمام عند حسن الظن، فخطا خطوة موفقة في مجال إصلاح الأزهر، ولعلها أبرز هذه الخطوات لما ترتب عليها من نتائج، كان أبرزها ظهور الكليات الأزهرية التي صارت نواة الجامعة الأزهرية.
اشتد في الإصلاح واستصدر القانون رقم 49 لسنة 1930م الذى تضمن إنشاء كلية الشريعة و كلية أصول الدين و كلية اللغة العربية و تخصص المادة لتخريج مدرسين للكليات و تخصص المهنة الدعوة القضاء التدريس
تضمن القانون كذلك تأليف هيئة تسمى مجلس الأزهر الأعلى و لها حق النظر فى اللوائح و القوانين برياسة شيخ الأزهر و عضوية الوكيل و المفتى و مشايخ الكليات ورئيس هيئة كبار العلماء , , وقد أسس الجامعة الأزهرية الحديثة بجميع كليتها الحديثة وأقسام الوعظ والإرشاد , ومطبعة الأزهر
قانون إصلاح الأزهر الذي صدر في عهده سنة (1349هـ = 1930م) مثّل خطوة موفقة لإصلاح الأزهر ، ومكنه من مسايرة التقدم العلمى والثقافى والمعرفى.
وفى هذا القانون تحددت مراحل التعليم الأزهري بأربعة مراحل:
ابتدائية لمدة أربع سنوات ، وثانوية لمدة خمس سنوات ، وألغى القسم العالي واستبدل به ثلاث كليات يدخل الطالب احداهن وهن : كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، مدة الدراسة بأي منهن أربع سنوات ،
ويلي ذلك دراسة تخصص مهنى مدتها سنتان فى أحد الفروع التالية :
1- تخصص القضاء الشرعى والإفتاء ، ويتبع كلية الشريعة
2- تخصص الوعظ والإرشاد ، ويتبع كلية أصول الدين
3- تخصص التدريس ، ويتبع كلية اللغة العربية

ويمنح المتخرج شهادة العالمية مع إجازة التدريس أو القضاء أو الدعوة والإرشاد.

ويلي ذلك تخصص المادة ومدته خمس سنوات، يتخصص الطالب في أي فرع من الفروع الآتية: الفقه والأصول، والتفسير والحديث، والتوحيد والمنطق، والتاريخ، والبلاغة والأدب، والنحو والصرف،
ويمنح المتخرج في تخصص المادة شهادة العالمية من درجة أستاذ.

ونقل هذا القانون الطلاب من الدراسة بالمساجد إلى مبان متخصصة للتعليم، وتحول بنظام الحلقات الدراسية التي كانت تعقد بالأزهر إلى نظام الفصول والمحاضرات، وأصبحت كل كلية مسؤولة عن التعليم، وتتولى الإشراف على البحوث التي تتصل بعلومها، وأطلق على القسمين الابتدائي والثانوي اسم "المعاهد الدينية"، 

ويعد هذا القانون الذى أنشئت بمقتضاه الكليات الثلاث والتخصصات المدنية والعلمية هو الإرهاص لميلاد جامعة الأزهر بعد إلغاء نظام الدراسة القديمة 

مجلة الأزهر
لم يكن الإصلاح مقتصرًا على تنظيم الكليات وتعديل المناهج العلمية، وإنما صدرت في عهده مجلة للأزهر بإسم ( نور الإسلام )وهي لا تزال تصدرحتى الآن باسم ( مجلة الأزهر)
وكان أول صدورها في (1-1-1349هـ الموافق 29-5-1930م)، وأسند رئاسة تحريرها إلى الشيخ "محمد الخضر حسين"، الذي تولى مشيخة الأزهر فيما بعد.

بعثات نشر الدين :
ومن مآثره أنه أوفد بعثات من العلماء للدعوة إلى الإسلام ونشر مبادئه في الخارج، فبعث بوفد إلى الصين ووفد إلي الحبشة لهذا الغرض.


استقالته من منصبه :

الشيخ الظواهري لم يستطع تحقيق كل ما يطمح إليه في كتابه (العلم والعلماء) لاعتبارات سياسية، ونجحت التيارات الحزبية والسياسية في إحاطته بِجَوٍّ خانق من العداء من مشايخ وطلاب الأزهر 

الأزمة الاقتصادية الخانقة وحالة الكساد التي كانت تمر بها مصروسائر الدول وقتها ،
وحدَّت هذه الأزمة من قدرة الشيخ والحكومة على التوسعة على خريجي الأزهر في مجالات التوظيف ورفع المرتبات؛ مما أسخط خريجي التعليم الأزهري عليه، فلم يراعوا حرمة شيخ الأزهر وجابهوه بالعداء السافر، ولم يجد خريجو الأزهر عملاً بأجر وعمل بعضهم دون أجر فقط لوجه الله أو ليحفظ لنفسه حق أولوية التعيين حينما تتحسن الظروف، وزاد الأمور سوءًا أن الحكومة طلبت من الظواهري فصل 200 من علماء الأزهر لتخفيض الانفاق الحكومي فاستجاب لهم و فصل من الأزهر 72 من شيوخه وعلمائه، وكان منهم الشيخ إبراهيم اللقاني، والشيخ عبد الجليل عيسى، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد عبد اللطيف دراز، والشيخ علي سرور الزنكلوني.

، وبلغت الأزمة مداها بفصل عدد من طلاب الأزهر الغاضبين من سياسته والثائرين عليه،

وشرع الشيخ الظواهري في قمع الأزهريين الذين يناصرون أحزاب المعارضة الديمقراطية ،

لذلك ما إن بدا في الأفق السياسي قرب انتهاء النظام القائم في أواخر وزارة عبد الفتاح يحيى حتى انفجر ما يسمَّى (ثورة الأزهر على الظواهري)، وفي 8-11-1934م قرَّر قسمٌ من طلبة الأزهر الإضراب عشرة أيام، ثم تابعه جميع طلاب الأزهر،
الطلاب ثاروا مطالبين بعودة الإمام المراغي واستمرُّوا في المظاهرات رغم فصل الظواهري لزعماء الطلاب ( أحمد حسن الباقوري والشيخ محمد المدني وغيرهما ) فصلاً نهائيًّا؛ 
وتألَّبت على الشيخ الظواهري كل القوى الشعبية والحزبية
وكانت التيارات الحزبية وراء اشتعال الموقف

، لذلك نزولاً على رغبة أبناء الأزهر قدم الشيخ الظواهري استقالته يوم 23-1-1354هـ الموافق 26-4-1935م، اضطر الملك إلى قبول استقالته في 27-4-1935م، وأعاد المراغي شيخًا للأزهر للمرة الثانية، فأعاد على الفور المفصولين والمنقولين لأعمالهم

من مؤلفاته :
1 العلم و العلماء (فى التخطيط للإصلاح)
2 رسالة الأخلاق الكبرى
3 السياسة و الأزهر
وهو عبارة عن مقالات و مذكرات
4 الوصايا و الآداب
5 مقادير الأخلاق
6 خواص المعقولات في أول المنطق وسائر العقليات
7 التفاضل بالفضيلة .
8 - صفوة الأساليب.
9 - حِكَم الحكماء.
10 - براءة الإسلام من أوهام العوام.
11- الكلمة الأولى في علم آداب الفهم،
وهو مخطوط كتبه في شبابه لعلم اخترعه وجعله بمثابة ميزان دقيق، أو قانون كلي لرفع الخلاف القائم بين المتأخرين في فهم آراء المتقدمين.


وفاته:
توفى الشيخ الأحمدي الظواهري بالقاهرة في 12-5-1944م
طباعه :
كان مفطورًا على الجدِّ ومواصلة العمل صلبًا فيما يؤمن به، مع حرص زائد على إقرار النظام في ظلِّ الهدوء والسكينة، وقد لقي عداءً سافرًا من بعض الطوائف ومن رجال الأحزاب وبعض العلماء، فقابل هذا كله بالحزم والشدة والصرامة؛مُتَواضِعًا جِدًّا زاهدًا في الدنيا،
ناداه أحد العلماء بلقب الإمام الأكبر، فقال له: ما أنا إلا واحد من المشايخ، وما أنا إلا عبد الله محمد الظواهري، ولست أعتقد أن في مركزي هذا أكبر شيخ في الأزهر، بل أعتقد أن الأكبر هو من كان عند الله أكرم، مصداقًا لقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ولست أعد نفسي إلا خادمًا للأزهر وأبنائه، لا رئيسًا له كبيرًا عليه


بعد وفاته بعقود منحت مصر اسمه وسام العلوم و الفنون من طبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر


عائلته :
جد العائلة هو إبراهيم بن مصطفى بن عبد الكريم بن سويلم الظواهري 
و الظواهرية فخذ من قبيلة النفيعات الذين حالفوا حرب حيث نزحوا من الحمراء ( حمراء بدر )في وادي الصفراء بالمدينة الى ضبا وتحالفوا مع الصوالحة من حرب ثم دخلوا بلاد الطور جنوب سيناء ثم إنتقلوا إلى الشرقية ,

من إخوته :

1-الشيخ محمد الشافعي إبراهيم إبراهيم الظواهري ,كان شيخ علماء الأسكندرية في عصره 
2- الشيخ محمد الحسيني الظواهري وقد تلقى تعليمه في الأزهر والمسجد الاحمدي و:حصل على شهادة العالمية سنة 1321هـ ثم عين مفتشاَ بالمعاهد الأزهرية , ومدرس بكلية أصول الدين وقد توفي سنة 1365هـ ومن مؤلفاته :
ـ تاريخ أدب اللغة العربية .
ـ والتحقيق التام في علم الكلام .
ـ القول السديد في تفسير آيات النسخ والطلاق والربا في القرآن المجيد .
ـ التحقيقات الهامة في مباحث الأمور العامة .


من ابناءه:
1- حسين أول سفير لمصر بالفلبين سنة 1948م ثم عمل سفيراً لمصر بمرسليا 
في عام 1988م تبرع حسين بمساحة (37 ) فدان من أجود الأراضي الزراعية بمركز الزقازيق محافظة الشرقية , لخدمة الأزهر الشريف , وقد قدرت هذه المساحة في ذلك الوقت بحوالي المليون ونصف جنيهاً مصرياً
2- فخر الدين :
أستاذ ودكتور وهو الذي جمع ماترك أبوه من مقالات ومذكرات وطبعها في كتاب بعنوان (السياسة والأزهر)

من أحفاده :
محمد فاروق الظواهري , وكيل أول وزارة ووكيل الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة
التاسع والعشرون 

الشيخ محمد مصطفى المراغي 1935 1945

ورد ذكرة من قبل 


ألإمام الثلاثون

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبدالرازق ؛ مصطفى بن حسن بن احمد بن محمد بن عبد الرازق
(1302 – 1366هـ/1885 – 1947م)






ولد سنة 1304 هـ 1885 م بقرية ( ابو جرج ) من قرى محافظة المنيا 
وهو الابن الرابع لأبيه حسن باشا عبد الرازق.
في طفولته بالقرية حفظ القرآن ثم أرسله والده إلى الأزهر وسِنُّه بين العاشرة والحادية عشرة، فواصل دراسته وكان والده يتدارس معه في الإجازات كتب الآداب ودواوين الشعراء فنمت موهبته، وأحبَّ الصحافة فأنشأ مع إخوته وأقاربه صحيفة عائلية كان يطبعها على مطبعة (البالوظة)
ثم أنشأ شباب أسرته جمعية (غرس الفضائل) وكانوا يتناوبون فيها الخطابة في مساء الجمعة من كُلِّ أسبوع، وكان هو أمين سر الجمعية واستمرت هذه الجمعية من سنة 1900م حتى سنة 1905م.
ثم نَشر بعض المقالات الأدبية وقصائد الشعر بالصحف ، بعدها ترك الشعر إلى الدراسات الأدبية

تلقى تعليمه بالآزهر على ايدي علمائه الأجلاء ومنهم الأستاذ الإمام محمد عبده
ولما كانت هناك مودة وصداقة بين الإمام محمد عبده وبين والده (حسن باشا عبد الرازق) الذي جمع بين ثقافة دينية ازهرية ومكانة اجتماعية وسياسية ؛ فقد تأثرإبنه الشيخ مصطفي بالإمام محمد عبده تأثرا كبيرا ودفعه ذلك الى الاهتمام بأفكار الشيخ جمال الدين الأفغاني ايضا
وتأثر أيضًا ببعض العلماء مثل الشيخ بسيوني عسل، أستاذه في الفقه، والشيخ محمد حسنين البولاني، والشيخ محمد شقير، والشيخ الإمام أبي الفضل الجيزاوي، والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية.
ثم درس مع الشيخ أحمد أبو خطوة كتاب (طوالع الأنوار للبيضاوي) وهو كتاب فيه ذكر لمذاهب الفلاسفة المسلمين وغيرهم.

وفي 29 -7- 1908م (سنة1326 هـ ) أدَّى اخنبار الشهادة العالمية بتفوق ونال شهادة العالمية من الدرجة الأولي 
ولم ينلها من هذه الدرجة إلا واحد أو اثنان من المتقدمين معه، وكان عددهم كبيرًا

وبعد شهر من نجاحه انتُدِب للتدريس ب (مدرسة القضاء الشرعي )
وكان الأزهر في هذه الفترة يموج بالثورة مُطالبًا بإصلاح مناهجه ونظمه، ومن مطالبه إلغاء مدرسة القضاء الشرعي؛ لأن فيه عنها غناء بكلية الشريعة، وتألفت جماعة للمطالبة بالإصلاح أطلق أعضاؤها عليها اسم (جمعية تضامن العلماء) وكان الشيخ مصطفى عبد الرازق في مقدمة أعضائها فغضب الخديوي عباس حلمي الثاني( 1892-1914 ) على هذه الجمعية وأوعز إلى مدرسة القضاء الشرعي بالضغط علي الشيخ مصطفي للاستقالة منها، فقدم الشيخ استقالته من المدرسة لا من الجمعية.

سفره إلى فرنسا:
ثم ان طموحه دفعه الي التعرف علي الثقافة والحضارة الغربية المهيمنة وقتذاك فسافر في 23 -6-1909م إلي فرنسا ليجمع الى ثقافته ثقافة الغرب من خلال جامعة السوربون حيث درس الفلسفة والأدب في باريس 
وحضر دروس الأستاذ (دوركايم) في الاجتماع،، ثم حضر في ليون درس الأستاذ (جوبلر) في تاريخ الفلسفة ودروسًا في تاريخ الأدب الفرنسي، ثم ندبه مسيو (لامبير) ليتولى تدريس اللغة العربية في كلية (ليون)، وأعدَّ رسالة الدكتوراه عن الإمام الشافعي، ثم أخرج مع المسيو (برنار ميشيل) ترجمة بالفرنسية لكتاب الشيخ محمد عبده (العقيدة الإسلامية) من رسالة التوحيد.


عودته إلى مصر والأعمال التي عَمِلَ بها:
ظل الشيخ مصطفى عبد الرازق في فرنسا حتى قامت الحرب العالمية الأولى، فعاد سنة 1334هـ مع كثير من زملائه المصريين إلى مصر.

وفي أكتوبر سنة 1915م عُيِّنَ سكرتيرًا للمجلس الأعلى للأزهر والمعاهد الدينية بإشارة من سلطان مصر (حسين كامل) الذي كان وثيق الصلة بوالد الشيخ مصطفى وبأخيه حسن باشا عبد الرازق؛ ولأنه تعرف على الشيخ في بعض أسفاره إلى فرنسا فأعجب بشخصيته واستمرت الصلة بينهما في مصر،لدرجة أن بنت السلطان الأميرة قدرية طلبت من الشيخ تعريب كتاب من تأليفها باللغة الفرنسية، فترجمه إلى العربية الفصيحة بعنوان (طيف خيال ملكي).

واستطاع في هذا المنصب أن يصل حباله بكثير من علماء الأزهر، وأن يكسب مودتهم وإعجابهم، وصار بيته منتدي يؤمه رجال الفكر والثقافة وعلماء الدين يتدارسون فيه ويتباحثون في شؤون الدين والفلسفة والآداب.

وفي سنة 1916م اشترك في (الجمعية الخيرية الإسلامية) ، ثم انتُخب عضوًا بمجلس إدارتها سنة 1920م، ولم يزل انتخابه يتجدد حتى انتُخب وكيلا لرئيس الجمعية
ثم في 28-2-1946م صار رئيسًا للجمعية الخيرية الإسلامية بعد وفاة رئيسها الإمام المراغي، واستمر رئيسًا لها حتى تاريخ وفاته

وفي سنة 1917م أنشأ رجل سويدي اسمه (بروزدر) -كان موظفًا بصندوق الدَّين في مصر- ما سَمَّاه (جامعة الشعب) وضمَّ إليها كبار المثقفين من المصريين والأجانب لإلقاء محاضرات علمية في شتى المعارف، وضم إليها الشيخ مصطفى عبد الرازق، فلقيت هذه المحاضرات رواجًا كبيرًا ولبثت بضع سنوات.

وفي 4-9-1920م صدر قرار من مجلس الوزراء بتعيين الشيخ مصطفى عبد الرازق مُفتشًا علي المحاكم الشرعية


وفي نوفمبر سنة 1927م نُقل إلى الجامعة أُسْتَاذًا مُسَاعِدًا في كلية الآداب، فبرزت مواهبه 
ولَمَّا خلا كرسي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة لم يختلف أصحاب الشأن في اختياره لشغل هذا الكرسي، ففاز بلقب أستاذ الفلسفة في 1-10-1935م،

وفي 2-2-1937م نال رتبة البكوية

في 27-4-1938م تم اختياره لمنصب (وزير الأوقاف ) في الوزارة التي ألفها محمد محمود باشا سنة 1357 هـ 
وفي سنة 1940م أثناء عمله وزيرًا عُيِّن عضوًا بالمجمع اللغوي 
وفي سنة 1941م نال رتبة الباشوية
وفي 9-10-1944م تألفت وزارة أحمد ماهر فدخل فيها وزيرًا للأوقاف،
كما تقلد منصب وزارة الأوقاف في وزارة النقراشي التالية لها 
والخلاصة أنه شغل منصب وزير الأوقاف في 7 وزارات، حتى تم تعيينه شيخًا للأزهر،وهو أول شيخ أزهري يتولى هذه الوزارة المستحدثة في عهد أسرة محمد علي

توليه منصب ( شيخ الأزهر) :

لما تُوفِّي الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر سنة (1365هـ = 1945م) اتجهت الأنظار إلى ثلاثة من كبار علماء الأزهر؛ ليكون أحدهم شيخًا للجامع الأزهر، والثلاثة هم: 
1- محمد مأمون الشناوي،
2- إبراهيم حمروش الذي تولى مشيخة كلية الشريعة بعد الشناوي،
3- عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية، رئيس جماعة كبار العلماء، 

لكن لسبب ما فإن ملك مصر ( فاروق ) لم يكن راغبًا في تولي أي واحد من الثلاثة لمشيخة الأزهر ، وتطلع إلى الشيخ (مصطفى عبد الرازق) ليتولى منصب شيخ الأزهر ، وهو جدير بالمنصب لكن تعيينه فيه مخالف لقانون الأزهر الذي ينص على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين (جماعة كبار العلماء)، ولم يكن مصطفى عبد الرازق حينئذ عضوا في تلك الجماعة المرموقة.

وحاولت الحكومة المصرية تعديل قانون الجماعة بحيث يسمح بإعطاء عضويته للشيخ مصطفى عبد الرازق، فاصطدمت بالثلاثة الكبار من علماء الأزهر الذين أصروا على الرفض، ولم يكن رفضهم بمثابة اعتراض على شخص مصطفى عبد الرازق أو تقليلا من شأنه، ولكن كان ذلك دفعًا لطغيان سلطة تريد التلاعب بأنظمة علماء الأزهر ولاتحافظ على القانون، 
وقدم الثلاثة استقالتهم من مناصبهم، وتمكنت الحكومة من تعديل قانون الجماعة بحيث يُسمح بترشيح مصطفى عبد الرازق لمشيخة الجامع الأزهر، وعُين بالفعل في منصب شيخ الأزهر يوم (22-1-1365 هـ = 27 -12-1945م)، فلم يقر له قرار حيث صادفته صعاب بعد توليه المنصب عندما حاول أن يمضى في طريقته للإصلاح وشاء الله ألا تطول مدته فلم يكد يمر عليه عام حتى مات بل وتولى المعترضون المستقيلون الثلاثةمشيخة الأزهر على التوالي، وكان أولهم في تولي المشيخة هو ( محمد مأمون الشناوي)

وفاته :
توفي يوم 15-2-1947م الموافق 24-3-1366هـ 

من مؤلفاته :

1- ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد للشيخ محمد عبده بالاشتراك مع الاستاذ (ميشيل برنارد)
وصدَّرَهَا بمقدمة طويلة بقلمه
2- رسائل بالفرنسية عن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام
3- التمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية
4- فيلسوف العرب والمعلم الثاني
5- الإمام الشافعي
6- الإمام محمد عبده
7- بحث في حياة البهاء زهير وشعره
8- الدين والوحي في الإسلام
9- البهاء زهير
10- فصول في الأدب
11- مذكرات مسافر.
12- مذكرات مقيم.
13 - رسائل موجزة بالفرنسية عن الأثري الكبير المرحوم بهجت بك.
14 - رسائل موجزة بالفرنسية عن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.
15 - ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد للشيخ محمد عبده، كتبها بالاشتراك مع الأستاذ (ميشيل برنارد)، . 

و له مجموعة مقالات وأبحاث ودراسات جمعها أخوه الشيخ علي عبد الرازق بعد وفاته في أكثر من خمسمائة صفحة، وكتب لها مقدمة طويلة عن حياته وصدرت ككتاب بعنوان ( من آثار مصطفى عبد الرازق )

كما ذكروا أن له كتب أخرى لم تنشر::
- مؤلف كبير في المنطق.
- مؤلف كبير في التصوف.
- فصول في الأدب، تقع في مجلدين كبيرين.
- مذكراته اليومية.

أخلاقه:
وصفه الأستاذ فريد وجدي بعد موته فقال :" لم أر فيمن قابلت من القادة أكرم خُلقًا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسًا في غير وهن، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث، واحتياط لا يشوبه تنطع، وأناة لا يفسدها فتور، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة وعِلْيَة المصلحين.
وفاته :
في يوم 15-2- 1947م ذهب الشيخ إلى مكتبة الأزهر فرأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه ونام قليلا، ثم استيقظ فتوضأ وصلَّى، ثم شعر بإعياء شديد فاستدعوا الطبيب فلما حضر أبلغهم أن الشيخ قد مات

avatar
sadekalnour
مدير عام

عدد المساهمات : 4128
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

محمد عبد الموجود رد: الجامع ألأزهر .. نشأتة.. تاريخة .. ومشايخة

مُساهمة من طرف sadekalnour في الأحد نوفمبر 27, 2011 9:32 pm


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الشناوي ، محمد مأمون بن أحمد
(1302 – 1369هـ/1784 – 1950م)

ولد في الزرقا من مراكز دمياط (حاليا بمحافظة الدقهلية ) يوم 10-8-1878 م

والده ( أحمد الشناوي) شيخ فقيه تقي من الأعلام المشهورين في مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، ثم أقام في بلدة الزرقا بمحافظة دمياط.
، حفظ محمد مأمون القرآن الكريم، وأتمَّ حفظه في سِنِّ الثانية عشرة من عُمْره، ثم أرسله والده إلى الأزهر، فعاش في رعاية أخيه الأكبر الشيخ سيد الشناوي (#1) الذي سبقه إلى الدراسة في الأزهر بسنوات،.
و دخل الأزهر للدراسة لكنه في بادئ الأمر ضاق بصعوبة المناهج والكتب المليئة بالمتون والحواشي فعاد إلى قريته ليعمل بالفلاحة وزراعة الأرض ، لكن والده رفض وهدأ من روعه وأفهمه أن لامستقبل له في غير الأزهر فعاد وهو صبي للأزهروانتظم وواصل الدراسة وظهر نبوغه
فنال اعجاب اساتذته ومنهم الشيخ محمد عبده والشيخ الإمام ابو الفضل الجيزاوي


منحه شهادة العالمية

مضى الشيخ في طريقه ينهل من علوم اللغة وعلوم الدين، ومن المتون والحواشي والتقريرات مما أهَّله لنيل 
شهادة العَالِمية، فتقدَّم للحصول عليها سنة1324 هـ 1906 م:،
ولكن المغرضين دَسُّوا له عند أعضاء اللجنة بالوشايات واتهموه بنقدهم، فتقدم الشيخ محمد مأمون الشناوي للجنة الامتحان ووقف يرد على أسئلتهم المعقدة، ويناقش أمامهم القضايا الصعبة الملتوية، وطال النقاش بينه وبين الشيوخ في إصرارٍ منهم على تحديه، فتدخل الشيخ أبو الفضل الجيزاوي رئيس لجنة الممتحنين، والذي لم يكن على دراية بما يدور في خلد أعضاء اللجنة، ودافع عن الشيخ محمد مأمون الشناوي، وقال: إنه يستحقُّ لقب عَالِم، بما أظهره أمامكم من عرض للقضايا، وتفنيد ما عرضتم من أسئلة، فنال الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوي شهادة العَالِمية سنة 1906


بعدها اشتغل بالتدريس بمعهد الإسكندرية الديني حتى سنة 1917 م= 1335هـ
ثم عين قاضيا شرعياً عام 1335 هـ
و لما ذاع صيته العلمي وسمعته الحسنة اختاره المسئولون عن القصر إماما للسراي الملكية
ولما نشبت الحركة الوطنية سنة 1919 م اشترك فيها بقلمه ولسانه
بعد صدور قانون تنظيم الأزهر سنة 1930 م عين بمنصب "شيخ كلية الشريعة"(#2)

وفي سنة 1934م نال عضوية (جماعة كبار العلماء) 

سنة 1353هـ 1944 م عين وكيلا للأزهر ورئيساً للجنة الفتوي بالأزهر في العام نفسه

اختياره شيخاً للأزهر:
لما توفي شيخ الأزهر السابق (مصطفى عبد الرازق ) صدر قرار مساء يوم الأحد2-3-1367هـ الموافق 13-1-1948م، بتولية الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوي مشيخة الأزهر الشريف.
وقد سعد العلماء بتولي الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوي مشيخة الأزهر، فعمل على أن يكون عند حسن ظنهم -كما عهدوه- فأصلح شؤون الأزهر، ورفع من شأنه، وقضى على ما كان فيه من عصبيات، ومنع الميول الحزبية من الانتشار داخله، وسعى للتآخي بين الطلبة فربطتهم الصلات القوية، وبات الأزهر شعلة متأججة بنشاط الشيخ وحيويته فارتفعت ميزانيته إلى أكثر من مليون جنيه في ذلك الوقت، 


وعندئذ وسع من دائرة البعثات للعالم الإسلامي وأرسل النوابغ لإنجلترا لتعلم اللغة الإنجليزية توطئة لإيفادهم للدعوة بالبلاد الإسلامية التي تتخاطب بالإنجليزية
كذلك فتح أبواب الأزهر أمام الطلبة الوافدين من الدول الإسلاميةلأجل التعلم بالأزهر وهم مايسمون ب (طلاب البعوث) حتى زادوا على ألفي طالب فجهز لهم المساكن، وأعدَّ لهم أماكن الدراسة.ويسر لهم سبل الإقامة والدراسة ليعودوا إلي بلادهم وقد تفهموا علوم الدين ومقاصد الشريعة
اختط للمعاهد الدينية خطة تغطي عواصم الأقاليم حيث افتتح في عهده خمسة معاهد أزهرية كبيرة جديدة هي: معاهد المنصورة، والمنيا، ومنوف، وسمنود، وجرجا، وكلها معاهد نظامية.
توصل إلي اتفاق مع وزارة المعارف ليكون الدين الإسلامي مادة اساسية بالمدارس و أن يتولي تدريسها خريجو الأزهر
وقام بترميم وصضيانة بعض المباني الأزهرية ، وشيد مباني جديدة ، ونشط في توجيه الطلاب ، فشغل ذلك كل وقته لدرجة جعلته لم يتمكن من وضع المؤلفات

.
مؤلفاته:

1- (الإسلام أحاديث ودراسات)
2- بضع عشرة مقالة، جمعها تلميذه د. محمد عبد المنعم خفاجي في كتابه (الإسلام ومبادئه الخالدة).


وفاته:
توفي صباح يوم الأحد 21-11-1369هـ الموافق 3-9-1950م
كان كريم الأخلاق، نبيل النفس، جليل السَّمت،مهاباً ، صالحًا، ورِعًا، تَقِيًّا، ذا شخصِيَّة قوية، يتمسك بالحق ويُضَحِّي في سبيله ، وكان عالِمًا كبيرًا، واسع الثقافة، غزير العلم، يرجع إليه الجميع يُجِلُّونه ويحترمونه.
لايرضي عن الباطل فسعي لحظر البغاء في مصر، فقد كان عارًا اخترعه الاستعمار الانجليزي ونص عليه بصفة رسمية حتى ينشر الفساد والانحلال
وبعد موته بعقود كرمت مصر ذكره بمنح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر

أسرته:
من أبرزهم ابنه د.عبد العزيز الشناوي
=====================

الهامش :
#1) - أخوه سيد الشناوي هذا أصبح فيما بعد من كبار القُضاة الشرعيين، وقد ترقَّى في سِلْكِ القضاء حتى أصبح رَئيسًا للمحكمة العليا الشرعية
#2) - هذا كان المسمي الوظيفي للمنصب المعروف فيمابعد ب ( عميد كلية الشريعة)
وفي سنة 1930م صدر قانون تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد الدينية في عهد الشيخ الإمام الظواهري، وأُنْشِئَت الكُليات الأزهرية ورُوعِيَ في اختيار شيوخها (عُمدائها) العلم الغزير، والخلق الحميد، والسُّمعة الطيبة، والشخصية القوية، فتمَّ اختيار الشيخ العلامة محمد مأمون الشناوي شَيْخًا (عميدًا) لكلية الشريعة



سليم ، عبد المجيد 
( 1299 – 1374هـ/1882 – 1956م)


ولد في 13-10-1882م، الموافق 1-12-1299هـ لأسرة فقيرة بقرية (ميت شهالة) من ريف مصر تابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية
وحفظ القرآن وجوده، ثم التحق بالأزهر،
.
أقبل إلي القاهرة ليلتحق بالأزهر فسكن في غرفة في حي الجمالية علي مقربة من الجامعة وكان يشاركه فيها الطالب أحمد حسين، (الشيخ أحمد حسين بك - مفتي الأوقاف فيما بعد، وهو شقيق الدكتور طه حسين باشا، الذي اشتهر فيما بعد بلقب عميد الأدب العربي)
وكان يقطن الغرفة المجاورة لهما الدكتور طه حسين باشا الذي كان يؤثر الوحدة والعزلة ولا يحب أن يشاركه في غرفته أحد أو يشارك فيها أحداً،
وحدث أن منيت القاهرة في ذلك الحين بوباء، انقطع من أجله أساتذة الأزهر في عقد حلقات دروسهم فيه واعتكفوا في منازلهم، فكان طلابهم يقصدون إليهم فيها ليتلقوا عنهم العلم ولا يحرموا منه في فترة الاعتكاف، وكان الشيخ عبدالمجيد سليم من تلامذة الشيخ علي البولاقي، أحد علماء الأزهر الأفذاذ في ذلك العهد، فكان الأستاذ الأكبر يمشي علي قدميه من داره في الجمالية إلي دار أستاذه في بولاق - أي ما لا يقل عن عشرة كيلومترات في الذهاب والإياب - لأن الترام لم يكن قد عرف بعد ولا الأتوبيس، ولأن مالية الطالب لم تكن تسمح له يومئذ باستئجار «حمار حصاوي» المطية الوحيدة المعروفة في ذلك الزمان.

ويقول: لقد كانت هذه المشقة حافزاً لنا علي الجد والاجتهاد بغية النجاح والتفوق، فما كنا لنفرط في ذرة من العلم الذي حصدناه بالكد والعرق والكفاح.

وأثناء أيام تاقت نفسه ونفس صديقه الحميم الشيخ مصطفي عبدالرازق وهما طالبان إلي دراسة الفلسفة رغم اعتبارها ضرباً من ضروب الإلحاد والكفر في نظر علماء الأزهر، إلا عالماً كبيراً كان يستنكر ما يلصقه بها الآخرون من كفر وغواية، ذلك هو الشيخ «أحمد أبوخطوة» فقصد الاثنان معاً إلي دار الشيخ «أبوخطوة» وأعربا عن رغبتهما في أن يتتلمذا علي يده في الفلسفة، فأكبر جرأتهما وشجاعتهما، وكان يستقبلهما في بيته ويدرس لهما الفلسفة سراً، بعد أن يغلق الأبواب، كما لو كان تدريس الفلسفة عملاً يعاقب عليه القانون

وكان الشيخ عبد المجيد سليم متوقد الذكاء مشغوفًا بفنون العلم، متطلعًا إلى استيعاب جميع المعارف.
و مضت الايام واستكمل تعليمه بالأزهر على يد علمائه من كبار الأئمة ورواة الحديث والمفسرين 
ومن أساتذت هكانوا الإمام الشيخ (محمد عبده )والشيخ (حسن الطويل) والشيخ (أحمد أبي خطوة) وغيرهم 
وفي سنة عام 1326هـ الموافق 1908م نال الشهادة العالمية من الدرجة الأولى

مناصبــه:
شغل الكثير من المناصب الدينية فى التدريس بالمعاهد الدينية، ثم بمدرسة القضاء الشرعي

كما ولي القضاء وتدرج فيه حتى وصل إلى عدة مناصب، ثم عهد إليه بالإشراف على الدراسات العليا في الأزهر
، ثم صارت إليه رياسة لجنة الفتوى 

وفي 2-12-1346 هـ الموافق 22-5-1928م أصبح (مفتي الديار المصرية ) وظل يباشر شؤون الإفتاء قرابة عشرين سنة في الفترة (1346 – 1364هـ
كان بحراً للعلوم ،وكان الرأس في لجنة الفتوى وبلغ عدد فتاويه خمسة عشر ألف فتوى
وكان فقيها مجتهداً لا يتقيد بمذهب معين وإنما يتعمق في بحث الأدلة

عاصر أحداث هامة بمصر وشارك فيها
وكان لآرائه الدينية صدى بعيد فى العالم الإسلامى كافة


، ومن خلال هذه الفترة الطويلة في الإفتاء ترك فضيلته لنا ثروة ضخمة من فتاويه الفقهية نحو (خمسة عشر ألف فتوى ) .

ولم يكن يهمه عند الفتوي كبير ولاصغير وأفتي ضد نهج التصوف في الحياة فقال :
"والصواب أنه اسم أعجمي قديم كان ولا يزال معروفاً عند وثني الهند وأصله عند قدماء اليونان "ثيو صوفي" ومعناه المتجرد لطلب الحقيقة الأولى التي انبثق عنها الوجود وهي عندهم الحقيقة الإلهية أو نحو هذا ولهذا كانت الصوفية ديناً آخر غير الإسلام دخيلٌ عليه"
--------
ويروي انه وصل إليه سؤال من إحدى المجلات عن مدى شرعية إقامة الحفلات الراقصة في قصور الكبار، وقد حمل رسالة المجلة إليه أحد أمناء الفتوى في دار الإفتاء، ولفت نظره إلى أن المجلة التي طلبت الفتوى من المجلات المعارضة للملك، وأن الملك قد أقام حفلا راقصا في قصر عابدين، فالفتوى إذن سياسية، وليس مقصوداً بها بيان الحكم الديني. وتريد المجلة بذلك الوقيعة بينه وبين الملك، إلى جانب التعريض بالتصرف الملكي وصولاً إلى هدف سياسي.

فقال فضيلته: وماذا في ذلك ؟ إن المفتي إذا سُئل لابد أن يجيب ما دام يعلم الحكم
وأصدر فتواه بحرمة هذه الحفلات
ونشرت المجلة هذه الفتوى مؤيدة بأدلتها الشرعية.
وعلي إثر هذه الفتوى حدثت أزمة بين الملك والمفتي، 
صمم الملك على الانتقام من المفتي، الذي كانت فتواه سبباً في إحراجه فوجّه الديوان الملكي دعوة إلى الشيخ عبد المجيد سليم لحضور صلاة الجمعة مع الملك في مسجد قصر عابدين، وهو القصر الذي أُقيم فيه الحفل الراقص، فذهب المفتي وجلس في المكان المخصص له، وحين حضر الملك جلس في مكانه بالصف الأول، وبعد انتهاء الصلاة وقف كبار المصلين لمصافحة الملك بعد الصلاة قبل أن يدخل إلى حديقة القصر من الباب الداخلي للمسجد المؤدي إلى الحديقة، ووقف المفتي في مكانه استعداداً لهذه المصافحة الملكية، وكان كل من يأتي عليه الدور للمصافحة يرفع يده نحو الملك استعداداً لمصافحته، فيصافحه الملك لكن الشيخ عبد المجيد سليم لم يبدأ الملك بالمصافحة وفشلت رغبة الملك أن يترك يد الشيخ ممدودة للمصافحة دون أن يصافحه، ويكون في تلك الإهانة عقاباً أدبياً للمفتي 
------
وتصدي المفتي للملك فؤاد عندما حاول أن يستبدل ببعض ممتلكاته من الأراضي الصحراوية الجرداء القليلة الثمن ، بأراضي زراعية خصبة موقوفة للخيرات فأفتي الشيخ عبد المجيد سليم أن< مثل هذا الاستبدال باطل لأن الاستبدال لايجوز لغير مصلحة الوقف ، وهي هاهنا مفقودة> .


توليه منصب شيخ الأزهـر:
عين شيخاً للأزهر لأول مرة في 26-12-1369 هـ الموافق 8-10-1950م
فأسهم فى إصلاح الأزهر
وكان لديه اشتغال بالتقريب بين المذاهب الإسلامية وله فى هذا المجال كثير من المراسلات مع علماء البلاد الإسلامية
وله صلات ب (جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية) الساعية لأجل تفاهم الطوائف الإسلامية السنية والشيعية على ما ينفع المسلمين،واستلال الضغائن من بينهم، وله في هذه الناحية كتابات ورسائل ومراسلات بينه وبين كثير من علماء البلاد الإسلامية 

إعفاؤه :
بعد تعيينه بأقل من عام أعفي من منصبه في 4-9-1951م لاعتراضه على الحكومة المصريةعندما خفضت من ميزانية الأزهر
وأعلن عن غضبه وقال عبارته الشهيرة : » أتقتير هنا وإسراف هناك«
ويقصد بالإسراف تبذير ملك مصر فاروق وحاشيته

إعادته لمنصب شيخ الأزهر :
أعيد إلي المنصب مرة أخرى 1371هـ فتولى المشيخة للمرة الثانية في يوم 10-2-1952م
وكان يحيي سنة السلف الصالح فيفتح أبواب بيته بمنشية البكري في رمضان طيلة الليل، للواردين والمترددين، حتي ولو لم يكونوا من أصدقائه أو معارفه دار الشيخ،، وتبدأ سهرات رمضان في دار الأستاذ الأكبر عقب الفراغ من تناول الإفطار الذي يحرص علي أن يتناوله مع جميع أفراد العائلة
إستقالته :

بعد فترة وجيزة من ثورة يوليو 1952 وكان قد بلغ السبعين عاماً لم يرتاح إلي العمل كشيخ الأزهر فقدم استقالته في 17-9-1952م ، وحل محله الشيخ (محمد الخضر حسين )


من آثاره العلمية
1-فتاويه وتبلغ بضعة عشرة ألف فتوى


وكم كانت رغبة الكثيرين في ان تدون هذه الثروة الهائلة من الفتاوي وتطبع وتنشر حتي يستفيد منها المسلمون في جميع انحاء العالم ولكن لم يتيسر ذلك الا عندما تقلد فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق منصب الافتاء فعمل جاهدا علي جمع هذا التراث الاسلامي الكبير الذي تركه اعلام المفتين في مصر وطبعه ونشره ومنه فتاوي الشيخ عبدالمجيد سليم
2-مقالاته وآراؤه ودراساته فى الصحف والمجلات وبخاصة ( رسالة الإسلام )

3- تحقيق كتاب (الفتاوى) للإمام بدر الدين الحنبلي البعلي: 


وفــاته:
توفي يوم 7-10-1954م الموافق 10-2-1374هـ.
كان واسع الأفق حسن الخلق، عاصر أحداث هامة في تاريخ الوطن العربي واشترك فيها موجهًا وهاديًا وكان لآرائه الدينية صداها البعيد في العالم الإسلامي كافة، 
بعد وفاته بعقود كرمت مصر اسمه بمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر


==========

الهامش :
من أقواله -رحمه الله- في ذلك:

لقد كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والتابعون لهم بإحسان والأئمة عليهم الرضوان، يختلفون، ويدفع بعضهم حجة بعض ويجادلون عن آرائهم بالتي هي أحسن ويدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ولم نسمع أن أحدا منهم رمي غيره بسوء، أو قذفه ببهتان ولا أن هذا الاختلاف بينهم كان ذريعة للعداوة والبغضاء، ولا أن آراءهم فيما اختلفوا فيه قد اتخذت من قواعد الإيمان وأصول الشريعة التي يُعد مخالفها كافرا أو عاصيا لله تعالى، وقد كانوا يتحامون الخوض في النظريات، وفتح باب الآراء في العقائد وأصول الدين ويحتمون الاعتصام فيها بالمأثور، سدا لذريعة الفتنة وحرصا على وحدة الأُمة وتفرغا لما فيه عزهم وسعادتهم وارتفاع شانهم، ولذلك كانوا أقوياء ذوى عزة ومهابة، أشداء على الكفار رحماء بينهم.
ولكن المسلمين لم يلبثوا أن انحرفوا عن هذه السبيل، واتخذوا من خلافاتهم عصبيات جامدة لا تعرف التفاهم، ولا تنزل عن حكم البرهان والعقل فكانوا باختلافهم المذهبي كالمختلفين في الدين. يتبادلون سوء الظن، ويتراشقون التهم جزافا، وينظر بعضهم إلى بعض في حذر وحيطة، بل أفضى بهم ذلك في كثير من الأحيان إلى التضارب والتقابل وسفك الدماء، وبذلك انحلت عرى الأُمة وانفصمت وحدتها، وقدر عليها أعداؤها، ونزع الله هيبتها من القلوب وأصبحت غثاء كغثاء السيل، وانقلب الخلاف الذي كان رحمة ونعمة، إلى بلاء وشر وفتنة. وصار مثله كمثل الخلاف في الأصول، والنزاع على الأسس الأولى للإيمان.
ولقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يخشى هذا التفرق، ويحذر منه وكان يشبه المؤمنين بالجسد الواحد، ولم يكن شيء أبغض إليه بعد الكفر بالله من الاختلاف في التنازع ولو في الأمور العادية.
أن هذه الأُمة لن تصلح إلاّ إذا تخلصت من هذه الفرقة، واتحدت حول أصول الدين وحقائق الإيمان ووسعت صدرها فيما وراء ذلك للخلافات ما دام الحكم فيها للحجة والبرهان.
ولقد أدركنا في الأزهر على أيام طلبنا للعلم، عهد الانقسام والتعصب للمذاهب ولكن الله أراد أن نحيا حتّى نشهد زوال هذا العهد، وتطهر الأزهر من أوبائه واوضاره، فأصبحنا نرى الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي أخوانا متصافية وجهتهم الحق، وشرعتهم الدليل، بل أصبحنا نرى بين العلماء من يخالف مذهبه الذي درج عليه في أحكامه لقيام الدليل عنده على خلافه، وقد جربت طول مدة قيامي بالإفتاء في الحكومة والأزهر ـ وهي أكثر من عشرين سنة ـ على تلقي المذاهب الإسلاميّة ولو من غير الأربعة المشهورة بالقبول مادام دليلها عندي واضحا وبرهانها لدي راجحا مع إنني حنفي المذهب كما جريت وجرى غيري من العلماء على مثل ذلك فيما اشتركنا في وضعه أو الإفتاء عليه من قوانين الأحوال الشخصية في مصر، مع أن المذهب الرسمي فيها هو المذهب الحنفي، وعلى هذه الطريقة نفسها تسير (لجنة الفتوى بالأزهر) التي أتشرف برياستها، وهي تضم طائفة من علماء المذاهب الأربعة.
فإذا كان الله قد برأ المسلمين من هذه النعرة المذهبية التي كانت تسيطر عليهم إلى عهد قريب في أمر الفقه الإسلامي، فأنا لنرجوا أن يزيل ما بقي بين طوائف المسلمين من فرقة ونزاع في الأمور التي يقوم عليها برهان قاطع يفيد العلم، حتّى يعودوا كما كانوا أمة واحدة، ويسلكون سبيل سلفهم الصالح في التفرغ لما فيه عزتهم وبذلك السعي والوسع فيما يعلى شانهم، والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
================
حمروش ، إبراهيم إبراهيم 
(1297 – 1380هـ / 1880 – 1960م)




ولد فى قرية ( الخوالد) مركز ايتاى البارود محافظة البحيرة يوم 1-3-1880م الموافق 20-3-1297هـ
ونشأ بها فحفظ القرآن الكريم
ثم حضر إلى القاهرة وتلقى تعليمه بالأزهر
درس على أعلام العلماء كالشيخ محمد عبده والشيخ أحمد أبو خطوة أستاذ الفقه الحنفي والشيخ محمد بخيت وودرس النحو على الشيخ (علي الصالحي المالكي)، ولزم الأستاذ الإمام الشيخ (محمد عبده)، فأخذ عنه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني في علوم البلاغة، كما أخذ عنه النصيرية في علم المنطق لابن سهلان الساوي، وقد تأثر بالإمام تأثرًا كبيرًا في رحابة صدره، وشجاعته في التمسك بالحق، ودعوته الكبرى لإصلاح الأزهر وتقدم الشعوب الإسلامية.
وكانت له موهبة في العلوم الرياضية جعلته يُقبلُ عليها بالدرس والتحصيل، فلمَّا أعلن (رياض باشا) عن مكافآت مالية لمن يفوز في امتحانات الرياضيات فاز الشيخ في هذه الامتحانات غير مرة.

وفي سنة 1324هـ الموافق لسنة 1906م تقدَّم الشيخ إبراهيم حمروش لامتحان الشهادة العَالِمية، وكان صغير السن بالنسبة لأقرانه، وكانت مادة أصول الفقه في هذا الامتحان مقصورة على مقدمة (جمع الجوامع) فكان الطلبة يقنعون بدراسة هذه المقدمة، ويتعمقون في دراسة مسائلها دون بقية الكتاب، ولكن شيخ الأزهر وقتها الإمام الشربيني باغت الطلبة بالمناقشة في مسائل الكتاب كله، واختار مسألة القياس لتكون محور المناقشة، فأحجم الطلبة وتخلف معظمهم عن الامتحان، فسمح لمن يلونهم أن يتقدموا للامتحان، فتقدم الشيخ حمروش، وتعرض لامتحان دقيق عسير، ظل مضرب المثل مدة طويلة، وفاز فيه بالدرجة الأولى عن جدارة واستحقاق، وكان المألوف أن يؤدي الطالب الامتحان في أربعة عشر علمًا، وأن يقضي سحابة نهاره في الامتحان، ولكن الشيخ إبراهيم حمروش لم يتجاوز في أداء الامتحان أكثر من ثلاث ساعات.

وظائفه ومناصبه:
عمل مدرسا بالأزهر اعتباراً من 21-11-1906 
ثم اختير يوم 26-9-1908 مدرساً بمدرسة القضاء الشرعي ، حيث درَّس بها الفقه وأصوله
ثم عُيِّنَ قاضيا فى المحاكم الشرعية
ثم أعيد للأزهر بسبب حكمه في قضية بما يغضب الملك فؤاد ، ففي 12-10-1928 عُيِّنَ شيخا لمعهد أسيوط الديني

وفي 25-12-1929 عُيِّنَ شيخا لمعهد الزقازيق
عينه شيخ الأزهر المراغي شيخًا لمعهد الزقازيق ليعاونه في إعداد مناهج الإصلاح التي كان ينوي تطبيقها في الأزهر وذلك في عهد مشيخة المراغي الأولى.

وفي 1-12-1929 عُيِّنَ الشيخ إبراهيم حمروش مُفَتِّشًا بالإدارة العامة للأزهر 
ثم عين شيخاً (عميدا )لكلية اللغة العربية عند إنشائهافي 12-6-1931
ومن الطبيعي أن يكون عضوا في (مجمع اللغة العربية ) منذ إنشائه سنة 1932م

ثم في 24-10-1944م عين شيخا (أي عميداً) لكلية الشريعة

وفي سنة 1932م عُيِّنَ رَئِيسًا للجنة الفتوى وأصدر عددًا من الفتاوى القيمة مع احتفاظه بمنصب ه كعميد كلية اللغة العربية.
وفي 11-6-1934 (الموافق 28-2-1353هـ ) نال عضوية كبار العلماء برسالته (عوامل نمو اللغة)، وهي رسالة قيمة 
وفي 26-3-1936 مُنح كسوة التشريفة من الدرجة الأولى 

من تلاميذه:

الشيخ (حسن مأمون) وهو مِمَّن تولي منصب شيخ الأزهر،
والشيخ (علاَّم نصار)،وقد تولَّى منصب الإفتاء،
والشيخ (حسنين مخلوف)، وقد تولَّى منصب الإفتاء،
والشيخ فرج السنهوري، من أعلام الفقه في مصر

تعيينه في منصب شيخ الأزهر :
في 1-9-1951 م الموافق 30-11-1370هـ تولى منصب شيخ الأزهر حيث صدر قرار رسمي بتعيينه شيخًا للأزهر، فكان أول عمل وجَّه إليه عنايته إنهاء الخلاف حول ميزانية الأزهر، فقد تمسك بزيادة الميزانية وإعادة الدرجات التي حذفت منها

إعفاؤه من منصبه كشيخ للأزهر :
اعتدى الجيش الإنجليزي على مدينة الإسماعيلية وحاصر مركز الشرطة المصرية في الإسماعيلية ليستسلم فرفض الضباط الاستسلام وقصفهم الجيش الانجليزي فقتل عشرات الجنود والضباط من رجال الشرطة البواسل ،فنألم المصريون واشتد غضب الشعب المصري للحدث وأصدر الإمام إبراهيم حمروش بيانًا باسم علماء الأزهر وطلابه ضد الجيش الإنجليزي، وناشد الضمير العالمي أن يثور على هذا الوضع المهين لكرامة الإنسان، وأن يَهبَّ لوقف هؤلاء المستبدين عند حدهم، وأنذر الإنجليز بأن الشعب لن يسكت بعد اليوم على ضيمٍ يُرَاد به، ولن يُفَرِّط في حقٍّ من حقوقه

وحينئذٍ اشتد غضب الإنجليز، فضغطوا على الملك فاروق فأعفاه من منصبه
أعفي من منصبه في 9-2-1952 بعد أقل من ستة أشهر بسبب البيان القوي الذي أصدره لإدانة قوات الإنجليز 

من مؤلفاته:
-كتاب ( عوامل نمو اللغة) وهو بحث نال به عضوية جماعة كبار العلماء
-دراسات نشرها الشيخ فى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 
-مقالات وأبحاث عديدة فى الصحف والمجلات

صفاته :
حاضر البديهة حلو المجلس، قوي الحجة، عذب الحديث، بعيدًا عن التزمت والجمود، قد يمزج أحاديثه بالفكاهة اللطيفة والسمر الطيب، مع التمسك التام بشعائر الإسلام والبُعد عن اللغو وحدة الجدل والإسفاف. وكان يزين آراءه ببيت الشعر أوالمثل البليغ، والحكمة المأثورة، ولهذا كثر الوافدون على مجالسه يستمتعون بكرم ضيافته وغزير معلوماته، وعذب أحاديثه، ويقال أنه كان يحفظ الكثير من الأدب العربي، ويستشهد بأبيات الشعر خلال حواره .

وفاته :
بعد خروجه من مشيخة الأزهر، نشر المقالات بالصحف، وفتح بيته أمام تلاميذه ومريديه، واستمر في حضور جلسات مجمع اللغة العربية، حتى توفي في نوفمبر 1960 م 1380هـ عن عُمْرٍ يُنَاهِزُ الثَّمانين عامًا 
وبعد موته بعقود كرمته مصر بمنح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر


الخضر حسين ، محمد
(1293 – 1377هـ/ 1876 – 1958)




إسمه : محمد الخضر بن حسين بن علي بن عمر الحسني التونسي
ولد بمدينة نفطة بجمهورية تونس سنة 1293 هـ 16-8-1876م
أسرة أبيه عريقة تعود في الأصل إلى البيت العمري في بلدة (طولقة) جنوب الجزائر،
قيل من المرجح أن أسرته تنتمي إلى أسرة الأدارسة التي حكمت المغرب فترة من الزمان
هاجرأبوه إلى (نفطة) من بلاد الجريد بتونس بصحبة صهره (مصطفى بن عزوز) حـيــنـمـا دخل الاستعمار الفرنسي الجزائر
، ومما يدل على عراقة أسرته في العلم أن منها جده (مصطفى بن عزوز) وأبو جده لأمه (محمد بن عزوز)، وخاله (محمد المكي) كلهم من كـبـار الـعـلـماء.
رحل أبوه إلى مدينة تونس 1305هـ
حفظ محمد الخضر حسين القرآن الكريم في طفولته
كما لقنته والدته مع إخوانه (الكفراوي) في النحو و (السفطي) في الفقه المالكي
ثم التحق بجامعة الزيتونة 1307هـ 1889م؛وتعلم من الشيخين عمر بن الشيخ، ومحمد النجار وكانا يدرّسان تفسير القرآن الكريم، ومن الشيخ سالم بوحاجب وكان يدرس صحيح البخاري، وقد تأثر به الخضر الحسين وبطريقته في التدريس.
وفي عام 1316 نال شهادة (التطويع) التي تخول حاملها إلقاء الدروس في الزيتونة تطوعاً وكانت هذه الطريقة درباً للظفر بالمناصب العلمية وميداناً للتدرب على مهنة الدعوة و التعليم
وفي عام 1321هـ 1903م نال شهادة العالميةمن جامع الزيتونة
وفي نفس السنة 1321 هـ تولى التدريس مدرساً بجامع الزيتونة فى الزيتونة
ولما كان واسع الأفق، فصيح العبارة، محبًا للإصلاح أنشأ مجلة السعادة العظمى سنة 1321هـ لتنشر محاسن الإسلام وشرائعه، ولتوقظ الغافلين وتفضح أساليب المستعمرين
لذا بعد مضي عام واحد فقط على صدورها أغلقها المستعمر الفرنسي حينما تعرض لهجومها عام 1322 هـ

ثم ولى الشيخ قضاء بنزرت بتونس عام 1324هـ 1905م إلى جانب قيامه بالتدريس والخطابة بجامعها الكبير
ألقى في نادي (قدماء خريجي مدرسة الصادقية) عام 1324 محاضرته (الحرية في الإسلام) والتي قال فيها :
(إن الأمة التي بليت بأفراد متوحشة تجوس خلالها ، أو حكومة جائرة تسوقها بسوط الاستبداد هي الأمة التي نصفها بصفة الاستعباد وننفي عنها لقب الحرية) .

ثم بيّن حقيقتي الشورى والمساواة ، ثم تحدث عن حق الناس في حفظ الأموال والأعراض والدماء والدين وخطاب الأمراء . ثم بيّن الآثار السيئة للاستبداد
ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الدولة العثمانية وإيطاليا، وقف إلى جانب دولة الخلافة، ودعا الناس إلي مساندتها
ثم استقال من القضاء وعاد إلى الزيتونة للتدريس بجامع الزيتونة ثانية
وفى سنة 1325هـ اشترك فى تأسيس الجمعية الزيتونية
فى سنة 1326هـ عين مدرسا بالمدرسة الصادقية الثانوية وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة فى القطر التونسى

، وحين حاولت الحكومة القائمة تكليفه بالعمل في محكمة فرنسية رفض ، وبدأ الاستعمار الفرنسي يضيّق عليه ويتهمه ببث روح العداء له


وفي عام 1329 وجهت إليه تهمة بث العداء للغرب وتسببه في اضرابات الطلاب و اشتباكات بين المواطنين والمستعمرين الفرنسيين فاضطر الشيخ محمد الخضر الحسين إلى مغادرة البلاد سنة (1329هـ= 1910م) واتجه إلى إستانبول خصوصاً وأنه من أنصار (الجامعة الإسلامية) الذين يؤمنون بخدمة الإسلام خدمة لا تضيق بها حدود الأوطان

ولم يمكث بها طويلاً، فعاد إلى تونس ظانًا أن الأمور قد هدأت بها، لكنه أصيب بالضيق فففكر الهجرة منها نهائيًّا فرارًا بدينه وحُريَّته وقرَّر الرحيل إلي سوريا
وصل دمشق عام 1330 مع أسرته ومن ضمنها أخواه العالمان المكي وزين العابدين ،وكانت الأمة السورية تطالب الحكومة العثمانية بإعطاء اللغة العربية حقها من التعليم في المدارس الرسمية فعين الشيخ (محمد الخضر حسين) مدرساً للغة العربية بالمدرسة السلطانية بدمشق سنة 1331هـ 1912م، وألقى في جامع بني أمية دروساً قدّره العلماء عليها، وتوثقت بينه وبين علماء الشام الصلة وبخاصة الشيخ البيطار، والشيخ القاسمي
ولما كانت آنذاك سكة حديد الحجازموجودة و سالكة إلى المدينة المنورةفقد سافر للحجاز بالقطار و زار المسجد النبوي عام 1331هـ
ثم شـده الحـنـيـن إلى تـونـس ، فزارها ومنها سافر إلى استانبول 1331هـ
ثم عاد إلى تونس في عام 1332 هـ فكان من أعضاء لجنة التاريخ التونسي
ثم سافر إلى إستانبول، واتصل بأنور باشا وزير الحربية، فاختاره محررًا عربيًا بوزارة الحربية
ثم بعثه إلى برلين في مهمة رسمية، فقضى بها تسعة أشهر أتقن فيها اللغة الألمانية
ولما عاد الي استانبول وجد خاله الشيخ محمد المكي بن عزوز قد توفي قبل عودته بشهرين، فضاقت به استانبول ولم يبقي طويلا وعاد إلى دمشق ، فاعتقله التركي حاكم الشام (أحمد جمال باشا) وكان طاغية في رمضان عام 1334هـ 1915م بتهمة علمه وتستره علي الحركات السرية المعادية للأتراك!
ودخل الشيخ السجن في سوريا سنة وأربعة أشهر ثم أطلق سراحه وتمت تبرئة ساحته من التهمة
وبعد الإفراج عنه عاد إلى إستانبول، فما كاد يستقر بها حتى أوفده أنور باشا مرة أخرى إلى ألمانيا سنة (1335هـ= 1916م)، وهناك التقى بزعماء الحركات الإسلامية من أمثال: عبد العزيز جاويش، ود.عبد الحميد سعيد، و د.أحمد فؤاد
ثم في سنة 1335هـ عاد إلى إستانبول، ثم عاد إلى دمشق حيث عاد إلى التدريس بالمدرسة السلطانية، ودرّس لطلبته كتاب "مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام النحوي المعروف،
وتولى التدريس بثلاثة معاهد هي : (المدرسة السلطانية - المدرسة العسكرية - المدرسة العثمانية)
كان يرجع في تقرير المسائل المتصلة بالسماع والقياس إلى الأصول المقررة والمستنبطة، فاقترح عليه بعض النابهين من الطلبة جمع هذه الأصول المتفرقة فألَّف بَحْثًا مُفَصَّلاً في حقيقة القياس وشروطه ومواقفه وأحكامه، وكان هذا البحث أساس الكتاب الذي ألفه في مصر ونال به عضوية جماعة كبار العلماء.

وفي سنة 1337هـ ذهب إلى الآستانة وكانت الحرب العالمية الأولى في نهايتها والدولة مؤذنة بالزوال، فتوجه إلى ألمانيا مرة ثالثة وقضى هناك سبعة أشهر، ثم عاد منها إلى دمشق مباشرة، وحين عاد صادف دخول الجيش العربي بقيادة فيصل بن الحسين، وكانت الأوضاع غير مستقرة، وكان الشيخ قد سئم كثرة الأسفار وعدم الاستقرار
ثم وقعت كارثة الاحتلال الفرنسي لسوريا، الذي أصدر ضده حكماً غيابياً بالإعدام لما قام به ضد فرنسا من نشاطات في رحلاته لأوربا - فقرر الفرار من سوريا قبل أن يتعرض للاعتقال وشرع في الترحال إلي مصر سنة (1339هـ= 1920م)، فلما وصلها نزل في القاهرة واشتغل بالبحث وكتابة ثم عمل محررًا بالقسم الأدبي في (دار الكتب) واتصل بأعلام الاسلام في مصر وتوثقت علاقته بهم

وتقدَّم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر، وعقدت له لجنة الامتحان سنة 1339 هـ برئاسة الشيخ العالم/ عبد المجيد اللبان مع نخبة من علماء الأزهر فأدهش الممتحنين بتبحره وسعة محفوظاته عند الإجابة مع قوة في الحجة، فمنحته اللجنة شهادة العالمية، وبلغ من إعجاب رئيس اللجنة به أن قال لمن حوله "هذا بحٌر لا ساحل له، فكيف نقف معه في حِجاج".
------------------------
وفي سنة 1340هـ ألَّف رسالته القيمة (الخيال في الشعر العربي)،
استمر مُحَرِّرًا بالقسم الأدبي في دار الكتب المصرية عدة سنوات، ثم تَجَنَّس بالجنسية المصرية، 

في سنة 1342هـ أسس جمعية (تعاون جاليات إفريقيا الشمالية)، وسنَّ لها قانونًا طبعه صديقه السيد (محب الدين الخطي)ب، وكان دائب الحركة يدرس ويدرِّس ويُحَاضر، ويكتب للصحف والمجلات ويشترك في الجمعيات والأندية، وكان يرى نهضة الأمة الإسلامية مرتبطة بالدراسات العلمية والإنتاج الصناعي،
---------
وفي سنة 1343هـ مرض مرضًا شديدًا
-----------
، وفي عام 1344هـ 1926م كتب محمد الخضر حسين كتابه "نقض (كتاب الإسلام وأصول الحكم)لعلي عبد الرازق" رد فيه على كتاب الشيخ (علي عبد الرزاق) صديق الانجليز الذي أثار ضجة كبيرة بمصر فانبرت الأقلام بين هجوم عليه ودفاع عنه، وقد صدم الرأي العام بزعمه أن الإسلام ليس دين حكم، وأنكر وجوب قيام الخلافة الإسلامية، ونفى وجود دليل عليها من الكتاب والسنة، وكانت الصدمة للجمهور هي أن يكون مؤلف هذا الكتاب عالمًا من الأزهر.
فنهض له الشيخ محمد الخضر حسين وآخرون لتفنيد دعاويه وكتب الشيخ محمد الخضر حسين كتابه: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" سنة (1344هـ= 1926م) تتبع فيه أبواب كتاب علي عبد الرازق، مبتدئاً بتلخيص الباب بعد الباب، ثم إيراد الفقرة التي تعبّر عن الفكرة موضوع النقد فيفندها، وانتقد طريقة استخدام المؤلف للمصادر، وكشف أنه يتعمد اقتباس الجمل من سياقها لتؤدي المعنى الذي يقصده علي عبد الرازق وليس المعنى الحقيقى
----------------------
وفي عام(1345هـ= 1927م)أصدر كتابه "نقض كتاب (في الشعر الجاهلي)"والكتاب المنقوض للدكتور طه حسين الذي ادعي انتحال الشعر الجاهلي وألقي بشكوكه في كل قديم دُوِّن في صحف الأدب، وزعم أن كل ما يُعد شعرًا جاهليًا إنما هو مختلق ومنحول، ولم يكتف بهذه الفرية فجاهر بالهجوم على المقدسات الدينية حيث قال: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، ولكن هذا لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي…". وقد انبرت أقلام غيورة لتفنيد ما جاء في كتاب الشعر الجاهلي من أمثال الرافعي، والغمراوي، ومحمد فريد وجدي
أما الشيخ الذي ألَّف كتابا شافيا في الرد على طه حسين وكتابه فكان محمد الخضر حسين الذي فنَّد ما جاء فيه، وأقام الأدلة على أصالة الشعر الجاهلي وكشف عن مجافاة طه حسين للحق، وانما طه حسين هو تابع للغربيين انتحل نصوص كتاب مستشرق انجليزي حاقد يدعي مرجليوث دون أن يبين مصدره للمصريين
-----------------------------------------------------
اتجه محمد الخضر حسين إلى تأسيس الجمعيات الإسلامية،
فاشترك مع جماعة من الغيورين على الإسلام منهم تيمور باشا سنة 1346هـ 1928م في إنشاء (جمعية الشبان المسلمين) بالقاهرة، ووضع لائحتها الأولى مع صديقه ( محب الدين الخطيب )، وقامت الجمعية بنشر مبادئ الإسلام والدفاع عن قيمه الخالصة، ومحاربة الإلحاد العلمي. ولا تزال هذه الجمعية بفروعها المختلفة تؤدي بعضا من رسالتها القديمة في ميادين الإصلاح
وأنشأ سنة 1346 هـ (جمعية الهداية الإسلامية) وكان نشاطها علميا أكثر منه اجتماعيا، وضمَّت عددا من شيوخ الأزهر وشبابه وطائفة من المثقفين، وكوَّن بها مكتبة كبيرة كانت مكتبته الخاصة نواة لها، وأصدر مجلة باسمها كانت تحمل الروائع من التفسير والتشريع واللغة والتاريخ. كما أنشأ لها فروعًا بالأقاليم، فكان يلتقي فيها بأصدقائه وتلاميذه وطلاب المعرفة 
في المحرم 1349هـ=أكتوبر 1931م أصدر الأزهر (مجلة نور الإسلام ) التي استمرت لليوم واسمها الحالي (مجلة الأزهر ) ،، وعند نشأة المجلة كلفوا الشيخ محمد الخضر حسين بتولي رئاسة تحريرها 
و أوضح الشيخ في أول عدد منها أسباب إصدارها ، و منها :
1 - تعرَض الدين الإسلامي لهجمات مسعورة شنّها طائفة من الملحدين و العلمانيين في الصحف و المجلات .
2 - الذود عن حمى الشريعة الإسلامية ، و تقرير حقائق الدين على وجهها الصحيح ، و مواجهة نشاط البعثات التبشيرية في مصر ، و العمل على هداية الناس و إرشادهم إلى الحق .
أما أهدافها فقد كانت على النحو التالي :
1 - نشر آداب الإسلام و إظهر حقائقه نقية من كل لبس .
2 - الكشف عما ألصق بالدين من بدع و محدثات .
3 - التنبيه على ما دس في السنة من أحاديث موضوعة .
4 - دفع الشبه التي يحوم بها مرضى القلوب على أصول الشريعة الإسلامية .
5 - العناية بسير العظماء من رجال الإسلام .
6 - نشر المباحث القيمة في العلوم و الآداب .
7 - لا تتعرض المجلة للشئون السياسية أو مهاجمة الأديان أو الطعن في رجال الدين و التعريض بهم .
8 - تبتعد عن إثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد .

فتولى الشيخ منصب ( رئيس تحرير مجلة نور الإسلام ) ودامت رئاسته لها ثلاثة أعوام،ابتداء من جزئها الأول محرم سنة 1349هـ= 1931هـ، إلى عدد ربيع الآخر سنة 1352هـ، وعندئذ استقال من رئاسة تحرير المجلة، لأنه فوجئ بتعيين محمد فريد وجدي مديرًا لمجلة نور الإسلام، فقدَّم الشيخ الإمام استقالته من رئاسة تحرير المجلة، فألح عليه شيخ الأزهر وقتها الإمام الظواهري بسحب استقالته ورجاه أن يواصل الإشراف على المجلة، فاعتذر وقال: ما كنت لأتعاون مع رجل كنت أرد عليه بالأمس
يقصد بذلك صعوبة تعاونه مع محمد فريد وجدي بعد أن دارت بين الاثنين خلافات ومجادلات علمية معه علي صفحات الجرائد
------------

ثم عُيِّن محمد الخضر حسين مُدَرِّسًا بكلية أصول الدين، فانكبَّ على البحث والدراسة، وأفاد طلابه بعلمه الغزير وبحوثه القيمة، فكان يقضي نهاره دَارِسًا ومُدَرِّسًا، ويقضي صدر ليله في إلقاء المحاضرات العامة بجمعية الهداية وغيرها، وفي تحرير المقالات والدراسات، وقد جمع كثيرًا من هذه الدراسات في كتاب سماه (رسائل الإصلاح).
-------------------
، وعندما أنشئ مجمع اللغة العربية بالقاهرة (14 من شعبان 1351هـ=13 من ديسمبر 1932م)
صدر مرسوم في (16 من جمادى الآخرة 1352هـ = 6 من أكتوبر 1933م) بتعيين أعضاء المجمع العشرين؛ نصفهم من مصر، وهم: محمد توفيق رفعت، و حسين والي، و منصور فهمي، و إبراهيم حمروش، و محمد الخضر حسين و أحمد الإسكندري، وأحمد العوامري، وعلي الجارم وحاييم ناحوم. وخمسة من المستشرقين هم هاملتون جب من إنجلترا، وأوجست فيشر من ألمانيا، ولويس ماسينيون من فرنسا، وكارلو ألفونسو نيلنو من إيطاليا، وفنسنك من هولندا. وخمسة من العرب هم: محمد كرد علي، وعبد القادر المغربي من سوريا، والأب أنستاس الكرملي من العراق، وعيسى إسكندر المعلوف من لبنان، وحسن عبد الوهاب من تونس
وقد أثرى الشيخ مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ببحوثه القيمة عن صحة الاستشهاد بالحديث النبوي، والمجاز والنقل وأثرهما في حياة اللغة العربية، وطرق وضع المصطلحات الطبية وتوحيدها في البلاد العربية
-----------------------------------------
، كما اختير عضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق
---------------------------------------------

كما تولى رئاسة تحرير مجلة لواء الإسلام سنة (1366هـ= 1946م)،
وتحمل إلى هذه الأعباء التدريس بكلية أصول الدين
نال الشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة "القياس في اللغة العربية" سنة (1370 هـ= 1950م)،
وبعد قيام ثورة يوليو 1952 بمصرفي (26 ذي الحجة 1371هـ= 16 سبتمبر 1952م)، 
وفي مستهل عهد الثورة رأت أن يتولى قيادة الأزهر مناضل عربي من زعماء المسلمين، فانعقد الإجماع على اختيار الشيخ الإمام محمد الخضر حسين، وفي يوم الثلاثاء 26 -12-1371هـ، الموافق 15-9-1952م خرج من مجلس الوزراء أثناء انعقاده ثلاثة من الوزراء توجهوا إلى البيت الذي يسكن فيه الشيخ بشارع خيرت و أبلغوه أنه وقع عليه الاختيار شيخا للجامع الأزهر وعرضوا عليه مشيخة الأزهر
وكان الاختيار مفاجئًا له فلم يكن يتوقعه بعدما كبر في السن وضعفت صحته
فقال عن توليه مشيخة الأزهر: "إن الأزهر أمانة قي عنقي أسلمها حين أسلمها موفورة كاملة
وكان كثيرا ما يردد: "يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدها العفاء

ويقول الشيخ يوسف القرضاوي:رأيت محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر يزور الشيخ محمد الخضر حسين في مكتبه -وحينما أرادوا أن يقلصوا بعض أبواب ميزانية الأزهر رفض الشيخ الخضر حسين وقال لا والله لا أرضى هذا أبدا إن لم يزد الأزهر في عهدي فلا ينقص منه، إنما يكفيني كوب من لبن وكسرة خبز وبعد ذلك على الدنيا العفاء
دعا أحد المتفرنجين من أعضاء مجلس الثورة إلى مساواة الجنسين في الميراث ، ولما علم الشيخ بذلك اتصل بهم وأنذرهم إن لم يتراجعوا عن ما قيل فإنه سيلبس كفنه ويستنفر الشعب لزلزلة الحكومة لاعتدائها على حكم من أحكام الله ، فتراجعت الفكرة في مهدها.

وفي عهده أرسل وعاظ من الأزهر إلى السودان ولاسيما جنوبه
لكنه استقال من منصبه سنة 1373 هـ بعد أقل من خمسة عشر شهراً بسبب الافتراءات المتعمدة على رجال القضاء الشرعي والتي كان من نتيجتها إدماج القضاء الشرعي في القضاء الوطني
قدم استقالته احتجاجًا على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان من رأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب اندماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛ لأن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع، وكانت استقالته في (2-5-1373هـ الموافق 6-1-1954م)، وأعلنوا أن الاستقالة لأسباب صحية.

من مؤلفاته :
آداب الحرب في الإسلام
حياة اللغة العربية
مدارك الشريعة الإسلامية
بلاغة القرآن
محمد رسول الله
رسائل الإصلاح، وهي في ثلاثة أجزاء، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية ووسائل النهوض بالعالم الإسلامي.
الدعوة إلى الإصلاح على ضوء الكتاب والسنة وعبر تاريخ الأمة
قضاء البعثة المحمدية على المزاعم الباطلة
الدعوة الشاملة
الخيال في الشعر العربي.
تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي.
ديوان شعر "خواطر الحياة".
القياس فى اللغة العربية
نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم
نقد كتاب طه حسين فى الشعر الجاهلى
البلاغة النبوية.
من آداب خطب النبي

بالإضافة إلى بحوث ومقالات نشرت في مجلة الأزهر (نور الإسلام) ولواء الإسلام والهداية الإسلامية.
كان الشيخ عالما فقيها لغويا أديبا كاتبا مكثراً أسهم في الحركة الفكرية بنصيب وافر 


وفاته
بعد استقالته من المشيخة تفرغ للبحث والمحاضرة حتى لبى نداء ربه
توفي في مساء الأحد 13-7-1377هـ الموافق2-2-1958م)،
ووري التراب في مقبرة أصدقائه آل تيمور ودفن بجوار صديقه أحمد تيمور باشا بوصية منه
نعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: "إن الشيخ اجتمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في النّدْرَى، فقد كان عالما ضليعا بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شئونهم، حفيظا على العروبة والدين، يردّ ما يوجه إليهما وما يصدر من الأفكار منابذًا لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عف اللسان والقلم"

وبعد موته بعقود مُنح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر


تاج ، عبدالرحمن حسين على 
(1314 – 1395/ 1896 – 1975م)





ولد سنة1314 هـ 1896م بأسيوط
إلا أن أصل الأسرة هو من قرية( منية الحيط ) مركز إطسا بمحافظة الفيوم التي إسمها الأصلى ميناء الحائط حيث أقيم حول هذه البلدة حائط مرتفع سميك لتخزين المياه أثناء فيضان النيل، ولا تزال بقايا الحائط حتى الآن .
إنتقل والده مع جده للعمل فى إقامة قناطر أسيوط
وعندما تجاوز الخامسة من عمره التحق بكتاب لتحفيظ القرآن وتعليم الكتابة.
إسترعى ذكاؤه إنتباه وزير المعارف المصري سعد زغلول باشا عند زيارته لهذا الكتاب أثناء جولة للوزير فى الصعيد فأعجب به ورأى أن يكافئه ويشجعه فقرر إلحاقه بالمدارس الأميرية على نفقة الدولة فى جميع مراحل التعليم ، إلا أن جد الصبى (في زمن كان لرأي الجد هيبة)صمم علي أن يكون الأزهر هو مجال تعليم حفيده
وحفظ عبد الرحمن القرآن ودرس مبادئ العلوم الدينية والعربية
ولما إنتقلت أسرته لمزاولة أعمال البناء والمقاولات بالإسكندرية جري إلحاق عبد الرحمن بمعهد الإسكندرية الديني سنة 1910م
ثم رحل إلى القاهرة ليكمل تعليمه وينال شهادة العالمية من الأزهر سنة 1341 هـ1923م .وكان أول الناجحين في هذا العام
كانت حركة الإصلاح في الأزهر قد ألغت مدرسة القضاء الشرعي، وأقامت قسم للتخصص في القضاء الشرعي، فالتحق الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج بهذا القسم ونال منه شهادة التخصص سنة 1926م وأدَّى فريضة الحج في هذه السنة، 
وفي سنة 1926 عين بمجرد تخرجه مدرساً فى معهد أسيوط الدينى
ثم عين سنة 1931م فى معهد القاهرة الدينى .
اختير مدرساً بقسم تخصص القضاء الشرعى قبل أن يبلغ الخامسة والثلاثون من عمره
ثم عين مدرسا بكلية الشريعة سنة 1933م
وفي سنة 1935 أختير عضواً فى لجنة الفتوى ممثلا للمذهب الحنفى مع قيامه بعمله في كلية الشريعة.

وفي سنة 1936م وقع الاختيار عليه وهو في سن الأربعين ليكون عضوًا في بعثة الأزهر الدراسية إلى جامعة السوربون بفرنسا، فصحب زوجته وأطفاله الثلاثة إلي هناك فدرس اللغة الفرنسية وأجادها، ثم 
التحق بجامعة السوربون الشهيرة و فيها برغم الظروف القاسية والمدمرة للحرب العالمية حصل على درجة دكتوراه فى الفلسفة وتاريخ الأديان سنة 1363هـ عن رسالته فى ( البابية والإسلام ) والمعروف أن البابية هو اسم البهائية ، 
وعاد لمصر سنة 1943 ليعين أستاذا فى كلية الشريعة بجامعة الأزهر فى قسم تخصص القضاء الشرعى وعضوا بلجنة الفتوى كما كان.
ثم مفتشا للعلوم الدينية والعربية ، بالمعاهد الدينية، 
ثم عين شيخاً للقسم العام والبحوث الإسلامية بالأزهر الشريف .
وفى عام1371 هـ 1951م نال عضوية هيئة كبار العلماء بعدما تقدم إليها ببحث عن السياسة الشرعية .
عمل أستاذاً بكلية الحقوق بجامعة عين شمس أثناء وجوده فى هيئة كبار العلماء ولجنة الفتوى
واختير عضوا فى لجنة كتابة الدستور
أصبح شيخاً للأزهر الشريف فى 7-1-1954.

فقررتنفيذ منهجه التالي للإصلاحات داخل جامعة الأزهر :
1- تدريس اللغات الأجنبية بالأزهر
2-السعى لبناء مدينة البعوث الإسلامية لسكنى طلاب العالم الإسلامي المغتربين للتعلم بالأزهر بدل 
إقامتهم سابقاً بالأروقة ،
3- كان أول من أدخل التربية العسكرية لطلاب الأزهر.
4-لم ينسي انتماء أسرته للفيوم فحرص وهو شيخ الأزهر على تأسيس أول معهد دينى بالفيوم في 6-12-1954 وهو المبنى الذى أعدته جمعية المحافظة على القرآن الكريم والذى يشغله الآن معهد المعلمين الأزهرى ، وقد قام بافتتاحه فى رفقة الرئيس جمال عبد الناصر عند زيارته للفيوم سنة 1956م

ولكن اعتبره قطاع من الرأي العام أداة في أيدي النظام عندما أصدر فتواه الشهيرة بأحقية الدولة المصرية في تجريد شخص من شرف المواطنة (سحب الجنسية)
وكان يقصد بفتواه دعم جمال عبد الناصر في سحب الجنسية المصرية من عدوه محمد نجيب أول رئيس جمهوري لمصر بعد النظام الملكي
. وقد منحه الرئيس جمال وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1955م
. ثم ترك الشيخ عبد الرحمن تاج منصبه كشيخ للأزهر عندما اختاره الرئيس جمال وزيراً فى إتحادالجمهورية العربية المتحدة (بين مصر وسوريا) عام1378هـ الموافق 1958م
وظل الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج شيخًا للأزهر حتى صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيرًا في اتحاد الدول العربية عند قيامه سنة 1958م إلى أن ألغت الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية) هذا الاتحاد سنة 1961م، وفي سنة 1963م انتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية، ثم اشترك فيه في لجنة القانون والاقتصاد، ولجنة الأصول، ولجنة المعجم الكبير، ثم اختير عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
وانتخب الشيخ عضواً بمجمع اللغة العربية عام1383هـ الموافق 1963م ، وعضوا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف .
------------------------------
من مؤلفاته
-(البابية وعلاقتها بالإسلام) بالفرنسية رسالة الدكتوراه المقدمة لجامعة السوربون
-(السياسة الشرعية فى الفقه الإسلامى )ر وهي الرسالة التي نال بها عضوية كبار العلماء
- الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية
-مذكرة فى الفقه المقارن
- حكم الربا فى الشريعة الإسلامية
- شركات التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية
- تاريخ التشريع الإسلامي
- مناسك الحج وحكمها
دراسات مطولة عن الهجرة والإسراء والمعراج والحج والصوم ، وليلة القدر ، وفى الشئون الكونية وغيرها
بحوث تخصصية دقيقة أثناء عضويته بالمجمع اللغوى
-----------------------
وفاته :
وافته المنية في صباح يوم الأربعاء،10-5-1395هـ، الموافق 20-5-1975م.
وقد أقام مجمع اللغة العربية حفلا كبيرًا لتأبينه تحدَّث فيه الدكتور إبراهيم مدكور، والأستاذ الشيخ علي الخفيف، وعقَّب عليهما الأستاذ حسن عبد الرحمن تاج ابن الإمام.


شلتوت ، محمود بن محمد 
(1310 – 1383 هـ/ 1893 – 1963م)




ولد الشيخ محمود شلتوت يوم 6-10-1310هـ الموافق 23 -4-1893م فى ( منية بني منصور ) بمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة 
والتحق في طفولته بكُـتـاب القرية وأتم حفظ القرآن الكريم
ثم التحق بمعهد الإسكندرية عام 1906 م وكان يحرز المركز الأول دائما علي رفقته فى سنوات دراسته
نال الشهادة العالمية من الأزهر 1336هـ 1918م
وبعد تخرجه عين مدرسا بمعهد الإسكندرية الديني في أوائل سنة 1919م، وفي هذا العام قامت الثورة الشعبية المصرية بزعامة سعد زغلول،فاشترك مع الثائرين بقلمه ولسانه الشجاع

وفي سنة 1347هـ تولي محمد مصطفى المراغى منصب شيخ الأزهر فنقل الشيخ شلتوت للعمل مدرسا بالقسم العالى فى الأزهر بالقاهرة
ظهرت وقتذاك بالأزهر جماعة تطالب بتغيير مناهج الأزهر بما يناسب العصر وكان علي رأسهم الشيخ محمد عبده و الشيخ محمد مصطفي المراغى والشيخ سليم البشري و الشيخ عبد المجيد سليم ، وفي عام1345هـ ‏1927‏ م دعا أحدهم وهو الشيخ المراغي وكان حنفي المذهب -دعا العلماء والقضاة الشرعيين أن يختاروا من مذاهب التشريع الاسلامي ما صلح دليله وما قام البرهان علي ان فيه مصلحة الناس‏
وكان ذلك طلباَ مدهشاَ حيث كان وقتها قد شاع التعصب للمذهب بين المقلدين وعوام المسلمين‏ من اهل السنة,‏ حتي أن البعض صار يرفض أن يصلي وراء إمام من مذهب غير مذهبه ولو عند الكعبة‏، وكان بعض الحنابلة والشوافع لايقبلون زواج الحنفي من بناتهم,‏ و تسممت العلاقه بين اهل المذاهب الاسلاميه
وجاءت الدعوه الي التقريب وتوحيد الصف الاسلامي كدعوة طبيعيه لرأب الصدع.‏
ولما تولي المراغي مشيخة الأزهر كان الشيخ محمود شلتوت من أكبر مؤيديه فى اتجاهاته بعدم التقيد بمذهب من الأربعة وزاد عليه بالقول بفتح باب الاجتهاد ومعناه في رأيه عدم التقيد بأي مذهب وتأمل مصادر التشريع من جديد.

استقال الشيخ المراغى من منصب شيخ الأزهر سنة 1349هـ و تولي الشيخ الأحمدى الظواهرى مشيخة الأزهر 
الإمام الظواهري، كان من رجال الإصلاح، ولكنه كان يرى مراعاة الظروف الاقتصادية للبلاد ، والتفاهم مع الملك ووالوزارة بصفتهم ولاة الأمر في خطوات الإصلاح، وقابله كثير من العلماء والطلبة بثورة عاتية، فقابل ثورتهم بالشدة ، ففصل العشرات من صفوة علماء الأزهر من وظائفهم بالأزهر سنة 1351هـ 1931م لأنه نظر إليهم بوصفهم من مؤيدي أفكار الشيخ المراغي، 
و كان من هؤلاء المفصولين الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد عبد اللطيف دراز و الشيخ عبد الجليل عيسى و الزنكلونى و العدوى وكان ذلك فى فى عهد وزارة صدقى باشا
في الفترة (1351 – 1355هـ) اتجه الشيخ شلتوت بعد فصله للعمل بالمحاماة فى المحاكم الشرعية فكان يترافع فى قضايا الوقف والزواج والطلاق والنفقة وذاع صيته بين المتقاضين
وخلال تلك الفترة استمرت علاقة الشيخ شلتوت بزملائه في الأزهر فظل يستحثهم ويخلق بينهم تيارا إصلاحيا وعمل بجهده على تقويته
وفى فبراير 1935م أعاد الشيخ الظواهري الشيخ محمود شلتوت إلى عمله بالأزهر وعينه مدرسا بكلية الشريعة وكان قد مر أربعة أعوام من عزله
ولما نجحت حركة الأزهريين لاعادة الشيخ المراغى إلى مشيخة الأزهر قام المراغي بتعيين الشيخ محمود شلتوت وكيلا لكلية الشريعة
وفي هذا الوقت كان علماء الشيعة قد سعوا للتواصل مع علماء مصر ‏ وطبعوا في مصر‏ كتبهم بهدف تحسين صوره الشيعة أمام أهل السنة
فى عام 1357هـ 1937م شارك الشيخ شلتوت فى مؤتمر القانون الدولى المقارن مدينة لاهاى فى هولندا ممثلا لجامعة الأزهر
فنال الإعجاب حيث قدَّم إلى أعضاء المؤتمر بحثاً أعده عن ( المسؤولية الدينية والجنائية في الشريعة الإسلامية)، فأصدروا قرارًا بصلاحية الشريعة للتطور، وأنها مصدر من مصادر التشريع الحديث، وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية ولا متأثرة بها، كما أصدر المؤتمر قرارًا بأن تكون اللغة العربية إحدى لغات المؤتمر في دوراته المقبلة، وأن يدعى إلى هذا المؤتمر أكبر عددٍ ممكن من علماء الشريعة على اختلاف المذاهب والأقاليم

‏ و في هذا العام سافر رجل الدين الشيعي ( تقي الدين القمي‏ ) من إيران الي مصر لاول مره والتقي بكبار مشايخ الازهر‏ مثل شيخ الأزهر محمد مصطفي المراغي ,‏ ومفتي مصر الشيخ عبدالمجيد سليم لأجل ( مشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية ) وتأسيس كيان يسهر عليه‏.‏
وحين عاد القمي الي ايران‏,‏ وجد تشجيعا لمساعيه من (آيه الله البروجردي )‏ المرجع الديني الاعلي للشيعة الامامية‏ الذي تبادل بعض الرسائل حول التقريب مع الشيخ محمود شلتوت‏,‏
مشروع دار التقريب استهدف توحيد الامه‏ الاسلامية في ظل مآسي أشرسها تعرض دول الاسلام كلها للغزو الأوروبي المسيحي
وفي سنوات الحرب العالمية الثانية توقف مشروع التقريب
وفي سنة 1361هـ 1941م نال محمود شلتوت عضوية (جماعة كبار العلماء) برسالته (المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية ) ،، وبمجرد صيرورته عضواً بها اقترح إنشاء مكتب علمي للجماعة، تكون مهمته تحديد الهجمات علي الدين الإسلامي وطرق الرد وبحث المعاملات التي جدت وتجد، ووضع مؤلف في بيان ما تحتوي عليه كتب التفسير المتداولة من الإسرائيليات، وتنقية كتب الدين من البدع والخرافات وقد ألفت لجنة لهذا الغرض برئاسة عبد المجيد سليم، كانت نواة لمجمع البحوث الإسلامية فيما بعد، الذي أنشئ في عهد مشيخته 

وفي عام1366هـ 1946 م عين الشيخ شلتوت عضوا بمجمع اللغة العربية
وفي عام 1945 وضعت الحرب‏ أوزارها ,‏ فتعاظمت حيرة علماء الامه‏ الاسلامية‏ الذين وجدوا ان وحدة الصف الاسلامي قد تكون ملاذاً في عالم الأقوياء
‏ وفي عام 1947 كان مولد (دار التقريب) واعلان تاسيسها بعد سنتين من انتهاء الحرب‏.‏ والشيخ القمي العالم الايراني الذي كان له دوره المبرز في تاسيس دار التقريب‏, عمل سكرتيرا عاما لها‏
,‏ وصدر البيان التاسيسي لدار التقريب ‏بالدعوه الي جمع كلمه المسلمين باختلاف مذاهبهم‏,‏ مع رجاء أن تصبح الدار بمثابه رابطة او جامعة للشعوب الاسلاميه تتجاوز حدود الأزهر,
فنصت المادة الخاصه باغراضها علي ان من تلك الاغراض السعي الي ازاله ما يكون من نزاع بين شعبين او طائفتين من المسلمين والتوفيق بينهما‏. -وعقد مؤتمرات اسلاميه عامه تجمع زعماء الشعوب الاسلاميه ,‏ فضلا عن ذلك فان الجمعيه ارادت ان تقوم بدور في الدعوه الي الاسلام عن طريق نشر المباديء الاسلاميه باللغات المختلفه وتبيين حاجه المجتمع البشري الي الاسلام‏.‏
وتشكل مجلس اداره دار التقريب‏ من الآتي أسماؤهم :
وزيرالاوقاف والمعارف ‏( محمد علي علوبه باشا‏)
و‏ رئيس هيئه الفتوي بالازهر الشيخ (عبدالمجيد سليم ) (فيما بعد صار شيخا للازهر )
ومفتي وزاره الاوقاف‏ الشيخ ( احمد حسين )
‏ والشيخ ( محمود شلتوت ) الذي كان عضوا بهيئه كبار العلماء
و وكيل الازهر الشيخ ( محمد عبداللطيف دراز )
وعضو هيئه كبار العلماء ورئيس الجمعيات الشرعيه‏ الشيخ ( عيسي منون )
‏ ورئيس جماعة الاخوان المسلمين‏ الشيخ ( حسن البنا )
والشيخ الفقيه ( عبدالوهاب خلاف )
والشيخ الفقيه (علي الخفيف‏ )
و مفتي فلسطين الشيخ (أمين الحسيني )
واثنين عن الشيعه الزيديه باليمن هما ( علي بن اسماعيل المؤيد‏ ),‏ والقاضي ( محمد بن عبدالله العمري).‏وواحد من الشيعه الاماميه بإيران‏ هو الشيخ ( تقي الدين القمي )
---
ونلاحظ من الاستعراض للأعضاء المؤسسين أن الشيخ محمود شلتوت كان عضواَ بدار التقريب
اصدرت الدار مجله للحوار بين السنة والشيعة باسم رساله الاسلام‏
-------------
جاء عام1370هـ 1950م وفيه عين محمود شلتوت مراقبا عاما للبحوث والثقافة بالأزهر
وفي عام 1372هـ 1952 م شهد أحداث الثورة المصرية المناوئة للاستعمار الغربي
وفي عام1377هـ 1957م اختاره محمد أنور السادات سكرتير عام المؤتمر الإسلامي مستشارًا للمؤتمر الإسلامي،
وفي عام 1957م تم تعيينه وكيلا للأزهر 
وكان مع هذا كله عضوًا في اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية وعضوًا في مجلس الإذاعة الأعلى، ورئيسًا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية، وعضوًا في اللجنة العالمية لمعونة الشتاء
--------
الشيخ شلتوت كان فى طليعة المنادين بالتجديد داخل الأزهر ليتوافق مع العصر لذلك عينه رئيس مصر (جمال عبد الناصر) في منصب ( شيخ الأزهر) عام 1378هـ 1958 م وظل فى هذا المنصب 5 سنوات حتى مات سنة 1963م
طالب الشيخ بإعادة النظر فى مناهج الأزهر وقال أننا نريد انقلابا محببا إلى النفس!
وصمم الشيخ علي إيجاب تدريس اللغات الأجنبية ضمن مناهج الدراسة بالأزهر
لعله كان يستهدف تخريج دعاة يجوبون العالم للتبشير برسالة الاسلام والمنافحة عنه ضد الهجمات الفكرية الأجنبية
وقد نشر أن حفيدته ليلي شلتوت أستاذة الاقتصاد بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية المتخصصة بمصر قالت أن جدها هو الذي أدخل تدريس علوم الكيمياء والرياضيات الى المناهج الدراسية الأزهرية
فعلي ذلك يكون قد حاول أن يجمع لخريج الأزهر بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية التي تدرس بالتعليم الحكومي العام
وقد وجدت دعوته آذانا صاغية و مترقبة فصدر بمصر فى عهده (قانون تطوير الأزهر عام 1961 م)
وهو القانون رقم 103 لسنة 61 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة لها الذي قبل صدوره كانت القاعدة في اختيار شيخ الأزهر ان يتم انتخابه من قبل هيئة كبار العلماء.
ولكن بعد التقنين صار تعيين شيخ الأزهر بقرار رئاسي و صار وضعه أمام الرأي العام محسوباَ كموظف حاصل علي رضا السلطة وأري أنه لتصحيح هذا الوضع الغريب لامفر من تعديل المادة الخامسة من القانون 103 لسنة 61 بحيث تنص صراحة على اختيار شيخ الأزهر من قبل (مجمع البحوث الاسلامية) ، وهو الكيان الذي حل محل هيئة كبار العلماء .
كان للشيخ شلتوت محاضرات يلقيها فى المنتديات العامة والأحاديث الإذاعية والتى مازال بعضها يذاع بمصر في برنامج (حديث الصباح)
وكان يكتب في الصحف والمجلات، ويشارك في مختلف الندوات في العاصمة والأقاليم، ويخطب الجمعة بالمسجد الذي أنشأه محمد علي في قصره بالمنيل ، وكان خطيباً موهوباً جهير الصوت
وكان شديد الانكار علي الصوفية في اقامةالموالد للمشايخ ويقول ان حكاياتهم لاتروج إلا في زمن التقهقر الفكري ويقول لا للأضرحة ولالأصحابها
وغدت له شعبية واسعة بين الناس بأحاديثه الصباحية هو والشيخ محمد المدني في راديو إذاعة القاهرة،،
وكان له نظرات ووقفات تأملية في كتاب الله، أودعها بعد ذلك في مقالاته التي نشرها في مجلة (رسالة الإسلام) التي كانت تصدر عن (دار التقريب) بين المذاهب في القاهرة، ثم قام بعد ذلك الشيخان يوسف القرضاوي و أحمد العسَّال بنقلها من المجلة واعدادها لتأخذ صورة كتاب تفسير للأجزاء العشرة الأولى

وكان الشيخ في غاية النشاط و نال ألوانا من التكريم فمثلاَ منحه ملك المغرب (وسام النبيلين)
ومنحته ( الجامعة الإسلامية الحكومية بجاكرتا) باندونيسيا الدكتوراه الفخرية0
ومنحته ( جامعة شيلى ) درجة الزمالة تقديرا لجهوده فى خدمة العلم

من مؤلفاته
- الإسلام عقيدة و شريعة
- فقه القرآن والسنة
-تفسير القرآن الكريم ( العشرة أجزاء الأولى)
-فقه السنة
- مقارنة المذاهب
-الفتاوى
- من توجيهات الإسلام
- الإسلام والوجود الدولي للمسلمين
-تنظيم العلاقات الدولية فى الإسلام
- عنصر الخلود في الإسلام
- الإسلام والتكافل الاجتماعي .
- إلى القرآن الكريم
-منهج القرآن فى بناء المجتمع
- المسئولية المدنية و الجنائية فى الشريعة الإسلامية
- القرآن والقتال
- القرآن والمرأة
- حكم الشريعة الاسلامية في تنظيم النسل (محاضرة)
-رسالة الأزهر
- إجابات عن أسئلة فى موضوعات شتى

فتاويه خلال مشيخته للأزهرالتي أنكرت عليه :
1-أصدر فتوي غير مسبوقة سنة 1368هـ عندما كان شيخا للأزهر بجواز التعبد على المذهب الجعفرى ( المذهب الفقهى للشيعة الإمامية)
ويقال أنه أدخل فقه الشيعة فى مناهج الدراسة إلى جانب المذاهب الأربعة فوضع مشروعاً لذلك؛ إلا أن وقوف بعض شيوخ الأزهر ضد هذا المشروع حال دون إتمامه
وكان إذا نوقش في ذلك يقول أنه يرفض العصبية الطبقية والتعصب الأعمى لمذاهب فقهية معينة وأنه يتطلع لتحقيق الوحدة الإسلامية
وواضح أنه أخطأ لأن الشيعة صاروا يحتجون علي أهل السنة بفتواه وكان المفترض أن يسعي لهدايتهم بالانكار علي ضلالاتهم بدلاَ من السعي لمودتهم فهو رجل إسلام وليس رجل سياسة
ملحوظة : لم يكن محمود شلتوت وحده فقد روي أنه قيل ذات يوم للشيخ محمد الغزالي : كيف يصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بأن الشيعة مذهب إسلامي كسائر المذاهب المعروفة؟..فسأل الغزالي الرجل السائل : ماذا تعرف عن الشيعة؟.. فسكت الرجل قليلا، ثم أجاب : أعرف أنهم ناس علي غير ديننا. فقال الغزالي: "ولكني رأيتهم يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم " فتعجب السائل وتساءل: كيف هذا؟، فأضاف الغزالي: " والأغرب أنهم يقرأون القرآن مثلنا ويعظمون الرسول صلي الله عليه وسلم مثلنا ويحجون إلي البيت الحرام"

2- عاصر إصدار جمال عبد الناصر القوانين الاشتراكية بمصر وسوريا فلم يعترض عليه - ربما خوفاَ علي نفسه من التسفيه حيث كان السواد الأعظم من مواطني البلدين قبل نكسة 1967 يوالون جمال كيفما ارتأي
3-ادعي أن حديث الآحاد لا يفيد اليقين
4-تشكك في حكم قتل المرتد، وقال انه من الممكن تغييره؛ لأنه لم يثبت إلا بحديث الآحاد
5-قال إن المسلم إن قتل كافراَ يُقتل بالكافر ، وقوله مخالف للحديث: "لا يُقتل مسلم بكافر"
6--أفتي بتقديم المصلحة فهو يقول "إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله" ناسياَ أن مصلحة شخص أو جماعة أو شعب قد يكون مضرة عند آخر. بل قد يتفق الأغلبية من الشعب على تحليل ما حرم الله من الربا وبيع الخمور بدعوى المصلحة المالية المتحققة من حيث توفير أموال الاستثمارات أو جلب السائحين الأجانب.
7-قال بانقسام السنة النبوية إلى تشريعية وغير تشريعية وأدخل في السنة غير التشريعية أي التي لا يلزم المرء اتباعها: سنن الأكل والشرب والنوم والتزاور والمشي فأخرج من لزوم الاتباع كماً هائلاً من السنة
8-اختار أن دية المرأة كدية الرجل
9- تشكك في حجية الإجماع كمصدر للشرع.

وفاته

توفى يوم 26-7- 1383هـ الموافق 13-12-1963 ليلاً فى مستشفى العجوزة بالقاهرة

حسن بن مصطفى بن مأمون 
(1311- 1393هـ/1894 – 1973م)



ولد بالقاهرة فى 13-6- 1894م الموافق 9-12-1311هـ فى بيت علم في (حي الخليفة) بمدينة القاهرة
،و كان والده إمام مسجد الفتح بقصر عابدين ، ومن يشغل هذا المنصب يُعدُّ إمامًا دينياً لملك مصر ،فاعتني والده بتربيته التربية الدينية القويمة ، فحفظ حسن مأمون في طفولته القرآن مع تجويده ، ثم ألحقه أبوه بالتعليم الأزهري
وفي سنة 1327هـ 1909م حصل على الثانوية الأزهرية و التحق بمدرسة القضاء الشرعى
وفي سنة 1336هـ 1918م تخرج من مدرسة القضاء الشرعي
وعمل بالقضاء بالمحاكم الشرعية معظم حياته الوظيفية يًا يستعرض أدلة الفقهاء في المذاهب الفقهية المختلفة، وكان ذا بصيرة ملهمة في فقه النصوص الشرعية والإلمام بمقاصد التشريع ومعرفة أنماط الفتوى وأسباب تنوعها.

بدأت حياته الوظيفية في 4 -10- 1919م (الموافق 10-1-1338هـ) عندما عين موظفا قضائيا بمحكمة الزقازيق الشرعية بمحافظة الشرقية

وفي 1-7- 1920 م نقل للعمل كموظف بمحكمة القاهرة الشرعية

وفي 5-7-1339هـ الموافق 14-3-1921م تمت ترقيته إلى قاضٍ من الدرجة الثانية ونُقِلَ إلى محكمة طنطا الشرعية
وفي16-6-1348هـ الموافق 18-11-1929م نقل إلى محكمة مصر الشرعية،
و تمت ترقيته إلى قاض من الدرجة الأولى في نفس هذا الشهر،
ثم في في 1-2-1939م ( سنة 1358هـ ) رقي إلى منصب ( قاضي عام )، 
وفى أوائل يوليو سنة 1920م نقل إلى محكمة القاهرة الشرعية، 
وفي سنة 1349 هـ جري ترقيته إلى قاض من الدرجة الأولى .
وفي 3 -1-1941م الموافق 5-12-1359هـ صدر مرسوم ملكي بتعيينه بمنصب ( قاضي قضاة السودان )
وقد سافر هناك وأمضى في منصبه هذا قرابة 6 سنوات
وفي 17-2-1947م (الموافق 27-3-1366هـ) عاد إلى القضاء الشرعى بمصر للعمل بمنصب ( رئيس محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية )
ثم ترقى ليكون عضوًا في المحكمة الشرعية العليا في 8-12-1947م الموافق 25-1-1367هـ 

ثم في ( 13-5-1951م الموافق 7-8-1370هـ) عين نائباً لرئيس المحكمة العليا الشرعية 

وفي 26-2-1952م الموافق1-6-1371هـ تولي منصب رئيس المحكمة العليا الشرعية 

ولما قربت سن إحالته للمعاش وبالنظر للحاجة الماسة إلى كفاءة فضيلته قام مجلس الوزراء بمد عمله سنة أخرى بناءً على طلب وزير العدل وذلكوفي 24 -6-1374هـ الموافق 16-2-1955م 

وفى 16 -2-1955م اقترح وزير العدل على مجلس الوزراء المصري إسناد منصب ( مفتي الديار المصرية ) إلى الشيخ حسن مأمون للانتفاع بعلمه الغزير وكفاءته الممتازة
فأسند مجلس الوزراء إليه منصب المفتي اعتبارا من 1-3- 1955م ( الموافق26-7- 1964م

وروي مفتي مصر (د. علي جمعة) أنه ذات يوم ذهب ضابط من السلطة في زمن الرئيس جمال وطلب من المفتي حسن مأمون إصدار فتوى تؤيد المذهب الاشتراكي فقام حسن مأمون بطرد الضابط من مكتبه.

أصدر فضيلته خلال فترة توليه منصب الإفتاء حوالي (12311) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء
ومن فتاويه الهامة جواز اعدام الجواسيس حيث أفتي بقتل من يتعاون مع الأعداء ملحقاً الأذى والضرر في صفوف المسلمين وقتل من يتجسس على المسلمين ويتصل بأعدائهم ويعطيهم علما بأسرار عسكرية سرية.
وفتواه بجواز تزويج الأنثي البالغة نفسها دون إذن وليها طالما تحرت شرطين أن الزوج كفؤ لها وأن المهر مهر مثلها حتى لا يعير وليها العاصب بمصاهرة غير الكفء أو بنقصها عن مهر مثلها

وفى 26-7-1964م الموافق 17-3-1384هـ عين الشيخ حسن مأمون في منصب (شيخ الأزهر ) بنص القرار الجمهوري رقم 2444 لسنة 1964 م

وهو شيخ الأزهر رقم 39 في قائمة من تولوا منصب ( شيخ الأزهر)

وكان مدير مكتبه هو العلامة المفسر ( محمد متولي الشعراوي )
وآنذاك كان يذاع بالتليفزيون المصري برنامج ( نور على نور ) لعلماء الدين الأفاضل يتحدثون في أمور الدين للشعب أسبوعياً بعد صلاة كل جمعة ،وكان المذيع ( أحمد فراج ) يعد البرنامج و يقدمه فكان يتردد كثيراَ على مكتب شيخ الأزهر ( حسن مأمون ) ، و في إحدى المرات دار حوار فقهي بينه و بين مدير مكتبه الشيخ الشعراوي .فأعجب أحمد فراج - بسعة علم الشيخ الشعراوي و بقدرته على الإقناع ، فطلب منه الظهور في حلقة تليفزيونية من برنامجه فوافق و من ذلك الحين اشتهر الشيخ الفقيه المفسر متولي الشعراوي عند الناس وبعدها صار له برنامج تليفزيوني دائم يفسر فيه معاني آيات القرآن للمشاهدين


وفي فترة ولاية الشيخ حسن مأمون لمنصب شيخ الأزهر نشر الكاتب الاسلامي (سيد قطب) كتاب (معالم في الطريق) وصف حال المجتمع في عهد جمال بالجاهلية00 وأرسل الكتاب للأزهر لفحصه فأعد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر( الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي ) فتوي طويلة حول كتاب سيد قطب قال فيه أن النظرة الأولى لكتاب (معالم في الطريق) تظهر أنه كتاب يلبي نداء الإسلام لكن المرء ينفر منه بعد ذلك من أسلوبه الملتهب- وتأثيره وخيم العواقب على النشء وعلى القراء الذين يعانون من نقص ثقافتهم. . واستطرد السبكي يفند الكتاب كلاً وجزءاً. وخلص إلي أن:
1- من الكفر وصف أية فترة بالجاهلية باستثناء الفترة التي سبقت البعثة المحمدية
2- سيد قطب استخدم مقولة (الحاكمية لله) لكي يطلب من المسلمين أن يعارضوا أي حكم أرضي وكتابه (معالم في الطريق) يسعى إلى إيهام بسطاء العقول وتحويلهم إلى متعصبين وقتلة عميان
أي كانت وجهة نظر الأزهر الرسمية ضد سيد قطب
بعد محاكمة صورية أعدم الرئيس جمال عبد الناصر الكاتب الاسلامي (سيد قطب) في 29-8-1966 (=12-5-1386هـ ) يعرف الجميع أنه أعدم في الحقيقة بسبب تأليفه لكتابه ولكن الاتهام الرسمي كان التآمر لقلب نظام الحكم ورفض جمال أية شفاعة لشافع للتنازل عن اعدامه


، وأثناء توليه مشيخة الأزهر ذلَّلَ الشيخ حسن مأمون الكثير من العقبات التي كانت تعترض الأزهر، ومع المناصب العليا التي شغلها فضيلته فإنه كان حريصًا على إلقاء الدروس على طلبة قسم القضاء بكلية الشريعة. كما ظل رئيسًا لمجلس إدارة مسجد الإمام الشافعي - وظل الشيخ يباشر عمله في مشيخة الأزهر حتى تناوشته الأمراض

لما جاءت سنة1389هـ سبتمبر 1969م ثقل المرض علي الشيخ حسن مأمون فاستعفى من منصب شيخ الأزهر أي استقال لاعتلال صحته
، 
تفرغ الإمام حسن مأمون للعبادة والدراسة والتدوين، كما ظل يواصل الإشراف على الهيئة العلمية القائمة على تصنيف
(الموسوعة الفقهية الكبرى) التي يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. وللإمام فضل كبير في تنظيم هذه الموسوعة، وكتابة ومراجعة بعض موادها الفقهية. 

من مؤلفاته:
-الفتاوى
وقد أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجزء الأول منها وطبعته دار التحرير بالقاهرة سنة 1969م.
-دراسات وأبحاث فقهية
نشرها الإمام أو راجعها في الموسوعة الفقهية الكبرى التي يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة
-السيرة العطرة
وهي سلسة أبحاث كتبها الإمام وأذاعها .
-الجهاد فى الإسلام
ولم يطبع.
- تفسير موجز لسور: الضحى والانشراح، والقدر


وفي عام 1970م منحته مصر وسام الجمهورية من الطبقة الأولى

توفي يوم 19-5- 1973م الموافق 17-4-1393هـ)
و تكريما لاسمه وجهوده سمي شارع بالقاهرة باسمه 

كما تم منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق