الصفحات

الخميس، 11 فبراير 2016

طرائف ونوادر من عيون التراث العربي




إنّ الدارس للأدب العربي يجدهُ بستاناً متعدّد الألوان بأغراضه ,متنوع الثمار بموضوعاته ,ممثلاً النشاط الإنساني بجميع أشكاله , فيه الجدّ في موضع الجدّ ,كما فيه الهزلُ في موضع الهزل ِ ,فلكلّ مقام ٍ مقال ,كما أنّ لكل زمان لبوساً وأحوالاً.

وإذا كان الباحثون المحدثون قد أتحفوا القراء بكلّ ما هو جميل في حقول الأدب المختلفه ,فأنّ الاهتمام باللون الباسم منه كان محدوداً ,مع أنّ العديد من أكابر السلف قد رصعوا كثيراً من مؤلفاتهم بالأخبار الضاحكة , والطرائف الممتعة ,والمُلح العَذبه , والنوادر الشيّقة .

وإذا كان النشاط الإنساني يتجدّد بالفكاهة والضحك , والإنسان يميلُ بطبعه إليهما لأنه لا يحتمل الجدّ المتواصل ,فلا يعني ذلك أن تتحول سيرته مُزاحاً خالصاً وهزلاً دائماً .

والترويح عن النفس من أعباء الحياة وهمومها لا يتناقض مع الحرص على المروءة والوقار,إذ لم ينجُ من هذه المواقف أكثر الفئات جدّية ووقاراً في المجتمع الإنساني بكافه أطيافه وانواعه.

وهذا الأدب هو الذي جمع لنا كافه الفنون الأدبيه المتنوعه من شعر وقصص وحكمة وموعظة ومثل ونكت في قالب أدبي رصين , فهو الأدب الذي ترتاح إليه النفس , ويتغذّى به العقل , وتسمو به العاطفه , ويهفو له الفؤاد , ويستقيم معه اللسان العربي .

إنه الأدب الذي صور لنا عصور تلك الأمم السالفه ,,بل وصور لنا أحوالهم ومواقفهم وبيئتهم , ورصد لنا ثقافه وحضاره وبيئه ولغة عصور أصحابها ,مع الإبقاء على نكهتها الأصيله , وملامحها اللغوية الحضاريه , في نهر ينبع من صميم العروبه والتراث والأصاله العريقة.نبدأ -بعد إذنكم - بأول هذه النوادر والروائع الأدبية المتنوعه :

لطائف الخلفاء والأمراء والأعيان 

والله ما قصدتُ غير ذلك!

ذكر المتنبي في مجلس أمير(الشريف الرضي) بمحضر المعري ,وجماعته ,فأخذ الأمير يطعن على المتنبي , ويضعف شعره , ويذكر مقابحه , وكان المعري حاملاً على الأمير لقلة إحسانه إليه ,فحمله ذلك على أن خالفه , وأثنى على المتنبي,وقال : هو أشعر الشعراء وأحسنهم شعراً , ولو لم يكن له إلاّ قصيدته التي أولها :

لكِ يا منازلُ في القلوب منازلُ

فأمر به الأمير أن يضرب بالسياط , فضرب وأخرج ,فعظم ذلك على من حضر المجلس , وقالوا للأمير : رجل كبير من أهل العلم تضربه لما يقول عن المتنبي أشعر الشعراء ,ماذلك بصواب! فقال : ليس كما قلتم , وأنما ضربته على تعريضه بي! قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : لأنه لم يفضله بقصيدة من عالي شعره , وإنما فضّله بتلك القصيدة ,مع إنها ليست من عالي شعرة ,لأنة يقول فيها بعد أبيات :

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ٍ ...فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ 

فاستحسن من حضر فهمه , وحدة ذهنه , وعذره فيما فعل .
وسئل المعري بعد ذلك , فقال : نعم والله , ما قصدت غير ذلك.

**

الكلمة بمثلها 

قيل إن شريك الأعور دخل على معاوية , وكان رجلاً دميماً ,فقال له معاوية : إنك لدميم والجميل خير من الدميم , وإنك لشريك وما لله من شريك , وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور ,فكيف سُدتَ قومك ؟ فقال له: إنك لمعاويه , ما معاوية إلاّ كلبةٌ عوت فاستعوت الكلاب , وإنك ابن صخر والسهل خير من الصخر , وإنك لابن حربٍ والسلم خيرٌ من الحرب , وإنك لابن أميَّة وما أُميّة إلاّ أَمة فصغرت ,فكيف أصبحت أمير المؤمنين ؟ ثمّ خرج من عندة وهو يقول :

أيشتمني معاويةُ بن حرب ٍ ...وسيفي صارمٌ ومعي لساني؟
وحولي من بني قومي ليوث ...ضراغمةٌ تهشُّ إلى الطعان ِ 
يُعيــرُ بالـدمامة من سفاهٍ ... وربات الخُدور من الغواني.

**

من قم !

أطال رجل اللبث في مجلس الصاحب بن عباد ولم يقتد في القيام بغيره فقال له : من أين أنت ؟ فقال من قم , فقال : إذن فقمْ .

**
لحنٌ مُستملح 

قصد رجل الحجاج بن يوسف فأنشدة :

أبا هشام ٍ ببـابك ...قـد شمَّ ريح كبابكْ 

فقال ويحك ! لمَ نصبت : أبا هشام ؟
فقال الكنية كنيتي ,إن شئت رفعتها , وإن شئتُ نصبتها!

**

أحسنت!

قيل : إن المتوكل رمى عصفوراً فلم يُصبه وطار, فقال له ابن حمدان :أحسنت. 
فقال المتوكل : كيف أحسنت ! قال :أحسنت إلى العصفور!.هشام و أبو النجم 

أرق هشام ليلة فقال لحاجبه :ابغي رجلاً عربياً فصيحاً يُحادثني ويُنشدني ,فطلب له ما طلب ,فوقف على (أبي النجم ) ,فأتى .فلما دخل به إليه قال : فمن كان أبا مثواك ؟قال :رجلين :كلبياً وتغلبياً , أتغدى عند أحدهما وأتعشى عن الأخر.فقال ما لك من الولد ؟ قال :ثلاث بنات وبُنيّ ,فقال هل زوجت بناتك ؟قال :نعم ,زوجت اثنتين واحدة تجمز (تسرع) ,في بيوتنا كأنها نعامه ,قال :فما وصيت به الأولى ؟وكانت تسمى بره ,قال :

أوصيتُ من برة َ قلباً حُراً ... بالكلب خيراً والحماة شرّا
لا تسأمي ضرباً لها وجراً ... حتى يروا حُلوَ الحياة مُراً
وإن كستك ذهبــاً ودراً.... والحــيَّ عُميهم بشر طــرّا

فضحك هشام وقال :فما قلت للأخرى ؟قال :قلت :

سُبي الحماة وابهتي عليها ... وإن رنتْ فازْدلفي إليها
وأوجعي بالفهر ركبتيها ... ومرفقيها واضربي جنبيها
لا تخبري الدهر بذاك ابنيها

فضحك هشام حتى بدت نواجدهُ ثمّ قال :ما قلت في الثالثه وفي تأخير تزويجها ؟قال : قلت :

كــأن ظلامة أخت شيــبانْ ... يتــيمةٌ ووالــداها حيَّــان 
الجيدُ منها عـطلٌ والآذان...وليس في الرجلين إلاخيطان
فهي التي يذعر منها الشيطان

فقال هشام لحاجبه :ما فعلت بالدنانير المختومة التي أمرتك بقبضها ؟ قال هاهي عندي ووزنها خمسمائة , قال: فادفعها إلى أبي النجم ليجعلها في رجلي ظلامة مكان الخيطان.

**

آنسته بخاتمي 

قيل إن أبا العباس السفاح كان يوماً مشرفاً على صحن داره ينظرها ومعة امرأته أم سلمة ,فعبثت بخاتمها فسقط من يدها إلى الدار ,فألقى السفاح خاتمة .فقالت :يا أمير المؤمنين ,ما أردت بهذا ؟قال: خشيت أن يستوحش خاتمك فآنستهُ بخاتمي غيرةً عليه لا نفراده.

**

اسمه "لا أدري"

نظر المأمون إلى غلام حسن الوجه في أحد المواكب فقال له :ياغلام ما اسمك ؟قال : لا أدري .قال :أو يكون أحدٌ لا يعرف اسمه؟ فقال :يا أمير المؤمنين ,اسمي الذي أعرف (لا أدري) ,فقال المأمون :
وسميت "لا أدري" لأنك لا تدري
بما فعل الحب المبرح في صدري.

**

غلام يغلب ابن شعبة !

قال المغيرة بن شعبة :ما غلبني أحدٌ قط إلا غلام من بني الحارث بن كعب وذلك أني خطبتُ امرأة من بني الحارث , وعندي شاب منهم , فاصغى إلى ,فقال أيها الأمير رأيت رجلاً يقبلها .قال فبرئت منها .فبلغني أن الفتى تزوجها .فأرسلت إليه فقلت: ألم تخبرني أنك رأيت رجلاً يقبلها ؟قال نعم : رأيت أباها يقبلها !

**
أعجبه جماله :

وقيل أن سليمان بن عبد الملك خرج من الحمام يريد الصلاة ونظر في المرآة فأعجبة جماله , وكان حسن الوجه ,فقال أنا الخليفه الشاب ,فلقيته إحدى جواريه ,فقال :كيف ترينني ؟فتمثلت :
ليس فيما بدا لنا فيكَ عيبٌ ...عابهُ النـاسُ غـير أنك فان ِ
أنت نعم المتـاع لو كنت تبقى ...غير أن لا بقاء للإنسان
ورجع فحمَّ (أصابه الحمى ), فما بات تلك الليلة إلا ميتاً.
طرائف القضاة والفقهاء والعلماء

القضاة هم أكثر الناس جداً ورصانة , ومع ذلك لم يتحرج هؤلاء الصفوة من المسلمين من طرفة تأتي عفو الخاطر أو ملحةٍ يستدعيها الموقف أو مزحة يفرج بها أحدهم عمّا في نفسه.
فكان من طرائفهم :

ذاك مثل هذا!

قال رجل لإياس بن معاويه (قاضي البصرة وكان مشهوراً بالذكاء والفطنه) : لو أكلتُ التمرَ تضربني ؟ قال :لا .قال لو شربت قدراً من الماء تضربني ؟قال :لا .قال :شراب النبيذ أخلاط منها ,فكيف يكون حراماً ؟قال إياس : لو رميتك بالتراب أيوجع ؟قال :لا .قال :لو صببت عليك قدراً من الماء ,أينكسر عضو منك؟ قال: لا .قال :لو وضعت من الماء والتراب طُوباً فجف في الشمس فضربت به رأسك ,كيف يكون ؟ قال :ينكسر الرأس .قال :إياس :ذاك مثل هذا !.

**

لا ادري !

سئل الشعبي عن مسألة ,فقال : لا أدري .فقيل له :إلا تستحي من قولك هذا لا أدري وأنت فقيه العراقين ؟ 
فقال :إن الملائكة لم تستحي إذ قالت : (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ).

**
بين شاعر وفقيه ..

حكى بعض من كان يحضر مجلس محمد بن داود الظاهري (فقيهاً وعالماً وشاعراً ) , أن رجلاً دخل عليه ورفع إليه رقعة,فأخذها وتأمل فيها طويلاً .فظن من في المجلس أنها مسألة في الفقه يسأل الفتوى فيها, فقلبها وكتب على ظهرها وردها إلى صاحبها , ونظر في المجلس فإذا الرجل علي بن العباس بن جريح الرومي , وإذا قد كتب بالرقعة :

يـابن داود يـافقيه العــراق ...أفتــنا في قواتــل الأحــداق
هل عليهن في الجروح قصاص...أم مباح لها دم العشاق

وإذا بأبي بكر قد كتب له على ظهر الرقعة :

كيف يفتيكم قتيل صريع.... بسهام الفراق والاشتياق
وقتيل التلاق أحسن حالاً....عند داود من قتيل الفراق.


**
المسح على اللحية

سأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية فقال :خلّلها .قال الرجل أتخوف أن لا نبلّها .فقال الشعبي إن تخوفت فانقعها من أول الليل!.

**
يصلي التروايح !

قيل لابن سرين (إمام زمانه في علوم الدين بالبصرة) : من أكل سبع رطبات على الريق سبحت في بطنه ! فقال : إن كان هذا فينبغي للوزينج (نوع من الحلوى فارسيه ) , إذا أكل أن يصلي التروايح !


***

نودار البخلاء والثقلاء والطفيليين

درهم البخيل..

كان بعض البخلاء إذا وقع الدرهم في كفه قال مخاطباً له : أنت عقلي وديني وصلاتي وصيامي , وجامع شملي , وقرَّة عيني , وقوتي وعِمادي وعُدتي ,ثمّ يقول :يا حبيب قلبي وثمرة فؤادي ,قد صرت إلى من يصونك , ويعرف حقك , ويُعِّظم قدرك , ويشفق عليك , وكيف لايكون كذلك وبكَ تُجلب المسار, وتُدفع المضار , وتعظم الأقدار , وتعمر الديار , وتزوج البنات , ترفع الذكر وتعلي القدر ,ثمّ يطرحه في الكيس وينشد:

بنفسي محجوبٌ عن العين شَخصهُ 
وليس بخالٍ من لساني ولا قلبـي
ومِن ذِكْره حظّي من الناس كلّهم
وأولُ حظي منهُ في البُعد والُقربِ

**

بخل أهل الكوفة

قال بعضهم : بت عند رجلٍ من أهل الكوفه المُوسرين , وله صبيان نيام ,فرأيته في الليل يقومُ فيقلبهم من جنب ٍ إلى جنبٍ.
فلما أصبحنا سألته عن ذلك .فقال : هؤلاء الصبيان يأكلون وينامون على اليسار , فيمريهم (يسهل الهضم ) ,الطعام , ويصبحون جياعاً ,فأنا أقلبهم من اليسار إلى اليمين لئلا ينهضم ما أكلوه سريعاً !

**

دعاه وأخر الطعام ..

ومن طرف نوادر أبي عبدالله بن الحجاج في رجل ٍ دعاه وأخّرالطعام إلى المساء فقال :

يـا ذاهباً في دارهِ جــائــياً...بغير معــنىً وبـلا فــائــده
قد جُنَّ أضيافك من جوعهم...فاقرأ عليهم سورة المائدة

**

يقولون ما لا يفعلون !

كان ابن هرمة (شاعر غزل من أهل المدينة ) , من أبخل الناس على ادَّعائه الكرم في شعره .فأتاه يوماً جماعة فقال :ما جاء بكم ؟فقالوا : شعرك حيث تقول :

اغشى الطريق بقبتي ورُواقها... وأحلُّ في قبب الربى وأقيم
إني امرؤ جعل الطريق لبيته ... طنــباً وأنــكر حــقَّه للئــيم

فنظر إلينا وقال : ماعلى الأرض عُصبة أسخف منكم عقولاً !
أما سمعتم قول الله سبحانه وتعالى : ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) في الشعراء؟
والله إني لأقولُ ما لا أفعل . وأنتم تريدون أن أفعل ما أقول , والله لا عصيت ربّي في رضاكم.

**
أيش تصنع ؟

قال بعضهم :دخلت الكوفة فرأيت صبياً قائماً عند شق حائط ومعه خبر وهو يكسر اللقمة ويتركها في شقَّ الحائط ويأكلها ,فبينما أنا أنظر إليه إذا أقبل أبوه فرأى ما يفعل فقال:إيش تصنع ؟ قال :يا أبتِ هؤلاء قد طبخوا سكباجة (مرق يعمل مع اللحم والخل) , ويأتي النسيم بريحها فآكل خبزي , فلطمه أبوه وقال : تتصور من صغرك أن لا تأكل خبراً إلا بإدام !

أعرني ذلك اللحم !

قال بعض الأكياس : دعاني أحد الناس إلى منزله فقدم لي دجاجة ,فشربت من المرقة وجهدتُ أن أكل من اللحم فما قدرتُ لصلابته , وبتُ عنده فأعاده من الغد إلى القدر , وطرح عليه سكراً ,فعاد كالقديد ,فقدمه , وشربت من المرق , وجهدتُ أن آكل من اللحم فما قدرت لشدَّته , فبت عنده الليله الثانيه ,فلّما كان من الغد قال لغلامه :اطرح عن اللحم من المرق ليصير قليَّة (أي مقلي) , ففعل , ثمّ قدمه إليّ فشربت من المرق , وجهدت أن آكل من اللحم فما أقدر لقوته , فأخدت قطعة من اللحم ووضعتها إلى جهة القبلة لأصلي إليها , فقال :ماهذا الذي تصنع ؟ قلت :أشهد أنه لحم وليٍّ من أولياء الله تعالى ,فأنه قد أدخل إلى النار ثلاث دفعات فلم تفعل فيه شيئاً .
فلما أردت الانصراف إذ ببعض جيرانه يدق الباب ,فقال له : أعرني ذلك اللحم لضيف وافاني من الغد لأطبخه له وأرده إليك إن شاء الله تعالى ,فناوله إيّاه !

**

لم لا آخد الماء!

كان بالكوفه رجل يقال له مُصلح ,فبلغه أن بالبصرة رجلاً من المصلحين مقدماً في شأنه ,فسار الكوفي إلى البصرة فلّما قدم عليه قال له من أنت ؟قال أنا مصلح جئتك من الكوفة لمّا بلغني خبرك.فرحب به وأدخله موضعه , وخرج يشتري له ما يأكل .فأتى جبَّاناً فقال له :أعندك جبن ٌ؟ قال عندي جبن كأنه سمن ٌ ! فقال في نفسه :لم لا أشتري سمناً حين هو يضرب به المثل ؟فذهب إلى من يبيع السمن وقال له: أعندك سمن ؟فقال : عندي سمن كأنه زيت ! فقال في نفسه :لم لا اشتري زيتاً حين هو يضرب المثل ؟ فذهب إلى زيات وقال :أعندك زيت ؟ قال :عندي زيت صاف كأنه الماء ! فقال في نفسه ,لم لا أشتري ماء حيث يضرب به المثل ؟! 
فرجع إلى بيته , وأخد صحفه وملأها ماء , وقدمها للضيف مع كسرات يابسه من الخبز , وعرّفه كيف جرى له ,فقال الكوفي :أنا اشهد أنك بالإصلاح أحق من أهل الكوفه!!

**
يحفظ آية وبيتاً !

سئل بنان الطفيلي :أتحفظ من كتاب الله شيئاً ؟
قال :نعم ,آيه واحدة.
قيل له ما هي ؟
قال : (قال لفتاهُ آتنا غداءنا ).
فقيل له :أتحفظ من الشعر بيتاً ؟
قال :نعم بيتاً واحداً.
قيل له ماهو :
قال:
نزوركم لا نُكافيكم بجفوتكم .... إنَّ المحبّ إذا لم يزر زارا

**
من أخبار الطفيليين ..

نظر رجل من الطفيليين إلى قومٍ من الزنادقه يُسار بهم إلى القتل ,فرأى لهم هيئة حسنة وثياباً نفيسة ,فظنهم يدعون إلى وليمة , فتلطف حتى دخل في لفيفهم وصار واحداً منهم .فلما بلغ صاحب الشرطة قال :"اصلحك الله ,لست منهم , وإنما أنا طفيلي ظننتم يدعون إلى صنيع فدخلت في جملتهم ! فقال :ليس هذا مما ينجيك مني, اضربوا عنقه ! فقال : أصلحك الله ,إن كان ولا بد فاعلاً ,فأمر السيّاف أن يضربوا بطني بالسيف ,فأنه هو الذي ورطني هذه الورطه ! فضحك صاحب الشرطة , وكشف عنه ,فأخبروه أنه طفيلي معروف ,فخلى سبيله.

**
بين ثقيلين !

قيل للشافعي :هل يمرض الروح ؟ 
قال نعم , من ظلّ الثقلاء!
فمرَّ به أحدهم وهو بين ثقيلين ,فقال : كيف الروح ؟
قال : في النزع !

***
طرائف ونوادر النحاة والأمثال

نحويّ و صاحب بطيخ

قال : نحويٌّ لصاحب بطيخ : بكم تانِك البِطّيختان اللتان بجنبهما السفرجلّتان , ودونهما الرمّانتان ؟
فقال البائع : بضربتنان وصفعتنان ولَكْمَتان (فبأيَّ آلاء ربكما تُكذبان ).

**

نحويٌّ مريضٌ وأحد عوّاده

عاد بعضهم نحوياً فقال : ما الذي تشكوه ؟ 
قال: حُمَّى جاسية , نارها حامية , منها الأعضاء واهيةٌ والعظام باليةٌ .
فقال له : لا شفاك الله بعافية , يا ليتها كانت القاضية !.

**

في سوق النخّاسين

حكى ابن الجوزي قال :

دخل أحدهم سوق النخّاسين (السوق التي تباع فيها الدواب ) , فقعد إلى نخاس ٍ فقال : يا نخّاس , أطلب لي حماراً ,لا بالصغير ولا بالكبير المُشْتهر , إن أقللتُ علفهُ صبرَ , وإن أكثرتُ علفه شكر , لا يدخل تحت البواري (الحصير المعمول من القصب ) , ولا يزاحم السواري (الخيول الأصيلة ) , إذا خَلا في الطريق تدفّق , وإذا كثر الزحام تَرَفّق .
فقال له النخاس , بعد أن نظر إليه ساعة ً , دعني , إذا مسخَ الله القاضي حماراً اشتريته لك !

**

وهل فهمت منك شيئاً ؟

كان رجل اسمه أبو علقمة من المتقعِّرين في اللغة واستعمال حوشي الكلام وغريب اللفظ , فقد دخل عليه طبيب فقال :

إني أكلتُ من لحوم هذه الجوازل (فرخ الحمام ) , فطسئت طاسأةً (تخمت ) , فأصابني وجعٌ بين الوابلة (طرف العضد بالكتف ) , إلى دأية (فقرات ) العنق , فلم يزل يربو وينمى , حتى خالط الخلب (حجاب الكبد ) , فألمت له الشراسفُ , فهل عندك دواء ؟
فقال الطبيب : خذ خربقاً وشلقفاً وشبرقاً , فزهزقهُ وزقزقه واغسله بماء روثٍ واشربه بماء الماء.

فقال أبو علقمة : أعد عليَّ ويحك , فإنّي لم أفهم منك ! 
فقال له الطبيب : لعن الله أقلنا إفهاماً لصاحبه , وهل فهمتُ منك شيئاً مما قلت ؟ !

**

إني أرى شيئاً أحمر!

كان هناك شيخ يتعاطى النحو و كان له ابن فقال لابنه : إذا أردت أن تتكلم بشيء فاعرضه على عقلك , وفكّر فيه بجهدك , حتى تقوَّمه ثم أخرج الكلمة مقَّومة .
فبينما هما جالسان في بعض الأيّام في الشتاء , والنار تتقد , وقعت شرارة في جُبَّة خَزٍّ كانت على الأب وهو غافل والابن يراه , فسكت ساعة يفّكر ثم قال : يا أبتِ , أريد أن أقول شيئاً فتأذن لي فيه ؟ 
قال أبوه :إن حقاً فتكلّم , قال أراه حقاً , فقال : قل . 
قال : إنِّي أرى شيئاً أحمر , قال ما هو ؟ 
قال:شرارة وقعت في جبّتك .فنظر الأب إلى جُبّته وقد أحترق منها قطعة , فقال للا بن : لمَ لمْ تُعلمني سريعاً ؟
قال : فكرتُ فيه كما أمرتني , ثم قوَّمت الكلام وتكلّمت فيه.
فحلف أبوه بالطلاق أن لا يتكلم بالنحو أبداً .

**

يا ستي

وعلى ذكر " الست " , و إطلاقها على السيّدة ,فأن بهاء الدين زهير الشاعر , كان يميل إلى إحدى السيدات ويناديها " يا ستي " فأنكر عليه هذه التسمية العاميّة بعضُ رجال اللغة , فقال :

بروحي مَن أُسميها بستي .... فتنظرني النُّحاة بعين مَقتِ 
يَرونَ بأنني قد قلتُ لَحناً.... وكيف وإنني لزهير وقتـي 
ولكن غادةٌ ملكتْ جهاتي .... فلا لحنٌ إذا ما قلتُ "ستي"

***نحويُّ و سائل 

قيل : إنّ بعض الفقراء وقف على باب نحويّ فقرعه ,
فقال النحوي: من بالباب ؟ 
فقال : سائل .
فقال : ينصرف .
فقال: اسمي أحمد !
فقال النحوي لغلامه : أعط سيبويه كَسْرَة .

**

إياك أعني وأسمعي يا جارة 

أوَّل من قال ذلك سهل بن مالك الفزازي , وذلك أنه خرج يريد النعمان ,فمرَّ ببعض أحياء طيء ,فسأل عن سيد الحيّ ,فقيل له : حارثه لأم , فأمَّ رحلهُ فلم يصبه شاهداً ,فقالت له أحد النساء : أنزل في الرَّحب والسعة ,فنزل فأكرمته ولا طفته ,ثم خرجت من خبائها ,فرأى أجمل أهل دهرها وأكملهم , وكانت عقيلة قومها وسيّدة نسائها , فوقع في نفسه منها شيء ,فجعل لا يدري كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك .
فجلس بفناء الخباء يوماً وهي تسمع كلامه ,فجعل ينشد ويقول :

يا أختَ خير البدو والحَضاره .... كيف تَرين في فتى فزارة ؟
أصبح يَهوى حُرَّةً مِعطارهْ .... إياك أعني واسمعي يا جَارة ؟

فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني فقالت : ما ذا بقول ذي عقلٍ أريب , ولا رأي مُصيب , ولا أنف نجيب , فأقم ما أقمت مكرماً , ثمّ ارتحل متى شئت مُسلَّماً .

فاستحا الفتى وقال : ما أردت مُنكراً , واسوأتاه ,
ثم قالت : صدقت , فكأنها استحيت من تسرعها إلى تهمته .فارتحل فأتى النعمان فحيّاه , وأكرمه .فلما رججع نزل على أخيها .فبينما هو مقيمٌ عندهم تطلعت إليه نفسها , وكان جميلاً , فأرسلت إليه أن اخطبني إن كان لك إليَّ حاجة يوماً من الدهر , فإني سريعةٌ إلى ما تريد .فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه .

**

مُجير أمّ عامر 

قيل : إنّ قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار , فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم أمُّ عامر , وهي الضَّبع , فطردوها فأتعبتهم حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فاقتحمته , فخرج إليهم الأعرابي فقال : ما شأنكم ؟ فقالوا : صيدنا وطريدتنا .فقال :كلاَّ , والذي نفسي بيده , لا تصلون إليها ما ثبت قائمُ إليها ذلك , وقرب إليها ماء , فأقبلت تشرب منه , حتى عاشت واستراحت .فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وأكلت حشوته وتركته .فجاء ابن عمَّ له فوجده على تلك الصورة ,فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال : صاحبتي والله , وأخذ سيفه وكنانته , وأتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها , وأنشأ يقول : 

ومن يصنع المعروف مع غير أهله 
يـلاقي الذي لاقى مُجيرُ أمَّ عامــر 
أدام لها حين استجارت بقربــه 
قراها من ألبان اللقاح الغــرائر
وأشبعــها حتى إذا مــا تمــلأت 
فـــرتهُ بــأنيــاب لهـا وأظـافــر
قُل لذوي المعروف هذا جزاءمن 
غدا يصنعُ المعروف مع غير شاكر 



........
أخبار النساء و أحوالهُن

أخبار المرأة -على اختلافها- من أكثر الموضوعات إثارة وتشويقاً في حياة الرجل .وإذا كان الرجال يهتمون ويتشوقون لسماع أخبارالنساء , فإن المرأة ذاتها لا تقلّ رغبة عن الرجل في تتبع حكايات بنات جنسها , وبخاصّة إذا كانت هذه الأحاديث ذات صلةٍ بالرجل.
لذا سيكون موضوعنا هو بستنان أخبارهن , على ما في البستنان -عادة- من أزهارٍ وأثمار ٍ ..وأشواك !.

شاعر و شاعرة ..

مرِّ شاعر بنسوةٍ فأعجبه شأنهن ,فقال :

إن النساء شياطين خُلقن لنا.... نَعُوذ بالله من شرِّ الشياطين ِ

فإن لسان المرأة لا يقل كيداً ودهاءً حين أجابته واحدة منهن فقالت :

إن النساء رياحين خُلقن لكم .... وكلكم يشتهي شمَّ الرياحين .

**

حُبك لا أراه تجاوز المعدة ..

عشق رجل امرأة موسرة , فكان يزورها وتطعمه ُ من أطيب الطعام ,,فكان دائم الزيارة لها لذلك , فلما أكثر إليها ,قالت له :
رأيتُ العشق يكون في القلب ويفيض إلى الكبد ,ثم يستبطن الأحشاء , وحبُّك لا أراه تجاوز المعدة .



كلُّ فتاةٍ بأبيها مُعجبة..


أول من قالت ذلك ,العجفاء بنت علقمة السعدي , وذلك أنها وثلاث نسوة من قومها خرجن فاتعدنَ بروضة يتحدثن فيها , فوافينَ بها ليلاً في قمر زاهر , وليلة طلقة ساكنة , وروضة مُعشبة خصبة ,فلما جلسن قلن : مارأينا كالليلة ليلة , ولا كهذه الروضة روضة ,أطيب ريحاً ولا أنضر , ثم أفضن في الحديث , فقلن : أي النساء أفضل ؟ قالت إحداهن : الخرود (المرأة الحيية الطويلة ) , الودود الولود , وقالت الأخرى : خيرهن ذات الغناء , وطيب الثناء , وشدة الحياء , وقالت الثالثة : خيرهن السموع النقوع , غير الممنوع , وقالت الرابعة : خيرهن الجامعة لأهلها , الوادعة الرافعة , لا الواضعة .قلن :فأي الرجال أفضل ؟ 
قالت إحداهن : خيرهم السيد الكريم ذو الحسب العميم , والمجد القديم , وقالت أخرى : خيرهن السخي الوفي الذي لا يغير الحَّرة ولا يتخذ الضَّرة , وقالت أخرى : وأبيكنّ إن في أبي لنعتكنَّ : كرم الأخلاق , والصدق عند التلاق , والفلج عند السباق , ويحمده أهل الوفاق , فقالت العجفاء عند ذلك : كلُّ فتاةٍ بأبيها مُعْجبة.


يرغبن بالزواج ..

قيل : إن أمراة عجوز مرضت, فأتاها ابنها طبيب , فرآها الطبيب متزينة مصبوغة ,فعرف ما بها ,فقال الطبيب : ما أحوجها إلى زوج ,,, فقال الابن : وما حاجة العجائز للأزواج ؟فقالت الأم العجوز : ويحك ,,الطبيب أعلم منك على كل حال.



امرأة تربي ذئباً


رُوي الأصمعي أنه قال دخلت البادية فإذا عجوز بين يديها شاة مقتولة وجرو ذئب مقع , فنظرت إليها , فقالت أتدري ما هذا ؟
قلت : لا . قلت جرو أخذناه وأدخلناه بيتنا , فلما كبر قتل شاتنا وقد قلت في ذلك شعراً.فقلت لها ما هو ؟

فأنشدته :

بَقرت شُويهتي وفجعت بها.... وأنــت لشاتنا ولدٌ ربيبُ 
غُديت بدرها وريبت فينا .... فمن أنباك أن أباك ذيبُ ؟
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ .... فليس بــنافع فيها الأديب

****
زوج من عود خيرٌ من قعود

كان لذي الإصبع (شاعرحكيم جاهلي , لقب بذي الإصبع لأن حيّة نهشت إصبع رجله ) , بنات أربع , فعرض عليهن الزواج ,فأبين وقلن : خدمتك وقربك أحبُّ إلينا .ثم أشرف عليهم يوماً من حيثُ لا يرينه , فقلن : لتقل كل واحدة منَّا ما في نفسها , فقالت الكبرى :

عليمٌ بــأدواء النســاء وأصـلـهُ
إذا ما انتمى من أهل سرّي ومحتدي.

فقالت الثانية :
إلا ليت زوجي من أناس أولي غَنىً
حديثُ شباب طيبُ الثوب و العـطرِ

فقالت الثالثة : 
له حكمات الدهر من غير كبرةٍ 
تشين فلا وان ٍ ولا ضرع غُمر

وقلن للرابعة : قولي .فقالت لا أقول .فقلن لها : علمت ما أنفسنا ولا تعليمنا ما في نفسك .فقالت : "زوجٌ من عودٍ خيرٌ من قُعودٍ " فعرف ابوهن ما في نفوسهن ,, وقام بتزويجهن حسب رغبتهن.

حمران وصدوف ..

كان حمران الجعدي من فصحاء العرب في الجاهلية , وإنه خصب امرأة اسمها "صدوف " , وكانت إمراة بليغة فصيحة , وكنت غنية , وكانت ترد كل الخطاب الذين تقدموا لها , وتقول : لا أتزوج إلا من يعلم ما أساله عنه ويجيبني بكلام على حده لا يعدوه , فلما انتهى إليها حُمران قام قائماً لا يجلس , فقالت : ما يمنعك عن الجلوس ؟ قال : حتى يؤذن لي , قالت : اجلس ,فجلس , قالت: ما أردت ؟ قال : حاجة ولم آتيك لحاجة , قالت : تسرها أم تعلنها ؟ قال : تسر وتعلن .قالت : فما حاجتك : قال : قضاؤها هين وأمرها بين , وأنت بها أخبر , وبنجحها أبصر , قالت : من أنت ؟ قال: أنا بشر , ولدت صغيراً , ونشأت كبيراً , ورأيت كثيراً .قالت ما اسمك ؟ قال: من شاء أحدث أسماً وقال ظلماً , ولم يكن الأسم عليه حتماً .قالت : فمن أبوك ؟ قال : والدي الذي ولدني , ووالده جدي ,فم يعش بعدي .قالت فما مالك ؟ قال : بعضه ورثته , واكثره اكتسبته .قالت : أين تنزل : قال : على بساط واسع , في بلد شاسع , قالت : فهل لديك امرأة ؟ قال : لو كانت لي لم أطلب غيرها ,ولم أضيع خيرها ,قالت :كأنك ليست لك حاجة , قال: لو لم تكن لي حاجه لم أنخ ببابك ,ولم اتعرض لجوابك , واتعلق بأسبابك ,قالت : إنك لحمران الجعدي ؟ قال : إن ذلك ليقال .فأعجبت به وبفصاحته وقبلت به وتزوجا .


وفاء امرأة

قيل : خرج سليمان بن عبد الملك ومعه يزيد بن المهلب , في بعض جبابين (مقابر) الشام , فإذا امرأة جالسة على قبر تبكي .قال سليمان : فرفعت البرقع عن وجهها فحكت شمساً عن متون غمام , فوقفا متحيرين ننظر إليها .فقال لها يزيد : يا أمة الله , هل لك في أمير المؤمنين بعلاً , فنظرت إلينا ثم أنشأت تقول :

فإن تسألاني عن هواي فإنهُ .... يُـجول بهــذا القبر يــا فتيان ِ
وإني لأستحييه والترب ببننا ... كما كنت أستحييه وهو يراني

**

ناكرات الجميل ..

قيل : إن المعتمد بن عباد, ملك إشبيليه تزوج امرأة يقال لها : الرميكية , وحدث أن رأت النساء يوماً يمشين على الطين , فاشتهت المشي فيه , فأمر بأن تسحق الطيوب وتذر في ساحة القصر , ثم نصبت آله لغربلة الحبوب , وصب فيها ماء الورد على الطيوب , وعجنت بالأيدي حتى صارت كا الطين , وخاضته مع جواريها , وكان يوماً مشهوداً ,,, وغاضبها المعتمد يوماً , فأقسمت أنها لم تر منه خيراً قطّ ,,, ..فقال لها : ولا يوم الطين ؟ ...فاستحيت واعتذرت .

بين الضرائر !

كان لاعرابي امرأتان , فولدت إحداهما جارية , والأخرى غلاماً , فرقصتهُ يوماً وقالت -معايرة - ضرتها :

الحـــمدُ لــلَّه العـــالـــــي .... أنقدني العــام من الجـــوالي 
من كلّ شـــوهاء كشن ٍ بال .... لا تدفع الضيمَ عن العيال

فسمعتها ضرتها فأقبلت ترقص ابنتها وتقول :

وما عليّ أن تكون جارية ... تغسلُ رأسي وتكون الفالية 
وترفع الساقط من خماريه ... حتــى إذا بــــلغت ثمــانيـه 
أزرتها بنفيـــسةٍ يمـــانيــه ... أنكـحتها مروان أو معاويــهْ 
أصهار صدق ٍ ومُهورٍ غاليهْ

فسمعها مروان فتزوجها على مائة ألف مثقال وقال : إن أمها جديرةُ أن لا يُكذب ظنها ولا يخان عهدها .فقال معاويه : لولا مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر , ولكن لا تحرم الصله , فبعث إليها بمائة ألف درهم .

****

هذه كانت أخبار النساء عامة , وأحوالهن مع الرجال , والموضوع القادم سيكون عن , أخبار الرجال مع النساء .
فانتظرونا مشكورين .

دمتم بخير وتحية لكل من يمر من هنا ...
أخبار الرجال مع النساء

حب المرأة للمال

قد عبّر ابن العربي عن ذلك حين سئل عن حاله مع أهله ,فقال :

إذا رأت أهلُ بيتي الكيس ممتلئاً ... تبسمت ودنت مني تمازحني 
وإن رأتــهُ خلـياً من دراهمــه ... تجهمت وانثنت عني تقابحنـي

**

إن كيدهن عظيم !

قال بعض العلماء : إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان , لأنه سبحانه وتعالى يقول : ( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) , وقال في النساء : ( إن كيدهن عظيم ) .

**

كلام مظلوم ووجه ظالم !

روي أن رجلاً وامرأته اختصما إلى أمير من الأمراء , وكانت المرأة حسنة المنتقب (النقاب) ,قبيحة المسفر (إذا رفعت النقاب) , وكان لها لسان (أي طلقه في الكلام ) , فكأن الأمير مال معها , فقال : يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها ثم يسيء إليها ! فأهوى زوجها فألقى النقاب عن وجهها .فقال الأمير: كلام مظلوم ووجه ظالم !.

**

ذكرني فوك حماري أهلي !

قيل : إن رجلاً خرج يطلب حمارين ضلا له , فرأى امرأة متنقبة فأعجبته ,حتى نسى الحمارين , فلم يزل يطلب إليها حتى سفرت (رفعت النقاب ) , فإذا هي فوهاء (واسعة الفم) , فحين رأى أسنانها ذكر الحمارين فقال : ذكرني فوك حماري أهلي , ثم أنشأ يقول :

ليت النقاب على النساء مُحرمٌ ... كــيلا تَـغــرَّ قبيــحةٌ إنسانــا

**

في قبيحة

استمع إلى هذا الرجل ماذا يقول في زوجة قبيحة ابتلي بها , وهاهو يصفها :

هي الغول والشيطانُ لاغولُ غيرها 
ومن يصحب الشيطان والغول يكمدُ
تعـوذُ منــها الجــنُّ حـــين يرونهــا
ويـفرق منــها كـــل أفعـى وأســودُ 
فأنــي لشـاكيــها إلى كـــل مســلمٌ 
وأدعو عليها الله فـي كــل مسجـدِ

**
زوج الاثنتين

قيل لأعرابي من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش , فتروج امرأتين ثم ندم .فأنشأ يقول :

تزوجت اثنتين لفرط جهلي ... بمــا يشقى بــه زوج اثنتـين 
فقلتُ أصــير بينهـــما خــروفاً ... أنــعمُ بــين أكــرم نعجــتين
فصرتُ كنعجة ٍ تُضحي وتُمسي ... تــداول بيــن أخبث ذئبتين 
رضا هذي يهيج سُخط هذي ... فماأعرى من احدى السخطتين
وألقى فــي المعيــشة كل ضُرٍ ... كـذاك الضــر بــين الضرتين 
لـهذي ليلــة ولــتلــك أخـرى ... عــــتاب دائــم فــي اللــيلتــين

***

العودُ أحمد

وأول من قال ذلك هو خداش بن حابس التميمي , وكان قد خطب فتاة من بني ذهل , يقال لها الرباب , وهام بها زماناً , ثم أقبل يخطبها , وكان أبوها يتمنعان لجمالها ومبسمها ,فردا خداشاً ,, فأضرب عنها زماناً , ثم أقبل ذات ليلة راكباً , فانتهى إلى محلتهم وهو يتغنى ويقول : 

ألا ليت شعري يـا رباب متى أرى 
لنــا مــنك نُجـحاً أو شفاء فأشــتفي

فعرفت الرباب منطقه , وجعلت تستمع إليه , وحفظت الشعر , وأرسلت إلى الركب الذين فيهم خداشاً : أن انزلوا بنا الليلة , فنزلوا , وبعثت إلى خداش : أن قد عرفت حاجتك , فاغد على أبي خاطباً , ورجعت إلى أمها , فقالت : يا أمي أنكحيني خداشاً , قالت : وما يدعوك إلى ذلك مع قلة ماله؟
قالت : إذا جمع المال السيء الفعال فقبحاً للمال , فأخبرت الأم أباها بذلك , فقال : ألم نكن قد صرفناه عنا , فما بدا له؟ 
فلما أصبحوا غدا عليهم خداشاً , فسلم وقال : العودُ أحمد , والمرء يرشد , والوردُ يحمد , فأرسلها مثلاً .

**

زواج الأصمعي 

قال الأصمعي مررت بالبادية على رأس بئر وإذا على رأسه جوار , وإذا بواحدة منهن كأنها البدر ,فقلت لها :

يــا أحسن الناس إنساناً وأملـحهم 
هل باشتكائي إليك الحب من باس ِ

قال فرفعت رأسها وقالت لي : إخسأ .فوقع في قلبي مثل جمر الغضا , فانصرفت عنها وأنا حزين , قال : ثم رجعت إلى البئر فإذا هي على رأس البئر , فقالت :

هلم نمح الذي كان قد كان أوله 
ونحدثُ الآن إقبالاً مــن الـرأس

فانطلقت معها إلى أبيها فتزوجتها .

**

جحا وامرأته الحولاء 

تزوج جحا امرأة حولاء ترى الشيء شيئين , فلما أراد الغداء أتى برغيفين , فرأتهما أربعة , ثم أتى بالإناء فوضعه امامهما , فقالت له : ما تصنع بإنائين وأربعة أرغفة ؟ يكفي إناء واحد ورغيفان , ففرح جحا وقال : يا لها من نعمة ! , وجلس يأكل معها , فرمته بالإناء بما فيه الطعام , وقالت : تأتي برجل غريب لينظر إلي ؟ فقال جحا : يا حبيبتي , أبصري كل شيء اثنين إلا زوجك !

**

تطلب من زوجها أن يشبب بها !

كانت لرجل من العرب امرأة رعناء ( حمقاء ) , فدخل عليها يوماً وهي مغضبة , فقالت :مالك لا تشبب بي كما يشبب الرجال بنسائهن ,فقال , إني أفعل , وأنشدها : 

تمــت عُبــيدة إلا فــي مـلاحــتهــا
والحسن منها بحيث الشمس والقمر
ماخالف الظبي منها حين تبصرها
إلا ســوالفــها والجــيـــد ُ والنــظرُ
قــل للذي عــابها من حاسدٍ حنــق ٍ
أقصر فرأس الـذي قـد عيب للحجر

***

خواطر الشعراء 

عقل العاقل 

قال عامر بن عبد قيس : إذا عَقَلكَ عَقْلُك عمّا لا يعنيكَ فأنت عاقل , ويقال : لا شرفَ إلاّ شرف العقل , ولا غنىً إلاّ غِنى النفس . وقال الشاعر : 

إذا لم يكنْ للمرءِ عقلٌ فإنهُ ... وإن كان ذا بيتٍ على الناس هينُ
ومَن كان ذا عقلٍ أَجلَّ لعقلهِ ... وأفضلُ عـقلٍ عقلُ مــن يتـــديَّنُ

**

العقل هو الفضل 

يقول الشاعر : 

إذا جُمــع الآفــات فالبــخلُ شــرُّها 
وشرٌّ مــن البخلِ المـواعيدُ والمطلُ
فإن كنــتَ ذا مالٍ ولم تــكُ عاقـلاً
فأنــتَ كـذي نعلٍ وليـس لـها رجلُ 
وإن كنت ذا عقلٍ ولم تــكُ ذا غنىً 
فأنتَ كذي رجلٍ وليس لــها نــعلُ
ألا إنمــا الإنســـانُ غِمــدٌ لنــفـسهِ
ولا خيرفي غمدٌ إذا لم يكنْ نصـلُ
فأن كـان لــلإنسان عقلٌ , فعــقلـهُ
هو الفضل والإنسان من بعده فضلُ 


**

صديقٌ جافٍ

قال الخوازمي في صديقٍ جافٍ : 

وما أصبحتَ إلا مثلَ ضرس ٍ .... تأكـلَ فــهو موجـــودٌ فقيـــدُ
فــفــي تـــركــي لــهُ داءٌ دويٌّ .... وفي قَلعي لــه ألــمٌ شـديــدُ

**

مات شبابي !

قال الإربلي الشاعر والأديب المشهورهذه الإبيات : 

سألتُ شيخاً عن صبغ لحيتهِ .... ولبـسـه لـلسواد فــي البــلــدِ 
فقال لــي والدموعُ جـــاريةٌ .... من مقلتيهِ تســـيلُ كــا المــددِ
ماتَ شبابي فقد حـزنتُ وقد .... ألبستُ شَعري السوادمع جسدي

**

يطلب المشيب !

وقال الشاعر ابن العلاف متبرماً بشبابه , بعد أن بلغ التسعين ولم تبيضّ له شعرة : 

إلامَ وفيمَ يظلمني شبابي .... ويلبسُ لمَّتي حُللَ الغُــرابِ
وآملُ شعرةً بيضاءَ تبدو .... بُدوَّ البدو من خللِ السحابِ
وأدعى الشيخَ مُمتلئاً شباباً .... كذا ظمـأ يُعلل بــــالسَّّرابِ
فيا هُلكي هنالك من مشيبي .... ويا خجلي هُنالك واكتئابي
ألا من يشتري منّــي شباباً .... بشيبٍ واسوداداً بـا شهباب 

**
الخَضْب غِشّ

قال ابن طباطبا الحسني الرسي , وهو أحد شعراء الغزل والزهد : 

قالتْ : أراك خَضبتَ الشيبَ , قلت لها : 
ســترتهُ عنكِ يــا سمـعي ويــا بصــري 
فــاستضحكتْ ثــمّ قــالــت من تعجبــها: 
تكــاثرَ الغِشُّ حتىّ صـــارَ فــي الشعرِ!

**

حديث بشّار مع امرأةٍ في الشيب 

قيل : إنَّ امرأةً قالت لبشار (بشار بن برد الشاعر العباسي المشهور ) : أيّ رجلٍ أنتَ لو كنت أسود اللحية والرأس ! 
فقال بشار : أما علمت أنّ بيض البُزاة (جمع باز وهو من الطيور الجوارح ) أثمن من سُود الغربان ؟ 
فقالت له : أمَّا قولكَ فحسنٌ في السمع , ومن لك بأن يحسن شيبكَ في العين كما حسنَ قولكَ في السمع! 
فكان بشّار يقول : ما أفحمني قطّ غير هذه المرأة .

**

الأقارب عقارب 

آخ الرجـال من الأبـا ....عدِ والأقارب لاتُقاربْ
إنَّ الأقارب كـالعــقا.... رب بل أضرُّ من العقاربْ 

**

حفظ اللسان 

قال أحدهم : 

إحفظ لســــانك أيها الإنسان .... لا يلـــدغنك إنـــهُ ثعبــــانُ 
كم في المقابر من قتيلِ لسانهِ .... كانت تهابُ لقاءهُ الشجعانُ

**

الأناقة 

قال أحدهم : 

تجملْ بالثيابِ تعشْ سعيداً ....لأنّ العـــينَ قـــبل الاختــيار 
فلو لبس الحمار ثياب خزّ ....لقالَ الناسُ يا لك من حمارِ!

**

الطعام واللباس 

كان يقال : كُل من الطعام ما اشتهيت , والبس من الثياب ما اشتهى الناس . نظمه الشاعر فقال : 

إنّ العيــونَ رمتك مُــذ فاجــأتـها
وعليك مـن شَهر اللبــاس لبــاسُ 
أمَّا الطعام فكلْ لنفسك ما اشتهيت 
واجعل لباسكَ مــا اشتـــهاهُ الناسُ

**

إن في الصمت حُكما 

قال أحدهم : 

أيهـــا المــــرءُ لا تقـــولـــنَّ قــــولاً 
لســـت تــدري مـــاذا يجيئك مـــنهُ
واخزن القولَ إنَّ في الصمت حُكما
وإذا أنـــــت قُــــلت قـــولاً فــزنـــهُ
وإذا النــــاس اكـثروا فــي حديـــثٍ
ليــــس مــمّا يزينــــهم فــــالهُ عنـهُ
===================================
محاسن كِتمان السرّ

قيل لأبي مُسلم الخرساني : بأي شيءٍ أدركتَ هذا الأمر ؟
قال: ارتديتُ بالكتمان , واتزرتُ بالحزم , وحالفت الصبر , وساعدتُ المقادير , فأدركتُ طلبي وحُزتُ بُغيتي , وأنشد في ذلك : 

أدركتُ بالحزم والكتمان ما عجزت 
عــنه ملوكُ بني مـروان إذ حشــدوا
ومن رعى غنــماً في أرض مسبعةٍ 
ونـــام عنــــها تَولى رعيـــها الأسدُ

أبو مسلم الخرساني : عبد الرحمن بن مسلم , مؤسس الدولة العباسية , وأحد كبار القادة .

**

يسرني أن تكون أمّي !

قرأ الفرزدق قصيدةً له على الكميت بن زيد حين كان الأخير صبياً , فرآه الفرزدق قد أعجب بها. فسأله الفرزدق : هل أعجبتك يابنيّ ؟
الكُميت : نعم ياعماه .
الفرزدق : هل يسرك أن أكون أباك ؟ 
الكُميت : أمّا أبي فلا أريد به بدلاً , ولكن يسرني أن تكون أمّي !
وكان الفرزدق يقول : ما مرّ به مثلها !

**

ما صنعتَ شيئاً !

ومن عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي : 

إقدامُ عمروٍ في سماحةِ حاتمٍ .... في حلم أَحنفَ في ذكاء إياسِ

فقال له الكندي : ما صنعت شيئاً, شبهت ابن أمير المؤمنين ووليّ عهد المسلمين بصعاليك العرب! ومن هؤلاء الذين ذكرت ؟ وما قدرهم ؟

فأطرق أبو تمام يسيراً وقال :

لا تنكروا ضَربي لهُ من دونهُ ...مثلاً شروداً في النَّدى والباس ِ
فاللهُ قــد ضـرب الأقلَّ لــنوره ... مثلاً من المشكاةِ والنبـراس ِ


* أحمد بن المعتصم : أبن الخليفة العباسي المعتصم بالله .
* الكندي : هو يعقوب بن إسحاق الكندي : فليسوف العرب في عصره .
* عمرو : هو عمرو بن ود العامري الذي أشتهر بشجاعته وإقدامه .
* حاتم : هو حاتم الطائي , الذي أشتهر بالكرم والجود .
* الأحنف : هو الأحنف بن قيس الذي أشتهر بعقله وحلمه .
* إياس : هو القاضي إياس بن معاوية الذي اشتهر بفطنته وذكائه .======================================================
آدم و حوّاء ..

قال أعرابي : 

من عاشَ في الدنيا بغير حبيب...فحــياتُه فيــها حيـــاةُ غريــبِ
ما تنظرُ العينان أحسنَ منظراً ...مِن طالبٍ إلفـــاً ومن مطلـوبِ
مـا كان في حُورِ الجـنان لآدم ... لو لم تكـنْ حوَّاءُ من مرغوبِ

**

الدمع يكشف !

كان أبو بكر بن دريد الأزدي (من أئمة اللغة والأدب ) , يستحسن قول أبي نواس : 

نمَّ دمعي فلــيس يكتم شيــئاً .... ورأيتُ اللسـان ذا كتمــان
كنتُ مثل الكتابِ أخفاهُ طيٌّ .... فاستدلُّوا عليـــــهِ بالعُنوان

**

الأيام تارات !

قال نصير الدين الأديب الشاعر والتاجر البغدادي :

لا تقطعنَّ يدَ الإحسان عن أحدٍ ...مــا دمت تقدر فالأيَّــامُ تاراتُ
واشكرفضيلةَ صُنع الله إذجَعلتْ...إليكَ لا لكَ عند الناس حاجاتُ

**

رُب أخٍ لم يلده أبوك !

أحسن العباس بن عبيد بن يعيش حيث يقول : 

كم من أخ لكَ لــم يلـدهُ أبُوكــا....وأخٍ أبــوهُ أبـــوك قــد يجــفوكا
صاف الكرامَ إذا أردت إخاءهم ....واعلم بأنَّ أخا الحفاظ أخوكا
كم إخوةٍ لك لم يلده يلدكَ أبوهم .... وكــأنما آبـــاؤهـــم ولدوكـــا
وأقــارب ٍ لو أبصروك مُعلــقاً ....بنياط قلــبك ثمَّ مــا نصروكــا
الناسُ ما استغنيت كنت أخاً لهم ....وإذا افتقرتَ إليهم فَضــحوكا



_____
[ بديهة أبي العلاء ]




نقل الحافظ اليعمري أنَّ أبا نَصر المَنَازِيِّ ـ واسمه أحمد بن يوسف ـ دَخَل على أبي العلاءِ المعرِّي في جماعة من أهل الأدب ، فأنشد كُلّ واحدٍ منهم مِن شِعرهِ ما تَيَسَّر ، فأَنْشَدَ أَبو نَصْر :

وَقَانَا لَفْـحَةَ الرَّمْضَـاءِ وَادٍ ـ سَقَاهُ مُضَاعَفُ الغَيثِ العَمِيمِ
نَزَلْنَا دَوْحَهُ فَحــنَا عَلـَيْنَا ـ حُنَّـو الوالِدَاتِ على الفَطِيمِ
وأَرْشَفَنَا عـلى ظَـمَأٍ زُلاَلاً ـ أَلَذَّ مِنَ الـمُدامَةِ للـنَّـدِيمِ
يَصُدُّ الشَّمْسَ أَنَّـى واجَهَتْنَا ـ فَيحْجُبها ويَـأْذَنُ للنَّـسيمِ

تَرُوعُ حَصاه حَاليةَ العَذَارَى ـ فتَلْمسُ جـانبَ العِقْدِ النَّظيمِ
فَقَال أبو العلاء : أَنْتَ أَشعر مَنْ بالشام .

ثمّ رحل أبو العلاء إلى بغداد ، فدخل المَنَازِي عَلَيه في جماعة من أهل الأدب ببغداد ، وأبو العلاء لا يَعرِفُ منهم أحدًا ، فأنْشدَ كلُّ واحدٍ ما حضره من شعره ، حتَّى جاءَت نَوبَةُ المَنَازيُّ فَأَنْشَدَ :

لَقَدْ عَرَضَ الحَـمَامُ لنَا بِسَجْعٍ ــ إِذَا أَصْغَى لَـهُ رَكبٌ تَلاَحَى
شَجَا قلبَ الخَلِيِّ فقـيلَ غَـنَّى ـ وَبَـرَّحَ بالشجيِّ فَقـيلَ نَاحَا
وكم للشوق في أَحـشاءِ صَبٍّ ـ إِذَا انْدَمَلَتْ أَجَدَّ لـهَا جِراحَا
ضَعِيفُ الصَّبرِ عَنْكَ وإِنْ تقَاوى ــ وسَكْرَانُ الفؤادِ وإنْ تَصَاحَى

كذاك بَنو الهَوى سَكْرَى صُحَاةٌ ـ كأحدَاقِ المها مرضى صِحَاحَا
فقال أبو العلاء : ومن بالعراق ؛ عطفًا على قوله : (( مَنْ بالشام )) .
__________________

====================================
[ ما تَراك الأَعرابيُّ لنا عُذرًا في وَاحِدة ]

قيل إنّ بعض وفود العرب قدموا على عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ، وكان فيهم شابٌ ، فقام وتقدم وقال : يا أمير المؤمنين ، أصابتنا سنون ؛ سَنَةٌ أذابت الشحم ، وسَنَةٌ أكلت اللحم ، و سَنَةٌ أذابت العظم ، وفي أيديكم فُضُول أموال ، فإن كانت لنا فَعَلاَمَ تمنعونها عنا ! وإن كانت لله ففرِّقوها على عباد الله ، وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا إنَّ الله يجزي المتصدقين . فقال عمر بن عبدالعزيز : ما تَراك الأَعرابيُّ لنا عُذرًا في وَاحِدة .
ومن ذلك قولهم : وقفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة ، فقالت : أشكو إليك قِلّة الجرذان . فقال : ما أحسن هذه الكناية ! املئوا لها بيتها لحمًا وخبزًا وسمنًا .
__________________

[ من قصص الأذكياء ]

ومن المنقول عن أذكياء الصبيان أَنَّه وقف إياسُ بن مُعاوية وهو صبيٌّ إلى قاضي دمشق ومعه شيخ ، فقال : أَصْلَحَ الله القاضي ! هذا الشيخُ ظَلَمَني ، واعتدى علي ، وأكل مالي ؛ فقال القاضي : ارفق بالشيخ ، ولا تستقبله بمثل هذا الكلام . فقال إياس : أصلح الله القاضي ؛ إن الحق أكبر منِّي ومنه ومنك . قال : اسكُتْ ، قال : فإن سكتُّ فمن يقومِ بحُجَّتِي ! قال : فَتَكَلم فواللهِ لا تتَكلمُ بخير ، فقال : لا إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لا شريك له ، فَبَلَغ ذلكَ الخليفة ، فَعَزَلَ القاضي ، وولى إياسًا مكانهُ .
==================================
أحوال الجواري وأخبارهن

ذكاء الجارية

قيل : خرج ابن زياد في فوارس فلقوا رجلاً ومعه جارية لم يُرَ مثلها في الحُسن , فصاحوا به: خلِّ عنها , وكان معه قوس فرمى أحدهم فهابوا الإقدام عليه , فعاد ليرمي فانقطع الوتر , فهجموا عليه وأخذوا الجارية , وأشتغلوا عنه بالجارية ومد بعضهم يده إلى أذنها وفيها قُرطٌ , وفي القرط درَّةٌ يتيمة لها قيمة عظيمة , فقالت : وما قدر هذه الدرَّة إنكم لو رأيتم ما في قلنسوته من الدر لاستحقرتم هذه .فتركوها واتّبعوه وقالوا له : ألقِ ما في قلنسوتك , وكان فيها وترٌ قد أعدَّه فنسيه من الدَّهش .فلما ذكره ركَّبه في القوس ورجع إلى القوم فولَّى القوم هاربين وخلَّوا الجارية .

**

زدتَ فيه جمالاً

لمَّا قدمَ المُعتضدُ من الشام دخلت عليه بِدعة (إحدى الجواري) في أوَّل يومٍ جلس فية , فقال لها : يا بِدعةُ أما ترينَ الشيب كيف أشتعل في لحيتي ورأسي ؟ 
فقالت له : يا سيِّدي عمَّرك اللهُ أبداً حتى ترى وُلدَ ولدكَ قد شابوا, فأنت في الشيب أحسنُ من القمر :

وفكرت طويلاً حتّى قالت :

ما ضَّرك الشيبُ شيئاً ....بلْ زِدتَ فيهِ جَمالا
قــد هذَّبــتكَ اللــيالـي ....وزدتَ فـيها كَــمالا
فعشْ لــنا في سُرورٍ ....وانْــعمْ بعيشكَ بــالا
فــي نعــمةٍ وسُرورٍ ....ودَوْلـــةٍ تــتعــالَـــى
أشعب والجارية

كان أَشعب يختلف إلى جاريةٍ في المدينة , ويظهر لها التعاشُق , إلى أن سألته يوماً سُلْفةً (قرض) بنصف درهم , فانقطع عنها , وكان إذا لقيها في الطريق سلك طريقاً أخرى , فصنعت له نشوقاً (دواء) وأقبلت به إليه .فقال لها : ماهذا؟ 
قالت : نشوقٌ عملته لك لهذا الفزع الذي بكَ , فقال :اشربيه أنتِ للطمع , فلو انقطع طمعكِ انقطع فَزعي , وأنشأ يقول :

أخـلفي مــاشئت وعـــدي ....وامنحـــيني كــلِّ صَــــدِّ
قــد ســـلا بــعدكِ قلبـــي .... فاعشقي مـن شئت بعدي
إننـــــي آلــــيـــــت لا أعــ....ــشقُ مـنْ يعشــقُ نَــقْدي

**

الدراهم قبل الحبّ

قيل : إنّ بصرياً دخل مدينة بغداد مرّةً , فلم يزل يمضي في محالّها حتى انتهى إلى قطيعة الربيع , فإذا بجاريةٍ مشرقةٍ تنظر إلى الطريق فهويها , فلم يزل يكتب إليها فلا تجيبه .فكتب إليها يوماً رقعةً يشكو فيها بثه وفي آخرها :

هل تعلمين وراءَ الحبِّ منزلةً
تُدني إليكِ فإنّ الحـبَّ أقصاني

فكتبت إليه :

نــعم حبـيبي وراء الحــبِّ مـنزلةٌ 
بَذلُ الـــدارهمِ يُرضي كــلَّ إنسان 
مَن زاد في الوزن زدنا في محبته 
مـا يطلبُ الدهر إلاّ فضل رُجحانِ
وصية
***
أوصى "عمرو بن العاص"(50ق.هـ - 43هـ) "معاوية بن أبى سفيان"(20ق.هـ - 60هـ) فقال:


"أُنْظُرْ فَاقَةَ الأَحْرَارِ، فَاعْمَلْ فِى سَدِّهَا .. وَطُغْيَانَ السِفْلَةِ، فَاعْمَلْ عَلَى قَمْعِهَا .. وَاسْتَوْحِشْ مِنَ الكَرِيِمِ الجَائِعِ، وَمِنَ اللَّئِيِمِ الشَّبْعَانِ .. فَإِنَّمَا يَصُولُ الكَرِيِمُ، إِذَا جَاعَ .. وَاللَّئِيِمُ إِذَا شَبِعْ"


وطرفة
***


جلس أعمى وبصير معاً يأكلان تمراً في ليلة مظلمة فقال الأعمى: أنا لا أرى، ولكن، لعن الله من يأكل ثنتين ثنتين، وعندما انتهى التمر، صار نوى الأعمى أكثر من نوى البصير فقال البصير: كيف يكون نواك أكثر من نواي فقال الأعمى: لأني آكل ثلاثاً ثلاثاً! فقال البصير أما قلت: لعن الله من يأكل ثنتين ثنتين؟ قال: بلى، ولكني لم أقل ثلاثاً ثلاثاً.

وشعر
***


أشتهر 
الشاعر المصري "الإمام العبد"، بسرعة خاطره، ولباقة نكاته، وكان له صديق يدعى الشعر، اسمه "محمود" يمازحه أحيانا، ويبالغ في المزاح حتى حدود الوقاحة أحيانا، وفي إحدى السهرات العائلية، قال "محمود" لـ "الإمام العبد": كلما رأيتك، تذكرت قصيدة المتنبي، والبيت الرائع فيها:لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلا والعَصَـــا مَعَهُ *** إنَّ العَبِيــــدَ لأَنْجَاسٌ مَنَاكِيــــدُ

فأجابه "الإمام العبد": أوَ لم تقرأ فى القصيدة عينها، بيتاً أشد روعة مما ذكرت؟ ذلك الذى يقول فيه المتنبى:
ما كُنْتُ أَحْسَبُنِي أَحْيَا إِلى زَمَنٍ *** يُسِيئُنِي فِيهِ كَلْبٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
__________________
ورمضان
***


أدرك الصيام "ابن الرومي" - الشاعر العباسي - في شهر (أغسطس) فصام رمضان إلا أنه وصف معاناة الحر والعطش فقال:

شَهْرُ الصِّيَــــامِ مُبَـارَكٌ *** مَا لمْ يَكُنْ فِي شَهْرِ آبْ

الَّليْلُ فِيهِ سَــــــــــــاعَةٌ *** وَنَهَارُهُ يَوَمُ الحِسَــــابْ

خفْتُ العَذَابَ فَصُمْتُهُ *** فَوَقَعْتُ فِي نَفْسِ العَـــذَابْ
وحكاية
******

ورد فى كتاب "الأغانى" لـ "أبى الفرج الأصفهانى"، أن تاجراً من أهل الكوفة قدم المدينة بأخمرة نسائية فباعها كلها, وبقيت السود منها لم تنفق, وكان صديقاً لـ "الدارمي" - ربيعة بن عامر، توفى سنة 89هـ - المغني الشاعر, المشهور بين أهل مكة بالظرف، فشكا عليه ذلك الكساد الذي أصاب مسافعه - خُمُرَهُ - السود, لعله يجد سبيلاً لإنقاذها وكان "الدارمي" قد تنسك وترك الغناء وقول الشعر, ولكنه إزاء إلحاح صديقه هداه تفكيره إلى القيام بعمل إعلان شعري غنائي للخمر، حتى يتم بيعها وإقبال النساء عليها، ثم يعود إلى تنسكه الذي كان عليه فقال:

قُل للمَليحَةِ بِالخِمَـــــــارِ الأَسْوَدِ
مَاذَا فَعَلْتِ بِنَــــــــاسِكٍ مُتَعَبِّـــــدِ
قَدْ كَانَ شَمَّــرَ لِلصَّلاةِ ثِيَــــابَـــهُ
حَتَّي وَقَفْتِ لَهُ بِبَـــابِ المَسْجِــدِ
رُدِّي عَلَيْهِ صَلاتَهُ وَصِيَـــامَـــــهُ
لا تَقْتُلِيــــــهِ بِحَقِّ دِينِ مُحّمَّـــــدِ

وغنى في الأبيات صوتاً رائعاً شاع في الناس أمره, فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خماراً أسود. حتى نفد كل ما عند العراقي منها .. ورجع الدارمي إلى نسكه. وإذا كانت الأبيات قد اجتذبت قلوب النساء للشراء, فقد لقيت رواجاً عند أصحاب الإعلانات .. وأكدت عملياً كيفية التآخي بين النشاط الأدبي والنشاط الاقتصادي, كما أثار هذان البيتان إعجاب الشعراء في الأجيال اللاحقة فقاموا بمعارضتها بغية المماثلة أو التفوق عليهما مغيرين في الألوان بما يتناسب مع أذواقهم, أو بما تقترحه إحدى الملاح, أو مبقين على اللون الأسود.ومعارضة
****
على ذكر "قل للمليحة" فقد سبق وأشرنا - بالمشاركة السابقة - إلى أن كثيراً من الشعراء قد أنشأوا قصائد أخرى لهم على منوالها ولعل من أشهرهم 
"عمر بن أبي ربيعة" وهو الشاعر الأموي المعروف بالغزل والذي ولد في المدينة سنة 644م من بني مخزوم من قريش. كان ينتمي إلى طبقة اجتماعية راقية عمّ فيها الترف واللهو والغناء، وكان عمر شاباً وسيم الطلعة، أنيق الهندام، مدلّلاً، انقطع إلى حياة اللهو، شغله الشاغل أن يلتقي الحسناوات في موسم الحج وأن يقول فيهن شعراً. له ديوان كامل في الغزل تخلله بعض الأبيات المتفرقة في الفخر والوصف. 
عندما تقدمت به السن انقطع إلى حياة التوبة والنسك توفي سنة 711م.
من أجمل قصائده التى عارض بها قصيدة "ربيعة بن عامر"

قُلْ لِلْمَليحَةِ: قَدْ أَبْلَتْنِيَ الذِّكَرُ،
فالدَّمْعُ، كُلَّ صَباحٍ، فيكِ يَبْتَدِرُ
فَلَيْتَ قَلْبي، وَفيهِ مِن تعلُّقِكُمْ
ما ليسَ عِندي لَهُ عِدلٌ ولا خَطَرُ
أَفاقَ، إذ بخِلَتْ هندٌ، وما بَذلَتْ
ما كُنتُ آمُلُه منها، وأنتَظِرُ
وقَد حِذْرتُ النَّوى في قُربِ دارِهُم،
فَعِيلَ صَبري، ولَم يَنفَعنِيَ الحَذَرُ
قَد قُلتُ، إذ لَم تَكُن لِلقلبِ ناهِيةٌ
عَنها تُسَلِّي، ولا لِلقَلبِ مُزدَجَرُ:
يا لَيْتَني مِتُّ، إذ لم ألقَ مِن كَلَفي
مُفَرِّحاً، وشآني نَحوَها النَّظَرُ
وشاقَني مَوقِفٌ بالمَروَتَينِ لها،
والشَّوقُ يُحدِثُه لِلعاشِقُ الفِكَرُ
وقَولُها لِفَتاةٍ غَيرِ فاحِشَةٍ:
أَرائحٌ مُمسِياً، أم باكِرٌ عُمَرُ؟
اللهُ جارٌ لَهُ إمّا أقامَ بِنَا،
وفي الرَّحِيلِ، إذا ما ضَمَّهُ السَّفَرُ
فَجِئتُ أمشي، ولم يُغفِ الأُولى سَمَروا،
وصَاحِبي هِندُوانيٌّ بِهِ أُثُرُ
فَلَم يَرُعْها، وقَد نَضَّتْ مَجَاسِدَها،
إلاّ سَوادٌ، وراءَ البَيتِ، يَستَتِرُ
فلطَّمَتْ وَجْهَها، واسْتَنْبَهتْ مَعَها
بَيضاءُ آنِسةٌ، مِن شأنِها الخَفَرُ،
ما بالُهُ حِينَ يَأتي، أُخْتِ، مَنزِلَنا،
وقَد رَأى كَثْرَةَ الأَعداءِ، إِذْ حَضَرُوا
لَشقوَةٌ مِن شَقائِي، أُختِ، غَفْلَتُنا،
وشُؤْمُ جَدِّي، وَحَينٌ ساقَهُ القَدَرُ
قالَت: أَرَدْتَ بِذا عَمداً فَضِيحَتَنا،
وصَرْمَ حَبْلي، وتَحقِيقَ الذي ذَكَرُوا
هَلاّ دَسَسْتَ رَسُولاً مِنكَ يُعْلِمُني،
ولَم تَعَجَّلْ إلى أن يَسْقُطَ القمرُ
فَقُلتُ: دَاعٍ دَعَا قَلْبي، فأَرَّقَهُ،
وَلا يُتابِعُني، فِيكُم، فَيَنزَجِزُ
فَبِتُّ أُسقَى عَتيقَ الخمرِ خالَطَهُ
شَهدٌ مشَارٌ ومِسْكٌ خالِصٌ ذَفِرُ
وعَنبَرَ الهندِ، والكافُورَ خالَطَهُ
قَرَنفُلٌ، فَوقَ رَقرَاقٍ لَهُ أُشُرُ
فَبِتُّ أَلثِمُها طَوراً، ويُمْتِعُني،
إذا تَمايلُ عنه، البَردُ والخَصَرُ
حَتّى إذا اللَّيلُ وَلَّى، قَالَتا زَمَراً:
قُوما بِعَيشِكُما، قَد نَوَّرَ السَّحَرُ
فَقُمتُ أَمْشي، وقَامَتْ وَهْي فاتِرَةٌ،
كَشارِبِ الخَمْرِ بَطَّى مَشيَهُ السَّكَرُ
يَسْحَبْنَ خَلْفِي ذُيُولِ الخَزِّ آوُنَةً،
ونَاعِمَ العَصْبِ، كَيلا يُعْرَفَ الأَثَرُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق