الصفحات

الخميس، 28 أبريل 2016

الاخلاق المذمومه " الحسد "





معنى الحسد لغةً واصطلاحًا  

معنى الحسد لغةً :  

الحسد مصدره حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه، حَسَدًا وحُسودًا وحَسادَةً،
وحَسَّدَه: تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته،
 أو يسلبهما، وحَسَدَهُ الشيءَ وعليه .

معنى الحسد اصطلاحًا:   

وقال الجرجاني :

[ الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد .]


وقال الكفوي :

[ الحسد : اختلاف القلب على الناس ؛
 لكثرة الأموال والأملاك . ]


وعرفه الطاهر بن عاشور فقال :

[ الحسد : إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير،
مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة،
 أو على مشاركته الحاسد ]


ذم الحسد والنهي عنه  

أولًا في القرآن الكريم
ثانيًا في السنة النبوية

أولًا : في القرآن الكريم :  


قال تعالى :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
 [ سورة الفلق ] .


 وقال تعالى :

 { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }
[ البقرة : 109] .


قال تعالى :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا }
[النساء : 54 ].


ثانيًا : السنة النبوية :  

عن أنس بن مالك رضي الله عنه ،
 أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

 ( لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا ،
 وكونوا عباد الله إخوانًا )


 قال ابن بطال :  

( وفيه : النهي عن الحسد على النعم ،
 وقد نهى الله عباده المؤمنين
عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض،
 وأمرهم أن يسألوه من فضله )


  وقال الباجي :  

( أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسده عليه،
فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة، فذلك الحسد ).


الفرق بين الحسد وبعض الصفات  

 الفرق بين الحسد والغبطة   

قال ابن منظور:

 [ الغبط أن يرى المغبوط في حال حسنة،
 فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه،
 وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له،
 وأما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود،
 وأن يزول عنه ما هو فيه ]


وقال الرازي :

[ إذا أنعم الله على أخيك بنعمة ؛ فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد ،
 وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة ]

وقد تسمى الغبطة حسدًا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود،   
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  

( لا حسد إلا في اثنتين :
رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق،
 ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها )

وقد فسر النووي الحسد في الحديث فقال :

[ هو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره
من غير زوالها عن صاحبها ]


الفرق بين الحسد والمنافسة والمسابقة :  

قال ابن القيم : 

[ للحسد حدٌّ، وهو المنافسة في طلب الكمال،
والأنفة أن يتقدَّم عليه نظيره،
 فمتى تعدَّى ذلك صار بغيًا وظلمًا يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود،
 ويحرص على إيذائه ]

 

وقال الغزالي : 

 (والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة ،
والذي يدلُّ على إباحة المنافسة قوله تعالى :

{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }
 [ المطففين : 26 ]،

وقال تعالى :

 ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ )
 [ الحديد : 21 ]،

وإنما المسابقة عند خوف الفوت ؛
وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما،
 إذ يجزع كلُّ واحد أن يسبقه صاحبه
 فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها   


وبيَّن الغزالي سبب المنافسة فأرجعها إلى : 

[ إرادة مساواته، واللحوق به في النعمة، وليس فيها كراهة النعمة،
 وكان تحت هذه النعمة أمران:
 أحدهما : راحة المنعم عليه،
والآخر : ظهور نقصانه عن غيره وتخلفه عنه،
 وهو يكره أحد الوجهين، وهو تخلُّف نفسه، ويحب مساواته له.
ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات ]

وقد تنافس الصحابة في الخير، وبذلوا أسباب الكمال؛   
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :   

( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق،
 فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر،
إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي،
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟
 قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ ما عنده،
 فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟
 قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا ) .

ولكن المنافسة في أمور الدنيا
تجر غالبًا إلى الوقوع في الحسد والأخلاق الذميمة،

 فعن عبد الله بن عمرو بن العاص  
 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  

 ( إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟
 فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله،
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؛ تتنافسون،
 ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون ).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :  

 ( والله لا الفقر أخشى عليكم،
 ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا
كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها،
 وتهلككم كما أهلكتهم ) .


وقد نبَّه على ذلك الرازي فقال : 

[ لكن هاهنا دقيقة؛
وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان:
 أحدهما : أن يحصل له مثل ما حصل للغير.
والثاني  أن يزول عن الغير ما لم يحصل له.
فإذا حصل اليأس عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفكُّ
عن شهوة الطريق الآخر، فهاهنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة
تلك الفضيلة عن ذلك الشخص لأزالها، فهو صاحب الحسد المذموم،
وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير؛
 فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك ] .


الفرق بين الحسد والعين :   

العين نظر باستحسان قد يشوبه شيء من الحسد،
 ويكون الناظر خبيث الطبع

يشتركان في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق .

فالحاسد :  

قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه،
 ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود،
وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس.


والعائن :  

لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين،
وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله   .


قال ابن القيم :  

[ العاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء؛
 فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه؛
 فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته،
والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضًا،
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد، أو حيوان،
 أو زرع، أو مال ]

 

وقال أيضًا :
 [ العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد
وأنه أعم فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنًا ] .

أقوال السلف والعلماء في الحسد  

- قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما : 

[ كلُّ الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة،
 فإنه لا يرضيه إلا زوالها ]


 وقال ابن سيرين :

[ ما حسدت أحدًا على شيء من أمر الدنيا؛
لأنَّه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على الدنيا،
وهي حقيرة في الجنة؟! وإن كان من أهل النار،
 فكيف أحسده على أمر الدنيا، وهو يصير إلى النار؟! ] .


وقال الحسن البصري :

 [ ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم من حاسد، نفس دائم،
 وحزن لازم، وغمٌّ لا ينفد ]  .


  وقال أبو حاتم :

[ الواجب على العاقل مجانبة الحسد على الأحوال كلِّها،
 فإنَّ أهون خصال الحسد هو ترك الرضا بالقضاء،
وإرادة ضد ما حكم الله جل وعلا لعباده،
 ثم انطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم،
والحاسد لا تهدأ روحه، ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية
زوال النعمة عن أخيه، وهيهات أن يساعد القضاء ما للحساد في الأحشاء ] .

وقال كذلك :

[ الحسد من أخلاق اللئام، وتركه من أفعال الكرام،
 ولكلِّ حريق مطفئ، ونار الحسد لا تطفأ ] .


 وقال أبو الليث السمرقندي :

[ يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود :
 أولاها :   غمٌّ لا ينقطع.
الثانية :   مصيبة لا يُؤجر عليها.
 الثالثة :   مذمَّة لا يُحمد عليها.
 الرابعة: سخط الرب.
الخامسة :     يغلق عنه باب التوفيق ] .


  وقال الجاحظ :

[ ومتى رأيت حاسدًا يصوب إليك رأيًا إن كنت مصيبًا،
 أو يرشدك إلى صواب إن كنت مخطئًا، أو أفصح لك بالخير في غيبته عنك،
 أو قصر من غيبته لك ؟ فهو الكلب الكَلِب، والنمر النَّمِر،
والسمُّ القَشِب، والفحل القَطِم ، والسيل العَرِم  .
إن ملك قتل وسبى، وإن مُلِك عصى وبغى. حياتك موته،
وموتك عرسه وسروره. يصدِّق عليك كلَّ شاهد زور،
ويكذِّب فيك كلَّ عدل مرضي. لا يحب من الناس إلا من يبغضك،
ولا يبغض إلا من يحبك. عدوك بطانة وصديقك علانية
أحسن ما تكون عنده حالًا أقل ما تكون مالًا، وأكثر ما تكون عيالًا،
 وأعظم ما تكون ضلالًا. وأفرح ما يكون بك أقرب ما تكون بالمصيبة عهدًا،
 وأبعد ما تكون من الناس حمدًا، فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الموتى،
 ومخالطة الزَّمنى ، والاجتنان بالجدران، ومصر المصران،
وأكل القردان، أهون من معاشرته والاتصال بحبله ] .


 وقال الجرجاني :

 [ كم من فضيلة لو لم تستترها المحاسد لم تبرح في الصدور كامنة،
 ومنقبة لو لم تزعجها المنافسة لبقيت على حالها ساكنة !
لكنها برزت فتناولتها ألسن الحسد تجلوها، وهي تظن أنها تمحوها،
 وتشهرها وهي تحاول أن تسترها؛ حتى عثر بها من يعرف حقها،
 واهتدى إليها من هو أولى بها، فظهرت على لسانه في أحسن معرض،
واكتست من فضله أزين ملبس؛ فعادت بعد الخمول نابهة،
وبعد الذبول ناضرة، وتمكنت من برِّ والدها فنوَّهت بذكره،
وقدرت على قضاء حقِّ صاحبها، فرفعت من قدره ]

 قال تعالى :

{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }
[ البقرة : 216 ]  .


 وقال ابن المعتز :

[ الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له،
 ويبخل بما لا يملكه، ويطلب ما لا يجده ]  


 وقال ابن حزم :

[ إنَّ ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد كلَّ من أحسن إليهم،
 إذا رأوه في أعلى من أحوالهم ] .


 وقال الخطاب بن نمير السعدي :

 [ الحاسد مجنون؛ لأنَّه يحسد الحسن والقبيح ]

 

آثار الحسد  

الحسد مذموم مرذول، أجمل الماوردي مذمته في قوله :

 [ ولو لم يكن من ذمِّ الحسد إلا أنَّه خلق دنيء،
 يتوجَّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصُّ بالمخالط والمصاحب،
 لكانت النزاهة عنه كرمًا، والسلامة منه مغنمًا،
 فكيف وهو بالنفس مضرٌّ، وعلى الهمِّ مصرٌّ،
حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدو،
ولا إضرار بمحسود ]

ثم ذكر للحسد مساوئ فقال :

1- حسرات الحسد وسقام الجسد، ثم لا يجد لحسرته انتهاء،
 ولا يؤمل لسقامه شفاء    

 قال ابن المعتز: 

 [ الحسد داء الجسد ].


2- انخفاض المنزلة وانحطاط المرتبة؛
 لانحراف الناس عنه، ونفورهم منه،

وقد قيل في منثور الحكم :

 [ الحسود لا يسود ] .


3- مقت الناس له، حتى لا يجد فيهم محبًّا،
 وعداوتهم له، حتى لا يرى فيهم وليًّا، فيصير بالعداوة مأثورًا،
 وبالمقت مزجورًا.


4- إسخاط الله تعالى في معارضته، واجتناء الأوزار في مخالفته،
 إذ ليس يرى قضاء الله عدلًا، ولا لنعمه من الناس أهلًا  .

وقال الجاحظ : 

[ الحسد -أبقاك الله- داء ينهك الجسد، ويفسد الودَّ، علاجه عسر،
 وصاحبه ضجر، وهو باب غامض، وأمر متعذر، فما ظهر منه فلا يداوى،
وما بطن منه فمداويه في عناء ]

ثم قال : 

 [ ولو لم يدخل- رحمك الله- على الحاسد بعد تراكم الهموم على قلبه،
 واستمكان الحزن في جوفه، وكثرة مضضه  ، ووسواس ضميره،
 وتنغيص عمره، وكدر نفسه، ونكد لذاذة معاشه،
إلا استصغاره لنعمة الله عنده، وسخطه على سيده بما أفاد الله عبده،
 وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه، وألا يرزق أحدًا سواه،
 لكان عند ذوي العقول مرحومًا، وكان عندهم في القياس مظلومًا ] .


5- يؤدي إلى المقاطعة، والهجر، والبغضاء، والشحناء.


6- يؤدي إلى الغيبة، والنميمة.


7- يؤدي إلى الظلم، والعدوان.


8- يؤدي إلى السرقة، والقتل



أقسام الحسد
 
 

قسم العلماء الحسد إلى عدد من الأنواع ،

ومنهم ابن القيم الذي قسمه إلى ثلاثة أنواع :

1- حسد يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما؛
لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئًا من ذلك،
 ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله.

2- تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة،
 بل يحب أن يبقى على حاله؛ من جهله، أو فقره، أو ضعفه،
أو شتات قلبه عن الله، أو قلة دينه.

3- حسد الغبطة؛ وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود،
 من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به ولا يعاب صاحبه،
 بل هذا قريب من المنافسة  .


وقسمه الغزالي إلى أربعة أنواع :

1- أن يحب زوال النعمة عنه ،
وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث .

2- أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة ،
مثل رغبته في دار حسنة، أو امرأة جميلة، أو ولاية نافذة ،
 أو سعة نالها غيره، وهو يحبُّ أن تكون له ،
ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه .

3- أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها،
فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما .

4- أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه ،
 وهذا هو المعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه إن كان في الدين.


أسباب الوقوع في الحسد  

للحسد أسباب كثيرة
تجعل النفس المريضة تقع في حبائل تلك الخصلة الذميمة،

 وقد أحسن الجرجاني إجمالها فقال :  

[ التفاضل -أطال الله بقاءك- داعية التنافس؛ والتنافس سبب التحاسد؛
 وأهل النقص رجلان: رجل أتاه التقصير من قبله، وقعد به عن الكمال اختياره،
 فهو يساهم الفضلاء بطبعه، ويحنو على الفضل بقدر سهمه.
وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته، ومؤثلًا في تركيب فطرته،
 فاستشعر اليأس من زواله، وقصرت به الهمة عن انتقاله؛
 فلجأ إلى حسد الأفاضل، واستغاث بانتقاص الأماثل؛
يرى أنَّ أبلغ الأمور في جبر نقيصته،
وستر ما كشفه العجز عن عورته، اجتذابهم إلى مشاركته،
 ووسمهم بمثل سمته ] .

وفصل الغزالي أسباب التحاسد في سبعة أمور هي :

1–  العداوة والبغضاء :  

 وهذا أشد أسباب الحسد ، فإنَّ مَن آذاه شخص بسبب من الأسباب،
وخالفه في غرض بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه، وغضب عليه،
 ورسخ في نفسه الحقد. والحقد يقتضي التشفي والانتقام،
 فإن عجز المبغض عن أن يتشفَّى بنفسه أحبَّ أن يتشفَّى منه الزمان،
وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى،
 فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها، وظنَّها مكافأة له من جهة الله
على بغضه وأنها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛
 لأنَّه ضدُّ مراده، وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله؛
 حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه، بل أنعم عليه.


2- التعزز :  

 وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية،
 أو علمًا، أو مالًا خاف أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق تكبره،
 ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه (4) ، وتفاخره عليه،
 وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره،
 فإنَّه قد رضي بمساواته مثلًا، ولكن لا يرضى بالترفع عليه.


3- الكبر :  

 وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه، ويستصغره، ويستخدمه،
 ويتوقَّع منه الانقياد له، والمتابعة في أغراضه،
 فإذا نال نعمة خاف ألا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته،
 أو ربما يتشوَّف إلى مساواته، أو إلى أن يرتفع عليه،
 فيعود متكبرًا بعد أن كان متكبرًا عليه.


4- التعجب :  

 فيجزع الحاسد من أن يتفضل عليه من هو مثله في الخلقة،
لا عن قصد تكبر، وطلب رياسة، وتقدم عداوة،
 أو سبب آخر من سائر الأسباب .


5- الخوف من فوت المقاصد :  

 وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد،
 فإن كان واحد يحسد صاحبه في كلِّ نعمة تكون عونًا له
في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم
على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة
 في قلب الأبوين؛ للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال .


6- حب الرياسة وطلب الجاه :   

وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فنٍّ من الفنون،
إذا غلب عليه حب الثناء، واستفزه الفرح بما يمدح به
من أنه واحد الدهر، وفريد العصر في فنه، وأنه لا نظير له،
فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك، وأحبَّ موته،
 أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة؛ من شجاعة،
 أو علم، أو عبادة، أو صناعة، أو جمال، أو ثروة،
 أو غير ذلك مما يتفرد هو به، ويفرح بسبب تفرده.


7- خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى :  

 فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال،
 إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه؛
يشقُّ ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس، وإدبارهم،
وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم فرح به،
 فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره،
 ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته.
وهذا السبب معالجته شديدة؛ لأنَّ الحسد الثابت بسائر الأسباب
 أسبابه عارضة، يتصور زوالها فيطمع في إزالتها،
وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض، فتعسر إزالته

الوسائل المعينة على ترك الحسد :  

ذكر العلماء وسائل للحاسد الذي يريد النجاة من مغبة هذا الخلق الذميم،
 ويودُّ الخلاص من آفته التي أقضَّت مضجعه،

ومن تلك الوسائل :  

1- قطع النظر عن الناس،
وتعليق قلبه بالله سبحانه وتعالى، وسؤاله من فضله.


2- المنافسة في الأعمال الصالحة لا في أمور الدنيا.


3-التربية منذ الطفولة على حب الخير للناس.


4- أن يدرب نفسه على قول :
ما شاء الله لا قوة إلا بالله ،
 والدعاء بالبركة ، إذا أعجبه شيء .


5- الدعاء للمحسود بالزيادة من فضل الله تعالى،
إذا وجد في نفسه شيئًا من الحسد المذموم .


6- الرضا بقضاء الله وقدره ، والتسليم لحكمه ،
 فهو الذي يعطي النعم ويسلبها ،

قال تعالى :

{  نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ }
 [ الزخرف :32 ].


7- التفكر في نتائج الحسد ،
والنظر في عواقبه الوخيمة عليه وعلى من حوله ؛
 فهو يتألم بحسده ويتنغص في نفسه ، فيبقى مغمومًا ،
 محرومًا، متشعب القلب، ضيق الصدر،
قد نزل به ما يشتهيه الأعداء له ، ويشتهيه لأعدائه ،

 قال تعالى :

{ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ }
 [ فاطر : 43 ].


8– أن يحذر نفور الناس منه، وبعدهم عنه،
وبغضهم له؛ لأنَّ الحسد يظهر في أعمال الجوارح،

 قال تعالى :

 { بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }
[آل عمران: 118]

 فيخاف عداوتهم له وملامتهم إياه،
 فيتألفهم بمعالجة نفسه، وسلامة صدره.


9– أن يعمل بنقيض ما يأمره به الحسد؛
فإن حمله الحسد على القدح في محسوده،
كلَّف لسانه المدح له والثناء عليه،
وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له، والاعتذار إليه،
 وإن بعثه على كفِّ الإنعام عليه، ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه.


10- أن يصرف شهوة قلبه في مرضاة الله تعالى:
 فقد جعل الله في الطاعة والحلال ما يملأ القلب بالخير،
وما من صفة من الصفات إلا وجعل لها مصرفًا ومحلًّا ينفذها فيه،
 فجعل لصفة الحسد مصرفًا وهو المنافسة في فعل الخير،
 والغبطة عليه، والمسابقة إليه،
وجعل لصفة الكبر التي تؤدي للحسد مصرفًا ،
 هو التكبر على أعداء الله تعالى وإهانتهم ،

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  
 لمن رآه يختال بين الصفين في الحرب :  

 ( إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن )


  وجعل لقوة الحرص مصرفًا وهو الحرص على ما ينفع ،

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :  

 ( احرص على ما ينفعك )


الوسائل المعينة على دفع شر الحاسد عن المحسود  

ذكر ابن القيم عشرة أسباب تدفع شر الحاسد عن المحسود : 

1- التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به،
 والله تعالى سميع لاستعاذته، عليم بما يستعيذ منه،

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
[ سورة الفلق ].


2- تقوى الله ، وحفظه عند أمره ونهيه؛
فمن اتَّقى الله تولى الله حفظه ، ولم يكله إلى غيره  

قال تعالى :

{ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا }
 [ آل عمران : 120 ]

 وقال النبي صلى الله عليه وسلم  
 لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما :  

 ( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك )

  فمن حفظ الله ، حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه ،
 ومن كان الله حافظه وأمامه ،
فممن يخاف ؟!


3- الصبر على عدوه، وألا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا،
 فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله،
 ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه،
كان بغيه جندًا وقوة للمبغي عليه المحسود،
 يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر، فبغيه سهام يرميها من نفسه،

 وقد قال تعالى :

 { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ }
 [ الحج : 60 ]

 فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقَّه أولًا،
 فكيف بمن لم يستوفِ شيئًا من حقِّه ؟!


4- التوكل على الله :

 { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
[ الطلاق : 3 ]

والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق
من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فإنَّ الله حسبه أي كافيه،
 ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه،
ولا يضرُّه إلا أذى لا بد منه، كالحرِّ والبرد والجوع والعطش،
 وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا،
وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له؛
وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه،
 وبين الضرر الذي يتشفى به منه.


5- فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه،
وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه،
ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، ولا يجعل قلبه معمورًا بالفكر في حاسده،
 والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام منه،
 فهذا التفكير مما لا يتسع له إلا قلب خراب، لم تسكن فيه محبة الله،
 وإجلاله وطلب مرضاته، وهذا العلاج من أنفع الأدوية،
 وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.


6- الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه
 في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئًا فشيئًا،
 حتى يقهرها، ويغمرها، ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره، وهواجسه،
 وأمانيه كلها في محابِّ الرب، والتقرب إليه، وتملقه، وترضيه،
 واستعطافه، وذكره.


7- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه

فإنَّ الله تعالى يقول :

{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }
[ الشورى : 30 ]

 وقال لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم :

{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا
 قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ }
[ آل عمران : 165 ]

 فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه،
 وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها،
 وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره.


8- الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنَّ لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء،
ودفع العين وشرِّ الحاسد، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط
على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملًا فيه
 باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة.


9- إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه،
فكلما ازداد أذى وشرًّا وبغيًا وحسدًا، ازددت إليه إحسانًا،
وله نصيحة، وعليه شفقة، وهذا من أصعب الأسباب على النفس
 وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله،

 قال تعالى :

 { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *
 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
 [ فصلت : 34 – 36 ]

واعلم أنَّ لك ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها،
وترجوه أن يعفو عنها، ويغفرها لك، ويهبها لك.
ومع هذا ينعم الله عليك، ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان
 فوق ما تؤمِّله، فإذا كنت ترجو هذا من ربِّك أن يقابل به إساءتك،
فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم؛
 ليعاملك الله هذه المعاملة؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل.


10- تجريد التوحيد والانتقال بالفكر إلى المسبب العزيز الحكيم،
 والعلم بأنَّ الحسد لا يضرُّ ولا ينفع إلا بإذنه،
فهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه،

قال تعالى :

{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ
إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ }
[ يونس : 107 ]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم  
 لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما :  

 (واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك ،
 لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك ،
 لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك ) .

وقال الجاحظ :

[ فإذا أحسست  رحمك الله  من صديقك بالحسد ،
فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنَّه أعون الأشياء لك على مسالمته،
وحصن سرَّك منه تسلم من شرِّه وعوائق ضرِّه،
وإياك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنك خدع ملقه ، وبيان ذلقه ،
 فإنَّ ذلك من حبائل نفاقه ]


نماذج من الحساد  

1 - حسد إبليس .
2 - حسد قابيل لأخيه هابيل .
3 - حسد إخوة يوسف .
4 - حسد اليهود والنصارى .
5 - حسد كفار قريش .
6 - حسد المنافقين .
7 - طالب العلم والحسد .


1 - حسد إبليس  

خلق الله جل وعلا آدم عليه السلام وشرَّفه وكرَّمه،
وأمر الملائكة بالسجود له، ولكن إبليس تكبر وبغى،
 وحسده على هذه المنزلة؛

 قال تعالى :

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ
فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ
 قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ
قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }
 [ الأعراف : 11 , 12 ]


قال قتادة :

 [ حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه من الكرامة،
 وقال: أنا ناريٌّ وهذا طينيٌّ ]


   وقال ابن عطية :

[ أول ما عصي الله بالحسد، وظهر ذلك من إبليس ] .

ومن شدة حسد إبليس أنه لما تبين مقت الله له وغضبه عليه،
 أراد أن يغوي بني آدم ليشاركوه المقت والغضب،
 وقد ذكر الله حال إبليس هذا

 قال تعالى :

 { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ
وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }
[ الأعراف : 16 , 17 ]


 قال ابن القيم :  

[ الحاسد شبيه بإبليس، وهو في الحقيقة من أتباعه؛
 لأنَّه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس، وزوال نعم الله عنهم،
 كما أنَّ إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسدًا،
فالحاسد من جند إبليس ].


2 - حسد قابيل لأخيه هابيل  

قال تعالى :

 { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ
 قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي
مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ
وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ
 فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
 [المائدة: 27- 30]

  فإن آدم عليه السلام   لما بعث إلى أولاده، كانوا مسلمين مطيعين،
 ولم يحدث بينهم اختلاف في الدين، إلى أن قتل قابيل هابيل؛
 بسبب الحسد والبغي .


3 - حسد إخوة يوسف  

قال تعالى :

{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ
إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا
يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ }
[ يوسف : 7- 9 ]


قال الماوردي :

[ كان يعقوب قد كلف بهما؛ لموت أمهما، وزاد في المراعاة لهما،
 فذلك سبب حسدهم لهما، وكان شديد الحبِّ ليوسف،
 فكان الحسد له أكثر، ثم رأى الرؤيا فصار الحسد له أشد ]


4 - حسد اليهود والنصارى  

بيَّن الله تعالى أنَّ أهل الكتاب الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم
حسدوه على ما آتاه الله من فضله، حتى إنهم زعموا أنَّ كفار مكة
أهدى من المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم،

قال تعالى :  

 { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ
سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
 فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا  }
 [ النساء : 51- 54 ]

ومع كفرهم فإنهم يودون لو يرتد المسلمون عن دينهم حسدًا وحقدًا،

 قال تعالى :

 { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }
 [ البقرة : 109 ]


قال ابن كثير :

 [ يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب ،
 ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر ،
وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين ،
 مع علمهم بفضلهم، وفضل نبيهم ]


5 - حسد كفار قريش  

أكرم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة،
ولكن كفار قريش حسدوه على هذا الفضل،
وظنوا أنَّ النبوة مبنية على مقاييسهم الدنيوية المختلة،
 وقد ذكر الله تعالى ذلك عنهم ووبخهم على سوء فهمهم،

 قال تعالى :

{ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ
عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ
 فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }
 [ الزخرف : 31 , 32 ]


 قال النسفي :

{ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ }
 [ القصص : 69 ]

 تضمر صُدُورُهُمْ من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده،
 وما يعلنون من مطاعنهم فيه،
وقولهم : هلا اختير عليه غيره في النبوة


6 - حسد المنافقين  

المنافقون يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والعداوة،
وتكاد قلوبهم تشقق حسدًا وغيظًا وحقدًا،

قال تعالى :

{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا
 وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
 [ آل عمران : 120 ]


قال ابن كثير :  

[ وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين،
وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد،
 وكثروا وعز أنصارهم؛ ساء ذلك المنافقين،
وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب، أو أديل عليهم الأعداء
لما لله تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم أحد،
 فرح المنافقون بذلك  ].
 
 وقال تعالى :

 { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ }
[ محمد : 29 ]


قال ابن كثير :

[ أيعتقد المنافقون أنَّ الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين،
 بل سيوضح أمرهم، ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر،
 وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة، فبيَّن فيها فضائحهم،
وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة،
 والأضغان: جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد،
والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره .]


 7 - طالب العلم والحسد  

عندما تنظر إلى واقع بعض طلاب العلم
ترى كثيرا من الصفات الحسنة،
مثل: المودة و الإخاء والتناصح .

ولكنك تتعجب من وجود بعض الآفات التي دخلت
على قلوب بعض الطلاب فإذا بك تتفاجأ عندما تعلم
بدخول آفة الحسد بينهم.

وهذا بلا شك نذير خطر وباب شر لابد من السعي إلى إزالته.


وقديماً قيل :  

 [ ما خلا جسد من حسد ولكن الكريم يخفيه واللئيم يبديه ].

وكلنا يعلم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم :   

( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب
ولكن في التحريش بينهم )
 مسلم

وهذا الحديث يبين أن الشيطان حريص على إفساد القلوب
وتعبئتها بالحسد والغل والحقد وهذا ليس بغريب على الشيطان
 الذي هو العدو لجميع البشر

{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا }
[ فاطر : 6 ].

ولم يسلم من داء الحسد إلا القليل من الناس والتاريخ مليء بالحساد،
 حتى ظهر الحسد على العلماء والصالحين
فهذا ابن تيميه حسده بعض علماء عصره حتى كان السجن مصيره
 وهذا ابن قدامه حسده بعض العلماء حتى أفتوا بتكفيره وحبسه
والأمثلة من حياة العلماء كثيرة .


وإليك أيها المتعلم   
بعضا من صور الحسد الموجودة بين بعض الطلاب :  

· الحسد لبعض المتميزين بالصوت الحسن
 والتلاوة الجيدة.

· الحسد على المتميزين
 في حفظ المتون.

· الحسد على بعض الطلاب
الذين لهم مكانة عند بعض العلماء.

· الحسد على بعض الطلاب الأذكياء.

· الحسد على من يشتهر من الطلاب
عند المسؤلين والكبار.

· الحسد على من عنده حب للقراءة
واستثمار الوقت.

والأمثلة كثيرة لا تحصى .


فالواجب على طالب العلم الصادق أن يجاهد نفسه   
على تطهير قلبه من الحسد والحقد والبغضاء،   
وهذا الأمر يتم بأمور منها:  

1. العلم واليقين باطلاع الله تعالى
 على ما يدور في قلبك.


2. مجاهدة النفس على ترك الحسد

{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }
[ العنكبوت :69 ].


3. أكثر من الدعاء للشخص الذي تحسده.


4. أكثر من الثناء عليه في المجالس
 لكي تزيل كل دوافع الشيطان التي يدخل من خلالها إلى الحسد.


5. ادع ربك أن يطهر قلبك ويصلح سريرتك من هذه الآفات .


 علامات الحاسد

قال الجاحظ :

 [ وما لقيت حاسدًا قط إلا تبين لك مكنونه بتغير لونه،
وتخوُّص عينه، وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك،
والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك ].

من أخبار التحاسد

كان الخليفة الناصر الأندلسي قد وشح ابنه الحكم، وجعله ولي عهده،
 وآثره على جميع ولده، ودفع إليه كثيرًا من التصرف في دولته،
فحسده أخوه عبد الله، فأضمر في نفسه الخروج على أبيه،
وتحدث مع من داخله شيء من أمر الحكم من رجالات أبيه،
 فأجابه بعضهم، ثم إنَّ الخبر بلغ الخليفة الناصر، فاستكشف أمرهم،
 وقبض على ابنه عبد الله وعلى جميع من معه،
 وقتلهم أجمعين سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة  .


كان جنكيز خان سنَّ لقومه الياسق يتحاكمون إليه،
وقرر فيه قتل من رعف وسال منه الدم وهو يأكل،
وقرر لهم أن من لم يمضِ حكم الياسق قتل،
وأراد أن يقتل بعض من حوله من كبار قومه للتحاسد الذي يظهر منهم،
 فتركهم يومًا وهم على سماطه ورَعَّف نفسه، فلم يجسر أحد أن يمضي فيه
حكم الياسق لمهابته وجبروته، فتركوه ولم يطالبوه بما قرره،
وهابوه في ذلك، فتركهم أيامًا، ثم جمع مقدميهم وأمراءهم،

وقال :
 لأي شيء ما أمضيتم فيَّ حكم الياسق،
وقد رعفت وأنا آكل بينكم؟

قالوا :
 لم نجسر على ذلك

 فقال :
لم تعملوا بالياسق ولا أمضيتم أمره، وقد وجب قتلكم،
 فقتلهم أجمعين من نوادر التحاسد


قال الشعبي :

[ وجهني عبد الملك إلى ملك الروم، فلما انصرفت دفع إليَّ كتابًا مختومًا،
 فلما قرأه عبد الملك رأيته تغير،
وقال: 
يا شعبي، أعلمت ما كتب هذا الكلب ؟

قلت:
 لا،

قال:
إنه كتب: لم يكن للعرب أن تملك إلا من أرسلت به إليَّ ؟

 فقلت:
 يا أمير المؤمنين، إنه لم يركَ، ولو رآك لكان يعرف فضلك،
 وإنه حسدك على استخدامك مثلي! فَسُرِّي عنه ]


وقال الأصمعي :

[ كان رجل من أهل البصرة بذيئًا شريرًا،
 يؤذي جيرانه ويشتم أعراضهم ، فأتاه رجل فوعظه ،
 فقال له :
 ما بال جيرانك يشكونك ؟

قال:
 إنهم يحسدونني؛

قال له:
 على أي شيء يحسدونك ؟

قال:
على الصلب،

قال:
 وكيف ذاك ؟

قال:
 أقبل معي .

فأقبل معه إلى جيرانه، فقعد متحازنًا،

فقالوا له:
ما لك؟

قال:
طرق الليلة كتاب معاوية :
 أني أصلب أنا ومالك بن المنذر وفلان وفلان

- فذكر رجالًا من أشراف أهل البصرة

فوثبوا عليه، وقالوا:
يا عدو الله، أنت تصلب مع هؤلاء ولا كرامة لك ؟!

فالتفت إلى الرجل فقال:
 أما تراهم قد حسدوني على الصلب،
 فكيف لو كان خيرًا! ]


تحاسد بعض طلبة العلم والأقران

قد يجرُّ التنافس بين بعض طلبة العلم إلى الوقوعِ في بعض التحاسد،

 قال الذهبي :

[ كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة،
 أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله،
وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين،
 ولو شئت لسردت من ذلك كراريس،

{ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
[ الحشر : 10 ]


وذكر الغزالي حال بعض أولئك الحسدة ؛ فقال :

 [ واحذر مخالطة متفقهة الزمان، لا سيما المشتغلين بالخلاف
 والجدال واحذر منهم؛ فإنهم يتربصون بك- لحسدهم- ريب المنون،
 ويقطعون عليك بالظنون، ويتغامزون وراءك بالعيون،
ويحصون عليك عثراتك في عشرتهم، حتى يجابهوك بها في حال
غيظهم ومناظرتهم، لا يقيلون لك عثرة، ولا يغفرون لك زلة،
ولا يسترون لك عورة، يحاسبونك على النقير ، والقطمير ،
ويحسدونك على القليل والكثير، ويحرضون عليك الإخوان بالنَّمِيمَة،
 والبلاغات، والبهتان، إن رضوا فظاهرهم الملق،
وإن سخطوا فباطنهم الحنق، ظاهرهم ثياب، وباطنهم ذئاب.

هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم، إلا من عصمه الله تعالى؛
 فصحبتهم خسران، ومعاشرتهم خذلان.
هذا حكم من يظهر لك الصداقة ، فكيف من يجاهرك بالعداوة  ؟ ].

وقد نهى العلماء عن الخوض في أهل العلم
 بلا برهان واضح وبينة ساطعة


 قال ابن عبد البر :

[ لا يقبل فيمن صحت عدالته، وعلمت بالعلم عنايته، وسلم من الكبائر،
 ولزم المروءة والتصاون ، وكان خيره غالبًا، وشرُّه أقل عمله،
 فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به،
وهذا هو الحقُّ الذي لا يصحُّ غيره إن شاء الله



قال أبو العتاهية :

بكى شجوه الإسلام من علمائه          فما اكترثوا لما رأوا من بكائه
فأكثرهم مستقبح لصواب من            يخالفه مستحسن لخطائه
فأيهم المرجو فينا لدينه          وأيهم الموثوق فينا برأيه ]


وصف البلغاء والحكماء للحسد

قد أكثر الكتاب والبلغاء والحكماء من وصف الحسد والتحذير منه،
وما ذاك إلا لشديد قبحه ودناءته؛

ومن ذلك :

قال بعض الحكماء :

[ ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر، من الحسد،
وذلك أنَّ الحاسد معاند لحكم الله، باغٍ على عباده، عاتٍ على ربه،
يعتدُّ نعم الله نقمًا، ومزيده غيرًا، وعدل قضائه حيفًا، للناس حال وله حال،
 ليس يهدأ ولا ينام جشعه، ولا ينفعه عيشه، محتقر لنعم الله عليه،
 متسخط ما جرت به أقداره، لا يبرد غليله، ولا تؤمن غوائله؛
إن سالمته وَتَرك، وإن واصلته قطعك، وإن صرمته سبقك ] .

وسئل بعض الحكماء :
 أي أعدائك لا تحبُّ أن يعود لك صديقًا ؟

 قال :
 الحاسد الذي لا يرده إلى مودتي إلا زوال نعمتي  .

وقيل :
 من صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة  .

وقيل :
 ليس من الحسد سرور  .

وقيل :
 من علامات الحاسد أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب،
 ويشمت بالمصيبة إذا نزلت  .

وقيل :
 الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت  .

وقيل :
 الحاسد يعمى عن محاسن الصبح  .

وقيل :
  الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمة حسود


ذم الحسد في واحة الشعر

أكثر الشعراء من ذكر الحسد والحساد،
وأطنبوا في وصف ذلك الخلق الذميم والتندر بأصحابه،

ومن ذلك :

قال ابن المعتز :

ما عابني إلا الحسو               دُ وتلك من خيرِ المعايب
وإذا فقدتُ الحاسديـ                ن فقدتُ في الدنيا المطايب  


وقال محمود الوراق :

أعطيت كلَّ الناسِ من نفسي الرضا            إلا الحسودَ فإنَّه أعياني
لا أنَّ لي ذنبًا لديه علمتُه         إلَّا تظاهر نعمةِ الرحمنِ
يطوي على حنقٍ حشاه لأن رأى                عندي كمالَ غنى وفضلَ بيانِ
ما إن أرى يرضيه إلا ذلَّتي               وذهابُ أموالي وقطعُ لساني  


وقال الطغرائي :

جاملْ عدوَّك ما استطعتَ فإنَّه           بالرفقِ يطمع في صلاح الفاسدِ
واحذرْ حسودَك ما استطعت فإنَّه                إن نمت عنه فليس عنك براقدِ
إنَّ الحسودَ وإن أراك توددًا               منه أضرُّ من العدو الحاقدِ
ولربما رضي العدوُّ إذا رأى              منك الجميلَ فصار غير معاندِ
ورضا الحسودِ زوالُ نعمتك التي                أوتيتها من طارف أو تالدِ  
فاصبرْ على غيظِ الحسود فنارُه         ترمي حشاه بالعذابِ الخالدِ
تضفو على المحسودِ نعمةُ ربِّه         ويذوبُ من كمدٍ فؤادُ الحاسدِ  


وقال المعافى بن زكريا النهرواني :

ألا قلْ لمن كان لي حاسدًا         أتدري على من أسأت الأدبْ
أسأتَ على الله في فعلِه            لأنَّك لم ترضَ لي ما وهبْ
فأخزاك عنه بأن زادني           وسدَّ عليك وجوهَ الطلبْ  


وقال الطائي :

وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ          طُويت أتاح لها لسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ          ما كان يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ
لولا التخوفُ للعواقبِ لم تزلْ            للحاسدِ النعمى على المحسودِ  


وقال أبو الأسود :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه         فالقومُ أعداءٌ له وخصومُ
كضرائرِ الحسناءِ قلنَ لوجهِها           حسدًا وبغيًا إنَّه لدميمُ
والوجهُ يشرقُ في الظلامِ كأنَّه          بدرٌ منيرٌ والنساءُ نجومُ
وترَى اللبيبَ محسدًا لم يجترمْ          شتمَ الرجالِ وعرضُه مشتومُ
وكذاك مَن عظمتْ عليه نعمةٌ            حسادُه سيفٌ عليه صرومُ
فاتركْ محاورةَ السفيهِ فإنَّها              ندمٌ وغبٌّ بعدَ ذاك وخيمُ  


وقال آخر :

إن يحسدوني فإني غيرُ لائمِهم          قبلي مِن الناسِ أهلِ الفضلِ قد حُسدوا
فدامَ لي ولهم ما بي وما بهم             ومات أكثرُنا غيظًا بما يجدُ
أنا الذي يجدوني في صدورِهم          لا أرتقي صدرًا منها ولا أردُ  



وقال أبو الحسن التهامي :

إني لأرحمُ حاسديَّ لحرِّ ما               ضمَّت صدورُهم من الأوغارِ  
نظروا صنيعَ الله بي فعيونُهم            في جنةٍ وقلوبُهم في نارِ  


وقال آخر :

كلُّ العداواتِ قد تُرجَى مودتُها           إلا عداوةَ مَن عاداك مِن حسدِ  


وقال آخر :

ما يُحسدُ المرء إلا مِن فضائلِه          بالعلمِ والظرفِ أو بالبأسِ والجودِ  


وقال آخر :

اصبرْ على حسدِ الحسو           دِ فإنَّ صبرَك قاتلُه
النارُ تأكلُ بعضَها          إن لم تجدْ ما تأكلُه