الصفحات

الاثنين، 8 أغسطس 2016

تاريخ وتطور العاميّة المصرية عبر العصور
تعتبر العامية المصرية من أوسع اللهجات انتشارا وفهما بين العرب، وبيرجع دا لأنتشار الأفلام والمسلسلات المصرية من بدايات القرن العشرين، كمان لتحرُّر اللهجة نفسها وكلماتها من قواعد النحو والصرف العربية، وصارت كمان مفرداتها وكلماتها منتشرة ومفهومة بين باقي البلاد والمدن العربية كافة رغم ان كتير منها مش عربية الأصل. نشأت منين اللهجة دي؟ وازاي تطورت في ضوء معرفتنا السابقة بالتركيبة السكانية للمصريين (للمزيد طالع هنا) بعد دخول العرب للبلاد في 642م؟.. دا موضوع التدوينة النهاردا،

سكان مصر من الاف السنين بيتكلموا اللغة الخاصة بهم واللي بتعتبر من عائلة اللغات الحامية الأفريقية،و كانت في الأول لغة غير مكتوبة، وبعدين كتبوها في اول صورة لها بالنقوش الهيروغليفية المعروفة، ولاحقا كتبوها في نقوش اكثر تحررا عرفوها بالديموطيقية واخدت عدد من الأشكال المشهورة والمعروفة بين علماء المصريات. وبعد انتشار الثقافة اليونانية في مدينة الأسكندرية عصر البطالمة، وكمان بعد انتشار الديانة المسيحية في العصر الروماني بدأت تنحسر الكتابات الهيروغليفية لصعوبة رسوماتها وكمان للأتجاه الى تحويل اللغة الى رموز أبجدية زي اليونانية والفينيقية واللاتينية مش مقاطع ورموز صوتية زي الهيروغليفي، عشان كدا أخدت اللغة شكل جديد بدخول بعض الحروف اليونانية وبعض الرموز الخاصة المكملة على نفس الكلمات والمفردات والمعاني، بل وقواعد النحو وتصريف الأفعال وبناء الجملة بتاعت اللغة القديمة، وعرفت باللغة القبطية (للمزيد عن الموضوع دا طالع هنا)

13015621_10209409968795144_6616077493559742694_n (1).jpg

وبعد دخول العرب، ظل أهل مصر الأصليين على لغتهم بتكلموا بيها فيما بينهم (اللغة القبطية) لأكثر من 3 قرون لغاية يمكن اوائل العصر الفاطمي، وانحسرت اللغة العربية بلهجات اهل نجد واليمن (اوائل من استوطن مصر) محصورة في الفسطاط وبين العرب اللي عاشوا في المدن الأخرى زي اسكندرية ومدن وجه قلبي (الصعيد)، وفي العصر الأموي قرر الخليفة عبد الملك بن مروان تعريب جميع الدواوين (الهيئات الحكومية والوزارات في الوقت دا) وإبطال اي لغات اخرى خلاف اللغة العربية في التعامل الحكومي في سائر الدولة الأسلامية ومنها مصر، ورغم كدا ظلت لغة المصريين (القبطية) منتشرة ومحكية في كثير من المدن لفترة، وبعدين بدأوا المصريين شوية بشوية في تعلم اللغة العربية ولكن ظلت نفس التأثيرات اللغوية القبطية في بناء الجملة بل وفي كثير من المفردات اللغوية، ومن هنا ظهرت لهجة جديدة من اللغة العربية، وأغلب الظن انها ظهرت اولا في مدينة الفسطاط واللي كانت عاصمة مصر في الوقت دا، وبدأت منها تنتشر بين المصريين في كافة المدن والقرى على مدار 3 قرون (حوالي 5 أجيال) لغاية سنة 1000م تقريبا اللي بعدها اندثرت اللغة القبطية من استخدام العامة وانحسر استخدامها للأغراض الدينية وبس.

trade

اخدت العامية المصرية من اللغة القبطية كثير من المفردات، وحافظت على بناء الجملة ومكان كل كلمة بها الى حد كبير، فمثلا لو قلنا باللغة العربية (يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء) لو حبينا نقولها باللهجة المصرية بنقول (كل الناس بيتولدوا أحرار ومتساويين في الكرامة والحئوء. إتوهبوا العقل والضمير، والمفروض يعاملوا بعض بروح الأخوة). ومن الكلمات القبطية اللي مازالت مستخدمة لغاية دلوقت (بَلح/ أمبُو (بمعنى يشرب)/ بُعْبُعْ/ عَو/ بَح (بمعنى انتهى)/ بلاّص/ بَنْهَا (مدينة)/ مِيْتْ (قرية)/ إيتاي/ بِصارة/ بَرسِيم/ بَطّط (بمعنى يفرد)/ بَشْبِشْ (بمعنى يبلل أو يفتت)/ لبوة (أنثى الأسد)/ لَعْلَعْ (بمعنى يزداد ضياء)/ ماسخ/ تِرمس/ تِمساح/ طَمي/ تَنْدَة/ جَوَاب/ تاتا (بمعنى يمشي)/ بُنْدُق/ بَرقُوق/ أبَّاي (علامة الدهشة)/ أوطَة (بمعنى ثمرة وصارت تطلق على الطماطم بلهجة اهل القاهرة)/ إرْدَبّ (مكيال)/ فتافيت (اجزاء صغيرة)/ فاشوش (لاشيء)/ فَطّ (هرب)/ قُلْقَاس/ كُحّ (بمعنى السُعال)/ قُلَّة (من كلمة كَالُول الفرعونية وهي إناء فخاري)/ ماجور (وعاء فخاري)/ ننوسة (عروسة لعبة)/ نونو (طفل صغير)/ وغوش (بمعنى حائر)/ كَوِّشْ (بمعنى استحوذ)/ بَحْبَحْ (توسع)/ واد/ بِتّ/…الخ) وأكثر من 3000 كلمة قبطية لاتزال مستخدمة من العصر الفرعوني مع تحوير طفيف.

الأبجدية القبطية

وبفعل انتشار اللهجة اليمنية والنجدية في مصر، دخلت بعض الكلمات والمصطلحات في اللهجة المصرية واللي بقت بتميزها زي مثلا (عايز ايه؟) فمصدرها من (ايش عائز؟) النجدية الأصل، بعد حذف (ش) واستبدال (ئ) بـ(ي) لسهولتها على اللسان، كمان استخدام أدوات الأشارة عند أهل اليمن (ذا “هذا”، ذي “هذه”، هذولي “هؤلاء”) تحولت الى ادوات الأشارة المعروفة في لهجة اهر مصر (دا، دي، دول)، كمان تغيرت بعض الحروف اللي كانت ثقيلة على لسان المصريين زي حرف (ث) الى حرف (س) في نطق كتير من الكلمات العربية، وكمان (ظ) اللي تحول الى (ض) و(ذ) اللي تحول الى (د) وبكدا ظهرت كلمات جديدة تختلف أحيانا عن اصلها العربي زي مثلا (دِبّانة) بمعنى ذُبابة و(ضَلمة) بمعنى الظلام، و(تُوم) وهو الثوم، وظهرت مصطلحات زي (ماكَلتِش) بمعنى ما أكلت شئ، و(معلهش/معلِش) بمعنى ماعليه شئ، وهكذا..

وبانتشار الثقافة الفارسية دخلت بعض الكلمات في اللهجة زي مثلا (بندر) بمعنى مرسى او ميناء، وعرفت في مصر بمعنى الحضر، و(استاذ) بمعنى معلم، و(بخت) بمعنى حظ، و(طُرشي) بمعنى مخلل، و(ترزي) من كلمة دَرزي الفارسية بمعنى خياط او حائك، (مورستان) بمعنى مستشفى، و(فندق) وهي معروفة.. وهكذا..

Alexandre-Gabriel Decamps - The Guardsmen 1841

وفي العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني جم المماليك والعثمانيين من بلاد القوقاز وما وراء النهر بلغاتهم التركية والخزرية والأرمنية، وبدأوا في تعلم اللغة العربية ودخلت معاهم بعض المفردات الجديدة للغة زي مثلا، (أوضة) بمعنى غرفة، و(سراي) بمعنى قصر، و(كوبري) بمعنى جسر أو معبر، و(دوغري) بمعنى مستقيم أو طوالي، و(طز) بمعنى ملح وبقت بعد كدا تستخدم للتقليل من قيمة الشيء او الشخص بغرض الأهانة، وكلمة (أفندم) بمعنى سيدي بقت تستخدم للرد على المنادي بمعنى نعم!، وكلمة (شَرَاب/شُرَاب) وهو الجورب من التركية çorap و(كراكون) وهي كلمة قديمة شوية بمعنى قسم الشرطة، وهكذا.. كمان اشتهر المصريين بنطق حرف (ج) بطريقة خاصة بهم عن اهل الحجاز والعراق ودا من التأثير التركي عليهم، كمان استبدال حرف (ق) في نطق كتير من الكلمات بالهمزة (ء/ئ/ؤ) ودا برضه من تأثير الثقافة التركية.

وبعد خروج الفرنسيين من مصر عام 1801م وعلى الرغم من قلة الوجود الفرنسي اللي يقدر يفرض الثقافة على الفرنسيين لكن ولاة مصر اللي جم بعد كدا زي محمد علي باشا واسماعيل باشا وغيره كانوا بيبعتوا بعثات دراسية لفرنسا للعلم ونشر الثقافة وكمان تم استخدام اللغة الفرنسية كلغة تانية في دواوين الحكومة مع اللغة التركية لغاية ماتم قصر التعامل على اللغة العربية مطلع القرن العشرين وبعد ثورة 1919م، كمان انتشر الاوروبيين من يونان وطلاينة وانجليز وفرانسويين وخلافه بين المصريين في كافة المدن زي القاهرة واسكندرية وطنطا والأسماعيلية وبورسعيد، فدخلت المفردات والكلمات من اللغات دي للهجة المصرية زي مثلا (طرابيزة) من اليونانية Τραπέζι بمعنى منضدة، و(فانوس) من اليونانية φανός بمعنى مصباح، و(كوافير) من الكلمة الفرنسية Coiffeur بمعنى مصفف شعر، و(چيبه) من الفرنسية jupe بمعنى تنورة البنت، و(ڤاترينة) من الأيطالية Vetrina بمعنى واجهة عرض، و(بلياتشو) من الأيطالية Pagliaccio بمعنى مهرّج، و(بوليس) بمعنى الشرطة من الأنجليزية Police و (اوتوبيس) من الفرنسية Autobus وكافة مصطلحات الميكانيكا (فتيس/دركسيون/مارشدير/ جادون/موتور/كاربيراتير/ … الخ) جاءت من الثقافة الفرنسية، وهكذا..

159 بيت زرع النوى - شارع باب الوزير بالدرب الأحمر
ومع مرور الزمن بتتغير اللهجة وبتدخلها مفردات ومصطلحات جديدة مما يجعل منها أكثر اللهجات ديناميكية ومرونة، ودا بيخلي المصريين اللي من الجيل الحالي لهم مفردات وكلمات مش مستخدمة في الأجيال اللي فاتت وتحس بالموضوع دا كتير لما تتفرج على أفلام قديمة من بداية السينما المصرية فتلاقي مصطلحات ماعادتش مستخدمة في الوقت الحالي وكتير بيستغرب المعنى أو مش بيفهمه!..

أنور وجدي أحب الغلط حسين صدقي فيلم عربي
ناس كتير (بالذات القوميين اللي بينحازوا للقومية المصرية) بيعتبروا “العامية المصرية” لغة مستقلة عن اللغة العربية ومش مجرّد لهجة بيتم التعامل بها في منطقة ما، ولهم اسبابهم اللي بتخليهم يطالبوا بدا، فهم بيعتبروها لها مفرداتها الخاصة وكمان تعبيراتها ومصطلحاتها اللي بتخرج بيها عن اللغة العربية وتديها أصل حامي أفريقي ومش أصل سامي عربي وإن كانت مكتوبة بالأبجدية العربية (بيقولوا ان زيها زي الفارسي والكردي والأوردو وغيره، مكتوب بحروف عربي وهو لغة خلاف العربي تماما) وتستخدم مصطلحات كتير من اللغة العربية. كما نجحوا في فتح قسم خاص بها في موسوعة ويكيبيديا الحرة (ويكبيديا مصري) وبقا فيها اكتر من 15 ألف مقالة حتى تاريخ كتابة التدوينة، وكمان بقا لها ترميز وكود خاص ومواقع كتير على شبكة الأنترنت لتعليم اللغة المصرية (دا واحد منهم كمثال). و لكن، في رأيي الخاص، ان اللي بيخلي “العامية المصرية” عبارة عن لهجة وليست لغة مستقلة هو انها غير معترف بها من دولتها، فاللغة الرسمية المعمول بها في مصر هي اللغة العربية اللي بيتكتب بها القوانين والدستور والمخاطبات والمستندات بالإضافة إلى الأدب والأشعار والصحف القومية والخاصة والكتب والمؤلفات والرسائل العلمية، وعلى الرغم من انه فيه شعراء كتير تخصصوا في شعر العامية المصرية، كمان فيه أدباء وروائيين كانوا بيكتبوا الحوار في رواياتهم بالعامية، ولكن برغم كدا فالعامية المصرية هي لغة التعامل بين الناس على اختلاف اللهجات المستخدمة بطول مصر وعرضها، وهي لغة الحوار في الشارع وفي الأعلام والأعمال الفنية من مسلسلات وأفلام ومسرحيات وأغاني ولكن كل دا لا يخرج بها عن نطاق انها لهجة محكية واسعة الأنتشار، فلهجة اهل الساحل الشرقي لأمريكا (نيويورك) تختلف عن لهجة اهل الغرب (سان فرنسيسكو) تختلف قليلا عن لهجة اهل الجنوب (نيو مكسيكو) ولكن لا تخرج بها عن نطاق انها لغة انجليزية أمريكية يفهمها اللي بيتكلم انجليزي في ايرلاندا وانجلترا وجنوب أفريقيا، ولا يجعلها لغة منفردة.

ايا كان، وبعيدا عن خلاف القوميين مع الأصوليين، فالعامية المصرية تعتبر اوسع اللهجات العربية انتشارا، فاللي بيتكلموا بيها اكثر من 90 مليون نسمة، كما انها مفهومة في غالبية الدول الناطقة باللغة العربية ودا اللي بيخلي ادبياتها واشعارها واعمالها الفنية بتعتبر من انجح الأعمال واكثرها قبولا في كل دول العالم العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق