الصفحات

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013


الحساب يوم الحساب



حديثي معكم عن الحساب وهو أن يحساب الله العباد يوم القيامة على ما أسلفوه من الأعمال في هذه الحياة الدنيا ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) فهذه الدنيا دار عمل والآخرة دار حساب
ومن رحمة الله بنا انه انزل علينا كتابا وأرسل إلينا رسلا فقال فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا
وجعل لنا سمعا و أبصارا وعقولا
وبين لنا الخير لنسلكه
وبين لنا الشر لنتركه
ثم وكل بنا ملائكة يكتبون أقوالنا وأفعالنا فما نعمل من عمل إلا يكتبونه ولا نقول قولا إلا يكتبونه وما نهم من هم سواء كان خيرا أو شرا إلا ويكتب
يقول الله ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )
( وأنا عليكم لحافظين كراما كاتبين )
( ونكتب ما قدوا وأثارهم ) ( بلى ورسلنا لديهم يكتبون )
فإذا مات العبد طويت صحائفه وانقطع عمله وإذا خرج من القبر أخرجت له صحائف أعماله وتم الحساب على ضوئها
وفي الحديث عند مسلم (إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها فمن وجدا خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )
ثم يأتي الله لفصل القضاء ومحاسبة العباد وينقسم الناس في الحساب إلى ثلاثة أقسام :
1- قسم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ولا ارتهان بحق وهم الذين حققوا التوحيد ثبت في الصحيحين (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم أيهما قال متماسكون آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر )
وعند البخاري ( يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ)
وفي الصحيحين قال حصين بن عبد الرحمن
كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت أنا ثم قلت أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال فماذا صنعت قلت استرقيت قال فما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي فقال وما حدثكم الشعبي قلت حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. ". رواه البخاري 5270 فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة
هذه الأحاديث جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصف الذي يستحقون به دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب تحقيق التوحيد فلا يسالون الناس شيئا .
2- يحاسبون حسابا يسيرا وهم أناس عندهم ذنوب وأراد الله أن يغفر لهم فيقررهم بذنوبهم فإذا اعترفوا بها قال لهم سترتها عليكم في الدنيا واغفرها لكم اليوم فتبدل سيئاتهم حسنات وتبيض وجوههم ويعطى احدهم كتابه بيمينه فمن شدة الفرح انه فاز بالجنة ونجا من النار يرفع كتابه عاليا هائم اقرؤوا كتابيه )
3- يحاسبون حسابا عسيرا وهو الكافر يقررهم الله بذنوبهم فينكرونها ويحلفون على ذلك( والله ربنا ما كنا مشركين) ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون إنهم على شيء ) ( استحوذ عليكم الشيطان ........) المجادلة
فيختم الله على أفواههم
فيشهد عليكم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ويشهد عليهم الملائكة والأرض والناس ثم يعطى كتابه بشماله ومن وراء ظهره ويسود وجهه فمن شدة حسرته وندامته وحزنه وخوفه يقول يا ليتني لم أوتي كتابيه ولم ادر ما حسابيه ) .
فهنيئا لمن حسابه ربه حسابا يسيرا ففاز بالجنة ونجا من النار فوجد الأعمال الصالحة التي قدمها لنفسه في يوم قال الله عنه ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا )ويا خيبة وحسرة وخسارة من غفل عن محاسبة نفسه وانغمس في المعاصي فوجد جرائمه وجناياته مكتوبة يقول الله ( وما عملت من سوء تود لو أن بينه وبينها أمدا بعيدا ) فمن حاسبه الله حسابا عسيرا ومن نوقش الحساب هلك وفي الحديث ( الكيس أي العاقل الحازم من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز أي الهالك من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي
اخرج الإمام الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن ابن عمر قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار يا رسول الله فقال من أكيس الناس واحزم الناس أي من هو أعقل الناس وقبل أن نسمع الإجابة من النبي صلى الله عليه وسلم تعالوا لنرى من هو أعقل الناس في نظر الناس لو سئلوا لقالوا من عنده وظيفة وسيارة وبيت ومال ومنصب وجاه فتعالوا نسمع إجابة النبي صلى الله عليه وسلم على سؤال من هو أعقل الناس قال ( من أكيس الناس يا رسول الله فقال أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم استعداد للموت ) أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة ) وقال بعض السلف العاقل من جمع ثلاث من ترك الدنيا قبل ما تتركه و بنى قبره قبل أن يدخله وأرضى ربه قبل أن يلقاه ) .
وروى الطبراني رحمه الله بإسناد حسن و البزار رحمه الله أن رجلا مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يثنون عليه ويذكرون من عبادته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما سكتوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
"هل كان يكثر ذكر الموت ؟ " قالوا : لا ، قال: "فهل كان يدع كثيرا مما يشتهي؟" قالوا: لا، قال: "ما بلغ صاحبكم كثيرا مما تذهبون إليه "" .
والسؤال ما معنى الإكثار من ذكر الموت معناه كما ورد ( الإنابة إلى دار الخلود رغبة شديدة في الآخرة والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله .

إذا علمنا أن الله سيحاسبنا فلنحسب أنفسنا
حاسب نفسك على توحيدك في أقوالك وأفعالك وفي نياتك لان المنافق اظهر عملا صالحا لكن نيته فاسد
حاسب نفسك على صلاتك لا تقبل الصلاة إلا بالطهور والكثير يتوضأ مقلدا ولا يسال عن الكيفية الشرعية للوضوء وحاسبك نفسك على أركان الصلاة و شروطها و واجباتها
وحاسب نفسك على زكاتك فقد جعلها الله في أشيئا معلومة هل أنت تضبط الحول ومدة الحول
وحاسب نفسك على صيامك فبعض الناس لازال عليه قضاء من رمضان
وحاسب نفسك على الحج والعمرة
وحاسب نفسك على مالك هل هو حرام أو حلال
وحاسب نفسك على وقتك وقس عليه كل ما أمرك الله به و كل ما نهاك الله عنه
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .

كتاب المواعظ

للكاتب عبد الرحمن اليحيا التركي
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق