الصفحات

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

عبد القادر "باشا" بن محمد بن عبد القادر حمزة


عبد القادر "باشا" بن محمد بن عبد القادر حمزة
(1297 هـ - 1360 هـ‍ / 1880 - 6 يونيو 1941م)
صحافي مؤرخ، من كبار الكتاب في السياسة المصرية. ولد في شبراخيت التابعة للبحيرة، بمصر. تعلم الحقوق بالقاهرة، واحترف المحاماة سنة 1902م، ثم انقطع للصحافة، فترأس تحرير جريدة الأهالي اليومية بالإسكندرية سنة 1910 إلى أن أصدر البلاغ سنة 1923 بالقاهرة. أبلي في قضية مصر الوطنية بلاءً مذكوراً. جعل من أعضاء مجلس الشيوخ، ومن أعضاء المجمع اللغوي.
صنف على هامش التاريخ المصري القديم جزآن وترجم عن الأنجليزية التاريخ السري للاحتلال البريطاني لمصر الذي ألفه ويلفريد بلنت والسيف والنار في السوادان من تأليف سلاطين باشا Slatin وترجم في صباه عدة روايات، منها الأميرة دي كليف عن الفرنسية.
كان هادئ الطبع، وقوراً، عرف مصطفى كامل باشا وناصَرَ حركته، ولما قامت ثورة 1919 هاجم سعد زغلول فحاربه حزب الوفد، وهوجمت جريدة الأهالى وأشعل المتظاهرون فيها النيران ولم يمنعه ذلك من مهاجمة الاستعمار والسراى وانتقد مشروع ملنر. وجد الوفد آراءه تتفق معهم فجمعت الفكرة الوطنية بينهم وانتقلت الأهالى إلى القاهرة وأصبحت صحيفة الوفد وتعرضت للمصادرة والغلق ثم أصدر جريدة البلاغ في 28 يناير 1923 واتصل بسعد زغلول فعضد الوفد زمناً. اختلف عبد القادر حمزة بعد ذلك مع مصطفى النحاس وانشق على الوفد وبدأ يدرس تاريخ مصر القديم وكل ما كتب عن بلاده وكتب كتابه على هامش التاريخ المصري والذي صدر منه الجزء الأول.
كتب مقالا سنة 1904م في عدد مارس من مجلة المقتطف تحت عنوان "خطر علينا وعلى الدين" وهو واضح الدلالة في تأثر صاحبه بتاريخ النهضة الأوروبية وفي دعوته إلى اقتفاء أثرها. (راجع كتاب الإتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، محمد محمد حسين، صفحة 320)
أطلق اسمه على شارع من أهم شوارع دمنهور إلا أن الاسم القديم كان من الصعب محوه وهو عطفة المغاربة والمشهور في دمنهور بتجارة وتصنيع الخيش والحبال والمشمعات. توفي في 6 يونيه عام 1941 بالقاهرة.


أسرة عبدالقادر حمزة تستنكر الإساءة لاسم البلاغ
 ---


البلاغ الجديد اسم صحيفة طفا علي سطح الساحة الإعلامية مؤخرًا علي اثر نشرها تقريرًا خبريا زعم محرروه ضبط شبكة شذوذ جنسي تورط فيها فنانون، وهو ما نفته الجهات التي نسبت لها الصحيفة التحقيق في الواقعة مثار الجدل الذي انتقل لساحت القضاء ونال بلا شك من سمعة فنانين وسمعة الصحافة. 
شريف حمزة حفيد عبدالقادر باشا حمزة مؤسس جريدة البلاغ واسعة السيط والانتشار وصاحبة المشروع الوطني والكفاح ضد الاستعمار منذ أن تأسست عام 1923 استنكر بشدة ما نال هذا الاسم العريق من اساءة كاشفًا أنه سعي لاتخاذ إجراءات قانونية ضد القائمين علي اصدار البلاغ الجديد لمنعهم من استغلال الاسم اسم الجريدة التي أسسها جده وأنفق عليها من ماله وجهده وعمره حتي لا يساء استغلال الاسم: إلا أن مستشاريه القانونيين أكدوا له أن ترخيص الجريدة الجديدة أجنبي ويصعب منعها من استغلال الاسم.
حمزة شدد علي أن البلاغ الجديد لا يوجد علاقة لها نهائيا بالبلاغ ولا للقائمين عليها علاقة من قريب أو بعيد بأسرة عبدالقادر باشا حمزة، فمطابع البلاغ مازالت تعمل رغم توقف الصحيفة قرابة عام 1956.
لكن من هو عبدالقادر حمزة؟ هو أبرز رواد الصحافة المصرية ولد بشبراخيت محافظة البحيرة عام 1880 تلقي تعليمه الثانوني بمدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية ثم انتقل إلي مدرسة الحقوق بالقاهرة التي كانت قبلة الشباب الطامحين في تبوؤ المناصب المرموقة بالدولة، حصل علي ليسانس الحقوق عام 1901 وكان عدد الطلبة الذين تخرجوا معه في تلك السنة 12 طالبًا فقط منهم مصطفي النحاس ومحمد حلمي عيسي وعلي ماهر ورشوان محفوظ ومحمود بسيوني وغيرهم من الأسماء اللامعة في عالم الفكر والسياسة.
عمل عبدالقادر بالمحاماة حتي عام 1907 وسعي للصحافة فما أن علم بظهور جريدة جديدة باسم الجريدة لمحررها أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل حتي تطوع للعمل بها بلا مقابل فما لبث أن بزغ نجمه في عالم الصحافة والمقال الصحفي فكانت مدرسة المقال هي السائدة في ذلك الوقت وما أن قضي بالجريدة 3 سنوات حتي فكر أعيان الإسكندرية في تأسيس جريدة يومية سياسية فكانت الأهالي التي صدرت عام 1910 ووقع الاختيار علي عبدالقادر حمزة ليرأس تحريدها معبرًا عن رأيه بجرأة ونزاهة أنفق ثروته علي الصحف التي كان يصدرها فيعطلها الاحتلال والقصر كل ذلك كان ايمانًا بالفكر والقلم والدور الوطني للصحافة ثم دعاه سعد زغلول للانتقال للقاهرة بعد واقعة طريفة حيث اعتقل الاحتلال عبدالقادر حمزة بالتزامن مع نفي سعد باشا زغلول إلي الخارج وأفرجوا عنه بعد فترة ومع اقتراب عودة زغلول عرض الإنجليز علي عبدالقادر مبلغًا ماليا مقابل الهجوم علي سعد يوم عودته وأوهمهم عبدالقادر بقبول العرض حتي لا تصادر الجريدة إلا أنه فاجأ الاحتلال بعدد ثوري ألهب مشاعر الجماهير خرجت حاملة جريدة الأهالي تستقبل سعد باشا ومن هنا نشأت الصداقة.
في العام 1923 دعا سعد باشا عبدالقادر للانتقال للقاهرة واعدًا أياه بأن يساعده الوفد في إنشاء جريدة البلاغ وبالفعل سهل حصوله علي قطعة أرض إلي جوار بيت الأمة إلا أن عبدالقادر أصر علي أن يدفع كل مليم ولا يساهم الوفد ماليا في إصدار الجريدة حتي يكون حرًا في فكره ورأيه.
لم يمض علي صدور البلاغ 28 يناير 1923 أربعون يومًا حتي أوقفها البريطانيون واعتقل عبدالقادر مع أعضاء الوفد بثكنة قصر النيل وبمجرد خروجه من المعتقل أصدر جريدة الرشيد، وعاد ليصدرها لتستمر حتي وفاته 1941 لتتوقف نهائياً 1956

في 14سبتمبر 1921 صدرت جريدة الأهالي التي يحررها عبد القادر حمزة منالإسكندرية، وهى إحدى الصحف المعارضة للوفد.

إلا أن سعد باشا زغلول الزعيم الوفدى نجح في استقطاب حمزة وصحيفته إلى صف الوفد فنقل الأهالي إلى القاهرة لتكون قريبة من أحداث الحركة الوطنية وتتحدث بلسان حزب الوفد.

وكما ذكرت الدكتورة نجوى كامل في كتابها «الصحافة الوفدية والقضايا الوطنية» اتخذ عبد القادر حمزة للأهالي شعارا من عبارتين من أقوال سعد زغلول كتبها في ترويسة الجريدة، الأولىتقول «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة» والثانية «يعجبنى الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون».

قاومت الأهالي وزارة عدلي يكن واتهمتها بتعطيل حقوق البلاد فتم تعطيلها بعد شهرين من صدورها، وجاء في قرار التعطيل أن الجريدة دأبت في الأيام الأخيرة على نشر أخبار كاذبة ومطاعن لا أساس لها من الصحة من شأنها تضليل الرأى العام وإثارة الأفكار وتهييج الخواطر وهذا من شأنه الإخلال بالنظام لذلك قررنا وقف الجريدة.

بعدها عاد حمزة إلى الإسكندرية للكتابة في عدد من الصحف التي تعطلت الواحدة تلو الأخرى مثل صحف المنبر والمحروسة.

ابراهيم الهلباوي جلاد دنشواي أشهر محامي عرفته مصر

ابراهيم الهلباوي جلاد دنشواي أشهر محامي عرفته مصر

نتيجة بحث الصور عن إبراهيم باشا الهلباوي

 
 


إبراهيم الهلباوى جلاد دنشواي   إبراهيم الهلباوي الآخر الذي يضمه الكثيرون إلى الخونة 

وبالرغم من أن الناس عرفوه كأحد أعظم المحامين الذين أنجبتهم مصر، فإن حياته تعد نموذجاً تقليدياً لقصة حياة البطل الذي يخطيء مرةً واحدةً فيهيل على تاريخه التراب، 
ويظل مثل سيزيف يكافح طوال ما تبقى من عمره –دون جدوى- للصعود بالصخرة إلى قمة الجبل، دون أن يغفر له أحدٌ خطيئته في حق الشعب

أحب شعب مصر آنذاك إبراهيم الهلباوي (1858-1940) الذي وصفه عباس محمود العقاد ذات مرةٍ بأنه 
"كان ذا ذلاقة لسانٍ لا تطيق نفسها ولا تريح صاحبها". وكان الهلباوي خطيباً مفوهاً وممثلاً رائعاً يمزج بين العربية الفصحى والعامية البسيطة ويتحرك بخفةٍ ورشاقة، يجبر المحكمة 
على سماعه ويجعل من يسمعه ويراه مشدوهاً بعبقرية هذا الرجل. قال عنه عبد العزيز البشري في "المرآة" 
إنه "شيخ يتزاحف على السبعين إن لم يكن قد اقتحمها فعلاً، عاش مدى عمره يحبه ناس أشد الحب ويبغضه ناس أشد البغض..
إلا أن هؤلاء وهؤلاء لا يسعهم جميعاً إلا التسليم بأنه رجل عبقري"


كان الهلباوي يقف في المحكمة فيهز مصر كلها بفضل حججه القانونية البارعة التي جعلته يدعى أعظم طلاب المرحمة، 
على حد وصف معاصريه..لكنه فشل في طلب الرحمة لنفسه من الشعب في حادثة دنشواي. وعلى امتداد 30 عاماً طويلة حاول أن يكفِرَ عن ذنب ارتكبه، 
لكن الشعب أصم أذنيه لأن الذنب كان من النوع الذي يصعب نسيانه وغفرانه
ففي يوم 20 يونيو حزيران عام 1906، أصدر بطرس باشا غالي ناروز وزير الحقانية بالنيابة قراراً بتشكيل المحكمة المخصوصة لمحاكمة المتهمين في حادثة دنشواي برئاسة بطرس باشا غالي نفسه، 
وعضوية كلٍ من "المستر" هبتر نائب المستشار القضائي، و"المستر" بوند وكيل محكمة الاستئناف الأهلية والقائمقام لهادلو القائم بأعمال المحاماة والقضاء 
بجيش الاحتلال، وأحمد فتحي زغلول بك (حمل لاحقاً لقب: باشا) رئيس محكمة مصر الابتدائية وأن يكون انعقادها في شبين الكوم يوم الأحد 24 يونيو حزيران

كان من المقرر أن يحضر إبراهيم الهلباوي التحقيق مع المتهمين الأبرياء في حادثة دنشواي يوم السبت الموافق 16 يونيو عام 1906 
لكنه لم يحضر لعدم عثوره على وسيلة انتقال مباشرة إلى دنشواي ولارتفاع درجة الحرارة في ذلك اليوم

وعلى رصيف القطار في القاهرة، وجد الياور الخاص برئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا يخبره بأن "الباشا" ينتظره في مكتبه لأمرٍ مهم. 
ثم التقى الهلباوي محمد محمود بك رئيس حزب الأحرار الدستوريين فيما بعد، وكان يعمل آنذاك سكرتيراً خاصاً لمستشار وزير الداخلية الإنجليزي "المستر" ميتشل، 
الذي سأله عما إذا كان أحد من المتهمين في حادثة دنشواي قد وكله للدفاع عنه.
.فلما نفى ذلك أخطره بأن الحكومة قد اختارته ليمثلها في إثبات التهمة ضد المتهمين أمام المحكمة المخصوصة،
باعتباره من أكبر المحامين سناً وأقدمية

المفاجأة كانت في حسم الهلباوي تردده وقبوله المهمة، بل وتواضعه في تحديد أتعابه، فمع أنه –كما قال فيما بعد-
"كان يتقاضى 500 جنيه في القضايا الكبرى، فإنه خفض أتعابه في هذه القضية، فقبِلَ أن يترافع فيها ب 300 جنيه فقط"

هذا هو الهلباوي..لا فارق لديه بين أن يدافع عن المتهم ليطالب بتبرئته، أو أن يكون المدعي العام الذي يثبت عليه الاتهام ليطالب بإعدامه

وهكذا استقبل الهلباوي في مكتبه "المستر" موبيرلي المفتش الإنجليزي لوزارة الداخلية لوزارة الداخلية و"المستر" 
مانسفيلد الحكمدار الإنجليزي لبوليس القاهرة اللذين أبلغاه أنهما مكلفان بأن يكونا في خدمته في كل ما يتعلق بقضية دنشواي،
واقترحا عليه أن يحضر التحقيق وأن يشارك في استجواب المتهمين، لكنه اعتذر عن ذلك وفضلَ أن يزور مسرح الأحداث ليعاينه. وفيما بعد، قال الهلباوي – 
في معرض تبرير سقطته- إن قبوله القيام بدور المدعي العام قد مكَنه من صد المحاولات 
الإنجليزية التي استهدفت تضخيم الحادثة (مذكرات إبراهيم الهلباوي: تاريخ حياته، إبراهيم الهلباوي بك (1858-1940)، تحقيق عصام ضياء الدين؛ تقديم د. عبد العظيم رمضان)

ودنشواي هي قرية تقع في مركز الشهداء، شبين الكوم بمحافظة المنوفية، ويُعتقد أن الاسم مشتقٌ قديماً من دير جواي ثم تحول إلي دنجواي

وتعود بدايات الحكاية إلى عام 1906 حين صدرت أوامر الحكومة في مصر إلى عُمد بعض البلاد

بمساعدة فرقة تابعةٍ للاحتلال البريطاني آنذاك مكونة من خمسة جنود ممن كانوا يرغبون في صيد الحمام ببلدة دنشواي المشهورة بكثرة حمامها كما اعتادوا
وفي نهار صيفي عادي في يوم الأربعاء الموافق 13 يونيو حزيران كان هؤلاء الجنود الإنجليز بقيادة الميجور كوفين 
يتجولون بالقرب من القرية المنكوبة ومعهم الأومباشي زقزوق والترجمان عبد العال. وكان الميجور مغرماً بصيد الحمام فأقنع رجاله 
- وهم: الكابتن بول، الملازمان بورثر وسميث، الطبيب البيطري الملازم بوستك - بأن يتراهنوا لاصطياد الحمام من على أشجار دنشواي

وكان كوفين وبول وبوستك يطلقون الأعيرة لاصطياد الحمام بجوار الأشجار على جانبي الطريق الزراعي، 
ولكن تشاء الأقدار أن يتوغل بورثر وسميث داخل القرية حيث كان الحمام عند أجران الغلال يلتقط الحب. 
ويصوب بورثر بندقيته إلى جُرن الحمام الخاص بالشيخ محمد عبد النبي مؤذن البلدة، فتفقد زوجة الشيخ وعيها بعد أن أصابها عيار طائش

وتفيد المصادر المختلفة بأن مؤذن البلدة جاء يصيح بهم كي لا يحترق التبن في جُرنه، لكن أحد الضباط لم يفهم منه ما يقول 
وأطلق عياره فأخطأ الهدف وأصاب المرأة، وتدعى أم محمد. واشتعلت النار في التبن، فهجم الرجل على الضابط وأخذ يجذب البندقية
وهو يستغيث بأهل البلد صارخاً "الخواجة قتل المرأة وحرق الجُرن، الخواجة قتل المرأة وحرق الجُرن"،
فأقبل الأطفال والنسوة والرجال صائحين "قتلت المرأة وحرقت الجُرن"، وهرع بقية الضباط الإنجليز لإنقاذ صاحبهم

وفي هذا الوقت وصل الخفراء للنجدة كما قضت أوامرهم، فتوهم الضباط على النقيض بأنهم سيفتكون بهم فأطلقوا عليهم الأعيرة النارية وأصابوا بعضهم فصاح الجمع "قتل شيخ الخفر"
وحملوا على الضباط بالطوب والعصي، فألقى الخفراء القبض عليهم وأخذوا منهم الأسلحة إلا اثنين منهم وهما "كابتن" 
الفرقة وطبيبها اللذين أخذا يعدوان تاركين ميدان الواقعة وقطعا نحو ثمانية كيلومترات في الحر الشديد حتى وصلوا إلى بلدة سرسنا، فوقع "الكابتن"
بول مطروحاً على الأرض ومات بعد ذلك متأثراً بضربة شمس إثر عدوه لمسافة طويلة تحت أشعة الشمس

عندها تركه زميله الطبيب وأخذ يعدو حتى وصل إلى المعسكر، وصاح بالعساكر فركضوا إلى حيث يوجد الكابتن،
فوجدوه وحوله بعض الأهالي، فلما رآهم الأهالي لاذوا بالفرار، فاقتفى العساكر أثرهم وألقوا القبض عليهم إلا أحدهم –ويدعى سيد أحمد سعيد -
هرب قبل أن يشد وثاقه واختبأ في فجوة طاحونةٍ تحت الأرض فقتله الإنجليز شر قتلة

وكان رد الفعل البريطاني قاسياً وسريعاً، فقد قدم 52 فلاحاً مصرياً للمحاكمة بتهمة القتل المتعمد

وهنا جاء دور الهلباوي في تلك المسرحية الهزلية

فقد استخدم الهلباوي دهاءه لتكييف واقعة اعتداء الفلاحين بالضرب على الضباط الإنجليز 
بحيث يثبت أن الحريق الذي وقع في الجُرن نتيجة رصاص الضباط الإنجليز أثناء رحلة الصيد في دنشواي،
هو حادثٌ تالٍ للاشتباك بين الفلاحين والضباط –وهذا لم يكن صحيحاً- 
بل زعم الهلباوي أن الضباط الإنجليز لم يكونوا أصلاً السبب في حدوث حريق الجُرن..
وأشار إلى أنه حريقٌ متعمد اصطنعه الفلاحون ليخفوا أدلة سبق إصرارهم وتعمدهم التحرش بالضباط الإنجليز والاعتداء عليهم بالضرب
وهكذا تمكن الهلباوي من تبرئة الضباط الإنجليز من الأخطاء والجرائم التي ارتكبوها، في حين زاد من مسؤولية الفلاحين عن الحادثة. 
واتخذ الهلباوي من نجاح الفلاحين في إخماد النيران في الجُرن في غضون ربع ساعةٍ فقط دليلاً على أن الفلاحين هم الذين أطفأوا النيران بعد أن أشعلوها

ولم يبق في إثبات ركن سبق الإصرار على القتل والشروع فيه سوى إثبات أن فكرة القتل لم تكن عرضيةً وغنما كانت نيةً مبيتة

وصوّر الهلباوي الأمر أمام المحكمة وكأن الفلاحين رتبوا الأحداث بحيث صمموا على قتل الإنجليز إذا جاءوا للصيد في قريتهم. 
وكان الملازم بورثر قد ذكر أثناء إدلائه بأقواله أمام المحكمة 
أن المتهم التاسع عبد المطلب محفوظ قد حماه هو وزملاءه من العدوان عليهم، وقدم إليهم المياه ليشربوا، وهي شهادةٌ كانت كافية لتبرئته

وعندما جاء الدور على الشاهد فتح الله الشاذلي نجل عمدة دنشواي، 
ورد في أقواله هو الآخر أنه قد قدم الماء للضباط..فتنبه الهلباوي إلى نقطةٍ جزم بأنها فاتت على الملازم بورثر، 
ووقف ليقول إنه يلاحظ شبهاً كبيراً في الملامح بين المتهم عبد المطلب والشاهد فتح الله، وإنه يعتقد أن الأمر قد اختلط على الملازم بورثر.
.فاستدعت المحكمة الضابط الإنجليزي الذي حسم الامر، وقال إن الذي سقاه هو ابن العمدة وليس المتهم. 
وبذلك حرم الهلباوي المتهم التاسع من فرصته للنجاة من الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبده

وعلى هذا النهج يروي لنا صلاح عيسى في كتابه "حكايات من دفتر الوطن" كيف بذل إبراهيم الهلباوي جهداً ضخماً في تفنيد كل ما جاء في أقوال المتهمين والشهود
ليهدم كل واقعةٍ يمكن أن تتخذ ذريعةً للتخفيف عن المتهمين الأبرياء في حادثة دنشواي، وليثبت للمحكمة أن الحادثة ارتكبت عمداً ومع سبق الإصرار، 
حتى يفوز بما كان قد اتفق عليه مع سلطات الاحتلال ويعطي المحكمة مبرراً للحكم بالإعدام على المتهمين

بل إنه فند التقارير الطبية التي قالت إن الضحية الوحيدة في الحادثة وهو الكابتن البريطاني بول، 
قد مات متأثراً بضربة شمس، وأكد أن موت بول بضربة شمس لا ينفي أن المتهمين هم الذين قتلوه لأنهم هم الذين ضربوه، 
وألجأوه إلى الجري تحت أشعة الشمس اللاهبة. أ
ضف إلى ذلك أن الهلباوي اتهم المتهم البريء حسن محفوظ بأنه "لم يكدر قريةً بل كدر أمةً بأسرها بعد أن مضى علينا 25 عاماً ونحن مع المحتلين في إخلاصٍ واستقامة وأمانة.. 
أساء إلينا وإلى كل مصري..فاعتبروا صوتي صوت كل مصري حكيمٍ عاقل يعرف مستقبل أمته وبلاده"

وبذلك قتل الهلباوي شعبه كله بعد أن صدر الحكم بإعدام أربعة متهمين
-هم: حسن علي محفوظ‏,‏ 
يوسف حسني سليم‏,‏ 
السيد عيسى سالم 
ومحمد درويش زهران-
‏ والجلد‏50‏ جلدة على 12 متهماً،
والأشغال الشاقة لباقي المتهمين

وفي الثانية من ظهر يوم ‏28‏ يونيو حزيران جرى تنفيذ تلك الأحكام الجائرة، بعد محاكمةٍ استمرت بضعة أيام فقط وأمام أعين الأهالي.
وتقول جريدة "المقطم" يوم ‏18‏ يونيو حزيران عام ‏1906‏ إن المشانق أعدت داخل القرية قبل التحقيق‏

وعن جدارةٍ استحق الهلباوي لقب جلاد دنشواي" الذي أطلقه عليه الشيخ عبد العزيز جاويش


عاش الهلباوي 34 عاماً بعد تلك المأساة، 
ذاق أثناءها الذل والهوان من المصريين الذين لم ينسوا له دوره في تلك المحاكمة، 
بالرغم من محاولته التكفير عن ذلك،
وحورب حرباً شديدة من الناس وخصومه وأصدقائه، 
وطارده لقب "جلاد دنشواي" في كل مكان.
وكانت له كلمته الشهيرة: "ما أتعس حظ المحامي وما أشقاه.. يعرض نفسه لعداء كل شخص يدافع ضده لمصلحة موكله
فإذا كسب قضية موكله، أمسى عدواً لخصمه دون أن ينال صداقة موكله"
لكن إبراهيم الهلباوي لم يكن الخائن الوحيد لمصر في حادثة دنشواي،
فقد كان هناك اثنان آخران 
أولهما بطرس باشا غالي (1846-20 فبراير شباط 1910) وزير الحقانية بالنيابة آنذاك الذي ترأس المحكمة.
أما نهاية هذا الرجل فكانت على يد صيدلاني يدعى إبراهيم الورداني،
اغتال بطرس غالي أمام وزارة الحقانية في الساعة الواحدة ظهراً يوم (11 من صفر 1328 هـ=20 فبراير 1910
حيث أطلق عليه الورداني ست رصاصات أصابت اثنتان منها رقبته. وكان اغتيال بطرس غالي هو أول جريمة اغتيال في مصر الحديثة

أما الثاني فهو أحمد فتحي زغلول ( فبراير شباط 1863- 27 مارس آذار 1914) عضو المحكمة ورئيس محكمة مصر الابتدائية الذي كتب حيثيات الحكم بخط يده. ولم يغفر له أحد ما فعله في دنشواي..لم يغفر له أن الشقيق الأصغر لزعيم الأمة سعد زغلول، حتى أن ذكراه كانت تمر بعد ذلك وسعد زعيم الامة المحبوب، فلا يجسر أحدٌ على الإشارة إليها

بل إن خصوم سعد زغلول كانوا يشيرون إلى شقيقه أحمد فتحي كدليلٍ على عدم وطنية الأول

وكانت لطمةً قويةً..وأنقذ أحمد فتحي زغلول نفسه، فغادر الدنيا بعدها بسنواتٍ قلائل، إذ مات في عام 1914 وهو وكيلٌ لوزارة العدل







ابراهيم الهلباوي
 (ولد في . 30 أبريل 1858 - ت. 1940وكيل نيابة محكمة دنشواي وأول نقيب للمحامين في مصر. وهو من مؤسسي الجمعية الخيرية الإسلامية.
ابراهيم الهلباوي أعظم المحامين الذين أنجبتهم مصر في ذلك الوقت وصفه عباس محمود العقاد ذات مرةٍ بأنه "كان ذا ذلاقة لسانٍ لا تطيق نفسها ولا تريح صاحبها". وكان الهلباوي خطيباً مفوهاً وممثلاً رائعاً يمزج بين العربية الفصحى والعامية البسيطة ويتحرك بخفةٍ ورشاقة، يجبر المحكمة على سماعه ويجعل من يسمعه ويراه مشدوهاً بعبقرية هذا الرجل. قال عنه عبد العزيز البشري في "المرآة" إنه "شيخ يتزاحف على السبعين إن لم يكن قد اقتحمها فعلاً، عاش مدى عمره يحبه ناس أشد الحب ويبغضه ناس أشد البغض.. إلا أن هؤلاء وهؤلاء لا يسعهم جميعاً إلا التسليم بأنه رجل عبقري" وقال معاصريه: " كان الهلباوي يقف في المحكمة فيهز مصر كلها بفضل حججه القانونية البارعة التي جعلته يدعى أعظم طلاب المرحمة "
لد ابراهيم الهلباوي من أب وجد من أصل مغربي، ونشأ في بلدة العطف (المحمودية الآن) بمديرية البحيرة، عمل والده بالملاحة في النيل فلما قل رزقها عمل بالزراعة وتجارة الحبوب.
دخل كُتّاب المدينة ودرس على يد الشيخ الشامي وانتقلت إلى الأزهر ولبث به سبع سنين قبل دراسة المحاماه.

ابراهيم الهلباوي وحادثة دنشواي

في يوم 20 يونيو 1906، أصدر بطرس باشا غالي ناروز وزير الحقانية بالنيابة قراراً بتشكيل المحكمة المخصوصة لمحاكمة المتهمين في حادثة دنشواي برئاسة بطرس باشا غالي نفسه، وعضوية كلٍ من "المستر" هبتر نائب المستشار القضائي، و"المستر" بوند وكيل محكمة الاستئناف الأهلية والقائمقام لهادلو القائم بأعمال المحاماة والقضاء بجيش الاحتلال، وأحمد فتحي زغلول بك (حمل لاحقاً لقب: باشا) رئيس محكمة مصر الابتدائية وأن يكون انعقادها في شبين الكوم يوم الأحد 24 يونيو.
كان من المقرر أن يحضر إبراهيم الهلباوي التحقيق مع المتهمين الأبرياء في حادثة دنشواي يوم السبت الموافق 16 يونيو عام 1906 لكنه لم يحضر لعدم عثوره على وسيلة انتقال مباشرة إلى دنشواي ولارتفاع درجة الحرارة في ذلك اليوم.
وعلى رصيف القطار في القاهرة، وجد الياور الخاص برئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا يخبره بأن "الباشا" ينتظره في مكتبه لأمرٍ مهم. ثم التقى الهلباوي محمد محمود بك رئيس حزب الأحرار الدستوريين فيما بعد، وكان يعمل آنذاك سكرتيراً خاصاً لمستشار وزير الداخلية الإنجليزي "المستر" ميتشل، الذي سأله عما إذا كان أحد من المتهمين في حادثة دنشواي قد وكله للدفاع عنه..فلما نفى ذلك أخطره بأن الحكومة قد اختارته ليمثلها في إثبات التهمة ضد المتهمين أمام المحكمة المخصوصة، باعتباره من أكبر المحامين سناً وأقدمية.
وهكذا استقبل الهلباوي في مكتبه "المستر" موبيرلي المفتش الإنجليزي لوزارة الداخلية لوزارة الداخلية و"المستر" مانسفيلد الحكمدار الإنجليزي لبوليس القاهرة اللذين أبلغاه أنهما مكلفان بأن يكونا في خدمته في كل ما يتعلق بقضية دنشواي، واقترحا عليه أن يحضر التحقيق وأن يشارك في استجواب المتهمين، لكنه اعتذر عن ذلك وفضلَ أن يزور مسرح الأحداث ليعاينه. وفيما بعد، قال الهلباوي – إن قبوله القيام بدور المدعي العام قد مكَنه من صد المحاولات الإنجليزية التي استهدفت تضخيم الحادثة (مذكرات ابراهيم الهلباوي: تاريخ حياته، إبراهيم الهلباوي بك (1858-1940)، تحقيق عصام ضياء الدين؛ تقديم د. عبد العظيم رمضان).
وكان رد الفعل البريطاني قاسياً وسريعاً، فقد قدم 52 فلاحاً مصرياً للمحاكمة بتهمة القتل المتعمد.
فقد استخدم الهلباوي دهاءه لتكييف واقعة اعتداء الفلاحين بالضرب على الضباط الإنجليز بحيث يثبت أن الحريق الذي وقع في الجُرن نتيجة رصاص الضباط الإنجليز أثناء رحلة الصيد في دنشواي، هو حادثٌ تالٍ للاشتباك بين الفلاحين والضباط –و أن الضباط الإنجليز لم يكونوا أصلاً السبب في حدوث حريق الجُرن..وأشار إلى أنه حريقٌ متعمد اصطنعه الفلاحون ليخفوا أدلة سبق إصرارهم وتعمدهم التحرش بالضباط الإنجليز والاعتداء عليهم بالضرب.
وهكذا تمكن الهلباوي من تبرئة الضباط الإنجليز من الأخطاء والجرائم التي ارتكبوها، في حين زاد من مسؤولية الفلاحين عن الحادثة. واتخذ الهلباوي من نجاح الفلاحين في إخماد النيران في الجُرن في غضون ربع ساعةٍ فقط دليلاً على أن الفلاحين هم الذين أطفأوا النيران بعد أن أشعلوها.
ولم يبق في إثبات ركن سبق الإصرار على القتل والشروع فيه سوى إثبات أن فكرة القتل لم تكن عرضيةً وغنما كانت نيةً مبيتة.
وصوّر الهلباوي الأمر أمام المحكمة وكأن الفلاحين رتبوا الأحداث بحيث صمموا على قتل الإنجليز إذا جاءوا للصيد في قريتهم. وكان الملازم بورثر قد ذكر أثناء إدلائه بأقواله أمام المحكمة أن المتهم التاسع عبد المطلب محفوظ قد حماه هو وزملاءه من العدوان عليهم، وقدم إليهم المياه ليشربوا، وهي شهادةٌ كانت كافية لتبرئته.
وعندما جاء الدور على الشاهد فتح الله الشاذلي نجل عمدة دنشواي، ورد في أقواله هو الآخر أنه قد قدم الماء للضباط..فتنبه الهلباوي إلى نقطةٍ جزم بأنها فاتت على الملازم بورثر، ووقف ليقول إنه يلاحظ شبهاً كبيراً في الملامح بين المتهم عبد المطلب والشاهد فتح الله، وإنه يعتقد أن الأمر قد اختلط على الملازم بورثر..فاستدعت المحكمة الضابط الإنجليزي الذي حسم الامر، وقال إن الذي سقاه هو ابن العمدة وليس المتهم. وبذلك حرم الهلباوي المتهم التاسع من فرصته للنجاة من الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وعلى هذا النهج يروي لنا صلاح عيسى في كتابه "حكايات من دفتر الوطن" كيف بذل إبراهيم الهلباوي جهداً ضخماً في تفنيد كل ما جاء في أقوال المتهمين والشهود ليهدم كل واقعةٍ يمكن أن تتخذ ذريعةً للتخفيف عن المتهمين الأبرياء في حادثة دنشواي، وليثبت للمحكمة أن الحادثة ارتكبت عمداً ومع سبق الإصرار، بل إنه فند التقارير الطبية التي قالت إن الضحية الوحيدة في الحادثة وهو الكابتن البريطاني بول، قد مات متأثراً بضربة شمس، وأكد أن موت بول بضربة شمس لا ينفي أن المتهمين هم الذين قتلوه لأنهم هم الذين ضربوه، وألجأوه إلى الجري تحت أشعة الشمس اللاهبة. أضف إلى ذلك أن الهلباوي اتهم المتهم البريء حسن محفوظ بأنه "لم يكدر قريةً بل كدر أمةً بأسرها بعد أن مضى علينا 25 عاماً ونحن مع المحتلين في إخلاصٍ واستقامة وأمانة.. أساء إلينا وإلى كل مصري..فاعتبروا صوتي صوت كل مصري حكيمٍ عاقل يعرف مستقبل أمته وبلاده".
وفى 27 يونيو من ذلك العام صدر قلم المحكمة المخصوصة التى قضت بإعدام على حسن على محفوظ ويوسف حسن سليم والسيد عيسى سالم ومحمد درويش زهران وتم تنفيذ الحكم علنا في دنشواى فيما تم الحكم على ٢ بالأشغال الشاقة المؤبدة والحكم على آخر بالأشغال ١٥ سنة ثم حكم بالسجن ٧ سنوات على ٦ متهمين مع معاقبة كل منهم بخمسين جلدة علنا.
وفي الثانية من ظهر يوم ‏28‏ يونيو، جرى تنفيذ تلك الأحكام الجائرة، بعد محاكمةٍ استمرت بضعة أيام فقط وأمام أعين الأهالي. وتقول جريدة "المقطم" يوم ‏[[18‏ يونيو عام ‏1906‏ إن المشانق أعدت داخل القرية قبل التحقيق‏.
عاش الهلباوي 34 عاماً بعد هذه الحادثة ذاق أثناءها الذل والهوان من المصريين وطارده لقب "جلاد دنشواي" في كل مكان. وكانت له كلمته الشهيرة: "ما أتعس حظ المحامي وما أشقاه. يعرض نفسه لعداء كل شخص يدافع ضده لمصلحة موكله فإذا كسب قضية موكله، أمسى عدواً لخصمه دون أن ينال صداقة موكله".[1]
وصلت أنباء هذه المحاكمة الهزلية إلى الصحف حتى انطلقت كالنار في الهشيم داخل مصر وخارجها، حتى إن الكاتب الأيرلندى الشهير «برنارد شو» لم يجد سوى السخرية من عدل سلطات الاحتلال، التى أجهدت نفسها بحثًا عن «بروجرام» تشغل به المتفرجين على حفل الإعدام وتحول بينهم وبين الملل خلال نصف الساعة الذى كان مفروضًا أن يظل فيه جسد المشنوق معلقًا للتأكد من وفاته، ولإتاحة وقت كاف لأسرته كى تشاهده وهو يدور حول نفسه، وقد حلَّت المحكمة هذه المشكلة فقضت على ثمانية من المتهمين بالجلد لتتيح لفرقة التنفيذ ملء فراغ «البروجرام» بجلد اثنين بين كل مشنوقين، حتى يكتمل الطابع الاحتفالى والاستعراضى لعدل المحتلين، أما إبراهيم الهلباوى فقد عمَّر طويلًا بعد الحادث لأكثر من ثلاثين عامًا ذاق خلالها الذل والهوان من المصريين الذين قابلوه بالكراهية في كل مكان. يقول الأديب يحيى حقي: حضرته- أى الهلباوى- يخطب في سرادق ضخم ازدحم فيه أنصار حزب الأحرار الدستوريين من أجل تخليص البلاد من يد المحتلين، وقوبل خطابه بالهتاف والتصفيق، وامتلأ الرجل ثقة وزهوًا وظن أن الدنيا قد صالحته، ولكنه لم يكد يفرغ من خطابه حتى ارتفع صوت في آخر السرادق يهتف (يسقط جلاد دنشواى).
ومن الطريف أن الهلباوى انتدب نفسه فيما بعد عن ابراهيم الورداني، الذى قام باغتيال بطرس غالي، رئيس محكمة دنشواى، ربما محاولة يائسة للتكفير عما جنى سلفًا، كما أنجز العديد من الحسنات، وهو ما جعل الوطنيين المصريين يطلبون منه الدفاع عنهم في قضية التظاهر ضد قانون المطبوعات، وفى قضايا أخرى عديدة لبراعته المهنية في المحاماة، ولكن حكم الشعوب يصعب أن يتغير. ويذكر لنا التاريخ أن واحدًا من أهم أحداث عام 1913 هو ما حدث في 9 ديسمبر من ذلك العام، حيث استكملت نقابة المحامين وجودها القانونى هذه السنة، وكان اتجاه المحامين هو اختيار عبد العزيز فهميلمنصب رئيس النقابة «النقيب»، ولم يكد الدكتور هيكل يفاتح عبد العزيز فهمى في أحقية إبراهيم الهلباوى بهذا المنصب حتى بادر على الفور بالموافقة قائلا: «أستاذنا وشيخنا»، وتحول فهمي من المرشح المختار إلى داعية لانتخاب الهلباوى الذى صار أول نقيب للمحامين في مصر. وكان إبراهيم الهلباوى بك، الذى عاش بين عامى (١٨٥٨-١٩٤٠) قد كتب مذكراته، التى أعادت الهيئة العامة للكتاب نشرها في عام ١٩٩٥ وقد غلب على هذه المذكرات الطابع الدفاعى التبريرى أكثر من الطابع التسجيلى التقريرى، وقام بتحقيقها د.عصام ضياءالدين وقدمها د. عبد العظيم رمضان الذى يقول في تقديمه لها: «إنه من المحقق أن الهلباوى وطنى مصرى كفَّر عن سيئة دنشواى بمئات من الحسنات، وقد تعامل معه الوطنيون المصريون على هذا الأساس، فلم يستبعدوه من الصف الوطنى وطلبوا منه مثلًا الدفاع عنهم في قضية التظاهر ضد قانون المطبوعات المقيد لحرية الصحافة كما حرص إبراهيم الوردانى، قاتل بطرس غالي، على أن يطلب من الهلباوى الدفاع عنه رغم معرفة دوره في محكمة دنشواى. كما كان للهلباوى (تلميذ الأفغانى) دور بارز في شن حملات صحفية في «المؤيد» على الحكومة والاحتلال البريطانى في مواقف عدة، ومنها تفنيد تبريرات الاحتلال. أما وصف «جلاد دنشواى» فقد كان صاحبه الشيخ عبد العزيز جاويش، لخصومة قامت بينهما وسجال على صفحات «المؤيد» و»اللواء» هكذا زعم الهلباوى، رغم أن صاحب هذا الوصف هو الشاعر حافظ إبراهيمحينما هجاه لموقفه في دنشواي، وظل ملازمًا له حتى مع حرصه في باقى حياته على نصرة المساكين والفقراء.

الاثنين، 30 أكتوبر 2017

الشيخ أحمد الدمنهوري.. شيخ الأزهر الجيولوجي




الشيخ أحمد الدمنهوري.. شيخ الأزهر الجيولوجي
ahmed

تكشف التراجم التي وضعها الجبرتي في كتابه المعروف "عجائب الآثار" لعلماء الأزهر أن الدراسة في الجامع الأزهر لم تقتصر على الدراسات الشرعية واللغوية والأدبية، من فقه وأصول وتفسير وحديث وبلاغة وتوحيد ونحو وصرف، بل تجاوزتها إلى دراسة الفلك الذي كان يطلق عليه علم الهيئة.
وكان لبعض علماء الأزهر مؤلفات فيه، وكانت تدرس علوم أخرى على نطاق ضيق مثل: الحساب، والجبر، والهندسة، والمساحة والجيولوجيا، وفيها وضع الشيخ أحمد المنهوري مؤلفا، تحدث فيه عن المياه الجوفية، وعيون المياه، والآبار، وغيرها من الموضعات.
كان الشيخ أحمد الدمنهوري واحدًا من علماء الأزهر الذين عُرفوا بالثقافة الواسعة التي شملت إلى جانب العلوم الشرعية واللغوية الرياضيات والهندسة والفلك والطب، وأسهم بالتأليف في بعضها، وهذه العلوم وإن كانت تدرس على استحياء في ذلك الوقت، فإنها تعني أن هناك من كان يعلمها ويدرسها، وأن جذور هذه العلوم لم تنطفئ منذ أن ازدهرت الحضارة الإسلامية، لكنها ظلت خافتة تنتظر من يبعث فيها الحركة والنشاط.
المولد والنشأة وُلد أحمد بن عبد المنعم بن صيام سنة (1101هـ الموافق 1689م) بدمنهور، وإليها نُسب فعرف بأحمد الدمنهوري، ودرس في بلدته فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم رحل إلى القاهرة، والتحق بالأزهر صغيرًا، وتلقى فيه العلوم الشرعية واللغوية وغيرها على عدد من مشايخ الأزهر وعلمائه، من أمثال الشيخ عبد الوهاب الشنواني، وعبد الرؤوف البشبيشي، وعبد الجواد المرحومي، وعبد الدائم الأجهوري، وغيرهم.
وقد أورد الجبرتي أسماء شيوخ الدمنهوري، والكتب التي درسها عليهم وأجازوه بها، وهي تشمل الفقه على المذاهب الأربعة، وقد جد في تحصيله على هذه المذاهب، حتى أطلق عليه المذاهبي، والتفسير والحديث والمواريث والقراءات والتصوف والنحو والبلاغة، والهندسة والفلك والفلسفة والمنطق.
إجازاتـــــه وقد حفظ لنا الشيخ الدمنهوري في رسالة له مخطوطة بعنوان "اللطائف النورية في المنح الدمنهورية" ما أخذه عن شيوخه وما درسه واستفاده بجهوده الذاتية، وسأنقل طرفًا منها؛ حتى يتبين لك الحركة العلمية في مصر زمن الدمنهوري، وأن ما يصوره بعض الباحثين من ظلام تلك الفترة إنما هو محض افتراء وابتعاد عن الحقيقة، وافتئات على الموضوعية، يقول الدمنهوري:
"… أخذت عن أستاذنا الشيخ علي الزعتري الحساب، واستخراج المجهولات، وما توقف عليها كالفرائض والمواريث، والميقات.. وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء بالقراءة عليه كتاب الموجز، واللمحة العفيفة في أسباب الأمراض وعلاماتها، وبعضًا من قانون ابن سينا، وبعضًا من منظومة ابن سينا الكبرى.. وقرأت على أستاذنا الشيخ سلامة الفيومي أشكال التأسيس في الهندسة.. وقرأت على الشيخ محمد الشهير بالشحيمي منظومة في علم الأعمال الرصدية (الفلك).. ورسالة في علم المواليد أعني الممالك الطبيعية وهي الحيوانات والنباتات والمعادن…".
وكان ينافس الشيخ الدمنهوري في تحصيل تلك العلوم الشيخ حسن الجبرتي والد المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي، وكان فقيهًا حنفيًا، عالمًا باللغة، وتصدر للإمامة والإفتاء وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، ثم ولَّى وجهه شطر العلوم التي كانت تراثًا مستغلقًا، فجمع كتبها، وفك رموزها وأحسن قراءتها والتعامل معها، وظل يتعلم ويدرس، حتى استقام له الأمر، وتمكن في علوم الهندسة والكيمياء والفلك، وصنع الآلات، ولجأ إليه مهرة الصناع يستفيدون من علمه، ودرس عليه كبار المستشرقين الذين كانوا يفدون عليه.
ملجأ الأمراء تبوأ الدمنهوري المكانة التي يستحقها من التقدير والإجلال، فقدمه علماء الأزهر لعلمه وفضله، وأنزلوه قدره؛ فتولى مشيخة الجامع الأزهر سنة (1183هـ الموافق 1768م) خلفًا للشيخ عبد الرؤوف محمد السجيني.
وكان الخليفة العثماني "مصطفى بن أحمد خان" له عناية ومعرفة بالعلوم الرياضية والفلك، فكان يراسل الشيخ الدمنهوري ويهاديه ويبعث له بالكتب، وكان بفعل ذلك مع الجبرتي الكبير.
ويتحدث الجبرتي عن مكانة الدمنهوري بقوله: "هابته الأمراء؛ لكونه كان قوّالا للحق، أمَّارًا بالمعروف، سمحًا بما عنده من الدنيا، وقصدته الملوك من الأطراف وهادته بهدايا فاخرة، وسائر ولاة مصر كانوا يحترمونه، وكان شهير الصيت عظيم الهيبة…".
وبلغ من تقدير الأمراء له وتعظيمهم لحرمته أنه لما نشبت فتنة بين طائفة من المماليك وأتباعهم، قصده أحد أمراء الطائفتين مستنجدًا به؛ إذ لم يجد بيتًا آمنا يحتمي به غير بيت الشيخ الدمنهوري في بولاق، فلما طلب خصومه من الشيخ تسليمهم له رفض، ولم يجرؤ واحد منهم على اقتحام بيت الشيخ مراعاة لحقه ومنزلته.
مؤلفاتــــه كان الدمنهوري غزير التأليف متنوع الإنتاج الفكري، ومعظم إنتاجه لا يزال مخطوطًا حبيسا لم يرَ النور بعد، ومن مؤلفاته:
- "حلية اللب المصون في شرح الجوهر المكنون"، في البلاغة.
- "نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف"، في مصطلح الحديث.
- "سبيل الرشاد إلى نفع العباد"، في الأخلاق.
- "رسالة عين الحياة في استنباط المياه"، في الجيولوجيا.
- "القول الصريح في علم التشريح"، في الطب.
- "منهج السلوك في نصيحة الملوك"، في السياسة.
- "الدرة اليتيمة في الصنعة الكريمة"، في الكيمياء.
- "الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني"، في الفقه الحنبلي.
- "فيض المنان بالضروري من مذهب النعمان"، في الفقه الحنفي.
- "الكلام السديد في تحرير علم التوحيد".
وقد تضمن كتابه "اللطائف النورية" أسماء جميع مؤلفاته التي وضعها، وكذلك ذكرها الجبرتي في تاريخه.
وفاتـــــــه طالت حياة الشيخ حتى تجاوز التسعين من عمره، لكنها كانت حياة حافلة بطلب العلم وتحصيله وتدريسه والتأليف فيه، وظل على هذا النحو حتى لبى نداء ربه في يوم الأحد الموافق (10 من رجب 1192هـ الموافق 4 من أغسطس 1778م).
المصدر: إسلام اون لاين

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

جمهور ام كلثوم يكاد يبلع المسرح اثناء اغنية هو صحيح الهوى غلاب فى دولة المغرب .



من دون شك أن أغنية هو صحيح تم تسجيلها في المملكة المغربية  عام 1968لأنه وقع حدث غريب للجمهور في هذه الحفلة الذي لم يكن ينتظر هذه الأغنية ولكن عبقرية أم كلثوم وطريقتها البيداغوجية لإعادتها المقطع الأول عدة مرات, دخلت أنغام الشيخ أحمد زكرياء إلى مسامع الجمهور وطرب حتى الثمالة, ومن شدة الطرب لاحظوا في الدقيقة ٣٦ انتفضت كل القاعة تهلل وتكبر "اللهم صل عليك يا رسول الله












تفاعل الجمهور اثناء غناء الست في حفلها بالمغرب حيث غنت رباعيات الخيام وهو صحيح الهوى غلاب وعند ارتجالها في جملة (نظرة وكنت احسبها سلام) هاج الجمهور وابتدا التسفيق والهتاف للست لمدة زمنية طويلة





الكلمات للشاعر / محمود بيرم التونسى الألحان للموسيقار / زكريا أحمد.