Translate

الأحد، 2 ديسمبر 2012

ما هي الدوجماطيقية؟Dogmatism





الدوجماطيقية تعريب لكلمة Dogmatism، ولها ترجمات عديدة، مثل: وثوقية، قطعية، توكيدية، إيقانية، معتقدية.


فالأصولية الماركسية تتسم بالجمود الأيديولوجي النظري، وهي سمة أي مذهب دوجماطيقي يرفض التجديد؛ حيث تصبح كتابات الآباء المؤسسين مراجع أقرب للنص المقدس.


--------------------------------------------------------------------------------

نشأت الدوجماطيقية منذ بدأ الإنسان يزعم أنه قادر على معرفة الحقيقة المطلقة، وفي نطاق الفلسفة يمكن القول بأن أكثر المذاهب تمثيلا للدوجماطيقية هي معظم الفلسفات القديمة، ومن المتعذر الحديث عن مضمون هذه الفلسفات في هذا السياق؛ لأن الدوجماطيقية -كما أسلفنا- ليست مضمونا بقدر ما هي سمة وموقف يزعم امتلاك الحقائق اليقينية المطلقة. وتعد فلسفات بارمنيدس وأفلاطون وأرسطو والمدرسة الأفلوطينية الجديدة نماذج جيدة للفلسفة الدوجماطيقية بامتياز.

وقد ترك لنا بارمنيدس قصيدة "في الطبيعة" التي يذكر فيها ما يعتقد أنه الحقيقة المطلقة على نحو دوجماطيقي يقيني.

أما أفلاطون فمحاوراته تحمل اعتقادا دوجماطيقيا بعالم المثل وبتصورات دوجماطيقية لطبيعة الكون والحياة والإنسان وشئون السياسة والاجتماع البشري. ومن هذه المحاورات "محاورة الجمهورية" و"فيدون" و"مينون" و"القوانين"...إلخ.

ونجد الطابع الدوجماطيقي في ميتافيزيقا أرسطو لا سيما في كتابه "الميتافيزيقا". والحال نفسه في أعمال أفلوطين Plotinus الفيلسوف المصري اليوناني (203م- 269 أو 270م)، لكن مع مزيد من الدوجماطيقية المفرطة، لا سيما في كتابه "التاسوعات".

وفي العصور الوسطى نجد معظم فلاسفة المدارس الفكرية وعلماء اللاهوت مثل أوغسطين وتوما الأكويني.

أما في العصور الحديثة فتتمثل الفلسفات الدوجماطيقية في الفلسفات العقلية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، مثل فلسفة ديكارت، ويمكن القول بأن دوجماطيقية ديكارت أشبه باللاهوتية، وما العقلانية عنده إلا قناع مضلل، وأيضا بسكال، ومالبرانش، وإسبينوزا، وليبنتز؛ فكثير من أطروحاتهم تتسم بالدوجماطيقية.

وقد اعتبر كانط أن فولف Wolff أكبر الفلاسفة الدوجماطيقيين جميعا؛ لأنه لم يمهد طريق العلم بواسطة نقد العقل وبيان حدوده وقدراته، كما يعتبر أن دوجماطيقية فولف تشتمل على نقص لا يمكن أن ينسب إليه وحده؛ لأنه ينسب كذلك إلى طريقة التفكير الدوجماطيقية الذائعة في عصره.

وكريستيان فون فولف C.V.Wolff: فيلسوف ألماني ولد سنة 1679م. ومات 1754م. وله فضل على اللغة الفلسفية الألمانية، وكان تلميذا ليبنتز. ومن مؤلفاته "الفلسفة الأولى أو الأنطولوجيا"، "الكوسمولوجيا العامة"، "علم النفس التجريبي" و"اللاهوت الطبيعي" وغيرها.

وبعد فولف نجد فلسفة هيجل في القرن التاسع عشر؛ حيث زعمت امتلاك الحقيقة المطلقة، وفسرت كل شيء بطريقة دوجماطيقية شاملة، واعتبرت نفسها الفلسفة المطلقة التي حازت كل معرفة بالحقيقة. بل يمكن القول بأن أكبر فلسفة اتسمت بالدوجماطيقية في العصر الحديث هي فلسفة هيجل.

ومن أكبر الممثلين للدوجماطيقية في القرن العشرين الأصولية الماركسية التي تزعم أن تعاليم ماركس ولينين هي مبادئ وقواعد مطلقة تصلح لكل زمان ومكان. والأصولية الماركسية تتسم بالجمود الأيديولوجي النظري، وهي سمة أي مذهب دوجماطيقي يرفض التجديد؛ حيث تصبح كتابات الآباء المؤسسين مراجع أقرب للنص المقدس.

وهؤلاء قد تعرضوا لنقد شديد من الماركسيين الجدد الذين ينظرون بمرونة إلى تعاليم ماركس، كما أن الدوجماطيقيين الماركسيين بدورهم هاجموا نقادهم، واتهموهم بأنهم فسروا تعاليم ماركس بطريقة تتلاءم مع المتغيرات والضغوطات الدولية في ظل هيمنة الرأسمالية.

وهكذا نجد أن كثيرا من المدارس الفلسفية والفلاسفة والأفراد تتسم مواقفهم بإحدى سمات الدوجماطيقية، أو تشتمل مذاهبهم على أصل أو أكثر من أصولها، ومن ثم تتخذ فلسفاتهم شكلا أو أكثر من أشكال الدوجماطيقية المذكورة آنفا. ومن المتعذر إحصاء الفلسفات والمذاهب الدوجماطيقية، خاصة أنها سمة وليست مذهبا دينيا أو عقليا محددا، بل هي تسري في معظم المذاهب.

الرؤية الإسلامية والدوجماطيقية


--------------------------------------------------------------------------------

ومن أكبر النماذج الفقهية البارزة لمناهضة ورفض الدوجماطيقية المنغلقة الإمام الشافعي الذي اختلف مذهبه الفقهي في مصر عن مذهبه القديم في العراق، ومن بين أسباب هذا الاختلاف مراعاة ظروف الزمان والمكان.


--------------------------------------------------------------------------------

الدوجماطيقية يرفضها كثير من علماء أصول الفقه الإسلامي الذين يراعون في تفكيرهم المصالح المرسلة، والضرورات، والاستحسان، وظروف العصر.

ومن أكبر النماذج الفقهية البارزة لمناهضة ورفض الدوجماطيقية المنغلقة الإمام الشافعي الذي اختلف مذهبه الفقهي في مصر عن مذهبه القديم في العراق، ومن بين أسباب هذا الاختلاف مراعاة ظروف الزمان والمكان.

لكن من جهة أخرى يتسم بعض الفقهاء بهذه السمة الدوجماطيقية، حين يرفضون مراعاة ظروف المكان والزمان، ولا يأخذون بالمصالح المرسلة والاستحسان وغيرهما، وهو ما يحدث حين يغلب التقليد في الفقه على الاجتهاد. كما نجد الدوجماطيقية عند بعض التيارات المتعصبة في علم الكلام وأصول الدين؛ حيث يعولون على قدرة العقل التي يزعمون مطلقيتها، ويعطونها الحق في تناول الصفات الإلهية! أو لدى الذين يفهمون آيات الصفات فهما تشبيهيا أو تجسيميا استنادا للفهم الظاهري لبعض النصوص.

ومن ناحية أخرى فإن من فساد منطق أي فكر الزعم بأن أي تعاليم بشرية هي مبادئ وقواعد مطلقة تصلح لكل زمان ومكان. فالبشر ذوو عقول نسبية متغيرة، ومن ثم فإن على الإنسان أن يسعى لمعرفة الحقيقة بالبحث في الكون والنفس، وفي كلام الله المنزل، دون الزعم باحتكار حق التفسير.

والقرآن يؤكد على إمكانية المعرفة ووجود معايير للمعرفة الحقة، وينتقد الأساليب الزائفة غير البرهانية، ويدعو للمعرفة التجريبية المبنية على النظر في الكون والآفاق والنفس، وغير ذلك من الأساليب التي توصل للمعرفة المضبوطة.


--------------------------------------------------------------------------------

والقرآن يؤكد على إمكانية المعرفة ووجود معايير للمعرفة الحقة، وينتقد الأساليب الزائفة غير البرهانية، ويدعو للمعرفة التجريبية المبنية على النظر في الكون والآفاق والنفس، وغير ذلك من الأساليب التي توصل للمعرفة المضبوطة.


--------------------------------------------------------------------------------

ويرفض القرآن بوضوح التسليم بأقوال السابقين دون الاستناد إلى براهين يقينية، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} ( البقرة:170). وهذا أمر مستهجن وضد مبادئ العقل المنطقي وضد البداهة؛ لأن المعتقدات ينبغي أن تؤسس على براهين وليس على سلطة الرجال، وإنما يكون الاشتراك في المنهج لا في الظرف، وتجميد شروطه، وتجاهل حركة النص في التاريخ.




والموقف الفلسفي الأمثل هو الموقف النقدي الذي ينقد العقل لبيان قدراته وحدوده، والشروط التي تحكم عمله وتبين ما الذي يستطيع العقل أن يعرفه، وما الذي لا يستطيع أن يعرفه؟ وما هي الطريقة المنضبطة التي يتوصل بها العقل إلى المعارف؟.. فالعقل المنضبط بمعايير البرهنة والاستدلال العلمي له دور لا يُنكر في عملية المعرفة بالواقع، وفي الاستدلال على وجود الله تعالى، لكنه غير قادر على معرفة الغيب، عندها يجب عليه التسليم. ومع الإقرار بنسبية العقل البشري وتطوره بتطور العلم والمعارف، وجب نبذ الجمود الأيديولوجي النظري الذي تتسم به الدوجماطيقية التي تعارض التنوع والحوار والتجديد والارتقاء وسنن التغير.

ليست هناك تعليقات: