الصفحات

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

وحيد رمضان أحد ضباط «ثورة يوليو»


نتيجة بحث الصور عن السفير / وحيد جودة رمضان
ترك دراسة الطب والتحق بالكلية الحربية وبعد تخرجه سرعان ما صار وحيد الدين جودة رمضان، واحداً من الضباط الأحرار، الذين أخذوا على عاتقهم تطهير الوطن مما أصابه من ظلم واستبداد وتوحش للفساد فقادوا ثورة يوليو، تلك الثورة التى أشاعت زخماً وطنياً فى ربوع مصر والعالم العربى ومثلت منعطفاً مهماً فى تاريخ مصر ما بين عهدين.
فى البداية اجتمع الفرسان على قلب رجل واحد فنجحت الثورة، وفى النهاية عرف الخلاف طريقه بينهم فتفرقوا شيعاً ومذاهب، ولم يبق منهم فى النهاية سوى عبدالناصر والسادات، وهنا نقف على رواية جديدة مختلفة تماماً أشبه بالمراجعة الشاملة لمسيرة الثورة وحصادها الجميل والمرير أيضاً، وبعض من كواليسها.
الرواية لواحد من الضباط الأحرار الذى يبلغ من العمر الآن 90 عاماً ومتعه الله بذاكرة حاضرة وروح مشرقة، هو السفير وحيد رمضان، الذى خص «المصرى اليوم» بحديث من نوع خاص.. وإلى نص الحوار:
■ كيف بدأت علاقتك بـ«عبدالمنعم عبدالرؤوف»، القيادى البارز بجماعة الإخوان المسلمين المتهم فى قضية هروب عزيز باشا المصرى؟
- فى مايو 1941 هرب عزيز باشا المصرى بواسطة طائرة مسروقة من سلاح الطيران، يقودها اليوزباشى طيار عبدالمنعم عبدالرؤوف، ويساعده اليوزباشى طيار حسين ذوالفقار صبرى، وكان عزيز باشا يقصد الهروب إلى بيروت ومنها إلى بغداد لمساعدة «رشيد عالى الكيلانى» فى ثورته ضد الإنجليز فى العراق، لكن الطائرة سقطت بهم فى قليوب، وكان مأمور قسم قليوب تلميذاً لـ«المصرى» حينما كان مديراً لكلية البوليس، الأمر الذى ساعد على نقلهم من قليوب إلى إمبابة فى سيارة المأمور، إلى أن تم القبض عليهم بواسطة البوليس السياسى فى منزل الفنان عبدالقادر رزق، صديق عزيز باشا، ثم اعتقل عبدالمنعم عبدالرؤوف فى سجن الكتيبة الثالثة التى أعمل بها، ولحسن حظى أننى كلفت بحراسته حتى أننى كنت أستبدل الضابط المناوب لحراسته لأقوم بحراسته كل يوم ونشأت بيننا صداقة امتدت بعد الإفراج عنه ليصبح رائداً فى العمل الوطنى، وبعد أن قُدم عزيز باشا المصرى وزميله للمحاكمة العسكرية العليا، ثم الإفراج عنهما فى 7 مارس 1942، بقرار من النحاس باشا، رئيس الحكومة، تقرر نقل عبدالمنعم إلى سلاح الطيران ثم إلى الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
■ عرّفك عبدالمنعم عبدالرؤوف على جمال عبدالناصر.. فأين كان هذا اللقاء ومتى.. وهل كان هناك تنظيم سرى آخر داخل الجيش غير الإخوان المسلمين؟
- تعرفت على اليوزباشى جمال عبدالناصر فى بيت عبدالمنعم عبدالرؤوف فى السيدة زينب قبل اللقاء الذى جمع الـ7 الذين أقسموا على المصحف والمسدس، وهم: عبدالمنعم عبدالرؤوف، وجمال عبدالناصر، وكمال الدين حسين، وخالد محيى الدين، وحسين حمودة، وسعد حسن توفيق، وصلاح خليفة، وكان هذا فى منزل بحى الصليبة بين السيدة زينب والقلعة، وأقسموا جميعاً يمين الولاء لجمعية الإخوان المسلمين، أمام عبدالرحمن السندى، رئيس النظام الخاص بالجمعية، ومن تاريخ هذا اليوم انتشرت الخلايا السرية داخل الجيش، وكان الصاغ محمود لبيب، يلقن الضباط تكتيك العمل السرى وكنت قبل هذا القسم عضواً فى خلية تضم عبدالمنعم عبدالرؤوف وأنور الصيحى مما يعنى أن النواة الأولى للعمل السرى الوطنى داخل الجيش نمت وترعرعت داخل جمعية الإخوان المسلمين ولم تكن هناك تنظيمات أخرى كما ادعى البعض، وما حدث بعد ذلك انسلاخ من جسد جماعة الإخوان.
■ هل كانت لك علاقة مباشرة بـ«حسن البنا»؟
- كان حسن البنا شخصية ساحرة آسرة وتعرفت عليه أثناء العمل السرى فى حديث الثلاثاء، الذى كان يلقيه بمقر الجمعية بالحلمية وكنت أذهب لمكتبه من حين لآخر بصفتى عضواً بالتنظيم السرى لضباط الجيش.
■ كان لحادث 4 فبراير أثره السيئ على نفوس ضباط الجيش، فهل كانت غيرة على ما تعرض له ملك البلاد من إهانة أم على كرامة وطن؟
- حاصر الإنجليز قصر عابدين بالدبابات فى 4 فبراير 1942 وأجبروا الملك على قبول حكومة «النحاس باشا»، بل إن السفير الإنجليزى كانت بيده ورقة تنازل الملك عن العرش، لكن أحمد حسنين طلب من الملك أن يمنحه السفير فرصة واستجاب السفير، وكل هذا فعله الإنجليز لاعتقادهم بأن الملك على صلة بدول المحور عن طريق «يوسف باشا ذوالفقار» سفير مصر بإيران، ووالد الملكة فريدة، وكنت فى ذلك الوقت بالكتيبة الثالثة مدافع ماكينة ويومها استقال القائمقام محمد نجيب من الجيش، وعندما وصلنا إلى القصر خرج علينا أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكى، وطلب منا الهدوء لمصلحة البلد.
■ قمت بحراسة الملك فاروق أثناء زيارته فلسطين خلال الهدنة الأولى من حرب 1948، وكنت قد قلت إنك كنت تفكر فى اغتياله؟
- بدأت حرب فلسطين فى 15 مايو 1948 وعقب الهدنة الأولى، كلفت بحراسة الملك فاروق، وكنا نستقل قطاراً خلال الرحلة التى استغرقت يوماً واحداً، وفعلاً كانت نفسى تحدثنى طوال الرحلة باغتيال الملك، ولكن كيف؟.. إلى أن حانت الفرصة عندما وصلنا إلى مستعمرة «دير سنيد» ووجدت نفسى فى مواجهة الملك وتحت يدى 4 مدافع ماكينة، كانت مخصصة لحراسته وتحت إشرافى، لكننى تراجعت عن الفكرة، لكن ونحن فى طريق العودة حدث أمر كانت له دلالة توحى بقرب الخلاص، فعندما وصلنا رفح استقبل الملك كبار ضباط الجيش وكل من سلم عليه قبّل يده عدا البطل أحمد عبدالعزيز، ولك أن تعرف أننى درست على يديه التاريخ العسكرى بالكلية الحربية.
■ قيل إن اللواء «نجيب» كان صاحب بطولات فى حرب 1948، فهل التقيته هناك.. وما مدى صحة إشرافه على بعض العمليات؟
- كنت أشترك فى معركة «كراتيا» وفوجئت بقائد اللواء الأميرالاى «محمد نجيب بك» يشرف بنفسه على المعركة، وكانت المرة الأولى التى ألتقيه وفى مساء هذا اليوم أُعلنت الهدنة الثانية، وكنت أسمع عن بطولاته، إلى أن رأيته بنفسى يدير العمليات فى الميدان على خلاف أقرانه من الضباط الكبار، رغم أن وجوده فى الصف الأول يعرضه للخطر، وأصيب محمد نجيب 3 مرات أثناء العمليات الحربية وكادت الثالثة تقضى على حياته.
■ أنقذت جمال عبدالناصر من موت محقق خلال حصار الفالوجا.. كيف حدث ذلك وأنت قيد تنفيذ حكم الإعدام؟
- فى نوفمبر 1948 بعد الحكم علىّ مباشرة قضيت فترة داخل خندق بالقيادة وكان معى دائماً صلاح سالم انتظاراً لتنفيذ الحكم، الذى لم ينفذ بسبب الحصار المفروض علينا، وفى ليلتى 27 و28 ديسمبر 1948 كادت قوات اليهود تحتل الجناح الذى تدافع عنه الكتيبة السادسة مشاة ببلدة عراق المنشية، وكان أركان حرب الكتيبة الصاغ جمال عبدالناصر وسمعته من خلال اللاسلكى الذى كان بحوزة «صلاح سالم» يطلب النجدة من «السيد طه»، ويقول: «إذا لم تصلنى النجدة فوراً سأفقد السيطرة على الموقف»، فقلت لـ«صلاح»: «إحنا هانسيب جمال لوحده؟» فقال صلاح: «هنعمل إيه ياوحيد؟» فقلت له: «أنا على استعداد للتطوع وخوض المعركة لإنقاذ عراق المنشية»، فأخذنى إلى السيد طه، برئاسة القوات فوافق على الفور ووفر لى ما طلبته من سلاح وحمالة جنود «سيارة» مدرعة مكشوفة»
وبالفعل انطلقت إلى كتيبتى وكانت مفاجأة سارة للجنود، أن الملازم ثان «عبدالمجيد شديد» محافظ الدقهلية بعد الثورة، صمم على ألا يتركنى وصحبنى فى خوض المعركة وذهبنا ومعنا شاويش واثنان من الجنود بالحمالة لموقع المعركة، ودعوت الله أن ينصرنا دون أن أعرف أن الدعاء مستجاب وقت الزحف، وفى الطريق كانت قنابل الهاون تتساقط علينا من مدافع العدو إلى أن فوجئت ببعض الجنود يرتدون معاطف الجيش المصرى فناديتهم متسائلاً: أين مواقع اليهود؟ فردوا علىّ بقنبلة يدوية انفجرت أمام الحمالة، وتبادلنا إطلاق النار وقتلناهم وواصلنا السير على طريق مزروع بالتين الشوكى إلى أن وجدنا جمال عبدالناصر يتحصن أمام مخزن تبن ومعه جندى المراسلة، وانفرجت أساريره بقدومنا وقال إن اليهود سيرسلون كتيبة للتعزيز، ستأتى من ثغرة بالتبة السودانية ولو قدرت تسدها سيكون عملاً بطولياً، وتقطع عليه الوصول إلى هنا،
 وبالفعل تقدمنا إلى أن وصلنا إلى سفح التبة واتخذنا مواقع بأعلاها وبدأنا الاشتباك مع العدو وبعد ساعة تقريباً سكنت مدافع اليهود المحتلة التبة، وقمنا بتفقد التبة فوجدناها مغطاة بجثث الإسرائيليين والمصريين والسودانيين وتركت الطاقم فى التبة ونزلت لـ«عبدالناصر» ففرح وهنأنى بهذا العمل البطولى، وأهدانى بندقية تشيكية، وكتب تقرير المعركة بنفسه بخط يده.
■ ماذا عما أشيع عن الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين؟
- ما قيل عن الأسلحة الفاسدة أمر مبالغ فيه، نعم كانت هناك أسلحة كان من المفترض أن تورد للقوات المصرية بفلسطين، إلا أنها كانت تنفجر ذاتياً أو كيميائياً داخل المخازن وكان معظمها من إيطاليا ومخلفات جيوش الحلفاء بالصحراء الغربية، وكان أبرز الموردين القائمقام عبدالغفار عثمان وبعض حاشية الملك، وعلى رأسهم «حسين سرى عامر» وكيل سلاح الحدود فى ذلك الوقت، وأذكر أن الذى فجر هذه القضية «إحسان عبدالقدوس» إذ أمده بعض ضباط الجيش بهذه المعلومات، لكن تجدر الإشارة إلى أنه لم تصل إلينا بندقية واحدة فى أرض الميدان بفلسطين من هذه الصفقات.
■ بعد حرب فلسطين عمل «عبدالناصر» على خلق تنظيم سرى آخر داخل الجيش بعيداً عن الإخوان، فما موقفكم من هذا التنظيم؟
- بالفعل بدأ جمال عبدالناصر تشكيل تنظيم الضباط الأحرار من جسد الإخوان المسلمين، بعد الانتهاء من حرب فلسطين، وبدأ يطرح سؤالاً على معظم أعضاء التنظيم إنت أحرار ولاّ إخوان؟! ولما سألنى هذا السؤال قلت له ونصحته ألا يسأل مثل هذا السؤال فى ذلك التوقيت، لأن الملك سيقضى علينا قبل أن ننجح فى عملنا، وكان عبدالناصر نشطاً فى تكوين تنظيم يقوده شخصياً ولا يدين بالولاء لـ«الإخوان المسلمين» ولبى عبدالناصر طلبى وكل من كمال الدين حسين وخالد محيى الدين وحسن إبراهيم وبغدادى وصلاح سالم وبعضهم كانوا معه ليلة القسم على المصحف والمسدس أمام عبدالرحمن السندى، زعيم الجهاز السرى لـ«الإخوان»، وبذلك يكونون حنثوا بقسم الإخوان، وللعلم صاحب اسم ضباط الأحرار هو الصاغ «محمود لبيب»، مهندس العمل السرى داخل الجيش،
 وليس كما زعم البعض أن من ابتدع الاسم هو جمال منصور عام 1950، وكان بمناسبة إصدار المنشور الأول للضباط الأحرار، ويؤيد ما قلته سؤال جمال عبدالناصر لنا عام 1949 إنت أحرار ولا إخوان؟ وكان لبيب ومعه صالح باشا حرب ضمن المقاومة السنوسية الليبية ضد الإيطاليين عام 1911، ولما فشلت المقاومة هرب «لبيب» فى غواصة ألمانية إلى تركيا ومكثت بها إلى أن قامت ثورة كمال أتاتورك، وكان الضباط الأتراك الذين عزلوا السلطان عبدالحميد، يطلق عليهم الضباط الأحرار، ومن ثم استلهم محمود لبيب هذا الاسم، لكونه يعطى غطاء أمنياً على تحركنا داخل الجيش بعيداً عن الإخوان المرصودين أمنياً فى ذلك الوقت، المهم عملت مع جمال عبدالناصر دون أن أختلف مع عبدالمنعم عبدالرؤوف.
■ قمت بتجنيد بعض الضباط للحركة وكان أبرزهم «يوسف صديق» الرجل الذى اقتحم قيادة الجيش ليلة الثورة وكان سبباً فى نجاحها؟
- جندت البكباشى يوسف صديق لحركة الضباط الأحرار فى أكتوبر 1951، وسر استجابته لى يتلخص فى ثقته بإخلاصى له، لأننى ذكرته بالخطاب الذى أرسلته إليه بتوقيع مخلص، أنبه فيه للحذر من «رياض مصطفى»، قائد الكتيبة، التى يعمل بها «يوسف» فى منقباد، الذى كان يكن له الحقد لدرجة أنه تعهد للأميرالاى «عبدالرؤوف عابدين»، قائد اللواء، بأنه سيأتيه بـ«صديق» متلبساً بجريمة، فاستجاب لى على الفور، وكان رهانى على «يوسف صديق» صائباً، لأنه فدائى مخلص ينكر ذاته، وكان أستاذى فى الكلية الحربية، ودرست على يديه فنون التكتيك العسكرى، وكان أديباً شاعراً وفيلسوفاً ومتواضعاً وشجاعاً، يحظى بحب كل مرؤوسيه، لأنه كان وطنياً من طراز رفيع،
ويشهد على ذلك ما قام به ليلة 23 يوليو 1952 عندما رفض العودة إلى ثكناته بالمقدمة التي كانت معه عندما أخبره «عبدالناصر» و«عامر» بأن أمر الحركة انكشف فأبى الرجوع، وقال لهما: سأموت فى مبنى القيادة، ومعلوم بعد ذلك ما فعله البطل الأسطورى وكان فى هذه الليلة فى حالة مرضية سيئة، حيث كانت رئته تنزف دماً، واضطر إلى أخذ حقنة مسكنة فى صيدلية بمصر الجديدة، ويوسف صديق يذكرنى بالبطل الفذ أحمد عبدالعزيز، الذى استشهد فى فلسطين برصاصة مصرية، أتته من الكتيبة السادسة مشاة التى كان رئيس أركانها عبدالناصر، وحدث ذلك كما روى لى صديقى صلاح سالم، الذى كان يصاحبه فى تلك الليلة التى استشهد فيها البطل، حيث كانا يستقلان عربة جيب يقودها صلاح لحضور مؤتمر بالقيادة العامة بفلسطين وأطلقت النيران المصرية عليهما لأنهما لم يكونا يعرفان كلمة سر الليل.
■ عملت مع «عبدالحكيم عامر» برئاسة الفرقة الأولى مشاة فى رفح، هل كنت على صلة به قبل ذلك؟
- تعرفت على الصاغ عبدالحكيم عامر بالقاهرة، أثناء عملى برئاسة اللواء مدافع ماكينة، ومقره ثكنات العباسية، وكان «عامر» رئيس أركان حرب سلاح المشاة، ثم انتقل إلى رئاسة الفرقة الأولى مشاة برفح وطلب نقلى معه، وعملت بمكتب عمليات الفرقة الذى كان يضمنى مع صلاح سالم وعبدالحكيم عامر، وكان يمر علينا كل يوم البكباشى أنور السادات، قائد قسم الإشارة برفح، وكنت لا أتحدث معه كثيراً، لأنه كان لا يعلم أننى ضمن تنظيم الضباط الأحرار، بخلاف «عامر» و«صلاح» وتوثقت الصداقة بينى وبين «عامر»، وحاولت أن أخفف حدة الخلاف بين عبدالمنعم عبدالرؤوف و«عبدالناصر»، فقمت بدعوة عبدالرؤوف وعبدالحكيم عامر على الغداء فى بيتى برفح.
■ كان شعار منظمات الشباب من إبداعك.. متى تم تكليفك بقيادة هذه المنظمات وما الهدف من إنشائها؟
- بعد إنشاء هيئة التحرير وحل الأحزاب فى 17 يناير 1953 كلفنى «عبدالناصر» بقيادة منظمات الشباب، وكانت بدايتى فى العمل السياسى الرسمى، وقبل ذلك فى أغسطس 1952 استدعانى «عبدالناصر» لحضور اجتماعات شعبية لتأييد الثورة ولمخاطبة الشباب إلى أن قرر تكليفى بقيادة منظمات الشباب، وبالفعل وضعت لها شعار «نصر الله، وعزة الوطن وتحرير الفرد لزوم الجماعة»، وكان هذا الشعار يلخص دور المنظمات تقريباً، وأنشأت المكتب الإدارى للمنظمات بالعاصمة والمكاتب الفرعية بالأقاليم، وكان يعاوننى فى هذا العمل د. محمد مندور وعبدالمغنى سعيد والدكتور محمد فتح الله، أستاذ الجامعة، وقمنا بطبع كراسات صغيرة لشرح مبادئ الثورة، ثم نوزعها على فروع المنظمات بأنحاء القطر المصرى، وطغت الجامعات والمدارس والأقاليم، وكنت أعقد الندوات والمؤتمرات للدعوة لاعتناق أفكار الثورة والاصطفاف لتأييدها.
■ حذرت «عبدالناصر» فى إحدى زياراتك من «عبدالحميد السراج» وما يفعله بالسوريين فهل كانت لك علاقة بانفصال سوريا عن مصر، وما حقيقة المنشور الذى كان سبباً فى اعتقالك؟
- كنت ضحية هذا الانفصال، ففى إحدى زياراتى لمصر سنة 1960 زرت «عبدالناصر» وسألنى عن أخبار أوروبا عامة وسويسرا خاصة فأجبته، ولكن أضفت عليه أن الشعب السورى منزعج من الطريقة التى يحكم بها «عبدالحميد السراج» فى سوريا حتى إنهم يطلقون عليه «السلطان عبدالحميد» لكنه قال لى: ومن أين لك بهذه الأخبار، فهل سافرت إلى «دمشق»، فقلت له: لا لكننى أدرس بجامعة «جنيف» ومعى أكثر من 100 طالب سورى، وصلتى بهم طيبة، لدرجة أنهم كانوا يطلقون على المشير عبدالحكيم عامر، المندوب السامى، وقبل الانفصال بشهر انتهت علاقتى بسويسرا، وعدت إلى القاهرة فى أغسطس 1960، وشرعت أنا وأخى لطفى واكد نكتب عريضة بعد الانفصال لعبدالناصر نحذره فيها من أن الذى حدث بسوريا يمكن أن يتكرر فى مصر، ووقعت العريضة فى يد إحدى الجهات العسكرية السيادية فقام سامى شرف، بمساعدة «داوود عويس» مدير مكتب «عامر» فى وزارة الحربية.
■ متى وكيف تم الإفراج عنكم.. وهل كان لتجربة السجن تأثير على حياتك فيما بعد؟
- تم الإفراج عنا فى 14 فبراير 1964 إثر نقاش حاد بين «ميشيل عفلق»، زعيم حزب البعث السورى، وجمال عبدالناصر، حيث اتهمه عبدالناصر بأنه قابلنى فى سويسرا للتآمر على الوحدة، فرد عليه «ميشيل» بحدة قائلاً: لقد التقيت «وحيد رمضان» ومعه 10 من الضباط الأحرار فى القاهرة، للبحث عن صيغة ديمقراطية شعبية لتثبيت أقدام الوحدة، وخرجنا من وزارة الداخلية، وكانت تجربة السجن ثرية استفدت منها كثيراً، خاصة أننى التقيت سيد قطب «بمستشفى طرة»، وكان يرحمه الله يعيش برئة واحدة، وكانت لى معه حكايات تستحق أن تروى، ربما فى موضع آخر، وكنا نتحدث فى كل شىء،
 بداية من الأدب وصولاً إلى الدين، إلا أننا لم نتحدث فى السياسة ألبتة، لأننا كنا نعلم «أن الحيطان لها ودان» وخلال هذه المرة سمعت روايات خطيرة عن طرق التعذيب التى تعرض لها «الإخوان» داخل السجن، الذى نصبت لهم به مذبحة ذات يوم على يد صلاح الدسوقى، محافظ القاهرة فيما بعد، وبعد خروجى من السجن تم إعدام «سيد قطب»، وظنى أنهم لو تركوه لمات وحده، لكن عقلية المستبد تأبى عليه ترك الأمور دون أن تكون بصماته مطبوعة على أوراق القدر، لقد قرأ عبدالناصر كتاب «الأمير لــ«ميكيافيللى» أكثر من 17 مرة كما قال،
ولا شك أنه استوعب ما فيه جيداً، بدليل أنه تخلص من كل أصدقائه إلا الماكرين منهم، وأشهرهم «السادات، وزكريا محيى الدين» ومن سخرية الأقدار أن الذى أشرف على سيناريو الخلاص من «المشير عامر» هو الفريق محمد فوزى زوج خالة سامى شرف، فوزى هذا هرب ليلة قيام الثورة، وقال لزملائه فى سلاح المدفعية، ليست لى علاقة بما تقومون به، هرب ليلة الثورة، والهارب هذا يصبح فيما بعد القائد العام للقوات المسلحة، وهو أحد مشاهد الكوميديا السوداء التى كانت من تأليف عبدالناصر، الذى قال لنا فى بداية الثورة إنه بحاجة إلى «الجدعان» لنجاح هذه الثورة، ولما نجحت قال:«السجن للجدعان».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق