الصفحات

السبت، 16 نوفمبر 2013

عمارة المسجد الحرام في العهد السعودي


العناية بالمسجد الحرام
إن خير البقاع على وجه المعمورة بلد الله الحرام ، مكة المكرمة ، مهبط الوحي، وموطن البعثة المحمدية ، التي اختارها الله لبيته الحرام ، ولقد اختصها الله تعالى بمزيد من الفضل ، وجعل لها من الحرمة والمكانة هي ومدينة رسوله ? ما ليس لغيرهما من سائر البقاع ، ولا أدل على ذلك من مضاعفة الصلاة فيها ، إذ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه .
لذا فلا غرابة أن يكون لهذه المدينة المقدسة مكانة جليلة في نفوس المسلمين ، تحمل على رعايتها والعناية بها ، ولا سيما ممن شرفه الله بالولاية عليها ، فلقد عني الولاة من الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء على مر التاريخ الإسلامي بهذه المدينة المقدسة ، وحظي المسجد الحرام بالعمارة والتشييد والعناية على أفضل صورة ممكنة في كل عصر بما يناسبه .
غير أن ما تحقق للمسجد الحرام في العهد السعودي الزاهر ، قد تميز عما حصل له في العصور السابقة ، فقد كان ازدياد عدد الحجاج والمعتمرين مدعاة لبذل المزيد من العناية في تطوير المدينة المقدسة في جميع مرافقها - وبخاصة المسجد الحرام والأماكن التي لها علاقة بالحج والحجاج الذين يأتون من جميع أنحاء العالم- دون نظر إلى النفقات التي تصرف على هذه الأعمال والمشاريع ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .


توسعة المسجد الحرام
توسعة المسجد الحرام قبل العهد السعودي :
التوسعة في عهد الخلفاء الراشدين :
لم يكن للمسجد الحرام منذ عهد الخليل عليه السلام وحتى عهد رسول الله ? وعهد أبي بكر رضي الله عنه سور خاص به ، بل كانت الدور تحيط به من كل جانب ، تمتد بينها طرق ، تؤدي إلى الكعبة المشرفة ، وقد بقي الأمر على هذا الحال في أول الإسلام ، حتى اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما قرب من الكعبة من دور ، وأدخلها في المطاف ، وجعل حولها جدارًا قصيرًا دون القامة ، وعمل سدًا عظيمًا بأعلى مكة في الجهة الشرقية الشمالية من الكعبة ؛ حماية للمسجد الحرام والكعبة من السيول العظيمة التي كانت تجتاحها .
ولما ضاق المسجد على المصلين في عهد عثمان رضي الله عنه اشترى بعض الدور ، وأدخلها في المسجد ، وذلك سنة ست وعشرين من الهجرة ، وجعل للمسجد أروقة .
هذا ما حصل في المسجد الحرام من بناء وتوسعة في عهد الخلفاء الراشدين .
أبرز التوسعات والأعمال العمرانية في العهود الإسلامية المختلفة :
توسعة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما للمسجد الحرام وذلك سنة أربع وستين وخمس وستين واشترى دورًا من الناس وأدخلها في المسجد الحرام ، كما قام كما قام ببناء الكعبة على قواعد إبراهيم الخليل عليه السلام .
ثم بناء عبد الملك بن مروان لما تهدم من المسجد الحرام بعض أجزائه ، بسبب قتال الحجاج لابن الزبير ، وجلب إليه السواري في البحر إلى جدة ، وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة ، كما أعاد بناء الكعبة على بناء قريش .
ثم توسعة وبناء الوليد بن عبد الملك بن مروان وذلك سنة 91هـ إذ نقض عمل أبيه وعمل عملاً محكمًا بأساطين الرخام ، وسقفه بالساج ، وأزّر المسجد من داخله بالرخام ، وجعل للمسجد شرفات .
وبقي المسجد الحرام على ذلك الحال ، حتى زاده الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ؛ زيادة يسيرة في شقه الشامي ، وعمل منارة في الركن الغربي .
ثم أعقب ذلك الزيادة الكبرى والبناء العظيم الذي قام به الخليفة المهدي العباسي ، حيث أمر بشراء الدور التي في أعلى المسجد الحرام بين المسعى والمسجد من الجانب الشرقي ، وكذلك من الجوانب الأخرى ، وأدخلت هذه المساحات كلها توسعة للمسجد الحرام ، وبدأت التوسعة سنة 167هـ ، غير أن الخليفة المهدي وافته المنية قبل أن تكتمل هذه التوسعة ، فأكملها ابنه الخليفة موسى الهادي سنة 169-170هـ . وكانت توسعته أعظم توسعة وبناء ، فقد زاد في المسجد (12512) مترًا .
ثم حصل في المسجد الحرام إصلاحات وترميمات متعددة في عهود عدد من خلفاء بني العباس ، كان آخرها في عهد الخليفة المقتدر بالله سنة 306 هـ .
وبقي المسجد من وقت عمارة المهدي لم يحصل له تجديد ولا توسعة تذكر مدة (810) سنوات ، سوى بعض الترميمات والتحسينات وبعض الزيادات اليسيرة .
عمارة العثمانيين للمسجد الحرام :
في عهد الخليفة العثماني السلطان سليم خان سنة 979هـ حصل في المسجد الحرام خلل وتصدع كبير ، بحيث لا ينفع معه أي علاج ، فأصدر السلطان أمره ببناء المسجد الحرام جميعه بغاية الإتقان والإحكام .
ولما فُرغ من بناء الجانبين الشرقي والشمالي توفي رحمه الله ، وتولى ابنه السلطان مراد خان الخلافة فأصدر أمره بإكمال بناء المسجد الحرام ، حتى أكمل بناؤه بناء كاملاً على الشكل القائم الآن ، وذلك عام 984هـ ، وهو ما يسمى الآن بالرواق العثماني .
ثم تلا ذلك عدة ترميمات وإصلاحات في عهد الدولة العثمانية ، كان من أهمها بناء الكعبة المشرفة حينما تهدمت بسبب الأمطار ، وكان ذلك في عهد السلطان مراد خان ابن السلطان أحمد خان عام 1040هـ( ) .
مميزات العمارة العثمانية :
أهم ما يميز عمارة الرواق العثماني أنه حل فيها القباب محل السقف الخشبي ، وأنشئت نتيجة لذلك العديد من الأعمدة الرخامية ، واستخدمت الأعمدة التي تبقت من عمارة المهدي ، وأعمدة من الحجر الشميسي ، وقد أصبح عدد الأعمدة بعد هذه العمارة (589) عمودًا ، موزعة على جميع جهات المسجد الحرام ، والعقود (881) عقدًا ، وضم المسجد (152) قبة ، موزعة على جهات المسجد الأربع ، و(232) طاجنًا بجوار القباب ، وعدد الأبواب (26) بابًا ، وبلغت مساحة المسجد الحرام في العمارة العثمانية (28003) أمتار مربعة .

توسعة المسجد الحرام في العهد السعودي :
التوسعة السعودية الأولى
الملك عبد العزيز رحمه الله وتوسعة المسجد الحرام :
أولى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله منذ تشرف بالولاية على الحرمين الشريفين عناية بالغة ، فلم يمض وقت يسير على توليه الحكم ودخوله مكة المكرمة عام 1343هـ حتى أعلن البدء في ترميمات الحرمين الشريفين وبذل كل غال ونفيس في سبيلهما . فكان من أبرز ما أمر بعمله في المسجد الحرام :
أنه في سنة 1344هـ أمر بترميم المسجد الحرام ترميمًا كاملاً ، وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه ، وكذلك ترخيم عموم المسجد .
وفي سنة 1345هـ لما كثر عدد الحجاج كثرة هائلة أمر بوضع السرادقات في صحن المسجد ؛ لتقي المصلين حر الشمس .
وفي سنة 1346هـ أمر بإصلاح آخر للمسجد الحرام ، شمل الترميم والطلاء ، كما أصلح مظلة إبراهيم ، وقبة زمزم ، وشاذروان الكعبة المعظمة ، وأنفق على ذلك ما يربو على ألفي جنيه ذهبًا .
وفي نفس السنة أمر بعمل مظلات قوية ثابتة على حاشية صحن المطاف ، ليستظل تحتها المصلون ، فعملت من الخشب الجاوي وكسي بالقماش الثخين الأبيض . ثم عملت بعد ذلك مظلات ثابتة في أطراف الصحن مثبتة بالأروقة ، تنشر وتلف عند الحاجة ، وبقيت سنوات عديدة ، يجري تجديدها باستمرار .
وفي نفس السنة أمر بتأسيس أول مصنع لكسوة الكعبة المشرفة .
وخلال سنة 1345هـ و1346هـ أمر بتبليط المسعى بالحجر الصوان المربع وأن يبنى بالنورة ، وكان ذلك أول مرة في التاريخ يرصف فيها هذا الطريق منذ فرض الله تعالى الحج على المسلمين ؛ مما كان سببًا في راحة الساعين من الغبار والأتربة ، كما أمر بإزالة نواتئ الدكاكين التي ضيقت المسعى ، فصار المسعى في غاية الاستقامة وحسن المنظر .
كما أمر بعمل سبيلين لماء زمزم مع تجديد السبيل القديم .
وفي سنة 1354هـ أمر بإصلاح الحجر المفروش على مدار المطاف ، وإصلاح أرض الأروقة، وترميم وترخيم عموم المسجد، وتجديد الألوان، وإزالة كل ما به تلف ، كما تم إزالة الحصباء القديمة واستبدالها بأخرى جديدة .
وفي سنة 1366هـ أمر بتجديد سقف المسعى بطريقة فنية محكمة ، وكانت مظلة السقف ممتدة بطول المسعى من الصفا إلى المروة ما عدا ثمانية أمتار مقابل باب علي رضي الله عنه ، فإنها لم تسقف لأن تركها بغير سقف أجمل وأحسن ، ويبلغ عرض السقف كله عشرين مترًا ونصف المتر ، وقد كتب على هذه المظلة بخط جميل وبحروف بارزة من النحاس السميك مثبت في لوح من الصاج المتين طوله أربعة أمتار وعرضه متر واحد وأربعون سنتيمترًا في أربعة أسطر ما يأتي :
« أنشئت هذه المظلة في عهد حضرة صاحب الجلالة محيي مجد العرب والمسلمين ، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ، ملك المملكة العربية السعودية ، وقد تم إنشاؤها في سنة ألف وثلاثمائة وست وستين من الهجرة أثابه الله وأدام توفيقه » .
كما أمر بعمل باب جديد للكعبة مغطى بصفائح من الفضة الخالصة ، محلاة بآيات قرآنية ، نقشت بأحرف من الذهب الخالص ، وأمر بإصلاح عضادتي باب الكعبة بالفضة الخالصة الموشاة بالذهب .
وفي سنة 1370هـ أمر رحمه الله بترخيم الواجهات المطلة على المسجد الحرام ورحباته ترخيمًا كاملاً .
الملك سعود رحمه الله وتوسعة المسجد الحرام :وفي عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود أمر رحمه الله بفتح شارع وراء الصفا ، وصرف مرور الناس والسيارات عن شارع المسعى .
وفي سنة 1373هـ أمر بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم .
وفي سنة 1374هـ أنشأ بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم .
وفي سنة 1375هـ تم استبدال الشمعدانات الست بحجر إسماعيل عليه السلام بخمس نحاسية تضاء بالكهرباء . كما أمر رحمه الله بتبليط أرض المسعى بالأسمنت .
وفي الخامس من ربيع الأول سنة 1375هـ ألقى جلالة الملك سعود رحمه الله خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها والده الملك عبد العزيز رحمه الله ، وبدئ العمل في 4 ربيع الثاني عام 1375هـ ، وذلك بنزع ملكيات الدور والعقارات الواقعة في أرض التوسعة بعد تقدير أثمانها ، وتعويض أصحابها ، وتضمنت هذه التوسعة بناء ثلاثة طوابق : الأقبية ، والطابق الأرضي، والطابق الأول ، مع بناء المسعى بطابقيه ، وتوسعة المطاف ، وصار بئر زمزم في القبو ، وقد زود قبو زمزم بصنابير الماء ومجرى للماء المستعمل .
كما شملت التوسعة إزالة مبان كانت تضيق على المصلين والطائفين في صحن المطاف ، مثل مظلة زمزم ، وباب بني شيبة ، والمقامات الأربعة ، وشملت أيضًا تحويل مجرى مياه الأمطار بين جبل الصفا والمبنى العثماني ، وتم إحداث الميادين والشوارع ومواقف للسيارات ودورات للمياه ومواضع للوضوء قريبة من المسجد الحرام في جميع جهاته على أحدث نظام في ذلك الوقت .
وفي سنة 1376هـ أمر رحمه الله بعمل سلم متحرك للكعبة المشرفة ، وكان مغلفًا بالفضة ومنقوشًا بالذهب .
وفي عام 1377هـ أمر بترميم الكعبة المشرفة ، واستبدال سقفها الأعلى القديم بسقف جديد ، وأبقى على السقف السفلي بعد ترميمه وتغيير الأخشاب التالفة فيه .
الملك فيصل رحمه الله وتوسعة المسجد الحرام .
وعندما تولى الملك فيصل الحكم عام 1384هـ واصل رحمه الله إنجاز توسعة المسجد الحرام التي بدأت في عهد أخيه الملك سعود رحمه الله ، والتي أمر بها أبوهما الملك عبد العزيز رحمه الله .
ومن أهم ما حصل في عهده إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعة للطائفين ، ووضع المقام في غطاء بلوري ، وذلك عام 1387هـ .
وفي عام 1391هـ أمر رحمه الله ببناء مبنى لمكتبة الحرم المكي الشريف .
وكذلك في عام 1392هـ أمر ببناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود ، وتوسيع أعماله .
الملك خالد رحمه الله وتوسعة المسجد الحرام :
قام الملك خالد رحمه الله بإتمام ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام ، وكان ذلك في السابع من رجب عام 1396هـ ، كما تم في عهده أيضًا افتتاح مصنع الكسوة بعد تمام البناء والتأثيث ، وذلك عام 1397هـ .
ومن الأعمال المهمة في عهده توسيع المطاف سنة 1398هـ في شكله الحالي ، وفرش أرضيته برخام مقاوم للحرارة جلب من اليونان مما زاد من راحة المصلين والطائفين في الظهيرة .
وشملت توسعة المطاف نقل المنبر والمكبرية ، وتوسيع قبو زمزم ، وجُعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى ، وجعل فيه قسمان : قسم للرجال ، وقسم للنساء ، وركبت صنابير لشرب الماء البارد ، وجعل للبئر حاجز زجاجي .
كما أمر رحمه الله بصنع باب الكعبة المشرفة في عام 1399هـ بشكل بديع ، وبنفقات عظيمة ، كما تم صنع باب للسلم الداخلي للكعبة الموصل إلى سطحها . وفي تلك السنة تم إزالة باب بني شيبة والمنبر الرخامي من المطاف ، كما تم تبليط المطاف كاملاً بالرخام الأبيض . وفي عام 1400هـ تم التنظيف الشامل لبئر زمزم بعد القيام بأول عملية استكشافية للبئر .
مراحل وخصائص التوسعة :
وقد مرت التوسعة السعودية الأولى بأربع مراحل :
المرحلة الأولى : (1375-1381هـ) وشملت هذه المرحلة بناء المسعى بطابقيه ، ويبلغ طوله من الداخل (394.5م) وعرضه (20م) وارتفاع الطبقة (12م) . والثانية (9م) ، وتودى في الطابقين – باعتباره جزء من المسجد – الصلوات مع الجماعة ، وساعد هذا في التخفيف من الزحام ، وتم في وسط المسعى إنشاء حاجز قليل الارتفاع يقسمه إلى قسمين للذهاب والإياب ما بين المشعرين ، كما تم بناء درج دائري للصفا وآخر للمروة ، وجعل للطابق الأول من المسعى ثمانية أبواب على الواجهة الشرقية للشارع العام للدخول منها إلى المسجد الحرام ، وجعل للطبقة الثانية منه مدخلان من خارج الحرم ، أحدهما عند الصفا ، والآخر عند المروة ، كما جعل لهما مصعدان ، أحدهما عند باب السلام والآخر عند باب الصفا .
المرحلة الثانية : (1381-1389هـ) وتضمنت أعمال عمارة المسجد الحرام والجزء الخارجي من المبنى الجديد ، كما شملت هذه المرحلة توسعة منطقة المطاف، وعمل سلالم لبئر زمزم .
المرحلة الثالثة : (1389-1392) وتم خلالها بناء المكبرية ، وشق الطرق ، وإنشاء الميادين حول الحرم .
المرحلة الرابعة : (1393-1396) وتضمنت تجديد الحرم القديم ، وتجديد أركانه الأربعة لإنشاء البوابات الثلاث الرئيسية .
وقد تمت في هذه المراحل الأربع أعمال ضخمة أعادت صياغة الحرم المكي الشريف ، وما حوله بإحاطته بالميادين والشوارع الفسيحة ، وكل ما تم من مباني عمارة التوسعة حتى الآن يكسو جداره من الداخل والخارج المرمر وسقوفه وعقوده الحجر الصناعي ، مما يضيف إلى ضخامة البناء بهاء ، ويبعث في النفوس الفرح والابتهاج بما صار إليه بناء حرم الكعبة المشرفة من روعة وجلال يليقان بما لها من قدسية وتعظيم( ) .
ومن خصائص هذه التوسعة أن الحلية التي تكسو التوسعة جزء من علمية البناء ، تتم معه في وقت واحد ، ففي الجدران توضع قطع المرمر والحجر الصناعي في مواضعها من الشبكة الحديدية التي يتكون منها هياكل البناء ، فتشد القطع إليها بمشابك حديدية ، وتصب الخرسانة فوق الشبكة وراء القطع ، فتتماسك معها ، ويكون الجميع جدارًا قوي البناء جميل المنظر .
وفي السقوف يوضع الحجر الصناعي في مواضعه بين طبقة الأخشاب التي يمد فوقها السقف والشبكة الحديدية ، ثم يشبك الحجر بها بأسياخ الحديد ، وتصب فوقها الخرسانة ، فيصبح عقدًا متكاملاً ببقية البناء . والمرمر المستعمل في عمارة المسجد الحرام إنتاج محلي صرف ، فهو يقطع من خمسة أماكن مختلفة في الحجاز ، وكلها مواقع بالقرب من طريق مكة جدة المدينة .
وأصبح للحرم مع نهاية التوسعة السعودية الأولى (64) بابًا موزعة على مختلف جهاته ، وأكبرها : باب الملك عبد العزيز ويقع في الجهة الجنوبية للمسجد في اتجاه أجياد . وباب العمرة ويقع في الجهة الغربية من المسجد الحرام . وباب السلام ويوجد في الجهة الشمالية من المسجد الحرام .
كما أنشئت في هذه التوسعة سبع منارات ارتفع كل منها (89) مترًا ، وتبرز المنارات السبع أبعاد المسجد الحرام ، وترتفع شامخة بطرازها الفريد . والمنارات السبع موزعة على أبواب الصفا ، وباب الملك عبد العزيز ، وباب العمرة ، وباب السلام .
وبناء على ما تم من توسعات عمرانية في المسجد الحرام فقد أصبحت مساحته بعد التوسعة الأولى ( 160.168 ) مـترًا مربعًا ، تتسـع لأكثر من (300.000) مصل ، وفي حالات الزحام تستوعب أكثر من (400.000) مصل .

التوسعة السعودية الثانية
التهيئة للتوسعة الكبرى :وفي عام 1403هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بنـزع ملكيات عقارات السوق الصغير غرب المسجد الحرام ، وتعويض أصحابها بمبالغ مرضية ؛ تهيئة لتوسعة كبرى للمسجد الحرام أمر بها رحمه الله، وقد بلغت مساحة أراضي العقارات المنزوع ملكياتها 30.000 متر مربع، فهيئت كساحات مؤقتة للصلاة قبل البدء بأعمال البناء عليها .
وفي عام 1406هـ أمر رحمه الله بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة ، ولم يكن يستفاد من السطح إلا لأعمال الكهرباء ، وكانت شبكات الكهرباء المنتشرة في مواضع متفرقة من السطح تعيق المصلين ، فأمر خادم الحرمين الشريفين أن تجمع جميع شبكات الكهرباء في قباب جميلة ، وقد بلغت مساحة السطح 61.000متر مربع ، يتسع لتسعين ألف مصل ، وكان من قبلُ غير مهيأ للصلاة فيه .
كما أمر بإنشاء خمسة سلالم كهربائية بالمسجد الحرام ؛ لتسهيل الصعود والنـزول إلى السطح والطابق الأول .
كما تم بناء خمسة جسور علوية للدخول إلى الطابق الأول والخروج منه من جهة الشمال .
وضع حجر الأساس والبدء في التوسعة :
وفي2 صفر عام 1409هـ في حفل كبير حضره أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب الفضيلة العلماء وأصحاب المعالي الوزراء وأعيان البلاد وجموع من المواطنين وضع الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية ، وذلك بعد أربع سنوات من انطلاق العمل في توسعة المسجد النبوي ؛ ليجري العمل في التوسعتين في وقت واحد .
ويقع مشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في الناحية الغربية ، بالمنطقة التي كانت تعرف بالسوق الصغير ، الواقعة بين باب العمرة وباب الملك عبد العزيز .
مراحل مشروع التوسعة ووصفه :
يتألف مبنى التوسعة من القبو (البدروم) ، والطابق الأرضي ، والطابق الأول . وقد صمم وتم بناؤه على أساس تكييف شامل كامل ، وعمل له محطة للتبريد في أجياد ، وروعي في الأقبية تركيب جميع الأمور الضرورية من تمديدات وقنوات وعمل فتحات في قواعد الأعمدة المستديرة لامتصاص الهواء الساخن وفتحات أعلى الأعمدة المربعة ، حيث يتم ضخ الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزية للتكييف في أجياد ، ومبنى التوسعة منسجم تمامًا في شكله العام مع مبنى التوسعة الأولى .
وجعل في هذه التوسعة أربعة عشر بابًا ، فبذلك صارت أبواب المسجد الحرام (112) بابًا ، بعضها يشتمل على ثلاث أو أربع فتحات ، وصنعت الأبواب من أجود أنواع الخشب ، وكسيت بمعدن مصقول ضبط بحليات نحاسية ، والنوافذ والشبابيك من الألمونيوم الأصفر المخروط ومعدن مصقول بحليات نحاسية .
وعمل لهذه التوسعة مبنيان للسلالم الكهربائية في شماله وجنوبه ، وسلمان داخليان ، وبذلك يصبح مجموع السلالم الكهربائية في المسجد الحرام تسعة سلالم ، هذا عدا السلالم الثابتة الموزعة في أنحاء مبنى المسجد الحرام .
وفي سنة (1411هـ) أحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام ، وهيئت للصلاة ، لا سيما في أوقات الزحام ، وذلك بتبليطها برخام بارد ومقاوم للحرارة وإنارتها وفرشها ، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات (88.000م2) .
وفي سنة (1415هـ) تم توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلاً للساعين ، وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا .
وفي سنة (1417هـ) تم هدم وإزالة بعض المباني حول منطقة المروة ، وحصل تغيير كبير بالطابق الأرضي والأول فيها لغرض القضاء على الزحام في هذا الموقع ، حتى صارت مساحة المنطقة (375) مترًا مربعًا بدلاً من المساحة السابقة وهي (245) مترًا مربعًا .
كما حصلت أيضًا توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأول ، وأحدثت أبواب جديدة في الطابق الأرضي والأول للدخول والخروج من جهة المروة .
وفي سنة (1418هـ) تم إنشاء جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة ، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام .
كما تم أيضًا في تلك السنة توسعة الممر الملاصق للمسعى ، الذي يستعمل للطواف بالطابق الأول في أوقات الزحام من منطقة الصفا إلى ما يقابل منتصف المسعى ، فأصبح عرضه تسعة أمتار وعشرين سنتيمترًا ويبلغ طوله سبعين مترًا .
كما تم في نفس السنة تجديد غطاء مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النحاس المغطى بشرائح الذهب والكريستال والزجاج المزخرف ، وتم وضع غطاء من الزجاج البلوري القوي الجميل المقاوم للحرارة والكسر على مقام إبراهيم عليه السلام ، وشكله مثل القبة نصف الكرة ووزنه (1.750) كجم ، وارتفاعه (1.30) م ، وقطره من الأسفل (40) سم ، وسمكه (20) سم من كل الجهات ، وقطره من الخارج من أسفله (80) سم ، ومحيط دائرته من أسفله (2.51)م .
وقد تم المشروع على عدة مراحل نظرًا لضخامته :
المرحلة الأولى : تم إعداد الموقع بإحاطته بسياج من الألواح الخشبية والحديدية ، ثم تغيير مواقع الخدمات التي كانت في الموقع ، فقد كان فيه مبان وأنقاض ، وتحته شبكات قديمة تمد سكان المنطقة بالخدمات مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي والهاتف ، وكان العمل يقتضي تحويل هذه الخدمات إلى موقع آخر مع الحرص على عدم انقطاع أي خدمة منها ، ثم فتح طرق لتيسير حركة المصلين وغيرهم في المنطقة حيث إنها تكتظ دائمًا بالحركة والنشاط على مدار الساعة .
المرحلة الثانية: وقد تم في هذه المرحلة حفر المنطقة ونقل الأتربة والمخلفات.
المرحلة الثالثة : وقد تم فيها صب أساسات الجدران والأعمدة وكمرات الربط ، وربطت قاعدة التوسعة الثانية مع قواعد التوسعة الأولى بكمرات الربط المكونة من الخرسانة .
المرحلة الرابعة : بعد الفراغ من أعمال صب القواعد والأساسات أعيد الردم ورصد التربة وسويت حسب الأصول الهندسية ، ثم صبت الطبقة الخرسانية وحددت مسارات شبكات الصرف والتغذية الداخلية للمياه والتمديدات الكهربائية والتهوية والتكييف ومكافحة الحريق وغيرها من الأنظمة .
وعند صب سقف القبو عملت فتحات في قواعد الأعمدة المستديرة الشكل لتدفع الهواء الساخن خارج المسجد الحرام عبر مجار خاصة متصلة بمجاري التكييف .
وكذلك تم في هذه المرحلة تركيب الحوامل التي تحمل تمديدات وقنوات مجاري الهواء والتصريف والتمديدات الكهربائية المعلقة في سقف الطابق السفلي .
المرحلة الخامسة : وقد مدت في هذه المرحلة الخطوط الحديدية الخاصة بالتمديدات الكهربائية والتكييف .
وقسم مبنى التوسعة إلى خمس عشرة وحدة مستقلة ، والهدف من ذلك هو التوفيق بين مقتضيات الهيكل الإنشائي وبين المقتضيات المعمارية ، وخصصت كل وحدة بدراسة منفصلة فيها بيان تحملها وكفاءتها لمقاومة الأحمال الرأسية والأفقية، وتحمل الأعمدة تيجانًا من الرخام الأبيض الناصع قد زخرفت بزخارف محفورة ، وأحيط تربيع التيجان بحزام ذهبي ، وفوق التيجان تبدأ العقود والأقواس ، وهي ملبسة بالحجر الصناعي المنقوش بنقوش جميلة ، وقد كتب في جانبي العقود لفظ الجلالة (الله) بحروف بارزة مطلية بالذهب وفوق العقود تأتي السقوف ، وهي في هيأتها مثل السقوف في التوسعة الأولى في الزخرفة ، والطابق الأرضي كله مسقوف إلا ما هو تحت القباب التي يأتي ذكرها ، فإنه لم يسقف وترك على شكل فناء واسع مفتوح على سقف الطابق الأول ، وارتفاع الطابق الأرضي (9.80م) ومساحته عشرون ألف متر مربع .
المرحلة السادسة : وتم فيها بناء الطابق الأول وجدرانه وأعمدته وسقفه مماثلاً للطابق الأرضي في الشكل والصفة ، وجعل في وسط سطح المبنى ثلاث قباب تغطي الجزء الأوسط ما بين التوسعتين بمحاذاة المدخل الرئيسي وهو (باب الملك فهد) ، وترتكز كل قبة على أربعة أعمدة يبعد بعضها عن بعض مسافة (9.15م) وارتفاعها (17م) ، وتحملها على مقرنصات من الداخل ، كما زخرفت القباب بشبابيك علوية من خشب الساج .
وقد بلط السطح برخام بارد مثل سطح التوسعة الأولى ، وقد زاد السطح في مكان الصلاة مساحة كبيرة ، كما تم بناء مئذنتين على جانبي باب الملك فهد مثل مآذن التوسعة الأولى بارتفاع تسعة وثمانين مترًا (89م) .
وكسيت أعمدة التوسعة بالرخام الأبيض اللامع ، كما كسيت أرضيتها بالرخام الأبيض ، وكسيت الجدران من الداخل بالرخام والحجر الصناعي ، ومن الخارج برخام سنجابي اللون ، وبالحجر الصناعي مع زخرفتها بزخارف إسلامية جميلة ، روعي فيها الانسجام الكامل مع نظيرتها في التوسعة الأولى .
وتم استخدام أحدث الطرق الفنية في تثبيت الرخام ، وذلك باستخدام الزوايا المصنوعة من الحديد الذي لا يصدأ في مواضعها من الشبكة الحديدية التي يتكون منها هيكل البناء ثم شد القطع إليها بمشابك حديدية ، وتصب الخرسانة فوق الشبكة وراء القطع فتتماسك معها ، ويكوّن الجميع جدارًا قوي البناء جميل المنظر ، وفي السقوف يوضع الحجر الصناعي في مواضعه بين طبقة الأخشاب التي يمد فوقها السقف ، والشبكة الحديدية ، ثم يشبك الحجر فيها بقضبان الحديد ، وتصب فوقها الخرسانة ، فيصبح عقدًا متصلاً ببقية البناء .
ويبلغ عدد الأعمدة للطابق الواحد بمبنى التوسعة خمسمائة وثلاثون (530) عمودًا دائريًا ومربعًا ، وقطر الأعمدة المستديرة (81) سم ، وطول ضلع الأعمدة المربعة (93) سم ، وارتفاع الأعمدة بالطابق الأرضي (430)م ، وبالطابق الأول (4.70) م من منسوب الأرض حتى نهاية التاج ، وتبلغ أبعاد القواعد الأربعة (102×102×54)سم.أما قواعد الأعمدة المستديرة فهي بعرض كلي (97)سم، وارتفاع (45) سم ، وجميع قواعد الأعمدة مكسوة بالرخام .
والواجهات الخارجية للتوسعة يبلغ ارتفاعها (23.57)م وهي محلاة بالزخارف ومكسوة بالرخام الرمادي المموج والحجر الصناعي مثل الواجهات الخارجية للتوسعة الأولى .
وتم ربط التوسعة الثانية بالتوسعة الأولى عن طريق فتحات واسعة ، وذلك بعد نقل مواقع الأبواب التي كانت قبل التوسعة الثانية في جهة السوق الصغير مع المحافظة على العناصر الإنشائية للتوسعة الأولى .
وينبغي الإشارة إلى أنه كلما تم صب الأعمدة والجدران والمآذن كان يتبعه العمل بتركيب السقوف والأحجار الصناعية والرخام في الجدران والأعمدة ، وكانت تفرش أرض المسجد بالخرسانة ، ثم بالرخام ، وكذلك كان يتم تركيب تيجان الأعمدة والشبابيك والأبواب وغير ذلك من الأعمال التكميلية .
وقد انتهي من أعمال التوسعة رسميًا في 30/11/1413هـ .


الترميم الشامل للكعبة المشرفة :ومن الجدير بالذكر أن مما تم عمارةً للمسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله ، هو ترميم الكعبة المشرفة ترميمًا شاملاً لم يحدث مثله منذ سنة 1040هـ .
الترميم الأول :
فبعد مرور حوالي 375عاماً من ترميم الكعبة المشرفة عام 1040هـ ظهرت قشور وفجوات على سطح الحجارة الخارجية لجدار الكعبة المشرفة ، ونخر وشقوق في مونة الفواصل التي بين الحجارة للأجزاء العليا والسفلي من الحوائط .
وانطلاقًا من الرعاية والعناية المتواصلة لخادم الحرمين الشريفين بالمسجد الحرام والكعبة المشرفة ، جاء أمره السامي الكريم في أوائل شهر ذي الحجة من عام 1414هـ بإصلاح الفواصل الخارجية والتقشرات والفجوات التي ظهرت على الحجارة ، وما يحتاجه جدار الكعبة المشرفة الخارجي من إصلاح ، وتم التنفيذ وفق الخطوات التالية :
• إزالة المونة التي بين الفواصل إلى العمق الذي يحتاج إزالته .
• شفط ما بين صخور الحجارة من أتربة وعوالق ، وتنظيفها جيدًا ، وغسلها ، ثم تجفيفها بالهواء المضغوط .
• جيء بصخور مماثلة لصخور الكعبة المشرفة ، ثم طحنت ، وعمل منها عجينة ، بعد معالجتها معالجة خاصة بمواد ماسكة ، تكسبها صلابة أشد من صلابة الصخر .
• تبليط السطح بصخور ، وسد فجواتها بهذه المادة الصلبة .
• حقن الفواصل الفارغة بعجينة ماسكة ، أدخلت في الفراغات التي بين الصخور بواسطة جهاز ضغط خاص .
• عمل الفواصل على شكل خطوط بارزة بين الصخور كما هو مشاهـد اليوم في جدران الكعبة .
الترميم الثاني :
من الإنجازات الرائعة في عهد خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ الترميم الشامل للكعبة المشرفة الذي انطلق يوم العاشر من شهر محرم من عام 1417هـ بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين .
وقد سار العمل بالتدرج على النحو التالي :
1. إقامة ستار خشبي أبيض حول الكعبة المشرفة ، بحيث لا يظهر منها سوى الحجر الأسود ، مع إقامة باب للدخول في الناحية الشمالية الغربية وباب للخروج في الناحية الجنوبية الغربية .
2. تمكين أعداد كبيرة من الطائفين من مشاهدة ما حل بداخل الكعبة من شقوق ظاهرة تحتاج معه الكعبة إلى ترميم كامل ، وهذا العمل سنة سنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عند تجديده بناء الكعبة المشرفة .
3. إزالة اللوحات التاريخية ، وحفظها لإعادتها بعد انتهاء الترميم.
4. إزالة السقف والأعمدة الحاملة له لكونه الأكثر تعرضًا للتلف .
5. أزيل البلاط عن جدران الكعبة ، ثم حفرت المواد الماسكة للقطع الحجرية وهي (الخلطة التقليدية المستخدمة في البناء ) .
6. فك الأحجار المكونة للجسم الداخلي للجدر التي تحتاج إلى ترميم بعد ترقيمها .
7. الكشف على الجدار الخارجي للكعبة ؛ حيث لم يلاحظ عليه أي عيوب إنشائية ، وظهر أن البطانة الداخلية إنما كانت حشوة للفراغات التي بين الصخور في الحوائط الخارجية ، والتي تأخذ في شكلها الداخلي المدفون ما يشبه جذور الأضراس في داخل اللثة ، تطول هذه الجذور وتقصر وتكون مدببة في الغالب عند نهاياتها مشكِّلة فراغات فيما بينها .
8. لوحظ وجود تلف كبير للشدات الخشبية الموجودة في الحوائط بفعل الأرضة والفطريات والرطوبة ، وهذا الوضع يحدث كثيرًا للمادة الخشبية في كل بناء .
9. الشروع في تنفيذ الترميم وفقًا للخطوات التالية .
وقد شرع في هذا العمل العظيم على خطوات :
الخطوة الأولى :
بعد إزالة السقف أزيلت المواد الماسكة في الفواصل التي بين الصخور الرئيسة في الصفوف (المداميك) الأربعة العليا مع عدم المساس بالجزء الخارجي من الحجارة ، وأخرجت حجارة الحشوة والحجارة الباطنية ، ورقمت ، ونظفت ، وغسلت ، تهيئة لإعادتها إلى أماكنها لاحقًا ، ثم كسيت الفواصل بمواد ماسكة ذات قدرة عالية جدًّا علي الالتصاق بالصخر ، ثم ألصقت حجارة الحشوة بمواد إسمنتية ، ذات مواصفات خاصة من حيث شدة التماسك ، وعدم التقلص ، وغرست فيما بينها قطع معدنية خاصة بشكل يربط بين أحجار الواجهة الخارجية وأحجار البطانة الداخلية للكعبة المشرفة . وأصبحت في هذه الحالة الصفوف (المداميك) الحجرية الأربعة العليا مكتملة التماسك ، بحيث لا تتأثر بما يتم أسفل منها من أعمال .
الخطوة الثانية :
قسمت الحوائط إلى شرائح عمودية متعرجة ، حسب تداخل الحجارة ، ويتراوح عرض الشريحة بين (1.5م و1.7 م ) حسب تداخل الصخور . وبعد ذلك تمّ فك الأحجار الداخلية للشريحة العليا من أعلى حتى منسوب أرض الكعبة الداخلي ، الذي يرتفع عن أعلى المطاف بحوالي (2.2 م) مع الإبقاء على الواجهة الخارجية كما هي ، ورقمت الحجارة المفكوكة .
وتقرر أن تتم معالجة الشريحة المفتوحة على أقسام بدءًا من الأعلى إلى مسافة أربعة صفوف ، ثم التي تليها ، ثم التي تليها ، وهكذا إلى منسوب أرض الكعبة الداخلي وبناء على ذلك تم في الجزء الأعلى من الشريحة تنظيف فواصل الواجهة الخارجية ، وتنظيف الحجارة بالمياه النقية ، وتجفيفها بالهواء المضغوط ، ثم حشيت الفواصل بمادة ذات قدرة عالية جدًّا على التماسك بواسطة الحقن الآلي ، وبعد التأكد من جفاف هذه المادة وضعت مادة لاصقة ، ثم حشيت فواصل الواجهة الخارجية بملاط (خلطة) ذي قوة عالية جدًّا عمرها الافتراضي طويل جدًّا. كما غرست في الخلطة التي حقنت بين فواصل الواجهة الخارجية للجدار قضبان معدنية ، عولجت معالجة مخبرية وكيمائية خاصة ، وكانت مهمة هذه القضبان هي تقوية التلاحم بين الأجزاء الخارجية والداخلية من الجدار ، أي بين البطانة والواجهة.
وقد سار العمل في الواجهة الباطنية من الأسفل إلى الأعلى ، بحيث تم وضع كل حجر في موضعه وحسب ترقيمه ، بعد تنظيفه وملء الفواصل بخلطة عالية القوة ، وتم رش طبقة الأساس بمبيد للحشرات الدقيقة طويل المفعول ، ثم حقنت الفواصل بخلطة ذات قوة عالية جدًّا ، كما زرعت شبكة من التوصيلات المعدنية رأسية وأفقية محمية بمواد مقاومة لكل عوامل التآكل .
وقد تكرر العمل في جميع الشرائح الرأسية الأخرى على نفس المنوال .
وتم اختتام أعمال الخطوة الثانية بحقن جميع الفراغات المتبقية بين الأحجار بمواد شديدة التماسك ، بحيث لا تعطى فرصة لأي نخر أو تفكك .
الخطوة الثالثة :
وفي بدايتها تمّ حفر حفرة في أرض الكعبة المشرفة من منسوبها الذي هي عليه إلى منسوب المطاف على عمق (2.2 م ) للتعرف على مدى الحاجة إلى النزول بالترميم إلى عمق القاعدة ، وبعد الحفر والمعاينة وجد أن الحال فيها أفضل بكثير مما عليه الحال في الحوائط العليا للكعبة ، إلا أن بوادر التأثيرات السلبية كانت ظاهرة ، وذلك فيما إذا ترك الوضع على ما هو عليه .
وبناء عليه تم الحفر الكامل لأرضية الكعبة المشرفة ، ثم ترميمها بالأسلوب الذي تم به ترميم الحوائط العليا ، إلا أنه من باب الاحتياط امتد العمل إلى أسفل منسوب المطاف ، بما يتراوح بين نصف المتر وثلاثة أرباع المتر تقريبًا ، وهى المسافة التي تصل إلى الأحجار القوية المتماسكة والتي لا تحتاج إلى إعادة بناء ، وإذا كان من الطبيعي في أي ترميم معماري شامل لأي مبنى أن يكون الكشف فيه عن حال الأساسات وتقييمها، إلا أن أسلوب الكشف والتقييم يختلف من مكـان إلى آخر، فالكعبة ذات مكانة وقدسية ، بنيت على قواعد لها خصوصيتها ، لذا فإن طبيعة تقييم أساساتها يجب أن يراعى فيه تلافي ما يخدش تلك القدسية من تجاوز إلى باطن القواعد الأساسية أو غير ذلك .
وبناء عليه يكون الكشف مبنيًا على أساليب تضمن الإحاطة بحالة الأساس مع ما يجب للموضع من مهابة وتكريم.
ولتحديد حالة الجدران أسفل منسوب المطاف الحالي ، تم عمل حفرتين استكشافيتين بجوار الجدران .
ونظرًا لأن أعمال الكشف عن أساسات الكعبة المشرفة كانت محدودة نسبيًّا ، لعدم إمكان النزول بالحفر إلى أعماق أكبر من التي تم تنفيذها ، فإن تقويم الأساسات في الوضع الحالي تطلب البحث في بعض الخلفيات التاريخية التي تساعد مع المشاهدات ، على الوصول إلى أفضل صورة ممكنة .
وخلاصة المعلومات التاريخية المتوفرة توضح أن أساس الكعبة المشرفة منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام من الأحجار الصخرية المتداخلة تداخلا متينًا ، وأنه لم يتم المساس بهذا الأساس وقواعده خلال المرات العديدة التي تم هدم وإعادة بناء الكعبة المشرفة خلالها .
وقد دعمت هذه المعلومات بما تم مشاهدته بالفعل في الموقع ، حيث ظهرت الأحجار القديمة المتداخلة المستقرة دون أي مونة رابطة ، والتي يماثل شكلها أعناق الإبل ، كما رآها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عند كشفه للأساس ، وقد أشهد آنذاك خمسين رجلا من الفضلاء .
ومن غير الممكن أن تتعرض هذه الأحجار لأي هبوط نتيجة أحمال مبنى الكعبة المشرفة بعد الترميم ؛ لأن الطبيعة الميكانيكية لتصرف هذه الكتل الصخرية المتداخلة المترابطة تجعل الهبوط الناشئ عن الأحمال فوريًا تصل بعده الكتلة الصخرية إلى الاتزان ، مع وجود أقل نسبة من الفـراغات ممكنــة بين الأحجار، بحيث لا يكون هناك أي مجال لتحرك هذه الأحجار لاحقًا تحت تأثير نفس الأحمال .
وقد أجمعت المعلومات التاريخية والمشاهدات الحالية عن عدم حدوث أي أضرار نتيجة هبوط التربــة أو الأساس أسفلها خلال ألف وأربعمائة عام ، منذ إعادة بنائها على يد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، والتعديلات التي أجراها الحجاج بن يوسـف الثقفي ، ولم يحدث لها أي مشاكل في الأساس .
وباستعراض ما تم تنفيذه من أعمال يتبين أن جزءًا من جدران الكعبة المشرفة فوق منسوب المطاف الحالي قد أعيد تركيب أحجاره بصورة تضمن عملها كوحدة متجانسة ، ذات قوة ومتانة عالية جدًّا ، تتحمل إجهادات الشد ، نظرًا لوجود تسليح مواز لاتجاه الحوائط ، لضمان الربط بين الشرائح المتجاورة وتسليح عمودي في اتجاه الجدران ، لضمان ربط أحجار التكسية الخارجية مع الأحجار الداخلية باستخدام مونة عالية الجودة ، لربط الأحجار مع بعضها البعض .
كما أن تجانس الجدران التام بارتفاع يزيد على (13م) يضمن انتظام توزيع الإجهادات على صفوف الحجارة من أعلاها إلى أسفلها ، وبالتالي على التربة أسفل الجدران ، وأيضًا فإن هذه الجدران لها من القوة والمتانة والترابط ما يضمن سلامة الكعبة ، وعدم تأثرها ، حتى في حالة وجود تجاويف أو أماكن ضعيفة أسفل الجدران ، لقدرة الجدران حاليًا على توزيع الأحمال على الأساسات .
ويستنتج مما سبق أن الأساس القائم لمبنى الكعبة المشرفة في حالة ممتازة وصالحة للتأسيس ، ولا يحتاج إلي معالجة من أي نوع ، وله قدرة على تحمل مبنى الكعبة المشرفة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وبعد الانتهاء من تسوية أرض الكعبة تمّ الشروع في عمل سقف الكعبة المشرفة .
وكما هو معلوم فإن العنصر الأساسي في تكوين سقف الكعبة المشرفة هو الخشب ، والنوع الأمثل الذي يصلح استخدامه في سقف الكعبة يجب أن تكون له مواصفات معينة منها :
أ ـ مقاومة الأحمال لأطول عمر افتراضي ممكن .
ب ـ انخفاض درجة الانكماش لدرجة قريبة من الانعدام .
ج ـ مقاومة التغيير في الأجواء الحارة الجافة .
د ـ مقاومة الأرضة والفطريات والحشرات الدقيقة والرطوبة المتسربة .
هـ أن يزيد طول الجذوع على عشرة أمتار ، مع قطر لا يق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق