الصفحات

الجمعة، 20 ديسمبر 2013

الظلم ظلمات يوم القيامة









صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن ظاهرة انتشرت في بعض الناس ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة، إما على سبيل الذم، أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها.
إنها ظاهرة الظلم، وما أدراك ما الظلم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وحرمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا } [رواه مسلم].
وعن جابر أن رسول الله قال: { أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } [رواه مسلم].
والظلم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة.

وهو ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ظلم الإنسان لربه، وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغيره سبحانه وتعالى، قال عز وجل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصي لله ورسوله. قال جل شأنه: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:33].
النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالباً بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.
صور من ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته:
غصب الأرض: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: { من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين } [متفق عليه].
مماطلة من له عليه حق: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { مطل الغني ظلم } [متفق عليه].
منع أجر الأجير: عن أبي هريرة عن النبي قال: { قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة...،...، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره } [رواه البخاري].
وأذكر هنا قصة ذكرها أحد المشايخ في كلمة له في أحد المساجد بمكة، قال: ( كان رجل يعمل عند كفيله فلم يعطه راتب الشهر الأول والثاني والثالث، وهو يتردد إليه ويلح وأنه في حاجة إلى النقود، وله والدان وزوجة وأبناء في بلده وأنهم في حاجة ماسة، فلم يستجب له وكأن في أذنيه وقر، والعياذ بالله. فقال له المظلوم: حسبي الله؛ بيني وبينك، والله سأدعو عليك، فقال له: أذهب وأدعوعلي عند الكعبة (انظر هذه الجرأة) وشتمه وطرده. وفعلا استجاب لرغبته ودعا عليه عند الكعبة بتحري أوقات الإجابة، على حسب طلبه، وبريد الله عز وجل أن تكون تلك الأيام من أيام رمضان المبارك وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، ومرت الأيام، فإذا بالكفيل مرض مرضاً شديداً لا يستطيع تحريك جسده وانصب عليه الألم صباً حتى تنوم في إحدى المستشفيات فترة من الزمن. فعلم المظلوم بما حصل له، وذهب يعاوده مع الناس. فلما رآه قال: أدعوت علي؟ قال له: نعم وفي المكان الذي طلبته مني. فنادى على ابنه وقال: أعطه جميع حقوقه، وطلب منه السماح وأن يدعو له بالشفاء ).
الحلف كذباً لإغتصاب حقوق العباد: عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي أن رسول الله قال: { من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة }، فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: { وإن قضيباً من أراك } [رداه مسلم].
السحر بجميع أنواعه: وأخص سحر التفريق بين الزوجين، قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102]. وعن أبي هريرة عن النبي قال: { اجتنبوا السبع الموبقات }، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: { ... والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات } [رواه البخاري ومسلم].
عدم العدل بين الأبناء: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال:{ نحلني أبى نحلاً فقالت أمى عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله ، فجاءه ليشهده على صدقتي فقال: "أكل ولدك نحلت مثله" قال: لا، فقال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقال: "إني لا أشهد على جور"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة } [متفق عليه].
حبس الحيوانات والطيور حتى تموت: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار} [رواه البخاري ومسلم]. حبستها: أي بدون طعام.
شهادة الزور: أي الشهادة بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار والانتقام من الخصوم، فعن انس قال: ذكر رسول الله الكبائر فقال: { الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو قال: "شهادة الزور" } [متفق عليه].
وأكل صداق الزوجة بالقوة ظلم.. والسرقة ظلم.. وأذيه المؤمنين والمؤمنات والجيران ظلم... والغش ظلم... وكتمان الشهادة ظلم... والتعريض للآخرين ظلم، وطمس الحقائق ظلم، والغيبة ظلم، ومس الكرامة ظلم، والنميمة ظلم، وخداع الغافل ظلم، ونقض العهود وعدم الوفاء ظلم، والمعاكسات ظلم، والسكوت عن قول الحق ظلم، وعدم رد الظالم عن ظلمه ظلم... إلى غير ذلك من أنواع الظلم الظاهر والخفيى.

فيا أيها الظالم لغيره:

اعلم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلماً كان أو كافراً، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله : { اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب }. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال:

لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم


نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم

فتذكر أيها الظالم: قول الله عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]. وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]. وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : { إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته }، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
وتذكر أيها الظالم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله. تذكر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك.
وتذكر أيها الظالم: قول الرسول : { لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء } [رواه مسلم]. والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة عن النبي قال: { من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } [رواه البخاري]. وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار } [رواه مسلم].

ولكن أبشر أيها الظالم:

فما دمت في وقت المهلة فباب التوبة مفتوح، قال : { إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } [رواه مسلم]. وفي رواية للترمذي وحسنه: { إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر }. ولكن تقبل التوبة بأربعة شروط:
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود.
4- إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


========================================================================
و ماذا بعد الظلم ؟؟


أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم








قال ابن هشام : وأقبل أبو جهل يوم بدر ويرتجز ويقول :
ما تنقم الحرب العوان( )      مني بازل عامين حديث سني
لمثل هذا ولدتني أمي

قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله r من عدوِّه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى، وكان أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس، وعبد الله بن أبي بكر أيضاً قد حدَّثني ذلك؛ قالا: قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة([1]) وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة (أطنت) ([2]) قدمَه بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين (طاحت)([3]) إلا بالنواة (تطيح) من تحت (مرضخة)([4]) النَّوَى حين يضرب بها، قال: وضربني ابنُه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلَّقتُ بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه؛ فلقد قاتلتُ عامَّة يومي، وإنِّي لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيتُ بها عليها حتى طرحتُها.
قال ابن إسحاق: ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان، ثم مرَّ بأبي جهل –وهو (عقير)([5])- معوذ بن عفران فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، فمرَّ عبدُ الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله r أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله r - فيما بلغني: «انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلمان وكنت أشفَّ منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه (فحجش) ([6]) في أحدهما حجشا لم يزل أثره به». قال ابنُ مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته. فوضعت رجلي على عنقه، قال وقد كان ضبث بي([7]) مرة بمكة فآذاني ولكزني، ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدوَّ الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ قال: أعمد من رجل قتلتموه، أخبرْني لمن الدائرة اليوم؟ قال: قلت: لله ولرسوله.
قال ابن إسحاق: وزعم رجال من بني مخزوم أنَّ ابنَ مسعود كان يقول: قال لي: لقد التقيتُ مرتقى صعباً يا رويعي الغنم. قال: ثم احتززتُ رأسَه ثم جئتُ به رسولَ الله r فقلت: يا رسولَ الله، هذا رأس عدوِّ الله. فقال: «آلله الذي لا إله غيره»؟ وكانت يمين رسول الله r- فقلت: نعم! والله الذي لا إلهَ غيره. ثم ألقيتُ رأسَه بين يدي رسول الله r، فحمد الله. هكذا ذكر ابن إسحاق - رحمه الله.
وقد ثبت في الصَّحيحين من طريق يوسف بن يعقوب بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: إني لواقف يوم بدر في الصَّفِّ فنظرتُ عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنَّيتُ أن أكون بين أظلع منهما، فغمزني أحدُهما فقال: يا عم، أتعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنَّه يسبُّ رسولَ الله r، والذي نفسي بيده لئن رأيتُه لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبتُ لذلك فغمزني الآخر فقال لي أيضاً مثلَها. فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل وهو يجول في الناس فقلت: ألا تريان! هذا صاحبُكم الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبيِّ r فأخبراه فقال: «أيُّكما قتله»؟ قال كلٌّ منهما: أنا قتلتُه. قال: «هل مسحتما سيفيكما»؟ قالا: لا. فنظر النبي r في السَّيفين فقال: «كلاهما قتله». وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والآخر معاذ بن عفراء. وقال البخاريُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إبراهيم بن سعيد عن أبيه عن جده، قال: قال عبد الرحمن: إنِّي لفي الصَّفِّ يوم بدر إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السِّنِّ فكأنِّي لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عمّ أرني أبا جهل. فقلت: يا ابنَ أخي ما تصنع به؟ قال: عاهدتُ الله إن رأيتُه أن أقتله أو أموت دونه. وقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، قال: فما سَرَّني أنَّني بين رجلين مكانهما، فأشرتُ لهما إليه، فشدَّا عليه مثل الصَّقْرَيْن حتى ضرباه وهما ابنا عفراء.
وفي الصَّحيحين أيضاً من حديث أبي سليمان التّيميّ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ينظر ماذا صنع أبو جهل؟» قال ابن مسعود: أنا يا رسول الله. فانطلق فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال: فأخذ بلحيته، قال: فقلت: أنت أبو جهل؟ فقال: وهو فوق رجل قتلتموه. أو قال: قتله قومه. وعند البخاريِّ عن أبي أسامة عن إسماعيل بن قيس عن ابن مسعود أنَّه أتى أبا جهل فقال: هل أخزاك الله؟ فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه؟ وقال الأعمش: عن أبي إسحاق عن أبي عبيد عن عبد الله قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بضة ومعه سيف جيد، ومعي سيف رديء فجعلت (أنقف)([8]) رأسَه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى ضعفت يده([9])، فأخذت سيفَه فرفع رأسَه فقال: على من كانت الدائرة لنا أو علينا؛ ألستَ رويعينا بمكَّةَ؟ قال: فقتلتُه، ثم أتيتُ النَّبيَّ r فقلت: قتلت أبا جهل. فقال: «آلله الذي لا إله إلا هو»؟ فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي إليهم فدعا عليهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة: قال: قال عبد الله: انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو يَذُبُّ النَّاسَ عنه بسيف له، فقلت: الحمد لله الذي أخزاك الله يا عدوَّ الله. قال: هل هو إلا رجل قتله قومه؟! فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل، فأصبتُ يدَه فندر([10]) سيفه فأخذته فضربته حتى قتلتُه، قال: ثم خرجت حتى أتيتُ النَّبيَّ r كأنَّما أقلَّ من الأرض([11]) فأخبرته فقال: «آلله الذي لا إله إلا هو؟» فردَّدها ثلاثا، قال: قلت: آلله الذي لا إله إلا هو. قال: فخرج يمشي معي حتى قام عليه فقال: «الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا عدو الله هذا كان فرعون هذه الأمة». وفي رواية أخرى قال ابن مسعود: (فنفلني)([12]) سيفه.
وقال أبو إسحاق الفزاري عن الثَّوريِّ عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: أتيتُ رسولَ الله r يومَ بدر فقلتُ: قد قتلت أبا جهل. فقال: «آلله الذي لا إله إلا هو؟» فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو. مرتين أو ثلاثا، قال: فقال النبيُّ r: «الله أكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده». ثم قال: «انطلق فأرنيه»، فانطلقت فأريته فقال: «هذا هو فرعون هذه الأمة». ورواه أبو داود والنسائيُّ من حديث أبي إسحاق السّبيعيّ به. وقال الواقديّ: وقف رسول الله r على مصرع ابني عفراء فقال: «رحم الله ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر». فقيل: يا رسول الله! ومن قتله معهما؟ قال: «الملائكة وابن مسعود قد شرك في قتله». [رواه البيهقي].
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير عن عنبسة بن الأزهر عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول الله r البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاثة أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا؟ فحلف له فخر رسول الله r ساجدا. ثم روى البيهقي من طريق أبي نعيم عن سلمة بن رجاء عن الشعثاء – امرأة من بني أسد - عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله r صلى ركعتين حين بشر بالفتح وحين جيء برأس أبي جهل.
وقال ابن ماجة: حدثنا أبو بشر بكر بن خلف، حدثنا سلمة بن رجاء قال: حدثتني شعثاء عن عبدالله بن أبي أوفى أن رسول الله r صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين.
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبي حدثنا هشام أخبرنا مجالد عن الشعبي أن رجلا قال لرسول الله r: إن مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا. فقال رسول الله r: «ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة». وقال الأموي في مغازيه: سمعت أبي ثنا المجالد بن سعيد عن عامر قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: إني رأيت رجلا جالسا في بدر ورجل يضرب رأسه بعمود من حديد حتى يغيب في الأرض! فقال رسول الله: «ذاك أبو جهل وكل به ملك يفعل به كلما خرج فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه (بعنـزة)([13]) فطعنته في عينه فمات. قال هشام: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها، وقد انثنى طرفاها. قال عروة: فسأله إياها رسول الله r فأعطاه إياها، فلما قبض رسول الله r أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياه، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل. وقال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص –ومر به - إني أراك كأن نفسك شيئا أراك تظن أني قتلت أباك، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به، وهو يبحث بحث الثَّور بروقه فحدت عنه، وقصد له ابن عمه عليّ فقتله.



([1]) الحرجة: الشجر الملتف وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سأل أعرابيا عن الحرجة قال: هي شجرة من الأشجار لا يوصل إليها.
([2]) أطن: قطع.
([3]) طاحت: تاهت في الهواء.
([4]) مرضخة: حجر كبير تكسر به الحجارة الصغيرة.
([5]) عقير: مقطوع الساق.
([6]) حجش: جرح.
([7]) ضبث: قبض عليه ولزمه.
([8]) أنقف: أضربه.
([9]) في المصرية: صفقت يده.
([10]) ندر: سبط.
([11]) أي أحمل من شدة الفرح.
([12]) نفلني: أعطاني.
([13]) عنـزة: عصا لها رج في أسفلها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق