الصفحات

السبت، 2 مارس 2013

البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير ، والخَطْوُ يَدلُّ على المسِير


سُئِل أعرابيٌّ من البادية : كيف عرفتَ أنَّ الله موجود ؟
فأجاب بفطرته السَّليمة : البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير ، والخَطْوُ يَدلُّ على المسِير . سماءٌ ذات أبراج ، وأرضٌ ذات فجاج ، وبحارٌ ذات أمواج ، أفلا يدلُّ ذلك على اللَّطيف الخبير ؟!
كلُّ النَّاس ، بمختلف عقائدهم ، يؤمنون في أعماقهم بوُجود خالقٍ لهذا الكون !
فالطَّالبُ لحظةَ الإعلان عن النَّتائج ، والغريقُ وهو يصارع الأمواج ، والأمُّ عند سماعها أنَّ حادثة خطيرة وقعتْ لابنتها ، والرَّجُل وقد أحاطت به النّيران من كلّ جانب ، كلُّهم يجدون أنفسهم في تلك اللَّحظات يتضرَّعون إلى الله : يا ربّ ، يا ربّ !
لكن ، ما أن تَمُرَّ الأزمة حتَّى يعود الكافر إلى جحوده وكُفره !
يقول الله تعالى : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 63 قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ 64 قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ 65 } (6- الأنعام 63-65) .
ويقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22 فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 23 } (10- يونس 22-23) .
ويقول تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ 30 أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 31 وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ 32 } (31- لقمان 30-32) .
نعم ، هذه هي طبيعة الكافر : عندما يُحيطُ به الخطَرُ من كلّ جانب وتنقطع به الأسباب ، لا تجد على لسانه سوى كلمة : يا ربّ ، يا ربّ !  لكن ، ما أن يُنعم عليه الله  بالنَّجاة ، حتَّى يطغى على نفسه الجحودُ والعناد ، فينسبُ الفضلَ في خَلاصه إلى أيّ شيء آخر سوى .. الله !
وأشدّ من هذا جحودًا : مَنْ يَضَعُ اللهُ في طريقه أسبابًا للإيمان ، ولكنَّه عِوَضَ أن يَستغِلَّها ، يزدادُ على العكس عنادًا وكُفرًا !
مثال ذلك : فرعون وقومه الذين ذكَر الله قصَّتهم في القرآن .
يقول تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 12 فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 13 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14 } (27- النّمل 12-14) .
فهؤلاء أنكَرُوا بأفواههم أن يكون ما رأَوْهُ معجزات من عند الله ، ولكنَّهم كانُوا في قرارة أنفسهم مُتَيقّنين أنَّها فعْلاً من عنده ، ومَنعَهُم كِبْرُهم من الإقرار علانيةً بهذا .
والتّسْع معجزات المشار إليها في هذه الآيات ، هي : عصا موسى التي تحوَّلتْ إلى حَيَّة فالْتهَمتْ حِبالَ السَّحَرة ، والتي ضرب بها موسَى البحْر فانفلقَ إلى نِصْفَين ، ويَده التي كان يُدخِلُها في جَيْبه فتخرج بيضاء .
أمَّا السَّبع معجزات  الأخرى ، فقد ذكَرها الله تعالى في الآيات التَّالية : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130 فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ الله وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131 وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ 132 فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ 133 وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ 134 فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ 135 فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 136 } (7- الأعراف 130-136) .
ذلك أنَّ النَّبيَّ موسى عليه السَّلام لَمَّا هَزم فرعونَ والسَّحرة على الملأ ، أمَّا السَّحرةُ فآمنُوا على الفَوْر بموسى وبإلهه ، وأمَّا فرعونُ وقومُه من الأقباط فاستكْبَرُوا وأصرُّوا على الكُفْر .
فمِنْ حِلْم الله تعالى أنَّه لم يُرِدْ أن يُعجّلَ لهم العذاب ، وهو القادرُ على ذلك ، فأرسلَ لهم الدَّلائلَ المتتابعة على قُدْرته، لكي يُقيمَ الحُجَّة عليهم .
فبَدأَهم بسِنينَ من الجفاف وقِلَّة الثّمار ، لكنَّهم لم يَرْتَدعُوا . بل كانُوا إذا خفَّفَ الله عنهم الشّدَّة لبعض الوَقْت ، قالُوا : هذا ما يليقُ بنا وما نستحقُّه ! فإذا عاد الجفاف ونَقْص الثّمار، قالُوا : هذا بسبب موسى وقومه من بني إسرائيل !
فعذَّبهم الله تعالى بالطُّوفان ، وهو كثرة الأمطار المهلِكة وما ينتج عنها من انتشار للأوبئة ، ثمَّ الجراد الذي أكَلَ زَرْعَهُم، ثمَّ القَمل الذي انْتَشر في بُيوتهم وأقَضَّ مَضاجعَهم ، ثمَّ الضَّفادع كانت تسقُط في طعامهم وشرابهم، ثمَّ الدَّم الذي اختلطَ بماء الآبار والأنهار .
كلُّ هذا أصاب فرعونَ وقَوْمَه من الأقباط ، ولم يُصب موسى وقومَه من بني إسرائيل شيئًا ، وهذا من تمام المعجزة !
والغريب أنَّ فرعون وقومه كانوا كلَّما نزل بهم عذابٌ ورأوا آيةً من آيات الله ، حلَفُوا وعاهدُوا موسى لَئِنْ دعا ربَّه وكشفَ عنهم العذاب لَيُؤمِنُنَّ به . لكنَّهم ما أن يُرفَع عنهم العذاب حتَّى يعودُوا أشدّ مِمَّا كانوا عليه من الإنكار ! فيُرسِلُ الله عليهم عذابًا أشدّ ، فيَعِدُون ويحلفُون ، ثمَّ يكفُرون من  جديد ! هذا، والحليمُ القديرُ يُنظِرُهم ولا يَعجَلُ عليهم ، ثمَّ أخَذَهم أخْذَ عزيز مُقتَدِر ، فأغرَقَهم جميعًا ، وجعلَهُم عِبْرةً لغيرهم .
وأنتَ أيّها الضّيف الكريم ، أليسَ من رحمة الله بكَ أن وضعَ في طريقك هذه المدونة للتَّعرُّف على الإسلام ؟! أم تُريد أن تُضيعَ هذه الفرصة ، فيُداهِمَك الموتُ ، فتَخسَر كلَّ شيء ؟!
Photo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق