الصفحات

السبت، 18 مارس 2017

السلاجقة



جماعات من عشائر الغز التركية. كانوا ينزلون
شمال المجرى الأدنى لنهر سيحون، ويخضعون لسلطة ملك الغز الوثني في تلك الأنحاء.
وجاءت تسميتهم السلاجقة نسبة لأحد زعمائهم «سلجوق بن دقاق». وعلى الرغم من وصول سلجوق
إلى رتبة سوباشي (قائد الجيش) فإنه كان يتوجس شراً من ملك الغزية. ولذلك عبر نهر سيحون
إلى ما وراء النهر عام (345هـ/956م). ونزل عند مدينة جَند، حيث اعتنق الإسلام مع
أفراد عشيرته على المذهب السني وتحمسوا له. وحرر سلجوق سكان المدينة المسلمين من
دفع الضرائب إلى الملك التركي. ولما مات (393هـ/1003م) دفن في مدينة جند.
دانت عشائر السلاجقة بعد موت سلجوق إلى حفيده طغرلبك
بن ميكائيل، الذي تقدم بعشائر السلاجقة إلى ضواحي بخارى. وكانت من أملاك السامانيين.
وشارك السلاجقة في ذلك الوقت في الحروب التي قامت بين السامانيين والإيلكخانية
الذين كانوا يحكمون أجزاء من ما وراء النهر أيضاً. وكانوا يقفون إلى جانب الإيلكخانية.
عبر طغرلبك زعيم السلاجقة نهر جيحون أول مرة عام
(423هـ/1030م)، حيث كان يحكم الغزنويون. ودارت الحروب بين الطرفين انتهت في أقل من
عقد إلى سيطرة السلاجقة على عدد من مدن خراسان وخوارزم وطبرستان وإقليم الجبال، وقضوا
على السلالة البويهية الحاكمة في فارس، وكانوا كلما تقدموا غربا اتخذوا حاضرة
جديدة أقرب إلى العراق، مثل الري وبعدها أصفهان.
وفي غمرة الصراع بين السلاجقة والغزنويين في
خراسان استطاع طغرلبك أن يؤسس لنفسه سلطنة في العراق إلى جانب الخليفة العباسي
«القائم» (422-467هـ/1031-1075م). وظلت خراسان تتبع الدولة السلجوقية في
العراق، وكان السلاجقة أيضاً يغيرون من خراسان إلى ما وراء النهر لقتال الإيلكخانية
حلفائهم القدامى بحجة أن السلاجقة يمثلون الخليفة العباسي، فاحتلوا سمرقند،
وأوصلوا سلطتهم إلى شرق ما وراء النهر (482هـ/1089م).
وكان طغرلبك قد قدم بالسلاجقة إلى بغداد عام
447هـ/1005م لإنقاذ الخليفة من قائد يدعى «البساسيري» كان يعمل على الدعوة في
بغداد للخلافة الفاطمية في مصر، وأضطره إلى الفرار، وعاد طغرلبك إلى حاضرته الري.
وقدم طغرلبك ثانية بعد عامين إلى بغداد بعد أن
استأذن الخليفة بالقدوم، ولما قدمها بموكب فخم استقبله الخليفة ولقبه «سلطان
المشرق والمغرب»، وكان ذلك إيذاناً بقيام سلطنة السلاجقة في العراق،ودخول الخلافة
العباسية في عهد جديد دعي بعصر النفوذ السلجوقي. كما انتزعوا مكة والمدينة من سلطة
الفاطميين. ولكنهم لم يهتموا بدفع الخطر الفرنجي على بلاد الشام (الحروب
الصليبية).
ويطلق على عهود سلاطين السلاجقة في العراق ـ
السبعة الأوائل ـ عصر السلاجقة العظام (بين 447-552هـ/1057-1157م) لأن سلطتهم
كانت تمتد من بلاد الشام إلى حدود الصين. أما من جاء بعدهم من السلاطين فقد أشغلتهم
الحروب فيما بينهم، وانفصلت عن سلطتهم بعض المناطق. وكان عصر ثالث السلاطين العظام ملكشاه (465-485هـ/1073-1092م) العصر الذهبي لسلطنة سلاجقة العراق، وقد اهتم
السلطان بالإصلاح ونشر العدل والأمن وشق عددا من الطرق كما خفف بعض الضرائب. وبنى
وزيره المصلح «نظام الملك» عددًا من المدارس في أنحاء مختلفة، وقد دعيت هذه
المدارس بالمدارس النظامية نسبة إليه مما أدى إلى انتشار العلم ولاسيما علمي الفلك
والرياضيات.
استطاع شقيق ملكشاه تتش دخول دمشق عام (468
هـ/1075م). وكان قد سبقه إليها قائده اتسز في العام نفسه وأنهى حكم الفاطميين
فيها. وحاول تتش أن يتوسع في بلاد الشام فدخل حلب (487هـ/1094م) ولما حاول أن
ينازع ابن أخيه بركيارق بن ملكشاه (487-498هـ/1094-1104م) على السلطنة. قُتل في
إيران عام 488 هـ/1095م قرب الري وخلف تتش على حكم حلب ابنه رضوان كما حكم ابنه
الآخر دقاق دمشق. وخلف دقاق عند وفاته عام 497هـ/1105م قائد جيشه طغتكين وبه يبدأ
حكم الأتابكة بدمشق. كما انتقل حكم حلب عند وفاة رضوان (507هـ/1113م) إلى واحدٍ
من أتابكته. وكان سلاجقة الشام قد أسهموا في قتال الفرنجة في الحملة الصليبية
الأولى.
أما سلاجقة كرمان في جنوب غربي إيران فيعود
تأسيسها إلى أحد أمراء السلاجقة ويدعى قاورت بن داود. بن ميكائيل في حاضرته التي
تحمل الاسم نفسه (كرمان) من أيام ثاني السلاجقة العظام ألب أرسلان (455-465هـ/1063-1072م)
وانفصل قاورت عن السلطة السلجوقية عام 433هـ/1041م وأسس سلالة حاكمة فيها،
وتوالى على الحكم فيها أحد عشر أميراً إلى أن انتقل الحكم إلى أحد أتابكتهم عام
619هـ/ 1222م. وقد اهتم سلاجقة كرمان بإعمار المنطقة وبالزراعة، ولاسيما زراعة
النخيل وتربية المواشي.
وكان النصر الذي أحرزه ألب أرسلان عام 465هـ/1071م على البيزنطيين وأسره الامبراطور البيزنطي في معركة ملا ذكرت، بين بحيرة وان
ومدينة أرض روم، سبباً في قيام دولة سلجوقية جديدة في آسيا الصغرى (الأناضول)، كان
حاكمها الأول سليمان بن قتلمش ابن عم ألب أرسلان (470-479هـ/1077-1086م). وتعززت
الدولة الجديدة بما كان يصل إلى الأناضول من قبائل تركية. وبدأت منذ ذلك الحين
آسيا الصغرى تتحول من رومية بيزنطية إلى تركية.
استطاع حكام سلاجقة الأناضول انتزاع المزيد من
الأراضي من  البيزنطيين واتخذوا لأنفسهم مدينة قونية عاصمة لهم وكانت دولة سلاجقة
الأناضول أطول عمراً من بقية دول السلاجقة إذ استمر حكمها بين (470-700هـ/1077-1300م)،
توارث الحكم في هذه المدة بعد المؤسس سبعة عشر حاكماً.
وغزا المغول دولة سلاجقة الأناضول في عامي
639هـ/1241م و640هـ/1241م، وعلى الرغم من اعتراف سلاجقة الأناضول بالتبعية إلى الخاقان
المغولي، فقد أخذ الإيلخانيون، خلفاء المغول في إيران والعراق، يتدخلون في شؤون
أمراء سلاجقة الأناضول وفض النزعات التي كانت تنشأ بينهم على وراثة العرش، كما
حاولت سلطنة المماليك التدخل في آسيا الصغرى سعياً وراء تحديد نفوذ الإيلخانيين
فيها. وأرسل السلطان الظاهر بيبرس حملة إلى الأناضول عام 675هـ/1277م، وعلى الرغم
من نجاح الحملة في إدراك النصر عند مدينة إبلستين غرب ملطية. إلا أن الحملة لم
تستطع أن تحتفظ بنصرها واضطرت إلى الانسحاب.
ولفظت دولة السلاجقة في الأناضول أنفاسها
الأخيرة على يد قبيلة تركية جاءت من أواسط آسيا وهي التي أقامت فيما بعد الدولة
العثمانية.
نفوذ السلاجقة في عهد الخلافة العباسية

وصول آل سلجوق إلى السلطنة يعود أصل آل سلجوق إلى الغز من الترك وهي عشيرة كانت تقيم في بلاد تركستان تحت حكم ملك الترك. تنسب إلى سلجوق بن تقاق توفي عن عمر 170 سنة، ظهرت عليه علامات النجابة فقربه ملك الترك إليه ثم خافَه وأحس سلجوق بذلك فجمع عشيرته وهاجر إلى ديار الإسلام واعتنق الإسلام وصار يشن غارات على بلاد الترك واستعان السامانيون بسلجوق في رد غارات الترك على بلادهم. استمر الحال حتى كان من أحفاده طغرل بك محمد، وداود جعفر بك، اللذين أصبح لهما السلطان بعد ذلك على عشيرتهما فانتقلا بمن معهما إلى قرب بخاري، حيث أقاموا هناك، ولكن أمير بخاري خافهما فسارا إلى تركستان عند ملكها بوغراخان، ثم حدث بينهم خلاف انتهى باعتقال طغرل بك، ولكن داود استطاع أن يداهم بوغراخان ويستنقذ أخاه طغرل بك، ثم انتقلوا إلى بلاد الدولة السامانية حيث استقروا هناك، ولكن الدولة السامانية كانت في آخر أيامها، وقد برزت قوة جديدة هي قوة الغزنويين فاصطدموا معهم... وانتهى الصدام بًاسر أرسلان سلجوق عم طغرل بك، ثم حدث صلح بين السلاجقة والغزنويين، بحيث تولى عماد السلاجقة إمرة بعض المدن والمناطق وأطلق سراح عمهم أرسلان. وفي سنة 429هـ رجع الخلاف بين الغزنويين والسلاجقة وتمكن طغرل بك أن يستولي على مرو، وذكروا اسمه في خطبة الجمعة باسم ملك الملوك. وفي سنة 432هـ استولى طغرل بك على نيسابور وعلى جرجان وطبرستان، ثم في سنة 433هـ ضم كرمان وبلاد الديلم. وفي سنة 434هـ استولى على خوارزم، وانتقل الصراع فأصبح مع البويهيين، فدخل طغرل بك أصبهان، ثم تم الاتفاق معهم وتزوج طغرل بك ابنة أبى كاليجار البويهي، كما تزوج أبو منصور ابن أبي كاليجار ابنة داود أخو طغرل بك سنة 4399هـ. انتقل طغرل بك إلى الصراع مع الروم فقاتلهم وانتصر عليهم، وعقد معهم هدنة، واشترط فيها أن يبني مسجد بالقسطنطينية فبنوه، وأقيمت فيه الصلاه وخطب لطغرل بك فيه. تقاسم السلاجقه البلاد الواسعة التي بحوزتهم فيما بينهم، وانتخب ملكًا عليهم جميعًا طغرل بك، ولم يكن له أولاد واتخذ مدينة الري حاضرة له، وقد اختير ابن اخيه ألب أرسلان بن داود ليكون مع عمه طغرل بك مساعدًا له، ونتيجة ما قدَّم طغرل بك من خدمات ونتيجة مراسلاته مع الخليفة فقد ذكر اسمه في الخطبة وعلى السكة قبل السلطان البويهي، ثم استأذن طغرل بك على الخليفة القائم ودخل مدينة بغداد سنة 4477هـ، وطلب الخليفة القائم من السلطان البويهي أن يتبع ويخضع لطغرل بك، وبذا انتهى عهد البويهيين وجاء دور السلاجقة. كان الخليفة قد تزوج خديجة بنت داود أخي طغرل بك سنة 454هـ، ثم خطب طغرل بك ابنة الخليفة وتزوجها بعد امتناع من الخليفة، واتجه طغرل بك إلى الري فمرض في الطريق، ثم توفي سنة 455هـ بعد أن وصل إلى الري. لقد استطاعت هذه العشيرة أن تستولي على جُلِّ ما ملكه المسلمون، وقد انقسمت إلى خمسة بيوت. صراع الشيعة والسنة في صفر سنة 443هـ وقعت حرب بين الشيعة والسنة، فقتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الشيعة نصبوا أبراجًا وكتبوا عليها بالذهب: (محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبي فقد كفر). فأنكرت السنة إقران على مع محمد r في هذا، فنشبت الحرب بينهم واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، وأحرقت قبور بني بويه وقبر جعفر بن المنصور، ومحمد الأمين، وأمه زبيدة، وقبور كثيرة جدًّا، وانتشرت الفتنة وتجاوزوا الحدود، وقد قابلهم أولئك الرافضة الشيعة أيضًا بمفاسد كثيرة، وبعثروا قبورًا قديمة وأحرقوا من فيها من الصالحين، وكادوا أن يحرقوا قبر الإمام أحمد، وتسلط على الرافضة عيار يقال له القطيعي، وكان يتبع رءوسهم وكبارهم فيقتلهم جهارًا وغيلة، وعظمت المحنة بسببه جدًّا، ولم يقدر عليه أحد، وكان في غاية الشجاعة والبأس والمكر. استمر الحال حتى سنة 448هـ، وهي السنة التي بدأ فيها ملك آل سلجوق. يقول ابن كثير: "...وفي هذه السنة ألزم الروافض بترك الأذان (بحي على خير العمل) وهي بدعة أحدثوها، وأمروا أن ينادى مؤذنهم في أذان الصبح، بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، وأزيل ما كان على المساجد من كتابة: (محمد وعلي خير البشر)، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ (الكرخ معقل الرافضة) ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة، وقد كانوا لا يستطيعون ذلك؛ لأن بني بويه كانوا حكامًا، وكانوا يقوون الشيعة وينصرونهم، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم، وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم والله المحمود، أبدًا على طول المدى". فتنة البساسيري ظهرت فتنة عظيمة سنة 450هـ، وهي محاولة الفاطميين الاستيلاء على بغداد، ونفي الخليفة العباسي إلى حديث عانة بمساعدة أرسلان أبو الحارس البساسيري التركي. كان البساسيري من مماليك بهاء الدولة، وكان أولاً مملوكًا لرجل من أهل مدينة بسا، فنسب إليها فقيل له البساسيري، وتلقب بالملك المظفر ثم كان مقدمًا كبيرًا عند الخليفة القائم بأمر الله، لا يقطع أمرًا دونه، وخطب له على منابر العراق كلها، ثم طغى وبغى وتمرد، وخرج على الخليفة والمسلمين، وفي هذه الفترة كان هناك نزاع بين الملك طغرل بك وأخيه إبراهيم، في نفس الوقت كان البساسيري هذا ومعه قريش بن بدران أمير العرب يتوجهان إلى الموصل، ونجحا في أخذها.. فسار إليها طغرل بك سريعًا فاستردها، وهربا منه فتبعهما إلى نصيبين، وهرب إبراهيم أخو طغرل إلى همذان وعصى عليه، فسار طغرل وراء أخيه وترك عساكره وراءه، فتفرقوا وقلَّ من لحقه منهم. انتهز البساسيري هذه الفرصة وقصد بغداد وليس بها أحد من المقاتلة، ولما علم الناس بقدومه تنادى الناس: من أراد الرحيل من بغداد فليرحل، فانزعج الناس وبكى الرجال والنساء والأطفال.. حتى إن الخليفة نفسه قد هم بالرحيل ولكنه آثر البقاء في قصره مع النصح له بأن الأفضل أن يرحل لعدم المقاتلة.. حتى كان يوم 8 من ذي القعدة سنة 450هـ جاء البساسيري إلى بغداد، ومعه الرايات البيض المصرية، وعلى رأسه أعلام مكتوب عليها اسم الخليفة الفاطمي، فتلقاه الشيعة أهل الكرخ، وجمع البساسيري اللصوص ومنّاهم بنهب دار الخليفة، ونَهَب الشيعة دور أهل السُّنَّة، وأعيدت عادات الشيعة وبدعهم.. ووجد الخليفة نفسه محاصرًا وحوله زمرة قليلة من العباسيين، فطلب الأمان من أمير العرب قريش فأمّنه. ولما علم بذلك البساسيري اغتاظ ولامه لومًا عنيفًا على إعطائه الأمان للخليفة، ثم اتفقا على إخراج الخليفة من بغداد إلى أمير حديثة عانة[1]، وهو مهارش بن مجلي الندوي وهي من بني عم قريش بن بدران، وعبثًا ألح الخليفة على قريش أن لا يخرجه من بغداد فلم يفد ذلك شيئًا، وأخرج الخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش عامًا كاملاً، وليس معه أحد من أهله وذلك في ذي القعدة سنة 450هـ. وأمر البساسيري بالخطبة للخليفة المصري، والروافض في غاية السرور وانتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقامًا عظيمًا. القضاء على البساسيري ودخلت سنة 451هـ والحال على ما هي عليه، بيد أن السلطان طغرل قد انتهى من منازعة أخيه إبراهيم وقتله، وتفرغ للقضاء على البساسيري. فأرسل إلى أمير العرب يتهدد ويتوعد، فتحالف معه على البساسيري.. وتوجه السلطان طغرل إلى بغداد، وكان يوم دخوله إليها يومًا مشهودًا، وأرسل السلطان إلى الخليفة مراكب كثيرة، فلما وصل الخليفة النهروان خرج السلطان لتلقيه، فلما دخل سرادق الخليفة قبَّل الأرض بين يد الخليفة سبع مرات، وكان يومًا عظيمًا. ثم خرج السلطان خلف البساسيري الذي هرب إلى واسط، فاقتتلوا هنالك وانهزم أصحاب البساسيري، وتبعه بعض الغلمان فقتلوه، وحملت رأسه إلى بغداد وانتهت بذلك فتنته. معركة ملاذ كرت توفي طغرل بك سنة 455هـ في خلافة القائم وتولى الأمر بعده السلطان عضد الدولة أبي شجاع ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق. وفي سنة 463هـ أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرخ والفرنج، وعدد عظيم بلغ مائتي ألف وعُدَد، ومن عزمه -قبحه الله- أن يبيد الإسلام وأهله، أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد واستوصى نائبها بالخليفة خيرًا... والقدر يقول: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]، فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفًا بمكان يقال له الزهوة في يوم الأربعاء 255من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال، حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلما كان ذلك الوقت وتواجه الفريقان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرَّغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام رومي!! مميزات عهد ألب أرسلان كان عهد ألب أرسلان كله عهد نمو وارتقاء في دولة السلاجقة لا بالبسيف وحده، بل للعلم أيضًا، فإن الملك أسس في عهده أول المدارس النظامية ببغداد، وقد تم بناؤها سنة 458هـ، ودرس فيها شيخ الشافعية بالعراق بل وبغيرها وهو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي. وفاة ألب أرسلان وفي سنة 465هـ توجه ألب أرسلان قاصدًا بلاد الترك فعبر نهر جيجون، ولكن عاجلته منيته، حُكِيَ أنه قال وهو يقرب من الموت: "ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته إلا توكلت على الله وطلبت منه النصر، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عالٍ فرأيت عسكري فقلت أين من له قدرة بمصارعتي ومعارضتي، وإني أصل بهذا العسكر إلى بلاد الصين، فكان ما أراد الله..". وفاة الخليفة القائم ثم تولى بعده جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه، وفي 13من شعبان سنة 467هـ توفي الخليفة القائم بأمر الله. يقول ابن كثير في وصف القائم: (…ولم يبلغ أحد قبله هذه المدة، كان فصيحًا ورعًا زاهدًا كثير الإحسان إلى الناس رحمه الله، وقد كان من خيار بني العباس دينًا واعتقادًا ودولة، وقد امتحن من بينهم بفتنة البساسيري التي اقتضت إخراجه من داره ومفارقته لأهله وأولاده ووطنه، فأقام بحديث عانه سنة كاملة ثم أعاد الله تعالى عليه نعمته وخلافته…). 

من هم السلاجقة؟، وكيف وصلوا إلى دفة الحكم في العالم الإسلامي؟.
ينحدر السلاجقة من قبيلة قنق التركمانية، وتمثل مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل التركمانية المعروفة بالغز، وفي منطقة ما وراء النهر تركستان حالياً- استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو الأتراك, ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي بالانتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى.
دخلت هذه العشيرة في الإسلام أثناء عهد زعيمها ومؤسِّس السلالة سلجوق بن دقاق ـ كما أسلفنا ـ سنة (960م). فدخلوا بعدها في خدمة القراخانات حُكَّام بلاد ماوراء النهر، وحازوا نفوذاً عالياً في دولتهم وبحلول القرن الخامس الهجري كانت قوة السلاجقة قد تعالت وأصبحوا دولة قوية، وصاروا يغيرورن على المدن فيقتلون ويدمرون وينهبون مما أثار قلق محمود الغزنوي حاكم الدولة الغزنوية في بلاد الهند وفارس، فقام بشن حملة عليهم (عام 415هـ)، انتهت بالقبض على سلطانهم أرسلان بن سلجوق وعدد كبير من أتباعه وأرسلوا إلى السجن فمات أرسلان في السجن بعد أربع سنوات، لكن ذلك لم يردع السلاجقة عن غيهم واعتداءاتهم فعادوا إلى سيرتهم الأولى فخرجوا عام (419هـ) عن سيطرة محمود، فأرسل إليهم بعض الجنود لكنهم هُزموا وتابع السلاجقة سيرهم عبر بلاد ما وراء النهر، فدمّروا ونهبوا العديد من المدن، فأرسل إليهم محمود الغزنوي أمير طوس الذي أستمر بملاحقتهم سنتين في تلك البلاد. لكن في عام (421هـ) توفي محمود دون أن يَقضي على السلاجقة، فسار ابنه مسعود بن محمود إليهم حيث طلبوا الصلح، وبهذا توقف النزاع بين الطرفين لفترة قصيرة. وما إن سار مسعود إلى الهند لقمع حركة مناهضة لحكمه حتى ثار السلاجقة مُجدداً، فأرسل إليهم جيشاً التقوا معه في نيسابور وهزمهم، ولذلك انسحبوا إلى الري فنشبت بينهم وبين مسعود معركة أخرى واستطاع أن يَهزمهم ويخضعهم.
ولم تؤد كل هذه الحروب التي قادها أتباع أرسلان مؤداها لتحقيق أطماح السلاجقة في الحكم فكانوا يُهزمون المرة تلو الأخرى، حتى جاء دور طغرل بك بن ميكائيل - ابن أخي أرسلان - الذي قاد حروب السلاجقة بعد ذلك وقام بتأسيس الدولة السلجوقية، ولم تنفع كل المحاولات العسكرية والسياسية لإيقاف السلاجقة عند حدهم فإضافة إلى الحملات العسكرية التي قام بها مسعود ومن قبله أبوه محمود إلا أنهم كانوا يجمعون صفوفهم مرة أخرى ليعاودوا القتال، كما كانت هناك محاولة من قبل علي تكين صاحب بخارى لتفريق شملهم وضرب بعضهم ببعض لكن هذه المحاولة فشلت أيضاً، ويروي ابن الأثير في كامله في حوادث سنة (432هـ) ص(238) أخبار هذه المحاولة فيقول (إن علي تكين صاحب بخارى أعمل الحيل في الظفر بهم فأرسل إلى يوسف بن موسى بن سلجوق وهو ابن عم طغربلك محمد، وجغري بك داود ووعده الإحسان وبالغ في استمالته وطلب منه الحضور عنده ففوّض إليه علي تكين التقدم على جميع الأتراك الذين في ولايته وأقطعه إقطاعاً كثيرة، ولقب بالأمير اينانج بيغو، وكان الباعث له على ما فعله به وبعشيرته وأصحابه على طغرلبك وداود ابني عمه ويفرق كلمتهم ويضرب بعضهم ببعض فعلموا مراده فلم يطعه يوسف إلى شيء مما أراده منه فلما يئس منه قام بقتله)
كبر قتل يُوسف على طغرل، فجمع عشائره ولبسوا ثياب الحداد وجمع ما استطاع من الترك للثأر، وجمع علي تكين جيوشه أيضاً، ثم التحم الجيشان وهُزم جيش علي. وبعد ذلك استمر طغرل بملاحقته، فجمع علي كل جيوشه وكل من استطاع من الأتراك والتقى مع جيوش طغرل في معركة ضخمة عام (421هـ) هُزم فيها طغرل وقتل الكثير من جنده، ولم يَعد طغرل قوياً كفاية بعد هذه الهزيمة فراسل مسعوداً بن محمود لما كان ذاك في طبرستان طلباً للصلح، فاستغل مسعود هذه الفرصة وقبض على رسل طغربلك كي لا يَعودوا بأخباره إلى طغرل ثم جمع جيشاً جراراً وسار إليهم وفاجأهم فألحق بهم هزيمة كبيرة.
واستمرت الحرب في السنوات اللاحقة بين الطرفين حتى عام (1037م/429 هـ)، فالتقى جيش طغرلبك بجيش الغزنوبيين عند باب مدينة سرخس في إقليم خراسان الكبرى وانتصر عليهم انتصاراً حاسماً وشتت شملهم وطاردهم في كل مكان وغنم أموالهم، فكانت هذه الموقعة كما يقول ابن الأثير: (هي التي ملك السلجوقيون بعدها خراسان ودخلوا قصبات البلاد) حيث استولى طغرلبك على ومرو حاضرة خراسان وذكر اسمه في خطبة الجمعة بلقب ملك الملوك، وفي هذا الشهر استولى طغرلبك على نيسابور وأقيمت له الخطبة على منابرها وذكر اسمه مقروناً بلقب السلطان الأعظم، واستقر بدار الإمارة، فكان ذلك هو الظهور الحقيقي للدولة السلجوقية.
وفي سنة (433هـ /1041م) استولى طغرلبك على بلاد الديلم وكرمان، ثم حاصر مدينة أصبهان سنة (438هـ) ولما رأى حاكم أصبهان ألا طاقة له بقتال السلاجقة صالح طغرل بك على مال يؤديه إليه وعلى أن يقيم له الخطبة بأصبهان.
استأنف طغرل تقدُّمه نحو الغرب بعد أن أمَّن خراسان فخاض حرباً مع الدولة البويهية في إيران والعراق، واستغلَّ فرصة استنجاد الخليفة العباسي القائم بأمر الله به ليسير نحو بغداد وينتزعها، وقضى بذلك على الدولة البويهية (التي كانت من أعظم الحواضر في العالم الإسلامي) في سنة (1055م/447 هـ)، واعترف الخليفة به سلطاناً على جميع المناطق التي تحت يده، وأمر بأن يُذكر اسمه في الخطبة.
وكان مما ساعد طغرلبك على دخول بغداد هو الإنشقاق الذي حدث داخل الدولة البويهية فقد كان التنافس على الحكم بين جلال الدولة البيويهي وبين ابن أخيه أبي كاليجار، وخطب لهذا الأخير في بغداد، ونتيجة لهذا التنافس الأسري، فقد دخل السلاجقة بغداد بسهولة.
لكن البويهيين لم ينته حكمهم بهذه السهولة فقد قاد أبو الحارث أرسلان البساسيري، أحد قادة بني بويه تحركاً ضد السلاجقة من مقره في الرحبة فقام بعدة حركات ارتدادية عسكرية، بهدف إخراج السلاجقة من بغداد فنجح في الاستيلاء على الموصل، بعد أن هزم السلاجقة قرب سنجار في عام (448هـ/1056م)، وأخذ يستعد لدخول بغداد، كما أعلن انضمامه إلى الفاطميين وخطب للخليفة الفاطمي الذي أرسل إليه الخلع، مما زاد من إصراره على هدفه.
لكن طغرلبك واجه مشكلة جديدة تمثلت بتمرد قام به أخوه إبراهيم اينال في بلاد الجبل، فاضطر للخروج من بغداد مرة أخرى لقمع هذا التمرد، فانتهز البساسيري ذلك، ودخل بغداد في شهر ذي القعدة (450هـ/ 1058م)، وخطب فيها للخليفة الفاطمي مدة عام كامل، وخرج الخليفة منها إلى عانة ملتجئا إلى قريش بن بدران، وأخذ يراسل طغرلبك يستغيث به.
وتدراك طغرلبك الموقف قبل إمدادات الفاطميين الذين كانوا يخوضون حروبا مع الروم من جهة ومع حلفائهم من جهة أخرى ، فسار طغربلك إلى الموصل بعد أن قضى على تمرد أخيه لوضع حد لثورة البساسيري ضده وبسط نفوذه على ديار بكر مما حدى بالبساسيري إلى الخروج من بغداد عام (451هـ/1059م) ثم قتله جنود طغرل وطافوا برأسه في بغداد، وبسط طغربلك نفوذه على ديار بكر، وعاد إلى بغداد حيث استقبله الخليفة بالترحاب ولقبه (ملك المشرق والمغرب) ويدل هذا التلقيب على أن هذا الخليفة، اعترف لطغرلبك بما أضحى تحت يده من البلاد في المشرق، وكانت تلك إشارة من الخليفة لحث طغربلك على مهاجمة الفاطميين.
وظلت العلاقة القائمة على المصالح السياسية يشوبها الحذر من قبل الخليفة والطمع من قبل السلاجقة ما يقارب ثمانية عشر شهرا، لكن سرعان ما نشب الخلاف بين الطرفين، بسبب محاولة طغرلبك الاستئثار بجميع السلطات في العراق حتى تلك المتعلقة بالخليفة، إضافةً إلى أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية، فقد أناب عنه في حكم بغداد، قبل أن يعود إلى عاصمته الري، موظفاً سلجوقياً أطلق عليه اسم (العميد) كما عيّن موظفاً آخر لحفظ الأمن يعرف بـ (الشحنة) يأتمر بأمره، ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة، وترك في بغداد حامية عسكرية، وضمن بعض المدن لخواصه.
كما أن مطامعه في الخلافة لم تقف عند هذا الحد فحاول مد جذوره فيها وتدعيم نفوذه السياسي بأكثر من كل ذلك فخطب ابنة الخليفة أملاً في أن يلد منها ولداً يكون له من شرعية النسب إضافة إلى نفوذ السلاجقة ما يمكّن هذه الأسرة من الإستحواذ على العالم الإسلامي برمته، ولكن الخليفة رفض وبشدة, وأنف أن يخالط نسبه العرق الأعجمي، لكن رفضه خمد أمام إصرار طغرلبك فتم الزواج من ابنة الخليفة عام (455هـ/1063م) وهي السنة التي مات فيها طغرلبك في الري بعد أن بسط نفوذه على إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى.
لم يُنجب طغرلٌ أولاداً، ولذا فقد أوصى بأن يَحكم من بعده ابن أخيه (سليمان بن داود)، لكن الناس فضلوا (ألب أرسلان) حاكماً لهم فعيّنه وزير طغرل - عميد الملك الكندري - حاكماً للسلاجقة مع أنه كان يَود العمل بالوصية. ومع ذلك فعندما تولى ألب أرسلان الحُكم عزل عميد الملك ثم قتله، وعيّن مكانه نظام الملك الذي كان وزيره قبل أن يَحكم وقد غزا ألب أرسلان الكثير من البلاد الإسلامية وقذف أكثرها بالمنجنيق ودخل جنوده الغزاة من فجوات الأسوار لقتل أهلها ونهبهم كما فعل طغرلبك، وفي عام (465هـ) توفي ألب أرسلان في أرض ما وراء النهر أثناء الغزو وعمره 40 سنة، وأوصى بالحكم بعده لابنه ملكشاه الذي سار على سيرة أبيه، ومن شاء أن يراجع سيرة هؤلاء فليرجع إلى كتب التاريخ ولينظر إلى الفظائع التي ارتكبوها بحق المسلمين.
وبعد حكم هؤلاء السلاطين الثلاثة الذين يعتبرون أقوى حكام الدولة السلجوقية وواضعي دعائمها أصاب الدولة التفكك والإنشقاق ثم آلت إلى السقوط والإندحار.
من كل ما تقدم من هذه السيرة المختصرة للسلاجقة تبرز عدة تساؤلات حول شرعية هذه الدولة فضلا عن تمجيدها من قبل الكثير ممن يُحسبون على الكتاب والمؤلفين و(الدكاترة).
لقد افتتحت هذه الدولة سياستها باستباحة الكثير من المدن المسيحية الآمنة التي كان يستيقظ أهلها على قذائف المنجنيق وتهديم الأسوار فلا يجدون أنفسهم إلا وقد أحيط بهم من كل جانب فيستسلمون للقتل والنهب والسلب والتدمير ومع ذلك تجد من يصف هذه الدولة بدولة السلاجقة العظام العادلة ثم يعزو ذلك إلى الفتح الإسلامي وتوسيع رقعة الإسلام !!!
إن الفتح الإسلامي يكون بالدعوة إلى الإسلام والكلمة الحسنى فالإسلام جاء داعياً وهادياً وليس غازياً فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه الكريم بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ويقول جل وعلا :(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
لقد كانت تلك الغزوات على تلك المدن الآمنة أحد الأسباب المهمة للحروب الصليبية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين والمسيحيين وأبيدت بسببها مدن كاملة, ثم إذا حق لهؤلاء أن يبررّوا تلك الغزوات بالفتح الإسلامي فما تبريرهم قيام السلاجقة بقتال الغزنويين والهجوم على المدن الإسلامية وقتل أهلها وانتزاعها من الغزنويين وهم مسلمون سُنة؟، إذاً فعلى هؤلاء الدكاترة أن يجدوا مبررا لذلك، هذا إذا افترضنا أن قتل الشيعة من قبل السلاجقة مبررّ ومحللّ بل واجب لأنهم في رأي هؤلاء (الدكاترة) كفار ورافضة؟.
ومن أعجب الأعاجيب أن تجد من يعد من إنجازات هذه الدولة أنها كانت السبب في إطالة عمر الدولة العباسية, وكانت السبب في انقراض دولة البويهيين (الظالمة) التي أهانت الخلافة!، لقد أعماهم الحقد الأعمى ليقرأوا الحقيقة بالمقلوب فالتاريخ يحدثنا أن الدولة البويهية كانت من أعظم الحواضر التي شهدها العالم الإسلامي وبلغت الحياة الثقافية العربية الإسلامية ذروتها، وفي الوقت الذي سادت فيه الحرية الفكرية والدينية في عهد البويهيين حيث يصف الأستاذ حسن أحمد محمود الشريف في كتابه (العالم الإسلامي في العصر العباسي) العصر البويهي بعصر (حرية المذاهب)، عمد السلاجقة إلى إبادة الشيعة والفكر الشيعي بمنع تدريس الفكر الشيعي وقتل علماء الشيعة وبناء المدرسة النظامية التي بُنيت لغرض واحد فقط وهو محو الفكر الشيعي واختاروا للتدريس فيها أشد الناس تعصباً على الشيعة, فلم يكن هم السلاجقة العلم والتعليم، إذ كانوا منهمكين بالغزو والسلب والنهب.
ولننظر إلى أهم (المنجزات العظيمة) للسلاجقة كما عدها الدخلاء على دراسة التاريخ من (دكاترة) الوهابيين والمقتاتين على موائدهم من الذين باعوا ضمائرهم وشرف مهنتهم ولم يتورعوا عن تزييف حقائق التاريخ.
فقد وصف هؤلاء الدولة السلجوقية بالدولة الحامية للإسلام والخلافة الإسلامية والدولة التي أعادت إلى الخلافة هيبتها وحفظت مكانتها وأعادت اعتبارها بعد أن أهانها البويهيون الشيعة !!!
وليت واحد من هؤلاء أشار إلى مصدر تاريخي واحد يدل على قوله هذا، فلا أدري من أي مصدر استقى هذا القول وكل المصادر التاريخية تشير إلى عكس ذلك، ولم يبق سوى مصدر واحد فقط، نعم مصدر واحد في نفوس هؤلاء وهو البغض والحقد الأعمى على الشيعة، فلننظر إلى (هذا المنجز العظيم) الذي وصفوه من خلال الحقائق التاريخية وليقارن القارئ بين قولهم وبين الحقيقة وقد آثرنا نقلها من مصادر السنة.
لقد نقلنا كيفية تعامل طغربلك مع الخليفة في هذا الموضوع وننقل هنا عبارة الدكتور محمد سهيل طقوش من كتابه تاريخ الدولة العباسية (ص241-242) حيث يقول ما نصه: (لكن سرعان ما نشب الخلاف بين الطرفين، بسبب محاولة طغرلبك الاستئثار بجميع السلطات في العراق، حتى تلك المتعلقة بالخليفة، بالإضافة إلا أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية، فقد أناب عنه في حكم بغداد، قبل أن يعود إلى عاصمته الري، موظفاً سلجوقياً أطلق عليه اسم (العميد) كما عين موظفاً آخر لحفظ الأمن يعرف بـ (الشحنة) يأتمر بأمره، ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة، وترك في بغداد حامية عسكرية، وضمن بعض المدن لخواصه).
والأدهى من ذلك إجبار الخليفة على تزويجه من ابنته رغم رفضه القاطع ومحاولاته المتكررة للحيلولة دون هذا الزواج لكنه أرغم على ذلك فأي اعتبار أبقى السلاجقة للخلافة؟، ولننظر إلى جانب البويهيين تجاه الخلافة وكيف (أهانوها) كما يقول (الدكاترة)، يقول الأستاذ حسن أحمد محمود الشريف في كتابه (العالم الإسلامي في العصر العباسي) : (إن البويهيين أظهروا احتراما للخليفة في أكثر المواقف والمحافل الرسمية وكانوا أكثر اتباعا للأصول والمجاملات من القادة العسكريين الذين سبقوهم) ويستند الدكتور الشريف في قوله هذا على حقائق من مصادر تاريخية منها قول ابن كثير في البداية والنهاية: (أظهر عضد الدولة من تعظيم الخلافة ما كان دارسا وجدد دار الخلافة حتى صار كل محل آنسا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق