الصفحات

الجمعة، 1 فبراير 2013

الكتالوج الأمريكي لمصر!! محمد سيف الدولة

تدار مصر وتحكم منذ عام 1974، بموجب كتالوج وضعه الأمريكان للرئيس السادات ونظامه، فالتزم به هو ومن معه، ولا يزالون. ويعتبر هذا الكتالوج هو الدستور الفعلي والحقيقي لمصر، فله السيادة علي دستورنا الرسمي الصادر عام 1971. وكان الهدف الرئيسي لهذا الكتالوج وما زال هو تفكيك مصر التي أنجزت النصر العسكري في 1973 تفكيكها مسمارا مسمارا، و صامولة صامولةواستبدالها بمصر أخرى غير راغبة في مواجهة "إسرائيل"، وغير قادرة على ذلك أن هي رغبت. فأمن "إسرائيل"، هو الفلسفة والغاية التي من اجلها تم تصنيع مصر الجديدة، مصر على الطريقة الأمريكية.ولهذا الكتالوج المقدس، خمسة أبواب، نستعرضها معا بابا، بابا:



الباب الأول:


هو إبقاء سيناء رهينة، بحيث يمكن "لإسرائيل" أن تعيد احتلالها في أي وقت تشاء خلال أيام.

وذلك بهدف وضع النظام المصري تحت تهديد وضغط مستمر، يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقدم علي أي سياسة أو خطوة تغضب منه الولايات المتحدة و"إسرائيل"

كيف فعلوا ذلك ؟

فعلوها من خلال الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء بموجب اتفاقية السلام، والواردة في الملحق الأمني، والتي بموجبها تم تقسيم سيناء إلى شرائح طولية موازية لقناة السويس أسموها من الغرب إلى الشرق (ا) و (ب) و (ج)، وسمح لمصر بوضع قوات مسلحة في المنطقة (أ) فقط، وبتعداد 22 ألف جندي فقط أي ما يوازي ربع عدد القوات التي عبرنا بها في 1973، بعرق جبيننا وبدم شهدائنا، والتي قبل الرئيس السادات إعادتها مرة اخرى إلى غرب قناة السويس في اتفاقيات فض الاشتباك الأول الموقعة في 18 يناير 1974

أما المنطقة (ب) فمحظور وضع أكثر من 4000 جندي حرس حدود فقط مسلحين بأسلحة خفيفة.وفي المنطقة (ج) بوليس مصري فقط وتراقبنا على أراضينا، قوات أجنبية موجودة في سيناء في قاعدتين عسكريتين في شرم الشيخ والجورة، بالإضافة إلى 31 نقطة تفتيش اخرى. وهي قوات غير خاضعة للأمم المتحدة، يطلقون عليها قوات متعددة الجنسية، وهي في حقيقتها قوات وحيدة الجنسية تقريبا، حيث أن 40 % منها قوات أمريكية والباقي قوات حليفة لها من حلف الناتو وأمريكا اللاتينية. والقيادة دائما أمريكية. هذه هي خلاصة التدابير الأمنية في سيناء، والتي تحول دون قدرتنا علي الدفاع عنها في حالة تكرار العدوان الصهيوني علينا، علي الوجه الذي حدث في عامي 1956 و1967.إن هذا الوضع هو بمثابة " طبنجة " موجهة إلى رأس مصر طول الوقت.وهي طبنجة مستترة، غير مرئية للعامة، العدو لا يعلن عنها، والنظام ينكر وجودها، ولكنه يعمل لها ألف حساب. 

هذا هو الباب الأول في كتالوج حكم مصر

* * *

الباب الثاني:


جاء هذا الباب لتجريد مصر من المقدرة علي دعم أي مجهود حربي جديد علي الوجه الذي حدث قبل وأثناء حرب 1973.فلقد اكتشفوا أن وراء نصر أكتوبر قوة اقتصادية صلبة هي القطاع العام المصري الذي استطاع أن يمول الحرب، فقرروا تصفيته.أي أن بيع القطاع العام أو الخصخصة كما يقولون، والذي تمارسه الإدارة المصرية بنشاط وحماس منذ 1974 وحتى الآن، ليس مجرد انحياز إلي القطاع الخاص أو الى الفكر الرأسمالي، وليس قرارا سياديا صادر من وزارة الاقتصاد المصرية، وإنما هو قرار حرب صادر من وزارة الخارجية الأمريكية، ألزمت به الإدارة المصرية، فالتزمته. وكان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية هي آليات الضغط والتنفيذ لإتمام هذه المهمة. واستبدل دور القطاع العام في دعم المجهود الحربي، بمعونة عسكرية أمريكية سنوية لمصر مقدارها 1.3 مليار دولار، يعتمدها الكونجرس في ميزانيته في مارس من كل عام، مقابل 2.4 مليار "لإسرائيل".وبهذه الطريقة ضمنوا ضبط الميزان العسكري لصالح "إسرائيل"، والإحاطة الدائمة بقدراتنا العسكرية، والتحكم فيها من خلال الخبراء وقطع الغيار وخلافه .إن صدور قانون الانفتاح الاقتصادي في مارس 1979 بعد شهرين من اتفاقية فض الاشتباك الأول، وقبل انسحاب القوات الصهيونية من سيناء ليس صدفة. 

كان هذا هو الباب الثاني في كتالوج حكم مصر. 

* * *

الباب الثالث:


وهو الباب الذي ينظم الحياة السياسية في مصر، فيرسم الخطوط الحمراء والخضراء، ويحدد معايير الشرعية ومحاذيرها، ويحدد من المسموح له بالعمل السياسي والمشاركة في النظام من الحكومة والمعارضة، ومن المحجوب عن الشرعية والمحظور من جنتها. وفي هذا الباب تم وضع الشرط الأمريكاني الأساسي بل والوحيد لحق أي مصري في ممارسة العمل السياسي، وهو شرط الاعتراف ب "إسرائيل" وحقها في الوجود، والقبول بالسلام والتعايش معها. وعلي ذلك فان أي جماعة أو حزب لا تقبل الاعتراف ب "إسرائيل"، يحظر عليها المشاركة في العملية السياسية.وتم صياغة ذلك بتأسيس نظام حزبي صوري، مكون من عدد محدود من الأحزاب علي رأسها دائما حزبا واحدا يستأثر بالحكم وبالسلطة، يسمي بحزب مصر أو الحزب الوطني أو حزب المستقبل أو أي اسم، ولكن بشرط أن يكون في الصلب من برنامجه ما يفيد أن السلام خيار استراتيجيوالسلام كما نعلم هو الاسم الحركي لأمن "إسرائيل" وعلي ذلك فان الالتزام الرئيسي للحزب الحاكم في مصر يجب أن يكون هو: " أمن "إسرائيل" خيار استراتيجي" لقد وضع الأمريكان هذا الباب في الكتالوج خوفا من أن يأتي خليفة لأنور السادات ينقلب علي السلام مع "إسرائيل" كما انقلب هو على سياسة عبد الناصر بسهولة فائقة.ليس ذلك فحسب، بل بلغت بهم الدقة في تفكيك مصر القديمة، مصر المعادية "لإسرائيل"، أن قرروا منع العمل السياسي في الجامعات المصرية.وذلك بسبب ما رصدوه من دور الحركة الطلابية في أعوام 1971 و72 و73 في الضغط علي السادات للتعجيل بقرار الحرب، وما رصدوه أيضاً من دور الجامعة والحياة الطلابية في تربية وإعداد وصناعة أجيال وطنية تعادي أمريكا و"إسرائيل" .فقرروا إغلاق المصنع الوحيد في مصر الذي ينتج شبابا وطنيا، مسيسا، واعيا بحقائق الأمور. ولم تكن صدفة أن تصدر اللائحة الطلابية التي تمنع العمل السياسي في الجامعات عام 1979، في ذات العام الذي وقعت فيه مصر اتفاقية السلام مع "إسرائيل".

كان هذا هو الباب الثالث في كتالوج حكم مصر.

* * *

الباب الرابع:


أما هذا الباب فكان هدفه بناء وتصنيع طبقة من رجال الأعمال المصريين موالية وتابعة للولايات المتحدة وصديقة "لإسرائيل"، طبقة تتبني المشروع الأمريكي وتدافع عن النظام الجديد وتحميه ضد باقي طبقات الشعب و فئاته.

طبقة تدافع عن السلام مع "إسرائيل" وعن التبعية لأمريكا، وترتبط مصالحهم معا بروابط التوكيلات والتجارة والبيزنس.ولقد تم تصنيع هذه الطبقة بأموال المعونة الأمريكية الاقتصادية البالغة 800 مليون دولار سنويا منذ 1975، والتي تقلصت فقط في السنوات الأخيرة .فقامت هيئة المعونة الأمريكية بالتعاقد مع مئات من الأفراد والشركات علي مئات المشروعات وبتسهيلات هائلة وصلت في بعضها إلى إقراضهم بفائدة مؤجلة 1.5 % بأقل عشرة مرات عن الفائدة السائدة في البنوك المصرية.وتمت المهمة بنجاح وتم تصنيع طبقة المصريين الأمريكان، وهي التي تملك مصر الآن وتديرها، وهي التي تعقد اتفاقيات البترول والغاز والكويز والسياحة مع "إسرائيل"، وهي التي أدخلت الشتلات الزراعية "الإسرائيلية" إلى مصر وصدرت الاسمنت إلى الجدار العازل هناك، وما خفي كان أعظم.وهي الآن تمتلك عدد من الصحف و القنوات الفضائية والجمعيات الأهلية، وتوجه ما يصدر من تشريعات برلمانية. ومن رجالاتها تتشكل كل عام بعثات طرق الأبواب التي تحج إلى أمريكا كل عام لتلين العلاقات وتعقد الصفقات، وتسجل التعليمات. 

كان هذا هو الباب الرابع من الكتالوج

الباب الخامس:


أما الباب الخامس والأخير في الكتالوج الأمريكي لحكم مصر، فهو يتناول كل خطط عزل مصر عن الأمة العربية والإسلامية، وضرب أي جماعة أو فكرة أو عقيدة أو إيديولوجية تعادي المشروع الأمريكي الصهيوني.

ولقد وضع الأساس القانوني لهذا الباب في المادة السادسة من معاهدة السلام التي نصت صراحة علي أولوية هذه المعاهدة عن أي التزامات مصرية سابقة عليها، وبالذات اتفاقيات الدفاع العربي المشترك .

كما ألزمت مصر في نفس المادة بعدم الدخول في أي التزامات جديدة تتناقض مع أحكام ونصوص المعاهدة الإسرائيلية .

وكانت الخطوة التالية هي تشكيل جيش من المفكرين والكتاب والصحفيين والإعلاميين، مهمته توجيه مدفعية فكرية ثقيلة، إلى كل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي وكل ما هو وطني أو تقدمي

جيش مهمته تجريد مصر من هويتها التاريخية والحضارية بصفتها جزءا من كل عربي إسلامي في مواجهة مشروع استعماري أمريكي صهيوني .

وكان المستهدف في هذا الباب هو وعي الناس ومعتقداتهم، من حيث هما خط الدفاع الأخير والاصلب عن الوطن.

وافتتح الهجوم توفيق الحكيم عندما كتب في منتصف السبعينات مقالا بعنوان حياد مصر، طالب فيه بان تقف مصر علي الحياد بين العرب و"إسرائيل"، كما وقفت سويسرا علي الحياد في الحرب العالمية الثانية، وانضم له في الهجوم لويس عوض وحسين فوزي، وبدأوا حملة علي عروبة مصر وعلي ما أسموه بالغزو العربي الإسلامي، ونادوا بالفرعونية وبحضارة 5000 سنة، وبالروابط التاريخية بيننا وبين اليهود ...الخ

ونجح للتصدي لهم حينذاك، نخبة من اشرف الكتاب الوطنيين علي رأسهم أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش. ولكنهم ما زالوا بيننا، ينشطون مع كل اعتداء جديد علي الأمة. نشطوا في العدوان الأخير علي غزة، وفي العدوان علي لبنان 2006، وفي الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، وفي الانتفاضة الفلسطينية 2000، ومرات كثيرة أخرى، كلما يكون مطلوب التغطية علي موقف الإدارة المصرية. 

كان هذا هو الكتالوج الأمريكي المقدس لحكم مصر بأبوابه الخمسة:

1) رهن سيناء

2) تصفية القطاع العام

3) نظام سياسي، حكومة ومعارضة يعترف بإسرائيل ويسالمها

4) طبقة رأسمالية تابعة لأمريكا وصديقة لإسرائيل

5) وأخيراً عزل مصر عربيا .

والكتالوج كما ذكرنا في البداية، له السيادة والسمو الفعلي عن كل ما عداه من نصوص أو قوانين اخرى بما فيها الدستور المصري ذاته 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق