«اشنقوني..
فلست أخشى حبالًا
واصلبوني..
فلست أخشى حديدا»..
هكذا كان يردد كل من يعتلي مقصلة الفرنسيين، من شهداء الجزائر، قبل أن يستودع وطنه وقضيته لألاف الشهداء القادمين من خلفه، لتتحرر الجزائر وتصنع مجدها وإلياذتها، البيت الشهير السابق، أحد أشهر أبيات الشاعر الجزائري المناضل زكريا سليمان الشهير بـ«مفدى زكريا»، وقد ولد في مثل هذا اليوم قبل 107 عامًا.
يعرف ابن الجنوب، بأنه شاعر الثورة، وهو أيضًا مؤلف النشيد الوطني الجزائري المعروف «قسمًا» والذي لحنه في الستينيات المطرب والملحن المصري محمد فوزي، ولذلك النشيد قصة، إذ قامه بتلحينه في باديء الأمر، الموسيقار التونسي علي السرياتي، بعدما حمله معه الشاعر وقت نفيه إلى تونس، بطلب من عبان رمضان، القائد الثوري وأحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني، أن يسارع بكتابة نشيد يعبر عن روح الثورة، وهو ما تم بعدها بأيام، كان ذلك في العام 1956.
وفي المنفى عرض «مفدى» نشيده على التونسي السرياتي، الذي قام بتلحينه ليشد من أزر الممناضلين بتونس من أعضاء الجبهة هناك، ولكن اللحن لم يجد صدى، وكذلك لم تتحمس له الجبهة، فحمل الشاعر نشيده مره أخرى إلى القاهرة، ليهدي الملحن والمطرب المصري الراحل محمد فوزي، اللحن المعروف والذي يتميز بالقوة ويحمل سمات النشيد الوطني، إلى الشعب الجزائري المناضل، ليصير هو النشيد الوطني الرسمي حتى الآن، ومنه:
قسما بالنازلات الماحقات.. والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات.. في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات.. وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا..
وأيضًا:
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. وطويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب.. فاستعدي وخذي منا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب.. وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا..
للشاعر مفدى زكريا مسيرة طويلة، تبدأ من قريته الجنوبية، وحتى تونس أرض التعليم والمنفى، إذ تعلم اللغتين العربية والفرنسية بها، والتحق بإحدى جامعاتها وهي جامعة الزيتونة، ليبدأ نضاله بانضمامه إلى جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين، ثم حزب نجمة إفريقيا الشمالية، حتى انضمامه لجبهة التحرير الوطني، ومعها تعرض للاعتقال والسجن والنفي، ومعها أيضًا خرج بأقوى قصائده التي جاءت على نسق القصيدة العمودية المتحررة من وحدة القوافي، والتي تمضي في ركب القصائد العربية الرومانسية حينذاك.
توفى الشاعر في أرض المنفى والميعاد تونس عام 1977، ونقل جثمانه مرة أخرى إلى قريته الجنوبية بني يزقن بالغرداية.
ومن قصائده الشهيرة أيضًا، إلياذة الجزائر:
جزائر يا مطلع المعجــــــــــزات وياحجة الله في الكائنـــــات
ويابسمة الرب في أرضــــــــه ويا وجهه الضاحك القسمات
ويا لوحة في سجل الخلــــــود تموج بها الصور الحالمـــــات
ويا قصة بث فيها الوجــــــــود معاني السمو بروع الحيـــاة
ويا صفحة خط فيها البقــــــــآ بنار ونور جهاد الأبــــــــــــاة
ويا للبطولات تغزو الدنـــــــــــا وتلهمها القيم الخالـــــــدات
وأسطورة رددتها القـــــــــرون فهاجت بأعماقنا الذكريــــات
ويا تربة تاه فيها الجــــــــــلال فتاهت بها القمم الشامخات
وألقى التهاية فيها الجمـــــال فهمنا بأسرارها الفاتنـــــــات
وأهوى على قدميها الزمــــان فأهوى على قدميها الطفـاة
***
شغلنا الورَى وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصٌــــــــــلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
***
جزائر يا بدعة الفاطــــــــــــــر ويا روعة الصانع القـــــــــادر
ويا بابل السحر من وحيهـا تلقب هاروت بالساحــــــــــر
ويا جنة غار منها الجنـــــــان وأشغله الغيب بالحاضـــــــر
ويا لجة يستحم الجمــــــــــال ويسبح في موجها الكافر
ويا ومضة الحب في خاطري وإشراقة الوحي للشاعـــــر
ويا ثورة حار فيها الزمـــــــان وفي شعبها الهادئ الثائـــر
ويا وحدة صهرتها الخطــــــوب فقامت على دمها الفائـــر
ويا همة ساد فيها الحجــى فلم تك تقنع بالظاهـــــــــــــر
ويا مثلاً لصفاء الضميــــــــــر يجل عن المثل السٌائـــــــــــر
سلام على مهرجان الخلــود سلام على عيدك العاشـــــر
**
شغلنا الورَى وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصٌــــــــــلاة
تسَابيحه من حَنايَا الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق