الصفحات

الخميس، 11 يناير 2018

نتوقع أن عدم البوح أو التعبير عن المشاعر المؤلمة أنها درجة من القوة والإمساك بزمام الأمور، ويخيل لنا أننا نستطيع أن نتجاوز الكثير مما يضايقنا من توتر أو مشكلات في حياتنا، فنتحول من دون أن ندرك إلى حال من الكبت والصمت وعدم التعبير عما يدور في دواخلنا، فنعيش الألم أو الصراع أو المشاعر السلبية وحدنا، ونحاول جاهدين السيطرة على خارجنا ومظهرنا أمام الآخرين؛ بأننا متعافون وقادرون على المضي في هذه الحياة.
ما يغفله بعضنا أننا بشر لنا حدود معينة من القدرة على التحمل، وطاقة محدودة في تحمل العوائق أو السلبيات، أو المواقف المؤلمة، فليس لدينا طاقة هائلة في استيعاب كل ذلك وحدنا.
ربما يلجأ بعضنا إلى تلك الحيل الدفاعية التي لا يدرك آثارها السلبية إلا فيما بعد، فنهاك من يحاول أن يقاوم ذلك الشعور السلبي الداخلي في عدم التعبير عنه، فلا يلجأ إلى صديق أو قريب. ربما يجلس على هذا الحال أعواماً، ويعتقد أنه بخير يعمل ويجتهد، لكن تجده يعاني من صور مختلفة من السلبية نتيجة هذا الكبت، ربما يشعر بالانفعال والغضب الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه، ربما يعيش حزناً شديداً ويدخل مرحلة الاكتئاب من دون أن يدرك وغيرها من الأمور، هناك من يعاني من القلق الدائم؛ تلاحظ عليه قلقه الشديد على أبسط الأمور، وهو ما يصنع لديه توتراً عصبياً عالياً في أقل مشكلة تواجهه، تجد رد فعله أقوى من الحدث أو المشكلة، وكأنه يحارب نفسه بنفسه، تضعف مقاومته إلى أن تظهر علناً أمام الآخرين، ولن يقف إلى هذا الحد، بل سيتجاوز تأثيره إلى نومه وصحته الجسدية التي ستعاني فيما بعدُ من الأمراض مثل القولون، الصداع النصفي، الألم الظهر والرقبة، ضغط الدم، وأزمات قلبية، وأيضاً ستتحول إلى آثار نفسية؛ وهو ما يجعله -كما ذكرت- انفعالياً وعصبياً، أو النقيض إلى حال من الخجل وعدم المطالبة بأبسط حقوقه.
ما نغفله أن هذه المشاعر المكبوتة تختفي عن السطح، لكنها تذهب وتستقر في العقل الباطن وتؤثر فينا بصور وطرق ملتوية، ربما تظهر بصورة عدوانية ومتمردة ومستهترة. النقيض تماماً، إلى قوة ضاغطة من العصيان والتمرد بطريقة غير موزونة، كأنه يرغب في استرداد عافيته ونفسيته، لكن بطريقة خاطئة ومؤلمة له وللآخرين.
وهذا ما نشاهده،أحياناً، بين الأزواج أو الأصدقاء أو الأبناء، الذين يلتزمون الصمت وعدم التعبير فترات طويلة، تجدهم إما أن يكونوا خاضعين مستسلمين، متجاهلين حقوقهم المعروفة، أو تجدهم عدوانيين وانفعاليين وعصبيين بعد فترة، وهذا يدل على أن الإنسان له قدرة معينة من التحمل.
يعتقد بعضنا أنك إذا لم تجد حلولاً منطقية فلماذا التعبير والتحدث؟ وغاب عنهم، إنك إن لم تجد الحلول في البداية فلا بد من الإفصاح بما تحتويه النفس من عتب أو ألم، أو أي مشاعر؛ لأن ذلك يعتبر نصف العلاج، عندما يعبر الفرد سيكون أكثر استقراراً نفسياً وهدوءاً؛ وهو ما يساعده في العلاج أو تخطي هذه المشكلة أو الموقف، المهم كيف يستطيع أن يبوح بغضبه ومشاعره بطرق بعيدة عن التطرف بإيذاء الآخر أو إيذاء نفسه.
انهزام النفس شيء مؤلم؛ بأن تجد نفسها تعاني من العزلة أو الانكسار الداخلي؛ وهو ما يخلق الابتعاد عن الآخرين وعدم مخالطتهم وتكتشف أنها محصورة في صراع لا ينتهي؛ يجعلها تشعر بالضعف والنظرة المتدنية لذاتها، أو أنها ضحية يمارس عليها الآخرون ما يشاؤون وما يرغبون، لدرجة أنها لا تستطيع أن تقول «لا». الصمت وعدم البوح عدو صامت يتغلغل بهدوء، يرتدي حيله الدفاعية الكاذبة، حتى ترسخ في مكان ما في داخلنا صعب التخلص منه، ومن صورها التبرير والهروب والإسقاط، والتي تؤثر في تصرفات الفرد وسلوكياته.
ما الذي يمنع أن نعبر عن مشاعرنا لمن نثق بهم، نتحدث عن غضبنا أو خوفنا أو ضعفنا أو أي شيء نشعر فيه، هذا لا ينتقص من قيمتنا ولا يضعف من داخلنا، بل يعتبر قوة بأن نواجه كل موقف أو حدث أو ظلم أو عتب أو صدمة، بل هو يعتبر احتراماً لهذه النفس ومراعاتها وتقديرها وعدم تجاهلها أو جلدها أو قمعها.
لا بد من أن نحب أنفسنا بإعطائها الكثير من الوقت؛ لتعبر كما تشاء وتفسح لكل مكوناتها السلبية والإيجابية من دون خوف أو ضعف. هذا أقل شيء في احترام دواخلنا؛ فنحن بشر ولسنا بحجر.

نحن كبشر لا بد أن نسعد أنفسنا باتاحة الفرصة لها لتعبر عن مكنوناتها سواء السلبية أو الايجابية
دون ضعف أوخوف و هذا لا ينتقص من شخصيتنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق