الصفحات

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ


 كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ رضى الله تعالى عنه

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضى الله تعالى عنه قَالَ :

[ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي ]

قَالَ أَبُو عِيسَى وَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .

الشــــــــــــــــروح

قَوْلُهُ : ( أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي )

فِيهِ ، وفِي قَوْلِهِ : لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ ،
وَلَا دَاخِلًا تَحْتَ مَقْدِرَتِهِ ،
وقَدْ اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ فَتَكُونُ أَدِلَّةُ جَوَازِهِ مُخَصَّصَةً لِهَذَا الْعُمُومِ .

قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ
وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ

قَوْلُهُ : ( و فِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ )

وَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ .

قَوْلُهُ : ( لَا يَحِلُّ سَلَفٌ )

بِفَتْحَتَيْنِ
( وَ بَيْعٌ ) أَيْ : مَعَهُ يَعْنِي : مَعَ السَّلَفِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ : السَّلَفُ يُطْلِقُ عَلَى السَّلَمِ وَالْقَرْضِ ،
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا شَرْطُ الْقَارِضِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ :
لَا يَحِلُّ بَيْعٌ مَعَ شَرْطِ سَلَفٍ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا :
بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةً ، نَفَى الْحِلَّ اللَّازِمَ لِلصِّحَّةِ ،
لِيَدُلَّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ طَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ ،
وقِيلَ هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا وَيَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ ؛
لِأَنَّ قَرْضَهُ رَوَّجَ مَتَاعَهُ بِهَذَا الثَّمَنِ ، وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ حَرَامٌ .
( وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ ) فُسِّرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ أَوَّلًا لِلْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ .
يَأْتِي تَفْسِيرٌ آخَرُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
( وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ ) يُرِيدُ بِهِ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ ،
وَيَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إِلَى ضَمَانِهِ ، فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ ،
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يَحِلُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا تَلِفَ ، فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْبَائِعِ ،
ولَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَنَافِعَهُ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛
لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبْضِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ،
فَلَا يَحِلُّ لَهُ رِبْحُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
( وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ .

قَوْلُهُ : ( وَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِالتِّرْمِذِيِّ :
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِتَصْرِيحِهِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِي الِامْتِنَاعِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
إِنَّمَا هُوَ الشَّكُّ فِي إِسْنَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
فَإِذَا صَحَّ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو انْتَفَى ذَلِكَ

********************************************************************************

بيع ما لا يملك الإنسان محرم استناداً إلى حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه حيث قال : أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي ، ابتاع له من السوق ثم أبيعه ، قال : ( لا تبع ما ليس عندك ) رواه الخمسة وابن حبان ، واللفظ للترمذي ، وقال : حديث حسن . انظر: سنن الترمذي- باب ماجاء في كراهية بيع ما ليس عنده، رقم ( 1232)، ج3، ص 534. نيل الأوطار، ج5، ص 175.
.
وعبارة ( ما ليس عندك ) تعني ما ليس مملوكاً للبائع ، ومعنى الحديث أن حكيم بن حزام رضي الله عنه كان يبيع الناس أشياء لا يملكها ، ويأخذ الثمن منهم ، ثم يدخل السوق فيشتري الأشياء ويسلمها لهم ، ولذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

مسألة مهمة: صور بيع ماليس عند البائع وحكمه
المسألة الأولى : صور بيع ماليس عند البائع
إن معاني هذه القاعدة وأحكامها مستنبطة من الحديث المروي عن حكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك ".
فمجال نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع هو " ما ليس عند الإنسان " وهذه العبارة تحتمل عدة معان منها :
أولاً :- ما ليس في حفظه ، لأن " عند " ظرف مكان تعني الحضرة، والحضرة إما حسية وإما معنوية ، والمعنوية قد تكون وديعة أو ديناً ، والعندية " أعم من الدين والوديعة ، والحضرة تدل على الحفظ كما لو قال : وضعت الشئ عندك يفهم منه الاستحفاظ ( )
والحضرة الحسية كان تقول : عندي إبريق شاي ، فهو يدرك بالحواس ، كأن تراه العين قريباً منه ، وتلمسه اليد ، ونحوهما .
والحضرة المعنوية كأن تقول : لمحمد عندي مائة ريال سعودي ، فقد تكون وديعة أو ديناً في ذمتك .
" والعندية " أعم من الدين والوديعة ، وأعم من الحضرة الحسية كذلك، فقد يكون الشئ عند الإنسان رهناً أو لقطة ، أو مالاً محرزاً ليس في حضرته الحسية ، ولا يدرك بالحواس ، بل قد يكون في حرز مثله ، كمستودعاته مثلاً . وقد يكون الشئ في حضرة الإنسان وحفظه ولا يملكه ، كأن يكون مملوكاً لغيره ، فلا يجوز بيعه . وقد لا يكون في حضرته ولا في حفظه ، ويملكه ، كأن يكون وديعة أو ديناً أو مغصوباً عند غيره ، فيجوز له بيعه ، مما يدل على أن ما ليس عند الإنسان لا يعني ما ليس في حفظه .
ثانياً :- ماليس مملوكاً للبائع ، سواء أكان مباحاً غير مملوك في نفسه ، أو هو ملك الغير وليس ملك البائع ، وهذا محل اتفاق عند فقهاء المذاهب الأربعة ( ) .
فظرف المكان هنا يشير إلى الملك ، ولقد اعتاد الناس التعبير عما يملكونه بقولهم : " عندنا " وكذلك هو مقصود في لغة العرب ، فعندما تقول : عندي بيت ، وأثاث ، وطعام ، ونقود ، فإن هذا الكلام يدل على أن هذه الأشياء ملك لك .
والمراد بما ليس مملوكاً هنا العين دون الدين ، كما في السلم ، فإن مداره على الصفة ، وبيع ذلك جائز فيما ليس عند الإنسان بالإجماع ( ) .
وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الآبق وبيع المبيع قبل القبض وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه لأنه لا يدري هل يجيزه مالكه أم لا ؟ ( ) .

المسألة الثانية : حكم بيع ما ليس عند البائع
جاء النهي صريحاً عن بيع ما ليس عند البائع كما في حديث حكيم بن حزام السابق والنهي يقتضي التحريم ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية – رحمه الله تعالى – أقوالاً حول معنى : ( لا تبع ماليس عندك ) هي :-
1-المراد بذلك أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير ومملوكة له، ثم يتملكها بشرائها ، ويسلمها للمشتري ، والمعنى لا تبع ما ليس عندك من الأعيان
2-أن يبيع سلعة من نحو طعام وثياب ثم يحصلها من عند غيره إذا لم تكن عنده ، وطالبها طلب الجنس ولم يطلب شيئاً معينا، ولذلك ذهب الإمام أحمد وطائفة إلى أن الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده ، وهذا في السلم الحال ، ورخصت الأحاديث في السلم المؤجل .
3-يراد به بيع ما في الذمة مما ليس مملوكاً له ، ولا يقدر على تسليمه ، ويربح فيه قبل أن يملكه ، ويضمنه ، ويقدر على تسليمه ، ولم يرد النهي عن السلم الحال ولا المؤجل مطلقاً ، وهذا أظهر الأقوال . ومما يؤيد هذا أن السائل سأل عن بيع شئ مطلق في الذمة حالاً ، فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقاً ، لقال له ابتداء : لا تبع هذا سواء أكان عنده أم ليس عنده ، فلما لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقاً ، بل قال : " لا تبع ما ليس عندك " علم أنه فرق بين ماهو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه ، وما ليس كذلك ، وإن كان كلاهما في الذمة والقول الثالث هو الصواب عند ابن القيم.
وأوضح أقوال ابن تيميةمن خلال صور البيوع التالية :-
صورة القول الأول هي : أن يبيع سيارة معينة بذاتها مملوكة لمحمد ، ثم يذهب إلى محمد فيشتريها منها ويمتلكها ، ثم يسلمها للمشتري .
وصورة القول الثاني هي: أن يطلب منه سيارة من جنس السيارات ليشتريها ، ثم يذهب البائع ليحصل هذه السيارة من غيره إذا لم تكن عنده ، بعد أن يبيعه إياها .
وصورة القول الثالث هي : أن يطلب المشتري من البائع سيارة موصوفة في الذمة ، كأن يقول : " أريد أن أشتري سيارة نوع ( مرسيدس موديل 2000) لون أبيض مع كامل الإضافات " بمواصفات معينة ومحددة ودقيقة يعرفها أهل الخبرة في السيارات والتي أصبحت مشهورة في زماننا ، وليست هذه السيارة عند البائع ، ولا يغلب وجود هذه السيارة في السوق ، فقد يجدها البائع وقد لا يجدها فيبيعه إياها ، ثم يذهب إلى شركات السيارات ومعارضها ليشتريها ، ويسلمها للمشتري0
وعليه فإننا إذا عدنا إلى القول الأول تبين لنا من خلاله أنه ليس مقصوداً من النهي في الحديث ، ومنطوقة يدل على ذلك ،فإن الطالب لم يكن يأتي حكيم بن حزام يطلب سلعة معينة هي ملك فلان من الناس ، وإنما كان يطلب ثوباً أو طعاماً من جنس الثياب والطعام ولم يطلب شيئاً معيناً ، وهذا الذي يفعله من يفعله من الناس ، ولهذا قال : يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي " أي يسألني المبيع ، ولم يقل يطلب منى ما هو مملوك لغيري ( ) وأما القول الثاني المتعلق بالحديث فليس صحيحاً التفريق بين السلم الحال والمؤجل ، فإذا جاز السلم المؤجل فإن السلم الحال يجوز من باب أولى ( )
فإذا كان المسلم فيه مقدوراً على تسليمه عادة ، فإنه يجوز بيعه ، سواء أكان سلماً حالاً أو مؤجلاً ، وليس هذا مقصوداً من النهي في الحديث كذلك ، لجوازه بالنص الصحيح الصريح 0
فإذا ثبت لدينا أن القول الأول غير مقصود من الحديث ، وكذلك القول الثاني ، لما أوردت من الأدلة ، فيبقي القول الثالث هو المقصود من الحديث ، وهو أن " بيع ما ليس عند الإنسان يعني ما هو موصوف في الذمة ، مما لا يملكه ، ولا يقدر على تسليمه0
المسألة الثالثة : الفرق بين السلم الحال وبيع ماليس عند البائع
قبل ذكر الفرق بين السلم الحال وبيع ماليس عند البائع لابد من ذكر حكم السلم الحال 0
-وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم السلم الحال على قولين :
القول الأول :- ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى عدم صحة السلم الحال ، واشترطوا أن يكون المسلم فيه مؤجلاً فلا يصح السلم الحال ( ) ، وحجتهم في اشتراط الأجل
1-قوله صلى الله عليه وسلم : " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " فأمر عليه الصلاة والسلام بالأجل في السلم ، وأمره يقتضي الوجوب ، فيكون الأجل من جملة شروط صحة السلم ، فلا يصح بدونه 0
2-ولأن السلم جوز رخصة للرفق ، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل ، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق ، وذلك لأن المسلف يرغب في تقديم الثمن لا سترخاص المسلم فيه ، والمسلم إليه يرغب فيه لموضع النسيئة ، وإذا لم يشترط الأجل زال هذا المعنى ( )
قال القاضي عبد الوهاب ( ): " ولأن السلم معناه السلف ، وهو أن يتقدم رأس المال ويتأخر المسلم فيه ، فوجب منع ما أخرجه من ذلك " ( )
3-ولأن السلم الحال يفضي إلى المنازعة ، لأن السلم بيع المفاليس ، فالظاهر أن يكون المسلم إليه عاجزاً عن تسليم المسلم فيه ، ورب السلم يطالب بالتسليم ، فيتنازعان على وجه تقع فيه الحاجة إلى الفسخ ، وفيه إلحاق الضرر برب السلم ، لأنه سلم رأس المال إلى المسلم إليه وصرفه في حاجته ، فلا يصل إلى المسلم فيه ولا إلى رأس المال ، فشرط الأجل حتى لا يملك المطالبة إلا بعد حلول الأجل ، وعند ذلك يقدر على التسليم ظاهراً ، فلا يؤدي إلى المنازعة المفضية إلى الفسخ والإضرار برب السلم ( )
القول الثاني :-ذهب الشافعية إلي جواز السلم الحال كما هو جائز مؤجلاً ، وحجتهم على صحة كون المسلم فيه حالاً ، القياس الأولوى على السلم المؤجل ( ) ، قال الشيرازي : " لأنه إذا جاز مؤجلاً ، فلإن يجوز حالاً ، وهو عن الغرر أبعد ، أولى " ( ) ومرادهم أن في الأجل ضرباً من الغرر ، إذ ربما يقدر المسلم إليه على تسليمه في الحال ، ويعجز عند حلول الأجل ، فإذا جاز السلم مؤجلاً ، فهو حالاً أحرى بالجواز ، لأنه أبعد عن الغرر0
قال الشافعي –رحمه الله - : " فإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل ، كان بيع الطعام بصفة حالاً أجوز ، لأنه ليس في البيع معنى إلا أن يكون بصفة مضموناً على صاحبه ، فإذا ضمن مؤخراً ضمن معجلا، وكان معجلاً أضمن منه مؤخراً ، والأعجل أخرج من معنى الغرر ، وهو مجامع له في أنه مضمون له على بائعه بصفة " ( ) .
والراجح والله تعالى أعلم هو ما ذهب إليه الشافعية من جواز السلم الحال لقوة دليلهم ووجاهته فإذا علم ذلك فما هو الفرق بين السلم الحال وبيع ما ليس عند البائع ؟
يمكن التفريق بين السلم الحال وبيع ما ليس عند البائع بما يلي:-
1-أن السلم الحال عقد على ما في الذمة فهو بيع صفات ، وبيع ماليس عند البائع عقد على أعيان يمكن حصولها ويمكن عدم حصولها ، فهو من الضرر بخلاف بيع الصفات فهي إن لم تتيسر من شخص بعينه فالسوق ملئ بغيره 0
2-أن السلم الحال إذا لم يكن عند البائع ما يوفيه به فهو من قبيل بيع ما ليس عند البائع فلا يجوز، وأما إن كان عنده ما يوفيه به فهو السلم الحال الذي أجازه الشافعية وغيرهم وهو الراجح.

---------------------------------
- التوضيح ، (1 /119 )
- بدائع الصنائع ، (6 / 568 ). ، بداية المجتهد ، ج2 ، ص (129 – 130) الحاوي ، ج6 ، ص 404 ابن قدامة ، ج2 ، ص 14 ، تحفة الأحوذي ، ( 4 / 349) .
- حاشية السندي على النسائي ، ( 7/ 333 )
- شرح السنة (4/304 )
- المصدر السابق ، ( 5 / 719 )
- المصدر السابق ، ( 5/720 )
- البدائع 5/212، المقدمات الممهدات ص 515، المغني 4/321، شرح منتهى الإرادات 2/218 .
- اخرجه البخاري ( 2240 ) كتاب السلم ، باب السلم في وزن المعلوم ، ومسلم ( 1610 ) كتاب المساقاة ، باب السلم .
- المغني 4/321
- هو شيخ المالكية عبدالوهاب بن علي العراقي ، صنف كتاباً عظيمة في الفقه على المذهب المالكي وفي الخلاف ، وله شعر جميل توفي سنة ( 422هـ ) ( انظر سير أعلام النبلاء 17 / 429 شجرة النور 1 / 103 )
-نقلا عن بداية المجتهد 2/228 .
- بدائع الصنائع 5/212
- معنى قياس الأولى : أن يكون المعنى الجامع فيه باقتضاء الحكم في الفرع الأولى منه في الأصل ، كتخريج ضرب الوالدين بالنسبة إلى تحريم التافيف لهما ( الإحكام للأمدي ( 4/5 ) .
- نهاية المحتاج 4/185 ، أسنى المطالب 2/124 ، روضة الطالبين 4/7
- المهذب 1/304
- الأم 3/95
رد مع اقتباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق