الصفحات

الأربعاء، 9 أبريل 2014

فيما يدين به أهل المحبة من شرائع العوائد المستحبة

فيما يدين به أهل المحبة
من شرائع العوائد المستحبة
اعلم إن أول ما ينبغي أن نبدأ به ما يجب من الأدب على الجليس في مصاحبة الرئيس فمن واجب أدبه أن الداخل على الرئيس أحد رجلين أما خصيص به أو أجنبي عنه فإن كان أجنبيا فينبغي له إذا أذن له في الدخول إليه أن يقف حيث يراه وأن يبدأ بالسلام إذا دخل عليه وينظر بعين الاكبار إليه فإن استدناه دنا وإن أذن له في الجلوس فليجلس حيث انتهى به المجلس حتى يدنيه إن أراد اكرامه فإن في ذلك تبجيلا لقدره وتأثيلا لتحسين ذكره قال الأحنف بن قيس لأن أدعى من بعد أحب إلي من أن أبعد من قرب وإن كان خصيصا به ممن يجلس إلى جانبه ويفشي إليه من سره ما يكتمه عن غيره فينبغي له وقت جلوسه أن يكون بينه وبين الرئيس فرجة لاحتمال أن يجئ من يجب عليه اكرامه ويرفع منزلته فيجلس في تلك الفرجة ومن أدب الرئيس قلة الخلاف والمعاملة بالانصاف وترك الجواب على فاحش الخطاب وستر العيب وحفظ الغيب وأن يحسن الحديث إذا حدث ويحسن الاستماع إذا حدث وليكن حرمة مجلسه إذا غاب كحرمته إذا حضر وقالوا إذا كلمك رئيسك فاصغ إليه بسمعك وأقبل عليه بوجهك ووكل بشفتيه ناظريك وأشغل بحديثه خاطرك واسمعه سماع مستبشريه مستظرف له وإن أحكمته علما وأتقنته فهما وأن لا تفرط في الدلالة عليه فربما ساقت الانقباض إليه وفي كلام بعض الحكماء الاستماع بالعين فإذا رأيت عين من تحدثه مقبلة على غيرك فاصرف حديثك إلى غيره شاعر في بني العباس
إذا حدثوا لم بخش سوء استماعهم ... وإن حدثوا أبدوا بحسن بيان
وما أحسن قول من قال
إذا ما سيد أدناك فاعلم ... بأن عليك عين الانتقاد
فكن عف الجوارح ذا حفاظ ... فعين الانتقاد بلا رقاد
(1/243)

وقال العباس لولده عبد الله إن هذا الرجل يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستخليك ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من الصحابة وإني أوصيك بخمس خلال لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تجرين عليه كذبا ولا تعصين له أمرا ولا تطلعنه منك على خيانة وقالوا من دخل على السلطان فعليه بتخفيف السلام وتقليل الكلام وتعجيل القيام ومن أدبه أن يكون مع رئيسه كما كان حارثة بن بدر مع زياد حكى أن زياد اليم على استئثاره حارثة ابن بدر فقال كيف أطرح رجلا هو يسايرني منذ دخلت العراق لم يصكك ركابه ركابي ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه ولا تأخر عني فلويت عنقي إليه ولا أخذ علي الشمس في شتاء ولا الروح في صيف ولا سألته عن شيء من العلوم إلا حسبت أنه لا يحسن غيره وقالوا لا يقدر على صحبة الملوك إلا من لا يستقل ما جملوه به ولا يغر بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يطغي إذا سلطوه ولا يبطر إذا أكرموه ولا يلحف إذا سألهم وقالوا اصحب الملوك بالحرمة والصديق بالتواضع والعدو بالحجة والعامة بحسن الخلق وقالوا من استخف بالاخوان أفسد مروأته ومن استخف بالعلماء أفسد دينه ومن استخف بالملوك أفسد دنياه وقال عبد الملك بن صالح لعبد الرحمن بن وهب الحمصي مؤدب ولده بعد أن استخلصه وأنزله فوق منزلته يا عبد الرحمن إني قد جعلتك جليسا مقربا بعد أن كنت تابعا مبعدا ومن لم يعرف نقصان ما خرج منه لم يعرف رجحان ما دخل فيه لا تطريني في وجهي فأنا أعلم بنفسي منك ولا تساعدني على شيء يقبح وإن لج بي الغضب فإن مرآة الرضا ترغبني عنه فينقص عندي دينك بالمساعدة عليه وكن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فقد قيل إذا أعجبك الصمت فتكلم ولا تردن علي في محفل وكلمني بقدر ما استطعمك واعلم أن الاستماع أحسن من القول وإذا حدثتك حديثا فلا يفوتك منه شيء فإن قلة التفهم من القائل وضع له وأرني فهمك في طرفك فرب طرف أنطق من لسان ويجب على الرئيس في معاشرة الجليس الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أدبه قال أنس بن مالك ما بسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه بين يدي جليس قط ولا جلس إليه أحد فقام من عنده حتى يكون الرجل هو الذي يقوم ولا صافحه أحد قط فأخذ يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يأخذ يده ولا رأيته قام مع أحد فانصرف عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف وكان يكرم من يدخل إليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه بالجلوس عليها ويكنى أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم إليهم ولا يقطع على أحد حديثه وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف من صلاته وسأله عن حاجته وقال سعيد بن العاص رضي الله عنه لجليسي علي ثلاث إذا دنا رحبت به وإذا جلس وسعت له وإذا حدث أقبلت عليه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاث تثبت لك المحبة في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه وقال يحيى ابن خالد لولده جعفر يا بني إذا حدثك جليسك فأقبل عليه واصغ إليه ولا تقل قد سمعناه وإن كنت أحفظ له منه حتى كأنك لم تسمعه إلا منه فإن ذلك مما يكسبه المحبة والميل إليك ولا تستخدمه إذا جلس إلى مؤانستك فقد حكى أن هشام بن عبد الملك كان يعتم فقام إليه سعيد بن الوليد المعروف بالأبرش ليسوي عمامته فقال له مه إنا لا نتخذ الاخوان خولا وقام عمر بن عبد العزيز وأصلح السراج لجلسائه فقال أحدهم ألا أمرتني يا أمير المؤمنين فكنت أكفيك اصلاحه فقال ليس من المروأة أن يستخدم المرء جليسه قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر
ومما يثني عطف الصديق إلى التألف
زيارته صديقه من غير انقطاع ولا تكلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا أو زار أخا نادى مناد أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلا وأحسن ما يقال امش ميلا وعد أخا وامش ميلين وأصلح بين اثنين وامش ثلاثا وزر أخا في الله وقالوا المودة جسم روحها الزيارة وقالوا المحبة شجرة ثمرتها المقة وأصلها الزيارة شاعر
رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفر يسعى به وهو لا يدري
تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وزورة ذي ود أشد به أزري
(1/244)

وعلى الزائر في الزيارة الأغباب فإنه به يؤمن من تجافي الأحباب قال عليه الصلاة والسلام زر غبا تزدد حبا وقالوا ربما كان التقالي في كثرة التلاقي وما أحسن قول عبد المنعم بن غلبون المقري
عليك بأغباب الزيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى العي مسلكا
ألم تر أن الغيث يسألم دائما ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وقالوا قلة الزيارة أمان من الملالة وقالوا كثرة التعاهد سبب التباعد شاعر
زر قليلا لمن يودك غبا ... فدوام الوصال داعي الملال
اعتذار من لم يزر أظرف ما كتب في ذلك قول علي بن الجهم
أبلغ أخانا تولى الله صحته ... إني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وإن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه
الله يعلم أني لست أذكره ... وكيف يذكره من ليس ينساه
مكاتبات في استدعاء الزيارة كتب بعضهم إلى صديق له طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي وقد جعلك الله للسرور نظاما وللأنس تماما فاطلع في فلك عيني شمسا وفي سماء قلبي بدرا فامضاء العزم بالحر أحرى وكتب سعيد بن حميد لبعض أصدقائه قد طلعت الكواكب تنتظر بدرها فرأينك في الطلوع قبل غروبها شاعر
ولما نزلنا منزلا جله الندى ... أنيقا وبستانا من النور جاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا
آخر
لو تفضلت بالمجئ إلينا ... لقررنا بقرة العين عينا
وكتب آخر يومنا أعزك الله رقيق الحواشي لين النواحي ذو سماء قد رعدت وبرقت وأنت موضع السرور ونظام العيش والحبور فأقبل إلينا تنعم ولا تتأخر عنا تندم وإنك بطاعتنا تسعد وبمخالفتنا لا ترشد كتب بعضهم إلى صديق له يستزيره بأبيات منها
والألف لا يصبر عن ألفه ... أكثر من يوم ويومين
وقد صبرنا عنكم جمعة ... ما هكذا فعل المحبين
وكتب حميد بن مهران إلى أبي أيوب الهاشمي يستدعيه
أقيك الردى يا بديع الورى ... ومن حل من هاشم في الذرى
ويفديك من وده في المغيب ... إذا امتحن الود واهي العرى
وصالك يعدل صدق الرجا ... وصفو المدام وطيب الكرى
وقد تاقت النفس من وامق ... إلى أن تراك فماذا ترى
آخر
جعلت فداك في رأسي خمار ... وليس دواؤه إلا العثار
وعندي من تحب فدتك نفسي ... وأقداح وأكواب تدار
فبادر غير مأمور سريعا ... فإن بنا لموردك انتظار
ومن أظرف الاستدعاوات ما كتب به الرشيد هرون إلى جعفر بن يحيى
سل عن الصارم ابن يحيى تجده ... راحلا نحونا من النهروان
ليصون المدام سهدا ويغشى ال ... هجر بين الأصوات والعيدان
فأتنا نصطبح ونلتذ جمعا ... لثلاث بقين من شعبان
فقام إليه وقدم بين يديه رقعة مكتوبا فيها
إن يوما كتبت فيه إلى عب ... دك يوم يسود كل زمان
يوم لهو كأنه طلعة الكأ ... س إذا قابلت خدود القيان
فاصطبح واغتبق فداؤك نفسي ... من جميع الآلام والحدثان
آخر
عندنا جدي رضيع ... ودنين غير فارغ
وطفيلي مليح ... واغل في الكأس والغ
وغزال من بني الدي ... لم يحكي البدر بازغ
ماله عندك عيب ... غير أن ليس ببالغ
والزلال العذب مع بع ... دك ملح غير سائغ
فتحشم واركب الهم ... لاج واحضر لا تراوغ
وكتب بعض المجان
عندنا قدر فريك ... ليس للقدر شريك
ونبيذ في رطيل ... وغلام مستنيك
فتعالوا نتغدى ... ثم نشرب وننيك
وما أحسن قول المعتمد بن عباد يستدعي ندماءه من الزهراء إلى قصره بقرطبة
حسد القصر فيكم الزهراء ... ولعمري وعمركم ما أساؤا
قد طلعتم بها شموسا صباحا ... فاطلعوا عندنا بدورا مساء
ولآخر
(1/245)

وماذا عليكم لو مننتم بزورة ... فأوجبتم فيها علينا التفضلا
فإن لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا ... فكونوا أناسا تحسنون التجملا
اعتذار من لم يزر أبو إسحق الصابي
عراني عنك يا مولا ... ي عذر أيما عذر
عصوف الريح مع مد ... عظيم زاخر يجري
فلم أقدم على الماء ... ولم أجسر على الجسر
ولم أسمع إلى الآن ... على ما مد من عمري
بريح حجبت روحا ... وبحر صد عن بحر
وهو مأخوذ من قول الحسن بن وهب وقد اعتذر عن تأخره عن زيارة محمد بن عبد الملك الزيات لمطر عاقه عن زيارته
أوجب العذر في تراخي اللقاء ... ما توالى من هذه الأنواء
لست أدري ماذا أذم وأشكو ... من سماء تعوقني عن سماء
غير أني أدعو على تلك بالصح ... و وأدعو لهذه بالبقاء
فسلام الإله أهديه مني ... كل يوم لسيد الوزراء
كتب بعض ظرفاء المحبين إلى محبوبه يستدعيه لزيارته فلم يجبه بما أحب
كتبت إليك من شوقي بدمعي ... وحرمة وجهك الحسن الجميل
لقد أسهرتني وأطلت ليلي ... وأضحكت العواذل من عويلي
فكان جوابه لما قرأه
لقد أثقلت في عتب طويل ... وقد أكثرت من قال وقيل
فأما ما ذكرت فقد فهمنا ... وليس إلى الزيارة من سبيل
ومن أحسن ما أوجبه الوداد وافترض عيادة الأخ أخاه في حال المرض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في حديقة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما حديقة الجنة قال جناتها حكى أن المسور بن مخرمة اعتل فجاءه ابن عباس نصف النهار فقال له المسور يا ابن عباس إن أحب الساعات إلي ساعة أودي فيها حق الصديق دخل بعضهم على محمود الوراق يعوده فأنشده
فإنك تك حمى الغب شفك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر
وقيناك لو يعطي الهوى فيك والمنى ... لكانت بنا الشكوى وكان لك الأجر
وكتب أبو تمام حبيب بن أوس الطائي إلى الحسن بن وهب يتوجع له من حمى أصابته
يا حليف الندى ويا توأم الجو ... د ويا خير من حبوت القريضا
ليت حماك لي وكان لك الأج ... ر فلا تشتكي وكنت المريضا
وكتب أبو الفتح خاقان يتوجع للمتوكل من رمد اعتراه
عيناي أجمل من عينيك للرمد ... فاسلم وقيت الردى في آخر الأبد
من ضن عنك بعينيه ومهجته ... فلا رأى الخير في مال ولا ولد
ويجب على اللطيف الظريف في عيادة المريض الضعيف تخفيف السلام وتقليل الكلام وتعجيل القيام ويقال جلسة العيادة خلسة وقالوا التخفيف خير عادة في العيادة فإن حاله كما قال عمرو بن العلاء وقد عاده صديق في مرض ألم به فابطأ عنده فقال له ما يبطئك قال أريد أن أسامرك قال أنت معافى وأنا مبتلي والعافية لا تدعك تسهر والبلاء لا يدعني أنام والله أسأل أن يسوق لأهل العافية الشكر وإلى أهل البلاء الصبر ومن آدابه الأغباب فإنه جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أغبوا في زيارة المريض واربعوا إلا أن يكون مغلوبا وحكى سلمة قال دخلت على الفراء أعوده فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي ادن فدنوت فأنشدني
حق العيادة يوم بعد يومين ... ولحظة مثل لحظ العين بالعين
لا تبرمن مريضا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسأل بحرفين
آخر
أدب العيادة أن تكون مسلما ... وتكون في أثر السلام مودعا
فإذا نظرت إلى العليل فلا تكن ... متخشعا في اللمح أو متوجعا
بل كن إذا أبدى الحراك مسكتا ... منه وعند الخوف منه مشجعا
واحذر بأن تنعي إليه ميتا ... أو أن تذكره لميت مصرعا
وإذا وجدت عليه اشفاقا فقم ... من غير أن ترأى بذلك مسرعا
وتوق شر العائدين فشرهم ... من كان منهم موهما ومروعا
دخل علي بن إبراهيم العلوي المعروف بالأعرج على علي بن عيسى عائدا فأنشده
(1/246)

كم لوعة للندى عليك وكم ... من قلق للمجود من قلقك
ألبسك الله ثوب عافية ... في نومك المعتري وفي أرقك
ينزع من جسمك السقام كما ... نزعت حبل الملام من عنقك
آخر
تلقيت السلامة من مريض ... توقى كل نائبة تنوب
فإنك ما اعتللت بل المعالي ... وإنك ما مرضت بل القلوب
آخر
ولما اشتكيت اشتكى كل ما ... على الأرض واعتل شرق وغرب
لأنك قلب لهذا الزمان ... وما صح جسم إذا اعتل قلب
البسامي
إذا ما صديق لي تأوه واشتكى ... عدمت سروي ما اشتكى ورقادي
وحرمت شرب الراح ما دام شاكيا ... ولم أخله من طارفي وتلادي
اعتذار من لم يعد
إن كنت في ترك العيادة تاركا ... حظي فإني في الدعاء لجاهد
فلربما ترك العيادة مشفق ... وأتى على غل الضمير الحاسد
ولآخر
كحلت مقلتي بشوك القتاد ... لم أذق مذ حممت طعم الرقاد
يا أخي الحافظ الاخوة والنا ... زل من مقلتي مكان السواد
منعتني عليك رقة قلبي ... من دخولي عليك في العواد
لو بأذني سمعت منك أنينا ... لتفتت من الأنين فؤادي
ولآخر يعتذر بكونه لم يعلم
دفع الله عنك نائبة السو ... ء وحاشاك أن تكون عليلا
أشهد الله ما علمت وما ذا ... ك من العذر جائزا مقبولا
ولعمري أن لو علمت لقاسم ... تك نصفا وكان ذاك قليلا
فاجعلن لي إلى التعلق بالعذ ... ر سبيلا ألم أجد لي سبيلا
فقديما ما جاد ذو الود بالود ... وما سامح الخليل الخليلا
الشريف أبو يعلى بن الهبارية
العذر في تركي عيادة سيدي ... إني له فيما اعتراه مقاسم
لا بل نصيبي منه فوق نصيبه ... وعليه فيما أدعيه مياسم
فلئن تألم جسمه أفديه من ... داء يخامره وقلبي يألم
وأنا أحق بأن أعاد وإنما ... يدعي لخدمته الصحيح السالم
حكى محمد بن داود الظاهري في كتاب الزهرة أن الرشيد لما بلغه أن الفضل ابن الربيع عليل كتب إليه معتذرا عن تأخره عن العيادة
أعزز علي بأن تكون عليلا ... أو أن يكون بك السقام نزيلا
ولئن سئلت أجيب عنك بلوعة ... إذ قيل أوعك أو أحس غليلا
فوددت أني مالك لسلامتي ... فأعيرها لك بكرة وأصيلا
هذا أخ لك يشتكي ما تشتكي ... وكذا المحب إذا أحب خليلا
أنشدني الشيخ الامام الفقيه المفيد أمين الدين محمد بن علي المحلي النحوي لنفسه يعتذر من تركه لعيادة بعض الرؤساء
إن جئت نلت ببابك التشريفا ... وإن انقطعت فأوثر التخفيفا
فوحق حبي فيك قدما إنني ... عوفيت أكره أن أراك ضعيفا
ومما يورد من المحبة أعذب الموارد هدية يستطف بها القلب الشادر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وقال عليه الصلاة والسلام تهادوا فإن الهدية تذهب وغر الصدور وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقال لو أهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت وقالت عائشة رضي الله عنها اللطفة عطفة تزرع في القلوب المحبة والألفة وفي الأثر الهدية تجلب إلى المودة القلب والسمع والبصر شاعر
إن الهدية حلوة ... كالسحر نجتلب القلوبا
تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيره حبيبا
وتعيد مضطغن العدا ... وة في تباعده قريبا
(1/247)

ومن أمثالهم إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجر وقال الجاحظ ما استعطف السلطان ولا استرضى الغضبان ولا أزيت السخائم ولا استدفعت المغارم بمثل الهدايا وقالوا في نشر المهاداة طي المعاداة وقال ضياء الدين بن الأثير في رسالة يذكر فيها الهدية الهدية رسول يخاطب عن مرسله بغير لسان ويدخل على القلوب من غير استئذان وبهدية المرء يستدل على عقله كما ذكر أن رجلا أهدى إلى قتادة نعلا رقيقة فجعل النعمان يرزنها بيده ويقول يعرف قدر الرجل في سخف هديته اللهم إلا أن يهدي شيأ مخيفا حقيرا فيصيره بالاعتذار عنه شريفا خطيرا كما فعل أبو العتاهية فإنه أهدى إلى الفضل بن الربيع نعلا وكتب له معها
نعلا بعثت بها لتلبسها ... قدم تسير بها إلى المجد
لو كان يحسن ان أشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي
وأهدى الأخيطل الأهوازي إلى ابن حجر في يوم نوروز طبقا فيه وردة وسهم ودينار ودرهم وكتب معه
قل لابن حجر ذي السماح الخضرم ... لا زلت كالورد نضير المبسم
ونافذا مثل نفاذ الأسهم ... في عز دينار ونجح درهم
وقال بعضهم من امتنع من اهداء القليل لجلالة قدر المهدي إليه انقطعت سبل المودة بينه وبين اخوانه ولزمه الجفاء من حيث التمس الاخاء أبو العتاهية
هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في القلوب هوى وودا ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا
آخر
ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق
إذا تلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش نبوة بواب ولا غلق
لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبة يكرمون الناس أو فرق
وبالجملة إذا كانت من الصغير إلى الكبير فلطفت ودقت كان أبهى وأحسن وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فعظمت وجلت كان أوقع لها وأنجع أهدى يعقوب الكندي إلى بعض اخوانه سيفا وكتب معه الحمد لله الذي خصك بمنافع ما أهدى إليك فجعلك تهتز للمكارم اهتزاز الصارم وتمضي في الأمور مضاء المأثور وتصون عرضك بالارفاد كما تصان السيوف في الأغماد ويظهر دم الحياء في صفحة خدك المشروف كما يشف الرونق في صفحات السيوف وتصقل شرفك بالعطيات كما تصقل متون المشرفيات وأهدى الصابي دواة ومرفعا وكتب معهما قد خدمت مجلس مولانا بدواة يداوي بها مرض عفاته ويروي بها قلوب عداته على مرفع يؤذن بدوام رفعته وارتفاع النوائب عن ساحته وأهدى أيضا إلى بعض الأصحاب فرسا وكتب معه قد قدمت إليك فرسا والله تعالى يبارك لك فيه ويجعل الخير معقودا بنواصيه والاقبال غرة وجهه ونيل الأماني طلق شده وفتح الفتوح غاية شاوه وادراك المطالب تحجيل قوائمه وسلامة العواقب منتهى عنانه والسلام
من أهدى هدية حقيرة واعتذر عنها ... كتب بعضهم مع هدية حقيرة
قبول الهداية اكرومة ... وحاشاك من أن ترد الكرم
فإن الملوك على قدرها ... لتقبل نشابه أو قلم
ابن التعاويذي
هدية المرء تنبي عن مروأته ... وعن حقارة مهديها وخسته
وما يحط من المهدي إليه إذا ... كانت محقرة عن قدر رتبته
فاغفر جريمة من خست هديته ... وتلك منه على مقدار قدرته
وكتب آخر مع هداية أهداها ليلا
بعثت عشيا إلى سيد ... بما هو من خلقه مقتبس
هدية خل صحيح الأخاء ... جرى منه ذكرك مجرى النفس
فجدبا القبول وأيقن بأن ... لفرط الحياء أتت في الغلس
آخر
يا أيها المولى الذي ... عمت أياديه الجميلة
أقبل هدية من يرى ... في حقك الدنيا قليلة
آخر
قد بعثنا إليك أيدك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول
لا تقسه إلى ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجليل
فاغتفر قلة الهدية مني ... إن جهد المقل غير قليل
(1/248)

ومن ظرائف الهدايا التي هي من أحسن ما يسطر في الصحف ويذكر ما يروى أن يحيى بن خالد بن برمك عزم على ختان ولده فأهدى إليه وجوه الدولة كل منهم بحسب حاله وقدرته فصنع بعض المتجملين العاجزين خريطتين وملأ إحداهما ملحا مطيبا وملا أخرى سعدا معطرا وكتب معهما رقعة فيها لو تمت الارادة لأسعفت العادة ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة لتقدمت السابقين إلى خدمتك وأتعبت المجتهدين في كرامتك لكن قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة وخشيت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح والمختتم بطيبه ونظافته وهو السعد باسطا يد المعذرة وصابرا على ألم التقصير متجرعا غصص الاقتصار على اليسير والقائم بعذري في ذلك ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج والخادم ضارع في الامتنان عليه بقبول خدمته ومعذرته والاحسان إليه بالاعراض عن جراءته والرأس اسمي ثم دخل دار يحيى ووضع الخريطتين والرقعة بين يديه فلما قرأ الرقعة أمر أن تفرغا وتملا احداهما دنانير والاخرى دراهم ومن الحكايات المستظرفة ما يحكى أن بعض القيان افتصدت فأهدى لها محبوها هدايا فكان من جملتهم من أهدى ثلاث سلال مخيطة ففتحت سلة منها فوجدتها مملوأة ماشا وفيها رقعة مكتوب فيها ماش خير من لاش وفتحت الاخرى فإذا هي مملوأة عصافير فطاروا وفيها رقعة مكتوب فيها هذه أعتقتها لوجه الله تعالى شكرا له على سلامتك من فصدك وفتحت الاخرى فإذا هي فارغة لا شيء فيها إلا رقعة مكتوب فيها لو كان لهديناه فضحك من كان حاضرا ولم تدع القينة شيأ مما أهدى إليها إلا أعطته منه
اعتذار من لم يهد شيأ
تأنق في الهدية كل قوم ... إليك غداة شربك للدواء
فلما أن هممت بها مدلا ... لموضع حرمتي بك والاخاء
رأيت كثير ما أهدى قليلا ... لديكم فاقتصرت على الدواء
آخر
إن أهد نفسي فهو مالكها ... ولها أصون كرائم الذحر
أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد شكرا فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر
آخر
وافق المهرجان حاشاك مني ... رفعة الحال وهي داء الكرام
فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الزمام
آخر
هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي تفضل عن مالي
فخالص الود ومحض الولا ... أحق ما يهديه أمثالي
ومن واجبات شيم الأحرار ... حفظ ما أودعوه من الأسرار
وكان السر مما يجب على الاخوان أن يأخذوا أنفسهم ويروضوا به طباعهم لما فيه من الفضل وتمام الطبيعة والعقل يحكى أن رجلا أراد صحبة انسان فسأل بعض أصدقائه عنه فأنشده
كريم يميت السر حتى كأنه ... إذا استنطقته عن حديثك جاهله
ويبدي لكم حبا شديدا وهيبة ... وللناس أشغال وحبك شاغله
فقال مثل هذا ينبغي أن يناط بمحبته القلوب ويطلع على خفايا السرائر والغيوب وهذان البيتان لكثير عزة من أبيات وأسر رجل إلى صديقه حديثا فلما فرغ منه قال حفظته قال بل نسيته وقيل لعمرو بن ربيعة كيف كتمانك للسر فقال اجعله عوضا من قلبي وشعبة من نفسي فيكون بخروجه خروجها وقيل لأعرابي ما بلغ من حفظك للسر قال أفرقه تحت شغاف قلبي ثم لا أجمعه وأنساه كأنني لم أسمعه وقالوا قلوب العقلاء حصون الأسرار وقالوا صدور الأحرار قبور الأسرار شاعر
ولي سرائر في الضمير طويتها ... ينسى الضمير بانها في طيه
وقيل لبعضهم كيف كتمانك للسر قال أكتم المخبر وأحلف للمستخبر وما أحسن قول المرتضى وقد سأله الصابي كيف كتمانك للسر في محاورة جرت بينهما
لسر صديقي بين جنبي معقل ... مداه على المستبطنين طويل
إذا لحقت أذني به من لسانه ... فليس عليها للمخاض سبيل
وكتب إليه أيضا
وللسر من بين جنبي ممكن ... خفي قصي عن مدارج أنفاسي
أضن به ضني بموضع حفظه ... فاحميه عن احساس غيري واحساسي
(1/249)

كأني من فرط احتفاظي أضعته ... فبعضي له واع وبعضي له ناسي
آخر
لا يكتم السر إلا من له حسب ... فالسر عند كرام الناس مكتوم
والسر عندي في بيت له غلق ... قد ضاع مفتاحه والبيت مختوم
مجنون ليلى
ومستخبر عن سر ليلى رددته ... بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبرتهم بأمين
يروى أن عليا رضي الله عنه قال لأبي الأسود الدؤلي أريد رجلا مخدانا قال يا أمير المؤمنين ألست كذلك قال بلى ولكن أريد رجلا أستريح منك إليه ومنه إليك وليكن كتوما للسر فإن الرجل إذا أنس بالرجل ألقى إليه عجزه وبجره وقال الشاعر
نصل الصديق إذا أراد وصالنا ... ونعيد بعد صدودنا أحيانا
لا مظهر عند القطيعة سره ... بل حافظ من ذاك ما استرعانا
آخر
إن الكريم الذي تبقى مودته ... ويحفظ السر إن صافي وإن صرما
ليس الكريم الذي إن غاب صاحبه ... بث الذي كان من أسراره علما
سالم اليشكري
إذا ما غفرت الذنب يوما لصاحب ... فلست معيدا ما حييت له ذكرا
ولست إذا ما حال عن حفظ وده ... وعندي له سر مذيعا له سرا
ناقضه آخر فقال
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ... ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي
فإن سخين العين من بات ليلة ... تقلبه الأسرار جنبا إلى جنب
ومما يفصم بين المنجابين عرا المحاورة ... التزام ما يجب من حقوق المجاورة
قال الله تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب فذو القربى الجار الملاصق والجار الجنب البعيد عن الملاصقة والصاحب بالجنب الرفيق في السفر وكان يقال ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وأدنى حقوق الجار أن لا تؤذيه بقتار قدرك وأن تؤمنه من حسدك وشرك وقال جابر بن عبد الله الجيران ثلاثة فجار له حق واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له فله حق الجوار وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له له حق الاسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الاسلام وحق الرحم وحق الجوار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذريا أبا ذر إذا طبخت اللحم فأكثر المرق وتعاهد جيرانك وكان يقال من نال من جاره حرم بركة داره وقد ورد عنه عليه الصلاة واسلام أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ولا يؤذي جاره ولا يخيب من قصده وكان عبد الله بن أبي بكرة ينفق على أربعين دارا من جيرانه من سائر جهات داره الأربع في كل سنة أربعين ألف دينار وكان يبعث إليهم الأضاحي والكسوة في الأعياد والمواسم وأعطى أبو الجهم العدوى في داره بالبصرة مائة ألف درهم فقال لهم وبكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص قالوا وهل رأيت جوارا يشتري قط قال والله لا بعت دارا تجاور رجلا إن غبت عنه سأل عني وحفظني في أهلي وإن رآني رحب بي وقربني وإن سألته قضى حاجتي وحياني وإن لم أسأل عنه عطف علي وبداني والله لو أعطيت فيها ملأها ذهبا ما اخترته عليه ولا نظرت إليه فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال جعفر بن أبي طالب لأبيه يا أبة إني لا أستحيي أن أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على مثله فقال له أبوه إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى وقالوا الاحسان إلى الجار يعمر الديار ويزيد في الأعمار شاعر
إني لأحسد جاركم بجواركم ... طوبى لمن أضحى لدارك جابرا
يا ليت جارك بأعنى من داره ... شبرا فأعطيه بشبر دارا
وقال بعض حكماء العجم حسن الجوار خير قرين وعلى استخلاص المودة خير معين مسكين الدارمي
ناري ونار الجار واحدة ... فإليه قبلي ينزل القدر
ما ضر جار إلى أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جسمها الستر
آخر
أجود وأرعى حرمة الجار إنني ... كريم بمالي كل عرق مهذب
(1/250)

وأمنع جيراني من الضيم والأذى ... واركب من اكرامهم كل مركب
ومن النوادر المحكية في اكرام الجار ما حكى أن يهوديا عطارا نزل ببعض أحياء العرب يبيع لهم من بضاعته العطرية فمات عندهم فأتوا شيخا لهم لم يكن يقطع في الحي أمر دونه فاعلموه بخبر اليهودي فجاء وغسله وكفنه وتقدم وأقام الناس خلفه وقال اللهم إن هذا لنا جار وله علينا ذمام فإذا قضينا ذمامه وصار إليك فلك الخيار أن تفعل به ما هو له أهل أو تفعل به ما أنت له أهل فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة شاعر
راع حقوق الجار في كل ما ... حدده الله وأوصى به
وزره في الصحة مستبشرا ... وعده في السقم وأوصابه
ولا تغيرك له حالة ... تبدو كشهد القول أوصابه
وهذه ظرف تكون لما ذكرناه ختاما ... ولنفس المتأمل وقلبه شركا وزماما
فيما يلزم الأصدقاء من تمازج الأرواح ... امتزاج الصهباء بالماء القراح
قيل لبعضهم صف لنا الصديق قال أنت هو وهو أنت إلا إنكما جسمان بينكما روح وقبل لاسباط الشيباني صف لنا الاخوة وأوجز فقال أغصان تغرس في القلوب فتثمر على قدر العقول وقيل لافلاطون ما معنى الصديق قال هو أنت إلا أنه غيرك وقيل لبعضهم ما الأصدقاء قال نفس واحدة وأجساد متفرقة وقال ابن المقفع الأخ نسيب الجسم والصديق نسيب الروح وقيل لأرسطو طاليس وقد سئل عن الصديق ما معناه فقال قلب تضمنه جسمان نظمه بعض الشعراء فقال
بنفسي أخ لي في الأمور مساعد ... فلي وله جسمان والقلب واحد
إذا غاب عني لم أجد طعم لذة ... لأن فؤادي شطره متباعد
لآخر
بابي من هو منى في الحشا ... ليته يوما على عيني مشى
روحه روحي وروحي روحه ... إن يشأ شئت وإن شئت يشا
ولقد تتبعت ما قاله الناس في الاتحاد فما رأيت ولا سمعت أحسن من قول أبي الحسين الحلاج في ذلك
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا
نحن مذ كنا على عهد الهوى ... تضرب الأمثال في الناس بنا
فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته قلت أنا
وله
جبلت روحك من روحي كما ... يجبل العنبر بالمسك العبق
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا لا نفترق
وله
مزجت روحك من روحي كما ... تمزج القهوة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا في كل حال
وهذا غاية ما بلغه علمي وأدركه فهمي وتصرف الناس في حسن الاختيار معدود من المواهب وللناس فيما يعشقون مذاهب وقد أحسن الشريف الرضي في قوله يخاطب أبا إسحق الصابي
أنت الكرى مؤنس طرفي وبعضهم ... مثل القذى مانع طرفي من الوسن
لقد تمازج قلبانا كأنهما ... تراضعا بدم الأحشاء لا اللبن
ويقال كاتب صديقك كما تكاتب حبيبك فإن عذل الصداقة أرق من عذل العلاقة والنفس بالصديق آنس منها بالعشيق ويقال إذا كاتبت أخاك فليكن المداد من سواد الفؤاد والقرطاس من بياض الوداد فإن من كرمت خصاله وجب وصاله
الفصل الثالث من الباب الخامس عشر
في ذم الثقيل والبغيض
بما استحسن من النثر والقريض
قال الله تعالى وإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث قالت عائشة رضي الله عنها هذه الآية نزلت في الثقلاء وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا استثقل رجلا يقول اللهم اغفر له وأرحنا منه وكان الأعمش واسمه سليمان ابن مهران إذا رأى ثقيلا قال ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون وروى عنه أنه قال من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثقلاء وقيل له لم عمشت عينك قال من نظري إلى الثقلاء فإني ما رأيت ثقيلا قط إلا وأعمشت عيني وكان يقول إذا كان عن يسارك ثقيل في الصلاة فتسليمة واحدة تكفيك وكان بعضهم إذا رأى ثقيلا قال استراح العميان من النظر وقيل لأرسطو طاليس لم صار الثقيل أثقل من الحمل الثيل قال لأن الحمل تشترك الجوارح في حمله والثقيل ينفرد القلب بثقله شاعر
(1/251)

إن الثقيل وإن تخفف جهده ... كان الثقيل على الفؤاد ثقيلا
وقال بعض الملوك الطبيب جس نبضي فجسه وقال مزاج معتدل إلا أني أرى فيه تكديرا فهل جالسك اليوم ثقيل قال نعم فقال هذا من ذاك وقال بختيشوع للمأمون لا تجالس الثقلاء فإن الفلاسفة قالوا مجالسة الثقلاء حمى الروح وقيل لمحمد بن زكريا الرازي أيما أمر الثقيل المبرم أو شرب الدواء الكريه الرائحة المر الطعم فقال ليس ما أكسب الداء كما أعقب الشفاءان مجالسة الثقيل تجلب الأسقام وتنحل الأجسام وتورث الأحزان وتؤلم الأبدان وتهد الأركان وشرب الدواء يجلو الأجسام ويحلل الأسقام ويشحذ الأفهام ويدفع الأحزان وينشط الكسلان ويقوي الامكان وقال أرسطاليس للاسكندر إياك ومجالسة الثقيل فإن منها ذبول الروح وذهول العقل وموت الفزع وقال الأصمعي ستة بضنين وربما قتلن انتظار المائدة ودمدمة الخادم والسراج المظلم وبكاء الأطفال وخلاف من تحب ورؤية الثقيل
ومما أثار بطلعته كوامن البغضاء ... فكشفت عن مساويه ستور الأعضاء
عاد الأعمش أبو حنيفة فقال له بعدما أبرم في جلوسه يا أبا محمد ما أشد شيء مر بك في علتك قال جلوسك عندي قال ما تشتهي قال أشتهي أن لا أراك ويحكى أنه قال له يا أبا محمد لولا ما أخاف من التثقيل عليك لأتيتك في كل وقت فقال إنك لتثقل علي وأنت في بيتك فكيف إذا جئتني وقال رجل لأبي العيناء إن الله لم يأخذ من عبد كريمتيه إلا عوضه الله خيرا منهما فما الذي عوضك قال أن لا أرى ثقيلا مثلك واعتذر رجل إلى آخر في تقليل زيارته فقال ما رأيت احسانا يعتذر منه إلا هذا صلى امام بقوم فأطال فلما سلم لأمه بعض من صلى خلفه من الظرفاء فقال وإنها الكبيرة إلا على الخاشعين فقال أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل فإنهم لا يطيقون الصبر على احتمال بردك وقد نظم أبو الحسن علي بن أبي الطيب الباخرزي أبياتا يهجو بها اماما ثقيلا ويذكر ما وجد من جوره في تطويله مقيلا ذكرها في هذا الموضع لائق لما جمعت من المعنى البديع واللفظ الرائق
وأثقل روحا من عقاب عقنقل ... أخف دماغا من جنوب وشمأل
يؤم بنا في القطع قطع خميسة ... وأم بصخر حطه السيل من عل
يطيل قياما في المقام كأنه ... منارة قس راهب متبتل
ويفحش في القرآن لحنا كأنما ... يشد بامراس إلى صم جندل
فقلت له لما تمطى بصلبه ... واردف أعجازا وناء بكلكل
وزاد برغمي ركعة في صلاته ... ألم يكن التسليم منك بأمثل
دخل ثقيل على الصاحب بن عباد فأطال الجلوس وأبرم في المحادثة فكتب الصاحب رقعة وأعطاه إياها فقرأها فإذا فيها
إن كنت تزعم أن الدار تملكها ... حتى نقوم فنبغي غيرها دارا
أوكنت تعلم أن الدار أملكها ... فقم لكي تذهب الأشجان والعارا
ولما قدم محمد بن المكرم من الجبل قال له أبو العيناء مالك لم تهد لنا شيأ فقال والله ما جئت إلا في خف قال كذبت لو قدمت في خف خلفت روحك يا عجبا من جسم كالخيال وروح كالجبال وقال رجل لبعض المغنين في مشاجرة جرت بينهما والله ما تعرف الثقيل الأول ولا الثقيل الثاني فقال كيف لا أعرفهما وأنا أعرفك وأعرف أباك ألم بهذا بعض الشعراء فقال
ثقيلا براه الله وابن ثقيلة ... أرى الثقل طبعا في أبيك وفيكا
أبوك امام الناس في الثقل كلهم ... وأنت ولي العهد بعد أبيكا
آخر
يا من تبرمت الدنيا بطلعته ... كما تبرمت الأجفان بالسهد
يمشي على الأرض مختالا فأحسبه ... من بغض طلعته يمشي على كبدي
لو إن في الناس جزأ من سماجته ... لم يقدم الموت اشفاقا على أحد
قصد حماد الراوية دار مطيع بن اياس فحجب فكتب إليه يسأله الدخول عليه
هل لذي حاجة إليك سبيل ... لا نطيل الجلوس فيمن يطيل
فلما قرأ البيت أجابه
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل ... وكثير من الثقيل القليل
وقال محمد بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه يهجو ثقيلا
يا ثقيلا على القلوب إذا ع ... ن فقد أيقنت بطول السهاد
(1/252)

يا قذى في العيون ما بين ألف ... يا غريما أتى على ميعاد
يا ركودا في يوم غيم وصيف ... يا وجوه التجار يوم الكساد
خل عنا فإنما كنت فينا ... واوعمرو كما لحديث المزاد
الناجم يذم ثقيلا
يا قوة الناس ويا ضعف الأمل ... يا حيرة المملق أعيته الحيل
يا زحل الدهر ومريخ الدول
ومما استجدته من مذام الثقلاء ... الشافية محاسنها أفهام العقلاء
قال بعض البلغاء محذرا من مجالسة الثقيل إذا وافاك ثقيل فأره من خلقك التصرم ومن طبعك التبرم ولا توسعه ترحيبا ولا تحفل به تقريبا ولا تقبل إليه بوجهك ولا تبخل عليه بنهجك وأوحشه عند استئناسه وتهجم له بين جلاسه وأبعده ما استطعت واقطعه فيمن قطعت فبعده راحة لنفسك ومجلبة لأنسك فإنك إن أدنيته إليك وأدللته عليك ضنى به جسدك وكبدك وزاد به نكدك وكمدك أبو بكر الخوارزمي فلان أثقل من موت الخناق وكتاب الطلاق وفقد الحبيب وطلعة الرقيب وقدح اللبلاب في كف المريض وأشد من خراج بلا غلة ودواء بلا علة ورؤية الموت عند الكافر وقد ختم أعماله بالكبائر فلان وخز في الأكباد وسقم في الأجساد وصف العباس ابن الأحنف ثقيلا فقال والله ما الحمام مع الاصرار وكثرة الذنوب مع الأقتار وشدة السقم في الأسفار بآلم من لقائه أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي يذم ثقيلا
ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سره رغم أنفي ألم
لطلعته وخزة في الفؤاد ... كوخز المشارط في المحتجم
أقول له إذ أتى لا أتي ... ولا نقلته إلينا قدم
فقدت خيالك لا من عمي ... وصوت كلامك لا من صمم
وصف بعضهم ثقيلا فقال لا أدري كيف لم تحمل الأمانة أرض حملته وكيف احتاجت إلى الجبال بعد ما أقلته كأنما قربه فقد الحبائب وسوء العواقب وكأنما وصله عدم الحياة وموت الفجاة شاعر
يطول بقربك اليوم القصير ... ويرحل إن مررت بنا السرور
لقاؤك للمبكر فأل سوء ... ووجهك أربعاء لا تدور
آخر
إذا ما تبدى طالعا فكأنه ... حضور غريم أو طلوع رقيب
وإن جاء فحوى قاصدا فكأنه ... كتاب بعزل أو فراق حبيب
آخر
وثقيل أشد من غصص المو ... ت ومن كيده العذاب الأليم
لو عصت ربها الجحيم لما كا ... ن سواه عقوبة للجحيم
حسام الدين البخاري
خلق الناس من منى وهذا ال ... ولد النحس من رجيع أبيه
ففشا لا فشا ثقيلا مقيتا ... ليس يه خير لمن يرتجيه
لم يكن منهما نكاح ولكن ... فتحت فرجها فاحدث فيه
نتهيا لناظري ولقلبي ... حرجا كلما نظرت إليه
نادرة دخل أعرابي على ثلاثة يشربون واغلا فقال أحدهم
أيها الداخل الذي جاء يطوي ... حين لذا الحديث لي ولصحبي
فقال الثاني
خف عنا فأنت أثقل والل ... ه علينا من فرسخي دبر كعب
وقال الثالث
ومن الناس من يخف وفيهم ... كرحى البزر دائر فوق قطب
فقال الأعرابي
لست بالبارح العشية والل ... ه لشتم ولا لشدة ضرب
أو تميلوا بالكبر فورا علينا ... ثم تعلوا من فوق ذاك بقعب
فاستظرفوه وخلطوه بهم
ومما يكون لنفس المتأمل قوتا ... ذم من كان بغيضا ممقوتا
(1/253)

سئل جعفر الصادق رضي الله عنه هل يكون المؤمن بغيضا قال لا ولا يكون ثقيلا وذكر أنوشروان أنه لما أراد أن يصير ولده هرمز ولي عهده استشار أولياءه في ذلك فكل ذكر عيبا لا يستحق به الملك فمن قائل لا يصلح للملك لأنه قصير وذلك مما يذهب بهاء الملك فقال أنوشروان محتجا له إنه لا يكاد يرى إلا راكبا أو جالسا على سرير فلا يبين عليه ذلك ومن قائل إنه ابن رومية والملك إذا كان ابن أمة نقصه ذلك من أعين الناس فقال أنوشروان محتجا له إن الأبناء ينتسبون إلى الآباء ولا ينتسبون إلى الامهات فلا يضره ما قلت فقال الموبذان إن فيه عيبا وهو أنه مبغض إلى الناس فقال أنوشروان عند ذلك هذا هو العيب الذي لا مدح معه ولا عذر عنه والداء الذي لا برء له فقد قيل إن من كان فيه خير ولم يكن ذلك الخير للناس فلا خير فيه وقالوا فلان أوحش من ربع تحول سكانه وتحمل أظعانه وغارت نجومه وعفت رسومه وقالوا فلان أقذى للعين من ساعة داعية البين بين المحبين وقالوا فلان لا تحبه الناس حتى تحب الأرض الدم وذلك إنها تعاف الدم فلا تقبله شاعر يهجو بغيضا
يا بغيضا زاد في البغ ... ض على كل بغيض
أنت عندي قدح اللب ... لاب في كف المريض
وقالوا فلان أبغض من زوال النعمى وفوت المنى وطلعة الردى وقالوا مجالسة البغضاء تزيد الهموم وتجلب الغموم وتؤلم القلب وتشد أزر الكرب وتكدح في النشاط وتطوي بساط الانبساط
الباب السادس عشر
في العزلة
فيه ثلاثة فصول
الفصل الأول من هذا الباب
في ذم الاستئناس بالناس
لتلون الطباع وتنافي الأجناس
قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وقال عليه الصلاة والسلام أحب العباد إلى الله الأتقياء الأحفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا شهدوا لم يقربوا أولئك أئمة الهدى ومصابيح الظلم وقيل لبعض العباد ما أصبرك على الوحدة قال أنا جليس الرب إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه وإذا شئت أن أناجيه صليت له وقال ذو النون المصري الأنس بالله نور ساطع والأنس بالخلق غم قاطع وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم صومعة المؤمن بيته يكف فيها نفسه وبصره ولسانه وفرجه وقال الجنيد للسري السقطي أوصني فقال لا تكن مصاحبا للأشرار ولا تشتغل باللاهي عن الأخيار وفي كتاب كليلة ودمنة ينبغي لذي المروءة أن يكون إما مع الملوك مبجلا أو مع النساك متبتلا كالفيل إما أن يكون مركبا نبيلا أو في البرية مهيبا جليلا وقال علي رضي الله عنه من وجد في نفسه وحشة من الناس فليعلم أن الله أحب أن يؤنسه به وقالوا ما استغنى أحد بالله إلا وافتقر الناس إليه وقال بعض الحكماء الأنس بالله من حبه لك فإن الله إذا أحب عبدا أوحشه من خلقه وقد قيل من خلق التوحيد حب الوحدة وقال الجنيد أطيب ساعاتي خلواتي وألذ طاعاتي في مناجاتي ولله در من قال
من حمد الناس ولم يبلهم ... ثم بلاهم ذم من يحمد
وصار بالوحدة مستأنسا ... يوحشه الأقرب والأبعد
فمما يكون عونا للكريم على الانقطاع ذم ما الناس عليه من لؤم الطباع قال سفيان الثوري للحسن البصري دلني على من أجلس إليه قال تلك ضالة لا توجد وقيل لبعضهم ما الصديق قال اسم وضع على غير مسمى وحيوان غير موجود الناشي
سمعنا بالصديق ولا نراه ... على التحقيق يوجد في الأنام
وأحسبه محالا نمقوه ... على وجه المجاز من الكلام
وقيل لبعضهم من أبعد الناس سفرا قال من كان في طلب صديق صدوق يكون عونا له على مهماته وغوثا على ملماته سمع المأمون أبا العتاهية ينشد
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
فقال خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب وقبل هذا البيت
عذيري من الاخوان لا من جفوته ... صفا لي ولا من كنت طوع يديه
وقال بعضهم إن كان في مخالطة الناس خير فإن تركهم أسلم وقال بعض الرهبان لرجل إن استطعت أن يكون بينك وبين الناس سور من حديد فافعل وإن كان الأنس في الجماعة فإن السلامة في العزلة وقال الشاعر
ليس في الناس وفاء ... لا ولا في الناس خير
(1/254)

قد بلوت الناس طرا ... فكسير وعوير
آخر
كن لقعر البيت جلسا ... وارض بالخلوة أنسا
واغرس الناس بأرض الز ... هد مهما شئت غرسا
وليكن بأسك دون ال ... طمع الكاذب ترسا
لست بالواجد حرا ... أو ترد اليوم أمسا
كتب بعضهم إلى صديق له أما بعد فإني أحمد الله إلى الناس وأذم الناس إليه وقيل لبعضهم ما تجد في الخلوة قال الراحة من مدارة الناس والسلامة من شرهم وقال الشاعر وقالوا لقاء الناس أنس وراحة ولو كنت أرضى الناس ما عشت مفردا وكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أخيه من مدينة السلام وكان أخوه بخراسان يشكو إليه قلة وفاء الرئيس وتأدبه بحضرة الجليس فكتب إليه جوابا
طب عن الأمة نفسا ... وارض بالوحدة أنسا
ما رأينا أحدا سا ... وى على الخبر فلسا
آخر
قد بلوت الناس طرا ... لم أجد في الناس حرا
صار أحلى الناس في الع ... ين إذا ما ذيق مرا
أبو حامد الغزالي
لا تجز عن لوحدة وتفرد ... ومن التفرد في زمانك فازدد
ذهب الأخاء فليس ثم أخوة ... إلا التملق باللسان وباليد
فإذا كشفت ضمير ما بصدورهم ... أبصرت ثم نقيع سم الأسود
آخر
إذا ما طلبت أخا مخلصا ... فهيهات منك الذي تطلب
فكن بانفرادك ذا غبطة ... فما في زمانك من تصحب
آخر
بلوت الأناس وأهل الزمان ... وكل بهجر ولؤم خليق
وأوحشني من عدوي الزمان ... وآنسني بالعدو الصديق
آخر
بلوت الناس من غرب وشرق ... فلم تظفر يدي بصديق صدق
فقلت مجانبا للخلق طرا ... يبيت منادمي قدحي وزقي
وفي الآداب لي ألف وأنس ... وفضل الله يأتيني برزقي
آخر
ما أعجب الناس في تقلبهم ... ذا شهد طعمه وذا صبر
ترضى على الشخص حين تبصره ... ويسخط العقل حين يختبر
وقال بعض الحكماء الوحشة من الناس على قدر المعرفة بهم منه قول علي رضي الله عنه أخبر تقله وقال المأمون لولا أن كلام علي فرع من كلام النبوة لعكسته وقلت أقله تخبر وقال وهيب بن الورد صحبت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي زلة ولا أزاح لي علة ولا أقالني عثرة ولا ستر لي عورة وقال علي رضي الله عنه إذا كان الغدر طباعا فالثقة بكل أحد عجز شاعر
أما الوفاء فشيء قد سمعت به ... وما وجدت له عينا ولا أثرا
فمن توهم في الدنيا أخا ثقة ... فإنه بشر لا يعرف البشرا
آخر
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب ... فالناس بين مخاتل وموارب
يفشون بينهم المودة والصفا ... وقلوبهم محشوة بعقارب
آخر
لك الخير فاعلم ليس في الناس منصف ... وكل وداد فهو منهم تكلف
وكل إذا عاهدته فهو ناقض ... لعهدك أو واعدته فهو مخلف
وأبناء هذا الدهر كالدهر لم يثق ... به وبهم إلا جهول مسوف
آخر
ذهب الوفاء فلا وفا ... ء ولا حياء ولا مروة
إلا التواصل باللسا ... ن من النفوس بلا أخوة
عبد المحسن الصوري
نزع الدهر خلتين من النا ... س وفاء الأخاء وصدق الصديق
ويقال العزلة عن الناس توفر العرض وتبقى الجلالة وتستر الفاقة وتدفع مؤنة المكافأة في الحقوق لما وقع الاختلاف في المدينة خرج عروة بن الزبير إلى العقيق واعتزل الناس فعاتبه بعض اخوانه فقال رأيت ألسنتهم لاغية وقلوبهم لاهية وأديانهم واهية فخفت أن تلحقني معهم الداهية شاعر
ألام على التفرد كل وقت ... ولي فيما ألام عليه عذر
وكل أذى فمصبور عليه ... وليس على قرين السوء صبر
آخر
وأفردني عن الاخوان علمي ... بهم فبقيت مهجور النواحي
فكم ذم لهم في جنب مدح ... وجد بين أثناء المزاح
الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه
(1/255)

إذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي ... ألذ وأشهى من غوي أعاشره
وأجلس وحدي للسفاهة آمنا ... أقر لعيني من جليس أحاذره
وقال جعفر الصادق العزلة أسكن للفؤاد وأبعد من الفساد وأعود للمعاد الثعالبي إذا كان الصديق المجانس متعذرا وصحيح الأخاء لا يكاد يرى فالثقة بغير الله منفصمة العرى وقالوا إذا أنس اللبيب بالوحدة دون المصاحب ونزه نفسه باكرامها عند تغير الأخ والصاحب وتزين بالدين وتحلى بحلية المؤمنين وألزم نفسه الرياضة بالآداب وأعتق رقها من أليم العذاب فقد استراح وأراح ووجد في كل قطر المطار والمراح وأنشد لعلي بن عبد العزيز الجرجاني
ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت في وحدتي لكتبي جليسا
ليس شيء ألذ عندي من نف ... سي فلم أبتغي سواها أنيسا
إنما الذل في مداخلة النا ... س فدعها وعش كريما رئيسا
وما أحسن قول بعضهم في المعنى
إذا ما خلوت من المؤنسين ... جعلت المؤانس لي دفتري
فلم أخل من شاعر محسن ... ومن مضحك طيب مندر
ومن حكم بين أثنائها ... فوائد للناظر المفكر
فإن ضاق صدري بأسراره ... وأودعته السر لم يظهر
فلست أرى مؤثرا ما حييت ... عليه نديما إلى المحشر
ولآخر
وما ظفرت يدي بصديق صدق ... أخاف عليه إلا خفت منه
ولم تدع التجارب لي صديقا ... أميل إليه إلا ملت عنه
أنست بوحدتي حتى لو أني ... رأيت الأنس لأستوحشت منه
أبو فراس
بمن يثق الانسان فيما ينوبه ... ومن أين للحر الكريم صحاب
ومما اخترت من كلام الحكماء الأجلاء في التحذير من اتخاذ الأصدقاء والأخلاء قال بعض الزهاد لو أن الدنيا ملئت سباعا ما خفتها ولو بقى واحد من الناس لخفته وقالوا استعذ من شرار الناس وكن من خيارهم على حذر وقال آخر ما بقي في الناس إلا حمار رامح أو كلب نابح أو أخ فاضح وقال أبو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا شوكا لا ورق فيه وقال سلمان الناس أربعة أصناف آساد وذئاب وثعالب وضأن فالآساد الملوك والذئاب التجار والثعالب القراء المخادعون والضأن المؤمن ينهشه كل من يراه شاعر
الناس أخلاقهم شتى وإن جبلوا ... على تشابه أفراد وأزواج
وقال بعض الحكماء احذروا الناس فما ركبوا سنام بعير إلا أدبروه ولا ظهر جواد إلا عقروه ولا قلب مؤمن إلا أخربوه وقال خالد بن صفوان الناس أجياف فمنهم كالكلب لا تراه الدهر إلا هرارا على الناس ومنهم كالقرد يضحك من نفسه وقال عبد الحميد الكاتب الناس أجياف مختلفون وأطوار متباينون فمنهم من علق مظنة لا تباع ومنهم من غل مظنة لا تبتاع وقال جعفر الصادق لبعض اخوانه اقلل من معرفة الناس وأنكر من عرفت منهم وإن كان لك مائة صديق فاطرح منهم تسعة وتسعين وكن من الواحد على حذر وقال بعض البلغاء بلوت الناس طرا فلم أجد إلا من يرى الحق باطلا والباطل حقا واللئيم مرفوعا والكريم ملقى والنصح غشا والغش نصحا والمدح هجاء والهجاء مدحا العتابي في مثل ذلك
تساوي أهل دهرك في المساوي ... فما يستحسنون سوى القبيح
وصار الناس كلهم غثاء ... فما يرجون للأمر النجيح
وأضحى الجود عندهم جنونا ... فما يستعقلون سوى الشحيح
وكانوا يغضبون من الأهاجي ... فصاروا يغضبون من المديح
وقال حكيم مصاحبة الناس خطر فمن صبر على صحبتهم فقد بالغ في العذر إنما هو كراكب بحر إن سلم بدنه من الغرق لم يسلم قلبه من الفرق شاعر
تجنب قرين السوء واصرم حباله ... وإن لم تجد عنه محيصا فداره
ومن يطلب المعروف في غير أهله ... تجده وراء الحبر أو في قراره
(1/256)

وصف بعض البلغاء أهل زمانه فقال أحظى الناس لديهم من أحسن إليهم فإن قصر عنهم رفضوه وأبغضوه ووتروه ولم يعذروه إن حضروا داهنوا وإن غابو شاحنوا ينطوون على الأحن ولا يرتون للممتحن غنيهم شحيح وفقيرهم مجيح إن رأوا خيرا دفنوه وإن ظنوا شرا أعلنوه الواثق منهم على غرر والمتمسك بهم على خطر هم بين طاعن ثالب ومتقول كاذب وحسود موارب إن اختبرتهم تكشفوا وإن اعتبرتهم تزيفوا وأنشد
ان يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرا أذيع وإن لم يسمعوا كذبوا
ولقد أحسن في التحذير من قال
إياك أن تصطفي ممن ترى أحدا ... ولا تثق بامرئ في حالة أبدا
من عاش منفردا لم يأته ندم ... على اتخاذ صديق في الأنام غدا
ومما يكون مماثلا لهذا القول ومعادلا التحذير من صحبة السلطان وإن كان عادلا قال الأعمش صحبة السلطان خطر إن أطعته خاطرت بدينك وإن أغضبته خاطرت بنفسك والسلامة منه أن لا تعرفه وقال ابن مسعود إن الرجل ليدخل إلى ذي سلطان ومعه دينه ويخرج وليس معه منه شيء وقال عبد الله بن عمر ما ازداد رجل من ذي سلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا وقال الفضيل بن عياض كنا نتعلم اجتناب السلطان كما نتعلم السورة من القرآن وقال أيضا لأن يدنو الرجل إلى حتفه ومنيته خير له من أن يدنو إلى ذي سلطان وقال أيضا ما أقبح بالعالم أن يقال أين هو فيقال هو في بيت الأمير وكتب أبو بكر بن عياش إلى عبد الله بن المبارك إن كان الفضيل بن موسى لا يجالس السلطان فأقرئه مني السلام أبو الفتح البستي
يا من يرى خدمة السلطان عدته ... ما أرش ذلك إلا الذل والندم
فجسمه تعب والنفس خائفة ... وعرضه غرض والدين منثلم
هذا إذا شرفت أيام دولته ... نعوذ بالله إن زلت به القدم
وقال زياد بن أبي سفيان يوما لجلسائه من أنعم الناس عيشا قالوا أمير المؤمنين يعني معاوية قال فكيف بثغوره وأموره إن لأعواد المنبر لهيبة ولقرع لجام البريد لروعة قال فمن قالوا فأنت قال فكيف بجنودي وخراجي ومداراة الناس قالوا فمن إذا قال رجل له دار يسكنها وزوجة صالحة يأوي إليها وخادم وكفاف من العيش لا يعرفها ولا نعرفه فإنه إن عرفنا وعرفناه أفسدنا آخرته ودنياه شاعر
وصاحب السلطان في محنة ... في آجل الأمر وفي حينه
إن ساءه خاف على نفسه ... أو سره خاف على دينه
آخر
إن الملوك بلاء حيثما رحلوا ... فلا يكن لك في أكتافهم ظل
ماذا تريد بقوم إن هم غضبوا ... جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فإن أتيتهم تبغي نوالهم ... رجعت منقبضا من دينك الكل
فاستغن بالله عن أبوابهم كرما ... إن الوقوف على أبوابهم ذل
الفصل الثاني من الباب السادس عشر
فيما يحض على الاعتزال
من ذميم الخلائق والخلال
فأهم ما نبدأ به منها ولا يمكننا الاعراض عنها ترفع من سوغته الأقدار منصبا أو مالا على صديق ما برح في وده يتغالى قال بعضهم
تغير عني حين ولوه منصبا ... وعهدي به من قبل ذا وهو صاحب
وما هو في الدنيا بأول صاحب ... وأول رجل غيرته المناصب
آخر
إن الولاية معيار العقول بها ... يبين من فيه نقص أو به عور
فكم أصمت سميعا كان ذا أذن ... قبل التولي وأعمت من له بصر
ويروى عن محمد بن ادريس الشافعي أنه قال أظلم الناس لنفسه اللئيم فإنه إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه واستخف بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل شاعر
ليس الكريم الذي إن نال منزلة ... فضلا وطولا على اخوانه تاها
الحر يزداد للاخوان مكرمة ... إن نال حظا من السلطان أو جاها
أبو بكر الخوارزمي
كفى حزنا أن لا صديق ولا أخ ... يفيد غنى إلا يدا خله كبر
فلا نال فوق القوت مثقال ذرة ... صديق ولا أوفى على عسره يسر
وما ذاك إلا رغبة في وصاله ... وإلا حذارا أن يلم به العذر
ولبعضهم يعاتب صديقا له ولي حين ولي
(1/257)

ولما صرفتك يد الليالي ... وحكمك الزمان على بنيه
عدلت عن الوداد وكنت قدما ... لدينا تبتغيه وترتضيه
آخر
دعوت الله أن تعلو محلا ... علو البدر في أفق السماء
فلما أن علوت علوت عني ... فكان إذا على نفسي دعائي
آخر
إن الولاية غيرت أصحابنا ... فلووا وجوههم عنا وتبدلوا
فاصبر على جور الليالي منهم ... واترك عناءهم إلى أن يعزلوا
آخر
قل لعبيد الله ذاك الذي ... قد غير السلطان أطباعه
ابتاع ودي وهو ذو عسرة ... حتى إذا نال الغنى باعه
آخر
ورب ذي ثقة قد كان لي سكنا ... وكنت منه مكان العين في الراس
ولي وأعرض عني إذا أفاد غنى ... وخانه سوء بنيان وآساس
حتى إذا ما قضى من ماله وطرا ... فيما أحب من اللذات والكاس
غدا إلي بوجه ضاحك طلق ... وعاد في وده من بعد افلاس
آخر
تاه علينا وزاد اطراقه ... وخاننا عهده وميثاقه
وكل من نال فوق رتبته ... تغيرت للصديق أخلاقه
وقال عبد الصمد بن بابك يشكو صديقا مال حين اكتسب المال وحال عندما صلح منه الحال
أشكو إليك زمان ظل يعركني ... عرك الأديم ومن يفدي من الزمن
وصاحبا لست مغبوطا بصحبته ... دهرا فغادرني فردا بلا سكن
هبت له ريح اقبال فطار بها ... نحو السرور وألجاني إلى الحزن
نأى بجانبه عني وصيرني ... مع الأسى ودواعي البين في قرن
وباع صفو وداد كنت أقصره ... عليه مجتهدا في السر والعلن
وكان غالي به حينا فأرخصه ... يا من رأى صفو ود بيع بالثمن
فليس في الأرض مغبون بصفقته ... إن لم يكن ذاك منسوبا إلى الغبن
كأنه كان مطويا على احن ... ولم يكن من عيون الشعر أنشدني
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
وقال آخر يعاتب صديقا له تغير عليه عندما نظر الزمان بعين المقت إليه
وكنت أخي أيام عودك يابس ... فلما اكتسى واخضر صرت مع النسر
لعمرك لو ذوقتني ثمر الغنى ... أذقتك ما يرضيك من ثمر الشكر
فلو نلت ما يغني بك اليوم أو غدا ... أنلتك ما يبقى إلى آخر الدهر
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى ... وأن الغنى يخشى عليه من الكفر
آخر
ألم تر أن ثقات الرجال ... إذا الدهر ساعدهم ساعدوا
وإن خانه دهره أسلموه ... فلم يبق منهم له واحد
ولو علم الناس أن المريض ... يموت لما عاده عائد
آخر
كم من صديق لنا أيام دولتنا ... قد كان يمدحنا فصار يهجونا
لم ندر إذا ما انقضت عنا امارتنا ... من كان ينصح ممن كان يغوينا
ما إن يلاطفنا من كان يصحبنا ... إلا ليخدعنا عما بأيدينا
آخر
صديقك حين تستغني كثير ... ومالك عند فقرك من صديق
فلا تغضب على أحد إذا ما ... طوى عنك المودة عند ضيق
آخر
أرى قوما وجوههم حسان ... إذا كانت حوائجهم إلينا
وإن كانت حوائجنا إليهم ... تغير حسن وجههم علينا
ومنهم من يمنع ما لديه ... ويغضب حين نمنع ما لدينا
فإن يك فعلهم سمجا وفعلي ... قبيحا مثله فقد استوينا
ومما يدل على صغر الهمة والنفس التلون على الصديق المصاحب بالأمس قال بعضهم لأن أبتلي بألف جموح لجوج أحب إلي من أن أبتلي بمتلون وقال آخر إذا كان لك صديق فلا تتمن له رفعة فبقدر ارتفاعه يكون انحطاطك من عينه ولا تلتفت إلى قول حبيب بن أوس الطائي
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
(1/258)

فليس كما قال فإنه بالرتبة يشمخ أنفه بعد الخسة والضعة ويفرد صديقه بالبؤس وإن كان من قبل شريكه وقسيمه في الدعة ويقابل اقباله في الزيارة بالملالة ويعد معرفته له عثرة لا يرجى لها اقالة فإن وقف ببابه حجبه وإن دخل في غمار الناس ازدراه ومن تبرم به أعجبه وخذ بما قال الفقيه منصور بن إسمعيل المقري
إذ ما رأيت امرأ في حال عشرته ... بادي الصداقة ما في وده دغل
فلا تمن له حالا يسر بها ... فإنه بانتقال الحال ينتقل
وكان منصورا ألم بقول بعض البلغاء لا تطلبن لأخيك رتبة هي أرفع من رتبته التي هو مساويك فيها فإنه ينتقل عنك في أحوال ثلاثة يكون صديقك عند حاجته إليك ومعرفتك عند استغنائه عنك وعدوك حال احتياجك إليه وقال بعض الأعراب يذكر صديقا تلون عليه صفرت عياب الود بيني وبينه بعد امتلائها واكفهرت سوالف وجوه المسرات وكانت نضرة بمائها فأدبر ما كان بيني وبينه مقبلا وأقبل ما كان مدبرا وصارت مودته متنقلة كتنقل الأفياء واخوته متلونة كتلون الحرباء وقال بعضهم المتلون إن ودك لشيء ملك عند انقضائه ويقال إياك ومن مودته على قدر حاجته إليك فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودة وقال بعض الأعراب لولده يا بني لا تصحب من إذا أيس من خيرك مال إلى غيرك وقالوا إذا انقطع من صديقك رجاؤك فألحقه بعدوك وما أحسن قول بعضهم
إذا تاه الصديق عليك كبرا ... فته زهدا على ذاك الصديق
وإن سلك الغرام به طريقا ... فخذ عرضا سوى ذاك الطريق
فايجاب الحقوق لغير راع ... حقوقك رأس تضييع الحقوق
ولبشار بن برد
إذا كان ذواقا أخوك من الهوى ... موجهة في كل أوب ركائبه
فحل له وجه الفراق ولا تكن ... مبطية رحال كثير مذاهبه
الكميت بن زيد ولقد أحسن في الأنفة إذا عطس بأنف شامخ وأبان عن أنف في الكرم راسخ من أبيات يفتخر
وما أنا بالنكس الدني ولا الذي ... إذا صد عنه ذو المروأة يقرب
ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهب عني فلي عنه مذهب
ألا إن خير الود ود تطوعت ... به الأنفس لا ود أتى وهو متعب
وقيل لبعض الولاة كم لك من صديق فقال أما في حال الولاية فكثير ثم أنشد
الناس اخوان من دامت له نعم ... والويل للحر إن زلت به القدم
آخر
تلونت حتى لست أدري من العمى ... أريح جنوب أنت أم ريح عاصف
قريب بعيد جاهل متبصر ... سخي بخيل مستقيم مخالف
صدوق كذوب لست أدري خليله ... أيجفوه من تلوينه أم يلاطف
ولست بذي غش ولست بناصح ... وإني من عجبي لشأنك واقف
كذاك لساني شاتم لك مادح ... كما أن قلبي جاهل بك عارف
كتب بعضهم إلى صديق له تلون عليه أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الأمر فيك لأنك بدأتني بلطف من غير جراءة ثم أعقبتني جفاء من غير جريمة فأطمعني أولك في اخائك وآيسني آخرك من وفائك فسبحان من لو شاء لكشف بايضاح الرأي في أمرك عن ظلمة الشك فيك فأقمنا على ائتلاف وافترقنا على اختلاف والسلام وكتب آخر
قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما شتمه عجبا ... يد تشح وأخرى منك توليني
ولما نكب علي بن عيسى الوزير لم ينظر ببابه أحدا من أصحابه وآله واخوانه الذين كانوا ملازمين له في حال تصرفه واشتغاله فلما ردت إليه الوزارة اجتمعوا إليه وعطفوا عليه وجعل كل منهم يأخذ في السبق للقياه والنظر إلى محياه فحين رآهم كذلك أنشد
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها ... فكيف ما انقلبت يوما به انقلبوا
يعمون أخا الدنيا فإن وثبت ... عليه يوما بما لا يشتهي وثبوا
لا يحلبون لحي در لقحته ... حتى يكون لهم شطر الذي حلبوا
(1/259)

عادي الزمان بعض الوزراء فنظر بعين المقت إليه وقبض عنه المسار بيد القبض عليه ثم عاد فألبسه من الاقبال حللا أجره أذيالها وصرف لخدمته بأزمة الانقياد فحمله أعباء المنن وأثقالها فقال يعاتب من انقطع عنه في حال خموله ويشعره بأن نجم سعده طلع بعد أفوله
عاداني الدهر بعض شهر ... فاعرض الناس ثم بانوا
يا أيها المعرضون عني ... عودوا فقد عاود الزمان
ومن ذميم فعلات الاخوان الخوان ... اغتياب من غاب من الاخوان
قال الله تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم من المسلم دينه وعرضه وأن يظن به السوء وقالوا الأخ الصادق من أهدى إلى أخيه عيبه وحفظ له غيبه وقالوا الغيبة جهدا لعاجز وقالوا إياك وصحبة من إذا حضر أثنى ومدح وإذا غاب عاب وقدح وقالوا اللئيم إذا غاب عاب وإذا حضر اغتاب وقالوا الريبة عار والغيبة نار ويقال من عف عن الريبة كف عن الغيبة وقال العتابي شر الاخوان من إذا وجد مادحا مدح وإن وجد قادحا قدح وإن استودع سرا فضح الشريف الرضي
إذا أنت فتشت القلوب وجدتها ... قلوب أعاد في جسوم أصادق
ابن المعتز
بلوت أخلاء هذا الزمان ... وأقللت بالهجر منهم نصيبي
وكلهم إن تصفحتهم ... صديق العيان عدو المغيب
وقال من أكل خبزه بلحوم الناس لم يصن نفسه من الأدناس ومر عمرو ابن العاص على جيفة ملقاة فقال لأصحابه والله لأن يأكل أحدكم من هذه حتى يمريه خير له من أن يأكل لحم أخيه وكان أبو الطيب الظاهري يهجو بني ساسان فقال له نصر بن أحمد إلى متى تأكل خبزك بلحوم الناس فخجل ولم يعد وقيل أوحى الله إلى موسى عليه السلام من مات مصرا على الغيبة فهو أول من يدخل النار ومن مات تائبا منها فهو آخر من يدخل الجنة وقال علي بن الحسين لرجل إياك والغيبة فإنها ادام كلاب الناس اغتاب رجل رجلا عند مسلم بن قتيبة فقال له مه فلقد تلظت بمضغة طالما عافتها الكرام ويحكى عنه إنه ذكر عنده رجل فتكلم فيه بعض أهل المجلس فقال له مسلم قد أوحشتنا من نفسك ومودتك ودللتنا على عورتك وما أشد نصح من قال لا يكن لسانك رطبا بعيوب أصدقائك تزيدهم في أعدائك أضاف إبراهيم ابن أدهم أناسا فلما قعدوا للطعام أخذوا في الغيبة فقال لهم إبراهيم إن من قبلنا كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم وأنتم أكلتم اللحم قبل الخبز أبو تمام
قبح الله صاحبا قطف الصح ... بة حرب المغيب سلم التلافي
الصاحب بن عباد
احذر الغيبة فهي ال ... فسق لا رخصة فيه
إنما المغتاب كالآ ... كل من لحم أخيه
الوزير المغربي
أي شيء يكون أقبح مرأى ... من صديق يكون ذا وجهين
من ورائي يكون مثل عدوي ... وإذا يلقني يقبل عيني
ابن المعتز
أخ لي يعطيني الرضا في حضوره ... ويمنعني بعض الرضا وهو بائن
إذا ما التقينا سرني منه ظاهر ... وإن غاب عني ساءني منه باطن
على غير ذنب غير أن مساويا ... له علمتني كيف تأتي المحاسن
ولبعضهم يهجو
صديقك لا يثني عليك بطائل ... فماذا به عنك العدو يقول
وحسبك من لؤم وخبث طوية ... بأنك عن عيب الصديق سؤل
آخر
يضاحكني فوه إذا ما لقيته ... ويرشقني إن غبت عنه بأسهم
وكم من صديق وده في لسانه ... وفي قلبه إن غبت صاب وعلقم
آخر
لي صاحب جعل المساوي دأبه ... تصوير معناها وصيغة لفظها
فكأنه ملك الشمال موكل ... أبدا بكتب السيآت وحفظها
آخر
وما صاحبي عند الرخاء بصاحب ... إذا لم يكن عند الأمور الصعائب
إذا ما رأى وجهي فأهلا ومرحبا ... ويرمي ورائي بالسهام القواضب
آخر
إذا انتقد الناس الكرام رأيتهم ... يطنوا طنين الزيف في كف ناقد
كثير عزة
أنت في معشر إذا غبت عنهم ... بدلوا كل ما يزينك شينا
(1/260)

وإذا ما رأوك قالوا جميعا ... أنت من أكرم الرجال علينا
ولله در من قال
شر السباع الضواري كونه وزرا ... والناس شرهم ما دونه وزر
كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع ... وما ترى بشرا لم يؤذه بشر
ومما يرغب الوحيد في انفراده ... حسد أهل الصفوة من وداده
الحسد داء دوى وخلق ردى يدل على فساد الدين وقلة اليقين وما زال صاحبه حليف هموم وأليف غموم وظالما في زي مظلوم وأي خير عند من جبلت على الحقد طباعه وحنيت على الغل أضلاعه وأمر بالاستعاذة بالله من شره وحض على الاحتراس من ضره قيل لعبد الله بن عبدة كيف لزمت البدو وتركت قومك قال وهل بقى في الناس إلا من إذا رأى نعمة بهت وإذا رأى عثرة شمت ثم أنشد
عين الحسود إليك الدهر ناظرة ... تبدي المساوي بالاحسان تخفيه
يلقاك بالبشر يبديه مكاشرة ... والقلب ملتئم فيه الذي فيه
وقال معاوية بن أبي سفيان كل الناس قادر أن أرضيه إلا حاسد نعمة لا يرضيه إلا زوالها وقالوا الحسد داء يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود نظم هذه الكلمات محمود الوراق فقال
أعطيت كل الناس مني الرضا ... إلا الحسود فإنه أعياني
لا أن لي ذنبا إليه علمته ... إلا تظاهر نعمة الرحمن
يطوي على حسد حشاه لأن يرى ... من حال مالي أو لفضل بياني
ما إن أرى يرضيه إلا ذلتي ... وذهاب أموالي وقطع لساني
ونظمه آخر فقال
قل للذي بات محسودا على نعم ... دع الحسود فقد قطعته قطعا
لو كنت تملك ما يريد منك لما ... صنعت معه كمعشار الذي صنعا
وقال بعض البلغاء الحسد شؤم واعتباره لؤم يقضي الأشباح ويضني الأرواح ويورث الأرق ويحدث القلق ويكدر غدران رفاهية العيش ويشعل نيران السفاهة والطيش وإن الحسود مجروح في جلده متألم مظلوم في برده ظالم معارض لله في مشيئته معترض عليه في قضيته يعيش محروما ويبيت مغموما مدفوع في الدنيا إلى الكرب والتلف وممنوع في العقبى من القربى والزلف لا تعمل شعلة القابس في الحطب اليابس ما يعمله الحسد بجسد صاحبه وبدن راكبه يشرب دمه ويأكل لحمه ويمشمس عظمه ويجعله معرضا للكروب ومبغضا إلى القلوب فجدير بالانسان أن يفر من الحسد فوق فراره من الاسد وقالوا أسد يؤاتيك خير من حسود يراقبك وقال بعض السلف إذا أراد الله أن يسلط على عبده من لا يرحمه سلط عليه حاسدا بحسده وقال أردشير كل خله رديئة فهي دون الحسد لأن الحاسد يسعى بمن أحسن إليه ويتمنى الغوائل لمن أنعم عليه أبو الطيب المتنبي
يريد بك الحساد ما الله دافع ... وسمر العوالي والحديد المدرب
وله
وأظلم خلق الله من كان حاسدا ... لمن بات في نعمائه يتقلب
وله
سوى وجع الحساد داو فإنه ... إذا حل في قلب فليس يحول
فلا تطمعن من حاسد في مودة ... وإن كنت تبديها له وتهيل
وقال ابن المعتز الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له ويبخل بما لا يملكه ويطلب ما لا يجده وقال حكيم الحسد يبدي نقص الحاسد ويدل على كمال المحسود وما أحسن قول المعافي بن زكريا النهرواني
الأقل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
فجازاك عنه بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب
أبو فراس
لمن جاهد الحساد أجر المجاهد ... وأعجز ما حاولت ارضاء حاسد
ولم أر مثل اليوم أكثر حاسدا ... كأن قلوب الناس لي قلب واحد
وقالوا لا تندمل من الحسود جراحه حتى ينقص من المحسود جناحه وقالوا حسب الحسود ما يلقى من صغر الهمة في حزنه لسرور صاحب النعمة وقالوا من عادات الأغبياء معاداة الأغنياء وقال عبد الله بن مسعود لا تعاد وانعم الله قيل له ومن يعادي نعم الله قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يقول الله تعالى في بعض الكتب المنزلة الحسود عدو نعمتي ومتسخط لقضائي غير راض بنعمتي ولم أسمع بأحسد من حمزة ابن بيص في قوله وقد مر بواد مملوءا بلا وشاء وزرعا ورعاء
(1/261)

الزارعون وليس لي زرع بها ... والحالبون وليس لي ما أحلب
فلعل ذاك الزرع يؤذي أهله ... ولعل ذاك الشاء يوما تجرب
ولعل طاعونا يصيب علوجها ... ويصيب ساكنها الزمان فتخرب
قال المرزباني صاحب الاتفاق فلم يكن إلا أيام قلائل حتى أصابهم جميع ما تمنى لهم وأظرف من هذا ما حكى أن ثلاثة من الحساد اجتمعوا فقال أحدهم لأحد صاحبيه ما بلغ من حسدك قال ما اشتهيت أن أفعل بأحد خيرا قط لئلا أرى اثر ذلك عليه فقال له أنت رجل صالح لكني ما اشتهيت أن يفعل بأحد خير قط لئلا تشير الأصابع بالشكر إليه فقال الثالث ما في الأرض خير منكما لكني ما اشتهيت أن يفعل بي أحد خيرا قط قالا ولم قال لأني أحسد نفسي على ذلك فقالا له أنت ألأمنا جسدا وأكثرنا حسدا وقالوا الحسود عدو مهين لا يدرك وتره إلا بالتمني شاعر
إياك والحسد الذي هو آفة ... فتوقه وتوق غرة من حسد
إن الحسود وإن أراك مودة ... بالقول فهو لك العدو المجتهد
وقال علي رضي الله عنه لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله وقيل للعتابي في مرض أصابه ما تشتهي قال أكباد الحساد وأعين الرقباء وألسن الوشاة وقال بعضهم لولده إياك والحسد فإنه يبين عليك ولا يبين على عدوك وكان يقال الحريص محروم والبخيل مذموم والحاسد مغموم ذم أبو بكر الخوارزمي حاسدا فقال وأما فلان فمعجون من طينة الحسد والمنافسة ومضروب في قالب الضيق والمناقشة يحمي من رزق الله مباحا ويحرم ما ليس فيه جناحا ويتحجر من رحمته جما واسعا ويغار على البحر ممن يسبح فيه وعلى البدر ممن يستضئ به وعلى الشمس ممن طلعت عليه وعلى نسيم الهواء ممن وصل إليه لو ملك السماء لنهاها عن الأمطار ولو أطاعته الأرض لمنعها من تغذية النبات والأشجار ولو سخرت له الأشجار لحال بينها وبين الأثمار كان كل رغيف يعطي من قوته وقوت عياله وكان كل درهم ينفق من ماله ومال أطفاله على إنه يبخل على نفسه بالهواء ويحاسب أعضاءه على الغداء والعشاء وقال شاعر
لا مات حسادك بل خلدوا ... حتى يروا منك الذي يكمد
ولا خلاك الدهر من حاسد ... فإن خير الناس من يحسد
أبو تمام
إن يحسدوني فإني لا ألومهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أطولنا هما بما يجد
وله
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
والمشهور
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم
ابن المعتز
ومن عجب الأيام بغي معاشر ... غضاب على سبقي إذا أنا جاريت
يغيظهم فضلي عليهم ونقصهم ... كأني قاسمت الحظوظ فأحظيت
آخر
إني حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من كان يوما غير محسود
لا يحسد المرء إلا من فضائله ... بالعلم والحلم أو بالفضل والجود
ومما يؤمر الكريم باجتنابه ... جار سوء ملاصق لجنابه
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول أعوذ بالله من جار سوء في دار مقامه فإن البادي يتحول وكان عمر رضي الله عنه يقول ثلاث كلهن فواقر صديق إن أسديت إليه عارفة لم يشكرها وإن سمع كلمة لم يغفرها وجار إن رأى حسنة أخفاها وإن عثر على سيئة أفشاها وامرأة إن أقمت عندها آذنك وإن غبت عنها خانتك وكان يقال من جهد البلاء جار سوء معك في در مقامة يلبس لك من البغضاء لأمة لا ينجع فيه عتب ولا يرعوي لملامة ومن دعاء الأعمش اللهم إني أعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه إن رأى خيرا دفنه وإن سمع شرا أعلنه وقال لقمان لابنه يا بني حملت الحجارة والحديد فلم أر شيأ أثقل من جار سوء في دار مقامة شاعر وقد عرض داره للبيع كراهة في جاره
ألا من يشتري دارا برخص ... كراهة بعض جيرتها تباع
ولآخر
(1/262)

يلومونني إن بعت بالرخص منزلي ... ولم يعلموا جارا هناك ينغص
فقلت لهم كفوا الملام فإنما ... بجيرتها تغلوا الديار وترخص
وقال رجل لسعيد بن العاص والله إني لا أحبك قال ولم لا تحبني ولست لي بجار ولا ابن عم ويقال في التوراة أحسد الناس للعالم وأبغاهم عليه أقاربه وجيرانه وقالوا ألأم الناس سعيد لا تسعد به جيرانه ولا تسلم منه اخوانه استعرض أبو مسلم الخراساني فرسا أهدى له فقال لأصحابه لم يصلح هذا فكل قال شيأ فبعضهم قال يصلح لأن ينفي به العار بأخذ الوتر والثار وآخر يقول يصلح لمنازلة الأقيال ومناضلة الأبطال وآخر يقول يصان عن أن يذال بالأحداق ليوم يحرز به قصب السباق فقال أبو مسلم كلكم أخطأت استه الحفرة وزاف نقده عند الامتحان والخبرة فقالوا ولماذا يصلح أيها الأمير فقال لمن يجد في الهرب والفرار من جار سوء يعدم بمساكنته السكون والفرار وقيل لأبي الأسود الدؤلي لم بعت دارك فقال ما بعت داري وإنما بعت جواري أنشدني أفضل الأماثل وأنبل الأفاضل ذو العلم والعلم والسان والقلم انسان عين العيان وزين أرباب البيان الأمير ناصر الدين حسن عرف بابن النقيب الكناني لنفسه يذم جارا له
لي جار شخصه ... أكسير أوصاف المعايب
حسدا لجيرة فيه ... وعداوات الأقارب
ليته لم يعنني ... لم يكن عون النوائب
الفصل الثالث من الباب السادس عشر
خاتمة الكتاب
فيما نختم به الكتاب من دعاء نرجو أن يسمع ويجاب
(1/263)

قال الله تعالى قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم وقال تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان وقال تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة وقال عليه الصلاة والسلام استقيلوا أمواج البلاء بالدعاء وقال عليه الصلاة والسلام إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء ولما كان الدعاء في الفضيلة بهذه المثابة استحب لمن وضع كتابا أن يختم به كما كما بدأ بالتحميد كتابه فاستخرت الله تعالى وانتخبت من الأدعية التي صدرت عن صدور أهل الانابة وروت نفوس العباد منهل الاجابة وحذفت خوف التطويل أسانيدها ليسهل على الراغب فيها أن يبديها متى أحب ويعيدها وأشرف الأوقات التي يتكفل النجح فيها باجابة الدعوات أوقات اختارها الله لداء ما افترض من الصلوات فإذا أراد أمرؤ طلبته فليتضرع عقيب صلواته وتلو مناجاته لله بالاستكانة والخضوع ليرجع من توجهه وعرف القبول منه يضوع وليقل اللهم ارزقني موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا عيبا إلا سترته ولا ضرا إلا كشفته ولا سقما إلا شفيته ولا رزقا إلا بسطته ولا خوفا إلا أمنته ولا سوأ إلا صرفته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولي فيها صلاح إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة ومن عاجل يمنع خير الآجل ومن حياة تمنع خير الممات ومن أمل يمنع خير العمل وأسألك الظفر والسلامة ودخول دار المقامة اللهم لا تحرمني سعة مغفرتك وسبوغ نعمتك وشمول عافيتك وجزيل عطائك ومنح مواهبك لسوء ما عندي ولا تخذلني بقبيح عملي ولا تصرف وجهك الكريم عني اللهم لا تحرمني وأنا أدعوك ولا تخيبني وأنا أرجوك اللهم إنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا محروما مقترا علي في الرزق فأمح من أم الكتاب شقائي واقتار رزقي وأثبتني عندك سعيدا مرزوقا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب اللهم هذا مقام اللائذ بجنابك العائذ بك من النار يا فارج الهم يا كاشف الغم يا مجيب دعوة المضطر يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمني رحمة تغنني بها عمن سواك اللهم إني أدعوك بما دعاك به عبدك ذو النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن تقدر عليه فنادى في الظلمات إن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستحبت له ونجيته من ظلمات ثلاث ظلمة الخطيئة وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت فإنه دعاك وهو عبدك وسألك وهو عبدك وأنا أسألك وأنا عبدك وأدعوك وأنا عبدك أن تصلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأن تستجيب لي كما استجبت له وأدعوك بما دعاك به عبدك أيوب إذ قال مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبت له وكشفت ما به من ضر وآتيته أهله ومثلهم معهم رحمة من عندك فإنه دعاك وهو عبدك وسألك وهو عبدك وأنا أسألك وأنا عبدك وأدعوك وأنا عبدك أن تصلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأن تفرج عني كما فرجت عنه وأن تستجيب لي كما استجبت له إنك سميع الدعاء اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع وقلب لا يخشع وعلم لا ينفع ودعاء لا يسمع وعين لا تدمع وصلاة لا ترفع اللهم إني أسألك في صلاتي وفي دعائي براءة تطهر بها قلبي وتؤمن بها روعي وتكشف بها كربي وتغفر بها ذنبي وتصلح بها أمري وتغني بها فقري وتذهب بها ضري وتفرج بها غمي وتسلي بها همي وتشفي بها سقمي وتقضي بها ديني وتجلو بها حزني وتجمع بها شملي وتبيض بها وجهي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم أصبح ظلمي مستجيرا بعفوك وذنبي مستجيرا بمغفرتك وخوفي مستجيرا بأمنك وفقري مستجيرا بغناك وضعفي مستجيرا بقوتك وذلي مستجيرا بعزك ووجهي الفاني البالي مستجيرا بوجهك الدائم الباقي اللهم مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم صلى الله عليه وآله وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واجعلني في حفظك وكلأتك وودائعك التي لا تضيع واحفظني من كل سوء ومن شر كل ذي شر واحرسني من شر الشيطان الرجيم والسلطان المليم إنك أشد بأسا وأشد تنكيلا اللهم إن كنت منزلا بأسا من بأسك أو نقمة من نقمك على
(1/264)

أهل معصيتك بيتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون فصل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واجعلني وأهلي في كنفك ومنعك وحرزك اللهم إن هذين الليل والنهار خلقان من خلقك فاعصمني فيهما بحولك وقونك ولا ترهما مني جراءة على معصيتك ولا ركونا إلى مخالفتك واجعل عملي فيهما مقبولا وسعي مشكورا وسهل لي ما أخاف عسره وصعب على أمره واقض لي فيهما بالحسنى وامني مكرك ولا تهتك عني سترك ولا تنسني ذكرك اللهم صلى الله عليه وآله وسلم على سيدنا محمد وآله وافتح مسامع قلبي لذكرك حتى أعي وجيك وأتبع كتابك وأصدق رسلك وأومن بوعدك وأخاف وعيدك وأوفي بعهدك وآخذ بأمرك ولا اجترئ على نهيك اللهم إني أستودعك نفسي وديني ومالي وأهلي وكل نعمة أنعمت بها علي فاجعلني اللهم في كنفك وأمنك وكفايتك وكلاءتك وحفظك ورعايتك ووديعتك يا من لا تضيع ودائعه ولا يخيب سائله ولا ينفد ما عنده اللهم إني أدر أبك في نحور أعدائي وكيد من كادني وبغى علي اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شتات أمري وتلم بها شعثي وتحفظ بها غائبي وتصلح بها شاهدي وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وتعصمني بها من كل سوء اللهم وما قصرت عنه مسئلتي ولم تبلغه أمنيتي من خير وعدته أحدا من خلقك فإني أرغب إليك فيه اللهم يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية اللهم إني أسألك حسن الظن بك والصدق في التوكل عليك وأعوذ بك أن تبتليني ببلية تحملني ضرورتها على العبث بمعاصيك وأعوذ بك أن أقول قولا حقا من طاعتك ألتمس به سواك وأعوذ بك أن تجعلني عبرة لغيري وأعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما آتيتني مني وأعوذ بك أن أتكلف طلب ما لم تقسمه لي وما قسمت لي من قسم أو رزقتني من رزق فأتني به في يسر وعافية حلالا طيبا وأعوذ بك من كل شيء يزحزحني عن بابك ويباعد بيني وبينك أو ينقص حظي عندك أو يصرف وجهك الكريم عني اللهم دعاك الداعون ودعوتك وسألك السائلون وسألتك وطلبك الطالبون وطلبتك اللهم أنت الثقة والرجاء وإليك منتهى الرغبة والدعاء والشدة والرخاء اللهم وصل وسلم على سيدنا محمد وآله واجعل اليقين في قلبي والنور في بصري والنصيحة في صدري وذكرك على لساني اللهم أنت العاصم والمائع والواقي الدافع من كل سوء أسألك الرفاهية في معيشتي بما أقوى به على طاعتك وأبلغ به رضوانك وأصير به منك إلى دار السلام غدا اللهم لا ترزقني رزقا يطغيني ولا تبتليني بفقر يضنيني وأعطني في الآخرة حظا وافرا وفي الدنيا معاشا واسعا اللهم إليك مددت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فأقبل توبتي وارحم ضعف قوتي واغفر خطيئتي واجعل لي في كل خير نصيبا وإلى كل بر سبيلا اللهم اغفر لي كل ما سلف من ذنوبي واعصمني فما بقي من عمري واردد علي أسباب طاعتك واستعملني بها واصرف عني أسباب معصيتك وحل بيني وبينها اللهم أنت متعالي الشأن عظيم الجبروت شديد المحال ذو الكبرياء قادر قاهر قريب الرحمة سامع الصوت صادق الوعد وفي العهد مجيب المضطر قابل التوب محص لما خلقت تدرك ما طلبت شكور إن شكرت ذاكر إن ذكرت أسألك يا إلهي محتاجا وأرغب إليك فقيرا وألجأ إليك خائفا وأرجوك ناصرا اللهم ضعفت فلا قوة لي اللهم جئتك مسرفا على نفسي مقرا بسوء عملي اللهم خلقتني وأمرتني ونهيتني ورغبتني في ثواب ما به أمرتني ورهبتني عقاب ما عنه نهيتني وجعلت لي عدوا يكيدني وسلطته علي فأسكنته صدري وأجريته مجرى الدم مني لا يغفل إن غفلت ولا ينسى إن نسيت يؤمنني عقابك ويخوفني غيرك إن هممت بفاحشة شجعني وإن أردت صلاحا ثبطني ينصب لي حبائل الشهوات إن وعدني كذبني وإن اتبعت هواه أضلني إن لم تصرف عني كيده يستزلني وإن لم تفلتني من حبائله يصدني وإن لم تعصمني منه يضلني اللهم صلى الله عليه وآله وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واقهر سلطانه عني بسلطانك عليه فأفوز مع المعصومين منه اللهم لا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا مقدم لما أخرت ولا مؤخر لما قدمت اللهم أنت العليم فلا يجهل وأنت الحليم فلا يعجل وأنت الكريم فلا يبخل وأنت العزيز فلا يذل وأنت المنيع فلا يرام وأنت المجير فلا يضام اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت
(1/265)

وما أعلنت وما أنت أعلم به من أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير وبالاجابة جدير لا إله إلا أنتا أعلنت وما أنت أعلم به من أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير وبالاجابة جدير لا إله إلا أنت قال المقيد لشوارد فوائد ما ذكر من الأضداد والمؤلف من غرائبها بين الأشباه والأنداد وعندما تم كتابنا واتسق قمر محاسنه بعد السرار وكاد سنا حسنه يطق بالبصائر دون الأبصار وتفجرت من خلال سطوره ينابيع الحكم وهم عبابها أن يفهق فينم بما كتم وسفرت ألفاظه عن معان كأحسن ما ينشق عنه الكمائم وقامت نفثات بدائعه لصريع الهموم مقام الرقي والتمائم تقاضاني بوعدي إياه عند ابتدائه بأن أطلعه باهر العقول أوليائه وأعدائه فاستخرت الله تعالى الكريم وأمسكت من عنان القلم في مضمار الاطناب وقصرت خطوه لعلمي أن السآمة مقرونة بالاكثار والاسهاب وجلوته في حلل فنونه وفاء بعهده وانجازا لما سبق من وعده ما أمن صحائفه أكفا يسئل بها التغديق عن سوء التلفيق ويدرأ بها شبهات من يرى أن بيده زمام التوفيق فهو يتصرف به على حكم اختياره ومراده ويبلغ غاية أمله بجياد سعيه واجتهاده وإلى الله أبرأ من الحول والقوة وأسأله أن يزحزحني عن الوقوع في هذه الهوة وأن يجعل هذا الكتاب للنفوس يعجب ويروق ويجريه بالمحبة مجرى الدم في العروق وأن يدخلني جنات يجل وصفها وتفوق إنه من راجيه قريب ولداعيه سميع مجيب آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق