الصفحات

الخميس، 18 سبتمبر 2014

أبوظبي : النفط وما بعده


  شخبوط وزايد إبنى سلطان آل نهيان


                               
                                      Abu Dhabi: Oil And Beyond             
                                             (أبوظبي : النفط وما بعده )
تقديم : كتاب هذا الشهر هو بعنوان " أبوظبي : النفط وما بعده " وهو لكريستوف دافيدسون صاحب كتاب " دبي : النجاح غير المحصن" الذي راجعناه سابقا . وفي كتابه حول أبوظبي يبدا المؤلف بمقارنة بين أبوظبي ودبي مؤكدا ان نموذج أبوظبي اذا تحقق له النجاح سيكون نموذج دولة مقارنة بنموذج دبي الذي هو اقرب لنموذج المدينة وهذه المقارنة يبررها المؤلف بالقول بأن أبوظبي مطالبة بالعناية بتعقيدات السياسة الخارجية وببناء الجيش وبدعم الأمارات الأخرى ماديا . ويبدأ في مقدمته بتعداد التحديات التي ينبغي على صانع القرار في أبوظبي أن ينتبه لها اذا اراد ان يحقق النجاحات المرجوة ومن أهم هذه التحديات قضايا العمالة وانخفاض مستوى التعليم وغياب الرؤيا المتعلقة بالمشاركة السياسية والفجوة في مستوى المعيشة بين اجزاء الدولة والرقابة الأعلامية وحقوق الأنسان بوجه عام . ولكننا نود أن نلفت انتباه القاريء هنا الى اننا بعد قراءتنا للكتاب الحالي اتضح لنا ان المؤلف قد نحا منحا فيه شيء من الدعاية لنموذج أبوظبي في هذا الكتاب مقارنة بكتابه الناقد حول دبي فكل من يعرف تاريخ المنطقة ويعرف ما يحصل حاليا في أبوظبي ومهما تحفظ على نموذج دبي خاصة في سنوات التوسع العقاري فانه يدرك ان دبي كانت دائما مركزا تجاريا واتصفت مشروعاتها بالكفاءة وبنيتها الأساسية بالتطور مقارنة ببقية المنطقة بما في ذلك امارة ابوظبي ولكن المؤلف لايترك فرصة الا ويحاول فيها تسجيل نقطة على نموذج دبي وهذا مستغربا حقا من باحث يتوقع منه الموضوعية والحياد . ولو حاولنا التماس العذر له فاننا نعتقد انه قد اخفق في ادراك ان موارد دبي المحدودة تجعل عيوبها تبرز بسرعة بينما تظل الأخطاء في امارة ابوظبي بثرواتها الهائلة غارقة في الثروة ومغطاة بها لسنوات طوال وخير دليل على ذلك أن الحديث في الأزمة الحالية تركز على ديون دبي التي قد تزيد على مئة مليار دولار ولكن لم يسأل أحد عن خسائر أبوظبي التي تقدر بمئات المليارات لأن الديون التي تعاني منها دبي هي اغلبها لأجانب يستطيعون المطالبة بحقوقهم بينما خسائر أبوظبي هي لأبناء أبوظبي الذين لم تتوفر لهم فرص المساءلة حتى الآن على الأقل . هذا طبعا لايعني اننا نريد منه ان يشهر بأهلنا في ابوظبي ولكننا نريد منه ان يتصف بالأمانة العلمية التي يكتب في ظلها ويتحدث بما يخدم المعرفة والمنطقة وان لايتحول الى بوق من أبواق النفاق التي كادت أن تهلك هذه المجتمعات ومن فيها ولنا عودة الى هذه النقطة في نهاية المراجعة هذه .
ظهور أبوظبي
ينتقل المؤلف من مقدمته الى قضية ظهور وتكون أمارة أبوظبي على أيدي تحالف قبائل بني ياس والمناصير بقيادة شيوخ آل نهيان وبتحالفاتهم مع العوامر والظواهر . وكما فعل في كتابه حول دبي يغوص الكاتب في تفاصيل الصراعات التي حصلت بين آل نهيان أنفسهم وبينهم وبين القبائل الأخرى في تحالف بني ياس ويتطرق كذلك لبعض الصراعات والتحالفات التي دارت بين تكتل بني ياس وبقية التكتلات سواء داخل ما يعرف اليوم بدولة الأمارات كالقواسم مثلا أوخارج الدولة كتلك التي دارت مع العمانيين أو السعوديين . ونحن وان كنا لانرغب في انكار تاريخنا بخيره وشره الا اننا لاننتمي الى من يتفاخر بتلك الصراعات أو من يرغب في استخدامها للتشهير بابناء هذه المنطقة ، وانما نقف موقفا يمليه علينا ديننا فنقول ان تاريخ هذه المنطقة لايخلوا من صراعات كانت احيانا دموية املتها قسوة الحياة وقصر النظر وغذتها قوى أجنبية وفوق هذا وذاك ساعد على استمرارها التساهل في العودة الى شرع الله سبحانه وتعالى في التعامل مع الخلافات وفي تأسيس الكيانات . ومن هنا فاننا نتمنى على اجيال اليوم أن تخرج بعبرة واحدة من قراءة تاريخ هذه المنطقة الا وهي أن المجتمعات تستقر في ظل العدل والتكاتف وعدم الأتكال على قوى الشر الداخلية والخارجية .
الشيخ شخبوط والتراجع الكبير
بعد وفاة الشيخ زايد الأول عام 1909 والذي حكم لأكثر من خمسين عاما ووطد دعائم الأمارة حتى اصبحت أبوظبي قوة اقليمية في تلك الفترة ، حدثت ازمة حكم دموية بين أبناء زايد وهم: خليفة وطحنون وسعيد وحمدان وهزاع وسلطان وصقر . ولقد كان خليفة ، الأبن الأكبر للشيخ زايد الأول ، عازفا عن الحكم فتولى الحكم بدله طحنون الذي مات مريضا عام 1912 وانتقل الحكم بعده الى حمدان بعد استبعاد سعيد بن زايد . بعد ذلك حدث صراعا دمويا على السلطة عندما تعاون هزاع وسلطان وصقر أبناء زايد الأول على قتل اخوهم حمدان وتقلد الحكم بعد حمدان سلطان وفي عام 1926 قام صقر بن زايد بقتل سلطان بن زايد وجرح في هذه العملية خالد بن سلطان . وفي عام 1927 اكتشف خليفة بن زايد أن هناك مؤامرة يدبرها صقر لقتله وآخرين من العائلة ، كما يروي الكاتب ، فأوحى خليفة الى مجموعة من المناصير بقتله وبالفعل قتل صقر عام 1928 وتم نفي أبنائه من أبوظبي . في هذه الفترة ترك خليفة أبنه محمد بن خليفة يسير أمور الحكم حتى يتم ألأتصال بأبناء أخيه سلطان بن زايد وهم شخبوط وهزاع وخالد وزايد وعلى الرغم من ميل بعض بني ياس الى تحكيم هزاع الا ان الأختيار الأخير وبضغط من بريطانيا تم على شخبوط بن سلطان .
فرص الشيخ شخبوط
يتحدث المؤلف عن حقبة الشيخ شخبوط التي بدات عام 1928 وانتهت عام 1966 مبتدئا بالضروف الصعبة التي خلفها تراجع صناعة اللؤلؤ ثم االكساد الأقتصادي العالمي وبعد ذلك تطوير اليابان للؤلؤ الصناعي وكلها تطورات اضعفت اقتصاد ابوظبي وعدم موافقة شخبوط على السماح للطيران البريطاني بالهبوط في أبوظبي وما يولده هذا الهبوط من مداخيل كما فعلت امارتي دبي والشارقة. ويفصل الكاتب في مواقف الشيخ شخبوط السلبيه تجاه كثير من متطلبات التنمية كالأنفاق على الصحة والتعليم والبنية المادية والتعاون مع بقية الأمارات والأختلاف مع بعض حلفائه من بني ياس حتى دفع بهم الى الهجرة اما الى قطر أو الى دبي . هذه المواقف وغيرها مهدت كما يعتقد الكاتب وغيره للتغيير الذي بدأ مع تولي الشيخ زايد الثاني لحكم أبوظبي بمساعدة الحكومة البريطانية بعد أن بذلت كل المساعي لدفع الشيخ شخبوط الى الأنفتاح .
الشيخ زايد الثاني : الأزدهار والوحدة
كما وضحنا سابقا تحدث المؤلف عن الضروف التي عاشتها ابوظبي في ظل حكم شخبوط بن سلطان والتي لم تكن مؤاتيه لأحداث اي اصلاحات اقتصادية أو اجتماعية في الأمارة مما جعل ابوظبي تتراجع من حيث الأزدهار الأقتصادي والثقل الأقليمي عن ما كانت عليه سابقا خاصة في عهد زايد الأول الأمر الذي دفع بزايد بن سلطان الشقيق الأصغر لشخبوط بتنحية أخيه وتولي الحكم عام 1966 بعد موافقة ومساعدة بريطانية . ومنذ توليه للحكم احدث الشيخ زايد اصلاحات ملموسة على مستوى الأمارة تمثلت في تشكيل حكومة من بين اعضائها كوادر متعلمة من ابناء الأمارة وتمثلت كذلك في اعادة توزيع الثروة بين ابناء الأمارة من خلال المساعدات المباشرة ، ومن خلال توفير التعليم والصحة والمساكن وغيرها ، وما ان قررت الحكومة البريطانية سحب قواتها في بداية السبعينيات كان لابد من ايجاد كيان اقليمي يجمع الأمارات والمشيخات تجنبا لعدم الأستقرار في منطقة تعتبر حيوية بحكم مخزونها النفطي الهام . وبالفعل بذلت جهود حثيثة لتشكيل اتحاد يظم الأمارات السبع زائدا قطر والبحرين ولكن هذه الجهود ولأسباب مختلفة لم تكلل بالنجاح وانتهت هذه المساعدي بتشكيل ما يعرف اليوم بدولة الأمارات العربية المتحدة بينما اعلنتا قطر والبحرين استقلالهما كدولتين منفصلتين واصبح زايد حاكما لأبوظبي ورئيسا لدولة الأمارات على الرغم من أن المرشح الأول كما يقول المؤلف كان راشد بن سعيد ولكنه تراجع عن ذلك لأسباب أحدها عدم قدرة امارته على التكفل بمصاريف الأتحاد . ويؤكد المؤلف ان الشيخ زايد واجه تحديات كثيرة في سعيه لتقوية الأتحاد وكانت هذه التحديات تتمثل في ممانعة امارة دبي وراس الخيمة في توحيد الموارد والجيوش وان كانت هذه العقبات قد ذللت بعض الشيء في السنوات الأخيرة من رئاسته ، ولاشك ان القوى الأقليمة كايران والعراق والسعودية ظلت حاضرة في الصراع السياسي الداخلي في دولة الأمارات الأمر الذي جعل انطلاقة هذا الكيان الجديد صعبة وبطيئة احيانا وكعادتنا في هذه القراءة لانريد ان نسلط الأضواء على من فعل ماذا لأن الهدف هو التبيه والأعتبار من التجارب الماضية وليس التشهير وتسجيل النقاط .
النفط ومابعده
ينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن الأقتصاد الجديد في أبوظبي والذي تشتمل مكوناته على جهود التنمية التي تقوم بها حكومة أبوظبي ابتداء من توسيع الطاقة الأنتاجية من النفط والغاز والصناعات المرتبطة بهما والأجهزة الأستثمارية المتنوعة ومحاولات تطوير قطاع التقنية باشكالها المختلفة والقطاع العقاري والقطاع السياحي ولكن المؤسف ان المؤلف يكتفي في حديثه عن هذه الجهود بذكر المبالغ التي انفقت وباسماء المؤسسسات المحلية والعالمية التي تعمل في ظلها ولكنه لايشير الى مدى ما حققته هذه الجهود في ما يتعلق ببناء الأنسان الخليجي وبتغير الهيكل الأنتاجي الأقتصاد أبوظبي وبتنويع ايراداتها ، وهو كذلك لم يتحدث عن الطبيعة المشوهه لهذه التنمية التي لاتتعدى منافعها فئات محدودة في الداخل واخرى في الخارج تقوم بتبذير وتبديد هذه الثروة الناضبة وتقوم كذلك بتحويلها لتحريك الأقتصادات الغربية مما يجعلها عرضة لخسائر اسواق المال العالمية كما رأينا في السنة الأخيرة ، وهو كذلك لايتحدث عن ألاثار الثقافية لهذا النموذج التنموي المشوه الذي ما كان ليحدث لولا مزيج من الثروة النابضة وقصر النظر والأنانية لدى القيادات . فالتنمية اذن لاتقاس بحجم ما انفق المجتمع وانما بكم هي المنافع التي تحققت من هذا الأنفاق لأبناء أبوظبي والدولة ومعها المنطقة وهذا ما لايعالجه الكاتب اما لقصور في التخصص واما لغاية في نفس يعقوب لانعرف للأسف كنهها . كما وان هذا الكاتب وغيره من الكتاب الغربيين ومن سار على دربهم من بني جلدتنا لايريدون أن يعترفوا بان هذه الكيانات لامستقبل تنموي أو أمني لها الا من خلال التكامل والتواصل مع المحيطين العربي والأسلامي لأن ذلك كما يبدو لايخدم مصالح الدول الغربية التي تتكتل في كيانات كبيرة وتريد منا ان نظل نتعامل معها كوحدات متفرقة ضعيفه حتى تسهل عملية نهب ثرواتنا كما هو حاصل ألان .
الملكية التقليدية
تحت هذا العنوان ينتقل المؤلف لتوصيف حال المنافسة والتوازنات الحاصلة في امارة أبوظبي مبتدئا بأبناء زايد الثاني الأشقاء منهم وغير الأشقاء ويبين انهم في قمة الهرم من حيث النفوذ ليس فقط في الوظائف العامة المحلية والأتحادية ، وانما كذلك من حيث التمركز في مؤسسات القطاع الخاص النفطية والعقارية وغيرها . بعد هذه الشريحة ينتقل لوصف تواجد ابناء محمد بن خليفة واحفاده والذين يرى المؤلف انهم يتمتعون بنفس النفوذ الذي يتمتع به ابناء زايد ولو بدرجة اقل في السنوات الأخيرة ثم يختتم حديثه عن التركيبة الأجتماعية ببقية ابناء ابوظبي الذين يتقلدون مسؤوليات رسمية . واذا تجاوزنا بعض الأخطاء في معلومات الكاتب حول الأسماء والقبائل الا ان الصورة التي يرسمها هي صورة اقرب الى مجتمع متهافت على الثروة والمناصب تغيب فيه الرؤية المتعلقة بالأمارة وبالأجيال القادمة . فمسار هذه الأمارة هو اقرب الى البحث عن الغنائم وتوسيع النفوذ وتحقيق المكاسب الشخصية في الوقت الذي يتوقع المرء ان تكون النظرة السائدة عند من يصنع القرار في هذه الأمارة هو كيف يمكن ان تتحول هذه الأمارة الى كيان مزدهر يقوم على المؤسسات وله رؤية تنموية واضحة تتم ترجمتها في ظل مواطنة واحدة تحكم سلوك كل ابناء الأمارة بدل ان يكون جل ما يفكر ابناء هذه الأمارة فيه هو الكسب السريع وبكل الطرق والسير في ركب سياسات لايمكن ان تنتهي الى تنمية فعلية او حتى استقرار على المدى البعيد خاصة اذا تراجع نفوذ النفط والتاريخ شاهد على ذلك .
أضفاء الشرعية على الحكم الأسري
ويتحدث الكاتب عن مجموعة من السياسات التي اتبعتها الأسرة الحاكمة في ابوظبي لأضفاء الشرعية على نفسها وتجنب الأصلاحات الفعلية وتنوعت هذه السياسات فمنها زيادة عدد المؤسسات الحكومية ومنها التحويلات النقدية المباشرة للثروة ومنها دعم السلع والخدمات وتوفير الوظائف للمواطنين ومنها تعميق الهوية الوطنية بالجوازات والملابس ومنها الأهتمام بالمتاحف والبيئة وبرامج " كشاعر المليون " والأنفاق على المؤسسات الخيرية وبناء المساجد والأنفاق على العاملين فيه وحتى كتابة خطب الجمعة والتسامح تجاه بناء الكنائس وتقديم المساعدات الخارجية باشكالها وغيرها من الصور . غير ان المؤلف لم يخبرنا عن جدوى كثير من هذه النفقات خاصة في ما يتحقق بتنمية هذه الأمارة وماذا سيكون مصير "مجتمع الهبات والشرهات" عندما يبدا النفط في النضوب أم أن القيادات الحالية لايمتد افق تفكيرها الى ما سيحصل للأجيال القادمة ؟ تساؤلات لايبدو أن المؤلف يهتم بها كثيرا لأنه ينتمي الى فئة المثقفين الغربيين الذين لايرون في مجتمعاتنا اهمية للحرية لأنها مجتمعات من عالم آخر فلماذا يتخلى الباحث عن موضوعيته وادواته ويتقنع بقناع المبرر والمفسر واحيانا المنتفع اما على مستوى فردي او مجتمعي من اخفاقات هذه المجتمعات التي تحتاج دائما لوصاية خارجية أو محلية لأن أفرادها هم مجموعة من القصر يجلسون على ثروة يحتاجها العالم.
مشاكل عالقة : خارجيه وهيكلية
ويختم المؤلف كتابه بالحديث عن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه امارة أبوظبي . فجيش الأمارات كما يقول المؤلف هو جيش مدجج بأحدث الأسلحة الفرنسية والبريطانية والأمريكية ولكنه يبقى من أكبر جيوش العالم من حيث الكادر المرتزق مشيرا الى غياب الكادر الوطني في هذا الجيش . ويضيف المؤلف انه على الرغم من سعي حكومة أبوظبي للوقوف على الحياد الا انها استخدم جيشها في كثير من مناطق العالم ولأسباب مختلفة فهذا الجيش كما يؤكد الكاتب هو الوحيد بين الجيوش العربية الذي كانت له مناوشات مع طالبان وكان له دور في الصومال ويضيف ان ميناء زايد هي ثاني أهم مواني المنطقة من حيث أستخدام البحرية الأمريكية ، اما قاعدة الظفرة ففيها تواجد كبير للمخابرات الأمريكية ، وبعد هذا وذاك يبقى الخطر الأيراني حقيقيا على امارة ابوظبي في السنوات القادمة . ولايسع المرء الا ان يتساءل عن ما اذا كان هذا الجيش بهذه المواصفات يمكن استخدامه في حفظ امن هذه الدولة أو حفظ مصالح العرب والمسلمين ، هذا ما نتركه للقاريء ليتدبره بنفسه . ومن المشاكل التي يتحدث عنها الكاتب قضية الأرهاب وان كان يعتقد بأن الأخطار المحدقة بدبي أكثر من أبوظبي نظرا لنموذج دبي التنموي المصادم لكثير من قيم ومعتقدات أبناء المنطقة كما يقول . ولكنه يتعقد ان اي عملي ارهابي تتعرض له دبي ستكون له انعكاسات على ابوظبي . أما التعليم والتوطين فهما قضيتان حيويتان في اعتقاده خاصة نظرا للفشل الكبير الذي يعاني منه نظام التعليم في هذه الدولة ذلك اضافة الى الأختلال السكاني الذي نتج عن مسيرة التنمية السابقة . فتصنيف هذه الدولة من حيث جودة تعليمها هي مرتبة 90 من 125 دولة ويشير الى تقرير البنك الدولي الذي يؤكد بان مخرجات اقتصاد المعرفة في تراجع منذ عام 2005 وكذلك حال معدلات التسجيل التي تشير الى تراجع مشاركة ابناء الدولة في النظام التعليمي خاصة الذكور منهم . ولايختلف حال حجم الأنفاق التعليمي فهذا الأنفاق اقل من ما تنفقه الدول المحيطة ولايمكن مقارنته بميزانيات الدفاع . أما عدد ابناء الدولة العاملين في القطاع التعليمي فهو في تراجع كذلك بسبب ضعف الحوافز ويشير المؤلف الى بعض الجهود التي تبذل حاليا لتصحيح هذا الأخفاق التعليمي من خلال التعاقد مع الجامعات الأجنبية والتأكيد على البحث العلمي ولكن المؤلف لم يقل لنا كيف يمكن للقيادات التي كانت نفسها مسؤولة عن الأخفاق التعليمي ان تعالج هذا الأخفاق في ظل معطيات سياسية تفتقر الى المساءلة والمحاسبة . هناك كذلك ما يطلق عليه المؤلف خارطة الطريق للأصلاح السياسي التي يتطرق حولها لنقطتين أولهما أن حكومة الأمارات استطاعت حتى الآن كما يقول أن تستوعب المجتمع بطرق تقليلدية وغير تقليلدية للمشاركة ولكنه لايقدم لنا دليل على ذلك ولايبين لنا ما معنى النجاح في هذه الحالة خاصة وانه يعرف حجم الأخفاقات على كل الأصعدة ومن أهمها التعليم ، هذه الأخفاقات التي نتجت بالدرجة الأولى بسبب غياب الرقابة المجتمعية على سياسات الأسرة الحاكمة . أما النقطة الثانية فانه يدين فيها تجربة المشاركة التي تمت في عام 2006 والتي يستخف بها كغيره أما نحن فاننا نعتقد انها كانت تجربة اقرب الى " المسرحية الفاشلة" التي اثبت لنا نحن ابناء المجتمع ضحالة تفكير القيادات في هذه الدولة فهذه التجربة وان كانت فيها اساءة لأبناء هذه الدولة الا انها اساءة اكبر للقيادات المتربعة على عرش هذه الدولة والا فكيف تقوم حكومة بالألتفاف والتحايل على حق من حقوق شركائها في هذه الدولة وتمنعهم من اختيار ممثليهم بصورة حرة ونزيهه وقد كان الأجدر بها أن تعترف بهذا الحق وتعيده الى أهله باجمل صورة ؟ ويثير المؤلف بعد ذلك مشكلة أخرى تعاني منها هذه الأمارة وهي السرية وغياب الشفافية في ما هو حق لأبناءالأمارة جميعا كما وان التعامل مع العالم يتطلب الوضوح والشفافية في تعامل المؤسسات داخليا وخارجيا . ويتحدث المؤلف كذلك عن مشكلة الرقابة على الصحف والتلفونات والأنترنت التي تمارسها حكومة دولة الأمارات وهو مما يتعارض مع متطلبات بناء المجتمعات المعاصرة ومع الحريات الأساسية للأنسان . ولايفوت الكاتب كذلك أن يتحدث عن مقاطعة اسرائيل وبعض الممارسات التي يعتبرها " لاسامية "في الأمارة طبعا متناسيا أنه يتحدث عن مجتمعات سامية وكذلك متناسيا أن الفلسطينيين لم يحتلوا أرض اليهود ولم يقوموا بتصفيتهم عرقيا وانما اليهود هم الذين قاموا بمجزرة غزة التي انكرها الشرفاء في كل رقاع العالم ، ولكن يبدوا ان المؤلف لازال مبرمجا باحداث ماضية وبخلفية متحيزة ضد العرب والمسلمين عل الرغم من ان امثاله ممن عاشوا في هذه المنطقة اكتشفوا وبسرعة زيف ما تدعيه اسرائيل وقد يدرك هو هذه الحقائق ولو بعد حين .واخيرا يتحدث المؤلف عن مجموعة من المشكلات كحقوق الأنسان في دولة الأمارات والتفاوت المعيشي بين الأمارات الغنية والأمارات الفقيرة وضعف المؤسسات الأتحادية واثر الأزمة المالية الحالية خاصة في دبي على مستقبل العلاقة بين أمارتي أبوظبي ودبي واثر كل ذلك على مستقبل الأتحاد وهي كلها امو تعتبر هامة وجديرة بالعلاج من قبل صانعي القرار في هذه الدولة .
وفي الختام لنا كلمة
كما ذكرنا في المقدمة لقد راجعنا لهذا المؤلف كتابا سابقا عن تجربة دبي التنموية وعلى الرغم من تحفظنا على بعض اطروحات هذا المؤلف في تقييمه لتلك التجربة الا أن ذلك التقييم كان موضوعيا ونافعا الى حد كبير . اما تقييم المؤلف لتجربة أبوظبي فلم تكن بنفس العمق الذي تمنيناه فقد شاب هذا التقييم السطحية والتعميم والخلط بين كم المؤسسات والمشروعات وتحقيق التنمية الفعلية ولانعرف لذلك سببا واذا أردنا أن نخمن فقد يعود ذلك الى عدم تمكن الكاتب من ادبيات التنمية وكيفية ومتى حدوثها وقد يكون بسبب عدم اطلاعه فعلا على ما يحدث في أبوظبي وأخيرا قد يكون ذلك راجعا لغاية في نفس يعقوب وان كان ليس لدينا ما يثبت ذلك . على أية حال وكعادتنا في هذه القراءات نود أن نؤكد هنا لمن يهمه الأمر من أبناء ابوظبي حكاما ومحكومين ولبقية زوار الموقع باننا وبكل صدق وحسرة لانعتقد أن ما يحدث في أبوظبي من مهرجانات وتمثيل افلام وشراء متاحف وانفاق غير مبرر على مؤسسات تعليمية مستوردة كالمعلبات وتفريخ مؤسسات لاوظائف فعلية لها ولايتعدى دورها توزيع الغنائم بين المتنفذين هو من التنمية في شيء . وطبعا ليس من التنمية مظاهر الأزياء وتمليك كل مرتزقة العالم اصول في أبوظبي أو الأغداق عليهم برواتب خيالية لاتتناسب مع قدراتهم ولا مع مل يحصل عليه المواطن في نفس الوظائف . وليس من التنمية كذلك مطالبة الخريجين من أبناء أبوظبي أو الدولة بسنوات خبرة تعجيزية أفتقدها وافتقد غيرها كثير من المسؤولين الذين تربعوا على المسؤولية بالواسطة والمحسوبية والوراثة . فاذا كان الهدف هو نهضة البلد فكيف تبرر هذه القيادات تولي أبناء الأسرة الحاكمة مناصبا من غيرخبرة بل والأكثر من ذلك هو أن هناك من بين أبناء الدولة من هو أكثر منهم تأهيل كذلك بمرات ومرات بينما اذا تخرج المواطن الذي ساهم اجداده في بناء هذا الوطن وبدأ يبحث عن عمل ليبدا حياته تلقفته زمرة من المرتزقة خاصة الأجانب منهم تطالبه بسنوات خبرة حتى تظل هي ومن وظفها تستفرد بثروات المجتمع ؟ هل حب الوط هو ان تكيل الأسرة الحاكمة في أبوظبي بمكيالين ، فهي تتصدر المناصب من غير تأهيل ولاخبرة وتسد الأبواب على المواطين بالمرتزقة الذين يدعون الخبرة والتأهيل ؟ في الدول الأخرى التوطين يعني وضع المواطن بجانب الوافد ليحل محله خلال فترة زمنية محددة أما في أبوظبي فيبدوا أن المعادلة اصبحت معكوسة حيث ان الأجانب خاصة غير العرب وغير المسلمين صار يجلس الواحد منهم بجانب المواطن ليحل محله خلال فترة قصيرة جدا لأن هذه هي رؤية القيادة الحالية في أبوظبي للتوطين . وليس من التنمية كذلك مظاهر الفساد الأخلاقي التي يروج لها في الأمارة والتي نرجو أن لانجد انفسنا مضطرين لكشفها بتفاصيلها وباشخاصها في المستقبل ؟ كذلك ليس من المنطقي والثقة في المواطن أن يتدخل الأمن في توظيف أبناء الأمارة لأعتبارات لاتتعلق بالولاء للوطن وانما لأعتبارات تتعلق برضا مسؤول أو آخر عنهم ، أو لأنهم ممن يرفضون الفساد وأهله . فالذي ارتكب جرم من ابناء الأمارة يفترض أن يقدم للقضاء ليحكم في أمره ولاينبغي أن تمارس عليه هذه المكارثيه البغيضة التي تعبر عن ضيق أفق بالرأي الآخر وانكار لحق أساسي لأبناء الوطن . وبالتأكيد ليس ارسال جيشا الى افغانستان للوقوف بجانب الولايات المتحدة في مواجهة شعب يدافع عن عقيدته وأرضه وعرضه هو من القرارات الحكيمة او من القرارات التي تحفظ أمن أهل الأمارات أو تعبر حتى عن قيم هذا المجتمع ونحن نتساءل عن ماذا سيقول من اتخذ هذا القرار لخالقه يوم القيامة ولأبناء الدولة عندما تتحرر أفغانستان بمشيئة الله من كل الجيوش الغازية . وليس كذلك من وسائل الحفاظ على المال العام تدعيم مصارف أجنبية شارفت على الأفلاس بأموال أبناء أبوظبي وابناء الدولة كما حصل في حالة مجموعة سيتي بنك نتيجة لضغوط سياسية مارسها روبن وزير الخزانة أيام كلنتون . وليس الموقف الذي اتخذه بعض المسؤولين في هذه الدولة تجاه غزة وما رافقه من تعاون مع دايتون وشركاه بأقل سوءا وعدم استشعار للمسؤولية تجاه قضية العرب الأولى من ارسال جيش الى افغانستان ولاشك ان التاريخ كعادته لن يرحم من تحالف مع الأعداء .و ليس من العدل وألأنصاف اجراء انتخابات هي أقرب الى المسرحية  الممجوجة التي تدل على الطبيعة غير السوية لمن اعدها ونفذها . وأخيرا وليس بآخر ان من مظاهر نموذج ابوظبي "لتنمية الدعاية" انه نموذج أدى الى التخلص من مئات ألأساتذة العرب خاصة الفلسطينيين الذين كان لهم الفضل في تربية كثير من أبناء الأمارة عبر حقب زمنية واستبدالهم بمجموعة من المدرسين المسرحين ، نعم الذين لم يعودا قادرين على القيام بمهماتهم في النظام التعليمي بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة وهم في مرحلة التعاقد الآن كما تشير الى ذلك بعض المصادر الغربية . هذا السلوك طبعا قد سبق وشاهدناه قبل ذلك في جامعة الأمارات وبقية المؤسسات التعليمية التي كانت تستورد المتقاعدين من الغرب ليحلوا محل المواطنين - اي التوطين على طريقة القيادات في أبوظبي وفي الأمارات . وهنا نضع امام القيادات في أبوظبي حقيقة وهي انهم لو تأملوا النظم التعليمية في السعودية والكويت وعمان لوجدوا أن الأمارات تمشي في أتجاه معاكس للمسار الصحيح لأن هذه الدول يلعب المواطن فيها الدور الرئيسي بينما دور ابناء في وطنهم هو في حالة انحسار لصالح مرتزقة العالم وبالتالي فعلى أمارة أبوظبي اعادة النظر في هذه السياسات التي لامبرر لها اطلاقا لأنها ستقود الى كوارث ليس المجال لتفصيلها هنا .  
باختصار اننا لانرى نموذجا تنمويا في أبوظبي وانما نرى تهافت على السلطة والثروة وتحجيم دور أبناء الأمارة وتسليم قيادة المؤسسات الى اعداد متزايدة من الأجانب الذين لامؤهلات فعلية لهم الا التملق للمسؤولين ومشاركتهم في تبذير ثروات الأجيال الحالية والمستقبلية في ظل غياب الرقابة المجتمعية . ونحن وان كنا قد تحدثنا كثيرا عن مفهوم ووسائل تحقيق التنمية الناجعة والمستدامة ولن نكرر هنا ما قلناه هناك الا اننا نود أن نؤكد مرة أخرى على أن ما يحدث في أبوظبي هو ليس تتمية فعلية تخدم الأجيال الحاضرة والقادمة وانما ما يحدث هو أقرب الى "تنمية الدعاية" ولانقول دعاية التنمية لأنها هذه الأخيرة اقل ضررا من تنمية الدعاية ، وفي اعتقادنا ان ذلك يعود لواحد من أمرين هما : اما عدم رغبة القيادات في أبوظبي في تحقيق التنمية الفعلية لأن لهذه التنمية شروط ومقدمات تتعارض مع المصالح الشخصية لهذه القيادات ، أو الأمرالثاني وهو أن هذه القيادات ليس لديها الفهم الصحيح للتنمية الحقيقية وآليات تحقيقها ، أو قد يكون الأمر مزيج من الأمرين وان كنا نعتقد أن وزن السبب الأول هو الغالب  . لذلك فاننا نذكر مرة أخرى بأن هناك شروط لابد من تحقيقها حتى نستطيع القول بان أمارة أبوظبي تسير في المسار التنموي الصحيح وهذه الشروط يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
أولا : ان الخطوة الأولى والركيزة الأساسية لأي مشروع تنموي جاد في أبوظبي لابد أن ينطلق من اقرار الأسرة الحاكمة بانها جزء من المجتمع لها ما له وعليها ما عليه لأن جميع أبناء ابوظبي سواسية في الحقوق والواجبات وليس لأحد فضل أو أسبقية الا بقدر ما يقدم من خدمة لبلده .
ثانيا : اذا ترسخت القناعة بأن أبناء أبوظبي متساوون في الحقوق والواجبات وهم الذين يجمعون على من يقودهم ، فان قيم العمل والجهد والأستقامة ستبدا بالأزدهار في عقول ونفوس أبناء الأمارة لأنهم سيدركون أن جهدهم واخلاصهم للوطن هو وحده الذي سيكسبهم مكانه وتقدم وليس رضا زيد أو عمر عنهم أوالتسلق في المناصب لمكاسب آنية . وسيدرك كذلك أبناء الأسرة الحاكمة بانهم كغيرهم من أبناء الوطن عليهم ان يطورا قدراتهم ومواهبهم وينافسوا غيرهم ويثبتوا جدارتهم بجهودهم لابامتيازات متوارثة وبذلك سيساهمون كبقية اخوتهم في بناء الوطن وهذا وحده هو الذي سيحقق لهم الأحترام والتقدير .
 
ثالثا : هذا يعني أن الثروة تكون أمانة لدى الحاكم في أبوظبي يأخذ منها بموافقة ممثلي المجتمع الذين يتم انتخابهم من أبناء أبوظبي ويكون نصيبه مقابل مسؤولياته وليس بسبب انتمائه لأسرته ، وهذا يعني أن بقية الثروة توضع وبكل شفافية في موازنة الأمارة وبعد ذلك توجه الى مشروعات التنمية طبقا لقرارات المؤسسات المنتخبة في الأمارة من اجل الأجيال الحالية والمستقبلية .
رابعا: ان ترجمة المبادء السابقة تتطلب أن تقوم الأمارة ببناء مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية واعلامية مستقلة عن بعضها البعض مع التأكيد على أن يكون عمودها الفقري هم أبناء الأمارة وينبغي أن توضع خطة جادة لتطوير المؤسسات التعليمة ، وحتى يتم ذلك فعليا يجب ان ترسل البعثات وراء البعثات في كافة التخصصات وفي اطار رؤية هادفة الى توطين الوظائف بصورة جادة وفي ظل برنامج زمني واضح وتعضد هذه الجهود ببرامج تدريبة مناسبة ومتطورة ولابد ان ترتكز العملية التربوية على قيم وثوابت هذ المجتع لأن التفريط فيها هو اقرب الى الأنتحار.
وأخيرا اننا ندرك ان كلامنا هذا سيذهب ادراج الرياح لدى كثير من المسؤولين الذين اسكرتهم الثروة والمناصب والغرور وكثير من علماء السلطان وكثير من انصاف المثقفين والمتعلمين ولكننا متمسكون بهذه المباديء وواثقون من صحتها لأننا نؤمن ان كثيرا من الزبد الذي اطلقنا عليه " تنمية الدعاية " سيذهب جفاء بمشيئة الله واما المباديء التي نطالب بها فنحسبها من الحق الذي ينفع الناس وسنزرعها في قلوب الأجيال وعقولهم حتى تفيق هذه الأمة وتفرز قيادات تخاف الله وتحترم شعوبها وتعمل على رقيها .  
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق